تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

ملتقى : الهوية وحقوق الإنسان في الفكر المعاصر

عبدالوهاب بلغراس

ملتقى: الهوية وحقوق الإنسان في الفكر المعاصر

وهران - الجزائر، عقد في الفترة 19 - 20 نوفمبر 2012م

الدكتور عبدالوهاب بلغراس*

* دكتوراه فلسفة، باحث دائم بالمركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية - وهران - الجزائر

 

 

 

 

عُقد في جامعة وهران غرب الجزائر، الملتقى الدولي الرابع حول موضوع: (الهوية وحقوق الإنسان في الفكر المعاصر)، نظّم الملتقى مخبر الأبعاد القيمية للتحوّلات بالجزائر، بالتعاون مع مخبر فلسفة.. علوم وتنمية، وعقد في الفترة ما بين 19 و20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012م، وأُقيمت أعمال الملتقى بقاعة المحاضرات في كلية العلوم الاجتماعية جامعة وهران، حضر الملتقى جمع من الأكاديميين وأساتذة الجامعات من جامعات جزائرية عدة، كما حضر المؤتمر جمع من طلبة الدراسات العليا في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة وهران.

توزَّعت أعمال الملتقى في خمس جلسات علمية، إلى جانب برنامج الافتتاح، وجلسة الاختتام، في هذه الجلسات الخمس قُدِّم ما يقارب من عشرين ورقة بحثية، تناولت موضوع الهوية وحقوق الإنسان من جوانب وأبعاد عدة.

 أعمال اليوم الأول

في برنامج الافتتاح أُلقيت كلمات لكل من عميد كلية العلوم الاجتماعية الدكتور مزيان محمد، ورئيس قسم الفلسفة الدكتور سواريت بن عمر، ورئيس مخبر الأبعاد القيمية الدكتور عبد القادر بوعرفة، ورئيسة مخبر فلسفة الدكتورة محمدي رياحي رشيدة، بالإضافة إلى كلمة للدكتور البخاري حمانة.

بعد ذلك بدأت جلسة العمل الأولى وترأسها الدكتور الزاوي حسين، والكلمة الأولى في هذه الجلسة كانت للدكتور نذير معروف من فرنسا، بعنوان: (البراديغم الهوياتي ومكانته الإبستمولوجية في حقل العلوم الاجتماعية)، بيّن فيها أن العودة أو التأصيل للهوية يُشكّل العنصر الرئيسي في الأدبيات السوسيولوجية، وفي العلوم الاجتماعية عموماً، غير أن هذه المرجعية ليست بالضرورة على المستوى نفسه في الواقع، ولا حتى على مستوى الحقل المعرفي. ومن هنا تناول هذا التنوع في النظرة الهوياتية بغية الوصول إلى أرضية للتفكير حول حقيقة الهوية عندنا، وقد استعان بالدراسات الاجتماعية التي تناولت المسألة كالحديث عن إمكانية وجود سوسيولوجيا الهوية، معرّجاً على التجربة الفرنسية في علاقتها بالهوية، وذلك بعد أحداث فرنسا 1968 برز «الحق في الاختلاف»، وتم إعادة تأهيل الأقليات الثقافية والاختلافات الجهوية، كل هذا استخلص منه حقيقة الهوية عندنا والمتمثلة في الاختلاف داخل الوحدة، إذ لا بد من الاعتراف بالاختلاف داخل المجتمع العربي الإسلامي.

والمتحدث الثاني في هذه الجلسة هو الدكتور بليمان عبدالقادر من جامعة الجزائر، وقد تناول مسألة (الهوية الإسلامية والديمقراطية)، حيث تطرق إلى تجربة العالم العربي السياسية والتي ظلت –حسب قوله- بعيدة عن التناول السياسي للدولة، والمتمثل في الديمقراطية، وكيف أن مختلف التيارات أرادت بناء فكرة الأمة على مرجعيتها الأيديولوجية، الأمر الذي جعل العيش المشترك يكاد يكون غائباً، ويتخبّط بين النهج الشرعي القديم، والنهج الدستوري الحديث، وأشار إلى أن السؤال حول تأسيس السياسة في عالمنا العربي الإسلامي مازال يتراوح بين الأصل المدني الاجتماعي، أو ما يُسمى إرادة الأمة من جهة، وبين الأصل الديني الشرعي من جهة أخرى.

وتحدّث في هذه الجلسة أيضا الدكتور مراجي رابح حول (الهوية ومجتمع المعرفة)، كما تحدثت أيضاً الدكتورة دراس شهرزاد حول (العولمة والهوية العربية والتعليم).

الجلسة الثانية: ترأس هذه الجلسة الدكتور بوزيد بومدين، وتحدث فيها الأستاذ زكي الميلاد من المملكة السعودية حول (الفكر الإسلامي المعاصر والإعلان العالمي لحقوق الإنسان)، حيث أشار إلى الجانب المؤيّد لهذا الإعلان في ساحة الفكر الإسلامي المعاصر، وتحدّد هذا التأييد في ثلاثة مواقف، فهناك من جعله لا يختلف عمَّا جاء في الشريعة، وهناك من وجد فيه لمسة إنسانية، وهناك من سانده دون الغوص في التفاصيل. بعد ذلك أشار المتحدث إلى الجانب النقدي، وقسّمه إلى اتجاهات أربعة، الأول ينتقده من حيث مرجعيته الغربية، والثاني ينتقده من حيث محتوياته المتعارضة مع النصوص الشرعية، والثالث يحاول أن يُقارن بينه وبين إعلان القاهرة الصادر عن منظمة المؤتمر الإسلامي سنة 1990، أما الاتجاه الأخير فينتقد الإعلان العالمي من حيث كونه يوظَّف لخدمة المصالح السياسية والاقتصادية للغرب، وأشار المحاضر في الأخير إلى أن هذا الإعلان يبقى يمثل محطة أساسية لتطوُّر فكرة حقوق الإنسان في العالم.

بعد ذلك تحدّث الأستاذ طالب مناد من جامعة الجزائر وتناول موضوع «دستور المدينة المنورة.. نموذج تطبيقي لفلسفة السلم وقبول الآخر»، محاولاً التأسيس لفلسفة السلم وقبول الآخر في المجتمع الجزائري، بحيث قد يجد المواطن نفسه بين أناس يقاسمونه الوطن الواحد لكنهم يختلفون عنه في الفكر والدين، ومعلوم أن الاختلاف يشكّل بؤراً للتوتر والصراعات الاجتماعية التي من دون شك تُعيق وتُفشل كل مشروع تنموي في مثل هذه الأوطان. ولا يتم هذا التأسيس إلَّا إذا تم ردّه إلى مرجعية يؤمن بها وينقاد لها طواعية. من هنا ركّز على أهمية البعد الديني في نفسية الجزائريين ومدى تعلّقهم بمبادئه، وكيف يحولهم من الخشونة إلى اللين، وحينئذ تتجلى أهمية التأصيل لمثل هذه المفاهيم المستحدثة، وربطها بمرجعية «الأمة» من خلال نموذج تطبيقي سماه المحمدي الواقعي.

والمتحدث الثالث في هذه الجلسة هو الأستاذ قويدري الأخضر من جامعة الأغواط –الجزائر- وتطرق لموضوع «الحداثة الغربية في الوطن العربي.. بين حلم النهضة وخطر الهيمنة الأجنبية» مبرزاً السياقات التاريخية والثقافية التي نشأت عليها الحداثة، وذلك خلال احتكاك العرب بأوروبا -منذ حملة نابليون على مصر- هنا اكتشفت النخب العربية المثقفة ذلك البون الشاسع الذي يفصل بين مجتمع لم يبقَ له إلَّا تراث مهلهل، وبين مجتمع ينعم بحضارة جديدة باهرة. وكانت الصدمة عنيفة أدت إلى تقسيم العقل العربي إلى تيارات مختلفة أرادت جميعها أن تُجيب عن السؤال الحضاري المؤرّق: كيف نتعامل مع الحداثة الغربية؟ واختلفت الإجابات وتباينت الرؤى واصطدم العرب -بعد صراع طويل مع الذات ومع الآخر- بجملة من الانتكاسات. هذه الدراسة طرحت جملة من الإشكالات المتمثلة في القيم التي جاءت بها الحداثة الغربية، وكيف استقبلها العقل العربي الإسلامي، ليصل إلى أنها في غالب الأحيان كانت مبررة للتدخل والهيمنة.

أما الأستاذ الزاوي حمزة من جامعة وهران، فقد تحدَّث عن «الهُوية الثقافية وحقوق الإنسان.. مقارنة سوسيوثقافية»، وكانت مقاربته تهدف إلى فك ما سماه شفرات الهُوية، والهُوية الثقافية وحقوق الإنسان، وذلك من خلال ملامسة العناصر الأساسية لوضع الأفراد والجماعات في علاقتها بالذات والعالم من خلال الحق في الحياة والحق في الحرية، وكل الحقوق المصاحبة لوجود الإنساني، ويتم ذلك ضمن ما يُسمَّى بالحقل السوسيوثقافي.

وفي نهاية الجلسة قدَّمت الأستاذة درقام نادية من جامعة وهران ورقتها بعنوان «حقوق المرأة والرهانات المعاصرة»، حيث أشارت إلى معاناة المرأة تاريخيًّا من جهة النظرة الدونية التي عملت على التشكيك في انتمائها وجوديًّا إلى مرتبة الإنسانية، مما دفع الكثير من المعاصرين إلى رفع شعار حقوق المرأة لإعادة النظر إلى مفهوم المرأة والتعامل معها كإنسان لها كامل الحقوق بحيث لا تختلف في ذلك مع الرجل.

بعد ذلك فتح المجال للمناقشات والمداخلات حول موضوعات الأوراق المقدمة في كلا الجلستين.

 أعمال اليوم الثاني

الجلسة الأولى: ترأست هذه الجلسة الدكتورة محمدي رياحي رشيدة، وتحدّث فيها الأستاذ جمال الدين قويعش حول موضوع «أزمة الهوية والانتماء للوطن.. الواقع والاستشراف»، وتحدّث أيضاً الأستاذ حسين حيمر من تلمسان حول «الهوية والمقاومة.. إدوارد سعيد نموذجاً»، كما تحدثت في هذه الجلسة الأستاذة علجية يموتن من جامعة وهران، وكان موضوع ورقتها «أسئلة النهضة والهوية والتعدّدية في الفكر العربي المعاصر».

الجلسة الثانية: ترأس هذه الجلسة الأستاذ زكي الميلاد من السعودية، وتحدَّث في هذه الجلسة أولاً الدكتور سواريت بن عمر من جامعة وهران، تناول موضوع «حقوق الإنسان أم حقوق الإنسانية.. من خلال تصورات مارسيل كونش»، حيث أشار إلى محاولة مارسيل كونش في نسقه الفلسفي التأكيد على أن حقوق الإنسان تخضع لمحيط ثقافي يختلف من ثقافة لأخرى، و لهذا يقع الإنسان ضحية للمعنى السلبي لهذا التأثير. من هنا يدعو مارسيل كونش لتأسيس ميثاق خاص لحقوق إنسانية تدمج كل التماثلات الممكنة بين الثقافات ونبذ الاختلافات فيما بينها، لفتح إمكانية العيش معاً، واكتساب جميع الحقوق بشكل عفوي وشرعي.

ثم تحدّث الأستاذ عطار أحمد من جامعة أبي بكر بلقايد في تلمسان، وتناول موضوع «الهوية في الفضاء العمومي عند هابرماس»، كما تحدّث في هذه الجلسة الأستاذ عبدالله عبداللاوي من جامعة وهران، وتناول موضوع «حقوق الإنسان وآلام الهامش»، وأشار إلى مسألة ميلاد حقوق الإنسان في ظل التحوُّلات التي مسَّت الخريطة الذهنية والفلسفية والسياسية والقانونية التي عرفتها أوروبا في عصر الأنوار... وكيف استبطن الحق وحقوق الإنسان إنجازات عصر الأنوار ووعوده، نتائجه وتبعاته، والتي سرعان ما استطاع الكثير من الفلاسفة من أمثال ميشال فوكو في النصف الثاني من القرن العشرين الوقوف عليها، وحاولوا مقارنة الإنسان وحقوقه خارج العقلانية التي ليست لبوس التمركز العقلي للغرب، وذلك بالانفتاح على الهامش الذي لم يُعتنَ فيه بتلك الحقوق؟.

والمتحدث الرابع في هذه الجلسة الأستاذ عبدالقادر بودومة من تلمسان، وتناول موضوع «ليفيناس وفينومينولوجيا حقوق إنسان آخر».

الجلسة الثالثة: ترأست هذه الجلسة الدكتورة دراس شهرزاد، وتحدّثت في هذه الجلسة الأستاذة ليلى بوسيف من جامعة وهران، وتناولت موضوع «الهوية والمواطنة»، حيث بيَّنت أن الهوية كيان يتطوَّر وليست معطى جاهزاً ونهائيًّا، فهي تسير إما في اتجاه الانكماش وإما في اتجاه الانتشار، كما أنها تعتني بتجارب أهلها ومعاناتهم وانتصاراتهم وتطلعاتهم. ولا تغدو هوية ممتلئة قادرة على نشدان العالمية إلَّا إذا تجسَّدت مرجعيتها في كيان مشخَّص تتطابق فيه ثلاثة عناصر: الأمة، الدولة، والوطن. وارتأت المتحدثة أن كل مسّ بهذه العناصر هو مسّ بالهوية، فالهوية هي النظارة التي يرى من خلالها المواطنون ما هو صالح وما هو طالح لوطنهم، ومن خلال هذه العناصر تناولت العلاقة بين الهوية والمواطنة.

ثم تحدّثت الأستاذة بلحمام نجاة من وهران، وتناولت موضوع «الهُوية ومطلب القومية في القرآن الكريم»، مشيرة إلى أن القرآن الكريم يطرح فكرة الهُوية خارج مطلب القومية والعرقية المعاصر، وهو مفهوم فكري وحضاري، وهو ما يقوّم في رأيها هُويتنا أمام بقية الثقافات، ففكرة القومية القرآنية كما سجّلت المحاضرة، تدعو إلى مفاهيم الحوار الحضاري والتعايش السلمي.

وتحدّثت في الجلسة الأستاذة صاري رشيدة من جامعة وهران، وتناولت موضوع «الهُوية والتعددية والعولمة»، مُبيِّنة كيف أن فكرة العولمة تطرح آفاقاً جديدةً للتفكير في الهُوية، وهي الهُوية المتفتحة التي تحافظ على أصالة الإنسان لكنها تعترف بوجود الآخر، وتطلب بتعارف الثقافات أو الحوار للاستمرار في الوجود؛ لأن الصراع سيؤدي إلى القضاء على الإنسانية.

بينما تناول الأستاذ جيلالي المستاري من (مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية) وهران، موضوع «خطاب الهوية ومسألة التعدّد المذهبي في الجزائر، وذلك من خلال صورة الإباضية في الكتب المدرسية ما بعد الإصلاح»، حيث جمع بين التنظير الفلسفي والدراسة الميدانية الأنثروبولوجية. وبتحليل مضامين كتب التربية الإسلامية في التعليم الثانوي أراد أن يصل إلى مدى الاعتراف بالتعدّد المذهبي خاصة المذهب الإباضي. ومن هذا التحليل بيّن مدى تأثير الخطاب الرسمي حول القيم الهوياتية الدينية والوطنية في علاقتها بالقيم «العالمية». وقد وصل إلى وجود اعتراف بالمذهب الإباضي في موضوع «المدارس الفقهية وتطورها» كمذهب فقهي وليس كعقيدة، حيث عدّه الكتاب المذهب الفقهي السادس بعد المذاهب السنية الأربعة مضافاً إليها المذهب الظاهري لابن حزم، مع تعريف مختصر ببعض أبرز شيوخه المعاصرين مثل الشيخ إبراهيم بن عمر بيوض، أبو إسحاق إبراهيم اطفيش دونما إشارة إلى أمحمد بن يوسف اطفيش الذي يُعدّ في الخطاب الديني المحلي قطب الإباضية، يبقى هذا المذهب وفق منطق الكتاب المدرسي مصدر «ثروة تشريعية» وليس ثراء عقائديًّا.

هذا وقد أثارت مسألة الهوية بالمفرد والهويات بالجمع، نقاشاً حادًّا بين الحضور، كما أثارت قضية حقوق الإنسان والإنسانية نقاشاً فلسفيًّا، يدل على مدى جدلية المسألة. وإذا كانت حقوق الإنسان من المسائل التي شغلت أراء المفكرين والفلاسفة منذ القدم، وطرحت في الفكر العربي الإسلامي المعاصر كقضية فكرية، سياسية، قانونية وفقهية، فإن انشغال الفكر الإسلامي بالإشكالية كان انطلاقاً من التحوّلات والتغيرات التي شهدها الواقع الإسلامي والعالمي. فمسيرة البشرية اليوم تُعاني من أزمة حادة في القيم إلى جانب تدهور كرامة الإنسان وانتهاك حقوقه، مما قد يُفقد الفرد هويته رغم أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10ديسمبر 1948 يضمن الحق في الحرية والمساواة؛ إذ لا تفرقة بين البشر على أساس العنصر، اللغة، الدين، الوضع السياسي، أو المركز الاجتماعي.

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة