تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

الظاهرة الإعلامية المعاصرة في صورتها التلفزيونية

شفيقة مهري

الظَّاهرة الإعلامية المعاصرة في صورتها التلفزيونية

بين نظرية الغرس الثقافي وأساليب الوقاية من الإدمان

شفيقة مهري*

*         أستاذة بقسم الإعلام والاتصال، كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة سطيف 2، الجزائر

 

 

ﷺ مُفتتح تمهيدي وإشكالي

من أهم الرهانات التي أصبحت تهدد سلامة البناء الاجتماعي للمجتمعات واستقرارها هو التغير الاجتماعي، فمع العولمة الإعلامية أصبحت الثقافة سريعة التغيير نتيجة للتزاوج بين الأنماط الثقافية التي أصبحت تبث قيم غير القيم الموجودة في الثقافة الأصلية، ونحن كمجتمع عربي ينتمي إلى الفضاء الثقافي الإسلامي، أصبحنا في ظل الزخم الإعلامي الثقافي نواجه تحديات بقاء واستمرار الهوية التي أصبحت محل تهديد ثقافات دخيلة، تهدد الهوية الثقافية لمجتمعاتنا العربية، فبالرغم من أهمية التثاقف والاطلاع على ثقافة الآخر إلا أنه يجب ألَّا ندع هذه الثقافات تقتلع جذور ثقافتنا الأصلية، مصدر قوتنا ومنبع قيمنا.

ومن أهم الوسائل الإعلامية التي تنتقل من خلالها المضامين الثقافية هو التلفزيون؛ فمن وظائف الإعلام هو نقل التراث والقيم من جيل لآخر، ونظراً لأهمية التلفزيون في تحقيق هذه النقطة بالذات، حاولنا أن نقدم مداخلة حول التلفزيون، هذه الوسيلة الإعلامية التي يصفها البعض بالساحرة، التي تجعل كل من يتعرض لها لا يستطيع المقاومة ويقع في أفخاخها ويصبح أسيرها.

ذلك أنّه أهم المخاطر التي يشكلها التلفزيون هو خطر التعرض للإدمان، فنتيجة للتعرض المستمر والمكثف لمضامين وبرامج التلفزيون، يصبح المشاهد أسير هذه الوسيلة لدرجة أنه يصبح لا يستطيع الاستغناء عنها، حيث تصبح كالحاجات البيولوجية للإنسان من المأكل والمشرب والنوم، وتصبح حاجة المشاهدة والتعرض للتلفزيون من الحاجات الأساسية التي ينتج نتيجة لعدم التعرض لها توترات واضطرابات لدى المشاهد في بعض الحالات تسبب له الاكتئاب.

فالعلاقة بين المدمن والتلفزيون تصبح علاقة عاطفية تجعل المدمن التلفزيوني دائم الارتباط بها، فمعدل التعرض وكثافة التعرض وطبيعة المشاهدة جميعها عوامل تساهم في تحديد درجة الإدمان التلفزيوني، ومعدل شدته وتأثيره النفسي الاجتماعي والثقافي على المشاهد.

حيث تعتبر القيم والاتجاهات والسلوكيات من أهم العناصر التي تعمل على بناء وتكوين شخصية الفرد، إذن هذه العناصر تتفاعل مع طبيعة المضامين والرسائل التي يتعرض لها الفرد، ومن خلالها يحدد طبيعة قيمه واتجاهاته ومعتقداته وسلوكياته.

هذه الرسائل التي عادة ما يكونها الفرد من مؤسسات التنشئة الاجتماعية، ومع التعرض المكثف للمشاهد التلفزيوني للمضامين والرسائل التلفزيونية من خلال الإدمان التلفزيوني أصبحت القيم والاتجاهات والسلوكيات تتحدد بناءً على ما يغرسه التلفزيون في عقل المشاهد، فتكرار التعرض على المدى الطويل يغير الأنماط السلوكية والقيمية للمشاهد، فتتغير ذهنيته وقيمه واتجاهاته لدرجة لو أرجعنا العد العكسي قبل مرحلة الإدمان لما استطاع هذا المدمن التلفزيوني أن يتصور التغير الجذري الرهيب في شخصيته ونمط تفكيره، وهو ما يثبت علاقة الإدمان بنظرية الغرس الثقافي.

إذن من خلال هذه المطالعة نهدف إلى توضيح مفهوم الإدمان التلفزيوني والعوامل التي تساهم في جعل المشاهد مدمناً على التلفزيون، وكذلك سوف نعالج مختلف التأثيرات التي تترتب على الإدمان التلفزيوني وبالأخص على القيم، الاتجاهات، والسلوكيات، وهنا سوف نعتمد على نظرية الغرس الثقافي كمقترب نظري، وفي ختام المطالعة سوف نوضح أهم طرق معالجة الإدمان التلفزيوني، بداية من مرحلة الطفولة حيث سوف نوضح كيف تقي الأسرة أطفالها من الإدمان التلفزيوني.

إذن من خلال هذا الطرح نحاول أن نطرح التساؤل الرئيسي التالي:

ما هو أثر الإدمان التلفزيوني على قيم واتجاهات وسلوك المدمن على مشاهدة التلفزيون؟

للإجابة عن هذا التساؤل نطرح الأسئلة الفرعية التالية:

- ما هو الإدمان التلفزيوني؟ ومن هي الشريحة الاجتماعية الأكثر إدماناً؟

- كيف تتأثر قيم واتجاهات وسلوكيات المدمن التلفزيون بمشاهدة التلفزيون؟

- كيف نفسر الإدمان التلفزيوني وتأثيراته بنظرية الغرس الثقافي لجربنر؟

- ما هي أساليب معالجة الإدمان التلفزيوني لفئة الأطفال، وذلك من خلال دور الأسرة في تحقيق الوقاية من الإدمان؟

-1-
مفهوم الإدمان التلفزيوني

يقول جربنر وآخرون: «إن التلفزيون من المحتمل أن يبقى لمدة طويلة المصدر الرئيسي لأنساق الرموز المتكررة والطقوساوية، صاقلاً الوعي الجماعي لجماهير تعتبر الأكثر اتساعاً وتغايراً في الخواص على مر التاريخ»[1].

انطلاقاً من الأهمية التي حضي بها التلفزيون في المجتمع من خلال قدرته على تشكيل الرموز والتأثير بها على المتلقي برزت دراسات التعرض لهذه الوسيلة كضرورة ملحة لتفسير خلفيات السلوكيات الدخيلة على الأفراد في المجتمع باعتباره أحد مصادرها، حيث بدأ التركيز من طرف علماء النفس على ظاهرة الإدمان التلفزيوني منذ مطلع الثمانينات، وهو ما يعرف أيضاً بمفهوم التبعية الذي عرفته جمعية علماء النفس الأمريكيين في المؤتمر الذي عقد سنة 1990 على أنه يعني: «مشاهدة التلفزيون الكثيفة التي يعيشها الفرد بصفة لا إرادية إلى حدٍّ ما، وتعرض نشاطات أكثر إنتاجية، وهي صعبة التوقيف أو التقليل منها»[2].

والصورة العامة التي تكونت حسب العديد من الدراسات حول الظاهرة مفادها أن المبحوثين الذين اعتبروا أنفسهم مدمنين على التلفزيون كانوا على العموم غير سعيدين، وقلقين ومنطوين أكثر من المشاهدين الآخرين الذين استعملوا التلفزيون ليرفهوا عن أنفسهم، ويقضوا على المزاج السلبي والحيرة والملل، وهو فعلاً ما أثبته التراكم النظري الذي كان يهدف إلى معرفة طبيعة العلاقة التي ينسجها المشاهد مع التلفزيون، والمحتوى مركزاً بذلك على الوقت الذي يقضيه المشاهد أمام شاشة التلفزيون.

ومن هنا برز بوضوح مفهوم الإدمان التلفزيوني «Television Addiction» وكذا المداومة على المشاهدة، أو المشاهدة الكثيفة إذا التزمنا بالترجمة الحرفية لـ: Heay Viewing، والذي اقتضى ضرورة التمييز بين المشاهدة العادية/ الطبيعية، والمشاهدة المشكلة/ المرضية، وكذا الاهتمام بالآثار الممكنة للمشاهدة العادية والمشاهدة المرضية على المستوى المعرفي، العاطفي والسلوكي[3].

وعليه يمكن أن نعرف الإدمان على أنه: «كل أشكال السلوك المفرط كالتبعية غير الطبيعية للمخدرات مثل: الخمر، الكافيين، المسكنات والأكل، والتمارين الرياضية، والمقامرة والرهان، والمشاهدة التلفزيونية». وتكون له عدة أسباب، منها السبب الاجتماعي المرتبط بالعوامل الديمغرافية التي تجعل الإنسان يشعر بالغبن، ويجد في نفسه الحاجة إلى تعويضها، والسبب النفسي المتعلق بالسمات الشخصية للفرد كالكآبة والنشاط المكثف اللذين يشجعان على الإدمان، وكذا الضغط الذي تمارسه جماعات الأصحاب والأصدقاء والذي يؤدي بدوره إلى الإدمان.

وقد توصلت الباحثة Rubin إلى أن المحفزات الأساسية لسلوك المدمن تكمن في:

* الهروبية: وتتمثل في التقليل من الألم والضغط.

* التعويض: بمعنى تقدير الذات، الإحساس المفرط بالمراقبة، السلطة.

* الطقوس: التبسيط، التوقع، والتجربة الآنية[4].

وقد طرح Win سنة 1970 فرضية أن التلفزيون يحمل خصائص الإدمان في بحثه بعنوان: «The plug- in drug»، وشكل ذلك قلقاً لدى الباحثين خاصة على مستوى توظيف المصطلح الملائم للتعبير عن ظاهرة المشاهدة التلفزيونية الكثيفة.

وعليه فنحن عندما نتحدث عن الإدمان التلفزيوني لا نعني به المداومة على مضمون تلفزيوني معين، وإنما المقصود هو الإدمان على التلفزيون والارتباط بالوسيلة ذاتها بغض النظر عن المحتوى المعروض، وكأن شيئاً في التلفزيون يدفعنا بمجرد البدء في المشاهدة إلى المشاهدة والاستمرارية فيها لمدة أطول مما كنا نتوقع[5].

وعليه يمكننا التمييز بين أربعة نماذج نظرية في دراسة الإدمان التلفزيوني وهي:

1- إن الإدمان التلفزيوني يقوم على تأثير التلفزيون على الخيال والحياة الوهمية.

2- الإدمان التلفزيوني هو وظيفة آثار التلفزيون على مستوى اليقظة.

3- إن الإدمان التلفزيوني هو تعبير على شخصية فموية، مستقلة أو شخصية مدمنة.

4- إن الإدمان على التلفزيون هو نموذج متميز للاستخدامات والإشباع المرتبطين بالتلفزيون[6].

أكدت الدراسات الإمبريقية التي أجريت حول الإدمان على التلفزيون اعتماداً على كتاب: «التشخيص والإحصاء» للجمعية الأمريكية للأطباء النفسانيين، على أن التلفزيون يحمل خصائص الإدمان وهي كالتالي:

يتكون مفهوم الإدمان من أربعة عوامل تشكل المتغيرات الأربعة التي نعتمد عليها في تحديد المعنى الكلي للإدمان على المشاهدة التلفزيونية، وهي كما يلي:

المشاهدة المشكلة: نعني بهذا العنصر، الحالة التي تسبب فيها المشاهدة التلفزيونية مشكلة بالنسبة للفرد المشاهد، ونشير هنا إلى أن طبيعة المشاكل لا تقتصر على علاقة الفرد مع محيطه، وإنما يدخل في إطار هذه المتاعب الشعور بالذنب الذي يمكن أن تثيره المشاهدة التلفزيونية لدى الفرد.

المشاهدة الضخمة/ الكثيفة: لا نعني بعامل المشاهدة الضخمة الكثرة بالضرورة، وإنما المقصود هنا هو وقع المشاهدة على الفرد المبحوث، وإن كانت هذه الأخيرة عادية. كما نشير أيضاً أن المشاهدة الضخمة لا تعني أبدا المشاكل التي يمكن أن تنجر من المشاهدة إذ لا توجد بالضرورة علاقة بين العاملين.

الرغبة في المشاهدة: ونقصد بها الرغبة المستمرة للفرد المشاهد في المشاهدة المستمرة الكثيرة للتلفزيون، والتي تنجم من المشاهدة بحيث تدفع المشاهدة إلى مزيد من المشاهدة.

حالة النقص / الانسحاب: وهي الحالة النفسية التي يكون عليها الفرد المبحوث عندما يكون بدون تلفزيون، ويعبر هذا العامل عن درجة ارتباط الفرد المبحوث بالمشاهدة إلى درجة عدم الصبر على فقدانها[7].

كما أن المشاهد المداوم يقع في فخ الإدمان التلفزيوني؛ لأنه بالإمكان أن تتحوّل إلى عادة لا متناهية تؤدي إلى مشاهدة أكثر، وينتج عنها ما يصطلح على تسميته القصور الذاتي في الانتباه (attentional inertia) فكلما أطال الفرد في مشاهدة التلفزيون كان احتمال استمراره في المشاهدة أكبر.

يمكن للفرد أن ينتبه لهذه الحالة من الإدمان، إذا شعر بعدم الارتياح أثناء فترات توقفه عن المشاهدة، ولكن بالنسبة للفرد الذي يداوم على سلوك المشاهدة لآلاف الساعات أو أكثر سنويًّا فإن هذا يولد لديه عادة تلفزيونية متجذرة ينتج عنها لدى البعض شعوراً بعدم الارتياح إذا تركناهم بلا فعل، أو تركناهم لوحدهم، مع حرمانهم من التلفزيون[8].

-2-
الشريحة الاجتماعية الأكثر إدماناً

يحتل التلفزيون مرتبة مهمة في المجتمع، نظراً لاختراقه جميع مجالات الحياة اليومية، وعليه فقد أصبح يستحوذ على جزء كبير من أوقات فراغ الناس، ولو أن الأمر يختلف من مجتمع لآخر، كما أن التباين بين الأفراد وارد، لكن على العموم يقضي الناس عدداً معتبراً من الساعات أسبوعيًّا في مشاهدة التلفزيون.

وبسبب هذا التواجد الكلي للتلفزيون في حياة الناس، وقدرته على نشر محتويات ثرية ومتنوعة، أصبح كثير من الناس منشغلين بالتلفزيون وبالتأثيرات التي يمكن أن يحدثها على عقول الأفراد ووجدانهم وسلوكاتهم، وبصفة خاصة على الشرائح الأقل سنًّا، وهو ما أثار كثيراً من ردود أفعال مؤسسات التنشئة الاجتماعية على غرار الأسرة التي أصبحت تتنافس مع التلفزيون من أجل كسب ولاء الطفل، فالمعلمين أصبحوا قلقين بشأن المدة الزمنية التي يقضيها التلاميذ أمام شاشة التلفزيون وأثر ذلك على أدائهم المدرسي، ومن بين التأثيرات السلبية أيضاً أن نسبة الذكاء تقل كلما ارتفعت نسبة المشاهدة بالنسبة للأطفال[9].

3. تأثير المشاهدة التلفزيونية على قيم وسلوكات المدمن

إلى جانب الأسرة والمدرسة، فإن وسائل الإعلام هي الأخرى تلعب دوراً أساسيًّا في عملية التنشئة الاجتماعية، خاصة إذا تحدثنا عن التلفزيون كمصدر للمعلومات، الآراء والاتجاهات بالنسبة للكثير من الأطفال وحتى الشباب الذين يستهلكون محتوياته.

وبالنظر للمدة الزمنية التي يقضيها هؤلاء في مشاهدة التلفزيون، أصبح بإمكان هذه الوسيلة أن تثري حياتهم بالخلق والإبداع، والتربية، والترفيه، وأن تؤثر في مواقفهم السلوكية إذا اتسمت بطروحات وأفكار قوية، ومقنعة[10].

وعلى خلاف الشباب الأمريكي مثلاً الذي يتعرض إلى التنشئة الاجتماعية من التلفزيون عن طريق مصدر واحد هو التلفزيون الأمريكي، فإن معظم البلدان الأخرى يتعرض فيها الشباب إلى قنوات فضائية متعددة تساهم في تنشئتهم اجتماعيًّا، وهذا ينطبق أكثر على البلدان النامية حيث تراجع دور التلفزيون المحلي أمام الفضائيات الأوروبية والأمريكية، ومنه أصبح الشباب في ظل عولمة الاتصال يقبل على مشاهدة الفضائيات الأجنبية، التي هي في الواقع تحمل قيماً واتجاهات، وأفكاراً، وكذا سلوكات يعكس معظمها السياق الذي أنتجت فيه، فبالرغم من القيم العالمية التي تحملها، إلا أن أغلبيتها هي قيم استهلاكية أساساً موجهة لإشباع الغرائز أكثر مما تتوجه إلى العقل.

ومن بين علامات هذه النزعة الاستهلاكية وأثرها على الشباب في البلدان النامية، علامة تقليد بعض الشباب لكل ما هو غربي أساساً من لباس، وأكل وذوق، حتى إن مضامين القنوات التلفزيونية المحلية أصبحت هي ذاتها مقلدة للفضائيات الغربية، وبالتالي فإن دور التلفزيون المحلي كوسيلة إعلامية مهمة في عملية التنشئة الاجتماعية أصبح مكملاً لدور القنوات الفضائية الغربية في البلدان النامية.

كما أن القنوات الفضائية التلفزيونية يمكن أن تساهم في خلق ثقافة بديلة، أو ثقافة مضادة لدى الشباب تجعلهم يثورون ويتمردون على ما هو قائم من علاقات اجتماعية، وقيم ومعايير اجتماعية موجودة في المجتمع، خاصة وأن الشباب معروف عنهم أنهم في جميع المجتمعات يميلون إلى تطوير نسق ثقافي خاص بهم عبر عنه مفهوم «ثقافة الشباب»، والمقصود به تلك العناصر الثقافية التي انبثقت تاريخيًّا من المجتمع، والتي تعبر في المحل الأول عن مصالح الشباب، واحتياجاتهم ورغبتهم في التغيير والتجديد، ورفض كل ما هو تقليدي[11].

وترتبط قدرة التلفزيون على خلق ثقافة مضادة لدى الشباب بمدى فعالية مؤسسات التنشئة الاجتماعية من عدمها في غرس قيم وسلوكات اجتماعية محافظة في الشباب ونابعة من سياق المجتمع الذي نشؤوا فيه، ففي حال إخفاق مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة في توفير نمط حياة مقبول من طرف الشباب، فإن ثقافة الشباب يمكن أن تتحول إلى ثقافة مضادة عن طريق انسحاب الشباب للعيش بأساليب بديلة، بكل ما تنطوي عليه هذه الأساليب من مخاطر الانزلاق نحو الجريمة، وغيرها من السلوكات الشاذة التي تظهر نتيجة الإدمان التلفزيوني على الفضائيات الغربية التي تأسس للثقافة المضادة.

ومن جهة أخرى فهذه الثقافة المضادة تتوقف أيضاً على مدى وعي الشباب من عدمه، إذ يشير في هذا الصدد عبدالله بوجلال إلى أن إجابات المبحوثين في دراسة تدل كلها على ارتفاع مستوى وعي أفراد البحث، وامتلاكهم قيماً إيجابية، وأن المشاهدة التلفزيونية عموماً ترتبط بذلك الوعي الإيجابي لدى الأفراد المبحوثين، وترتبط كذلك بامتلاكهم تلك القيم الاجتماعية والثقافية الإيجابية، لكن هذا غير كافٍ ليعطينا صورة حقيقية عن مدى ارتباط الفرد بقيمه وثقافته، وهل تنعكس هذه القيم في سلوكاته اليومية خاصة مع الإغراء وأساليب الجذب من جمالية الصورة والألوان التي أصبحت تسحب المشاهد للمداومة عليها من خلال القنوات الفضائية[12].

وفي السياق نفسه يشير نصير بوعلي إلى وجود علاقة بين الآثار الاجتماعية والسلوكية السلبية واستخدام الشباب للفضائيات من حيث كيفية التعرض، وكذا عدد أيام وساعات المشاهدة، إذ تبين في دراسته أن الذين يشاهدون يوميًّا برامج الفضائيات هم أكثر عرضة للآثار الاجتماعية والسلوكية السلبية، فكلما ارتفع عدد الساعات التي يقضيها الشاب في اليوم في مشاهدة الفضائيات ازدادت الآثار والسلوكات السلبية لديهم.

هناك علاقة وثيقة بين السلوكيات والقيم؛ لأن هذه الأخيرة هي التي توجه سلوك الفرد، فبقدر ما يكون الفرد متشبعا بالقيم ومتمسكاً بها تكون سلوكياته سليمة، وبقدر ما يكون الفرد غير مشبع بالقيم يتعرض إلى خطر الوقوع في السلوكات غير السوية، وفي هذا السياق يقول أحد الباحثين: «إن نظام القيم السائد في كل مجتمع والقائم في كل بيت وعند كل شخص هو المحرك لسلوك الإنسان، ومتى اضطربت أولويات هذا النظام واختلفت مع أولويات المجتمع، وتعمقت الهوة بينهما يصبح الوقوع في السلوك المريض أو في المرض الاجتماعي أمراً محتملاً»[13].

-4-
مفهوم الغرس ونظرية الغرس الثقافي

إذا كانت الثقافة -حسب تعريف تايلور- «هي كل معتقد من القيم والعادات والتقاليد والأخلاقيات، وأنماط السلوك»، ويحددها المنظور المعرفي بأنها الأفكار وأنواع المعرفة بصفة عامة عند شعب من الشعوب، وأن الثقافة ليست ظاهرة مادية، وليست أشياء وسلوكيات وانفعالات، وإنما هي تنظيم لهذه المكونات، وهي ما يوجد في العقل من صور وأشكال لهذه الأشياء.

ومن خلال تعرفنا إلى مفهوم الثقافة يمكن أن نعرف الغرس الثقافي على أنه زرع وتنمية مكونات معرفية ونفسية تقوم بها مصادر المعلومات والخبرة لدى من يتعرض لها، وقد أصبح مصطلح الغرس منذ منتصف السبعينات يرتبط بالنظرية التي تحاول تفسير الآثار الاجتماعية والمعرفية لوسائل الإعلام وخاصة التلفزيون، والغرس حالة خاصة من عملية أوسع وهي التنشئة الاجتماعية.

وتعتبر عملية الغرس نوع من التعلم العرضي الناتج عن التعرض لوسائل الاتصال الجماهيرية وخصوصاً التلفزيون، حيث يتعرف الجمهور إلى حقائق الواقع الاجتماعي نتيجة التعرض لوسائل الاتصال، كما أن مداومة التعرض خصوصاً للتلفزيون، لفترات طويلة، تنمّي لدى المشاهد اعتقاداً بأن العالم الذي يراه على شاشة التلفزيون ما هو إلا صورة مماثلة للعالم الواقعي الذي يعيش فيه.

وتقوم نظرية الغرس الثقافي على الفرض الرئيسي، ويشير إلى أن: الأفراد الذين يتعرضون لمشاهدة التلفزيون بدرجة كبيرة Heavy Viewrs يكونوا أكثر إدراكاً لتبني معتقدات عن الواقع الاجتماعي تتطابق مع الصور الذهنية والنماذج والأفكار التي يقدمها التلفزيون عن الواقع الواقعي، أكثر من ذوي المشاهدة المنخفضة Light Viewers.

وتقوم نظرية الغرس على فروض فرعية هي: «يتعرض الأفراد كثيفي المشاهدة أكثر، بينما يتعرض الأفراد قليلي المشاهدة على مصادر متنوعة مثل التلفزيون ومصادر شخصية».

«يختلف التلفزيون عن غيره من الوسائل الأخرى، حيث إن الغرس يحدث نتيجة التعرض والاستخدام غير الانتقائي من قبل الجمهور».

يزيد حدوث الغرس عند اعتقاد المشاهدين بأن الدراما واقعية، وتسعى لتقديم حقائق بدلاً من الخيال»[14].

إذن بعد أن تعرفنا إلى مفهوم الغرس، ولمحة عن نظرية الغرس وفرضها ننتقل في العنصر التالي لبعض النماذج التطبيقية.

-5-
تفسير علاقة الغرس بمشاهدة التلفزيون:
بعض الدراسات التجريبية التطبيقية على نظرية الغرس

تم استخدام نظرية الغرس في العديد من الدراسات الإعلامية، في كم كبير من دول العالم وخاصة العالم الثالث المبهور بثقافة الغرب، فكما يقول العلامة ابن خلدون: الضعيف مولع بتقليد القوي. وتجليات الغرس الثقافي تتجلى من خلال التأثير في ثقافة المدمن التلفزيوني الذي يتلقى كمًّا هائلاً من القيم والسلوكيات والاتجاهات الغربية الدخيلة على ثقافتنا وعاداتنا وقيمنا، فمن خلال البرامج التي تبثها الفضائيات يتلقى الشباب والأطفال هذه الثقافة من خلال تراكم التعرض الذي يولد تسريع عملية التأثير وعميلة الغرس.

ومن بين الدراسات في هذا المجال:

دراسة نصير بوعلي: أثر البث التلفزيوني الفضائي المباشر على الشباب الجزائري – دراسة تحليلية ميدانية – أطروحة لنيل شهادة دكتوراه دولة في علوم الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر، 2002-2003.

تناولت هذه الدراسة التأثيرات التي يطرحها البث التلفزيوني «الفضائي» في المجالات الثقافية خاصة. وقد ازدادت هذه القضايا حدة مع تنامي هذه الظاهرة الاتصالية خلال السنوات الأخيرة، حيث أدت إلى طرح بعض الانشغالات فيما يرتبط بتواجد البث الفضائي المباشر وأثره في ثقافة المجتمع وتقاليده وأعرافه ونظرته إلى محيطه والعالم الخارجي.

حاولت الدراسة التي قام بها الباحث الإجابة عن التساؤلات التالية:

1- ما هي أنواع القيم الإيجابية و/أو السلبية التي تفرزها عينة من الأفلام المقدمة في الفضائيات الفرنسية التي تناولها الباحث بالتحليل؟.

2- ما هي عادات مشاهدة الشباب الجزائري للفضائيات من حيث الكثافة: الأيام المفضلة للمشاهدة، متوسط حجم المشاهدة في اليوم، ظروف المشاهدة ثم القنوات الفضائية المفضلة لديه؟.

3- ما هي نوعية البرامج أو المحتويات التي تشد إليها المشاهد والعوامل المؤدية إلى ذلك؟.

4- ما هي مجالات التأثير التي تنعكس على الأنساق القيمية وهوية المتلقي الثقافية؟.

5- ما هي المتغيرات الذاتية والاجتماعية التي لها علاقة بهذه التأثيرات؟.

تضمنت الدراسة استعمال كل من أداة تحليل المضمون، وأداة استمارة الاستبيان.

فبالنسبة لتحليل المضمون اعتمدت الدراسة على تحليل مضمون عينة من الأفلام الأجنبية التي تبث من خلال قنوات فضائية أجنبية، ووقع اختيار الباحث على القنوات الفرنسية الثلاث TF1. F2.M6، اختيار الباحث لهذه القنوات راجع لتأكيد دراسات على اهتمام شرائح اجتماعية في الجزائر بهذه القنوات مقارنة بالقنوات الأجنبية الأخرى، وذلك راجع لعامل اللغة والقرب الجغرافي، كانت العينة الزمنية على مدار 6 أشهر بتسجيل فيلم كل أسبوع بالنسبة لكل قناة،،في النهاية تم تسجيل 36 فيلماً كعينة للتحليل، ركز الباحث في تحليله على فئات القيم الثقافية الإيجابية والسلبية.

بالنسبة للاستبيان شملت الدراسة فئة الشباب، باختيار عينة تتكون من 500 شاب، كان تركيز الباحث على هذه الشريحة راجع لكون هذه الفئة أكثر تقبُّلاً وتأثراً، وانبهاراً بالمحتويات التلفزيونية، وفي إطار مطالعتنا يمكن أن نعتبر أنهم أكثر الشرائح التي تتأثر بالغرس الثقافي.

وكانت نتائج الدراسة كما يلي:

ففي إطار الدراسة التحليلية التي قام بها الباحث من خلال اعتماد منهج تحليل المضمون، وبالرجوع لافتراض الباحث الذي ينص على أن المضامين التي تبرز عبر الدراما الأجنبية كلما ركزت على العنف والجريمة والعدوانية كأسلوب لحل الصراع فإنها كلها عكست قيماً سلبية أكثر من القيم الإيجابية. حيث اتضح من تحليل إجمالي القيم المعروضة في أفلام عيِّنة الدراسة ارتفاع نسبة القيم السلبية إذ بلغت 62.8%، في حين لم تبلغ نسبة القيم الايجابية سوى 37.8%. ولا شك في أن هذه النتيجة تؤكد اهتمام بعض الأفلام في الفضائيات على الموضوعات السلبية أكثر من اهتمامها بالموضوعات الإيجابية.

بالنسبة للفرضية الثانية التي افترضها الباحث التي تنص على أن المشاهد يفضل في تعامله مع التلفزيون مشاهدة برامج الفضائيات الأجنبية بالدرجة الأولى، ثم الفضائيات العربية في الدرجة الثانية، كما أنه يبحث في الفضائيات عما يفتقده في قناته المحلية وعما يشبع حاجاته الإعلامية المتكاثرة والمتنوعة.

المؤشر الأول: يبدو أن مشاهدة التلفزيون تترسخ لتصبح تجربة يومية ومنتظمة، حيث إن المشاهدة هي عرضية كل أيام الأسبوع.

المؤشر الثاني: تزداد الكثافة أمام جهاز التلفزيون أيام العطل الخميس والجمعة سواء بالنسبة للقنوات الفضائية الأجنبية أو العربية أو أمام برامج التلفزيون الوطني.

المؤشر الثالث: تستقطب الفضائيات الأجنبية والعربية الجمهور إليها بشكل معتبر لفترة زمنية واسعة في اليوم ثلاث إلى أربع ساعات، عكس القناة الوطنية التي تستقطب إليها الجمهور بشكل معتبر لفترة زمنية ليست بالواسعة في اليوم أقل من ساعة إلى ساعة ونصف.

المؤشر الرابع: يفضل الجمهور الفضائيات العربية بنسبة 53.3% مقابل 46.5% لصالح الفضائيات الأجنبية، ومعنى هذا أن الكتلة الأساسية اجتازت مرحلة الانبهار وعادت إلى القنوات التي تتحدث لغتها وتعالج مشكلاتها.

المؤشر الخامس: يميل الاعتقاد بأن المشاهد يفضل المادة التي تجره إلى القناة وليس العكس.

من هذا المنطلق يمكن القول: إن الفرضية الثانية تتأكد بنسبة كبيرة خاصة من خلال المؤشر السادس. ولكنها لا تتأكد من خلال المؤشر الخامس، حيث إن الجمهور بالأغلبية أصبح يفضل المشاهدة أكثر من الفضائيات العربية مقارنة بمشاهدته للفضائيات الأجنبية، كما أنه يولي اهتماماً ببعض برامج التلفزيون الوطني. وبمعنى آخر إن مرحلة الانبهار بالقنوات الأجنبية بدأت تتقلص وبدا الانحدار لتأخذ المشاهدة حجمها الطبيعي.

وبالنسبة لنتائج الفرض الثالث الذي ينص على ما يلي: سيكون هناك ارتباط إيجابي بين عدد سنوات التعرض والنظر للثقافة الغربية عموما كما تزداد السلوكيات المقلدة للآخر (الغرب) في نمط الملبس والتغذية والنزعة الاستهلاكية وبعض السلوكيات السلبية إلخ...

المؤشر الأول: وجود علاقة بين الآثار الاجتماعية والسلوكية السلبية واستخدام الشباب للفضائيات. فقد ثبت أن الذين يشاهدون الفضائيات يوميا بحجم زمني واسع هم أكثر عرضة لتقليد الآخر في أنماط معيشته وفي سلوكياته السلبية.

المؤشر الثاني: أثبتت نتيجة تحليل التباين عامل الاتجاه نحو الثقافة الغربية بدلالات إحصائية قصوى أكثر من ٥٠%، بمعنى آخر قدرة الفضائيات الأجنبية على رسم تأثير إيجابي نحو ثقافاتها.

انطلاقاً من هذين المؤشرين تتأكد الفرضية الرابعة على أن هناك فعلاً ارتباطاً إيجابيًّا بين حجم التعرض للفضائيات الأجنبية والاتجاه نحو الثقافة الغربية[15].

إذن من خلال نتائج هذه الدراسة تتضح علاقة المشاهدة التلفزيونية بعملية الغرس الثقافي.

ومن بين الدراسات أيضاً في هذا السياق: دراسة حول معالجة الأفلام السينمائية المصرية التي يعرضها التلفزيون للقضايا الاجتماعية وأثرها على الشباب، تمثلت مشكلة هذه الدراسة في رصد القضايا التي تعالجها الأفلام السينمائية، وأبرز مضامينها وتأثيراتها في ضوء نظرية الغرس على معارف، وسلوكيات وإدراك الشباب المصري.

تم الاعتماد في هذه الدراسة على:

الاستبيان: من خلال عينة عشوائية من آراء المشاهدين التي تكونت من 400 مفردة من طلاب وطالبات أربع جامعات مصرية «القاهرة، الأزهر، عين شمس، الأمريكية».

تحليل المضمون: حيث تم تحليل مضمون 40 فيلماً سينمائيًّا تم عرضها على قنوات التلفزيون المصري الرسمي، وبتحليل مضامين الأفلام وعينة المشاهدين من الشباب الجامعي المصري.

توصلت الدراسة في ضوء مفهوم الغرس في عدد من النتائج العلمية وكانت على النحو التالي:

بخصوص القضايا المعكوسة في مضامين الأفلام أثبتت الدراسة بالترتيب حسب الأهمية:

1. ضعف القضايا الدينية والقيم والأخلاق الظاهرة في الأفلام بنسبة 90%.

2. صورة المرأة سلبية عاطلة عن العمل غير مشاركة في الأنشطة المجتمعية.

3. قضايا تكاليف المعيشة والإدمان ظهرت بنسبة عالية.

4. العلاقات المحرمة بين الجنسين غير المشروعة ظهرت بنسبة 25% من مشاهدة الأفلام.

وبخصوص القيم الثقافية المتداولة وأساليب التأثير، أثبتت الدراسة:

1- الاعتماد على الذكر والتكرار وغياب التحليل الفعلي للظواهر.

2- ظهور الإناث أقل من الذكور والأدوار السلبية للإناث أقل من الذكور.

3- استخدام الطرق غير المشروعة للكسب وللوصول للأهداف أكبر من الطرق المشروعة.

4- بروز قضايا العلاقات المحرمة بشكل لافت وخاصة المشاهد اللاأخلاقية التي تتعارض مع الدين والقيم والعادات.

بالنسبة لقياس آراء العينة باستخدام الاستبيان:

1. الشباب من الجنسين يفضلون الأفلام الأجنبية بنسبة 57% مقارنة بالمصرية 20%.

2. يعتقد 44% من الشباب أن الأفلام تضر بهم.

3. يعتقد 70% من الشباب أن الأفلام ذات دلالة غير أخلاقية.

4. يعتقد 65% من الشباب أنها ضارة بالقيم والمعتقدات، في النهاية حملت الأفلام دلالات أخلاقية سيئة مثل: لا أثق في الآخرين، التنازل عما لا تريد مقابل الوصول إلى ما تريد، الثروة تتحقق بطرق غير مشروعة، النساء تستغل أنوثتها لتحقيق الأهداف غير المشروعة.

5. إذن من خلال نتائج هذه الدراسة يتضح أن الغرس الثقافي يتجلى بشكل سلبي، فهو مملوء بالقيم السلبية، والعنف والآثار المدمرة كما أثبتت هذه الدراسة، فكثافة التعرض لهذه المضامين سوف يساهم في تغير القيم السلوك والاتجاه لدى المدمن على مشاهدة التلفزيون وبالأخص المدمن على مشاهدة مضامين معينة[16].

-6-
تأثير الإدمان التلفزيوني على الأطفال

يحتاج الأطفال إلى اكتساب مهارات الاتصال الأساسية تعلم القراءة والكتابة والتعبير عن الذات بمرونة ووضوح حتى يؤدوا وظائفهم كمخلوقات اجتماعية. غير أن التجربة التليفزيونية لا تعزز النمو اللفظي لأنها لا تتطلب أي مشاركة لفظية من جانب الطفل، بل تتطلب الاستقبال السلبي وحده. كما يحتاج الأطفال إلى اكتشاف نواحي القوة والضعف الخاصة من أجل تحقيق رغباتهم كراشدين في العمل واللعب على حد سواء.

لكن المشاهدة التليفزيونية لا تفضي إلى اكتشافات كهذه، فهي في الواقع تحد من اندماج الأطفال في تلك الأنشطة الواقعية التي قد تتيح لقدراتهم فرصة حقيقية للاختبار، حيث إن إشباع حاجة الأطفال الصغار إلى الخيال يتحقق بصورة أفضل للغاية عن طريق ضروب النشاط الإيهامي الذاتي لا عن طريق القصص الخيالية التي يعدها الكبار ويقدمونها لهم في التليفزيون. إن تلبية حاجة الأطفال الصغار إلى التنبه العقلي تتحقق بصورة أفضل وإلى أبعد حد حين يمكنهم تعلم الأداء اليدوي واللمس والفعل وليس مجرد المشاهدة السلبية[17].

وفي هذا الإطار نود أن نشير لخطورة الإدمان التلفزيوني على شريحة الأطفال من خلال الدراسات التي تناولت تأثير الإدمان على مشاهدة التلفزيون بالنسبة لفئة الأطفال، حيث يشكل الأطفال الذين لم يبلغوا سن الدخول للمدرسة أوسع شريحة من مشاهدي التلفزيون بأمريكا، حيث تقضي هذه الشريحة أكبر عدد من الساعات وأوفر حصة من وقت يقظتها في مشاهدة التلفزيون، بالمقارنة مع أي مجموعة عمرية.

وطبقاً لما ورد في تقرير نيلسون عام 1993 يمضي أطفال المجموعة العمرية الذين هم بين سنتين و5 سنوات 22.9 ساعة في المتوسط أسبوعيًّا، في مشاهدة التلفزيون، بينما يمضي أطفال المجموعة العمرية من 6-11 سنة 20.4 ساعة مشاهدة، بل بينت دراسات مسحية أخرى أن هناك أوقات مشاهدة أطول تصل إلى 54 ساعة أسبوعيًّا لمشاهدين لم يصلوا سن المدرسة بعد، وحتى أشد التقديرات تدل على أن أطفال ما قبل المدرسة في أمريكا يمضون أكثر من ثلث ساعات يقظتهم في مشاهدة التلفزيون[18].

وهو ما يجعلنا نفكر ونتساءل قبل أن نضع مجموعة من الحلول للوقاية من الإدمان، حول تأثير هذه الحصة الكبيرة من المشاهدة اليومية على الكائن الحساس النامي، فكيف تؤثر كثافة المشاهدة والإدمان على لغة الأطفال، وإدراكهم، بل حتى صحتهم؟

فيما يلي سوف نقدم عرض موجز لأهم الدراسات التي توضح آثار الإدمان على شريحة الأطفال بالخصوص، وفي هذا الإطار توجد دراسة قام بها الباحثون هملويت وأوبنهيم وفنس (Himmelweit Oppenheim Vnice) في المؤّلف الذي يقدّم دراستهم الميدانية الكبرى التي أجريت في بريطانيا حول تأثير التلفزيون في الأطفال سنة 1958، وهي محاولة لتوضيح مفهوم السلبية، ومن بين النتائج التي توصّلوا إليها: أن فعل المشاهدة ذاته هو نشاط ذهني سلبي (Passivité)، فالطفل الجالس المتجمّد يمتصّ كل ما يظهر في الشاشة الصغيرة، فهو مثل الإسفنجة يمتص المحتوى الذي تبثه التلفزة، فهو لا يختار ما يشاهده ولا يعارض أو يرفض شيء من ذلك المحتوى[19].

كما توجد دراسات أخرى تناولت تأثير الإدمان على الأطفال من الناحية الصحية، فهناك علاقة مباشرة بين زيادة وزن الأطفال والوقت الذي يقضيه الأطفال أمام التلفزيون، فمع قلة الحركة واستهلاك كمية كبيرة من الحريرات والاستغراق في المشاهدة سوف يرتفع الوزن، فبعض الدراسات الطبية منذ سنة 1985 وجدت أن معدل مشاهدة التلفزيون يضخم معدل الإصابة بالسمنة بـ 12%، فالنسبة المئوية للأطفال في أمريكا بين سن 6-11 الذين يعانون من الوزن الزائد أرتفع من 4.5 مليون سنة 1963 إلى 14 مليون سنة 1993.

كما أشارت دراسة أخرى نشرت في يونيو 2002 حول مشاكل الأطفال دلت أن 40% من الأطفال يملكون جهاز تلفزيون في غرف نومهم، وأغلبهم أصبحوا يعانون من الوزن الزائد، حيث يقضون وقتاً كبيراً في المشاهدة التلفزيونية، وذلك بالمقارنة مع الأطفال الذين لا يملكون جهاز تلفزيون في غرف نومهم[20].

بالإضافة للتأثيرات الصحية للإدمان فله تأثيرات تتعلق بالصحة النفسية، فالتعرض لمضامين معينة يغرس السلوك العدواني، فالبرامج التلفزيونية التي ليست لها صلة بواقع الأطفال، تؤدي إلى اضطرابهم بدرجة أكبر، فالأطفال المتورطون في جرائم خطيرة، ناتجة من واقع يتسم بالفقر، والتفسخ، والإهمال، والفشل الدراسي، والإحباط، والمرض، والفوضى.

فالمشاهدة لفترات طويلة، للبرامج ذات الطابع العدواني، تجعلهم يسلكون سلوكاً عدوانيًّا جراء كثافة المشاهدة، وهذا ما أثبته أحد الصحفيين في جريدة نيويورك تايمز يقول: كأن مجتمعنا قد أنتج سلالة جينية جديدة، فالطفل القاتل الذي لا يشعر بأي ندم ونادراً ما يعي تصرفاته يعد عدواني[21].

في سنة 1972 أشارت دراسة علمية من خلال وضع تقرير حول التلفزيون والسلوك الاجتماعي، وخلصت إلى أن مشاهدة العنف في التلفزيون له تأثيرات جدية على الأطفال، حيث يصبحون أكثر استجابة لمواقف ووضعيات الصراع، ويصبحون أكثر ضرراً على الآخرين، وأكثر عنفاً عند اللعب، فأبسط سلوك تعبيري لدى الطفل المشبع بمشاهد العنف والإدمان على مضامين العنف يصبح سلوكه عنيفاً حتى في التعاملات الاجتماعية الاتصالية للطفل[22].

ومن بين التأثيرات التي يحدثها الإدمان التلفزيوني للطفل:

أولاً: إرهاق الأطفال

إن التدفق المعرفي الهائل الذي جادت به المؤسسات بجميع أنواعها، جعلت من الأطفال يعانون نوعاً من الإرهاق، من خلال بذل جهد في البحث عن تفسير المفاهيم وتقمصها وجعلها تساير المفاهيم التي تطرحها البرامج المدرسية. لأن عرض شريط علمي، أو تربوي، أو ترفيهي، بأسلوب جذاب وصور جميلة طبيعية، ومقدم حاذق يعرف كيف يطرح الإشكال ويساير العقول، يؤدي بالأطفال أن يعيشوا نوعاً من الاضطراب الذي يؤدي بهم إلى الإصرار على معرفة الحقيقة التي يطرحها مهما كلفهم من جهد فكري للوصول إليها، وخاصة الأطفال المتفوقون في دراستهم والذين يبحثون على جديد المعلومات، والاكتشافات العلمية، والرياضية، والتاريخية، والجغرافية، وحتى الأدبية… إلخ، فهذه العمليات القوية تحتاج إلى مجهود صعب يستلزم الوقت والصبر وحسن الحيلة، وربما في بعض الحالات إلى الاستعانة بوسائل تعليمية أخرى وخاصة في العلوم والفن والموسيقى، مما يؤدي إلى نوع من الإرهاق الفكري وحتى البدني عند الأطفال التواقون إلى المعرفة، واكتساب كل ما هو جديد في العلم والتطور التكنولوجي[23].

ثانياً: خلط بين الثقافات

عند مشاهدة البرامج التي تعرض علينا والموجهة إلى أطفالنا، نستشف منها مجموعة من القيم الثقافية التي تدعو إلى سلوك يتنافى والقيم التي يعيش عليها المجتمع، فهي تمجد قيماً غير القيم التي لا بد وأن ينشأ عليها أطفالنا، ويرجع ذلك إلى البرامج التلفزيونية التي أنتجت في مجتمعات غير مجتمعاتنا، فهي تروج لعملية ثقافية موازية لما تقدمه مؤسسات التنشئة الاجتماعية، فالبرامج التلفزيونية تنمو بالأطفال نحو الانفعال واتخاذ القرارات غير العقلانية، على نحو ما يرد في البرامج من انحراف خلقي، وهبوط في الذوق، وإسراف في المظاهر الاستهلاكية، على حساب الجوهر والقيم الخلقية. ففي هذه الحالة يمكن أن نقول: إن البرامج التلفزيونية تحث على الخلط بين ثقافات الشعوب والأمم[24].

ثالثاً: تزيف بعض الأنماط الثقافية

الجانب الثقافي يعتبر من الأنماط الثقافية التي تهتم بها البرامج التلفزيونية، حيث تشير الدراسات الميدانية إلى قوة تأثير البرامج والمواد الإعلامية التلفزيونية الأجنبية، على الأفراد والشباب والأطفال منهم بصفة خاصة، ويتضاعف هذا التأثير على الصغار، لدرجة تجعلهم يتذكرون أحداث، ووقائع الأفلام والمسلسلات الأجنبية، ذات المضمون السيئ ويلمون بمحتواها ويعرفون أبطالها، ورموزها، وفي مقابل ذلك يجهلون معظم المقررات الدراسية المتعلقة بتاريخ بلادهم، ويجهلون رموزها الوطنية وأبطالها التاريخيين، وهذا ما يعمل على تزييف وعي هؤلاء الصغار بقضايا مجتمعهم وتاريخه، وواقعه السياسي والثقافي والاجتماعي، ويدفعهم إلى اتِّباع سلوكات سلبية، تحتوي عليها البرامج التلفزيونية أو المحلية المشابهة لها، مثل الفردية، والخروج على القانون، وارتكاب الجريمة، والعنف والتدمير.

خاصة في الآونة الأخيرة التي أصبحت العولمة في كل شيء حتى الجانب الثقافي، وبهذا تهتز الشعوب التي ليس لها منتوج ثقافي قوي، يطرح من خلال وسائل الإعلام بجميع أنواعها. فيكون تعاطي الأنماط الثقافية مركزة على قيم المجتمع دون تزييف[25].

-7-
أساليب الوقاية والتحصين من الإدمان التلفزيوني للأطفال

ركزنا في هذه المطالعة على شريحة الأطفال باعتبارها من أهم الشرائح تأثراً بالإدمان التلفزيوني، فهي شريحة هشة في مرحلة النمو وتكوين القيم والمعتقدات والاتجاهات والسلوكات التي تعتبر من ركائز الشخصية.

وبعد إشارتنا لأهم تأثيرات الإدمان التلفزيوني على هذه الشريحة ننتقل لعرض بعض الحلول وأساليب الوقاية من الإدمان، وفي هذا الإطار يناط بالأسرة لعب أدوار أساسية في السيطرة والتحكم، على وسائل الإعلام، أي كيف تربي الأسرة أطفالها على الاستخدام الأمثل للتلفزيون من خلال تحديد معدل ودرجة وكثافة التعرض، وكذا الرقابة على مضامين التعرض، كون أن المشكل ليس في كثافة التعرض ولكن في مضامين التعرض التي تساهم في غرس القيم والسلوكيات والاتجاهات لدى الطفل الناشئ.

وهو ما يجعلنا نطرح التساؤل التالي: كيف تساهم الأسرة في تحصين ووقاية أطفالها من الإدمان التلفزيوني؟

بداية قبل أن نشير لأساليب الوقاية والتحصين من الإدمان التلفزيوني سوف نشير بشكل مختصر لمفهوم الأسرة وأدوارها الطبيعية في التنشئة الاجتماعية، حيث يعتبر النظام الأسري واحد من النظام الاجتماعية التي نتفاعل معه بصورة مكثفة في حياتنا اليومية، لذا نالت الأسرة اهتماماً علماء الاجتماع لكونها النواة الأساسية لأي مجتمع يتحدد وجودها في نطاق أوضاع وظروف معينة يقرّها المجتمع[26].

ويقدم كل من برجيس ولوك في كتابهما: «العائلة» تعريفاً للأسرة على أنّها جماعة من الأفراد تربطهم روابط قوية ناتجة من صلات الزواج، الدم والتبني. وهذه الجماعة تعيش في دار واحدة وتربط أعضاءها: الأب، الأم والأولاد، علاقات اجتماعية متماسكة أساسها المصالح والأهداف المشتركة[27].

أمّا من حيث الوظائف فإنّها تعتبر أول أشكال الترابط البسيطة، تتحمل مسؤولية توفير الحاجات الضرورية لأفرادها من مأكل ومأوى وتوفير الأدوات الأولية البسيطة، وبذلك تقوم الأسرة بجميع الوظائف المرتبطة بإشباع حاجات أعضائها وتنظيم سلوكهم وتحديد أسلوب عملهم وطريقة حياتهم[28].

فأبرز وظيفة أساسية للأسرة هي دورها في التنشئة الاجتماعية لأطفالها، فالوالدان هما -بشكل عام- الأكثر تأثيراً في تشكيل شخصية الطفل في المراحل الأولى في حياته، وهما البنك المعرفي الذي يزود الطفل بالمعلومات، ويرد على تساؤلاته واستفساراته عندما يحاول أن يفهم ما يدور حوله، وينعكس ذلك إيجابيًّا على الطفل، فالتماس المباشر بالطفل يجعل الأم أكثر إحساساً ودقة ومعرفة بالتغيرات التي تطرأ على طفلها.

أخذت العلاقة بين أفراد الأسرة شكلاً مختصراً بدخول التلفزيون إلى منازلها واتساع المساحة الزمنية المخصصة للبث، وصار بإمكانها، من خلال التحكم عن بعد، التنقل بين القنوات المتعددة كما تشاء، وعاشت في نطاق ضيق، وأصبح هذا الضيف يفرض نفسه على سهراتنا العائلية الحميمية، وأصبح التلفزيون ثالث الأبوين، وربما أولهم، بالنسبة للطفل، ومع الأسف، فإن الأبوين كثيراً ما يدفعان الأطفال في هذا الاتجاه تهرباً من المسؤولية الملقاة على عاتقهما، أو لإلهائهم وضمان هدوئهم؛ وبذلك تضاف إلى هذا الجهاز وظيفة أخرى هي وظيفة جليسة الأطفال[29].

إذن مشاكل إدمان الأطفال ترتبط بغياب دور الأسرة في الرقابة، وتنحيها عن واجباتها في التنشئة الاجتماعية لأطفالها، حيث أصبح التلفزيون أحد أهم العناصر التي تساهم في التنشئة الاجتماعية للطفل، بل أهم العناصر المهيمنة للتأثير في الطفل في ظل غياب دور الأسرة.

وفي هذا الإطار يقول مسؤول تليفزيوني: هناك كثير من العائلات لن يحصل الطفل الذي يشاهد التليفزيون فيها على أي شيء أفضل من جانب الآباء، فكلما زادت لا مبالاة الآباء الذين تتعامل معهم أصبح التليفزيون وسيلة أكثر نفعاً.

كما تعتبر دوروثي كوهين Dorothy Cohen أستاذة التربية المهنية الوحيدة المؤثرة التي تحدثت بطريقة لا لبس فيها عن الدور المخرب للتليفزيون في حياة الأطفال، فقد لاحظت ذات مرة أن «تأثير التليفزيون فيمن نسميهم الأطفال المحرومين ظل عند الحد الأدنى من حيث الأهداف مثل تعلم القراءة، لكن تأثيره السلبي كان ضخماً، لقد سرق منهم فرصهم الطبيعية في الكلام واللعب والعمل، وأعاق فرصهم السوية في النمو. إن الأمر الأهم بالنسبة لي هو حماية الأطفال أثناء تلك الفترة من حياتهم التي تتسم بقابلية التأثر. إنني أعتقد أن الأطفال في تحت سن الخامسة لا ينبغي أن يشاهدوا التليفزيون إطلاقاً. لكن أحداً لن يلقي بالاً إلى ذلك. وأنا أقول ذلك بقوة وبانفعال حتى يتوصل الناس إلى حل وسط أفضل نوعاً ما»[30].

وفي هذا المجال لا بد من تدخل دور الأسرة من أجل ضبط مشاهدة أطفالهم للتلفزيون مع تقدير ملكات الطفل ورغباته بما يتناسب ونوعية البرامج خصوصيتها. وهنا نؤكد على احترام رأي الطفل، ولكن بتحديد وقت المشاهدة وعدم تركه لساعات طويلة أمام التلفزيون؛ وذلك عن طريق الحوار والمناقشة، والابتعاد عن القسر التعسفي، وجعل الحوار عفويًّا طبيعيًّا، ومنعهم من مشاهدة أفلام العنف؛ ومختلف المضامين التي لا تتناسب مع قيمنا وثقافتنا[31].

إذاً لا بد من الانتباه إلى عدم استنزاف وقت الطفل مما يعوقه عن الدخول في تجربة القراءة وتعطيله عن واجباته الأساسية، وإيجاد حالة من التوازن بين التلفزيون الذي يحظى بسطوة كبيرة على الجيل والأسرة التي بدأ دورها يتراجع بوضوح لصالح هياكل جديدة.

-8-
أساليب تدخل الأسرة في الوقاية من الإدمان التلفزيوني لأطفالها

أولاً: السيطرة على التلفزيون

إن أسلوب السيطرة على التلفزيون من خلال تدخل الأسرة ومحاولتها التحكم في مشاهدة التلفزيون بالنسبة لأطفالها. على الرغم من أن هذا الأسلوب صعب التطبيق عمليًّا على الأطفال في حالات معينة، إلا أنه كأسلوب للوقاية من الإدمان التلفزيوني هو أسلوب ناجح من خلال تخفيض كثافة المشاهدة وتقليصها إلى أقصى حد، فكثير من الصعوبات قد تعترض الأسرة في السيطرة على المشاهدة التلفزيونية، فالإغراءات القوية للتجربة التلفزيونية، مع السلطة المتناقصة للأسرة، وكذا قلة العمل من المؤسسات الأخرى، وضغوط الرفقاء، كل هذه العوامل تتحالف لكي تستنزف ثقة الآباء، ويجعل من الصعب عليهم حرمان أطفالهم من مسرات التلفزيون، ووضع قواعد صارمة والتمسك بها، ولكن بعض الآباء ينجحون في استجماع قواهم على الحزم ويتوقف التلفزيون بالتالي على أن يكون مشكلة.

وفي هذا الإطار سوف نعرض بعض النماذج عن مدى فعالية هذا الأسلوب كحل لمعالجة الإدمان:

فمحلل نفسي متخصص في الأطفال لا ينصح الآباء بأي شكل من الأشكال فيما يتصل بمشاكلهم التلفزيونية إيماناً منه بأن عليهم في النهاية تربية أطفالهم طبقاً لمواهبهم وقدراتهم الخاصة، ويذكر هذا المحلل النفسي وهو أب لأربعة أطفال، ولا توجد لديه مشاكل تلفزيونية، في داخل أسرته، وأن أطفاله نادراً ما يشاهدون التلفزيون، ويضيف قائلاً: أطفالنا فاتروا النشاط فيما يتعلق بالتلفزيون، ونحن لا نحاول أن نثنيهم على المشاهدة التلفزيونية بل نغلق الجهاز ببساطة ونقول لهم: إن هناك أشياء أفضل يمكن عملها[32].

ويحل بعض الأسر مشاكل السيطرة على التلفزيون بمنع التلفزيون خلال أيام الأسبوع الدراسية وهي قاعدة يتم قبولها كجزء من الحياة الأسرية إلى درجة أنهم يعيشون فعليًّا خمسة أيام خالية من التلفزيون، كل أسبوع وفي نهاية كل أسبوع يستمتعون بالتلفزيون كغيرهم من الأسر.

ولكن دون ذلك القلق الموجع الذي يدمر بالتدريج حياتهم الأسرية وعلاقاتهم العائلية، ليست هناك إحصائيات متاحة تبين عدد الأسر التي تغلق التلفزيون أيام المدرسة، لكن من المثير أن نلاحظ أن نائب الرئيس السابق المسؤول عن برامج الأطفال لدى شبكة CBS قال في مقابلة صحفية: «إنه لم يكن يسمح لأطفاله خلال فترة نموهم بمشاهدة البرامج في أيام الدراسة، وكان يتعين عليهم الاهتمام بأمور أكثر حيوية من الناحية الفكرية».

توجد أسر تضع حدًّا زمنيًّا يوميًّا صارماً لا يزيد عن ساعة في اليوم، ويوجد نظام التقييد لـ3 ساعات، فهو نوع من التحسن مقارنة بـ7 ساعات، لكن هذا الأسلوب لا يثبت نجاعة فعلية، ولا يشكل فرقاً في أسلوب حياة الأسرة، فالتلفزيون وحديث التلفزيون وخطط التلفزيون تظل مسيطرة[33].

ثانياً: أسلوب التلقين ضد التلفزيون

يكتشف بعض الآباء في أثناء كفاحهم من أجل السيطرة على التليفزيون أن مواقفهم السلبية الخاصة نحو التليفزيون يمكن أن تفيد في تقليل شغف أطفالهم به. والواقع أن إحساس الآباء المتساهلين عادة بأنهم أوضحوا مشاعرهم بطريقة مقنعة كثيراً ما يشجعهم على فرض قواعد بشأن التليفزيون.

تقول أم لديها طفلان صغيران: كنت أعبر للطفلين عن شعوري نحو التليفزيون طوال فترة طويلة وأظن أنني قد قمت بتلقينهما ما أردته.

ويصف أب لطفل في السادسة من عمره حادثة أثبتت فائدتها في حل مشكلة تليفزيونية: في إحدى اللحظات شعر ولدنا بحزن شديد عقب مشاهدة برنامج مغامرات معي قائلاً: إن هناك شيئاً أراد أن يخبرني عنه في أثناء البرنامج لكنه لم يفعل لأنه خشي أن يفوته شيء من البرنامج، قلت له: «انظر ماذا يفعل التليفزيون بك؟ أردت أن تتحدث إليَّ عن شيء مهم ولم يتح لك التليفزيون ذلك، إنه يبعد كلًّا منا عن الآخر على الأقل إلى حد ما، نحن أسرة ونريد أن يتحدث أحدنا إلى الآخر لكن التليفزيون منعنا من الحديث».

حقيقة لقد فهم ذلك جيداً صدَّق أو لا تصدق، فلم يعد يبدو شديد اللهفة على المشاهدة. إن علاقاتنا الأسرية مفعمة بالجدية والاحترام بالنسبة لنا ولأطفالنا. لقد أردت فحسب أن أصور له المسألة على هذا النحو ونجحت المحاولة.

وينصح أحد الكتَّاب الآباء بعدم تعريض التليفزيون «للانتقاد»؛ لأن الأطفال «إذا لاحظوا بعد ذلك أن أمهم وأباهم يشاهدان التليفزيون فسوف يفقدون احترامهم لهما، ومما لا شك فيه أن من السهل أكثر السيطرة على مشاهدة الأطفال إذا كان الآباء لا يقضون وقتاً طويلاً في مشاهدة التليفزيون أثناء أوقات يقظة الأطفال»[34].

ثالثاً: أسلوب السيطرة الطبيعية

هناك طرق «طبيعية» للسيطرة على التليفزيون لا تتطلب الانضباط أو أي تغيير واسع في أسلوب تنشئة الطفل، وذلك من أجل الآباء الذين يفتقرون إلى رصيد القوة اللازمة لوضع القواعد والالتزام بها برغم من التملق والنحيب والاستعطاف أو صرخات الغضب الأشد ألما من كل ما سبق «أنا أكرهك».

وتتعلق هذه الطرق بعوامل طبيعية تتصل بالصوت ووضع الجهاز واستعمال وسائل السيطرة على الجهاز ذاته، بالإضافة إلى الوضع الاجتماعي الطبيعي للحياة الأسرية اليومية. وكثيراً ما تتيح عوامل كهذه للآباء -الذين لا يستطيعون قول «لا» بالأسلوب القديم أو ر بما غير الديمقراطي- العيش في هدوء نسبي مع أجهزتهم التليفزيونية[35].

وسائل السيطرة

أصبح في متناول الآباء خلال السنوات الأخيرة حل آخر للسيطرة على التليفزيون وتجنب صعوبات الحاجة إلى تأكيد سلطتهم مباشرة ومطالبة الأطفال بإغلاق الجهاز. وهذا الحل هو الصناديق ذات القفل وغيرها من وسائل السيطرة. ويمكن استخدام هذه الآليات الإلكترونية بتوصيلها بجهاز التليفزيون لبرمجة عدد محدد من البرامج التليفزيونية وبعدها يتوقف الجهاز عن العمل. ويمكن أيضاً برمجتها لمنع قنوات معينة بصورة انتقائية مثل قنوات الكيبل التي تبث مواد جنسية مكشوفة، وحتى لمنع الأطفال من استعمال الجهاز في ألعاب الفيديو.

غير أنه خلافاً للأساليب المادية الأخرى للسيطرة الطبيعية على التليفزيون مثل وضع الجهاز في مكان غير ملائم أو السماح بتلف الجهاز إلى حد يجعله شيئاً مشوشاً ضبابيًّا خالياً من الجاذبية.

توفير حياة اجتماعية خصبة كأسلوب للحد من الإدمان

من الممكن أيضاً أن تشكل الحياة الاجتماعية الخصبة قيداً طبيعيًّا على المشاهدة التليفزيونية للأطفال. فقد شعرت أسرة لديها طفلان في سن العاشرة والثامنة وتعيش في شقة فسيحة في نيويورك بأن جهاز التليفزيون قلما يستعمل على الرغم من الموقف المتساهل نحوه، ويشعر الولدان بذلك لوجود عدد إضافي من الأطفال باستمرار في البيت بصورة مؤقتة أو شبه دائمة[36].

ﷺ استنتاجات

* تعتبر فئة الأطفال والشباب من أكثر الفئات الاجتماعية عرضة للإدمان التلفزيوني.

* يعتبر متغير حجم المشاهدة عاملاً مهمًّا وحاسماً في تحديد درجة إدمان المشاهد على المحتوى التلفزيوني وعلى الوسيلة بحد ذاتها.

* تعتبر المشاهدة المكثفة والرغبة في المشاهدة من أهم عوامل التأثير في قيم وسلوكات المشاهد، وهو ما يثبت حالة الإدمان.

* ترتبط درجة الإدمان على المشاهدة التلفزيونية بدرجة وعي المشاهد، فكلما كان وعي المشاهد كبير كان تعرضه لمحتوى التلفزيون أقل، ومنه يكون قليل التأثر بمحتويات التلفزيون، في حين أن قلة وعي المشاهد تؤدي إلى إدمانه على المشاهدة التلفزيونية، ومن هنا تتأثر قيم وسلوكات المدمن بمحتويات التلفزيون.

* إن الإدمان على المشاهدة التلفزيونية (بصفة مستقلة عن الكم)، يؤثر على التحكم في الحياة، وتعد هذه النتيجة تأكيداً لتأثير المشاهدة باختلاف أشكالها على قيم وسلوكات المشاهدين، لأن في هذه الحالة ينسج الفرد علاقة متميزة مع الوسيلة، بحيث تتحول المشاهدة إلى تجربة نفسية اجتماعية متميزة تتداخل فيها الرغبات والإشباعات.

* إن البناء الذهني المرتبط بالتلفزيون لا يمر بالضرورة بالمعطيات الواقعية، وهذا ما يؤكد أن الفرد بإمكانه بناء واقع على حساب الواقع المعاش، ويعايشه على أنه الواقع الحقيقي، وهنا يتجسد مفهوم الهروبية الذي أسست له كثرة المشاهدة التلفزيونية.

* إن الإدمان على المشاهدة التلفزيونية يقلل من الروابط الاجتماعية والعائلية ويكرس مفهوم العزلة.

* عند دراسة القيم والسلوكات ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار الاختلافات فيما بين الأفراد والتي تجعلهم يرتبطون بالقيم بدرجات متفاوتة، وهذه الفروقات لها صلة بمفهوم الذات والأنا ونمط الشخصية، وكلها تلعب دوراً في تحديد السلوك الإنساني.

* كلما كان الفرد صغيراً ازدادت حاجته إلى المشاهدة التلفزيونية وكثافة التعرض، وهذا بسبب عدم اكتمال نمو الأنا، وتحقيق الذات الاجتماعية، بحيث من خلال تعرضه للتلفزيون يمنعه من اكتشاف ما يحدث في العالم وفي بيئته سواء كان هذا المضمون سلبيًّا أو إيجابيًّا.

* إن التلفزيون لا يقوم بتغيير قيم وسلوكات المشاهدين كما يعتقد البعض، وإنما يقوم بدور مكمل لدور مؤسسات التنشئة الاجتماعية، كالأسرة والمدرسة، فكلما كان المشاهد مستوعباً للتوجيهات القيمية الموجودة في المجتمع، وكان الأنا عنده مكتملاً، والذات الاجتماعية محققة، إلا وقل لجوؤه إلى التلفزيون.

ﷺ خاتمة

حاولنا من خلال هذه الدراسة أن نسلط الضوء على ظاهرة الإدمان التلفزيوني، وأثرها على قيم وسلوكات المدمن، كإشكالية معقدة تتداخل فيها عدة عوامل نفسية واجتماعية، واستندنا في ذلك على التصور النظري لنظرية التثقيف كونها من أهم النظريات التي اهتمت بتأثير التلفزيون على قيم وتصورات الأفراد، وهو ما يسهم في خلق أنماط سلوكية تختلف عن سياق ومرجعية من يحملونها.

فرغم أن هذه النظرية ركزت على قوة الوسيلة في بدايتها وهو ما أدى إلى انتقادها من طرف الجيل الثاني من الباحثين في هذه النظرية على غرار Pinrgee  وHawkins الذين أدخلوا على النظرية عدة تغييرات بناءً على نتائج الدراسات التي قاموا بها، والتي أظهرت عجزاً نظريًّا في تفسير بعض الظواهر الإيجابية المرتبطة بالوسيلة بحكم أنها لم تكن في الافتراضات الأولية للنظرية.

ومهما يكن فإن نظرية التثقيف توفر إمكانية لفهم الدور الذي يلعبه التلفزيون في تشكيل قيم وسلوكات الأفراد خاصة المدمنين منهم أو الأكثر تعرضاً للقنوات التلفزيونية الفضائية. فالإدمان التلفزيوني يعني كثافة المشاهدة وبالتالي كثافة حدوث الغرس الثقافي كرهان يواجه المتلقي السلبي الذي يتلقن كل ما يشاهده من قيم ومضامين تبث عبر التلفزيون.

وفي شق آخر تناولت هذه الدراسة أهم الشرائح الاجتماعية التي تمسها ظاهرة الإدمان وهي فئة الأطفال التي كثيراً ما تتعرض للإدمان في ظل غياب دور الأسرة التي تخلت عن أدوارها ومسؤولياتها للتلفزيون كحاضنة أطفال من الدرجة الأولى، حاولنا توضيح كيفية تأثير الإدمان التلفزيوني على الأطفال من خلال بعض الدراسات النظرية في هذا المجال، وحاولنا وضح حلول لكيفية تحكم الأسرة في هذه الظاهرة ومعالجتها، فأنجع أسلوب لعلاجها هو اعتبار الإدمان مرضاً يجب تجنّبه والوقاية منه بعدة طرق وأساليب ترجع لإمكانات كل أسرة في التعامل مع هذه الظاهرة.

في الأخير لا يسعنا إلا القول: إن الانتهاكات التي يقوم بها التليفزيون للحياة الأسرية وتأثيراته في الوجبات والأحاديث والألعاب والطقوس قد يقنع الآباء بأن ثمن تقبل التليفزيون كعنصر من عناصر القوة في الأسرة إنما هو ثمن باهظ للغاية. فعلى الرغم من أننا قد نكون مغلولي الأيدي أمام الآلة المجردة التي صار إليها المجتمع الحديث، فمازال بإمكاننا تأكيد إرادتنا في مواجهة جهاز التليفزيون، تلك الآلة ذات الحضور الفعلي والملموس في بيوتنا، وبإمكاننا أن نتعلم السيطرة عليه حتى لا يسيطر علينا.

 

 

 



[1] ميلفين ل. ديفلير وساندرا بول. روكيش، نظريات وسائل الإعلام، ترجمة: كمال عبد الرؤوف، الدار الدولية للنشر والتوزيع، القاهرة، 1993، ص: 68.

[2] عبد الله بوجلال وآخرون، القنوات الفضائية وتأثيراتها على القيم الاجتماعية والثقافية والسلوكية لدى الشباب الجزائري.. دراسة نظرية وميدانية، دار الهدى عين مليلة، الجزائر، ص 192.

[3] Cavender G, Bond-Maupin L, & Jurik N.C, The Construction of Gender inReality Crime TV, Gender & Society, Vol. 13, (5), 1999. p: 76.

[4] خليل شكور، أمراض المجتمع: الأسباب، الأصناف، التفسير الوقاية والعلاج، الدار العربية للعلوم بيروت، 1988، ص: 46- 47.

[5] Adoni H., Cohen A. A., Television Economic News and The Social Vonstruction of Economic Reality, Journal of Communication, 28(4), 1978.

[6] عبد الرحمن عزي، الفكر الاجتماعي المعاصر والظاهرة الإعلامية الاتصالية بعض الأبعاد الحضارية، دار الأمة، الجزائر، 1995، ص: 98-99.

[7] السيد الشحات أحمد حسن، الصراع القيمي لدى الشباب، دار الفكر العربي، القاهرة، 1988، ص: 34-35.

[8] السيد الشحات أحمد حسن، مرجع سبق ذكره، ص35.

[9] نصير بوعلي، أثر البث التلفزيوني الفضائي المباشر على الشباب الجزائري.. دراسة تحليلية وميدانية، أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه دولة في علوم الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر، كلية العلوم السياسية والإعلام، قسم علوم الإعلام والاتصال، 2002/2003، ص: 183-184.

[10] نصير بوعلي، مرجع سبق ذكره، ص: 184.

[11] Gosselin.A., Violence et Effet D’Incubation de La Télévision: La Thèse de La Cultivation Analysis, Les Etudes de la Communication Publique, Université Laval, Québec, 1993,p. 148.

[12] عبد الله بوجلال و آخرون، مرجع سبق ذكره، ص 76.

[13] نصير بوعلي، مرجع سبق ذكره، ص122.

[14] د. وجدي حلمي: الغرس الثقافي، تم تصفح الموقع الإلكتروني ، بتاريخ 15/03/2013، على الساعة 10 ص، 3http//gogo2000.elaphblog.com/posts.aspx ?U=5137&A=7224715

[15] نصير بوعلي: مرجع سبق ذكره، ص ص 247-249.

[16] الغرس الثقافي، تم تصفح الموقع الإلكتروني بتاريخ 15/03/2013، على الساعة 9، صباحاً

http//gogo2000.elaphblog.com/posts.aspx ?U=5137&A=72247

[17] ماري وين، عبد الفتاح الصبحي: الإدمان التلفزيوني، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1999، ص 17-18.

[18] ماري وين، عبد الفتاح الصبحي: مرجع سبق ذكره، ص14.

[19] نصيرة عقبي: جمهور التلفزيون ونظرية الاستعمالات والإشباعات، مذكرة لنيل شهادة الماجيستيير في علوم الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر، 2002، 2003، ص73.

[20] the television addiction.by james F.Turck, May10.2004 تم تصفح المقال على الموقع الإليكتروني: http://realtruth.org/articles/233-tta.html p2.

[21] Victor Clin: Television Violence: How it Damages, your Children ladies, Home journal, February 1975, p 116

[22] the television addiction.by james F.Turck , ibid ,p4.

[23] ناجي تمار: تأثير برامج الأطفال في التليفزيون الجزائري، رسالة لنيل شهادة دكتوراه دولة في علوم التربية، جامعة الجزائر 2005-2006- ص193.

[24] ناجي تمار: مرجع سبق ذكره، ص 204.

[25] ناجي تمار: نفس المرجع،.ص ص 205-207.

[26]  فادية عمر الجولاني، دراسات حول الأسرة العربية، مؤسسة شباب الجامعة: الإسكندرية، 1995، ص 11 .

[27] دينكين ميتشيل، معجم علم الاجتماع، ترجمة إحسان محمد الحسن، الطبعة الأولى، دار الطليعة للطباعة و النشر: بيروت، 1981.

[28] فادية عمر الجولاني: مرجع سبق ذكره، ص16.

[29] أديب عقيل: التلفزيون والتنشئة الاجتماعية، جامعة دمشق كلية الآداب والعلوم الإنسانية، قسم علم الاجتماع، تم تصفح المقال على الموقع الإلكتروني:

http://www.annabaa.org/nba64/tifizun.htm12 *12*12

[30] ماري وين، عبد الفتاح الصبحي: مرجع سبق ذكره، ص292.

[31] مايربونيفتش موريسون، ترجمة: أحمد محمد، الوجه الآخر للعولمة، مجلة الثقافة العالمية، العدد 103، عام 2001، ص60-65.

[32] ماري وين، عبد الفتاح الصبحي: مرجع سبق ذكره، ص242.

[33] ماري وين، عبد الفتاح الصبحي: مرجع سبق ذكره، ص243.

[34] ماري وين، عبد الفتاح الصبحي:مرجع سبق ذكره، ص ص 245 - 246.

[35] ماري وين، عبد الفتاح الصبحي: نفس المرجع، ص246.

[36] نفس المرجع: ص252.

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة