تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

الحوار بين الكتابة المقدسة وأدب القوميات ..

محمد قادة

الحوار بين الكتابة المقدسة وأدب القوميات

قراءة في أصول الأدب المسيحي

الدكتور: محــمــــد قادة*

* أستاذ محاضر، التخصص: الآداب الأجنبية ونظرية الأجناس والترجمة، جامعة عبدالحميد بن باديس في مستغانم، الجزائر، البريد الإلكتروني: Kadamedmosta@gmail.com

 

 

ﷺ تمهيد

يبدأ الحديث عن الكتابة المقدسة، أو ما يدعى في الغالب بالأدب الوسيطي، نسبة إلى الحقبة التاريخية التي ارتبط بها، من تلك اللحظة التي حقق فيها الأدب نقلة نوعية فاتخذ من الكتاب المقدس منهلاً ومصدراً لموضوعاته الغيبية والأخلاقية، سواء تعلق الأمر بالأسفار في العهد القديم أو النسخ في العهد الجديد، وبعد الولوج بها إلى عالم الغيبيات والرموز والكنايات، فهو يرتبط ارتباطاً عضويًّا بالمجال الروحاني الديني المحض، وغالباً ما يطلق عليه الأدب الكنسي.

ولم تشكل الذهنية المسيحية في بداية الأمر سوى موقفاً عارضاً يحاول أن يبني كيانه على أنقاض ما ساد قبل المسيحية نفسها، وعليه بدأ التصلب في المواقف ومواجهة الزحف القادم من تلك الأبعاد الأسطورية القديمة، الأمر الذي سيغيب مبدأ الحوار وإن كانت هذه الأخيرة مقننة علميًّا بتصورات مفاهيمية، فبدت في نظر رجالات الدين، ثقافة وثنية بُنيت على أسس ميثولوجية متعارضة مع تعاليم الكنيسة من حيث المعتقد والرؤية نحو العالم والتاريخ.

من هنا انطلق شكل من أشكال الخطاب القاتل لحيوية الثقافة القديمة ولحظتها، وبدأ بعث قوانين الحصار والتحريم لكل موروث قديم، فهل سيكون لهذا النوع من الأدب دور في بعث شكل حواري جديد مختلفاً عن الخطاب الأحادي؟ وكيف سيتم ذلك؟ ما هي مظاهره؟ وهل سيكون له تأثير على الأشكال الثقافية والمعرفية فيما بعد؟

-1-
البراعم الأولى للحوار الديني

كان للكنيسة في المراحل الأولى وخاصة المذهب الكاثوليكي منها، باعتباره التوجه الديني الأكثر تفتّحاً بالقياس إلى المذهب الأرثوذوكسي والبروتستانتي، وعلى طيلة قرون عديدة تأثيراً عظيماً في كل الحياة الفكرية، وليس غريباً أن يمتد هذا التـأثير على تطور الثقافة والفن والأدب بشكل عام، انطلاقاً من مبدأ أن الحياة الأرضية ليست إلا ومضة من ومضات الحياة السماوية، ومن هنا جاء عدم الاهتمام بالعالم المحسوس وسادت الكنايات والرموز الغامضة والأوهام على الفن عموماً، وكان هذا هو الطابع المميز لفن العصور الوسطى. فظهر الأدب الكنسي في أناشيد وأشعار روحية، وسير حياة القديسين، والمسرحية الكنسية، وكان يلاحظ الشيء نفسه في كامل ثقافة العصر، ومنها في الرسم والهندسة المعمارية والموسيقى، واصطبغت هذه الأنواع من الفنون بالصبغة الكنسية الدينية المحضة.

ففي بداية الأمر لم تعتبر موضوعات الفن والأدب في بداية العصور الوسطى إلا مقدمات عارضة منعزلة. ولم تشكل أحداثاً بارزة في تطور الآداب عموماً، مما ترتب عن ذلك بزوغ بعض السيمات الخاصة بالحوار الديني الباطني، ويضفي عليه صبغة غنائية.

وكان أحد الأسباب المباشرة في ظهور بعض هذه الملامح الأدبية في العرض الديني الكنسي، وبطريقة غير مباشرة، ورغم قوانين الحصار والتحريم لم تنقطع هذه الممارسات التي كانت تحاول دوماً العمل على التعبير، وعرض أحوال الإنسان والمجتمع بطريقة وضعية وواقعية من مجتمعات القرون الوسطى بفضل فرق المنشدين والجوالين (التروبادور) والرواة والبانتوميم[1].

أ- من خلال الطقس الدرامي

بالنسبة للأدب الدرامي مثلاً، فالمسيحية كانت تعتني أكثر من غيرها بإظهار الدراما، (العالم والضمير البشري)، وهذه إحدى الصور التي تكشف عن شكل الصراع المعبر عنه بحوار مقدس، إذ إن تاريخ البشرية في نظرها ليس إلا مأساة تنتهي بالصليب وآلامه، والعالم عبارة عن مسرح لثلاثة مناظر، السماء (الفردوس) والأرض (ما بعد الخطيئة) والجحيم.

أما الضمير البشري فموطن النزاع متجدد دائماً بين الإنسان القديم الذي يحيا على الخطيئة الأولى، والإنسان الجديد الذي خلقه التعميد خلقاً آخر، هذه هي النواة الجوهرية ومبعث الحوار الباطني. فالكنيسة هي التي وجدت فيها البشرية هذا النوع من القلق الذي تبحث عنه في الدراما.

ففي بعض الأعياد كانت الاحتفالات الدينية تتخذ لها طابعاً دينيًّا بشكل واضح، وكان المصلون يقومون أحياناً ببعض الأدوار مثل عيد الميلاد الذي يصحب بحوار يتلى على باب الكنيسة، وبسهرات الصليب التي تقام يوم الجمعة الكبيرة، ومباركة شمعة الفصح ويوم السبت المقدس (السبت النور).

كما استطاع العنصر الغنائي أن يحتل مكاناً هامًّا في الطقوس منذ عصر قديم جدًّا (ق 4 م)، فكان إنشاد المزامير (مزامير داوود في التوراة)، يتناوب الدور مع تلاوة النصوص، وكان المصلون يرددون الأجزاء الختامية في صورة جوقة، مع الحركات المنتظمة المنسجمة مع اللباس الخاص.

القرن الرابع (4 م) هو الذي أدخل عادة الإنشاد الشعري الفردي، وأناشيده اللاتينية هي التي اتخذها الشعر المسيحي نموذجاً له طوال قرون عديدة، ثم ابتدعت مقطوعات غنائية في صورة حوارات كالتي تقام في افتتاح عيد الفصح.

ومن خلال هذه البراعم الأولى للتمثيليات الصادرة عن الطقوس الدينية، يمكننا أن نقول: إن المسرحية الطقسية المكتوبة باللاتينية المبنية على أساس الحوار، ولدت بالأديرة وأخذت تتطور إلى أن بلغت درجة من الارتقاء إلى مسرحيات دينية مثل نص ميلاد المسيح، ونص قيام عازار، ثم ظهر بعدهما نصان مهمان في نهاية القرن 12م هما: قطعة من القيامة، وتمثيلية آدم، التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الطقوس الدينية الرسمية[2].

وتوجد هذه الأخيرة كمخطوط في مكتبة (تور)، يرجع تاريخها إلى القرن 12م، وقد وجدت خصيصاً لكي تقدم في أعياد الميلاد في ميدان الكنيسة الخارجي، وتشتمل التمثيلية على ثلاثة أجزاء:

- سقوط آدم وحواء.

- مقتل هابيل على يد قابيل.

- موكب الأنبياء لإعلان قدوم المسيح.

وعلى الرغم من أن هذا النص وما شابهه يبدو مفتقراً للوحدة ومفكك الأوصال، إلا أنه ينطوي على فكرة حوارية باطنية تجعل منه وحدة لاهوتية. فهو يبدأ بالخطيئة الأولى وينتهي بالخلاص بعد المرور على مقتل هابيل الذي يعتبر الجريمة الأولى.

ب- من خلال الثيمات الأدبية

في السياق نفسه من التطور تحولت هذه الكتابات المقدسة إلى ما يعرف بالأسرار في فرنسا، والمعجزات في إنجلترا، والمدائحيات في إيطاليا، وكل هذه الأشكال التعبيرية لا تعرف وسيلة أخرى غير الحوار. وهي تغرف موضوعاتها من الكتاب المقدس وسير القديسين، وقد عرفت نوعاً من التأثر بالقصائد القصصية في مراحل متأخرة نوعاً ما. والتي كان يؤلفها الشعراء المتجولون (التروبادور)، وقد تجلى هذا النوع من الكتابة ذات الطابع الشعبي في نصوص «سر الآلام» التي ألفها القس أرنو جرسيان عام 1450م، ويعد هذا عملاً ضخماً – تمثيليًّا غنائيًّا – يتضمن مناظر واقعية هزلية أحياناً، يحتوي على 34574 بيتاً من الشعر، وعلى 224 شخصية، وينقسم إلى أربع مراحل: الخلاص، حياة المسيح، الآلام، البعث.

فالخروج عن النصوص الدينية المحضة، لم يكن بالشكل القطعي الذي ينفي كل مسحة مسيحية عن النصوص الأدبية عامة، فقد كان لهذه الموضوعات أهمية بالغة في حياة الإنسانية.

لأن الدين في هذه الحالة لم تكن وظيفته المثلى إلا تغذية الصراع الميتافيزيقي، وبعث الذات الإنسانية من جديد للانسحاب، إلى قاع ذاتها مؤسسة بذلك وعياً وموقفاً متكاملاً. فأصبحت موضوعات العزوف، الحب، الشرف، الوفاء والحرية من القضايا التي تعالج بتفاصيلها الدقيقة، وإلا كيف يمكن الحديث عن الأدب الرومانسي عند الغربيين؟ أو بالأحرى ما هي مصادره؟.

فليس العزوف إلا طوراً للتأمل، طوراً حنينيًّا عابراً، ومن هنا بالضبط نجد أن الأدب يبحث عن قفزة نوعية متقدمة آخذاً في بحثه عن حرية أرفع من تلك التي انتهت إليها المسيحية، قدره في ذلك ليس الانسلاخ عن الدين بقدر ما هو امتداد وتكملة له كما يبدو من خلال نماذج حديثة: «هذا الصمت الحزين، هل يبشرني بخالقي؟ قاتم غلافه كذاته إذ بعزوفي وحده أستطيع الاحتفاء به» (ماكس شيلر – دروس في التربيةالجمالية ) (leçons sur l’education esthétiques).

«وهذه الفراغات اللامتناهية تخيفني» (بلاز باسكال - الأفكار Les Pensées).

-2-
الحوار وأدب القوميات

كان للفكر الكنسي في الفترة المبكرة من العصور الوسطى موقع مؤثر في التفكير الاجتماعي، لكن الأدب المعبر عن هذا الفكر أو ما يسمى بالكتابة المقدسة وكل ما يشبهه من أدب الطقوس الدينية، لم يكن يشكل أدباً قوميًّا ولا أساس له بالمعنى الحقيقي للأدب القومي، فتلك الكتابة الكنسية لم تكن أدباً فنيًّا، بل كان أدب توحيد – قصري – يعرقل التطور الخاص للآداب القومية. ذلك أنه كان يسعى بكل الوسائل إلى تأكيد فكرة الحتمية القدرية لواقع وفكرة ثبات هذا الواقع كقدر لا مهرب منه.

وبهذا يكشف ذلك الأدب ليس عن فكرة الكنيسة فحسب، بل وعن سعيه لتأكيد الواقع الإقطاعي للقرون الوسطى كوضعية حتمية أبدية، التي لا يخرج معها الحوار بكل أطيافه، أدبيًّا كان أو اجتماعيًّا - إنسانيًّا، من قبضة الكنيسة.

يضاف إلى هذا، أن هذا الإنتاج قد فرض عليه أن يكتب ليس باللغات القومية، بل بإحدى لغتي الكنيسة في العصور الوسطى: اللاتينية أو البلغارية القديمة (لغة الكنيسة الأرثوذركسية)، ولا يستثنى من ذلك إلا بعض الآداب التي وصفت رحلات الحج إلى البيت المقدس، والتي تنطوي على بعض ملامح الأدب القومي على الرغم من سيطرة ذهنية الكنيسة الإقطاعية عليه.

ولم يكن ذلك الأدب الوحيد في العصور الوسطى، فقد وجد إزاءه أدب دنيوي -ليس بالمعنى الأخلاقي- يعكس مضمونه العام بعض خصائص الأدب القومي. وكان هذا أدباً بطوليًّا تاريخيًّا معبراً عن حركة تكون القوميات الحديثة بقيادة الفئات الطليعية من مالكي الأرض.

وأغلب ذلك الأدب اتخذ شكل ملاحم لمؤلفين مجهولين، ومن أشهر نماذجه: أغنية رولاند الفرنسية، أغنية عن السيد الإسبانية، وحكاية فان إيفروف السلافية. وتشكل هذه الكتابات الغنائية مصدراً قصصيًّا يؤسس للكتابات النثرية كالملاحم، والروايات اللاحقة يغلب على جميعها حوار أدبي بالمعنى المألوف، وأكثر من ذلك أنه حوار واقعي إنساني.

-3-
الحوار الأدبي خارج الإطار الديني

في القرن 12م و13م ظهر أدب مغامراته الحب والفروسية التي تميزت بأجوائها الدنيوية، وامتاز بعضها بروح مرحة تعكس ذوق وذهنية الفئات الدنيا وميلها إلى نقد الطبقات المسيطرة.

وهذه النماذج مع الملاحم القومية البطولية تشكل أساس الآداب القومية التي ستظهر في آخر العصور الوسطى، وصدر عصر النهضة في إيطاليا.

ففي مجرى تطور هذا النوع من الإبداع الأدبي ذي المواضيع الواقعية والحوار الإنساني -بهذه الدرجة أو تلك- تبلورت تدريجيًّا النظرة الإنسانية لدى الأدباء، وكان ذلك كله الأساس الذي قام عليه تشكل الملامح المميزة للآداب القومية، ويظهر تنوعها مقابل رتابة الأدب الكنسي ذي الحوار المنطوي الغامض.

وأحسن نموذج معبر عن هذه السمات القومية والنزعة الإنسانية لآخر العصور الوسطى، عمل دانتي «الحياة الجديدة» و«الكوميديا الإلهية» يكاد يكون مكرساً لموضوع الحب، لكن دانتي يخطو به إلى الأمام، فهو يستشعر مقاييس الطهر والعفة كصفتين تبدوان في الأدب الكنسي أساس الصورة النموذجية للسيدة العذراء، مسبغاً عليها طابع الأنانية (طابعاً إنسانيًّا)، يجعل المرأة أقرب إلى صورة حبيبات الفرسان في الشعر البروفانسيالي والتروبادور من ناحية.

وهو من ناحية أخرى يعنى في عمله هذا عناية شديدة بوصف المشاعر الإنسانية، وتحليلها تحليلاً على درجة من التركيز، تجعل من هذا العمل أحد النماذج المبكرة للرواية النفسية قبل ظهورها في الآداب الأوروبية في عهود لاحقة.

إن شدة عناية دانتي بالشخصية الإنسانية ومشاعرها، تجعل منه ليس فقط ممثلاً لإنسانية العصور الوسطى، بل وممهداً لعصر النهضة المبكر. وبهذا يقدم أدب دانتي نموذجاً لتداخل المراحل والعصور الأدبية ومؤكداً فكرة أن جذور أية مرحلة تمتد في المرحلة السابقة.

وهنا يجب أن نؤكد حقيقة أن دانتي لم يكن حالة شاذة تقع خارج التاريخ الفعلي لمجتمعها، فهو يقدم أدباً مستلهماً من الروح المسيحية ومتفاعلاً مع مأساة واقعية، بل إن اشتراك دانتي في الصراع السياسي الذي نشب بين سلطة إقطاع العصور الوسطى والبورجوازية التجارية الناشئة، وتعرضه للنفي المؤبد نتيجة مواقفه الراديكالية، كل ذلك يؤكد حقيقة أن الظاهرات الأدبية العامة ليست إلا نتاجاً مباشراً أو غير مباشر لما يجري في الحياة ذاتها، وفي الآن نفسه فهي تعلن عن بداية حوار إنساني عميق.

ضروري هنا أن نشير إلى سمتين أساسيتين في إنسانية آخر القرون الوسطى، وفترة من عصر النهضة من خلال أدبها، هما

1- أنها كانت فردية ذاتية النظرة تهتم بالبعد الغنائي الذاتي، أكثر من اهتمامها بالعلاقات النثرية التي تنبني على التحاور الموضوعي.

2- افتقارها وافتقادها النظرة التاريخية، مما يقلل من أهمية الجدل التاريخي، ويقدم صورة لشكل حواري غامض لا يؤطره العقل.

وهي بهذا تتميز عن آداب القرون اللاحقة، التي قامت فيها النظرة الإنسانية على فهم أعمق لوجود الإنسان الاجتماعي، وفهم متطور لتاريخية الوجود الاجتماعي ذاته. أي تطوره المتواصل المادي والروحي، ما منح التيار الإنساني في الأدب مضموناً يتجاوز حدود البلدان والطبقات الاجتماعية، وينفتح أكثر على عوالم جديدة تمكنه من التحاور والتقدم.

لكن المهم في إنسانية آخر العصور الوسطى، هو أنها مهدت للاتجاه بالأدب نحو الاهتمام بالحياة الإنسانية المادية والروحية وتنوعها اللامحدود، مما سنلاحظه حتماً وبالنتيجة في نماذج عصر النهضة المبكر، محافظة بذلك على كثير من ملامحها الروحية التي تتشكل منها الموضوعات والمضامين الأدبية ذات البعد الإنساني.

ويلاحظ على الأعمال الأدبية المتأتية فيما بعد، أنها لم تخلو من التأثيرات المسيحية سواء بالنفي أو بالإثبات، وحتى النصوص التي مارست الأفكار الفلسفية، واعتنت بالقضايا الإنسانية بعيدة عن مراعاة الأسلوب الأدبي، الذي تصاغ به هذه الكتابات حوارية كانت أم قصصية سردية.

وهذا دليل آخر على أن الأثر الرومانسي الناتج عن تفاعل الدين والممارسة الأدبية، شكل بدوره خلفية وإطاراً فكريًّا لنهوض مذاهب أدبية كبرى، حاولت التغلغل في أعماق الذات البشرية لتؤسس منطقاً حواريًّا، وتبحث عن المرتكز الأساسي والصحيح لقيام الروح في أسمى تجلياته، الأمر الذي لا يتحقق إلا بفضل العودة إلى الوعي المرتبط بالوازع الديني.

ﷺ استنتاجات عامة

لم تعرف هذه الأشكال الثقافية وسيلة تعبيرية سوى اللهجة البلغارية القديمة، أو اللغة اللاتينية، فترتب على أنقاض هذا الأمر ما يلي:

1- بقدر ما اهتمت المسيحية في بناء الإنسان ميتافيزيقيًّا، بقدر ما كانت الأدوات التعبيرية باطنية، وهذا ما أضفى على طبيعة الحوارات التي كانت تجري آنذاك بُعداً غنائيًّا انعكس أصلاً على طبيعة الحياة الرومانسية، وأسس لذاتية جديدة.

2- بعدما كانت الذاتية مصدراً للفكر الوثني القديم، ولا تقدم للحياة البشرية إلَّا صورة محاكاة عن الواقع العام، فهي اليوم تنظر بمنظار الإلوهية مما جعل العالم الخارجي بموضوعيته يتسم بقدسية كما يظهر على وجه أكثر تطور.

3- فيما يتعلق بالأشكال الأدبية وخاصة الدرامية منها، فإن الكنيسة هي التي وجدت فيها البشرية هذا القلق والتشاؤم، الذي تبحث عنه في الدراما رغبة منها في التغلب على طبيعة الحياة المأسوية.

 

 

 



[1] البانتوميم: نوع من التمثيل الهزلي الصامت، وقد انتهج هذا النهج الصامت نتيجة للحصار والتحريم، حيث كان يتخذ من رجال الدين موضوعاً للسخرية والاستهزاء والتهكم برؤية نقدية لاذعة للأوضاع الإقطاعية.

التروبادور: وهي فرق جوالة منشدة تأثرت كثيراً بالأشعار الزجلية والموشحات، كما عرفت بأسلوب شعرها الغنائي، وكان لها أثر في بلورة التوجهات الإنسانية.

[2] هذه النصوص المذكورة / مأخوذة عن كتاب: Les grandes aventures du theatre – Guy Leclerc وكلما تعلق الأمر بالمسيح أو العذراء مريم أو القديسين فموضوعات هذه النصوص مستلهمة من النسخ الإنجيلية - العهد الجديد -، وحينما يتعلق الأمر بقصص الأنبياء أو أحداث القيامة فتكون النصوص مستلهمة من الأسفار التوراتية - العهد القديم -.

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة