تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

رهانات وآفاق .. قراءة التراث الإسلامي عند محمد أركون

بومحرات بلخير

رهانات وآفاق

قراءة التراث الإسلامي عند محمد أركون

الدكتور بومحرات بلخير*

* أستاذ محاضر بقسم علم الاجتماع جامعة مستغانم، الجزائر.

 

 

تمهيد

من المعلوم عندما نتحدث عن قراءة التراث أنها تحتوي على عاملين هامين: الأول يتعلق بالقارئ ونشير إليه في هذا المقال إلى شخصية محمد أركون، والعامل الثاني بالمادة المقروءة، ونقصد بها التراث الإسلامي في هذا البحث. إضافة إلى الوساطة التي تجمع بين هذين العاملين والمتمثلة في الوسائل والتقنيات المنهجية والنظرية، التي أوجدها العقل الغربي المعاصر لفهم حيثيات هذا التراث، ونقصد بالخصوص ما أوجده ميشيل فوكو Michel Foucault (1984/1926) من خلال كتابه «الكلمات والأشياء» 1966، والذي يعتبر الإبستيمي (منظومة المعرفة) épistémès، لفهم الفكر الغربي منذ العصر الوسيط إلى ما هو عليه الآن. فقد حاول أركون أن يجرب هذا الابستيمي على التراث العربي، كما أنه دعمه وطعمه بمنهج الألسنيات، وتقنيات القراءة من تفكيك وهدم، وإزاحة ثم البناء من جديد.

أولاً: تحديات قراءة الفكر الأركوني للتراث

يعد أركون باحثاً مفكراً استطاع أن يختار الحقل الذي يشتغل عليه بكل روح علمية، غير مبالٍ بالمخاطر التي يكتنفها في مساره، وكم كانت عديدة وشاقة ومتعبة، فيعتبر من الباحثين المفكرين في فهم وإفهام الحقل الديني الذي يشتغل عليه.

فقد سعى إلى الاستفادة من المنظومة الغربية بغير تردد، وبدون كلل ولا ملل، لتوجيهها بغية تحليل التراث الإسلامي، ليس من أجل هدمه أو تحطيمه، ولكن بغية إزالة اللبس والغشاوة عنه، كي يكون مضيئاً من شوائب الأساطير والظلمات، التي حلّت به منذ التراجع الحضاري.

فيكمن مجهود محمد أركون أنه أرد أن يضيف، الأنسنة عوض الأسطرة، والتفكير بدل اللامفكر أو السياج الدوغمائي، والوضوح بدل الغموض، جراء هذه الحقبة الزمنية الطويلة والتي تقدر بأربعة عشرة قرناً. ومن هذا يتبين لنا قوة المشروع الأركوني الهادف إلى إعطاء مقروئية واضحة وهادفة إلى هذا التراث، الذي ظل حبيس الأيديولوجية التي تستخدمه متى احتاجت إليه، وتتركه عندما تقضي حاجتها.

إذا ما عدنا إلى مسألة التراث ومكانته في الواقع الإسلامي المعاصر، نجده مصاب بالعديد من الاغتيالات، التي جعلت منه تراث جامد على الرغم من خصوصيته وغناه وتعدده، فهو يمثل حالة من الأجوبة وحل لإشكاليات العصور السالفة، من هنا علينا أن لا نختزل التراث في جواب، أو مشروع واحد للأسئلة المطروحة، بقدر ما نوسع من دائرته وننوع من اختلافاته.

على أساس أن التراث ليس رؤية دوغمائية واحدة، بقدر ما هو تعبير عن تعدّد وتنوّع بين الأطياف الفكرية والفرقية، «يقصد أركون البدعوية كل الكتب التقليدية التي تحدثت عن الفرق الإسلامية من وجهة نظر الأرثوذكسية الرسمية، ورمتها في دائرة البدع والهرطقات أو الخروج عن الخط المستقيم، ويرى أركون ضرورة الخروج كليًّا من هذا المنظور التيولوجي وكتابة التاريخ الإسلامي بشكل مختلف جذريًّا»[1].

ومن المتاعب والصعوبات التي يواجهها أركون أيضاً في فهم التراث الإسلامي، إشكالية إضفاء القراءة الأحادية باعتبارها تكرّس مرجعية واحدة ووحيدة، تعبر عن التراث بكل شموليته، فالتراث الذي يراه أركون من خلال قراءته «يقصد أركون بالتراثيات الأخرى، التراث السابق على الإسلام مثلاً أو تراث الإسلام الشعبي أو الشفهي الذي يسود الأقاليم البعيدة والطبقات الفقيرة، والمتهم بالزندقة من قبل الإسلام الرسمي المرتكز على سلطة الدولة المركزية والكتابة التاريخية»[2].

وأيًّا ما يكن الأمر وبغية إزالة الغموض الذي يكتنف مسألة التراث نتيجة الالتباس، الذي يحدث بقصد أو بغير قصد في ما يخص مسألة الدين كمعطى إلهي، وما أنتجه البشر في هذا الإطار «ومن هذا المنطلق فإنه يجب أن نميّز تمييزاً قاطعاً بين المستوى الإلهي والمستوى الإنساني في التراث... فهذا الأخير هو الذي ينهض على صنعة العقل الذي يعبر عن نفسه في مجالات عدة مثل العلم والفلسفة والأدب والفن»[3].

فما يهمنا من هذا التوضيح، هو إزالة التعقيد والغموض الذي يكتنف مسألة التراث، وقد قَبِل أركون المهام الملقاة على عاتقه والمتمثلة في الغوص في غمار التراث بغية إضاءة الظلمات التي سكنت روحه، وجعلت منه مسكوت عنه. وبالتالي تغيّب أو يستحيل التفكير فيه «فأركون ركّز كثيراً على الفكر الديني، وأراد الكشف عن آلية اشتغاله، فاعتبر أن مهمة نقده مُلحَّة، نظراً إلى أهمية الدور الذي يُؤدِّيه الدين في السيرورة التاريخية»[4].

فقد وظَّف أركون مناهج الغرب العلمية، لاستنطاق المسكوت عنه، لا لشيء سوى ليرجع للتراث بريقه وأناسته، «صحيح أنه يستخدم التفكيك والهدم، لكن في سبيل البناء، بناء على أسس متينة للعقل كي يتمكن من مواكبة التطور البشري، والمساهمة في دفعه قُدُماً نحو الأفضل، إنه باختصار يعمل بجهد على إعادة فتح باب الاجتهاد على مصراعيه، ومنع محاولة إقفاله من جديد»[5].

فاطِّلاع وتمرُّس أركون على المناهج الغربية بمختلف أشكالها وأنواعها، أراد من خلالها شفاء هذا التراث الذي عانى من ويلات الظلام والاضطهاد والرقابة. فما يتمناه أركون أنه «يحلم بجمهور غير مستعد لتلقي البحوث الأكثر انقلابية وتفكيكاً لكل الدلالات والعقائد واليقينيات الراسخة، فهذه البحوث الريادية أو الاستكشافية هي وحدها القادرة على فتح الأبواب الموصدة للتاريخ»[6].

ولكن سرعان ما يجد هذا الحلم والتمني لما وجب أن يكون عليه قراءة التراث، أمام حواجز وعقبات، والتي نوجزها على النحو الأتي:

1- الأرثوذكسية الإسلامية

يبرز الخلاف بين أركون وبعض علماء الدين المسلمين حول مسألة المنهج المراد استخدامه في دراسة التراث الإسلامي، فأركون لا يتوانى في استخدام الآليات الغربية الحديثة لفهم التراث الديني، والابتعاد عن الأحكام المسبقة أو الجامدة المجترة منذ قرون، نتيجة وجود رؤية واحدة وكل من يخالفها تشهر في وجهه الفتوى، التي ترسم حدودها بالنار والحديد، فإما أن يكفر ويزندق، أو يخرج من الملة المتعارف عليها، والتي تمتاز دائماً وأبداً بالنظرة والوجهة الواحدة، أو يتوب على فعلته مشهراً قوله بأنه على باطل ويعود إلى الوجهة الأولى المذكورة سلفاً، «من هنا جاءت السلطات في الإسلام لفتاوى الفقهاء ورجال الدين منذ الأمويين، وحتى يومنا هذا مروراً بالعباسيين والسلجوقيين والعثمانيين والأنظمة الحالية، التي لم تخرج بعد من المشروعية التقليدية لكي تدخل في المشروعية الديمقراطية الحديثة»[7].

يقسم لنا أركون طبيعة الأرثوذكسية إلى قسمين بارزين، القسم الأول الخاص بالإسلامية، والثاني المتعلق بالاستشراق الكلاسيكي، الذي سنتعرض له في العنصر اللاحق. فإذا ما تحدثنا على الأرثوذكسية الإسلامية فقد أبدى أركون جهداً فكريًّا ومنهجيًّا «بتحليل مفهوم الأرثوذكسية في الإسلام وكيفية نشوئها وتشكّلها واشتغالها في التاريخ عبر القرون، ثم بيَّن كيف أنها لا تزال تحول حتى الآن دون فتح الأضابير التاريخية، وتجديد الفكر بشكل جذري في المجال العربي الإسلامي، بمبادئها وصياغتها القطعية ومسلماتها، نوعاً من الحجاب الحاجز الذي يحول دون رؤية الأمور كما جرت عليه بالفعل طيلة القرون الهجرية»[8].

فمن المعروف أنه يوجد عند المسلمين نوع من التعدد والتنوع الفرقي والمذهبي والفكري بشكل عام، نتيجة اتساع رقعتهم الجغرافية، وتنوع شعوبهم، وتعدد أقاليمهم وأمصارهم. ومن هذا ينجم اعتقادات وتفسيرات وتأويلات مصاحبة وملازمة لهذا الثراء المتعدد، على الأقل من الناحية التجريدية، أو مما وجب أن يكون عليه هذا التراث. فعند رجوعنا إلى اللحظة الزمنية الأولى التي أعلن فيها مأسسة الإسلام، وتشكّل مفهوم الدولة على حساب مفهوم الأمة –بداية العهد الأموي- سادت الأدبيات السلطانية، وبرز التحيّز والعنصرية إن لم نقل البربرية في التعامل مع التراث، من قتل وحرق الكتب والمصادر، التي تتنافى مع مشروعية السلطة القائمة، والتي جعلت من نفسها الشرعية والمشروعية لهذا التراث، بل أضفت عليه ذاتها.

فانتصر في نهاية المطاف الاتجاه الأحادي الذي شكّل الأرثوذكسية التي تحكّمت في زمام الأمور الدنيوية والدينية، بمعنى التراث بشموليته، ونتيجة هذا الخلط المقصود والموجّه بين ما هو ديني ودنيوي، برز مفهوم القداسة على المشاريع السياسية باسم الدين، ونتيجة لذلك وزيادة الصراع على المواقع الدينية والدنيوية، وتباعد المسافة التي تفصل بيننا وبين الإسلام الأول، والتي تقدر بأكثر من أربعة عشر قرناً ازداد الغموض، واختلطت الأمور على المسلمين، وذلك بتشتت قواهم، وفسخ لحمتهم التي تربطهم، واستفادت من هذا كله الأرثوذكسية الدوغمائية الأحادية، في كسب الرهان الذي قطعته على عاتقها.

إضافة إلى وجود الأرثوذكسية الرسمية، التي تشكّل الفترة التأسيسية الحاسمة والفاعلة في تاريخنا، وهذا ما يحيلنا إلى مسألة العلاقة بين الديني والسياسي، التي عملت على بتر الكثير من الحقائق والوقائع، التي تهدّد مشروعية وجودها السياسي من جهة، وانعكست هذه الأرثوذكسية على الواقع المعاش، وذلك ببروز ما يسمو بالحرّاس الذين يعملون على اجترار وإعادة إنتاج هذه الأرثوذكسية، بطابع التبجيل والتقديس على رغم ما يعتريها من غموض وأسطره من جهة أخرى.

«إن العرب بشكل عام يعانون اليوم من قطيعتين مزدوجتين على مستوى الخلق والإبداع لا قطيعة واحدة، الأولى بالقياس إلى الفترة المنتجة والتأسيسية من تراثهم (القرون الهجرية الخمسة الأولى) التي يعتقدون أنهم يعرفونها في حين أن الواقع غير ذلك أبداً، والثانية بالقياس إلى العقلانية الغربية ومغامراتها الخلَّاقة بدءاً من القرن السادس عشر حتى اليوم، التي لا تزال تتطلب معرفة منهجية دقيقة، مختلفة عن تلك المعرفة المشتتة والناقصة التي حصلت في مرحلتي النهضة في الثورة»[9].

كما عبثت الأرثوذكسية بشقيها الإسلامي والاستشراقي دوراً سلبيًّا اتجاه مفهوم الرمز، الذي يُعطيه أركون أهمية بالغة في تفسير التاريخ وفهم أشكال الحاضر «فالتاريخ لا تصنعه فقط الأحداث والوقائع التي حصلت بالفعل، وإنما تصنعه أيضاً أحلام البشر وخيالاتهم وطوباوياتهم التي تشكّل بحدّ ذاتها قوة مادية تضغط على مسار التاريخ أو تحركه»[10].

وانتصر المذهب الأرثوذكسي على أساس أنه هو المعبر الحقيقي على الإسلام والتراث بشكل عام، فتبرز قراءة وتأويل واحدة تتميز بالإطلاقية والإقصائية، ولا تترك أي مجال للأشكال التعبيرية الأخرى عن التراث الإسلامي، إما باسم وحدة الجماعة، أو وحدة المصلحة التي تكرسها هذه الدوغمائية.

ومن هنا فقد هيمن على التراث الإسلامي الإبهام والغموض المفعم بالتقديس والتعالي، وهذا ما ساهم في غلق دائرة التراث بأسيجة محصنة منذ قرون ومكررة من جيل إلى جيل.

ونتيجة هذا التضيق بهذا الشكل -ناهيك عن الظروف الدنيوية- برزت الرغبة في الخلاص من هذا الوضع غير المطاق، وأصبح المسلمون يرددون بأن حياتهم في الآخرة متناسين وجودهم الدنيوي، وهذا ما ولَّد أزمة في الحضور والمعنى في المجتمعات الإسلامية. وما بروز الحركات الأصولية في هذا الإطار ما هو إلَّا تعبير جلي عن هذا الاغتراب عن هذا التراث، فأركون يُبدي اهتمامه بدراسة التراث من أجل التخفيف على نفوس المسلمين من وطأة هذا التراث.

- 2 - الأرثوذكسية الاستشراقية

يولي أركون أهمية بالغة، للمسائل المرتبطة بالمنهجية والإبستمولوجية، بغية فهم التراث الإسلامي على وجهه النقدي، ولعل هذا الخيار الأكاديمي العلمي، جعله يصطدم مع المنظومة الاستشراقية التي يعترف بها أركون بأنها كانت السباقة لكشف هذا التراث. لكن ما يُعاب عليها أنها ظلت حبيسة «المنهجية الفيلولوجية في المطلق، ولكننا نعترض عليها إذا ما اكتفى بها الباحث ولم يتجاوزها إلى شيء آخر، أو منهجيات أخرى»[11].

وهنا تبرز آفاق ورهانات المشروع الأركوني، الذي يعمل على إزاحة الاستشراق بعد أن يثمن إيجابياته التي قدّمها إلى التراث الإسلامي، ويعمل على استبداله بالإسلاميات التطبيقية، التي لا تتردد في استخدام المناهج المتعددة والمتنوعة التي وصلت إليها العلوم الإنسانية والاجتماعية، بمختلف مستوياتها.

إضافة إلى تثمين التراث غير المادي، «نلاحظ أن مفكرنا ينتقد كل من يهمش في بحثه دور الخيال على حساب تعظيم شأن العقل، ويقصد بخاصة أعمال المستشرقين الذين لم يهتموا بدراسة هذا الجانب المهم وتحليله... فالخيال بالتالي ملكة أو وسيلة للتصور والمعرفة مرتبطة بالعقل في كل العمليات التي يخوضها من أجل الإدراك والتعبير والكشف المعرفي»[12].

كما يولي أركون أيضاً اهتمامه بالقصص، والحكاية، والأساطير، والروايات الشعبية الشفوية، كل هذه المجالات همَّشها الفكر الاستشراقي ولم يُعرها أي اهتمام، على الرغم من أنها تعتبر عناصر ملائمة لفهم الأطر الاجتماعية والفكرية والاقتصادية، وبالتالي كقوى رمزية تساعدنا على فهم التراث إلَّا أنه «كما فعل المستشرقون بمفهومي العقل والعقلانية، إن التطرف في تطبيق العقلانية الوضعية الذي عرفته أوروبا في القرن التاسع عشر قد رسخ جهلاً كبيراً في مفهوم الخيال، ما أدَّى إلى اعتباره شيئاً مقصوراً على الأدب والحكايات»[13].

يواصل أركون انتقاده للدراسات الاستشراقية، فبعد أن بين قصورها على الجانب المنهجي والنظري، وذلك بمغالاتها في دراسة التراث المادي للإسلام، وغض الطرف عن التراث غير المادي، والذي يعطيه أركون أهمية بالغة في تحليل الأنظمة الخاصة بالتراث. ينتقل أركون لنقد الاستشراق من جانبه المضموني، على أساس أن الاستشراق من خلال مضامين قراءته ظل مولع بالاقتداء بالغالب على هذا التراث، أو الناطق باسمه.

بمعنى أن جل الدراسات الاستشراقية تناولت التراث «تحت وطأة الهيمنة شبه الكلية للتراث السني، والسبب واضح هو أن المستشرقين ولدوا أحياناً أو سافروا كثيراً أو أقاموا طويلاً في بلدان إسلامية سنية»[14].

وهذا ما يعتبره أركون اجتراراً، وإعادة إنتاج لدوغمائية الخطاب الواحد، الذي لم يتفطن المستشرقون إليه لسوء الحظ، فقد أهمل الاستشراق أهمية التنوع الثقافي والفرقي والمذهبي بين المسلمين، نتيجة اتساع رقعتهم والتي تمتد من المحيط إلى المحيط، فنجد على سبيل التشبيه لا الحصر دراسات قليلة حول فرق الشيعة، كما أنهم أهملوا ثقافات الشعوب المحلية من بربر وفرس... إلخ. كل هذا التراث همش وطوي، وانصب جهد المستشرقين على تجميع التراث في فرقة واحدة وغالبة، والمتمثلة في الفرقة السنية نتيجة وجود شرعية ومشروعية سياسية أسست منذ العصر الأموي.

ما يعاب على دراسة الاستشراقية أنها تهتم بالعقائد الجوهرية دون التطرق إلى جانب التاريخ السياسي والثقافي، كما أنها لا تهتم بالحياة الاجتماعية من حيث الأصول والمطامح والآمال والمحن لهذه الجماعات، وهذا هو مربط الفرس بالنسبة لأركون لفم حقيقة التراث الإسلامي.

فالمستشرقون قد أعطوا أولوية منقطعة النظير إلى مسألة الوثائق، على حساب المغزى والهدف المراد من الكتاب اتجاه ما هو مجتمعي. على أساس أن الكتاب له رسالة ومستقبلين ورموز، فلا يمكن الإحاطة بحقيقية هذا التراث، إلَّا إذا أضفنا هذه الحلقة المفقودة في طرح المستشرقين على الرغم من المجهود الإيجابي المبذول في ما يخص الجانب الوثائقي.

وهنا يقف أركون على أهمية «التأثير الذي يُحدثه أي نص على الوعي العربي الإسلامي في ذلك الزمان فهذا أهم من الانغماس كليًّا في التبحُّر الفلولوجي كما يفعل المستشرق الكلاسيكي... ينبغي على الباحث أن يتموضع كليًّا داخل المجتمع الإسلامي نفسه»[15]. باعتباره تراثاً إنسانيًّا يستحق الوقوف عليه لكشف أغواره، بدل القيام بمعرفة مدى تأثير الثقافة الغربية على التراث الإسلامي، وإن كان هذا مهمًّا، لكن الأهم من هذا أن الكثير من الدراسات الاستشراقية يراد منها وأد التراث الإسلامي، باعتباره رهين التراث الإغريقي، الذي استوحى منه منهجه ومضمونه.

فقد طغت على المستشرقين أيضاً ومن الناحية الذاتية، الصبغة الاستعلائية والمواقف الاستكبارية تجاه كل ما هو مسلم أو عربي. وهذا ما يمس بأهم قيمة موجودة في البحث العلمي والمتمثلة في الروح العلمية. فيؤكِّد أركون أهمية «مراجعة المنظومة الإبستمولوجية والمنهجية للمستشرقين، فإنهم بحاجة إلى مراجعة أنفسهم ويقينيَّاتهم المعرفية الأكثر رسوخاً وتجذّراً. وليسوا معصومين من الخطأ لمجرد أنهم ينتمون إلى العالم المتقدّم، أي إلى أوروبا والغرب»[16].

ومن هذا كله قدم أركون نقداً علميًّا صريحاً ومحايداً، سعى من خلاله إلى تحرير التراث من سلطة الاستشراق الكلاسيكي، الذي اعتبر نفسه الوارث الشرعي للنزعة الوضعية التاريخانية المتطرفة.

- 3 - الأرثوذكسية العلمنوية

يُبدي أركون امتعاضه من الاتجاه العلمنوي، الذي فرض نفسه على الساحة السياسية والأكاديمية في الجامعات الفرنسية، حيث لم يتوانَ الاتجاه العلمنوي، في تقديم التسميات والتصنيفات والتمييزات بين المفكرين المهتمين بالتراث أنفسهم، فهناك المستشرقون أو علماء إسلاميات بالنسبة للمفكرين الغربيين، أما المسلمون فيقسمونهم على أساس مسلم ليبرالي، معتدل، تكفيري... إلخ.

وهذا لاعتقادهم بأنهم هم أصحاب المصداقية العلمية، التي يحق لها الفصل في التسميات وابتداع البراديغمات الفكرية لقولبة المفكرين في داخلها. وبالتالي يجد الباحث نفسه ضمن إطار محدد له مسبقاً على أساس أن الهيئة العلمية الغربية لا يأتيها الباطل، وتبقى الهيئة الوحيدة التي تصنف وتقولب الأشياء، ولا يمكن لأي كان، أن يتجرَّأ على تصنيف هذه الهيئة الفكرية ضمن أي بارديغم توضع.

وبالتالي تكرّس فكرة المركزية العلمية التي يطاف بها مفكري الهامش، وهذه نظرة سلبية عنصرية يواجهها أركون من خلال اتهامه على أنه «انتحل كانط أو سرقه إذ يتحدث عن نقد العقل الإسلامي (على غرار نقد العقل الخالص، أو نقد العقل العملي...) إنك تسرقه بشكل مبتذل وغير دقيق. فالواقع أنه لا يوجد عقل إسلامي، كما أنه لا يوجد عقل مسيحي أو بوذي أو يهودي، ولكني لم أسمعهم قط يقولون بأنه لا يوجد عقل ماركسي أو هيغلي أو ديكارتي... وهذا التضاد الحاصل هو بين العقل الديني/والعقل العلمنوي لا العلماني»[17].

ويشرح أركون الوضعية التي جعلت العلمنوية، تصعد بهذا الشكل المتصاعد والمتطرف تجاه كل ما هو ديني، نتيجة الاعتماد على الحقل المدرسي والجامعي، وتوظيفه في صقل العقول على تحقير وتقزيم الدراسات اللاهوتية وإدخالها في إطار محدود، بل استبدالها بالدراسات الفلسفية على الرغم من العلاقة الوثيقة الموجودة بين دراسات اللاهوتية والفلسفية[18].

وهذا الحكم لا ينطبق على أوروبا، بل على فرنسا بالأخص «فهم يدرسون تاريخ الفلسفة، ولكنهم يحذفون تدريس اللاهوت الديني من أجل احترام العلمنة (أو تصور معين عن العلمنة أدعوه بالعلمانية المتطرفة وليس بالعلمنة الصحيحة أو المنفتحة) نقول ذلك ونحن نعلم أن تاريخ الفلسفة لا ينفصل عن تاريخ اللاهوت الديني منذ أقدم العصور»[19].

فتأكيد أركون وإلحاحه على أهمية دراسة الدين كنظام وبنية فكرية، سيطرت ولا تزال تسيطر على البناء والنظام الفكري للإنسان، فينبغي أن نُعطيها حقَّها من الكشف لإخراجها من صورتها النمطية، لكن سرعان ما يصطدم بالتيار العلمنوي مرة ثانية، والذي يتَّهمه بالماضوية والرجعية، وهو في رأي هذا التيار «غريب على عصر التنوير الذي تظهر تعلقك به شكليًّا، ولكنك في الواقع تعاديه أو تهاجمه باسم دينك، والدليل على ذلك تفريقك الماكر بين العلمانية والعلمنوية. فأنت لم تصنع هذا التمييز المصطلحي إلَّا لكي تقضي على فكرة العلمانية من أساسها، في الواقع إنك معادٍ لهذه القيمة الأساسية المؤسسة لحضارتنا»[20].

ويضاعفون قدراتهم الهجومية فلم يتوقَّف الحد عند هذا، بل يزيد الأمر إلى أن يتهموه بالعنصرية والتعصب إلى الدين الإسلامي، الذي ينتمي إليه «أنت تريد أن توهمن بأنه توجد نزعة إنسية أو إنسانية في الإسلام، وأنت تتحدث عن وجود عقل إسلامي خاص يدينك فقط، وكل ذلك من أجل أن تبرهن بطريقة علمية مزيفة على تلك العقيدة القائلة بصحة القرآن... وهي ليست عقيدة علمية، ولكنك تحاول أن تسبغ عليها الصبغة العلمية عن طريق مصطلحاتك التجريدية العويصة التي تخترعها لهذا الغرض»[21].

ومن خلال هذا التنوع الأرثوذكسي في الطرح من إسلاموي، واستشراقي، وعلمناوي، والذين يتسمون بالنظرة الاستعلائية والتشكيكية، بل الاحتكارية في كثير من الأحوال على كل ما يصدره المفكر أركون، يظهر لنا بجلاء أهمية وقيمة العمل المعرفي النقدي الموضوعي، الذي يسعى إلى اكتشاف الحقيقة على الرغم من التحديات والعقبات المحددة والمشار إليها سالفا.

ثانياً: معالم إبستيمولوجية في قراءة التراث لدى أركون

استخدم أركون المناهج الغربية والمقاربات الابستمولوجية لفهم التراث الإسلامي، وإحداث قطيعة مع الأرثوذكسيات المشروحة سابقاً، بغية تحرير التراث الإسلامي من النظرة الأحادية لتراث، التي همشت الفرق والرؤى المخالفة والمناهضة لهذه الرؤية الشمولية.

فمهمة أركون تكمن في وضع حد لهذه الهيمنة الفكرية الذي ظلَّت لقرون، وهنا يذهب إلى تحديد ميلادها حتى يتمكن من إحداث قطيعة معها، على أساس أنها مرحلة سكولاستكية ينبغي إزاحتها، ثم بعد ذلك نقوم باكتشاف مرحلة الإبداع في التراث، الذي ظل حبيساً لهذه النزعة الأرثوذكسية، ونطبق عليه أدوات البحث العلمي والمنهجي[22]، أو ما يطلق عليه بالإسلاميات التطبيقية.

لقد تأثر أركون بكتاب روجر باستيد صاحب كتاب «الأنثربولوجية التطبيقية»، وحاول جاهداً أن يطبق هذا الإرث النظري على التراث الإسلامي، وذلك بإيجاده لمفهوم التطبيقات الإسلامية، التي تعمل على تحرير العقل من المسلمات والبديهيات التي ظلَّت تسجن الفكر منذ قرون من جهة، إضافة إلى أنها تنمي قوة الفكر والإبداع في الحقل الديني، وتصل إلى منجزات الأنثربولوجية الهادفة إلى معرفة وكشف التراث، عوض اتخاذ التراث وسيلة للسيطرة على عقول وأهواء الأفراد من جهة أخرى.

وهذا ما جعل مشروع أركون يتسم بالطموح والصرامة في تجسيد ما يراه مناسباً لفهم هذا التراث، من خلال اتخاذه المناهج الغربية وسيلة لكشف التراث الإسلامي، وذلك بإلحاحه على المقاربات التاريخية، والألسنية، لتحديد الإطار الملائم لفهم التراث الإسلامي وإزالة الغشاوة عنه منذ ميلاده «إن محمد أركون، هو أحد المفكرين الذين تمرسوا عميقاً في المناهج الغربية، بخاصة تلك التي انتهجتها علوم الإنسان في الحقبة المعاصرة، وآمن بجدواها، وألحَّ على تطبيقها في مجال الفكر العربي الإسلامي»[23].

وهذا ما يجعل أركون متميزاً عن المفكرين العرب الذين حاولوا فهم تأخر المسلمين، فأركون يعرف جيداً قوة وضعف الحضارة الغربية من داخلها بشكل دقيق وعلمي، ويعي جيداً تاريخها الطويل والعميق المليء بالأحداث، كما أنه مُطَّلع على تاريخ الإسلام بتشعباته وتعقيداته.

يشترط أركون على المشتغل في حقل التطبيقيات الإسلامية، أن يكون عارفاً وعالماً بمختلف العلوم الإنسانية والاجتماعية من، أنثربولوجيا، وسوسيولوجيا، ولسانيات، ولا يكون سجين تخصص بعينه. كما أنه يُولي أهمية بالغة للإسلاميات التطبيقية، التي جاءت لترفع عن الفكر الإسلامي هيمنة كل الأرثوذكسيات والكلاسيكيات، ويمكن لنا حصر هذه الإسلاميات التطبيقيات، على شكل محاور تشكل أسس منهجية ونظرية، لفهم التراث الإسلامي، وهي على النحو الآتي:

1- التاريخية

يُولي أركون أهمية كبيرة إلى تاريخ، ويرى أنه الحقل الأساسي في فهم التراث الإسلامي، حيث يشترط أركون «أن أهم ما يجب أن يقوم به الباحث المفكر على صعيد تطبيق المنهج التاريخي هو إعادة جمع وترميم الحقيقة التاريخية المعاشة في المجتمع بكثافتها الأولى»[24].

ومن خلال هذا الجمع يرى أركون أنه لا يوجد تراث واحد، بل يوجد أنواع من التراث، منتقداً السلطة الرسمية التي عملت على بلورة هذا التراث الواحد السلطوي الذي لا يتردد في إقصاء التراث المعادي والمخالف له.

وبهذا تبرز أهمية التاريخ لأركون، حيث «إن التاريخية كما تبلورت عند أركون فهي تختلف عن تلك التي ظهرت من خلال الموقف الإسلامي الكلاسيكي، أو الموقف الإسلامي المعاصر، أو حتى الموقف الوضعي للفلسفة الحديثة في الغرب. إنها تجسّد بُعداً خاصًّا بحياة المجتمعات المهمشة التي بقيت خارج كتابة التاريخ»[25].

كما أن التاريخ الذي يتوخَّاه أركون هو تحرير التراث الإسلامي من الثيولوجية المتعالية الترنسدنتالية، التي للأسف انتصرت، «من هنا يعتبر أن التاريخ الحالي للمجتمعات الإسلامية يدين بشكل كبير إلى ديناميكية الوعي الأسطوري-التاريخي التي بقيت تتكرر وتتردد في التاريخ»[26].

ومن هنا يظهر لنا حرص أركون في زحزحة وهدم الأرثوذكسيات المتسمة بالانغلاق والجمود والتطرف، والعمل على ربط الفكر الإسلامي بلحظة الاكتشاف والإبداع والانفتاح.

2- العقل المنبثق (الاستطلاعي)

من هنا يكتسب العقل المنبثق أهمية كبرى عند أركون، لأنه يرى أن تحرير الفكر الإسلامي لن يتم ما لم تنفد عملية التفكيك الجذري لمختلف طبقاته. فالعقل المنبثق هو بديل لسياج الدوغمائي المنغلق والأحادي الذي سيطر على الفكر الإسلامي.

ويعرف أركون العقل الانبثاقي «على أنه مسؤول على إدارة العنف الملازم لبنى الحقيقة المرقاة والمدافع عنها من قبل هذه المواقع الثلاثة الحاضرة التاريخية للعقل. ونقصد بذلك موقع العقل الديني، ثم موقع العقل العملي الذي يدير شؤون العولمة، ثم موقع العقل الفلسفي الذي لا يزال متعلقاً بمسلمات حداثة العصر الكلاسيكي»[27].

فمهمة هذا العقل أنه يشك وينقد العقول ويجعلها دوماً في موقع المساءلة بغية «تقديم صورة مختلفة عن حقيقة الماضي والتراث، ترتكز على الخيال المحض، بدلاً من أن تقدم الصورة التاريخية التي تعبر عن الواقع المحسوس»[28].

إن مهمة العقل المنبثق تكمن بالأساس في إحداث قطيعة معرفية مع الأرثوذكسيات، التي سجنت الفكر في لا تفكير، واستحالة التفكير «من هنا نجده يبحر في عباب التراث الإسلامي ليسبر أغواره، ويكشف المناطق التي بقيت مهمشة فيه، ومسكوتاً عنها، ولا مفكرا ًفيها»[29].

فاستحالة التفكير مهمة صعبة وشاقة تتطلب من الباحث أن «يستخدم التفكيك والهدم، لكن في سبيل البناء، بناء أسس متينة للعقل كي يتمكن من مواكبة التطور البشري والمساهمة في دفعه نحو الأفضل، إنه باختصار يعمل بجهد على إعادة فتح باب الاجتهاد على مصراعيه، ومنع محاولة إقفاله من جديد»[30].

إن التفكيك هنا هو شبيه بأركيولوجية ميشيل فوكو لسبر أعماق التراث الإسلامي من أجل إعادة بنائه، لتجديد روحه وتراثه المتعدد والمضياف والمتسامح في ما بينه.

خلاصة

يعدّ محمد أركون شخصية ثقافية هامة، فقد انصب اهتمامه على دراسة موضوع حساس وخطير، يدور فحواه على فهم التراث بأدوات علمية وإبستمولوجية، لتحقيق القفزة النوعية للتطور الحضاري والثقافي للمجتمع. فنحن جمعتنا عاطفتين الأولى عاطفة الرغبة، في فهم موضوع التراث وعلاقته بالحداثة والذي يعدّ وازعاً أساسيًّا لفهم الرهانات المنجزة في المجتمع، والعمل من أجل إيجاد السبل اللازمة لفهم هذا التراث المؤسطر، من أجل الرغبة في تدارك التأخر واللحاق بما تصنعه الدول العظمى. والعاطفة الثانية هي عاطفة الرهبة من هذه المواضيع، التي ما زلت تشكّل لا مفكر فيه في المجتمعات الإسلامية.

إن مشروع الإسلاميات التطبيقية جاء ليرد بقوة على هذه الوضعية المخيفة التي ظلّت تساير التفكير في التراث الإسلامي، من خلال حرصه على إفهام المناهج الغربية وقيمتها في كشف الغموض الذي أصاب التراث من جهة، كما أنه فصل في هذه المناهج من خلال تعداد أنواعها وأصنافها، كالأنثربولوجيا والتاريخ، والألسنية... إلخ لتكون البلسم الذي به نداوي هذا التراث الذي بلغ من السقم ما بلغ.

 

 



[1] محمد أركون، الفكر الإسلامي: قراءة علمية، ترجمة هاشم صالح، بيروت: مركز الإنماء القومي، ط2، 1996، ص24.

[2] مرجع نفسه، ص24.

[3] علي رحمونة سحبون، إشكالية التراث والحداثة في الفكر العربي المعاصر بين محمد عابد الجابري وحسن حنفي، الإسكندرية، 2007، ص22.

[4] نايلة أبي نادر،التراث والمنهج بين أركون والجابري، الشبكة العربية للأبحاث والنشر ، بيروت، 2008، ط1، ص78.

[5] المرجع نفسه، ص ص 78- 79.

[6] محمد أركون، قضايا في نقد العقل الديني كيف نفهم الإسلام اليوم، ترجمة هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت، 2000،ص20.

[7] محمد أركون، نزعة الأنسنة في الفكر العربي جيل مسكويه والتوحيدي، ترجمة هاشم صالح، بيروت، دار الساقي، ط1، 1997، ص23.

[8] محمد أركون، الفكر الإسلامي: قراءة علمية، المرجع السابق، ص ص 7 - 8.

[9] محمد أركون، الفكر الإسلامي: قراءة علمية، المرجع السابق، ص9.

[10] محمد أركون، الإسلام، الأخلاق والساسة، ترجمة هاشم صالح، بيروت، مركز الإنماء القومي، 1990، ص181.

[11] محمد أركون، نزعة الأنسنة في الفكر العربي جيل مسكويه والتوحيدي، مرجع سابق، ص251.

[12] نايلة أبي نادر، المرجع السابق، ص 167.

[13] المرجع نفسه ،ص167.

[14] محمد أركون، نزعة الأنسنة في الفكر العربي جيل مسكويه والتوحيدي، المرجع السابق، ص257.

[15] مرجع نفسه، ص252.

[16] محمد أركون، قضايا في نقد العقل الديني، مرجع سابق، ص20.

[17] مرجع نفسه، ص23.

[18] كان الفيلسوف بول ريكور قد استغرب في مقابلة مع جريدة لوموند كيف تدرس للطالب مادة التاريخ والأديان القديمة والأساطير اليونانية والمصرية، ويمنع تدريس الدين المسيحي مثلاً أو اليهودي أو الإسلامي... في الواقع إن ما يدعو إليه أركون وريكور ليس التعليم المذهبي أو الشعائري الطقسي للأديان، وإنما الأديان كأنظمة فكرية ولاهوتية سيطرت على البشرية طيلة قرون عديدة ولا تزال تسيطر على البشرية. محمد أركون، قضايا في نقد العقل الديني، ص25.

[19] مرجع نفسه، ص24.

[20] مرجع نفسه، ص23 .

[21] مرجع نفسه، ص23.

[22] هنا يختلف أركون مع الجابري في طريقة الوصل مع القطيعة التي أصابت العقل الإسلامي ومحنته، فبينما يؤسس الجابري للمرحلة الرشدية، باعتبارها المرحلة الهامة في الفكر الإسلامي لاعتمادها على سلطة البرهان القائم على النزعة الأرسطية، ونجحت في مهمتها باستقلال العقل، وحجبه عن كل أشكال الوصايا والتسلط، وما يليها هو النكبة، والتراجع والانحطاط. يرى أركون عكس ذلك  انطلاقاً من المنهج ذاته، على أساس أن المنطق الأرسطي يقوم عل مبدأ الثنائية، وتجد هذه الأرثوذكسية  ضالتها في تجديد روحها وتعزيز قوتها، في تبني هذه المقاربة لإضفاء طابع الإطلاق، وتكريس هيمنة الثنائية التي ما زالت تفرض وجودها للوقت الحالي، ومن هذا يقترح أركون الإسلاميات التطبيقية لوصل الفكر الإسلامي في بواكره، بغية تجاوز المرحلة السكولاستكية الجامدة. 

[23] نايلة أبي نادر، التراث والمنهج بين أركون والجابري، مرجع سابق، ص77 - 78.

[24] المرجع نفسه، ص90.

[25] المرجع نفسه، ص90.

[26] المرجع نفسه، ص89

[27] محمد أركون ، الفكر الأصولي واستحالة التأصيل نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي، ترجمة وتعليق هاشم صالح، بيروت، دار الساقي، ط1، 1999، ص15.

[28] نايلة أبي نادر، التراث والمنهج بين أركون والجابري، مرجع سابق، ص94.

[29] مرجع نفسه، ص78.

[30] مرجع نفسه، ص78-79.

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة