تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

أطروحات التجديد عند زكي الميلاد

مصطفى خليل خضير

أطروحات التجديد عند زكي الميلاد

 

مصطفى خليل خضير*

 

* باحث وطالب ماجستير من العراق.

 

 

- رسالة ماجستير في الفكر السياسي

- جامعة بغداد، كلية العلوم السياسية

- إشراف: الأستاذ المساعد الدكتورة مهدية صالح العبيدي

- تاريخ المناقشة: 18 جمادى الأولى 1436هـ/ 9 مارس 2015م

 

يشهد الفكر الإسلامي المعاصر تحولات مهمة منذ تراجع المشروع القومي العربي بعد نكسة عام 1967م، وصعود التيار الإسلامي مرة أخرى، إذ حمل معه تطلعات واسعة وقدم قراءات متعددة لمشروع فكري سياسي إسلامي، قائم على أساس تجديد الفكر الإسلامي، ولا يزال ينتج مشاريع أخرى تتباين وتختلف تبعًا لرؤيتها الفقهية وموقفها من العمل السياسي، وإن كانت هذه المشاريع متأثرة بما قدمه مفكرو الفكر الإسلامي الحديث، من أبحاث ودراسات متنوعة غلب عليها طابع الجدة والتواصل مع التراث.

وبهذا جاءت محاولات المفكرين العرب والمسلمين المعاصرين في تجديد الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، وإعادة الحياة له من خلال محاولة إنزاله على الواقع ليلائم وقائع وظروفًا جديدة جعلت المفكرين الإسلاميين يُعيدون قراءة منظومتهم السياسية والفقهية عبر مشاريع تجديدية للفكر السياسي الإسلامي، بعد أن ظل مُدّةً زمنية ليست بالقليلة مجرد نظريات لا تمت بصلة للواقع.

ومن هؤلاء المتأثرين بهذا التجديد زكي الميلاد، الذي توقفت عنده هذه الدراسة لتناول ما طرحه من أفكار وأطروحات ورؤى جديدة، وتحديد أكان لها ذلك الطابع أم لا، لهذا تمثل هذه الدراسة اغلب ما طرحة الميلاد من أطروحات تجديد سياسية وفكرية وحضارية، بُحِثَ فيها على أساس منهجية التغيير التي اتضحت بشكل جلي في من تأثر بهم الميلاد من شخصيات وما وضعه من أطروحات.

وفي مقدمة هذه الدراسة جرى الحديث عن مفهوم التجديد، وما يشغله هذا المفهوم من معانٍ متعددة تعبر عمّا ينظر له التجديد في كل حقبة زمنية في مكان معين، ثم تناولت الدراسة شيئًا من سيرة الميلاد، وما يشغله من مكانة لدى المؤسسات المختلفة، ثم انتقل الحديث إلى المشروع الفكري الذي يتبناه الميلاد في رسم لمسارات الفكر السياسي الإسلامي المعاصر ومعالجاته لها.

ومن ثَمَّ عالجت الدراسة رؤية الميلاد لمفهوم التجديد وما يشغله هذا المفهوم من أهمية بارزة في رؤية الميلاد، عقب ذلك تناولت أطروحات التجديد السياسية التي يطرحها الميلاد ويؤسس لها، وتناولت هذه الدراسة في بداية هذه الأطروحات أطروحة المثقف الديني التي وضعها الميلاد، ولتأسيس مفهوم المثقف الديني ابتداء من نقد مفهوم المثقف واعدّه يمثل مرجعية فكرية غربية، وهذا ما جعل صورة المثقف العربي الإسلامي ومرجعيته مستوحاتينِ من المرجعية الغربية.

وقدم الميلاد البديل لها تحت عنوان المثقف الديني وأُسس لهذا المفهوم، بأنه انفتاح المفكر المسلم على الثقافة وانفتاح المثقف على الدين ليكون مفهومًا جامعًا بين الدين والثقافة، ثم أُسس لهذا المثقف من خلال مفاهيم ثلاثة هي الجامع والجامعة والجماعة، ليكون المثقف الديني بعدها مستقلًّا عن كل الاتجاهات ويمارس سلطة النقد البناء للمجتمع وهو ما يعبر عن قول الحق، لننتهي بعد ذلك إلى تحديد مسؤوليات المثقف الديني وأدواره عند الميلاد.

ثم تناولت الدراسة التأسيس للديمقراطية الدينية عند الميلاد من خلال تناول التعددية بوصفها الركيزة الأساسية للديمقراطية، وتم تناول التعددية في الفكر الإسلامي بشكل عام، من المفهوم إلى التاريخ إلى أنواع التعددية إلى موقف الميلاد من التعددية، وهو موقف اقرب إلى التأصيل منه إلى التجديد، وكان كل ذلك يشبه بوابة لتناول موضوع الديمقراطية الدينية عند الميلاد.

وكان تناولها على وفق ما طرحه الميلاد من نصوص أُسس عليها المفهوم، كان الغرض من هذه الأطروحة تحديد مفهوم الديمقراطية الدينية واختلافه عن الديمقراطية الغربية، لتنتقل الدراسة لمعالجة أطروحة الدولة المدنية عند الميلاد، هذه الدولة لم تبتعد كثيرًا عمَّا طرحه المفكرون الإصلاحيّون في الفكر الإسلامي، إلَّا أنّ الفرق بينهما بسيط جدًّا هذا من حيث أصل الدولة ونشأتها ومواصفاتها ووظائفها، أما ما يتعلق بالنظام السياسي فهو أقرب ما يكون إلى ما طرحه الشيخ حسن البنا، إلَّا أن الميلاد يؤسس لهذا النظام من الإجماع إلى النظام السياسي النيابي على وفق نصوص أشار إليها، وعلى الرغم من وجود نصوص ناقدة أنه يؤيد هذا النظام.

وواصلت الدراسة تناول الأطروحات الفكرية ومعالجة الميلاد لقضية الحداثة وطرحه البديل لها (الاجتهاد) في الفكر الإسلامي، وعالج في الجانب نفسه قضية العولمة، وإذ أكد ضرورة أن تكون العولمة مكسبًا لنا من خلال أُسس ذكرها.

وجاء بعد ذلك الحديث عن أطروحة تعارف الحضارات، وهذه الأطروحة عَدَّها الميلاد ممَّا يتمسك به الفكر الإسلامي في المجال الحضاري من رؤى، مقابل ما طرحه الفكر الغربي من أطروحات مختلفة كحوار الحضارات وصدام الحضارات وغيرهما.

والمتتبع للدراسة يظهر له أن الميلاد يدرك أن المجتمعات الإنسانية تتقادم بمرور الزمن، لذلك يعمد الميلاد إلى منهجية التغيير(مفهوم التجديد)، إذ ينطلق من المثقف الديني آلية للتجديد وهذا الأمر يتضح بشكل جلي في مهمات المثقف الديني، ومن ثَمَّ الاعتراف بالتعددية بكل أشكالها، والعمل بالديمقراطية الدينية آلية للحكم، ومن الدولة المدنية إطارًا منظمًا لهذا الاجتماع.

ولا يكتفي بذلك بل يدرك أن هذا الأمر سيتقادم بمرور الأزمان، فيعمد إلى الاجتهاد أسلوبًا لمواصلة التجديد، ويدرك أن هذا الاجتماع له مبادئه الخاصّة التي يريد نشرها، وهذه المبادئ تنطلق من مرجعيته الفكرية، لذلك يعمد إلى العولمة أساسًا لنشر الأفكار، ثم يرى أن هذا الاجتماع لا بد له من نظرية يحتكم إليها في التعامل مع غيره من الاجتماعات الأخرى، فيعمد إلى تعارف الحضارات وبذلك يتضح أن الميلاد يعول على منهجية التغيير من الفرد إلى أعلى درجة في رسم أطروحاته الفكرية.

أهمية الدراسة

تكمن أهمية الدراسة في تطرقها لموضوع ما زال خصبًا في مجال البحث، فهذه الدراسة تُعَدّ محاولة لإبراز شخصية جديدة في الفكر الإسلامي لم يتطرق إليها من قبل في الدراسة بصفة مستقلة، أو يُتَطَرَّقَ إلى دراستها في دراسة موسعة من جهة.

ومن جهة أخرى فهي بمنزلة دعوة إلى التجديد الفكري بوصفه مرتكزًا مهمًّا لإعادة بناء الفكر الإسلامي والانطلاق به نحو المستقبل، بما يعين على إعادة ثقة الإنسان المسلم بثقافته وفكره وذاته الإنسانية، ومن هنا جاء تأكيد زكي الميلاد ضرورة تجديد الفكر الإسلامي بتجديد قضاياه وموضوعاته ومفاهيمه.

هدف الدراسة

ممَّا لا شك فيه أن لكل دراسة علمية منهجية هدفًا محددًا يسعى الباحث جاهدًا إلى الوصول إليه من خلال دراسته وبحثه، وهذه الدراسة شأنها شأن غيرها من الدراسات لها هدف معين، وهذا الهدف يكمن في التعرف على الأطروحات السياسية، والفكرية، والحضارية التي طرحها الميلاد من خلال البحث عن هذه الأطروحات في كتاباته ومؤلفاته، والغرض منها تقديم رؤية جديدة للفكر الإسلامي وإثبات حيوية هذا الفكر وقدرته على استيعاب متغيرات العصر.

فضلًا عن أن البحث في هذه الأطروحات يستهدف وضع حقل التجديد في مجال الاهتمام الفكري الإسلامي، عبر إبعاده عن كل أشكال التقليد أو الرؤية الأحاديّة المنغلقة على الذات.

إشكالية الدراسة

تعبر إشكالية هذا الموضوع عن مجموعة من الإشكاليات المترابطة التي تتمثل في إشكالية جمود الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، وعدم قدرته على مواكبة العصر، لذلك عمد عدد من المفكرين العرب والمسلمين إلى طرح أفكار جديدة ومنهم زكي الميلاد.

وهذا يعني أن أفكار زكي الميلاد جاءت محاولةً لبعث الروح في التراث، ومن ذلك يمكن أن نطرح جملة من الأسئلة منها:

-         هل ثمة ضرورة لتجديد الفكر السياسي الإسلامي المعاصر؟ وما رؤية زكي الميلاد للتجديد؟

- وما الأسس التي يجب أن يبنى عليها التجديد الفكري الإسلامي في رأي الميلاد؟

- وهل يمكن أن يسعف المثقّف الديني الفكر الإسلامي في تجديده؟

- وما إمكان الإفادة من الديمقراطية الدينية التي يطرحها الميلاد؟ وما طبيعة الدولة عند الميلاد؟

- وما الأساس الذي يجب أن تبني عليه الحداثة عند الميلاد؟

- وما موقف الذي يرى الميلاد ضرورة أن يتَبنّاه من الفكر الإسلامي في تصديه لقضية العولمة؟

- وما الأساس الذي يراه الميلاد مناسبًا في تحدد العلاقة بالآخر؟

هذه وغيرها من الإشكاليات والتساؤلات هي ما سنحاول الإجابة عنه في هذه الدراسة.

فرضية الدراسة

قامت فرضية الدراسة على أساس مفاده «أن زكي الميلاد يؤمن بمرونة الإسلام وحيويته وقدرته على التجديد في جميع جوانب الحياة، وأطروحاته السياسية (المثقف الديني، والديمقراطية الدينية، والدولة المدنية)، والفكرية (الحداثة، والعولمة)، والحضارية (تعارف الحضارات)، تتناسبَ مع الأطروحات الحديثة من جانب، ولا تخالف الدين الإسلامي من جانب آخر».

منهجية الدراسة

مما لا شك فيه أن كل دراسة علمية أكاديمية لا بد أن ترتكز على مناهج علمية، لتقديم نتائج صحيحة عن الموضوع محل الدراسة والبحث، وهذه الدراسة لا تخرج عن ذلك السياق العلمي، فقد استثمرت المناهج البحثية التي تتطلبها فرضية الدراسة.

وفي هذا الشأن ارتكزت الدراسة في الأغلب الأعم على المنهج التحليلي الاستقرائي لتحليل ما ورد من أفكار ورؤى من جهة، والمنهج المقارن من أجل مقارنة هذه الأفكار بغيرها من أفكار مفكرين آخرين من جهة أخرى، فضلًا عن أنها استثمرت المنهج التاريخي كلما دعت الحاجة إلى ذلك.

هيكلية الدراسة

استنادًا إلى فرضية الدراسة ومنهجها العلمي، توزعت الدراسة تبعا لذلك إلى مقدمة عامة عن الموضوع، زيادةً على ثلاثة فصول، وخاتمة تتضمن الاستنتاجات التي توصّلت إليها الدراسة.

إذ تضمن الفصل الأول من هذا البحث الذي جاء تحت عنوان: (من الإطار النظري.. إلى السيرة والمشروع الفكري وتحديد المفهوم)، مبحثين، تناول الأول منهما ماهية التجديد، أمّا الثاني فتناول سيرة الميلاد والمشروع الفكري ورؤيته لمفهوم تجديد الفكر السياسي الإسلامي.

 أما الفصل الثاني الذي جاء تحت عنوان: (التجديد في المجال السياسي)، فقد توزع إلى ثلاثة مباحث، خصص الأول منها لمناقشة أطروحة المثقف الديني عند الميلاد، بينما تطرق الثاني إلى أطروحة الديمقراطية الدينية عند الميلاد، في حين عالج الثالث أطروحة الدولة المدنية عند الميلاد.

في حين تصدى الفصل الثالث الذي جاء تحت عنوان: (التجديد في المجال الفكري والحضاري)، لمعالجة موضوعات التجديد الفكري والحضاري عبر تقسيمه على ثلاثة مباحث، سلط الضوء في المبحث الأول منها على أطروحة الحداثة عند الميلاد، وناقش المبحث الثاني العولمة عند الميلاد، في حين تناول الثالث أطروحة تعارف الحضارات عند الميلاد.

أما الصعوبات التي واجهتها الدراسة، فالباحث ليس بصدد تسويغ بعض جوانب القصور بقدر ما هو بصدد ذكر بعض الوقائع، ويقع في مقدمة ذلك الوضع الأمني العام في وطننا الحبيب ولا سيّما محافظتي العزيزة هذه الصعوبة ضيقت على الباحث وسبّبتَ ضياع الكثير من الوقت من جهة، ثم إن هذا الموضوع جديد لم يدرس من قبل من جهة ثانية، ومؤلفات الميلاد الموجودة في المكتبات العراقية قليلة هذا اضطرني إلى السفر والبحث عنها من جهة ثالثة.

 

 

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة