تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

العرفان بين الاستقالة والاستنارة ..

قويدري الأخضر

العرفان بين الاستقالة والاستنارة..

قراءة في مواقف محمد عابد الجابري من التصوف الإسلامي

الدكتور قويدري الأخضر*

 

* باحث وأستاذ التصوف والفكر العربي المعاصر، قسم العلوم الاجتماعية، جامعة عمار ثليجي، الأغواط، الجزائر.

 

مدخل

حاول المفكر الدكتور محمد عابد الجابري أن يقرأ التراث العربي الإسلامي، قراءة عقلانية متوسلًا بمنهج صارم مزج فيه بين المعالجة البنيوية والتحليل التاريخي، مستبعدًا كل رؤية أيديولوجية من شأنها أن تزيّف الحقائق. وراح في مشروعه الضخم، يحلل العقل العربي من خلال قطاعاته الثلاث التي أطلق عليها: البرهان والبيان والعرفان، مبيّنًا نشأة كل قطاع منها، وتطوره منذ عصر التدوين.

وقد أفصح عن وجهة نظره المنتصرة للبرهان، الراضية عن البيان، والناقمة عن العرفان بكل مكوِّناته، وإذا كان العرفان قد تلقّى الحظّ الأوفر من ضرباته وانتقاداته، فإن التصوف كان هو المقصود بالذات، حيث حمّله مسؤولية تكريس اللاعقلانية في الثقافة العربية الإسلامية، وألصق به تبعات التخلف والانحطاط التي شهدتها مجتمعاتنا.

من هنا تأتي هذه الدراسة لتحلل موقف الجابري تجاه التصوف الإسلامي، متخذة المنهج ذاته الذي اعتمده، مُحاوِلةً التحقق من صحة دعاويه، من أن التصوف لا يمت للإسلام بأية صلة، وأنه لا يمثل إلَّا استقالةً للعقل، وانحطاطًا للأخلاق.

-1- دعوى هرمسية التصوف الإسلامي

قسّم الجابري المجالات المكوّنة للثقافة العربية الإسلامية إلى قطاعات ثلاث هي: البيان والبرهان والعرفان[1]، موحيًا للقارئ أن نحت هذه المصطلحات كان من اجتهاده الخاص. ولكنه في هامش الصفحة 284 من كتابه «بنية العقل العربي» يعترف صراحة بأن هذه التسميات كانت من إبداع الإمام الصوفي أبي القاسم القشيري في كتابه (لطائف الإشارات)، مؤكّدًا على أنه لم يستلهم هذا منه، ولكنها مجرد خواطر وردت عليه قبل أن يقرأ ما كتبه القشيري.

وعلى كل حال فإن ما يهمنا في هذه الدراسة هو قطاع العرفان، والذي يتحدد عنده بالمجال من الروحانيات والهواجس والعقائد والخرافات والسحر والخوارق والأساطير... أو بتعبير مختصر هو اللامعقول، الذي تغلغل في ثنايا العقل العربي وفرض عليه رؤية ميثولوجية للكون، شكَّلت -بتفرعاتها المانوية والزرادشتية والأفلوطونية المحدثة والإسرائيليات- حلفًا قويًّا ساهم في غزو نظام البيان العربي الإسلامي، واحتل مواقع أساسية ومتجذرة في الثقافة العربية الإسلامية كعقل مستقيل، خلال فترة الترجمة والتأليف[2].

وبالطبع فإن هذا اللامعقول أو العقل المستقيل، والذي كانت الثقافة الهرمسية أبرز محاوره، ليس من الإسلام في شيء، بل إنه انتقل إلى الحضارة العربية الإسلامية ضمن الموروث اليوناني المترجَم[3].

إن تلك الثقافة الهرمسية الروحانية كانت متواجدة قبل الإسلام في مناطق محددة هي: فلسطين وأفامية وحران[4]، ولقيت بعد ظهور الإسلام رفضًا شديدًا من طرف أهل السنة، لأنها كانت تشكّل الخلفية النظرية لآراء الفرق الباطنية[5].

وبما أن التصوف يُعدّ أحد المكوِّنات الأساسية للنظام العرفاني، فإنه سينطبق عليه ما ينطبق على الكل الذي ينتمي إليه، أي أنه غرق هو كذلك كما غرق النظام العرفاني في بحر الهرمسية، فأمسى هرمسيا تمامًا[6].

وفي نظر الجابري لا يوجد فرق بين ما يسمّى بالتصوف السني والتصوف الفلسفي، فهُما –وإن اختلفت خطاباتهما- ينهلان سويًّا من مرجعية واحدة تنتمي إلى الموروث القديم، الفارسي منه والهرمسي[7].

فالمتصوفة السنيون لا يتميزون عن المغالين في المعتقد، بل فقط في درجة التصريح، «المتصوفة السنيون متكتمون... أما الآخرون فهم مغالون فقط لأنهم يصرحون بالحقيقة إما في عبارات مقتضبة كثيفة المعنى... وإما في خطاب مقاليٍّ استدلاليٍّ يلتمس لنفسه السند من الدين والفلسفة والعلم»[8].

وليس صحيحًا أن شيوخ التصوف الأوائل قد غرفوا من الثقافة الإسلامية الأصيلة لتأسيس معارفهم نظريًّا وعمليًّا، وإنما الذي حدث هو أنهم مزجوا آراءهم الروحانية ذات الأصل الهرمسي بالبيان الإسلامي (قرآناً وسنة وما يتصل بهما) كاستراتيجية تَقَوِيّةٍ (من التقية)[9]، حتى يحجبوا حقيقة مذهبهم، ويتجنبوا إدانات الفقهاء لهم، ولذلك لو «جرّدنا العرفان الشيعي والإسماعيلي من مضمونه السياسي، وجرّدنا العرفان الصوفي من الشكل البياني الذي ارتداه، فإننا سنجد أنفسنا هنا وهناك أمام مادة معرفية تنتمي كلها إلى الموروث القديم السابق على الإسلام، والهرمسي منه خاصة»[10].

ووفق هذه الرؤية الجابرية سيصبح ربط الحسن البصري (ت 110هـ) -وهو المرجعية العليا التي ترتدّ إليها أغلب الأسانيد الصوفية- بالإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وبأهل الصُفّة زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، مجرّد عملية أيديولوجية ابتدعها الصوفية لإضفاء المصداقية الدينية على منهجهم[11].

وحتى الجنيد (ت297هـ) لسان التصوف وبيانه، هو هرمسي في آرائه، حيث إن كل ما ذكره في التوحيد وفي النفس وطبيعتها ومصدرها ومصيرها ليس مستقًى من أصل إسلامي البتّةَ، بل من آراء هرمسية[12].

ويتأكد هذا الأصل الهرمسي للتصوف عند الجابري من خلال بحثه في الأصول العرقية لبعض الشخصيات الصوفية المرموقة، فمعروف الكرخي[13] هو من أصل مندائي صابئي (أي هرمسي)، وذو النون المصري[14] من بلدة أخميم وهو هرمسي تأثر بالكيمياء وكان له اطلاع على الحكمة القديمة[15].

ثم إن وجود شخصيات فارسية الأصل ضمن الصوفية المسلمين لا يدل عند الجابري، إلَّا على تكتيك دفاعي تبناه هؤلاء الفرس، كوسيلة انتقامية مضادة للعرب المنتصرين، «فالتصوف تبنّاه الفرس المهزومين كوسيلة دفاع ضد العرب الذين اعتبروهم موالي»[16].

ولسنا ندري كيف يكون الأمر فيما لو طُبّقت قاعدة الجابري العرقية هذه على العلماء الفرس المسلمين من غير الصوفية طبعًا، ممن أثْروا الحياة الدينية والعلمية اللغوية في حضارتنا العربية الإسلامية؟!

وهذه المؤثّر الخارجي، الهرمسي منه والفارسي، لم يشتغل منفردًا وبصورة مباشرة، لتأسيس العرفان عمومًا والتصوف على وجه الخصوص، بل وجد في الظروف السياسية التي مر بها المسلمون، مناخًا ملائمًا لانتشاره، وتفسيرُ ذلك أن الفتن التي شهدتها الأمة الإسلامية بعد موت الخليفة عثمان E، أوقعت الضمير الديني في أزمة عميقة، فعبّرت عن نفسها في مواقف الحياد واعتزال الفتنة، والهروب إلى الأماكن المقدسة وطلب الزهد[17].

ثم إن ذلك الزهد التصق بالتشيع في الكوفة في بداية أمره، ثم انفصل عنه بسبب فشل الثورات الشيعية فاعتزل أهله السياسة، وانقلب زهدهم تصوفًا يتغذى من الموروث الصوفي الفارسي والهرمسي[18].

وبهذا يصل الجابري إلى أن ظهور التصوف لم يكن ردّ فعل ضد تزمت الفقهاء، أو بسبب العقلانية المتشددة عند المتكلمين، كما هو شائع عند أغلب المؤرخين، لأن التصوف ظهر قبل أن تتطور تشريعات الفقهاء ونظريات المتكلمين، يقول: «العقل المستقيل أو النظام العرفاني سواء في مجال التصوف أو في مجال الفلسفة الإشراقية أو على صعيد الأيديولوجيا الإسماعيلية، لم يكن رد فعل ضد تزمت الفقهاء ولا ضد جفاف الاتجاه العقلي عند المتكلمين، كلا لقد كان ظهور العقل المستقيل قبل أن تتطور تشريعات الفقهاء ونظريات المتكلمين»[19].

تلك هي جذور التصوف عند الجابري، ولتُرمَى كل التفسيرات الأخرى عن إسلاميته في سلّة المهملات.

ولا نعلم هل نقبل برأي الجابري أم برأي مؤرخي الإسلام ومنهم ابن خلدون (732هـ - 808هـ)، والذي يعتبره الجابري أحد أعمدة مشروعه العقلاني المغربي، عندما يقول: «لما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة»[20].

أما على صعيد المصطلح الصوفي الذي تفرد الصوفية في نحته من صميم تجاربهم الروحية ومواجيدهم الدينية، فما هو عند الجابري إلا اقتباسًا من الأدبيات الهرمسية[21].

فمصطلح المقام مثلًا لم يقتبسه المتصوفة من القرآن الكريم كما يدّعون، وإنما أخذوه من الموروث العرفاني السابق على الإسلام وبالضبط من الموروث الصوفي الهرمسي، فترجموه إلى العربية أولًا بكلمة درجة، وجمعها درج، بمعنى درجات السلم أو المرقاة، ثم استقر الاصطلاح فيما بعد على كلمة مقام، والدليل على ذلك أن الصوفي أبا سليمان الداراني (205هـ) كان يعبّر عن هذه الفكرة تارة بلفظ الدرج وتارة بلفظ المقام، ومن ذلك قوله: «ما من شيء من دُرج العابدين إلَّا ثبتَ، إلَّا هذا التوكل المبارك فإني لا أعرفه إلَّا كسام الريح ليس يثبت»[22].

هكذا وبكل بساطة يصبح التشابه في استعمال عبارة الدرجة التي وردت عند الصوفية وعند من سبقهم من أهل الديانات الأخرى، دليل قوي عند الجابري على هرمسية التصوف. وقد خفي عليه أن المقام كمصطلح يعني عند الصوفية ما يُقام فيه العبد من العبادات والمجاهدات والرياضات، وأنهم نقلوه من القرآن الكريم لقوله عز وجل: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾[23]، وقولِه: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾[24]، وقولِه: {مَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ}[25][26].

أما فكرة الحب الإلهي التي تداولها الصوفية فإنها في نظر أستاذنا، فكرة غريبة على الثقافة الإسلامية، ولذا نجده لا يدري –هكذا يصرّح- كيف دخلت البصرة، ولا حتى العوامل التي جعلت بعض الزهاد يتبنونها[27].

والحقيقة أن أستاذنا يدري جيدًا أن فكرة الحب الإلهي لم تكن ابتداعًا صوفيًّا من حيث المبدأ، بل ولم يكن الصوفية أو غيرُهم من المسلمين في حاجة إلى أن يستوردوها من خارج المدوّنة الإسلامية، فقد ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة تنصّ على الحب، منها قوله تعالى: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾[28]، وقوله: ﴿قُلِ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُم اللهُ﴾[29]، وقوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾[30].

أما الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أرشدنا إلى الطريقة التي نجلب بها محبة الله تعالى لنا، فنكونُ حينها من أحبابه وأصفيائه وأوليائه، حيث قال في الحديث القدسي المشهور (الذي رواه البخاري) قال الله عز وجل: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُه عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وما تَرَدَدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنَ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وأَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ، وَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ»[31].

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في معنى هذا الحديث: «وَالمَعْنَى: تَوْفِيقُ اللَّهِ لِعَبْدِهِ فِي الْأَعْمَالِ الَّتِي يُبَاشِرُهَا بِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ، وَتَيْسِير الْمَحَبَّة لَهُ فِيهَا بِأَنْ يَحْفَظ جَوَارِحه عَلَيْهِ، وَيَعْصِمَهُ عَنْ مُوَاقَعَة مَا يَكْرَه اللَّهُ مِنْ الْإِصْغَاء إِلَى اللَّهْو بِسَمْعِهِ، وَمِنْ النَّظَر إِلَى مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ بِبَصَرِهِ، وَمِنْ الْبَطْش فِيمَا لَا يَحِلّ لَهُ بِيَدِهِ، وَمَنْ السَّعْيِ إِلَى الْبَاطِلِ بِرِجْلِهِ»[32].

وليس هذا فحسب، بل إن محبة الله للعبد الصالح تبلغ أهل السماء فيحبوه، وأهل الأرض فيحبوه، وحينها يوضع له القبول في الأرض كما قال عليه الصلاة والسلام: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ»[33].

وفيما يتعلق بفكرة الفناء، فإنها دخيلةٌ هي كذلك في نظر الجابري على الساحة الإسلامية «لا تستقيم قط مع عقيدة التوحيد كما قررها القرآن... ولا بد أن تكون من الأمور الوافدة إما من الموروث الفارسي أو اليوناني»[34].

والحقيقة أن الفناء حالة نفسية عامة يعيشها أكثر الناس في حياتهم اليومية، في مستوًى معين، لكنهم لا يتفطنون لذلك، فقد يحدث أن يركّز الإنسان فكره في مسألة من أمور الدنيا أو من أمور من العلم، فيستغرق فيها، إلى حدّ أنك تحدثه فلا يسمعك، وتكون بين يديه فلا يراك، وترى في عينه جمودًا في تلك الحالة، فإذا عثر على مطلوبه، أو طرأ أمر يَردُّه إلى إحساسه، حينئذٍ يراك ويسمعك[35].

فهذا فناء بمعنى زوال الشعور والإحساس من الإنسان بسبب حال اعتراه. وقد حدث هذا الأمر «لصواحبات يوسف (عليه السلام)، قطّعن أيديهن لفناء أوصافهنّ، ولِما ورد على أسرارهن من لذة النظر إلى جماله. وفي ذلك قيل:

غابت صفاتُ القاطعاتِ أكُفَّهَا

في شاهدٍ هو للبريةِ أبْدعُ

ففنيْنَ عن أوصافِهنّ فلم يكن

من نعتهنَّ تلذّذٌ وتوجعُ»[36]

تلك هي أدنى درجات الفناء فيما نشاهده في حياتنا اليومية. فإذا ذهبنا إلى عالم التصوف وجدنا القوم يتحدثون عن فناء من نوع أعمق، وهو فناء الروح في مشاهدة جمال الحق وجلاله، وهو ليس من الأفعال المكتسبة و«لا ينال بتعمّل أو بقصد»[37] بل بمحض فضل من الله عز وجل على عبده، وقد رتبه الصوفية على ثلاث مراتب كبرى هي:

1- مرتبة الفناء في الأفعال: وفيها ينكشف للسالك أن لا فاعل في هذا الكون إلَّا الله تعالى، وتسمى هذه المرتبة مرتبة كذلك توحيد الأفعال[38].

2- مرتبة الفناء في الصفات: وتتحقّق عندما يرتقي السالك من توحيد الأفعال، فيبلغ مقام الهيبة والأنس بما يكاشَف قلبُه من مطالعة الجلال والجمال، فلا يرَى صفة قائمة في هذا الوجود إلَّا وهي أثر لصفة من صفات الحق عزّ وجل التي لا تتناهى، فتفنى صفاته وصفات غيره –شعوريًّا لا حقيقة- في صفات الله سبحانه وتعالى، وهذه المرتبة تسمى في اصطلاح الصوفية مرتبة توحيد الصفات[39].

3- مرتبة توحيد الذات: ومن العارفين من يرقى إلى مقام أسمى من السابق، فتواجهه أنوار اليقين والمشاهدة فيغيب عن وجوده وعن وجود كل شيء سوى الله تعالى، فلا يشهد موجودًا إلا الله، ولا تتأتى هذه المرتبة إلَّا لخوّاص المقرّبين وتسمى مرتبة توحيد الذات[40].

لقد أشرنا إلى مقام الفناء بمراتبه الثلاث، باختصار شديد، داعين القارئ إلى مزيد التوسع في هذه المعاني من مصادرها المُعتمدة، ومن أهلها الذين باشروها وذاقوها. أما الجابري فإنه لا يفيدنا في معرفتها شيئًا لأنها تتجاوز أفقه الروحي والمعرفي.

لقد التزم منهجيًّا بأن لن يُقْدم على إنتاج أي فكرة عن مفكّر آخر، إلَّا إذا استوعبه كل الاستيعاب، ودخل معه إلى البيوت أو السراديب التي دخل هو إليها، ودرس جميع مؤلفاته، وعانى مما عاناه، وتقمّصَهُ، حتى يفهمه ويستطيعَ إنتاج خطاب مؤيدٍ له، أو معارض، لأن مجرد قراءة فصل من كتاب أو فقرة أو مقالة عن هذا المفكر أو ذاك ثم معارضته، أو مدحه يعتبر إنتاجًا رديئًا جدًّا[41]. هذه هي المنهجية التي وعد بها الجابري، وهي عين الصواب.

لكن مفكّرنا ما وفّى بالتزامه، ولا دخل بيوت التصوف وسراديبه، ولا خاض التجربة الصوفية ولا عانى ما عاناه أصحابها، فكان إنتاجه رديئًا جدًّا، حيث حكم وبكل بساطة على مقام الفناء بأنه من الأمور الوافدة إما من الموروث الفارسي أو اليوناني، وأن معناه فناء الذات البشرية، أي اتحادها مع ذات الله[42]!!!.

أما مقام التوبة، والذي يعتبر من مقامات اليقين الأساسية عند الصوفية، فسيرتبط -في نظر الجابري- بحادثة السقوط والخطيئة الأولى، وبالتالي فهو أيضًا ذو أصل هرمسي مسيحي[43].

وبهذا يقرر وبكل وثوقية أن «المصطلح العرفاني في الإسلام ليس إسلامي المضمون ولا عربي الأصل، بل هو مصطلح منقول إلى الإسلام وإلى العربية مثله في ذلك مثل الموقف العرفاني نفسه، والنظريات العرفانية ذاتها الصوفية منها والشيعية»[44].

وحتى الحديث النبوي الوارد في الصحاح «إن الله خلق آدم على صورته»، الذي تداوله الصوفية المسلمون كما تداوله غيرهم من علماء الإسلام على السواء، سينزل عند الجابري إلى مستوى القول المأثور. وما دام أنه ورد وبصورة مشابهة في ثقافات سابقة على الإسلام، فإن تهمة التهرمس ستطاله أيضًا[45]، ما ينمّ عن أحد أمرين: إما أن الجابري لا يدري أن هذا الحديث وارد في الصحيحين، وإما أنه لا يعترف بالصحيحين كمرجعية دينية موثوقة.

فقد روى البخاري (6227) ومسلم (2841) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ المَلائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ. فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ. فَقَالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآن»[46].

وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ»[47].

بل إن هذا الحديث لشهرته قد أثار جدالًا واسعًا بين الفقهاء والمتكلمين على السواء، حول الضمير الهاء منصورته، هل هو عائد على الله أو على آدم؟

ومما روي عن ذلك الصراع أن الإمام أحمد بن حنبل (164-241هـ) «هجر فيمن هجرهم من أهل الكلام و الجدل أبا ثور صاحب الشافعي، لأن هذا لما سئل عن معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن الله خلق آدم على صورته، قال: الهاء عائدة على آدم». وهذا ما أغضب الإمام أحمد بن حنبل (رحمه الله) فقال: ويله وأي صورة كانت لآدم يخلقه عليها؟ ويله يقول: إن الله تعالى خلق على مثال، فأيّ شيء يعمل في الحديث المفسِّر: إن الله خلق آدم على صورة الرحمن؟ فبلغ ذلك أبا ثور، فجاء واعتذر وحلف وقال: ما قلتُ عن اعتقاد وإنما هو رأيٌ رأيته، والقولُ ما قلتَ وهو مذهبي»[48].

لقد أوردنا هذه الحادثة لا لنخوض في الصراع العقدي الذي دار في الساحة الإسلامية حول هذا الحديث، ولكن لندلل فقط على أنه حديث صحيح وليس قولًا مأثورًا تفرد به الصوفية، وأن تشابه النقاشات التي دارت حوله في الثقافة الإسلامية، مع النقاشات التي حدثت في الثقافات السابقة عن الإسلام، لا يقف دليلًا على تهرمس الصوفية عندما استعملوه، كما ادّعى الجابري، وإلَّا لكان سيدنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) هرمسيًّا، ومن بعده كلّ المحدثين والفقهاء والمسلمين جميعهم!!!

وفيما يتعلق بالتأويل العرفاني للقرآن الكريم، والذي ظهر عند الصوفية باسم التفسير الإشاري، فإن الجابري يصل -بعد تحليلات عميقة- إلى أنه مجرد تضمين[49] لا أكثر ولا أقل، أي أن الصوفية لم يبدعوه لا عن استنباط، ولا عن إلهام، ولا عن كشف، كما يزعمون، وإنما هو عبارة عن «أفكار مستسقاة من الموروث العرفاني القديم السابق على الإسلام»[50]. حيث إنهم وجدوا في النصوص الدينية الإسلامية ما يشبهها من مفاهيم عرفانية مستعمَلة من قبلُ في الثقافات السابقة وبصورة مفتوحة[51]، فعملوا على تضمين الوافد بالأصيل، وأنتجوا مدوّنة تأويلية مدعين أنها وردت عليهم كشفًا وإلهامًا.

وحتى يبعدوا عن أنفسهم شبهة الاستيراد من الموروث العرفاني المنحدر من العصر الهيلينستي والفلسفة الدينية الهرمسية «اجتهدوا في جعل ظاهر هذه النصوص يتضمن الموروث العرفاني كباطن»، أي إنهم وبكل صراحة أظهروا النصوص الدينية المسموح بها شرعًا، وأخفوا في ضمنها تلك الأفكار العرفانية المستوردة والمستهجنة من طرف الفقهاء الذين «اعتبروا التأويل الباطني شيعيًّا كان أو صوفيًّا دخيلًا على الأفق القرآني».

وبناء على هذا، ووفق ما تكوّن لدى الجابري من خبرة خلال تعامله مع النص القرآني والنصوص العرفانية الصوفية منها والشيعية، يصل بنا إلى نتيجة أساسية وهي: «أنّه ما من فكرة عرفانية يدّعي العرفانيون الإسلاميون أنهم حصلوا عليها من طريق الكشف سواء بواسطة المجاهدات والرياضات أو بواسطة قراءة القرآن، إلَّا ونجد لها أصلًا مباشرًا أو غير مباشر في الموروث العرفاني السابق على الإسلام».

وهذا التضمين يشمل كل إنجازات الصوفية، والتي تشمل المعاني المستنبطة من القرآن الكريم والمصطلحات التي يدّعون أخذها من القرآن والحديث[52].

والعجب كل العجب كيف يُبيح ناقد العقل العربي لنفسه أن يقرأ هو نفسه القرآن الكريم قراءة حداثية على ما فيها من مخاطر ومزلقات، فيستنبط منها ما شاء له أن يستنبط، ويذهب فيها كل مذهب[53]، ثم يدين شيوخ التصوف إن قرؤوه واستخرجوا منه ما تراءى لهم فيه أسرار وحقائق وواردات انكشفت لهم إثر مجاهداتهم وتطهرهم من أدناس القلوب. لا بل ويحرِمهم حتى من أحقيّة تلك الإبداعات بحجة أنها لا تعدو أن تكون مسروقات هرمسية أو بعبارة ألطف «تضمين»!!.

ولسنا نشك في أن الجابري، وهو الذي مسح التراث العربي مسحًا، قد مرّ عليه أن رجال الصوفية كالغزالي (ت505هـ)، وابن عربي (ت638هـ) وعبد الغني النابلسي (ت1143هـ)، وغيرهم، كانوا يؤكدون صراحة أن تأويلهم للنص القرآني يدخل في باب الإشارة فقط لا في باب التفسير، لأن تأويلهم لا يلغي المعنى الظاهري للقرآن، وبالتالي فهم يختلفون فيه عن الفرق الباطنية التي اتخذت التأويل أساسًا للفهم والعمل[54].

ويمكننا أن نسعف القارئ الكريم بلطائف إشارية ذكرها بعض أئمة التصوف في تأويلهم لقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾[55].

فالنعلان هما الصورة الظاهرة والباطنة أي الجسم والروح عند النابلسي[56]، وهما الكونان أي الدنيا والآخرة عند الغزالي[57]، لأنه لا يمكن وطءُ ذلك الوادي المقدس إلَّا باطّراح ذينك النعلين اللذين يُسار بهما في عالم الأغيار.

أما الوادي المقدس فهو الذاتُ، الوجودُ الحقُّ المقدّسُ عن كلّ شيء محسوس أو معقول... إنه وادي طُوَى لانطواء العوالم كلّها فيه واختفائها في وجوده ولانعدامها في حقيقته[58].

هكذا تعامل الصوفية مع القرآن الكريم كنص مقدس مفتوح، مثبتين ظاهر الآيات كما وردت في ظروفها وسياقاتها، لكن هناك معانٍ ولطائف انقدحت في قلوبهم، كما تنقدح لكل قارئ، فصرحّوا بها، دون أن يدّعوا أنها الحقيقة المطلقة، وذلك عين الإبداع الذي ينادي به الآن فلاسفة اللغة المعاصرين حيث يعتبرون التأويل أفقًا مفتوحًا، وقراءة منتجة، ولحظة تثوير للمعنى، وعملية تفتيش في عوالم النص الخفية، تتحكم فيها جملة من المعطيات الخاصة التي تطمئن إليها الذات المتلقيّة[59].

وبعد كل هذا ماذا ترك الجابري يا ترى من آراء المستشرقين حينما أخرج التصوف من الدائرة الإسلامية وأرجعه إلى مصدر هرمسي؟

إننا نفهم جيّدًا لماذا انتهجت الاستراتيجية الاستشراقية طرقًا ملتوية في تزييف التاريخ الإسلامي ونزع الصبغة الإسلامية عن التصوف الإسلامي، وربطه بمصادر هندية، أو مجوسية فارسية، أو كونفوشيوسية، أو بميثيولجيات إغريقية، أو بغنوصيات عبرانية ومسيحية، لكن ما لا يمكن فهمه حقًّا هو مقاصد الجابري حينما ذهب في قراءاته المتطرفة لتاريخ التصوف مذهبًا خرج فيه عن حدود الاعتدال الذي يُفترض أن يتوفّر في مفكر مثله.

إننا نشعر ونحن نقرأ ما كتبه، كأننا أمام مدوّنة استشراقية أعيد إنتاجها في بيئتنا العربية مرة أخرى، ولكن بتخريج عربي.

ورغم أنه حاول نفي أي علاقة تربطه بالدراسات الاستشراقية بقوله: «لقد اتخذت قرارًا ألزمتُ به نفسي بكل صرامة، وهو أن أضع كل ما كتبه المستشرقون أو غيرهم حول تراثنا بين قوسين... وأكثر من ذلك سلكتُ إزاء ما كتبوه مسلك الذي لا يسمع ولا يرى»[60].

قلت: رغم كل ما ذكر، فإن كثيرًا من القرائن تؤكد أنه انغمس بشعور أو بدون شعور، إلى أذنيه في منهج الشظايا الذي انتهجه بعض المستشرقين، حيث إنه ما من مرة يجدُ في المدوّنة الهرمسية شظيّة ووجد في أقوال المتصوفة أو الفلاسفة أو متعاطي علوم الأوائل، شظية تناظرها إلَّا وسارع في استصدار حكم غير قابل للاستئناف بالتهرمس[61].

ولا يسعنا إلَّا أن نتفق مع المفكر العربي جورج طرابيشي (1939م-.......) الذي اكتشف أن أفكار الراهب الدومينيكاني فستوجير (P;Festugière)[62] (1898-1982م) كانت الخلفية النظرية التي وجهَّت الجابري في كل ما كتبه في الفصلين الطويلين عن «العقل المستقيل» وعن «العرفان» في كتابيه «تكوين العقل العربي»، و«بنية العقل العربي» على التوالي[63].

لقد ذهب فستوجيير إلى أنه في أواخر الحقبة الهلنستينسية، وفي عهد الإمبراطورية الرومانية (أي منذ مطلع التاريخ الميلادي وحتى سقوط روما في القرن الخامس)، تمكّن الشرق الصوفي اللاعقلاني من غزو قلعة العقلانية اليونانية وتحطيمها، حيث راجت ظاهرة الهرمسية المتمثلة في كتب «الحكمة المنزلة» المعْزُوّة إلى مجوس فارس أو إلى العرافين الكلدانيين أو إلى الإله المصري هرمس (= طوط)[64].

إن هذا التأثير الفيستوجيري -إن صحّ التعبير- في موقف الجابري من التصوف، يدخل ضمن ما حذّر منه إدوارد سعيد (1935–2003م)، من أن الاستشراق، رغم إخفاقاته وعرقيَّته، وجهازه الفكري الرقيق، يزدهر بأشكال عديدة حين يستعيد العرب تحليلاته للعقل العربي الإسلامي[65].

لقد أراد الجابري تصفية الحساب مع ركام اللامعقول في بنية العقل العربي[66]، فاختار أن ينْظمّ إلى الاتجاه العقلاني العلمي الذي ظهر في المغرب والأندلس والذي يتكون من ابن حزم، ابن باجة، ابن رشد، الشاطبي، ابن خلدون، وابن مضاء القرطبي في النحو، وابن بصال في الفلاحة التجريبية، والبطروجي في ميدان الفلك. فهؤلاء يتفقون جميعًا -وإن اختلفت مجالات نشاطهم- في نقد العرفان بكل عناصره[67].

وعلى كل حال فإن هذه الجغرفة الإبستمولوجية التي تبنَّاها[68]والمتمثلة في الشرق العرفاني المنبوذ، والمغرب العقلاني المحبوب، كرست ضربًا من القطيعة بين المغرب والمشرق، ولقيت صدى غير محمود في الأوساط الثقافية[69] حسب المفكر الأردني فهمي جدعان (1940م-.......)، لأنه لا الثقافة العربية الإسلامية ولا الثقافة اليونانية المكتوبة باليونانية قد عرفتا مثل ذلك التمييز الإبستمولوجي بين غرب عقلاني وشرق لا عقلاني، وإنما المركزية الأوروبية هي التي اصطنعت مثل ذلك التمييز.

وهذا ما قام به فعلًا مؤرخ الأديان الفرنسي هنري شارل بويش (1902-1986م) في كتابه «البحث عن الغنوص en quête de a gnose»، والذي قلده الجابري، وروّج لأفكاره في الحقل التداولي للثقافة العربية المعاصرة[70].

لقد ظل الجابري يبشر بتحليل عقلاني إبستمولوجي موضوعي، للتراث، ولكنه ما استطاع هو أن يتجاوز أفق الأيديولوجيا المضادة للعرفان عامة، وللتصوف خاصة، فهاهو يفصح عن أيديولوجيته في قوله: «...قبل خمسين سنة كان المغرب حافلًا بالطرق الصوفية، وكان لكل شيخ طريقه، وكان كل فرد يؤمن بشيخ الطريقة أكثر مما يؤمن بالله ورسوله[71]، فقامت الحركة الوطنية وكانت هي الحركة السلفية في الوقت نفسه، فوجهنا حملة شعواء ضد هذه الطرق، فتحوّل الأمر، وقُضيَ على الفكر الطرقي[72]، وأصبح الانتماء إلى الحزب وليس إلى الطريقة، وذلك كله بفضل نخبة من السلفيين ونخبة من قادة الحركة الوطنية»[73].

-2- دعوى انحرافية التصوف

بعد أن ينتهي الجابري -على المستوى النظري- من تشويه التصوف الإسلامي وتعريته من إسلاميته، مُرجعًا إياه إلى أصول لا تمت للإسلام بصلة، ومتّهمًا أصحابه بتكريس اللامعقولية في الثقافة الإسلامية، ينتقل إلى تشويهه من جانب آخر يتعلق بالمستوى العملي الأخلاقي.

فإذا كانت الشريعة الإسلامية هي الإطار المشترك والأساسي الذي يُرجع إليه في الحكم على المسلمين التزامًا أو مروقًا، فإن الجابري عمَد إلى هذه المقياس بالذات -مزيِّفًا بعض النصوص- لكي يُقنع المثقفين بأن الصوفية بعيدون عن الشريعة الإسلامية، وبالتالي يتحقق له الهدف المُبيَّت وهو: فصل التصوف عن الإسلام، لا من جهة الأصول فحسب، بل ومن جهة الالتزام بالشريعة أيضًا، أي أنه هرمسي حتى على مستوى العمل، فيقول: «فكرة التحلّل من التكاليف الشرعية فكرة هرمسية الأصل تبناها الإسماعيليون والمتصوفة»[74].

ما الدليل عند الجابري؟

إليك دليله: «قالوا (أي الصوفية): إن الشريعة إنما وُضعت للعامة من الناس أصحاب الظاهر، أما المتصوفة المشتغلون بعلم الباطن، والمنقطعون إلى طلب الحقيقة، أي إلى طلب الاتصال مع الله، فإنهم مُعفون من رسوم العبادات من وضوء وصلاة إلخ بدعوى أنها تشغلهم عن الانقطاع إلى الله»[75].

ونتساءل: مَن مِن الصوفية قال هذا؟

لو أن الجابري ذكر أن ذلك الانحراف صدر من بعض أدعياء التصوف، أو بعض الطوائف الضالة، لكان صادقًا في دعواه، ولكنه يأبى إلَّا أن يطلق أحكامه جزافًا وعلى عواهنها، بكل تعميم، فيخالف المنهج العقلاني التاريخي الذي وعد بانتهاجه.

ولسنا في حاجة إلى تقديم الأدلة –وما أكثرها- على بطلان هذا الافتراء، ولكن حسبنا أن نسوق بعض الأقوال لأئمة التصوف.

ومن ذلك أن رجلًا جاء إلى أبي القاسم الجنيد (ت 297هـ) وقال له: أهلُ المعرفة يصِلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله عز وجل؟ فقال الجنيد: إن هذا قولُ قومٍ تكلّموا بإسقاط الأعمال، وهو عندي عظيمة والذي يسرق ويزني أحسن حالًا من الذي يقول هذا، فإن العارفين بالله تعالى أخذوا الأعمال عن الله تعالى وإليه رجعوا فيها، ولو بقيتُ ألف عام لم أُنْقِص من أعمال البِرّ ذرّةً، إلَّا أن يحال بي دونها»[76].

وقال (رحمه الله): « لطرق كلها مسدودة على الخلق إلَّا على من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام»[77].

وقال: «من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يُقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة»[78].

ونسوق هذه الوصية من عبد القادر الجيلاني (470-561هـ) لأحد مريديه، جاء فيها: «أوصيك بتقوى الله وطاعته، ولزومِ ظاهر الشرع، وسلامة الصدر، وسخاء النفس، وبشاشة الوجه، وبذل الندى، وكف الأذى، وحفظ حرمات المشائخ، والعشرة مع الإخوان، والنصيحة للأصاغر والأكابر»[79].

وهذا أحمد الرفاعي (512- 587هـ) يتوجه إلى مريديه قائلًا: «إن طابت أنفسكم للحكمة، فارفعوا بها خواطركم إلى حكمة نبيكم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإلى كلام ربكم جلّ وعلا، فإن طابت خواطركم بحكمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتنورت بكلام الله، فهي على هدى، وإن لم تطبْ بالحكم النبوية، وتتشرف بنور القرآن، فهي ضجيعة الشيطان»[80].

هذا ومن المؤسف حقًّا أن يختزل الجابري الحديث عن الأخلاق عند ابن عربي (558 - 638هـ) في بضع كلمات مدّعيًا «أنه ينادي بسقوط التكاليف الشرعية من خلال الأمر التكويني والتكليفي»[81].

والحقيقة أن مجرد الخوض في هذه القضية الشائكة يحتاج إلى كتب كاملة، ولكن يكفي أن نشير إشارات مقتضبة إلى بعض معانيها.

فالأمر التكويني عند ابن عربي، هو حالة روحية يبلغها السالك من خلال مقام الفناء، فيرجع إلى العدم الأصلي شعورًا، ويدرك سرَّ القدر الذي هو «من أجَلِّ العلوم، وما يُفهِمُه الله إلا لمَن اختصَّه بالمعرفة التامة»[82]، فلا يرى في هذا المشهد لا معصيةً ولا طاعة، بل «يشاهد أن الطائع والعاصي كلاهما على صراط ربِّه، ما عدل أحد منهما على علم الله منه وعمّا اقتضتْه عينُه الثابتة»[83] أي إنهما تحت حكم المشيئة الإلهية.

ولكن مشهد «الأمر التكويني» لا يكون إلَّا في حالة الجمع والفناء، وهو ليس غاية في السلوك؛ ولذلك فإن المريد مطالب بالعودة بعده إلى مقام البقاء، ليشهد الفرق الشرعي، فيميّز بين الطاعة والمعصية، وهذا ما يسمى في اصطلاح ابن عربي بمشهد الأمر التكليفي، وهو الذي جاءت به الشريعة واقتضتْه المراسيمُ الاجتماعية.

وسلوك العارف لا يكتمل إلَّا إذا فرَّق في جمعه وجمّع في فرقه (أي مزج بين الأمر التكويني والأمر التكليفي) وإلَّا خسرت صفقتُه، وصار من المتزندقين. ولذا قال ابن عربي في إحدى لطائفه ناصحًا مريده: «إذا كنتَ في عين الجمع والوجود فقل: كلٌّ من عند الله. وإذا كنتَ في عين التفرقة فقل: وما أنسانيه إلَّا الشيطان. وكل قول في موضعه أدبٌ مع الحق» [84].

وقد نبَّه ابن عربي إلى قضية خطيرة، تتمثل في اللّبس الذي يقع للكثيرين حين لا يفرقون بين الأمرين التكويني والتكليفي، فيعتقدون أن الرضا بالقضاء يستلزم الرضا بالمقضي، حتى ولو كان شرًّا ومعصية، فيقول: «لا يلزم الراضي بالقضاء أن يرْضى بالكفر والمعاصي والمخالفات... والشارع أمرَنا بالرضا بالقضاء لا بالمقضيِّ... وليس لك أن تقول: رضيتُ بما قضى الله لي من المخالفات»[85].

ومن خلال ما سبق نستنج أن شهود الأمر التكويني يقتضي الرضا بالقضاء الشامل للكائنات كلِّها. أما شهود الأمر التكليفي الشرعي فيقتضي وزن المقضي بميزان الشرع والأخلاق، فإن كان موافقًا لها قُبِلَ، وإن كان مخالفًا لها رُفِض. وهذا عين ما ذهب إليه ابن القيم (691-767هـ) في قوله: «فحظّ الحقيقة الدينية (الأمر التكليفي) القيام بأمره ونهيه، وحظ الحقيقة الكونية (الأمر التكويني) إفراده بالافتقار إليه والاستعانة به... والتحقق بأنه ما شاء كان وما شاء لم يكن... فلهذه الحقيقة عبودية، ولهذه الحقيقة عبودية؛ ولا تُبطِلُ إحداهما الأخرى، بل لا تتم إلَّا بها»[86].

فهلَّا بيّن الجابري لقارئيه حقيقة الأمر التكويني والتكليفي كما وردا عند ابن عربي، حتى يكتشفوا بأنفسهم فيما إذا كان الرجل قد أسقط التكاليف أم أثبتها؟!!.

ثم انظر كيف يتعامل صاحبنا مع هذا النص، قال بعضهم: «إن الله خلقك حرًّا فكن كما خلقك». يورده هكذا دون ذكر هُوية القائل، ثم يستنتج منه هذه النتيجة: «أي غير مكلّف، الحرية معناه التحلل من «الرسوم» وهي التكاليف الشرعية التي هي موضوع الفقه وشغل الفقهاء»[87].

ولسنا في حاجة هنا أيضًا إلى إقناع القارئ بأن الحرية التي وردت في هذا النص -وإن كنا لا نعرف قائله- لا تعني التحرر من تكاليف الشريعة، وإنما تعني التحرر من قيد الشهوات والأغيار.

وتفسير ذلك أن الإنسان خُلق طاهرًا نقيًّا، حرًّا من الشهوات، لكنه وبالتدريج يكتسب أمراضًا قلبية تقيّده وتستعبده. ولكي يعود إلى فطرته، ويرجع كما كان منقبل، عليه أن يكسّر تلك الأوثان المنتصبة بداخله، كحب الدنيا، والأنانية، والكبر، والعجب، والرياء، والطمع، وما إلى ذلك، لأن «القلب ليس له إلَّا وجهة واحدة فمهما توجه إليها حجب عن غيرها»[88].

وبقدر ما يحطم الإنسان من تلك الأوثان بقدر ما يقترب من كمال الحرية، حتى إذا ما تم له تحطيمها كلها، تحققت حريته، وخلُصت عبوديته لله، ولذا قال الشيخ أبو مدين شعيب (492 - 583هـ): «لا تكون له عبدًا، ولغيره فيك بقية رقّ»[89].

وقال الشيخ محمد بن الحبيب (1871-1972م) شعرًا: وكن عبدًا صرفًا له تكن حرًّا عن غير الله[90].

ولندعْ قضية التزام الصوفية بالشريعة الإسلامية جانبًا، ونعرج على تحليل الجابري لبعض مقامات التصوف. ونبدأ بمقام «التوبة» الذي يفهمه كالآتي: «إن الآيات التي تدعو المؤمنين إلى التوبة كانت حين نزولها تخاطب أناسًا كانوا قبل إسلامهم يأتون الذنوب، أما الذين وُلدوا في الإسلام وساروا على نهجه من صغرهم فكيف نطالبهم بالتوبة؟ وبما أن التوبة هي المدخل إلى التصوف فالسؤال سيصبح كما يلي: هل التصوف مطلوب من الجميع أم فقط من الذين اقترفوا ذنوبًا؟»[91].

لقد أوردنا النص بحرفيته دون تصرّف، تاركين للقارئ الكريم فرصة اكتشاف ما يتضمنه من خطل فكري، ثم التفكير في الإجابة عن السؤال الذي طُرح في آخره، أما نحن فليس لنا عليه أدنى تعليق!!.

وننتقل إلى مقام آخر وهو مقام «التوكل»، والذي يجعله الجابري عنوان التصوف فيقول: «التصوف هو: القول بجبرية صارمة، وترك التدبير أي ما يسمونه التوكل، وهما في الحقيقة مترابطان متداخلان: فبدون الجبرية لا يستقر التوكل ولا يستقيم»[92].

بهذا التعريف يُقوّل الجابري الصوفية غير ما قالوه هم: الجبرية وترك التدبير يساويان التوكل. وبهذا يصل بقارئه إلى النتيجة التي يريدها وهي :أنهم خالفوا فيه ما جاء في القرآن والسنة والسيرة النبوية وسيرة الصحابة[93].

ثم يتهمهم بأنهم ينسبون إلى الإسلام ما ليس منه «ومن ذلك الحديث المرفوع الذي لم يذكره لا البخاري ولا مسلم، وهو الذي أورده أبو طالب المكي من أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله». وهكذا يصبح الصوفية باعتمادهم على التوكل -كما عرّفه الجابري- قد سقطوا في الإعراض عن العمل، وأهملوا عمارة الأرض التي أمر الله بها القرآن، وكرّسوا الجبر وإسقاط للمسؤولية[94].

فهل تعريف التوكل عند الصوفية يعني الجبر وإسقاط التدبير؟

إن ما ذُكر في أدبيات التصوف عن التوكل يناقض تمامًا ما ذكره الجابري، ويكفي أن نرجع إلى ربع المنجيات من إحياء علوم الدين للغزالي (450-505هـ) لنكتشف أن «التوكل منزل من منازل الدين ومقام من مقامات الموقنين، بل هو أعلى درجات المقربين، وهو في نفسه غامض من حيث العلم، ثم هو شاقّ من حيث العمل، ووجه غموضه من حيث الفهم أن ملاحظة الأسباب والاعتماد عليها شرك في التوحيد، والتثاقل عنها بالكلية طعن في السنة وقدح في التشرع... وتحقيق معنى التوكل على وجهٍ يتوافق فيه مقتضى التوحيد والنقل والشرع في غاية الغموض والعسر»[95].

وهذا الغموض على مستوى الفهم، والعسر على مستوى التطبيق، دفعا بالغزالي إلى التمهيد له بكتاب التوحيد.

أما تشكيك الجابري في صحة الحديث المذكور آنفًا عن التوكل، بحجة أنه لم يرد في الصحيحين البخاري ومسلم، فأمر مجانب للصواب، لأن هذا الحديث وإن لم يرد عند الشيخين، فقد ورد عند النسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم، وقال الترمذي عنه حسن صحيح. كما ورد في مسند الإمام أحمد (ت241هـ) تحت رقم 370 وهذا نصه: «حدثنا حجاج، أخبرنا ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة، عن أبي تميم أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لو أنكم توكّلتم على الله حق توكّله، لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصًا، وتروح بطانًا»[96].

ومعنى الحديث أن الناس لو حققوا التوكل على الله بقلوبهم واعتمدوا عليه اعتمادًا كليًّا في جلب ما ينفعهم ودفع ما يضرهم، وأخذوا بالأسباب المفيدة، لساق إليهم أرزاقهم مع أدنى سبب، كما يسوق إلى الطير أرزاقها بمجرد الغدو والرواح، وهو نوع من الطلب ولكنه سعي يسير، وتحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدر الله سبحانه وتعالى المقدرات بها.

هذا وفي حديثه عن مقامي «الرضا والمحبة»، يذهب الجابري إلى أنهما كرسا في البيئة الإسلامية «جبرية صارمة من جهةٍ، وفناء الأخلاق، وإسقاط التكاليف الشرعية من جهة ثانية»[97].

وهذا الرأي الجابري في غاية التهافت، لأنه لا أحد من شيوخ التصوف المعتَمَدين في هذا الفن، ذكَر هذا أو مارسه في حياته، فها هو الغزالي يتحدث عن الرضا بعكس ما ذكر الجابري تمامًا: فيقول: «... الدعاء غير مناقض للرضا، ولا يُخرج صاحبه عن مقام الرضا، وكذلك كراهة المعاصي ومقت أهلها ومقت أسبابها، والسعي في إزالتها بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يناقضه. وقد غلط بعض البطالين المغترين وزعم أن المعاصي والفجور والكفر من قضاء الله وقدره عز وجل فيجب الرضا به، وهذا جهل بالتأويل وغفلة عن أسرار الشرع»[98].

فالغزالي ينبّه –وكما هو واضح- إلى أن هناك صنف من المنحرفين البطالين قد فهموا الرضا فهما خاطئًا، فضلوا وأضلّوا. ولو أن الجابري ميّز في حكمه بين المعتدلين من الصوفية والمنحرفين منهم لكان لحكمه بعض حظ من صواب.

ولنقرأ للجابري هذا النص «ينطلق (المريد) من الثورة على رسوم الفقهاء لينتهي إلى الانغلاق على رسوم الطريقة وهي أكبر وأكبر. ينطلق من الإقرار بالعبودية لله والتزام العبادة لينتهي إلى الفناء في الله أو الاتحاد به، والمعنى واحد فيتخلص من العبودية والعبادة معًا، ويدخل فضاء الحرية الكاملة فيتحرر من رق التكليف الديني والأخلاقي»[99].

وإليك نص آخر: «لقد انتقلوا من الحرية التي بلغوها من فناء الأخلاق، إلى أخلاق الفناء، إلى إسقاط التكاليف الشرعية»[100].

قناعتنا أن الجابري يدرك أنه متطرف في أحكامه، وكيف لا وهو الذي نشأ وعاش في بيئة مغربية وسمع عن شيوخ ضربوا أروع الأمثلة في التقوى والصلاح، غير أنه يتعمّد تحريف النصوص، وتوجيهها بحسب ما تهواه نفسه.

نترك قضية التزام الصوفية بالشريعة الإسلامية، وننتقل إلى تحليل الجابري لنفسيات الصوفية، إذ يبدو أنه أوتي ميزانًا دقيقًا وكشفًا عميقًا –وإن كان هو لا يؤمن أصلًا بالكشف– إلى حدّ أنه حكم على الشيخ حبيب العجمي (ت119هـ) بأنه اصطنع الزهد والتصوف طلبًا للجاه[101]، وحكم على الشيخ إبراهيم ابن أدهم (ت162هـ) بأنه اختار التصوف لأجل أغراض سياسية[102]. بل وحكَم على الصوفي -أيّ صوفي- بأنه نرجسي يجنح إلى تضخيم الفردية وتضخيم «أنا»هُ[103]. واكتشف بعد دراسة واسعة أن الشيخ المربي يتعامل مع مريده وفق أخلاق كسروية قوامها التكبر والتسلط والإذلال[104]. ويكفينا -لننسف هذه الافتراءات- أن نسوق أبياتًا لأحد العارفين، تعبر عن منتهى تواضعه لمخلوقات الله واستسلامه للإرادة الإلهية:

فأطيب أوقاتي اتّصافي بذِلّةٍ

وفقر وعجز وانسلاب إرادة

فتلك أصول في طريقتنا المثلى

فكُنْها وجنّبْ عن علوٍّ ورفعة[105]

هذا وقد تبيَّن له أن الصوفي عندما ينادي بالفناء في الله لا يفعل ذلك إلَّا نظريًّا، أما عمليا فهو يتشوف إلى الولاية التي هي مُلك روحي، وبالتالي مادي لأن من يملك الأرواح يملك الأبدان[106].

وهذا مجرد اتهام باطل؛ لأن الصوفية مجمعون على بغض الرياسة والجاه والشهرة والتسلط، ولهم في ذلك وصايا كثيرة منها ما ذكره الشيخ ابن عطاء الله السكندري (ت707هـ) في حِكَمه كقوله: «ادفن وجودك في أرض الخمول (ضد الشهرة)، فما نبت مما لم يدفن، لا يتم نتاجه»[107].

ومنها ما أوصى به الرفاعي حين يقول: «لا تزعُمْ أخا الحجاب، أن أخاك الإنسان الآخر، عبدُ كبدري هماتك، بوقتك، بحظك، بشأنك، بما أنتفيه من أمرك. هو فوق ذلك، وأنت دون ذلك. كلّ من ساواك بتركيب الهيكل أو ماثلك بالصورة والنسق فهو أخوك بجنسيتك، وشريكك بآدميتك، لا هو مملوكك، ولا أنت مالكه»[108].

والصوفي أناني وأرستقراطي -في نظر الجابري- لأنه يتعامل مع أسراره كأمور يعلمها وحده علمًا نهائيًّا مطلقًا، وبالتالي فهو يعتبرها أسرارًا لا بالنسبة له هو، بل بالنسبة لغيره ممن ليسوا من الصفوة المختارة مثله[109].

وأنه عندما يبحث عن معرفة نفسه وخلاصها يقوم بموقف فرداني، موقف أرستقراطي، فهذا الطريق ليس في متناول العامة بل هو مقصور على الخاصة[110].

إن أرستقراطية الصوفية -إن جاز لنا أن نستعمل هذا الوصف- لم تنشأ لديهم عن جاه أو تموقع سياسي، أو ثراء اقتصادي، وإنما كانت نتيجة مكابدات ومجاهدات، والتزام أخلاقي، فمن شاء أن يكون أرستقراطيًّا على طريقتهم، فما عليه إلَّا أن يجاورهم أيامًا ليكتشف كيف أن منهجهم ثقيل على الحظوظ البشرية، ممزوج بالمرارة والغصص، يدمع العينين، ويتعب الركبتين، ومن أجل ذلك «ترك العلماء هذا العلم واشتغلوا باستعمال علم يُخِفّ عليهم المؤن ويحثهم على التوسع والرخص، وقد يكون أقرب إلى وأخف تحملًا على النفوس»[111].

والصوفي -حسبما تصوره الجابري– متغطرس يَعتبر العالَمَ شرًّا كلّه ليجعل من «أنا»ه، ومن أناه وحده نفحة الخير الإلهي الوحيدة في هذا العالم. وهو شخص سلبي هروبي انعزالي يفرّ باستمرار إلى عالم الميثولوجيا المفلسفة أي إلى العقل المستقيل، فلا يستطيع تجاوز فرديته، ويجعل من قضيته الشخصية قضية جماعية، وإن لزم الأمر قضية إنسانية[112]، لأن أخلاق الفناء التي يسير عليها تؤدي إلى فنائه وفناء الأخلاق لتنتهي إلى فناء الأمم[113].

إن الباحث المنصف يدرك جيدًا أن هذه التهم مجرد افتراءات لا تصمد أمام الحقائق التاريخية الدامغة، فتاريخ التصوف الإسلامي ثري بالأدوار الإيجابية التي قامت بها الحركات الصوفية كجزء من حركة اليقظة والإصلاح في العالم الإسلامي[114].

وقد استطاع التصوف بالفعل أن يلعب دورًا كبيرًا في توجيه مظاهر الحياة الإسلامية على مر التاريخ. بل إنه يندر أن نجد من المصلحين والمجاهدين ممّن عملوا على إنقاذ الأوطان الإسلامية من براثن الاستعمار ولم يسلكوا الطريق الصوفي[115].

ولعلّ تاريخ المقاومة الشعبية في الجزائر هو أكبر شاهد على ذلك، فالثورات الشعبية بأكملها انطلقت من الزوايا، وقد كان قادتها إمّا شيوخًا لتلك الزوايا أو من مريديها[116].

أما الانكفاء على الذات، فإنه لا يمت للتصوف الحقيقي بأية صلة، وفي سِير الصوفية ما يُثبت ذلك. فقد كتب الجنيد إلى أحد مريديه رسالة من بين ما جاء فيها: «... يا أخي كن على علم بأهل دهرك، ومعرفتك بأهل وقتك وعصرك، وابدأ في ذلك أولًا بنفسك»[117].

وكتب رسالة أخرى إلى صديقه الشيخ أبي بكر الكسائي يقول فيها: «... فعليك -رحمك الله- بضبط لسانك ومعرفة أهل زمانك، وخاطب الناس بما يعرفون، ودعهم مما لا يعرفون، فقَلّ من جهل شيئًا إلَّا عاداه... فاعمل على أن تكون رحمة على غيرك... واخرج إلى الخلق من حالك إلى أحوالهم، وخاطبهم من قلبك على حسب مواضعهم، فذلك أبلغ لك ولهم»[118].

لكن الجابري يغُضّ طرفه عن كل هذا، ولا يبصر الصوفية إلَّا بعين السخط فيضيق ذرعًا بهم، ويضجر من وجودهم، ويتبرم من انتشارهم في المجتمعات الإسلامية، ويتساءل بلهجة المستنكر: «ألم يكن الإسلام قبل ظهوره (الأولياء) أنقى وأقوى وأطهر، ورقعته أوسع وحضارته أكثر ازدهارًا؟ أليس عصر الانحطاط مرتبطًا بظهور نظام الأولياء؟»[119].

وللقارئ أن يكتشف بنفسه إلى أي مستوى تدنّى الجابري، عندما حكم على الصوفية بهذه الأحكام الجائرة، والتي توسّل فيها بلغة التعميم الجنوني، مستندًا في ذلك إلى أقوال ابن حزم (ت456هـ) وابن الجوزي (ت751هـ) في نقد التصوف[120].

ولسنا بحاجة إلى البرهنة على بطلان هذه الدعاوي، لأن باستطاعة كل أحد أن يعود إلى تراجم الصوفية ليكتشف بنفسه مدى ما بلغوه من سمو أخلاقي قلّ أن نجد له نظيرًا في تاريخ الإسلام. لكن الخطاب العدواني المناهض لهم، لا ينقضي إطلاقًا، بل إنه يتخذ أساليب جديدة، ويعيد تخريج السيناريوهات القديمة نفسها بشكل عصري، تلك السيناريوهات المعتادة والمتمثلة في تُهم: التبديع والدجل والشرك والشعوذة والتخلف والتواطؤ مع المستعمر.

إن الانحرافات التي شابت التصوف -وهذه حقيقة لا بد من الاعتراف بها-لم تكن في يوم من الأيام مبرّرات للنيل منه، أو الحط من شأنه، لأن الصوفية أنفسهم تكفّلوا بكشف القناع عنها وفضحها وتحذير الناس منها[121].

ولنستمع إلى أحمد الرفاعي وهو يسقط أقنعة الزيف عن أدعياء التصوف في زمانه، بل وفي كل زمان يوجد فيه الأدعياء، قائلًا: «أيها المتصوّف لمَ هذه البطالة؟... تظن هذه الطريقة تورَّث من أبيك؟ تتسلْسَل من جدك؟ تأتيك باسم بكر وعمر، وتصير لك في وثيقة نسبك؟ تُنقش لك على جيب خرقتك، على طرف تاجك؟ حسِبتَ هذه البضاعة ثوب شَعْر، وتاجًا، وعكّازًا، ودلقًا، وعمامةً كبيرةً وزيًّا؟ لا والله... إن الله لا ينظر إلى كل هذا. يَنظر إلى قلبك كيف يُفْرِغ فيه سرّه وبركة قربِه، وأنت غافل عنه بحجاب التاج، بحجاب الخرقة، بحجاب السبحة، بحجاب العصا، بحجاب المسوح. أيْ مسكين تمْشي مع وهمك، مع خيالك، مع كذبك، مع عجبك وغرورك، تحْمِل نجاسة أنانيتك، وتظن أنك على شيء. وكيف تكون على ذلك؟ تعلَّمْ علم التواضع، تعلّمْ علم الحيرة، تعلّم علم المسكنة والانكسار»[122].

لقد كانت الأيديولوجيا المعادية للتصوف وللعرفان عامة، بمثابة اللاشعور المعرفي، الذي وجّه الجابري طيلة دراسته للتراث العربي، فكل شيء يتَّصل بالروحانيات منبوذ، مستبعد، لا عقلاني، منحطّ، سلبي، لا حضاري، إلى ما هنالك من التوصيفات البشعة.

وحتى الشخصيات الفلسفية والعلمية والدينية الفاعلة في حضارتنا الإسلامية، ستطالها أيضًا تلك التشويهات والتقبيحات والتسفيهات الجابرية، لمجرد أنها تقاطعت مع العرفان. فالعقلانية الفارابية «صوفية» وبالتالي هي لا عقلانية، وابن سينا (370-427هـ) هو المدشِّن الفعلي لمرحلة الجمود والانحطاط، لأنه قام بتكريس لا عقلانية صميمة في الفكر العربي الإسلامي تحت غطاء عقلانية موهومة[123]، وجابر بن حيان (101- 197هـ) هرمسي لا عقلاني[124]، والطبيب أبو بكر الرازي (251-320 هـ) فيلسوف وطبيب لكنه لا عقلاني لأن آراءه متأثرة بالهرمسية والفيثاغورية[125].

بقي لنا أخيرًا أن نشير ولو بإيجاز إلى موقف الجابري من المنهج الذوقي أو الإلهامي الذي اعتمده الصوفية كمنهج لا ينفي العقل ولا يتناقض معه وإنما يتجاوزه، حيث اتفقوا جميعُهم على أن البصيرة الكاشفة بوسعها أن تدرك في لمحة خاطفة، ما يعجز العقل عن إدراكه في أمد طويل، وذلك أن العقل ليس هو كلّ ما يملكه الإنسان من قدرات، بل إن وراءه قدرات أخرى بإمكانها أن تسعف الإنسان من معرفة هذا الوجود المفعم بالأسرار والألغاز.

ولكن الجابري لا يعتبره كذلك بل هو عنده «ليس شيئًا فوق العقل كما يدَّعي العرفانيون بل هو أدنى درجات الفعالية العقلية... ليس شيئًا خارقًا للعادة، ليس منحة من طرف قوة عليا بل هو فعل العادة الذهنية غير المراقبة، فعل الخيال الذي تغذيه... معطيات شعور حالم غير قادر على مواجهة الواقع والتكيف معه... فيلجأ إلى نسج عالم خيالي خاص به، ينتقي عناصره من الدين والأساطير والمعارف الشائعة... التي تجد أصلها في الديانات الفارسية القديمة والتي تبنتها الهرمسية»[126].

وهنا نجده يقف على النقيض تمامًا من النص القرآني الذي يصرّح بوجود معرفة لدنية، حيث قال الله عز وجل: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾[127]، وهذه المعرفة تظهر للقلب بالمواظبة على العبادة من غير تعلّم بل بطريق الكشف والإلهام[128].

يقول أبو طالب المكي في هذا الشأن: «فإذا كان العبد ملقيًا السمع بين يدي سميعه، مصغيًا لسر كلامه، شهيد القلب لمعاني صفات شهيده، ناظرًا إلى قدرته، تاركًا لمعقوله ومعهود علمه، متبرئًا من حاله وقوته، معظّمًا للمتكلم، واقفًا على حضوره، مفتقرًا إلى الفهم بحال مستقيم، وقلب سليم وصفاء يقين، سمع فصل الخطاب وشهد علم غيب الجواب»[129].

وطبعًا هذه التفسيرات التي قدَّمها الإمام الغزالي أو المكي عن الطريق التزكوي المفضي للإلهام لا تروق للجابري ولا يكاد يصدقها.

ويكفي دليلًا على صحة الإلهام قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم»، وقوله: «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله»[130]، وقوله مبشرًا بوجود هذا العلم الإلهامي في بعض أفراد أمته: «إن من أمتي مُحدَّثين وإن عمر منهم»[131].

وقد سجل لنا التاريخ الإسلامي حوادث تؤكد وجود هذا النوع من المعرفة، ومن ذلك أن سيدنا عمر E قال أثناء خطبة الجمعة: يا سارية الجبل، حيث انكشف له أن العدوّ قد أشرف على جيش المسلمين، وقد كانت بينهما مسافات طويلة[132].

وكذلك ما حدث لسيدنا أنس بن مالك E حيث قال: «دخلت على عثمان E وكنت قد لقيتُ امرأة في طريقي فنظرتُ إليها شزرًا، وتأملت محاسنها، فقال عثمان E لما دخلت عليه: يدخل عليّ أحد وأثر الزنا ظاهر على عينيه، أما علمتَ أن زنا العينين النظر؟ لَتتوبنّ أو لأعزّرنك. فقلت: أَوَحْيٌ بعد النبي؟ فقال: لا ولكن بصيرة وبرهان وفراسة صادقة»[133].

أما تاريخ التصوف فهو حافل بمثل هذه المعارف، ومن ذلك ما حدث للشيخ أبي سعيد الخراز (ت277) قال: دخلت المسجد الحرام، فرأيت فقيرًا عليه خرقتان، فقلت في نفسي: هذا وأشباهه كَلٌّ على الناس. فناداني وقال: والله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه. فاستغفرت في سرّي، فناداني وقال: وهو الذي يتقبل التوبة عن عباده. ثم غاب عني[134].

وما ذكرناه عن الإلهام أثبته علم النفس الحديث، وأطلق عليه اسم قراءة الأفكار أو التخاطر [135]Télépathie والذي يعني إمكانَ معرفةِ ما يدور في أذهان الآخرين[136]. وهو ما يدخل في ميدان علم النفس الميتافزيقي أو البارابسيكلوجيا[137]، هذا العلم الذي أصبح له وزنه في علم النفس المعاصر بعد أن أُغفل حينًا من الزمن، بسبب التيارات المادية التي اكتسحت علم النفس الحديث.

ولا يفوتنا أن نذكر أن الفيلسوف فيتجنشتاين (Wittgenstein)[138] (1889م - 1951م)، وهو أحد أقطاب الوضعية المنطقية، يشيد بالمعرفة الصوفية مؤكدا أن «حلّ لغز الحياة في المكان والزمان إنما يوجد خارج الزمان والمكان وهذه ليست مشكلات مما يجب حلها في العلم الطبيعي»، ثم يضيف مشيدًا بالمعرفة الصوفية قائلًا: «إن الشعور بالعالم ككل محدد، هو الشعور الصوفي»[139].

لكن الناس في الإيمان بهذه المعرفة أصناف: فمنهم من ذاقها. ومنهم من علمها بالبرهان. ومنهم من قبلها محسنًا الظن بأهلها. ومنهم من أنكرها جملة وتفصيلًا -كما هو حال الجابري- بل زاد على الإنكار أن راح يتهكم بأهلها.

وقد عبّر الغزالي عن هذه الأصناف وتفاوتهم في الإيمان بمكشافات الصوفية فقال: «والتحقيق بالبرهان علم، وملابسة عين تلك الحال ذوق، والقبول من التسامع والتجربة بحسن الظن إيمان، فهذه ثلاث درجات… ووراء هؤلاء قوم جهال هم المنكرون لأصل ذلك المتعجبون من هذا الكلام، يستمعون ويسخرون ويقولون: العجب أنهم كيف يهذون»[140].

فالمعرفة الذوقية إذن ممكنة وإن كانت نادرة ونخبوية، وهي موجودة حيثما وجد التصوف، وحيثما وجدت روحانياته. غير أن الذين أُوصدت نفوسهم في وجه التجربة الروحية لا يستطيعون أن يشعروا منها بشيء البتّة، وبالتالي ينكرونها، ولا يرون فيها إلَّا تدجيلًا وجنونًا وشعوذة وهذيانًا.

وقد أصاب ابن سينا موضع الحقّ حين قال: «ما يشمل عليه هذا الفنّ (التصوف) ضِحكة المغفّل، وعبرة المحصّل، فمن سمعه فاشمأز عنه، فليتهم نفسه لعلها لا تناسبه، وكلٌّ ميسّر لما خلق له»[141].

خاتمة

نصل في نهاية دراستنا هذه إلى ما توخينا أن نحققه، قراءة في مواقف الجابري من التصوف الإسلامي، حيث تعاملنا مع نصوصه ما يتعلق بالتراث الصوفي بروح نقدية –أو هكذا نعتقد- وباشرناها من غير وسائط، وأعدنا تفكيكها، محاولين معرفة جذورها واستكناه مقاصدها.

ومختصر القصة كلِّها أن المرحوم محمد عابد الجابري، قد انطلق في دراسته للتصوف انطلاقة الناقد الحاقد، فجهز لتهديمه وإقصائه، حربًا لا موضوعية فيها، وبذل في تشويه صورته في أعين المثقفين، حملة لا عدالة معها، فلم يُبْق له حسنةً تُشكر، ولا مزيةً تُذكر.

ونحن وإن تتبعنا مواقفه في هذه الدراسة بالتحليل والنقد، على قدر باعنا، لا نزعم لأنفسنا أننا نلنا منه أو حتى اقتربنا من تخوم مقامه –وأنّى لنا ذلك- فقد كان (رحمه الله) رقمًا صعبًا، وقامة شامخة، في الحياة الفكرية العربية المعاصرة، ويكفيه عظمة أنه خلخل القناعات السائدة، واستفزّ العقل العربي بكل أطيافه واتجاهاته، وأثار بكتاباته زوابع من الجدل وعواصف من النقاش، لم تهدأ حتى بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، ولا نظن أنها ستهدأ.

وإذا كان (رحمه الله) قد طرد التصوف -والعرفان عامة- من مشروعه الكبير، وأقاله تحت طائلة التهرمس والمروق عن الشريعة الإسلامية، فإن التصوف لم يستقلْ إطلاقًا من مجتمعاتنا الإسلامية، بل ما يزال حيًّا في قلوب من فقهوا معارفه، وذاقوا أسراره، وتاقوا إلى استنارته في عصر ادلهمّت فيه الظلمات وطغت فيه الماديات.

وحسب المفكر محمد عابد الجابري (رحمه الله) في كل ما كتب عن التصوف أنه اجتهد والمجتهد مأجور في كل الأحوال.

 



[1] محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط7، 2004م، ص 556.

[2] المرجع نفسه، الصفحات 202، 557، 558. وكذا: تكوين العقل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، ط8، 2002م، ص 14 ( بتصرف).

[3] محمد عابد الجابري، العقل الأخلاقي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط2، 2006م، ص 430.

[4] أفامية: مدينة أثرية سورية تقع على مسافة 60 كم شمال محافظة حماة. تحتوي على آثار تاريخية ترقى للعصور الهلنستية والرومانية والبيزنطية والإسلامية. أما حران: فهي مدينة قديمة في بلاد ما بين النهرين تقع حاليًّا جنوب شرق تركيا عند منبع نهر البليخ أحد روافد نهر الفرات. كانت تابعة لسورية حسب معاهدة سيفر التي أنهت الحرب العالمية الأولى، ولكن معاهدة لوزان عام 1923 وضعت المدينة مع بقية الأقاليم السورية الشمالية ضمن الحدود التركية.

[5] الجابري، تكوين العقل العربي،.ص194.

[6] الجابري، بنية العقل العربي، ص 207.وكذا: تكوين العقل العربي، ص211.

[7] المرجع نفسه، ص 207.

[8] المرجع نفسه، ص 287.

[9] التقية: هي الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد وغيره، للغير.

[10] الجابري، بنية العقل العربي، ص 372.

[11] الجابري، العقل الأخلاقي، ص 440.

[12] الجابري، بنية العقل العربي، ص 207.

[13] ثوبان بن إبراهيم، كنيته «أبو الفيض» ولقبه «ذو النون» أحد أعلام التصوف في القرن الثالث الهجري. ومن المحدثين الفقهاء. ولد في أخميم في مصر سنة 179هـ وتوفي سنة 245 هـ. روى الحديث عن مالك بن أنس والليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة. درس على علماء عديدين وسافر إلى سورية والحجاز. اتهمه معاصروه بالزندقة وحاولوا الإيقاع بينه وبين الخليفة المتوكل متّهمين إيّاه بأنه «أحدث علمًا لم تتكلم به الصحابة»، فاستجلبه المتوكل إليه في بغداد فلما دخل عليه، وعظه فبكى، ورده إلى مصر مكرمًا». انظر، السلمي أبو عبد الرحمن طبقات الصوفية، دار الكتب العلمية، ط2003، ص27.

[14] أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي، (؟؟ - 200هـ) أحد علماء أهل السنة والجماعة ومن أعلام التصوف السنّي في القرن الثاني الهجري في بغداد، ومن جملة المشايخ المشهورين بالزهد والورع والتقوى، صحب داود الطائي، وسكن بغداد. كان أبواه نصرانيين، فأسلماه إلى مؤدب وهو صبي. وكان المؤدب يقول له قل: «ثالث ثلاثة»، فيقول معروف: «بل هو الواحد الصمد». فيضربه على ذلك ضربًا مفرطًا، فهرب منه. فكان أبواه يقولان: «ليته يرجع إلينا، على أي دين كان، فنوافقه إليه». فرجع إليهما ذات يوم، فدق لباب، فقيل: من؟، قال: «معروف» فقالا: «على أي دين؟»، قال: «دين الإسلام»؛ فأسلم أبواه». انظر، السلمي أبو عبد الرحمن طبقات الصوفية، ص80-85.

[15] الجابري، تكوين العقل العربي، ص 201.

[16] الجابري، العقل الأخلاقي، ص 431، 432.

[17] المرجع نفسه، ص 436، 437.

[18] المرجع نفسه، ص 438.

[19] الجابري، تكوين العقل العربي، ص214. وكذا: بنية العقل العربي، ص 214.

[20] ابن خلدون عبد الرحمن، المقدمة، مكتبة المدرسة، بيروت، ط3، 1967م، المجلد الأول، ص863.

[21] الجابري، بنية العقل العربي، ص 207.

[22] المرجع نفسه، ص 373. وكذا: العقل الأخلاقي، ص 464.

[23] سورة الرحمن، الآية 45.

[24] سورة إبراهيم، الآية 14.

[25] سورة الصافات، الآية 164.

[26] السرّاج أبو نصر عبد الله بن علي، اللمع، ضبط مصطفى الهنداوي، دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 2001، ص 40.

[27] الجابري، العقل الأخلاقي، ص 438.

[28] سورة المائدة، الآية 54.

[29] سورة آل عمران، الآية 31.

[30] سورة آل عمران، الآية 36.

[31] البخاري أبو عبد الله بن إسماعيل، صحيح البخاري، ترقيم وترتيب فؤاد عبد الباقي، دار الرشيد، الجزائر، ط1، 2010م، حديث رقم 5602، ص780.

[32] العسقلاني أحمد بن علي بن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار الريان للتراث، 1407هـ/ 1986م، ج18/342.

[33] البخاري، صحيح البخاري، حديث رقم 6040،ص731.

[34] الجابري، العقل الأخلاقي، ص 429.

[35] ابن عربي، الفتوحات المكية، تحقيق: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان ط1، 1999، المجلد4، الباب220، ص215.

[36] الكلاباذي أبو بكر محمد بن إسحاق، التعرف لمذهب أهل التصوف، ضبط وتصحيح: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، 2001 ص145.

[37] ابن عربي محيي الدين، الفتوحات المكية، المجلد4، الباب، 220، ص215.

[38] الغزالي أبو حامد، إحياء علوم الدين، دار المعرفة، بيروت، ب ت. كتاب التوحيد والتوكل، ج4، ص247.

[39] المرجع نفسه.

[40] المرجع نفسه.

[41] محمد عابد الجابري، التراث والحداثة، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1، 1991م، ص334، 335.

[42] الجابري، العقل الأخلاقي، ص 429، 476.

[43] المرجع نفسه، ص 468.

[44] الجابري، بنية العقل العربي، ص 374.

[45] الجابري، تكوين العقل العربي، ص 200.

[46] البخاري، أبو عبد الله بن إسماعيل، صحيح البخاري، حديث رقم 6227، ص751.

[47] مسلم، أبو الحسين بن الحجاج، صحيح مسلم، ترقيم وترتيب فؤاد عبد الباقي، الجزائر: دار الرشيد، ط4، 2010م، حديث رقم 6212، ص736.

[48] أبو طالب المكي، قوت القلوب في معاملة المحبوب، بيروت: دار صادر المصوّرة، ب. ت، ص 168. ويقول ابن تيمية: «هذه الأحاديث هالتنا أو لم تهلنا، بلغتْنا أو لم تبلغنا، اعتقدنا بها، وفي الآية الواردة في الصفات: إنا نقبلها ولا نحرفها ولا نكيفها، ولا نُعطّلها ولا نتأوَّلها وعلى العقول لا نحملها وبصفات الخلق لا نشبهها، ولا نعمل رأينا وفكرنا فيها، ولا نزيد عليها ولا ننقص منها، بل نؤمن بها ونكل علمها إلى عالمها، كما فعل ذلك السلف الصالح، وهم القدوة لنا في كل علم». ابن تيمية، نقض المنطق، تحقيق: محمد بن عبد الرزاق حمزة وسليمان بن عبد الرحمن الصنيع، مكتبة السنة المحمدية، القاهرة، ب. ت، ص 150، 151.

[49] التَّضمينُ عند علماء العربية على معانٍ: منها إِيقاعُ لفظٍ موقعَ غيْرِه ومعاملتُه معاملتَه، لِتَضَمُّنِهِ معناهُ واشتمالِهِ عليه.والتَّضمينُ (في البديع): أَن يأْخذَ الشاعرُ أَو الناثر آيةً أَو حديثًا أَو حكمةً أَو مثلًا، أَو شطرًا أَو بيتًا من شعْرِ غيره بلفظِهِ ومعناهُ.

[50] الجابري، بنية العقل العربي، ص 213.

[51] المرجع نفسه، ص 272، بتصرف.

[52] المرجع نفسه، ص 372.

[53] انظر: محمد عابد الجابري، فهم القرآن الحكيم، القسم الثاني، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2008.

[54] أجنتس جولد تسيهر، مذاهب التفسير الإسلامي، ترجمة: الدكتور عبد الحليم النجار، مصر: مكتبة الخانجي، 1955، ص261.

[55] سورة طه، الآية 11 - 12.

[56] عبد الرحمن بدوي، شطحات الصوفية، الكويت: وكالة المطبوعات، 1976، ص 195.

[57] أبو حامد الغزالي، مشكاة الأنوار، تحقيق: د. أبو العلا عفيفي، القاهرة: الدار القومية، 1964، ص 70.

[58] عبد الرحمن بدوي، شطحات الصوفية، ص194.

[59] انظر: أمبرتو إيكو، التأويل بين السميائيات والتفكيكية، ترجمة وتقديم: الدكتور سعيد بنكراد، المركز الثقافي العربي، ط1، 2000، ص 148.

[60] محمد عابد الجابري، التراث والحداثة، بيروت: المركز الثقافي العربي، ط1، 1991م، ص306.

[61] جورج طرابيشي، نقد نقد العربي.. العقل المستقيل في الإسلام؟ بيروت، لبنان: دار الساقي، ط1، 2004، ص166 بتصرف.

[62] ذكر الجابري أن فستوجير قام بتحقيق النصوص الهرمسية وترجمها إلى الفرنسية في أربعة مجلدات ثم أردفها بدراسة عامة للفكر الهرمسي في أربعة مجلدات أخرى. الأول ظهر سنة 1944، والثاني 1949، والثالث 1952، الرابع سنة 1953. انظر: الجابري، تكوين العقل العربي، ص166.

[63] جورج طرابيشي، نقد نقد العربي.. العقل المستقيل في الإسلام، ص76.

[64] المرجع نفسه، ص 76، 77، بتصرف.

[65] إدوارد سعيد، الاستشراق، نقله إلى العربية: كمال أبو ديب، بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، ط 1، 1981، ص 391، بتصرف.

[66] الجابري، تكوين العقل العربي، ص 52.

[67] الجابري، بنية العقل العربي، ص 558، 564.

[68] جورج طرابيشي، نقد نقد العربي.. العقل المستقيل في الإسلام، ص12.

[69] انظر الحوار الذي جرى بين المفكريْن فهمي جدعان، والجابري، في الفصل الثالث عشر من كتاب الجابري، التراث والحداثة، ص426.

[70] جورج طرابيشي، نقد نقد العربي.. العقل المستقيل في الإسلام، ص52.

[71] لاحظ كيف تدنى الجابري إلى هذا المستوى حتى اتهم الناس بالكفر والشرك!!

[72] لم يقض على التصوف، بل بالعكس إننا نشاهد إقبالًا كبيرًا عليه من طرف النخب المثقفة في العالم العربي والغربي على السواء.

[73] الجابري، التراث والحداثة، ص334.

[74] الجابري، العقل الأخلاقي، ص484.

[75] الجابري، بنية العقل العربي، ص 278.

[76] عبد الكريم بن هوازن القشيري، الرسالة القشيرية، مكتبة محمد علي صبيح وأولاده، ميدان الأزهر، القاهرة، ص19.

[77] المرجع نفسه.

[78] المرجع نفسه.

[79] عبد القادر الجيلاني، فتوح الغيب، الكتاب الثاني ضمن مجموعة تضم سر الأسرار، فتوح الغيب، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 2005، ص138.

[80] أحمد الرفاعي، النظام الخاص لأهل الاختصاص، تحقيق: عبد الغني نكه مي، حلب، سورية: دار الكتاب النفيس، ط2، 1414هـ، ص61.

[81] الجابري، العقل الأخلاقي، ص 484، 485.

[82] عبد الرزاق القاشاني، شرح فصوص الحكم، مصر: مطبعة البابي الحلبي، ب. ت، ص197.

[83] المرجع نفسه، ص 191.

[84] محيي الدين بن عربي، رسالة التراجم، ضمن رسائل ابن عربي جزآن، الهند - حيدر آباد الدكن: دائرة المعارف العثمانية، ط 1، 1367، 1948م، ص 46.

[85] محيي الدين بن عربي، كتاب المسائل، ضمن الرسائل، ص 32.

[86] أبو عبد الله محمد بن قيم الجوزية، مدارج السالكين، بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، تحقيق: محمد المعتصم بالله البغدادي، بيروت، لبنان: دار الكتاب العربي، ط5، 1998م، ج 1، ص 181.

[87] الجابري، العقل الأخلاقي، ص 482.

[88] أحمد بن مصطفى العلاوي، المواد الغيثية الناشئة عن الحكم الغوثية، مستغانم، الجزائر: المطبعة العلاوية، ط2، 1989م، ج1، ص64.

[89] المرجع نفسه،ج2، ص73.

[90] محمد بن الحبيب الأمغاري، ديوان بغية المريدين السائرين وتحفة السالكين العارفين، تحقيق: قويدري الأخضر، وبديار بشير، الأغواط، الجزائر: مطبعة ابن سالم، 2012م، ص55.

[91] الجابري، العقل الأخلاقي، ص 467.

[92] الجابري، العقل الأخلاقي، ص 488.

[93] المرجع نفسه، ص 471،472.

[94] المرجع نفسه، ص 471،472.

[95] أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، 4 أجزاء، بيروت: دار المعرفة، ب؟ ت. ج4، كتاب التوحيد والتوكل، ص243.

[96] أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، المسند تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون، إشراف: عبد الله بن عبدالمحسن التركي، مؤسسة الرسالة، ط1، 2001 م، ص659.

[97] الجابري، العقل الأخلاقي، ص 480.

[98] اأبو حامد لغزالي، إحياء علوم الدين، ج4، كتاب المحبة والشوق والأنس والرضا، ص351.

[99] الجابري، العقل الأخلاقي، ص 488.

[100] المرجع نفسه، ص 460.

[101] المرجع نفسه،ص 432.

[102] المرجع نفسه، ص 434.

[103] الجابري، بنية العقل العربي، ص 255.

[104] المرجع نفسه، ص 255.

[105] محمد بن الحبيب الأمغاري، ديوان بغية المريدين السائرين، ص216.

[106] الجابري، العقل الأخلاقي، ص 436.

[107] الرندي ابن عباد، غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية، تحقيق: عبد الحليم محمود، ومحمود بن الشريف، القاهرة: مطبعة السعادة، ط1، 1970، ج1، ص76.

[108] أحمد الرفاعي، البرهان المؤيد، تحقيق: إبراهيم الرفاعي، القاهرة: دار آل الرفاعي، 1998م، ص10، 11.

[109] الجابري، بنية العقل العربي، ص 375.

[110] المرجع نفسه، ص 539.

[111] أبو نصر عبد الله بن علي السرّاج، اللمع، تحقيق: كامل مصطفى الهنداوي، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 2001م، ص19.

[112] الجابري، بنية العقل العربي، الصفحات، 259، 378، 379.

[113] الجابري، العقل الأخلاقي، ص 488.

[114] انظر: أنور الجندي، العالم الإسلامي والاستعمار السياسي والاجتماعي والثقافي، بيروت، 1983م، ص 304.

[115] أسعد الخطيب، البطولة والفداء عند الصوفية، دمشق، سوريا: دار التقوى، ط5، 2008م، ص 177.

[116] جيلالي صاري، الدور التاريخي للطرق الصوفية ببلدان المغرب العربي، ضمن ملتقى الفكر الإسلامي الواحد والعشرون، معسكر، الجزائر، 1978م.

[117] سعاد الحكيم، تاج العارفين، الجنيد البغدادي (الأعمال الكاملة) القاهرة: دار الشروق، ط3، 2007م، ص296.

[118] المرجع نفسه، ص300.

[119] الجابري، العقل الأخلاقي، ص 456.

[120] المرجع نفسه، ص 483.

[121] نحيل القارئ الكريم إلى كتابنا: الفكر التربوي الصوفي، دمشق، سوريا: دار نينوى، ط1، 2010م.

[122] أحمد الرفاعي، البرهان المؤيد، ص 35، 36.

[123] الجابري، نحن والتراث ص 131، وكذا ص 282، 283.

[124] الجابري، تكوين العقل العربي، ص 195.

[125] المرجع نفسه، ص 197.

[126] الجابري، بنية العقل العربي، ص 378.

[127] سورة الكهف، الآية 64.

[128] أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، ج3، ص23.

[129] أبو طالب المكي، قوت القلوب، تحقيق: عاصم إبراهيم الكيالي، بيروت: دار الكتب العلمية، ط2، 2005م، ج1، ص85.

[130] الغزالي، إحياء علوم الدين، ج3، ص 23، 24.

[131] شهاب الدين بن حجر العسقلاني، فتح الباري في شرح صحيح البخاري، بيروت، لبنان: دار المعرفة للطباعة والنشر، ط2، ب. ت، ج7، ص40، 41.

[132] الغزالي، إحياء علوم الدين، ج3، ص25.

[133] المرجع نفسه.

[134] المرجع نفسه.

[135] وهو مصطلح ابتكره (أف. ديبلو أج.مايزر) انظر: عبد الستار عز الدين الراوي، التصوف والبارابسيكلوجي، عمان: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط 1994، ص80.

[136] ناجي حسين جودة، المعرفة الصوفية، بيروت: دار الجيل، ط1، 1992، ص166.

[137] عبد الستار عز الدين الراوي، التصوف والبارابسيكولوجي، ص59.

[138] فيتجنشتاين لودفيج: فيلسوف ومنطقي نمساوي، درس المنطق على يد برتراند راسل، من أهم آثاره «الرسالة المنطقية الفلسفية»، انظرترجمته في: عبد الرحمن بدوي، موسوعة الفلسفة، ج2، ص ص119، 121.

[139] فيتجنشتاين لودفيج، رسالة منطقية فلسفية، ترجمة: عزمي إسلام، القاهرة: مكتبة الأنجلو مصرية، 1968م، ص161، 162.

[140] الغزالي، المنقذ من الضلال، تحقيق: عبد الكريم المرّاق، الدار التونسية للنشر، 1984م، ص89، 90.

[141] ابن سينا أبو علي الحسين بن عبد الله، الإشارات والتنبيهات، شرح نصير الدين الطوسي، تحقيق: سليمان دنيا، القاهرة: دار المعارف، 1958م، ج 4، ص 110.

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة