شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
المؤتمر الدولي الثاني للفقه والقانون
العلاقة بين الأخلاق والقانون
نظرة فقهية وحقوقية
محمد تهامي دكير
«إنّ الأخلاق لا يُمكن أن تؤمّن احتياجات المجتمع المُعقدة والناتجة عن التطوّر الاجتماعي، إلَّا في إطار القانون..».
الدكتور أحمد مبلغي
للتعرف إلى طبيعة العلاقة بين الأخلاق، الفقه والقانون، عن طريق المقارنة للأصول والمبادئ، ولتسليط الضوء على الإشكاليات التي تواجهها عملية تقنين الأخلاق في إطار المنهجية الفقهية ومحاولة دراستها بشكل علمي..
ولأجل إيجاد المناخ المناسب للارتقاء بظاهرة احترام القانون، وبيان ما تتركه عملية تقنين الأخلاق واحترام القانون من آثار إيجابية على أخلاق المجتمع، وكذلك المقارنة بين رؤية الإسلام وسائر الأنظمة في مجال الاستفادة من الأخلاق في عملية التقنين.
لأجل ذلك نظم مركز الدراسات الاسلامية التابع لمجلس الشورى الإسلامي بجمهورية إيران الإسلامية، مؤتمره الثاني للفقه والقانون، تحت عنوان: «العلاقة بين الأخلاق والقانون: نظرة فقهية وحقوقية» وذلك في مدينة قُم بين 9 - 10 شعبان سنة 1436هـ الموافق لـ 28- 29 أيار (ماي) سنة 2015 م.
شارك في المؤتمر عدد كبير من الفقهاء والعلماء والأكاديميين والأساتذة المتخصصين في القانون والفقه، من الجمهورية الإسلامية الإيرانية والعالمين العربي والإسلامي.
وقد افتتح المؤتمر أعماله بكلمة لرئيس المركز والمشرف العام على المؤتمر سماحة الشيخ الدكتور أحمد مبلغي، أكد فيها على أهمية موضوع المؤتمر وثراء الدين الاسلامي بالتعاليم الأخلاقية، ومشددًا على ضرورة استغلال هذا المنبع الغزير في شتى المجالات وفي مجال التقنين على وجه الخصوص. كما أعرب عن أمله بأن يُشكّل المؤتمر الدولي الثاني للفقه والقانون، منطلقًا لإرساء الحركة النهضوية لتقنين الأخلاق وأخلاق القانون.
كما تحدّث في هذه الجلسة كل من الدكتور صديق يوسف أبو عقلة (ممثل اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة الدول الإسلامية)، والدكتور حسين قيابنار (ممثل مؤسسة الديانة في تركيا)، والدكتور محمد المنذر بن رضا الشوك (ممثل مجمع الفقه الإسلامي بجدة).
انطلقت أعمال المؤتمر -وعلى مدى يومين- ومن خلال أربع جلسات تخصصية، لمناقشة ثلاثة محاور رئيسة هي:
1- العلاقة أو النسبة بين الأخلاق والقانون.
2- تقنين الأخلاق أو تبديل الأخلاق إلى قانون.
3- أخلاق القانون: ماهيتها ومصاديقها.
فيما يلي قراءة وعرض لعدد من الأوراق والبحوث المقدمة في هذا المؤتمر.
المحور الأول: النسبة بين الفقه والأخلاق والقانون
«العلاقة بين القضايا الأخلاقية والقانون في الحكومة الإسلامية» هو عنوان الدراسة التي قدّمها الدكتور محمد جواد أرسطا (أستاذ في جامعة طهران)، في البداية أكد الباحث أن النظام القانوني في الإسلام يرتكز على القيم الأخلاقية وأن هناك ارتباطًا وثيقًا بين القضايا القانونية والقضايا الأخلاقية في الإسلام، ولهذا فإن التفريق بين هذين النوعين من القضايا يعد من الأمور الصعبة. ويبدو أن أهم فرق بينهما طبقًا للرؤية السائدة هو عدم إلزامية القضايا الأخلاقية وإلزامية القضايا القانونية، وهذا يعني أن القضايا الشرعية التي تبيّن الاستحباب أو الكراهة في الحكم الشرعي تُعدّ من قسم القضايا الأخلاقية.
من هنا يرى الباحث أنه بالرجوع إلى المصادر الفقهية يتبيّن أن هذا الكلام غير مقبول على إطلاقه؛ لأنه على القاعدة –كما يقول الباحث– فإن ترك أي مستحب أو ارتكاب أي مكروه يعدّ جائزًا، أما بخصوص القضايا الأخلاقية الاجتماعية كالمساواة والتعاون على البر والتقوى والأخلاق الحسنة ودفع الصدقات والإحسان إلى الجار... إلخ، فإن ترك مثل هذه الأمور من قبل جميع المسلمين يؤدّي إلى تغيير طبيعة المجتمع، ما يؤدي إلى تغيير طبيعة المجتمع، والذي لا يمكن اعتباره بأي حال مجتمعًا إسلاميًّا يرضى عنه الشارع المُقدس.
وفي الأخير رأى الباحث أن بالإمكان استنباط نوع من التكاليف الاجتماعية من القضايا الأخلاقية الاجتماعية، والتي يمكن تصنيفها ضمن دوائر الأمور الحسبية، ولذلك دعا الحكومة الإسلامية إلى مراعاة تلك القضايا عند وضع القوانين.
أما الباحث غلام رضا رسولي زاده (أستاذ جامعي والمدير العام للمعاونية التنفيذية لمجلس الشورى الإسلامي) فقد تحدث عن «التأثير بين الفقه والأخلاق»، حيث تحدّث في البداية عن أهمية الدين والأخلاق باعتبارهما الجناحين اللذين يصل بهما الإنسان إلى نيل الكمال. ثم شرع في دراسة دور الفقه في عملية تشكيل الأخلاق والتأثير المتبادل بين الأخلاق والفقه، كما عرَّف الدين والفقه والأخلاق والعلاقة بينهما، ومنهج وغاية الفقه والأخلاق، والمقارنة بين القضايا الفقهية والأخلاقية من ناحية الماهية والإخبار والإنشاء، ومنشأ الإلزام أو عدم الإلزام. وفي الأخير قدّم الباحث نظرة عن الأمور المتشابهة والمختلفة فيها بين الفقه والأخلاق، مع ذكر نماذج من الأمثلة في القانون وما توصل إليه من نتائج.
تحدّث في هذا المحور كذلك الدكتور فراس عبد المنعم عبد الله (عميد كلية القانون بالجامعة المستنصرية في العراق) عن «النص القانوني بين الشرعية والمشروعية: دراسة في العلاقة بين أدوات الضبط الاجتماعي (الأخلاق نموذجًا)»، وقد تناول في بحثه ومن خلال مقاربة سوسيولوجية - قانونية، إشكالية فاعلية النص القانوني من خلال دراسة مصادر هذا النص المتمثلة بأدوات الضبط الاجتماعي الأخرى عمومًا والأخلاق على وجه الخصوص. كما اهتم بدراسة العوامل المؤثرة في درجة التقارب بين القانون والأخلاق، والمدى الذي يمكن أن يتّسم القانون فيه بالطابع الأخلاقي، وآليات تحقيق هذا التقارب وزيادته في مجالات التشريع والقضاء والفقه.
أما الدكتور الشيخ خالد الغفوري فقد تحدث عن «آفاق التعاطي بين الفقه والأخلاق والقانون»، في بحثه تساءل الكاتب: هل توجد نقاط اشتراك أو تفاوت بين الفقه، الأخلاق والقانون. وما هي هذه النقاط؟ وما هو أثر تحديد ذلك على التعامل والتعاطي بين هذه المقولات؟ ومن خلال الأجوبة استعرض الباحث أهم الأهداف والفوائد مثل:
- تأكيد المسؤولية الأخلاقية للمقنن، وإخراجها من الحالة الوعظية إلى مرحلة التجسيد.
- محاولة دفع المقولات الأخلاقية باتجاه المساحات الاجتماعية الواسعة والسلوك الاجتماعي العام وعدم تقوقعها في الدائرة الفردية الضيقة.
- السعي لكشف جانب من معالم تفوّق الفقه على الصعيد استثمار القضايا الخُلقية.
أما أهم ما توصّل إليه الباحث فهو تأكيده على إمكانية إعطاء دور مؤثر للأخلاق في عملية التقنين، وضرورة إفادة المقنن من التجربة الفقهية في عملية المزاوجة بين الأحكام والفقه، مع التحذير من خطورة الفصل وعدم التعاطي بين الأخلاق والقانون.
من الدراسات التي شاركت في هذا المحور كذلك دراسة للدكتور محمد كمال الدين إمام (أستاذ الشريعة الاسلامية في كلية الحقوق بجامعة الاسكندرية) تحت عنوان: «الأخلاق والقانون: المفاهيم الأساسية»، وفيها تحدث عن محورين: المفاهيم والأسئلة، حيث تحدث في محور المفاهيم عن الأخلاق والقانون من زاويتين: القانون والأخلاق بصفة عامة، والقانون الإسلامي والأخلاق.
بالنسبة للعلاقة بين القانون والأخلاق يأتي التساؤل: ما هو المعيار الذي نفرّق به بين القانون والأخلاق؟ في نظر الباحث أهم ضابط في التفرقة بين القانون والأخلاق هو أن القاعدة القانونية دائمًا لها جزاء مادي، أي توفرها على عنصر الإجبار والإلزام، بينما لا نجد جزاء على خرق القاعدة الأخلاقية، سوى استنكار المجتمع أو تأنيب الضمير.
مثل هذا المعيار في نظر أساتذة القانون لا يكفي وحده، بل هناك ما يمكن أن نسميه النظرة الوظيفية للنظام القانوني الأخلاقي الذي يحمي القواعد المثالية للمجتمع التي يرتبط بها كمال المجتمع الإنساني، بينما تهتم القاعدة القانونية في الدرجة الأولى بغاية واقعية، وبالتالي فالنظام الأخلاقي جزء من القوى الخالقة للقانون، لكن دائرة القانون دائمًا أضيق من دائرة الأخلاق، ودائرة الأخلاق أوسع من دائرة القانون.
وفي الأخير أكد الباحث أنه إذا كان من الممكن في القانون الوضعي الفصل بين دائرتي القانون والأخلاق، فإنه في المجال الإسلامي لا يمكن إطلاقًا جعل الأخلاق بغير قانون، وجعل القانون بغير أخلاق. وعليه فعملية تحييد النص القانوني بحيث يكون نصًّا مجرّدًا بعيدًا عن مصدره الأخلاقي وبعيدًا عن غايته الأخلاقية، أمر لا يعرفه النظام التشريعي الإسلامي.
كذلك تحدّث في هذا المحور كل من د. محمد طي (أستاذ القانون بالجامعة اللبنانية) عن: «الأخلاق والقانون: اتفاق واختلاف»، ود. محسن جوادي (رئيس قسم فلسفة الأخلاق في جامعة قم بإيران) عن «مبادئ الخير وأدلتها الأخلاقية والقانونية».
المحور الثاني: تقنين الأخلاق
في هذا المحور قُدّمت مجموعة من الدراسات والبحوث، من بينها دراسة الدكتور سيد أحمد حبيب نجاد (أستاذ مساعد في كلية الفارابي القانونية بجامعة طهران) عن «الوجدان الاجتماعي: القوة التي تصنع القانون الأخلاقي»، وفيها تحدّث الباحث في البداية عن أهمية النظام العام في عملية صياغة القانون، وعلاقته بالأخلاق الحسنة.. مؤكدًا الحاجة إلى مفهوم جديد يمكن أن يكون جامعًا للمصاديق المشتركة بين النظام العام والأخلاق الحسنة، وفي الوقت نفسه لديه القدرة على التعرف إلى مصاديق النظام العام التي لا تدخل في نطاق الأخلاق.
وقد خلُص الباحث إلى أنه ومن خلال فهم وتعريف النظام العام باعتباره ظاهرة ذاتية وليس منظمة من الخارج، فإنه يمكن اعتبار الوجدان الاجتماعي بمثابة المرجع لمعرفة النظام العام، والدولة هي المرجع له في مجال التطبيق.
الدكتور ناصر قربان نيا (رئيس كلية الحقوق بجامعة المفيد – إيران) تحدث عن «أسس وحدود ومجالات أصالة تقنين الأخلاق»، في البداية أكد الباحث أن النسبة المنطقية بين الأخلاق والحقوق هي نسبة الخصوص والعموم من وجه، ولكن من حيث الهدف والضمانات الإجرائية يختلف أحدهما عن الآخر؛ لذلك فاعتماد القواعد الأخلاقية إلى جانب القواعد القانونية واعتبارها ضرورة اجتماعية ليس محلًّا للنزاع.
أما بخصوص مجال تأثير الأخلاق في القانون فقد استعرض الباحث آراء عدد من علماء القانون والاجتماع مثل هانس كولسون النمساوي الذي يرفض الطعن في القواعد القانونية، بدليل أن مفادها لا ينسجم بشكل من الأشكال مع قاعدة أخلاقية قبلية مفروضة. لكن جورج ربير الفرنسي فإنه يرى أن الأخلاق حاكمة على القانون وتعد المعيار والميزان لتقويمه، بل تُحيط بالقانون من كل جانب، وأنها ستنفذ في القانون عندما تنتصر القوى الداعمة للأخلاق.
وفي الأخير أكد الباحث أن تنمية وتطوير ونفوذ القانون في مختلف الجوانب مرهون بالأصول الأخلاقية، وأن قسمًا من هذه الأصول الأخلاقية الموضوعية والأساسية تُعد من الأصول الأساسية والمحورية التي تعتبر ضرورية لكل نظام اجتماعي. أما إذا لم يستند وضع القانون في جميع المجالات إلى أسس القيم الأخلاقية، فسنكون أمام آثار سلبية لا محالة خصوصًا في مجال البحث العلمي وبعض تطبيقاته في مجال الطب مثلًا.
الدكتور محمد المنذر الشوك (أستاذ قانون جنائي وممثل مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة للمشاركة في المؤتمر) قدم ورقة بعنوان: «تقنين الأخلاق، مفهومه ومجالاته» في البداية أكد الباحث أن الأخلاق تتَّفق مع القواعد القانونية، لأن كليهما يمثل قواعد سلوك اجتماعية، كما تتَّضح العلاقة التفاعلية بين القانون والأخلاق في كون الأخلاق تشكل مصدرًا المثل الفردية والجماعية التي يستهدفها القانون، وبالتالي –يقول الباحث- فإن بعض المبادئ القانونية تعدّ في جوهرها قواعد أخلاقية اقترنت بالصبغة القانونية. أما الفرق بينهما فيكمن في مدى التزام الفرد بالامتثال للقاعدة سواء الأخلاقية أو القانونية.
أما بخصوص تقنين الأخلاق فقد أشار الباحث إلى إشكالية تقنين الشريعة لدى الفقهاء، مؤكدًا أن الفقه الإسلامي يسير مع قانون الأخلاق في طريق واحدة لا يفترقان، وهذا ما يجعل أثر الأخلاق واضحًا في التشريع الإسلامي، مع وجود علاقة تفاعلية متينة بين القاعدة الأخلاقية والقاعدة القانونية من خلال التشريعات الثلاث التالية: نظام الفضالة، والوعد بجائزة، ونظرية الإثراء بلا سبب، كما استندت نظرية الإلزام إلى مجموعة من القيم الأخلاقية، ونظرية التعسُّف في استعمال الحق، وكذلك مبدأ عدم جواز الاتفاق على ما يخالف الآداب والنظام العام.
وفي الأخير أكد الباحث أن الأخلاق تُضفي على القانون صفة الشرعية فيما يضفي القانون أو التقنين على الأخلاق الصبغة الإلزامية، وبالتالي فتقنين الأخلاق يُعطي المواطن الثقة بأخلاقية القانون، وهو ما سوف يخلق لديه التزامًا شخصيًّا باحترام القانون بقطع النظر عن الجانب الإلزامي فيه.
«ازدراء الأديان والإساءة إلى المقدسات الدينية: التجريم وإمكانية المقاضاة في القانون الدولي والفقه الإسلامي» عنوان الدراسة التي قدَّمها الأستاذ محمد تهامي دكير (مدير تحرير مجلة الفقه المقارن – لبنان)، وفيها حاول الباحث تقديم رؤية قانونية وفقهية من خلالها، أولًا: كشف عن إمكانية تجريم فعل ازدراء الدين الإسلامي أو الإساءة إلى رموزه المقدسة، وثانيًا: مقاضاة المسيء عبر المحاكم الدولية والمحلية، كل ذلك من خلال نصوص القانون الدولي والمواثيق الحقوقية الأممية، وكذلك من خلال القوانين الجزائية والعقابية الغربية والعربية.
وقد استعرض الباحث عددًا من مظاهر الإساءة والتشهير والازدراء التي تعرّض لها الإسلام ونبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) خلال العقدين السابقين، ثم استعرض مجموعة من النصوص القانونية التي تجرّم فعل الازدراء في القوانين الجزائية الأوروبية والعربية، وكذلك استعرض المواد التي تنصّ على احترام الحقوق الدينية في المواثيق الحقوقية الدولية. وبعد الحديث عن الأسباب التي تعطّل العمل بهذه النصوص والمواد القانونية، تحدّث مفصلًا عن إمكانية تجريم فعل الازدراء ومقاضاة المسيئين أمام المحاكم الأوروبية.
وفي الأخير تحدّث عن موقف الفقه الإسلامي من هذه الجريمة، وكيف احترم الإسلام جميع الأديان وحقوق المعتنقين لها.
الدكتور حسنعلي علي أكبريان (أستاذ بمعهد العلوم والثقافة الإسلامية في إيران) تحدث عن: «موقع الأخلاق في صياغة القانون من خلال الرؤية الفقهية» من خلال البحث في: شمول مسؤولية الحكومة الإسلامية بالنسبة لمجال الأخلاق، ودور الأخلاق في صياغة القانون في القاعدة الأخلاقية، وفي صياغة القانون عندما لا يوجد للإسلام حكم بخصوص قضية معينة، ودور الأخلاق عندما لا يوجد قانون، وتفسير القانون وصياغته، مؤكداً أن اعتبار الأحكام الإلزامية في الفقه مصدرًا لصياغة القانون يُعد من الأمور المسلمة، كما أن الكثير من القواعد الأخلاقية موجودة بشكل أحكام شرعية إلزامية في الفقه، كما أن هناك أمثلة تضرب في المجالات المشتركة بين الأخلاق والقانون في مباحث فلسفة القانون هي من المسائل المشتركة بين الأخلاق والفقه.
من دراسات هذا المحور ورقة الدكتور أحمد مبلغي (رئيس مركز الدراسات الإسلامية التابع لمجلس الشورى الإيراني) تحت عنوان: «تقنين الأخلاق في الظروف المعاصرة وضرورة دراسة التأصيل الفقهي لها»، وقد تحدّث فيها عن محورين: ضرورة تقنين الأخلاق في الظروف المتغيّرة والتحوّلات التي تعرفها المجتمعات، بحيث خرجت الأخلاق عن الطابع الفردي وبدأت تأخذ الطابع المؤسساتي، وضرورة دراسة مشروعية تقنين الأخلاق من خلال التأكيد على نقاط أربع: ضرورة القانون للمجتمع، حاجة المجتمع للمبادئ الأخلاقية في ظل ما تعرفه من تطوّرات وتغيّرات، لا يمكن للأخلاق أن تؤمّن احتياجات المجتمع المعقدة إلَّا في إطار القانون، وأخيرًا، فوفقًا لارتكاز القانون على الفقه، فإن إضفاء الصبغة القانونية على الأخلاق يجب أن تلاحظ من الجانب الفقهي لإمكانية تأصيلها فقهيًّا ومعرفة مشروعيتها.
ومن الدراسات والبحوث المقرّرة في هذا المحور، «خصائص الفقه الإسلامي من حيث الأخلاقية» للدكتور حسين قيابنار (رئيس المجلس الأعلى لرئاسة الشؤون الدينية التركية)، و«كيفية وسبب تقنين الأخلاق» للدكتور محمود حكمت نيا (مدير قسم الدراسات والتعليم بمعهد الثقافة والفكر الإسلامي في إيران)، و«القانون صحيح المعقول الذي لا يخالف صريح المنقول: نظرة فقهية حقوقية في مسائل الأحوال الشخصية» للدكتور أحمد بابكر خليل عيسى (أستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة أم درمان في السودان)، و«دور الأخلاق في عملية الاستنباط» للدكتور وحدتي شبيري (أستاذ بجامعة قُم في إيران)، و«تمهيد إلى المقارنة بين دور الفقه والأخلاق في التقنين» للدكتور سيف الله صرامي (أستاذ بمعهد العلوم والثقافة الاسلامي في إيران)، و«النقص في القانون: دور الفقه والأخلاق في سد هذا النقص» للدكتور أحمد عوض هندي (أستاذ بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية)، و«دور القواعد الأخلاقية في عالم القانون» للدكتور هادي نعيم المالكي (رئيس قسم القانون الدولي بكلية القانون جامعة بغداد).
المحور الثالث: أخلاق القانون، ماهيتها ومصاديقها
وقد قُدّمت في هذا المحور مجموعة من الأوراق، منها ورقة الدكتور حسين مهربور بعنوان: «مرونة القانون في مرحلة التصويب والتنفيذ»، في البداية أكد الباحث أن منشأ القانون أو المصادر التي يستقي منها المقنن يُمكن أن تكون تقاليد المجتمع والأعراف والضوابط والأخلاق، وطبقًا للأصول فإن القانون –كما يقول الباحث:- عندما يطوي مرحلة التصويب والموافقة، فإن دائرة شموله تكون عامة وواسعة ويعتبر ملزمًا للجميع، ولكي يتم تنفيذ القانون بشكل صحيح وتكون له نتائج مفيدة يجب أن يؤمن عامة الناس به بالشكل الذي يؤدّي الى الالتزام به كما نرى ذلك في الأخلاق والضوابط الدينية، فإنها تحظى بالاعتبار والاحترام، حيث نجد في كثير من الموارد أن الناس تلتزم بها حتى مع عدم وجود الضمانات الإجرائية لها. وإذا كان لا بد للمقنن ومنفذ القانون أن تكون لديه الدقة والمهارة الكافية في وضع القانون واستحصال الموافقة عليه، لكن في الوقت نفسه توجد هناك موارد يجب أن يكون معها القانون مرنًا بشكل مدروس على غرار ما تتمتع به الشريعة من مرونة في تنفيذ بعض الأحكام في بعض الموارد والاستثناءات.
من أوراق هذا المحور كذلك، ورقة للدكتور أحمد بهشتي بعنوان: «الأخلاق واحترام القانون»، وقد أكد فيها أهمية تطبيق القانون بشكل صحيح؛ لأن ذلك سيؤدّي لتحقيق العدالة الاجتماعية، أما العدالة الأخلاقية فإنما تتحقّق من خلال التوازن في القوى الشهوية والغضبية والعقلية، فإذا تحقّقت العدالة الأخلاقية فإن العدالة الاجتماعية تتحقّق بشكل عميق وجذري، إلَّا أن العدالة الاجتماعية –في نظر الباحث– ليست بالضرورة مستلزمة ومصحوبة بالعدالة الأخلاقية.
الدكتور حميد محمدي (الأستاذ في كلية القانون بجامعة آزاد الإسلامية) قدّم ورقة بعنوان: «الفرار والتخلص من القانون في عملية تقنين الفقه والأخلاق: بحث تطبيقي»، في البداية أشار الباحث إلى الآثار السلبية للفرار والتخلُّص من الالتزام بالقانون، حيث تعمُّ الفوضى وعدم الانسجام بين المواطن والنظام، ما يؤثر في المجتمع ويؤدي إلى هشاشته. بعدها شرع الباحث في تسليط الضوء على علل الفرار والتخلّص من القانون ومواردها، مع بيان سبل التقنين والتنظيم في المجتمع الإيراني لما للتقنين والفرار من القانون من تأثير في العلاقات الفردية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ومن مظاهر الفرار من القانون الأساليب المُتعدّدة للتحايل على القانون من خلال الحيل الشرعية أو الخداع أو الاستفادة من الامتيازات الاجتماعية... إلخ، وبالتالي فهناك عدد من المخالفات يفلت أصحابها من العقوبة والعدالة.
التوصيات
بعد انتهاء فعاليات المؤتمر وما تخلّلها من نقاشات للمواضيع والآراء المعروضة في مُجمل الأوراق والبحوث، صدر عن المؤتمر التوصيات التالية:
1- التأكيد على ضرورة الانطلاق من رؤية واضحة في العلاقة بين الأخلاق والفقه والقانون، لأجل تطوير ممارسة التقنين الأخلاقي والتقدم بها إلى الأمام، لرفع الإشكاليات والعقبات التي تقف في وجه هذه العلاقة.
2- التشديد على بلورة الأدبيات العلمية في مجال تقنين الأخلاق وطرحها بصياغة عالمية ليتسنى للأنظمة العالمية الارتواء من هذا المنهل المعطاء، ولرفد حركة العودة إلى الأخلاق التي ظهرت بوادرها في العالم الإسلامي والغربي.
3- السعي لإيجاد حركة علمية مؤسساتية واسعة النطاق، وتوفير الأرضية لإعداد ودعم المشاريع في مجال الأخلاق الحقوقية والقانون الأخلاقي.
4- دعوة المؤسسات والهيئات الفقهية لدعم عملية تقنين الأخلاق بخلق المناخ المناسب ورسم المنهجية الواضحة لها.
5- اعتبار التقنين الأخلاقي خطوة مهمة في الوحدة الإسلامية، ودرء الفتنة الطائفية وانحسار الحركات التطرفية والتكفيرية، وذلك لاشتراك جميع المذاهب الإسلامية في التعاليم الأخلاقية.
6- التأكيد على طرح التعاليم الأخلاقية الإسلامية بأنها رسالة الإسلام لإصلاح المجتمعات في العصر الحاضر، وهي السبيل الوحيد لحل مختلف الأزمات العالمية، والضامن الحقيقي لتطبيق القانون، وذلك لما في الرقابة الأخلاقية من ذاتية وأصالة.
7- التأكيد على رصد تجارب ومساعي تقنين الأخلاق، من قوانين ودراسات في شتى الدول وتسليط الضوء عليها.
8- التأكيد على أن الأبحاث الأخلاقية من شأنها رفع ثغرات القانون في مرحلة التشريع والصياغة والتنفيذ.
9- اعتبار الأخلاق بأنها تلعب دورًا تكميليًّا لدور القانون في تحقيق العدالة، فهي النموذج الأسمى للعدالة.
10- انطلاقًا من ضرورة الوصول إلى الأهداف الأخلاقية في عملية التقنين یجب إضافة عناصر أخلاقية، كحسن النية والإنصاف إلى القانون، وإضفاء صفة المرونة المناسبة له.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.