تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

نحو فلسفة إسلامية معاصرة .. طه عبدالرحمن وجدل الخصوصية والكونية

بدران بن لحسن

نحو فلسفة إسلامية معاصرة..

طه عبد الرحمن وجدل الخصوصية والكونية

الدكتور بدران بن لحسن*

*         باحث من الجزائر، كلية الدراسات الإسلامية، مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، قطر. البريد الإلكتروني: bbenlahcene@gmail.com

 

 

 

تمهيد

تدور مجمل أفكار الدكتور طه عبد الرحمن ونظرياته ومحاور كتبه حول ضرورة تأسيس فلسفة عربية تنفك عن إيثار الفلسفة الغربية ومنهاجها. ويشغله همٌّ مركزي هو التفكير في كيفية الخروج من دائرة التكرار والاجترار والتقليد والنقل إلى زمن الإبداع الفلسفي.

ذلك أنه لاحظَ أن المتفلسفة العرب خضعوا لهيمنة «الفكر الواحد» وارتهنوا لسطوة «الأمر الواقع»[1]، فأدَّى بهم إلى تقليد الحداثة الغربية تقليدًا أضرَّ بإنسانيتهم وهويتهم الحضارية، وجعلهم يفكرون على مقاسات غيرهم، ويضعون الحواشي على أفكار انتزعت من سياقات لا تمت لواقعهم بصلة، إلَّا سبيل التمحُّل والرغبة في التقليد، فدعوا إلى «قطائع معرفية» فتقطعت بهم الأسباب، ووجدوا أنفسهم في الأخير مع «القطيع» يجترون أوهامًا[2].

لقد هاله مستوى التيه والتخبُّط الذي بلغه المتفلسفة العرب، وهذا الواقع المؤلم للفلسفة العربية، وقد عبَّر عن ذلك بقوله: «انظر كيف المتفلسفة العرب المعاصرين يؤولون إذا أوَّل غيرهم ويحفرون إذا حفروا، ويفكَّكون إذا فككوا... سواء أصاب في ذلك أو أخطأ»[3].

ولذلك انشغل طه عبد الرحمن بهمِّ الإبداع الفلسفي وإقدار المتفلسف العربي عليه، والخروج من ربقة التقليد والاتِّباع الفلسفيين، وسعى إلى القول الفلسفي من التبعية والتقليد للقول الفلسفي الغربي، وبثَّ عناصر الحيوية والإبداع في المتفلسف العربي، وكذا إنقاذه من سطوة فلسفة الآخر ومعتقله الفكري، فهو لا ينفك يؤكد أنه «يحق لكل قوم أن يتفلسفوا على مقتضى خصوصيتهم الثقافية مع الاعتراف لسواهم بذات الحق»[4].

وتحتل مسألة الخصوصية والكونية حيّزًا مهمًّا في خطابه الفلسفي، ويذهب إلى أن الخصوصية والكونية لازمتان للخطاب الفلسفي العربي ليستعيد دوره في الإبداع والتواصل؛ الإبداع في الإجابة عن الأسئلة الملحَّة في سياقها العربي الإسلامي، والتواصل مع الخطابات الفلسفية الأخرى باعتبار أن مرحلة العولمة تفرض تواصلًا.

فالخصوصية اشتغال على افتكاك الاعتراف من الآخر على أن للعربي نصيبًا فلسفيًّا ينبغي لغيره أن يُقِرَّ بخصوصية هذا النصيب الفلسفي، بمعنى آخر؛ أن العربي يحتاج إلى الاعتراف بالحاجة إلى إيجاد فلسفة يتميَّز بها العربي عن غيره، لا تَمَيُّز الانقطاع ولكن تَمَيُّز التكميل والإغناء، ليندرج في سياق كونية القول الفلسفي للإنسانية.

وتأتي هذه المطالعة سعيًا إلى تحليل الخطاب الطاهوي واستكناه مقولتي الخصوصية والكونية في جدليتهما عنده، وكيفية مساهمتهما في إنتاج خطاب فلسفي عربي راهن يستجيب لقضايانا الراهنة ويعبّر عنها فلسفيًّا.

أولًا: المشروع الطاهوي.. نقد وتأسيس

قبل تناول مسألتي الكونية والخصوصية نحاول رسم صورة عامة للخطاب الفلسفي عند الدكتور طه عبد الرحمن، والذي في تصورنا يقوم على خطوتين متكاملتين هما: النقد والتأسيس. فكيف ذلك؟

يتميَّز الإنتاج الفكري الفلسفي لطه عبد الرحمن في الشكل والمضامين، وقد ساهم بدور بارز في تطوير الدرس الفلسفي والمنطقي ومجمل القضايا المتعلقة بفلسفة اللغة منذ انخراطه في تدريس الفلسفة في المغرب في نهاية الستينات من القرن المنصرم، وأثمرت جهوده مكاسب نظرية وعملية تبلورت في الآونة الأخيرة في مجال الآليات المنهجية المنتجة للخطاب الفلسفي.

والناظر في مؤلفاته التي أنجزها خلال العقود الثلاثة الماضية يدرك ذلك الجهد العميق المبذول في بلورة اختياراته الفكرية والفلسفية، والإخلاص المتفاني في البحث عن سبل استئناف التحرير والتنوير من أجل الدخول بقوة في أفق النهضة وروح الحداثة المفقود منذ قرون[5].

توجّهت إصداراته الأولى إلى مجال المنطق وفلسفة اللغة، وكان مصنفه «اللغة والفلسفة» باكورة إنتاجه في نهاية السبعينات. غير أن نهاية عقد الثمانينات شهد انطلاقته الكبرى وكشفت عن قدراته السجالية المذهلة في نقد التصورات السائدة في الفكر العربي. ظهر ذلك جليًّا في مصنفاته «في أصول الحوار وتجديد علم الكلام»، و«العمل الديني وتجديد العقل»، و«تجديد المنهج في تقويم التراث».

وفي التسعينات توجهت عنايته إلى إعادة الاعتبار للقول الفلسفي من خلال كتاب «فقه الفلسفة» بقسميه؛ «الفلسفة والترجمة» و«القول الفلسفي، كتاب المفهوم والتأثيل»، وكتاب «اللسان والميزان أو التكوثر العقلي».

في حين تأتي مؤلفاته الأخيرة في سياق النقد الأخلاقي للحداثة من خلال استثمار ولفت الانتباه وإعادة الاعتبار لأهمية التجربة الأخلاقية في التصدي للنزعات المادية الجاهلة والغافلة للعقل الحداثي المجرّد، واستبداله بالعقل المؤيّد باعتباره أعلى مراتب العقل القادر على إضفاء المعنى في شؤون الفكر والحياة[6].

ويمكن القول: إن كتابه «سؤال الأخلاق؛ مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية» يعتبر أحد أهم المساهمات النظرية التي تمكن من قراءة مشروعه، كما تعتبر مؤلفاته اللاحقة شروحًا وتوسيعًا لمجمل أطروحاته وهذه المؤلفات هي: (الحق العربي في الاختلاف الفلسفي)، و(الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري)، وكذلك كتاب (روح الحداثة، المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية)[7].

إن ما سبق من فقرات عن المشروع الطاهوي يجعلنا ننظر إلى مشروعه الفكري على أنه مشروع نقد وتأسيس. فهو لم يكتفِ بالنقد ولكن مارس عملية تنظير وتأسيس فكري ونظري لليقظة الدينية من جهة، باعتباره حراكًا تاريخيًّا ومجتمعيًّا يهدف إلى تحقيق المقدس في مجال تاريخي هو الأمة الإسلامية باعتبارها تحقيقًا لمقولات الرؤية الإسلامية.

ومن جهة أخرى، فإنه سعى إلى تزويد عملية الحراك هذه بزادٍ معرفي وتنظيري تمثَّل أساسًا في التأسيس لفلسفة إسلامية تنطلق من الرؤية الإسلامية، وتعمل على إنتاج خطاب فلسفي إسلامي مأصول غير منقول، وموصول غير مفصول.

كما أنه توجَّه من جهة ثالثة إلى نقد الخطاب الحداثي الغربي وملحقاته من الخطابات الحداثية المقلدة في العالم العربي الإسلامي.

1. التأسيس النظري لليقظة الدينية

ينطلق طه عبد الرحمن في مشروعه النقدي من فكرة جوهرية بلورها في مقدمة كتاب (العمل الديني وتجديد العقل)، قوامها المساهمة في التأسيس النظري لليقظة الدينية من خلال بناء وتركيب سندها الفكري والفلسفي، المؤسس على الفكر العلمي، المحرّر على شروط العقلانية المعاصرة، وتخليصها من آفة الغلو في الاختلاف، وتهيئتها للدخول في التجربة الإيمانية الحية، التي تحمل الإنسان على الترفع عن النزاعات والصراعات المذهبية الضيقة[8].

لهذا فإن حركة التجديد الإسلامية المعاصرة تفتقد إلى «تبصير فلسفي مؤسس»[9]، ولا بد من الشروع في عملية التجديد المنتظر من الأمة الإسلامية بتحقيق شرطيها الأساسيين؛ وهما: شرط الدخول في التجربة الإيمانية التي تمكن من النفاذ إلى عمق الذات للوصول إلى عملية التخلّق، وشرط مباشرة التعقّل المبني على استيعاب أدوات النظر المنهجي الذي يمكن من تجدّد السند العقلي.

وبدون هذين الشرطين لا سبيل إلى بناء فكر ديني متجدّد يتّسم بخاصية الشمول والتكامل، فالعقلانية الأسمى لا يمكن الظفر بها من خلال المقاربات الاختزالية التفاضلية والتجزيئية لمعطيات الفكر والعقيدة الإسلامية.

2. التأسيس لفلسفة أخلاقية إسلامية

يسعى طه عبد الرحمن إلى بناء فلسفة أخلاقية إسلامية بواسطة المفاهيم السابقة مستحضرًا المسلمات الأساسية في نقد واقع الحداثة الغربية، وهي: مسلمة لا إنسان بغير أخلاق، ومسلمة لا أخلاق بغير دين. ويصل في نهاية النقد إلى أن الأخلاق الإسلامية أخلاق كونية عميقة حركية، مقابل الأخلاق المحلية السطحية والجمودية، التي تولَّدت بفعل سيادة الحضارة الحديثة القائمة على ضرب محاصرة متعددة الأوجه والمظاهر على الإسلام، وتتمثّل هذه المحاصرة في عدة مظاهر:

الأولى: محاصرة خارجية ترى في الإسلام عملا إرهابيا وخطرا حضاريا، وذلك بسبب توظيفه في مقاومة الغزو الاستعماري والتصدي للمركزية الحضارية الغربية.

الثانية: محاصرة داخلية تتمثل في مواقف الأنظمة والدول السائدة من العودة إلى الإسلام، حيث تمارس مختلف أشكال التضييق على الحركات والجمعيات والمنظمات والجماعات التي تدعو إلى الرجوع إلى الإسلام.

الثالثة: محاصرة ذاتية وتتمثّل في وقوع بعض الدعاة في الاقتباس والاتِّباع وانتقال العمل من المجال التنويري الرباني، وهو مجال التربية الخلقية إلى مجال التسييس والتسيّس بدل «التأنيس» الذي يقوم على السياسة الأخلاقية التي لا تربط التخلّق بحيازة السلطة، وحصار ذاتي آخر يتمثل في شيوع العقلانية التجريدية التي تقدم النظر على العمل، وتقتصر في نظرها المجرد على الضال المتلبس بدلًا من التوسّل إلى المعرفة بالعقل المؤيد.

ويرى طه عبد الرحمن أن السبيل الأمثل لرفع ضروب المحاصرة المفروضة على الإسلام يكون عن طريق التوسل بالأساليب التنويرية والتحررية التي ينتج عنها تمام العمل وتحقيق الاكتفاء[10].

3. نقد مشروع الحداثة

عمل طه عبد الرحمن على توسيع مفاهيمه السابقة في كتابه (روح الحداثة: مدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية)، وشنَّ حملة واسعة على دعاة الحداثة والتقليد، وبيَّن الأسس الشنيعة التي تحكم تقليد الحداثيين.

فإذا كان التقليديون يقلدون المتقدمين، فإن الحداثيين يقلدون المتأخرين، بل إن تقليد الحداثيين -بحسب طه عبد الرحمن- يبدو أشنع من تقليد التراثيين؛ لأن الحداثة والتقليد حسب تعريفهم ضدان لا يجتمعان، في حين أن التراث والتقليد بموجب تقريرهم صنوان لا يفترقان[11].

ويسعى في مجمل أطروحاته إلى أن يبصّر الحداثيين بمدى التقليد الذي أصابهم، وحرمهم من فتح فضاء الإبداع، وذلك عن طريق التفريق بين «روح الحداثة» التي يجب تحصيلها وتوصيلها وحفظها، و«واقع الحداثة» الذي لا إشكال في تركه وتجاوزه إلى واقع غيره لا يقل عنه حداثة.

وبالنسبة للتراثيين يطمح بأن يخرجوا من رقّ التقليد المعوق، بفتح فضاء الاجتهاد، ولا يتم ذلك إلَّا بسلوك طريق تطبيق روح الحداثة على مقتضى التداول الإسلامي التي تجتمع فيها مبادئ الرشد والنقد والشمول، والذي يسمح بتجاوز القراءات الحداثية المقلدة التي انبنت على الاستنساخ وليس الاستكشاف وعملت على تعطيل الإبداع الموصول.

ثانيًا: سبيل الخروج من التقليد.. جدلية الكونية والخصوصية

يرى طه عبد الرحمن أننا يمكن أن نتفلسف على مقتضى خصائص ذواتنا، وأن نستمد أفكارنا من مقومات مجالنا التداولي الإسلامي[12]، وأن نضع فلسفة على مقاسنا؛ نابعة من تراثنا وواقعنا، ونرفض ما يُقرره غيرنا لنا.

وهذا في جوهره مناقض لكثير من الأطروحات الفلسفية العربية الحديثة والمعاصرة، بل حتى القديمة؛ التي ترى أن لا مندوحة من الاندراج في القول الفلسفي والخطاب الفلسفي المهيمن سواء أكان في شكله الإغريقي الغابر أو شكله الغربي الحداثي وما بعد الحداثي[13].

ولذلك فإنه يصف الحداثة الفلسفية بالجمود لأنها توجب الاندماج الكلي في العصر الفلسفي على مقتضى ما قرَّره الغير في التفلسف[14]، ويتَّهم المتفلسفة العرب في الوقوع في فلسفة منغلقة لأنهم يخوضون في المسالك الفكرية نفسها على الأشكال المنهجية نفسها[15].

بل إن كتابه (الحق العربي في الاختلاف الفلسفي)، رهانه الأساس والدعوى الأساسية فيه أنه «لا يقوم الإبداع في القول الفلسفي العربي حتى يتحرَّر هذا القول من الأساطير التي دخلت عليه»[16].

هذه الأساطير -كما يسميها طه عبد الرحمن- تكمن في القول بعالمية أو كونية الخطاب الفلسفي وضرورة تبنينا له في الطرائق والمضامين، لكن الواقع يدل على الاختلاف بين الناس، فالاختلاف حقيقة وجودية في وجه العولمة.

فبالاختلاف بين فلسفات الأقوام تُصان الجماعة البشرية وتتقوى، وحين يُصبح ذلك الاختلاف بمثابة ميثاق فلسفي بين الأقوام يكون لها حقها في التفلسف والقدرة عليه. وأكبر التحديات أمام حق الاختلاف دعوى عالمية الفلسفة، مع ارتكاسها في اليهودية، وتبعية أبناء يعرب لنظرياتها واستشكالاتها، وما أحاط بها من أساطير[17].

إن الأساطير التي أحاطت بالقول الفلسفي عمومًا، والقول الفلسفي العربي بوجه خاص، تمنع من الابتكار؛ أهمها تقديس القول الفلسفي الأصلي شكلًا ومضمونًا؛ تقديسًا يجعل المتفلسف العربي يضع لذلك القول مقابلًا شكلًا ومضمونًا. ولا يدفع ذلك التقديس إلى اعتبار ذلك القول الفلسفي مجرّد خطاب موجه إلى متلقٍّ بغرض إفهامه مقصودًا معينًا[18]. فحين يتبين المتفلسف العربي الخاصية الخطابية للقول الفلسفي الأصلي؛ يستقل بفكره ويستطيع أن يبتكر ما يُضاهيه.

وهناك أسطورة تمنع من الاختراع وهي المتعلّقة بميلاد الفلسفة عند اليونان. فالمتفلسف العربي يُسلم بالسياق الأسطوري لظهور الفلسفة، ويجعل أوائل الفلاسفة آخذين من معدن النبوة ومعاصرين للأنبياء والرسل[19]. ولدفع هذه الأسطورة ينبغي للمتفلسف العربي أن يتحقّق بأن القول الفلسفي بيان أي خطاب وارد بلسان المتلقي؛ «أي أنه لا بيانية بالنسبة إلى المتلقي خارج لسانه»[20].

ولدفع أسطورة أن الفلسفة معجزة في ظهورها، ومعجزة في حدث نقلها إلى العرب، على المتفلسف العربي أن يستنبط من القول الطبيعي الذي ألفه مفاهيم وظيفية وأن يُظهر فيه أسبابًا فلسفية، وأن يتوسّل بالقول الفلسفي العربي في كل نقل للقول الفلسفي الأجنبي؛ فهو يُولد من أقواله الطبيعية «أقولًا فلسفية تنتفي فيها أسباب الأسطورة، سواء ما تعلّق منها بأصل الفلسفة أو ما تعلق بأشخاص الفلاسفة»[21].

ولدفع هذه الأساطير يناقش طه عبد الرحمن دعوى كونية الفلسفة ويقدم اعتراضاته عليها، وهو ما سنناقشه فيما يلي:

1. كونية الفلسفة: الدعوى والاعتراض

يرى طه عبد الرحمن أنه مع تعدد تعريفات الفلسفة بتعدّد الفلاسفة، فإنه لا مانع من حصرها في قسمين كبيرين[22]؛ أحدهما: قسم التعاريف الاستشكالية، التي تنبني على تحديد مضمون الفلسفة. إذ تعرف الفلسفة بكونها جملة من الإشكالات والأسئلة التي يتولى الفيلسوف إثارتها، ويجتهد في الإجابة عنها، أو بكونها جملة من الحقائق والنتائج التي يتولّى الفيلسوف طلبها ويجتهد في استنباطها.

وثانيهما: قسم التعاريف الاستدلالية، التي تنبني على تحديد منهج الفلسفة. إذ تعرّف الفلسفة بكونها طريقة في البحث تختص بممارسة الاستدلال المنطقي أو استعمال النظر النقدي.

1. الدعوى:

غير أن كلا القسمين يتفقان على إسناد صفة «الكونية» على الفلسفة؛ فالحقائق والإشكالات التي يقرّرها التعريف الاستشكالي تكون عند أصحابه عبارة عن «مضامين كونية»؛ وكذلك الطريقة المنطقية والنقدية التي يقرّرها التعريف الاستدلالي تكون عند أهله عبارة عن «منهج كوني».

غير أن المنظور التاريخي يبيّن لنا أن مفهوم «الكونية» يختلف باختلاف الأطوار التي تقلّبت فيهما الفلسفة؛ وبعبارة أخرى: الطورين الرئيسيين اللذين تقلّبت فيهما الفلسفة تاريخيًّا؛ الطور الإغريقي والطور الأوروبي، ولذلك فقد أخذ مفهوم الكلية مدلولين[23]:

1. الكلية: فالمراد بالكلي ما يصدق على جميع أفراد الإنسان من حيث هي كائنات عاقلة، وضده الجزئي. فإذا قيل الفلسفة الكونية فالمقصود هنا هو أن قضاياها ومسالكها معًا تعمّ أفراد البشر جميعًا، بحيث تكون هذه الكونية ذات صبغة أنطولوجية. وهذا المعنى للكونية يخص الطور الإغريقي من أطوار الممارسة الفلسفية، بداية من القرن السادس قبل الميلاد.

2. العالمية: والمراد بالعالمي ما يصدق على جميع أقطار الأرض من حيث هي دول قائمة، وضده المحلي. فإذا قيل: الفلسفة الكونية؛ فالمقصود أن قضاياها ومسالكها تعمُّ أقطار الأرض جميعًا، بحيث تكون هذه الكونية ذات صبغة جغرافية أو بالأحرى سياسية، نظرًا لاقترانها بإرادة النفوذ والسلطة. وهذا المدلول يخص الطور الأوروبي من أطوار الممارسة الفلسفية، بداية من القرن 17م.

2. الاعتراضات على الدعوى

ب-1- الاعتراضات العامة[24]

1. ارتباط الفلسفة بالسياق التاريخي الاجتماعي؛ فأي فلسفة مهما كانت، هي نتاج سياق تاريخي ونطاق اجتماعي مخصوص، ولا وجود لفلسفة بلا هذا السياق التاريخي ولا هذا النطاق الاجتماعي، سواء على مستوى الفرد الواحد أو الأمة الواحدة.

2. ارتباط الفلسفة بالسياق اللغوي الأدبي؛ فاللغة هي المحل الذي يتشكّل فيه القول الفلسفي، ولا تشكُّل لهذا القول بغير تأثّر بمحله اللغوي، ولما تعدّدت اللغات والألسن، جاز أن تتعدّد المضامين الفلسفية باختلاف الألسن التي تنقلها.

3. الاختلاف الفكري بين الفلاسفة؛ إن الفلاسفة داخل الأمة الواحدة يختلفون في آرائهم وأفكارهم فيقال: الأفلاطونية والأرسطية والغزالية والرشدية والهيجلية وغيرها. وإذا كانت الفلسفة في الأمة الواحدة بهذا الاختلاف الشديد بين أفرادها، فكيف يكون حالها عندما يتعلّق الأمر بأمم العالم فيما بينها، لا شك أن الاختلاف يكون أشد.

4. التصنيف القومي للفلسفة؛ تعوّد مؤرخو الفلسفة أن يقسّموا الفلسفة إلى أقسام مختلفة هي عبارة عن فلسفات قومية متعدّدة كأن يقولوا: «الفلسفة اليونانية» و«الفلسفة الفرنسية» و«الفلسفة الألمانية»... إلخ. ولا يمكن القول: إن هذا التقسيم إجرائي لعرض المادة الفلسفية دون فرق جوهري. وذلك لسببين؛ أحدهما قد يخصون فلسفة معينة بأوصاف محددة كأن يقولوا: «الفلسفة المثالية الألمانية»، و«العقلانية الفرنسية»، و«التجريبية الإنجليزية». والثاني أن الفلاسفة أنفسهم يلجؤون إلى هذا التقسيم فينسبون أنفسهم إلى أقوامهم بدل إرسالها غير منسوبة.

ب-2- الاعتراضات على دعوى الكونية الكيانية (الأنطولوجية) للفلسفة[25]

1. انفكاك وحدة العقل عن وحدة الطبيعة الإنسانية؛ فهناك من يرى العقل جوهرًا، وهناك من يراه فعالية كبقية الفعاليات الإدراكية.

2. انفكاك وحدة الفلسفة عن وحدة العقل؛ ولو فرضنا مبدأ اتحاد العقل، لا يلزم منه بالضرورة اتحاد الفلسفة؛ ذلك أن العقل، لو فرضناه واحدًا، فإن فعالياته ليست واحدة، ولهذا فمبدأ وحدة العقل لا يوجب وحدة الفلسفة.

3. انفكاك وحدة الصفات الفكرية عن الاشتراك في الفلسفة؛ إن مبدأ الاشتراك في الفلسفة لا يلزم عنه بالضرورة وجود جملة من الصفات الفكرية المحددة التي تشترك فيها كل الفلسفات على نحو واحد.

ب-3- الاعتراضات على دعوى الكونية العالمية (الجغرافية أو السياسية) للفلسفة[26]

1. رد الفلسفة إلى الفلسفة الأوروبية؛ على الرغم من أن وصف «الأوروبية» يقيد مفهوم «الفلسفة»، فيجعلها محصورة في المنطقة الأوروبية، فإن فلاسفة الغرب تعاملوا مع هذا المفهوم كما لو أن دلالته كانت مطلقة.

2. رد الفلسفة الأوروبية إلى الفلسفة الألمانية؛ لأقطار أوروبا مساهمات مختلفة ومتفاوتة في النهضة الفلسفية الحديثة، وكان حظ ألمانيا أوفر الحظوظ في هذه النهضة، لكن فلاسفة الألمان بالغوا في نزع الأصالة الفلسفية عن غيرهم من الأوروبيين، ويعتبرون باقي الفلسفات الأوروبية عيالًا على فكرهم الأصيل. ولما كانت الفلسفة الأوروبية متفرعة عن الفلسفة اليونانية فقد حرص الفلاسفة الألمان على أن يرفعوا أصول فلسفتهم على الإغريق. إبرازًا منهم لخصوصية الفلسفة الألمانية وفضلها على غيرها. وهذا يضيق من الكونية السياسية للفلسفة في حصرها في ألمانيا بدل أوروبا.

3. تهويد الفلسفة الألمانية؛ أضحت ألمانيا منذ نهاية القرن الثامن عشر مركزًا عالميًّا للثقافة اليهودية. وتجلى تأثير الثقافة اليهودية في المجال الفلسفي بأشكال مختلفة: فأعظم فلاسفة ألمانيا تأثروا بفلاسفة اليهود، والإصلاح الديني الذي تزعَّمه مارتن لوثر جعل المسيحية في صورتها البروتستانتية تزداد قربًا من اليهودية. كما أن فلاسفة الألمان، على اختلاف اتجاهاتهم ونزعاتهم، كانوا يقتبسون على الأقل بعض مفاهيمهم المحورية وأفكارهم الجوهرية من كتاب «التوراة» كما كانوا يضمنون تآليفهم ونصوصهم اجتهادات وتأويلات يهودية، سواء أصرحوا بذلك أم لا، وسواء أتركوا هذه المعاني والحقائق على وصفها الديني أو خلعوا عليها وصفًا علمانيًّا.

كما أن الفلسفة اليهودية قامت بدور الوسيط بين الفلسفة «اليونانية» والفلسفة «الألمانية»، ووطَّدت أركان العقلانية المجرّدة التي تجمعهما، ويمثّل كانط النموذج في التداخل بين ما هو ألماني وما هو يهودي من خلال: التأثر بفلاسفة اليهود، والعقيدة البروتستانتية، والتماس المفاهيم من التوراة، والتوجه العقلاني المجرد.

4. تسييس الفلسفة الألمانية المتهودة؛ لقد استغلّ اليهود فرصة التحرّر والحقوق التي أخذوا يتمتعون بها في الظروف الأوروبية التي استجدّت منذ الثورة الفرنسية لكي ينفذوا إلى دواليب الاقتصاد ومسالك التجارة ومصادر الإنتاج، ولما قامت القوميات والعرقيات بدأ اليهود يشتغلون على إنشاء قومية لهم تخصهم. وساهم الفلاسفة اليهود في التنظير لذلك إلى أن غدونا نشهد في مجال الفكر الحديث تشكّل فضاء فلسفي يهودي عالمي، يندمج فيه غير اليهودي اندماج اليهودي فيه، عن قصد أو عن غير قصد، وهذا يعني أن الفلسفة القومية اليهودية استطعت أن تتستر على أصلها القومي، وتنزل نفسها مرتبة الفلسفة العالمية، بحيث تمَّ الدخول الآن في الطور الثاني من تهويد الفلسفة، فبعد تهويد الفلسفة الألمانية خاصة، جاءت مرحلة تهويد الفلسفة عامة.

ثالثًا: نقض دعوى الكونية والتمهيد للخصوصية

بناء على الاعتراضات السابقة على الكونية الكيانية للفلسفة، لا بد من القول بجزئيتها أو بخصوصيتها. أي إن الفلسفة ترتبط بفئة الفلاسفة الذين نشؤوا في حضن ثقافي خاص هو بالذات الحضن «اليوناني»؛ لذا ففلسفة الإغريق ليست فلسفة كونية كما شاع وذاع، وإنما هي فلسفة قومية كما كان تاريخهم قوميًّا، وكان أدبهم قوميًّا، وكانت أساطيرهم أساطير قومية[27].

وبناء على الاعتراضات على الكونية السياسية للفلسفة، التي ينتجها النظام العالمي الجديد، أو ما أصبح يسمى بـ«العالمية في الفلسفة» أو «الفلسفة العالمية» فإنه يتبيَّن أنها ليست على الحقيقة إلَّا فلسفة قومية مبنية على أصول التراث اليهودي المسخَّر لأغراض سياسية، أو قل فلسفة قومية مبنية على اليهودية المسيسة.

بمعنى آخر، فإن «هذا الفضاء الفلسفي» لا عالمية حقيقة فيه، وإنما هو فضاء فكري قومي مفروض على العالم، «فضاء معمّم على الجميع بأسباب لا صلة لها بالفلسفة»؛ و«العالمية المفروضة» مفهوم سكوني ينبني على مبدأ حدود المكان، ولو تمتد هذه الحدود إلى العالم كله بواسطة القوة المادية والهيمنة السياسية[28].

فالخطاب الفلسفي المروج لكونيته وعالميته خطاب جزئي قومي، وهذا يدفعنا إلى أن نتساءل مع طه عبد الرحمن: هل المتفلسفة العرب المعاصرون انتبهوا إلى وجود هذا التهويد في للفلسفة الحديثة، أم أن اعتقادهم فيها كاعتقاد أسلافهم في الفلسفة «اليونانية»، وهو أن الفلسفة هي دائمًا وأبدًا معرفة كونية[29]؟

يرى طه عبد الرحمن أنه لا مندوحة من خصوصية تعطينا التميُّز، وتملكنا الحق في الاختلاف والخصوصية في مقابل كونية مدعاة. وهذه الخصوصية هي ما يجب للعربي من نصيب فلسفي بحيث ينبغي لغيره أن يُقِرَّ بخصوصية هذا النصيب الفلسفي، بمعنى آخر أن العربي يحتاج إلى الاعتراف بالحاجة إلى إيجاد فلسفة يتميز بها العربي عن غيره لا تَمَيُّز الانقطاع ولكن تَمَيُّز التكميل والإغناء[30].

1. الخصوصية مهد الكونية؛ فهذه الخصوصية الفلسفية تشكل مهد الكونية الفلسفية[31]، وذلك من جهتين؛ أولاهما أن الفيلسوف الذي يُنْشِئ فكرًا فلسفيًّا ينشئه من مجال تداول خاص، ويُنشئه بقيم مخصوصة، ولغايات مخصوصة. ولكن يرتقي بهذا الفكر إلى رتبة أنه يجعل تلك القيم أو يجعل ذلك المجال التداولي الذي انطلق منه مفتوحًا على كل المجالات وعلى كل القيم.

فإذن الحقيقة أن الفلسفة لا تصدر إلَّا عن فيلسوف له موقع خاص في مجتمع خاص بقيم خاصة وبمقاصد خاصة.

وثانيتهما أن هناك جانبًا آخر هو أن الخصوصية هي جسد الكونية؛ أي إذا كانت هناك كونية أو معانٍ كونية فلا يمكن إلَّا أن تلبس لباس لغة مخصوصة وتُنْطَق في مجتمع خاص وتستخدم لغايات مخصوصة، بمعنى آخر: أنه لا بد من لباس خصوصي للمعاني الكونية ولو وُجِدت هذه المعاني، بمعنى آخر: أن الكونية هي عبارة عن معانٍ تلبس لباس الخصوصيات المختلفة[32].

2. الخصوصية تُثري المشترك الإنساني؛ يرى طه عبد الرحمن أنه ربما يقول قائل: إن الكونية هي الإطار الأوسع، وهي المآل الذي تتصاعد إليه الخصوصيات المختلفة وتأمل بالوصول إلى مشترك إنساني متجاوز للقوميات والخصوصيات الثقافية والأديان وغير ذلك. غير أنه يذهب إلى أن الأمر يكون بالعكس. فالخصوصية تثمر وتغني المشترك الإنساني، لأنه يخرج بها عن مقتضى ما يمكن أن نسميه بالفلسفة الواحدة بحيث تُفْرَض على جميع الأمم، ثم ثانيًا هذا الفرض حتى إذا كان هناك مشترك كوني فإن هذا المشترك الكوني لا يبلغ دائمًا إلَّا من مواقع معينة، لا بد أن يكون هناك موقع فرنسي وموقع ألماني وموقع إنجليزي ليخرج هذا الكون إلى الناس.

فإذن الحقيقة الكونية ليست إلَّا مجموعة خصوصيات متضافرة فيما بينها كأنها عبارة عن منظورات مختلفة لشيء واحد، ولكن ذلك الشيء الواحد لا يمكن أن ندركه في ذاته من حيث هو مستقل عن هذه الخصوصيات، إنما ندركه دائمًا من خلال هذه الخصوصيات[33].

فمثلًا لو أخذنا مفهوم العدل، فالعدل يعني مفهومًا كونيًّا، ولكن تصور العدل في هذا المجتمع يختلف عن تصوره في ذلك المجتمع، مفهوم العدل في المجتمع الديمقراطي يختلف عن تصور العدل في المجتمع الإسلامي كما كان في أوائل صدر الإسلام مثلًا.

وبما أن الفلسفة نظر شامل مراد منه التغلغل في استيعاب معنى من المعاني أو حقيقة من الحقائق، فإن ذلك يعني الانطلاق من موقع معين نسميه مجالًا تداوليًّا أو مجتمعًا ما أو كذا، لا يمنع كليًّا من أن يكون هذا الانطلاق متجهًا لمعاني يتناولها الجميع. ولكن كل يتناولها بأدواته الخاصة، وبلغته الخاصة، وبقيمه الخاصة، وبآماله الخاصة، ولكل فيلسوف وجهة نظره الخاصة. وهذا يجعل من الحقيقة الكونية ما هي إلَّا مجموعة خصوصيات متضافرة فيما بينها.

بل أكثر من هذا، لا يتجلى الاختلاف في معرفة مثلما يتجلى في الفلسفة. يقال بأن الفلسفة كونية ولكن حقيقة الأمر ليس في المعرفة مجال يختلف فيه الناس مثل اختلافهم في المجال الفلسفي، وهذا يدل على أن الفلسفة ليست فقط فيها اختلاف، بل فيها أقصى الاختلاف الذي يمكن أن يقع فيه الإنسان أو يحصل في المعرفة الإنسانية[34].

رابعًا: التأسيس للخصوصية

بناء على ما سبق تناوله، فإن طه عبد الرحمن يرى أن التأسيس للخصوصية يكون في مستويين متضافرين، هما؛ دفع مجموعة أساطير، والاشتغال في مراتب ثلاثة من الإبداع.

1- دفع مجموعة أساطير

فهناك مجموعة من الأساطير كما سبق القول تحول دون تأسيس خصوصية فلسفية، هي بذاتها ندخل بها إلى الكونية، باعتبار الخصوصية جيدا للكونية ومهدها، وهذه الأساطير هي:

1. تقديس القول الفلسفي الإغريقي قديمًا، والأوروبي حديثًا من حيث اللفظ والمضمون.

2. إعجاز القول الفلسفي الإغريقي خاصة، والنظر إليه باعتباره معجزة كبرى تفرَّد بها اليونان.

3. استقلال المضمون الفلسفي؛ فالادعاء باستقلال المعنى العقلي عن الشكل اللغوي مؤسس على اعتقاد أسطوري ما انفك يخالط عمل المتفلسفة العرب في أقوالهم وخطاباتهم.

2- مراتب الإبداع

أما منهج بناء الخصوصية الفلسفية فيقتضي الاشتغال على مراتب ثلاثة، تهدف متضافرة إلى إبداع قول فلسفي خاص بنا نتميّز به ونساهم به ونشارك في الخطاب الكوني. وهذا الإبداع يتضمن ابتكارًا (بترك تقديس القول الفلسفي)، واختراعًا (بترك القول بإعجاز القول الفلسفي)، وإنشاءً (بترك القول باستقلال المضمون الفلسفي)[35].

1. فالابتكار معناه أن تكون للمتفلسف القدرة على التصرف فيما بين يديه من الأقوال الفلسفية الأصلية، بحيث ينتج منها أقوالًا أخرى تنتهي فيها أسباب الأسطورة؛ لفظية كانت أو مضمونية.

2. أما الاختراع فأن تكون للمتفلسف القدرة على التأمل فيما يمارسه من الأقوال الطبيعية، بحيث يولد منها أقوالًا فلسفية تنتفي فيها أسباب الأسطورة؛ سواء ما تعلّق منها بأصل الفلسفة، أو ما تعلّق بأشخاص الفلاسفة.

3. في حين أن الإنشاء بأن تكون القدرة للمتفلسف على وضع القول الفلسفي بالوجه الذي يجعل مضمونه يزدوج بشكله ازدواجًا يظهر فيه تحديد الواحد منهما للآخر على قانون بلاغة اللسان العربي، بحيث تنتفي في هذا القول أسباب أسطورة الأسبقية؛ معنوية كانت أو نطقية.

ﷺ خاتمة

وما يمكن أن نختم به هذه المطالعة أن طه عبد الرحمن يرفض السمة الكونية للفلسفة، ويؤكد خصوصيتها، من أوجه عديدة؛ منها ارتباط الفلسفة بالسياق التاريخي والاجتماعي، وارتباطها بالسياق اللغوي، والاختلاف الكبير بين الفلاسفة أنفسهم، وتوزع تسميات الفلسفة على قوميات عدة فنقول فلسفة ألمانية وفرنسية وأمريكية وهندية وغيرها.

وهذا يدفعنا إلى القول: إن طه عبد الرحمن أراد أن يثبت أن دعوى كونية الفلسفة، تمثل أسطورة؛ إبستيمولوجيًّا وتاريخيًّا وواقعيًّا، كما أنه من قبيل أسطورة تشكل أيديولوجيا تعمل على ترسيخ الهيمنة الثقافية والحضارية الغربية.

 

 

 



[1] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2002، ص 16.

[2] عباس رحيلة، نظرة في المشروع الفكري للدكتور طه عبد الرحمن. انظر:

http://ferssan.wordpress.com/2010/12/22/nadrafimachrou3taha/

[3] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة – القول الفلسفي، كتاب المفهوم والتأثيل، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط1، 1999، ص 12.

[4] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، ص12.

[5] طه عبد الرحمن، الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري، ص299.

[6] طه عبد الرحمن، العمل الديني وتجديد العقل، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط3، 2000م، ص12، 221.

[7] نشرت هذه الكتب تباعًا عن المركز الثقافي العربي: سؤال الأخلاق، مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية، 2000؛ الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، 2002؛ الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري، 2005؛ روح الحداثة المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية، 2006.

[8] طه عبد الرحمن، العمل الديني وتجديد العقل، ص9.

[9] طه عبد الرحمن، العمل الديني وتجديد العقل، ص9.

[10] طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق، مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية، 2000، ص 175-178.

[11] طه عبد الرحمن، روح الحداثة المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2006، ص1.

[12] طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ص 243 وما بعدها.

[13] طه  عبد الرحمن، روح الحداثة، ص11-14.

[14] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص148.

[15] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص 197.

[16] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص116.

[17] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص83-103

[18] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص119.

[19] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص123.

[20] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص 124.

[21] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، 125.

[22] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص51.

[23] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص52.

[24] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص 53-54.

[25] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص 55-58.

[26] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص 58-65.

[27] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص 56.

[28] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص 66

[29] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، ص 11 – 12.

[30] طه عبد الرحمن، حوار مع خالد الحروب، حصة «خير جليس»، قناة الجزيرة الفضائية، بتاريخ  5/3/2005.

[31] طه عبد الرحمن، الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري، ص293.

[32] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص 52-63.

[33] طه عبد الرحمن، الحق الاسلامي في الاختلاف الفكري، ص21 وما بعدها.

[34] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص 54.

[35] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص74 وما بعدها.

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة