تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

استراتيجية الإبداع الفلسفي في ضوء الترجمة عند طه عبدالرحمن

محمد عيساني

استراتيجية الإبداع الفلسفي

في ضوء الترجمة عند طه عبدالرحمن

الدكتور امحمد عيساني*

 

 

*         معهد اللغات والآداب، المركز الجامعي أحمد بن يحيى الونشريسي، تيسمسيلت، الجزائر.

 

 

عرف الفكر العربي المعاصر في النصف الثاني من القرن العشرين، العديد من المشاريع، تنوّعت في مراميها للخروج من نفق التبعية، وذلك لما لقيته الأمة الإسلامية من عنت شديد من جرّاء أوضاعها، زادها يأسًا وإحباطًا، فارتهن الشرق لحضارة الغرب في كل المجالات الحياتية اقتصاديًّا وسياسيًّا وثقافيًّا. وتبعًا لذلك وقع الكثير من أهل النظر والإبداع، كما يقول الدكتور طه عبدالرحمن، من المفكرين العرب الحدثيين في تقليد الحداثة الغربية، تقليدًا أضرّ بإنسانيتهم وهويتهم الحضارية.

في هذا الإطار يتَّجه المشروع التجديدي الذي وضعه المفكر الإسلامي طه عبدالرحمن نحو تحرير المثقف العربي من آفة التقليد، وتوجيهها نحو فضاء إبداع جديد يقضي من خلاله على اغتراب هذا المثقف واستلابه، ويتحقّق هذا التحرّر من الاغتراب عبر تخليص المثقف العربي من قوالب الفكر الغربي، التي حجمت فكره وأدخلته دوامة اللاحضور في ساحة الفكر والمثاقفة.

وما يشغل طه عبد الرحمن اليوم هو كيف يظفر بجواب عن سؤال: ما السبيل إلى إبداع فلسفي حقيقي في سياق واقع تبعية الفلسفة العربية للترجمة؟

من هنا وجب التساؤل بالمماثلة عن وضع الفلسفة في سياقنا الثقافي الراهن، «فقد كانت هناك أسماء فرضت نفسها لا في تاريخ الفكر العربي الإسلامي فحسب، بل وفي تاريخ الفكر الإنساني بصفة عامة، حيث أصبحت هذه الأسماء تمثّل مراحل من تاريخ الفكر الفلسفي على الصعيد الإنساني، فكانت تركيبًا شخصيًّا لما سبقها ومصدرًا لتأثيرات متنوعة في اللاحق عليها»[1].

ونذكر على سبيل المثال الكندي في العصر العباسي الأول، وما يدل على حالة الضعف التي عليها الفلسفة في سياقنا الثقافي المعاصر، هو أنه لا توجد أسماء بارزة استطاعت أن تفرض ذاتها على ساحة الفكر الفلسفي، «وأن تكون لها المكانة ويكون لها الأثر الذي كان للفلسفات العربية الإسلامية السالفة الذكر»[2]، بل إنتاجًا للآثار الفلسفية، هذه الإنتاجات ينقصها الرابط الداخلي، إنها تشبه التعاضد في العمل الفلسفي، عوضًا عن النزاع بين النظريات، التي تدل خصوماتها على تضامنها الداخلي وخصوبتها الفكرية.

كذلك هو الحال في واقعنا الفلسفي، حيث لدينا «تعارض بين تراكم إنتاج فلسفي يمكن أن نصفه بأنه تربوي تعليمي وتوصيلي للمعرفة الفلسفية، وبين الحاجة إلى فلسفة يمكن أن تقودنا مباشرة إلى التفكير في القضايا الفلسفية المطروحة، أو تكون مساهمة في إغناء الفكر الفلسفي المعاصر على الصعيد الإنساني»[3].

إن هذا الأمر يعكس مدى غياب فكرة الحوار الفلسفي الجاد، الخالي من التوافق الكاذب والصمت المتبادل، «لا بد من وجود مشكلات مشتركة تتوجه إليها الفلسفات المختلفة متبادلة بصددها الحوار، وهذا ما يغيب في كثير من الأحيان، مع أنه ضروري لقيام الفلسفة وعودتها إلى دورها الحي الذي بدأت به، والذي رافقها مع كل فلسفة حقة كان لها تأثير كبير في تاريخ الفلسفة»[4].

نحن في حاجة إلى فلسفة، حتى وإن كانت من الماضي، لكن لديها القدرة على مساعدتنا على التفكير في حل مشكلاتنا الإنسانية الجديدة، لم تكن قد عرفتها هي من قبل، وهذه هي قوة الفلسفة الحية وقدرتها على الاستمرار في التجاوب مع المشكلات الجديدة.

وهذا ما يؤكده هوسرل عندما يقول: «إن الحنين إلى فلسفة حية، قد أدى في أيامنا هذه إلى نهضات كثيرة، إننا نسأل: ألَّا تقوم النهضة الوحيدة المنتجة حقا، على إثارة تأملات ديكارتية من جديد، لا لكي نتبناها في كل أجزائها دون شك، وإنما لكي نكشف قبل كل شيء عن المعنى العميق للعود الكامل إلى «أنا أفكر» الخالص؟ ولكي نُحيي من بعد القيم الخالدة التي تصدر عنه؟»[5].

ولأن الفلسفة لا تكون دون تاريخها، فإن الفلسفة الحية المطلوبة في هذا المقام، هي تلك التي تكمن في العودة النقدية إلى المذاهب الفلسفية السابقة، وإعادة النظر في القضايا الفلسفية المطروحة، من حيث معالجتها والمنهج المتبع في تحليلها، وبهذا لا تكون مجرّد اتِّباع وتكرار لمضمون سابقاتها.

لقد حان الوقت لإحياء نزعة هوسرل الإصلاحية في أن نُخضع الإنتاج الفلسفي، الذي تعجّ به ساحتنا الثقافية في أيامنا هذه إلى انقلاب ديكارتي، وأن نباشر في تأمل جديد في هذا الإنتاج، «بما فيه من خليط مضطرب من التقاليد الكبيرة، ومن البدايات الجديدة، (...) أليست فوضى الوضع الراهن نتيجة لفقدان اندفاعات التأمّلات لما كان فيها من حيوية أولى، بسبب اختفاء روح المسؤولية الفلسفية الأساسية؟ ما المعنى الجوهري لكل فلسفة حقيقية؟ أليس هو السعي إلى تحرير الفلسفة من كل حكم سابق ممكن في سبيل أن نجعل منها علمًا مستقلًا حقيقيًّا، يتحقّق بفضل البداهات الأخيرة المستمدة من الذات نفسها، ويجد في هذه البداهات تبريره المطلق؟»[6].

من هذا المنطلق يريد الوعي الفلسفي العربي المعاصر، أن يُكوِّن لنفسه، من خلال واقعيته التاريخية، وعيًا جديدًا، لا أن يكون استمرارًا لوعي قديم، ونقطة انطلاق نحو شمولية جديدة، وتقوم هذه الإرادة لدى الوعي الفلسفي العربي المعاصر، على أساس القطيعة مع الوعي الغربي بناء على التناقضات الكامنة في شموليته الفكرية التي هيمن بها منذ قرون، ولا تزال مظاهر هيمنته مستمرة على الفلسفة العربية على الخصوص.

إن الفلسفة العربية المعاصرة، «تريد أن تقوم على أساس تجاوز التناقض الذي وقع فيه الفكر الغربي منذ انطلاقته الحديثة بين دعواه الشمولية وطموحه في ذلك، وبين عدم قدرته في الوقت الراهن على استيعاب عمق كل المشكلات المطروحة على إنسانية الزمن المعاصر»[7].

هذا التناقض يستشعره كل مثقف عربي عندما يريد أن يستعيد الفكر الغربي، لمعالجة مشكلاته اليومية، فيجد نفسه بين مطرقة تقليد واستمرار هذا الفكر، فيصبح مجرّد صدى وموطن له، وسندان التوجهات العلمية الساعية إلى تغيير المجتمع وتحريره من رواسب الهيمنة على جميع أصعدتها.

يقول محمد وقيدي في كتابه «بناء النظرية الفلسفية»: «لقد كانت الفلسفة الأوروبية التي انطلقت من «الأنا أفكر» الديكارتية عقلانية، لأنها كانت في البداية تعبيرًا عن طموح الإنسان الأوروبي زمن نشأتها في بناء مجتمع جديد. ولكن هذه الفلسفة غدت لا عقلانية عندما ارتبطت «الأنا أفكر» بمقولات أخرى: أنا أستعمر، أهيمن، وأوجه التطوّر المادي والفكري للآخرين. وبين مكانة الفلسفة الأوروبية في الماضي بفضل تعبيرها عن طموحات مشروعة، وما هي عليه في الوقت الحاضر من عدم قدرة على استيعاب مشاكل وطموحات جديدة، تريد الفلسفة في العالم الثالث، ومنه العالم العربي أن تملأ فراغًا نظريًّا تجد فيه نقطة انطلاق»[8].

ما يسمّى إبداعًا، هو أن تكون مساهمة المفكر العربي، بناء على المعطيات الخاصة، في بناء النظرية الفلسفية الإنسانية الشاملة، عن طريق «إعادة القوة إلى «الأنا أفكر» وذلك بإعادة النظر في كل النتاج الذي تولد عن «الأنا أفكر» في مرحلتها الأولى منذ ديكارت إلى الآن. على أن هذه الإعادة للنظر لا تعني الرفض المطلق، بقدر ما تعني الفحص النقدي لكل هذا التراث الفلسفي»[9].

وللمفكر العربي اليوم الفرصة السانحة في إعادة النظر في مشكلات العالم المعاصر التي لم تجد لها مكانًا ملائمًا ضمن الفكر الفلسفي الحديث والمعاصر.

طه عبد الرحمن وحق الاختلاف الفلسفي

ومن هنا تأتي مشروعية السؤال «التحرري» في المشروع الفكري لطه عبدالرحمن، حول كيفية تحرير القول الفلسفي والتأسيس لحداثة إسلامية، ودرء التقليد، وذلك لما رآه ولمسه من استغراق القول الفلسفي العربي في التقليد، «فالمتفلسفة العرب المعاصرون يؤوّلون إذا أوّل غيرهم، ويحفرون إذا حفر، ويفككون إذا فكك...، سواء أصاب في ذلك أم أخطأ، وقد كانوا، منذ زمن غير بعيد، توماويين أو وجوديين أو شخصانيين أو ماديين جدليين...»[10].

وهذا يعني في نظره أن المتفلسفة العرب المعاصرين لا يضعون المصطلحات إلَّا ما جاء به غيرهم، ولا يستعملون الجمل إلَّا ما استعمله غيرهم، فغاب عن ذهن المتفلسف حقيقة اختصاص كل أمة في وضع الاصطلاح والتركيب والبيان. ونقل طه عبدالرحمن عن ابن سبعين، في كتابه «بد العارف»، تحقيق جورج كتّورة، دار الأندلس، بيروت، أنه -أي ابن سبعين- انتقد ابن رشد الفيلسوف على تقليده أرسطو في كل شيء، حتى لو قال -أي أرسطو-: إن القائم قاعد في زمان واحد، لقال به واعتقده.

فقد وجد طه عبدالرحمن أن مفكري الإصلاح في العصر الحديث والمعاصر، قد اتّخذوا من العقلانية الغربية منهجًا ومنطلقًا في التفكير، وربطوا كل تقدّم بانتهاج العقلانية الغربية، وبنوا مجدهم وشهرتهم على ما تساقط عليهم من مناهج وأفكار.

ومشروعه الفكري في جملته، يُقدّم للفكر الإسلامي الحديث، «ما به يتم الخروج من نفق التبعية الذي افتقدنا فيه ملامح وجودنا، ومن نفَق الارتهان لفكر أزرى بحقيقتنا الإنسانية، وعرَّضنا لمزيد من التلاشي والضياع. والحقيقة الساطعة في هذا المشروع أن صاحبه يضع، بكل اقتدار وخبرة خطةً منهجية عملية تُمكن المتفلسف العربي من الإقلاع عن التبعية، وتؤهله لأن يُحقق أمرين:

أولهما: أن يأتي بما يستشكله هُوَ -باعتباره مفكرًا حرًّا- من واقعه وتراثه وهويته.

وثانيهما: أن يُبدع ما به يُضاهي ما لدى غيره من أفكار ونظريات»[11].

وتطرّق الدكتور طه في التمهيد إلى ثلاث نقاط محورية هي: رفع التقليد عن القول الفلسفي، والردّ على أهل التقليد في القول الفلسفي، وجوانب الاجتهاد في القول الفلسفي «انظر تجد» الذي اقترحه لمقولة ديكارت[12].

1- الموقف من التبعية ورفع التقليد عن القول الفلسفي

في رفع مسألة التقليد، ينتقد طه عبد الرحمن المتفلسفة من العرب المعاصرين الذين استلذوا التفلسف على طريقة غيرهم، فلم يذهبوا إلى مساءلة ذلك التفلسف عند أهل الغرب ونقده على مقتضى ثقافتهم، بل انخرطوا فيه باسم مقولة «الانخراط في الحداثة العالمية»، و«الاستجابة للشمولية الفلسفية»، دون مراجعة التصوّر الذي ساد عن الفلسفة الغربية، فلم يستطيعوا أن يأتوا بما ينافسها ويضاهيها، انطلاقًا مما قد يستشكلونه من واقعهم.

لقد اكتشف ما يعتري هذه المقولات من زيف وتناقض، فهي تعبّر عن ضيق تصور وانحصار رؤية لإمكانات الإنسان ولأطراف عقله وآفاق مصيره. ثم إن مدَّعيها إنما يتذرّعون بهذا لتزيين كسل عقلهم، وشلل إرادتهم، فالانخراط في الحداثة بالنسبة لأولئك إن هو إلَّا تقليد ومحاكاة وانمحاء في الغير!

إن مقولة (الاستجابة للشمولية الفلسفية) تتأسس عند عبد الرحمن بالنسبة لأصحابها، على تصوّر خاطئ يرون من خلاله «أن المفاهيم والأحكام الفلسفية بلغت النهاية في الشمول، حتى لا يضاهيها في ذلك علو ولا دين»[13].

ويستطرد متعجبًا بقوله: «كيف لأمة جاءت بغير علم واحد وبغير معرفة واحدة لا يقدر فلاسفتها على أن يقولوا قولًا فلسفيًّا لم يقله غيرهم، ولا أن يسمعوه ما لم يطرق سمعه، إلَّا أن يحفظوه عنه وينقلوه إليه، بضاعةً مردودةً إلى أهلها، (...) وعليه فإن التصدي لآفة التقليد الفلسفي لن يتحقّق إلَّا بالوقوف على أسرار القول الفلسفي عند أهله المجتهدين لا عند ناقليه المقلدين. والوقوف عند تلك الأسرار لا يتحقّق بطريق التفلسف، بل بطريق العلم، حتى يصبح النظر في الفلسفة كما ينظر العالم في الظاهرة، رصدًا ووصفًا وشرحًا»[14].

وأمر الفلسفة عند عبد الرحمن على خلاف المشهور، فهو قول ممزوج بالفعل والسلوك، والبحث في الفلسفة على هذا المقتضى هو الذي يسميه «فقه الفلسفة»، وذلك لما يفيده لفظ «فقه» عند العرب بتفرد، من الجمع بين إفادة العلم وإفادة العمل.

ولا يكفي في نظر طه عبد الرحمن «أن يقترن النظر بالعمل، بل ينبغي أن يبلغ العمل من نفس المقتدي أو المتخلق درجة يصبح معها هو الممد للنظر بأسبابه وكيفياته، (...) فما إن يتحقّق المقتدي باتحاد النظر والعمل، حتى ينفتح له باب تحصيل القدرة على التجديد، (...) ذلك أن النمط المعرفي الحديث غير مناسب إن لم يكن غير صالح للتوسل به في بناء معرفة إسلامية حقيقية»[15].

وجوهر مشروعه، هو أنه علينا أن نتميّز عن غيرنا في معترك الفكر، حيث يكون لنا الحق في الإبداع الفلسفي، وأن نضع الكيفية التي نحقق بها ذلك الاختلاف، ومن هذا الباب جاء مشروعه «فقه الفلسفة» لقطع حبل التبعية عن فكرنا الإسلامي.

ففي كتابه «فقه الفلسفة.. القول الفلسفي المفهوم والتأثيل» (التأصيل)، يستعمل طه عبد الرحمن لفظ «القول» بسبب ما يتمتع به هذا اللفظ في الاصطلاح، من «غلبة الدلالة على الجانب اللفظي من الكلام، (...) فضلًا عن أنه أُطلقَ على جميع أقسام الكلام بلا استثناء: فالقول بغير تركيب قولٌ، والقول بتركيب بسيط قولٌ، والقول بتركيب التركيب قولٌ، علمًا بأن الأول هو اللفظ، والثاني هو الجملة، والثالث هو ما فوق الجملة، وهو ما صار المعاصرون يسمونه (النص)»[16].

ومن منطلق هذه الخصوصية للقول الفلسفي، يرى طه عبد الرحمن أنه ليس كل لفظ لفظًا فلسفيًّا، إنما اللفظ الفلسفي بحق هو المفهوم! ولا لفظ سواه. وتاليًا فإن «المفهوم الفلسفي» و«اللفظ الفلسفي» لهما معنى واحد. كما أنه لا يعتبر «كل جملةٍ جملةً فلسفية، وإنما الجملة الفلسفية هي التعريف، والنص الفلسفي هو الدليل، فالقول عنده إذن: مفهوم وتعريف ودليل. ووضع لهذا القول مراتب إشارية»[17].

ومن ثم فيه من العبارة بقدر ما فيه من الإشارة، وهذا الأمر لم يدركه بعض المتفلسفة المحدثين من العرب، «إذ اعتقدوا أن القول الفلسفي المنقول إليهم إنما هو عبارة محضة، فلما طلبوها فيه، وقعوا في الأخذ بإشارته، من حيث يظنون أنهم يأخذون بعبارته، فقطعت عنهم طريق الإبداع الفلسفي»[18].

وتجاوز آفة التقليد عند طه عبد الرحمن، يتم عن طريق تعقب مظاهر الإشارة في القول الفلسفي المنقول، ومدى تأثيرها في عبارته، وعندما يعلم المتفلسف بهذه المظاهر والآثار، يستبدلها بما عنده من إشارة تضاهي تلك.

من هنا أخذ على عاتقه مهمة تقصي المظاهر والآثار الإشارية في مراتب القول الفلسفي: المفهوم والتعريف والدليل، مستخرجًا «على قدر الطاقة صفاتها وكيفياتها وضوابطها، التي تأتي من جهتها للمتفلسف العربي مساوئ التقليد»[19]، وأعطى لكل إشارة مصطلحًا خاصًّا، فإشارة المفهوم إضمار، سماها «القوام التأثيلي» وإشارة التعريف اشتباه، سماها «القوام التمثيلي» وإشارة الدليل وهي مجاز، أعطاها اسم «القوام التخييلي».

ولهذه الإشارات مراتب زمانية في القول الفلسفي، فالإضمار للماضي والاشتباه للحاضر، والمجاز لزمن المستقبل. وهكذا يبطل طه عبد الرحمن زعم الرأي المشهور القائل بأن الفلسفة تخترق الزمان والمكان، كما لو كانت تنافس التنزيل، وترسخ الاعتقاد القائل بأن معاني الفلسفة لا تبلى ولا تفنى ولا تحدّها حدود ولا تلزمها قيود، حتى قيل فيها بأنها الفلسفة الكونية الخالدة. لينتهي بعد ذلك إلى القول بأن الزمان هو الذي يخترق الفلسفة، فعلينا «أن نطلب في كل قول فلسفي لا ما يطويه من عموم الحكم، وإنما ما يطويه من خصوص السبب، أي بحسب مقام الكلام لأنه الدليل على زمانه، (...) ولا نسعى إلى تجريده (القول الفلسفي) من السبب، كما يفعل المقلدة من المتفلسفين»[20].

وعلى هذا الأساس فإنه على الفيلسوف الأصيل الحامل لشحنات الإبداع والعطاء، أن يأتي في قوله الفلسفي بأزمانه التي هو ابنها، فيحمل مفهومه أثرًا من ماضيه، ويحمل تعريفه عينًا من حاضره، ويحمل دليله أفقًا من مستقبله. وهذا ما يصلنا حقيقة إلى تحرير القول الفلسفي، تحرير يرفع قيد التبعية للمنقول الفلسفي، ويورث الاستقلال والإبداع، لأن «الأصل في المفهوم الفلسفي أن يكون موصولًا بالزمان الماضي لأهله، ولا يصار إلى وصله بزمان غيره إلَّا بدليل، أما أن يجرّد بالكلية من الزمان، فذاك مطلب من دونه خرط القتاد، وسوف يأتيك من الأدلة على ما نقول ما يجعلك بين أمرين اثنين لا ثالث لهما: إما أن تختار بنفسك لمفهومك من تراثك البضعة التي تريد من زمانه الماضي أو تُضطر فيه إلى تراث هو تراث لغيرك وإلى زمان هو زمان لغيرك»[21].

ومن مقتضى الحرية في القول الفلسفي، اقتضى الأمر من طه عبد الرحمن تأثيل (تأصيل) مفاهيم، ووضعها وضعًا، وفق مقتضيات المجال التداولي العربي الإسلامي، فكلمة (التحرير)، تتضمّن معنيين مشهورين أحدهما، إزالة القيد عن الشيء، والثاني، الإثبات الجيد للشيء بواسطة الكتابة، و«الحال أن معنى الإثبات بالكتابة هو الذي جعل له اللسان العربي اسم القيد أو التقييد، فيصير معنى التحرير هو إجادة القيد والتقييد، فيكون بين أيدينا لفظ يدل على معنيين متضادين هما: إزالة القيد وإجادة القيد أو التقييد»[22].

ومن هنا يصبح تحرير القول الفلسفي في نظر طه عبد الرحمن، هو أن تستبدل قيد هو عبارة عن منقول فلسفي لا يُورِّثُكَ إلَّا التبعية لغيرك، بقيد عبارة عن مأصول فلسفي يُورِّثك الاستقلال برأيك، «أي تخرج من تقييد هو إتباع وتقليد إلى تقييد هو اجتهاد وتجديد»[23]، أي إنك تترك كتابة هي عين الرق إلى كتابة هي عين الحرية.

2- الرد على أهل التقليد في القول الفلسفي واستشكال الصلة بين الفلسفة والترجمة

يرى طه عبد الرحمن أن التقليد دخل على الفلسفة الإسلامية من باب الترجمة، «فلم يقترن شيء في الفكر الإسلامي العربي بالترجمة اقتران الفلسفة بها، حتى لا فلسفة معترف بها بيننا بغير ترجمة»[24].

وقد عمل في كتابه فقه الفلسفة (الفلسفة والترجمة)[25]، على وضع تصوّر جديد للترجمة، تنبني عليها الصلة بينها وبين الفلسفة، وجعلها في ثلاث مراتب:

1- الترجمة التحصيلية، وتتمسّك بحرفية اللفظ، وغايتها التعلّم من النص الأصلي والتلمذة على صاحبه، ولها مساوئ عدة كتوريث الخطأ في المعنى والتركيب، حيث نجد أن «المترجم التحصيلي يتولى نقل الفلسفة بجميع مكوناتها الأصلية والفرعية، مستعملًا في ذلك كل الطرق التبليغية التي تمكنه من هذا النقل الشامل، (...) فيستحوذ عليه هم اللغة، فيتتبع المكونات اللسانية للنص الفلسفي المراد نقله»[26].

2- الترجمة التوصيلية، يتمسّك المترجم فيها بحرفية المضمون دون حرفية اللفظ، وغالبًا ما يكون قادرًا على استيعاب النص الأصلي بما يكفيه، ويقصد به ممارسة التعليم. وقد تُورث هذه الترجمة صاحبها أخطاء في المعنى والتركيب، فيقع في تهويل بعض المضامين بما يشعر المتلقي بالعجز إزاءها، لأن المترجم في هذه الحالة يكون قد غض الطرف على نقل كل «عناصر النص الفلسفي كما ينقلها المترجم التحصيلي، وإنما يحذف بعضها مما يجد فيه ضررًا على المجال التداولي للمتلقي، محدّدات أو مقومات»[27].

3- الترجمة التأصيلية، وهي أن يتصرّف المترجم في المضمون كما يتصرّف في اللفظ، فهو يستحوذ عليه هم الفلسفة، لا هم اللغة، كما هو الحال عند المترجم التحصيلي، وغاية صاحبها رفع عقبات الفهم الزائدة عن الضرورة من طريق المتلقي، ثم اقتداره على التفاعل مع المنقول بما يزيد في توسيع آفاقه ويزوده بأسباب الاستقلال في فكره، «فيتعقّب المكونات الفلسفية للنص، مستخرجًا منها المواضع الاستشكالية والآليات الاستدلالية فيها، وقائمًا في هذا الاستخراج بالموجبات التداولية للغة المنقولة إليها»[28].

والأولى من كل هذه الأنواع في الترجمة، نجد أن طه عبد الرحمن يفضل الترجمة التأصيلية، ذلك أنه «حتى إذا تمكّن المتلقي من استيعاب المنقول إليه على الأقل في الجوانب التي توافق عاداته اللغوية والمعرفية، جاز حينئذٍ معاودة هذه الترجمة باتِّباع الطريقة التوصيلية»[29]، ثم ننتقل إلى الترجمة التحصيلية التي يتبيّن من خلالها الطرق التعبيرية التي تمَّ بها بناء هذه المضامين في الأصل، ويكشف عن أسرارها اللسانية. وهذا عكس ما يذهب إليه غالبية المترجمين العرب قديمًا وحديثًا، فهو قدّم الترجمة التأصيلية عن التوصيلية وفي الأخير التحصيلية.

وقدم طه نموذجًا تطبيقيًّا عن فكرة الترجمة التأصلية، من حيث تصوره الثلاثي للترجمة، من خلال ترجمة «الكوجيطو الديكارتي»، إذ نقله من مقولة: «أنا أفكر إذن أنا موجود» المعروفة إلى مقولة: «انظر تجد» وفق الترجمة التأصيلية.

ويكون بذلك قد قدم ردًّا لمنتقديه علي حرب ومحمد سبيلا، اللذين خالفا -في نظره- القواعد المعرفية والمنهجية المعروفة، وهي خمسة:

أ- مخالفة القاعدة النحوية، باعتبار «انظر تَجدْ» جملة أمرية، فليس هي جملة إنشائية ولا خبرية ولا تقريرية، وإنما هي على الحقيقة جملة شرطية، كما يصفها النحويون، والجملة الشرطية تتكون من شرط ومشروط، والفعل «تَجدْ» فعل مجزوم، «والعلة في الجزم هو أن هذا الفعل جواب لفعل تقدمه، «انْظرْ» فيكون مشروطًا به، ولا مشروط بغير شرط»[30]. وقد تحجج في ذلك طه عبد الرحمن، بالحدث الفلسفي الأول الذي يؤرخ به الدارسون لميلاد الفلسفة، ألا وهو «اعرف نفسك بنفسك» المقولة المشهورة لسقراط، وبذلك يكون الأصل في الفلسفة الأمر لا الخبر.

ب- مخالفة القاعدة الخطابية، باستنكار المنتقدين لاستعمال صيغة الخطاب في ترجمة طه التأصيلية، مع العلم أن هذه الصيغة في الكلام هي بحق أخص صيغة باللغة العربية، يقول طه لمنتقديه: «لقد أخطأتم حين أنكرتم علينا أن نستعمل صيغة الخطاب في ترجمتنا التأصيلية، ألا تعلمون أن هذه الصيغة في الكلام هي بحق أخص صيغة باللغة العربية؟ وهذا باب في تداوليات اللغة لو ذهبنا نستوفي الكلام فيه، لطال بنا المقام، ولكننا نختصر لكم من كلامنا ما قد يُستدل به على الباقي، فمعلوم لكم أن صيغ الكلام ثلاث هي صيغة التكلّم (أنا، نحن) وصيغة الخطاب (أنت...) وصيغة الغَيبة (هو، هما...)، (...) بحيث يقوم باللسان العربي قانون عام هو أن صيغة الكلام التي تتميز بها اللغة العربية هي صيغة الخطاب»[31].

ج- مخالفة القاعدة التناظرية، وفيها يعيب طه على منتقديه تجاهلهم الأدلة القوية التي وضعها لترجمته التأصيلية، مما أوقعهم في خطأين اثنين: خطأ الغصب وخطأ الخبط، في الأول، أنهم سكتوا عن جملة الأدلة التي وضعها في ترجمته للكوجيتو الديكارتي، ليس على سبيل التشهي والتحكم، بل إن كل دعوة أقيم عليها الدليل، فهم انشغلوا بنقد الترجمة وتركوا أدلتها. والثاني، نتج فيه عن سكوت المنتقدين عن أدلة الترجمة التأصيلية، أنهم أغلقوا باب المعرفة وفتحوا باب الكلام بغير رقيب، وبالتالي الوقوف أمام تطوّر وتقدّم المعرفة، فهو يقول: «ما اندفعتم فيه من كلام من دونه كلام لا يسهم بأي وجه في بناء المعرفة ولا في الإيصال إلى الحق»[32].

د- مخالفة القاعدة التداولية، نسب فيها منتقدو طه عبد الرحمن الترجمة التأصيلية «انظر تجد» إلى الجمود والرجوع إلى الماضي، ونسبت غيرها إلى الانفتاح والدخول في المعاصرة. فالترجمات المتداولة التي يدافع عنها هؤلاء المنتقدون هي في نظر طه «أنها تخلو من سلامة التعبير، فضلًا عن فائدة المضمون، وأنها لا تنقل إطلاقًا ما تدَّعي نقله، (...)، بحيث يجتمع فساد التعبير مع سلامة التفكير»[33].

وفي دفع اعتراض الجمود عن الترجمة التأصيلية، يرى طه أنها تفتح من الإمكانات الاستشكالية والاستدلالية ما لا قِبَل للصيغة المتداولة بها، مما يدفع عنها صفة الجمود. أما دفع اعتراض صفة الماضي عن هذه الترجمة، فقد حللها إلى ماضي الوقائع وماضي القيم، و«محال أن ترجع الوقائع التي مضت أسبابها الزمانية، فإذا قيل: الماضي، فلا يمكن إذن أن يدل هذا القول إلَّا على القيم وحدها»[34].

ودعا منتقديه، من المقلّدة، إلى التصالح مع الماضي، والتعامل معه من غير شذوذ ولا إسراف، وتجاوز الأوهام التي غرسها «ديكارت وأتباعه من بعده، وهو أنه تمكن من أن يمحو من قلبه كل شيء، حتى لم يبقَ فيه أي شيء إلَّا الذي محا كل شيء ألا وهو فكره»[35]!

بل إن ديكارت، في رأي طه عبد الرحمن، لم يشك مرة في قيمة المسيحية التي هي فكره، سواء في مضمونه أو في طريقته. وفي هذا ردّ على منتقديه، بدعوى أنه أغرق (الكوجيطو) في الإيمان، وكأنه، أي الكوجيطو، كان إلحاديًّا. وفي هذا انتقاص من قيمة الفلسفة، وسوء فهم لطبيعتها، وهذا ما يفسر حساسية الكثير من المقلدة من التراث وقيمه الدينية على الخصوص، فالإيمان العظيم، في تصور طه عبد الرحمن، يورث التفلسف العظيم، والتفلسف العظيم يثبت الإيمان العظيم[36].

فالإنسان في نظر طه عبد الرحمن، بإيمانه فيلسوف من غير أن يتفلسف، فماذا لو تفلسف؟ لقد انحطت الفلسفة، يوم خاصمت الإيمان وجحدت كل عظيم سواها. يقول للمقلدة: «إذا كان ديكارت أوهمكم بأنه فارقَ الإيمان، فلأنكم اتبعتموه، لا في تدليله، وإنما في تخييله، وشتان بين فراق على مقتضى الدليل وفراق على مقتضى الخيال، فالأول يلزمه الصدق في المضمون وتلزمه الصحة في الصورة، فَنُطالَبْ بالتصديق به، بينما الثاني لا يلزمه الصدق في المضمون، فيجوز أن يكون كاذبًا، ولا تلزمه الصحة في الصورة، فيجوز أن يكون فاسدًا، فلا نُطالَب بالتصديق به، بحيث لنا أن نكذبه وهكذا اشتبه عليكم أمر شك ديكارت، فلما جاء بدليله في ثوب من خياله، حسبتم أنكم وفَّيتم حق دليله حيث لم تفعلوا سوى أن هِمتم معه في خياله، فصدقتموه حيث لا يجب، فذهب ظاهر إيمانكم وبقي خالص إيمانه»[37].

إذن يُستشف مما سبق، أن الأصل في «الكوجيطو» هو وجود الإيمان لا فقدانه. ثم إن مقولة: «انظر تجد» لا تتعلق بوجود الإيمان أو عدمه، وإنما إبصار الشيء والظفر به، أي إنها تحمل «مفهومين طبيعيين لا صنعة فيهما هما: «النظر» بمعنى «إبصار الشيء» و«الوجود» بمعنى «الظفر بالشيء»، ولا واحد من اللفظين يفيد في استعماله الطبيعي مدلولًا دينيًّا مخصوصًا»[38].

هـ- مخالفة القاعدة الفلسفية، في هذه المخالفة يرد طه عبد الرحمن على محمد سبيلا حول اعتراضه على ترجمة الكوجيطو. فقد اعترض محمد سبيلا على ترجمة التأصيلية للكوجيطو، لأنها في رأيه حوّرت صيغته الأصلية، وقدّمت صيغة مختلفة كليًّا، من حيث المعنى والمبنى، لأن ما هو أساسي في صيغة الكوجيطو، كما يقول محمد سبيلا: «صيغة المتكلم المنصوص عليها بالضمير المنفصل (أنا) الذي تمَّ حذفه وتحويل الصيغة من المتكلم إلى المخاطب: (انظر تجد)»[39]، فصيغة الكوجيطو، تمثل المركزية والفاعلية للذات الإنسان، وما إجماع الفلاسفة الحديثين، مثل كانط وهيجل وهوسرل وهايدغر، على هذه الصيغة إلَّا دليل على أنها الأساس الصلب للفلسفة الحديثة، في صيغتها التعبيرية، وللدَّور المركزي للفاعل الإنساني في التفكير، وكل خروج عنها هو تشويه للمقولة الفلسفية المتضمنة فيه.

وقد نقض طه عبد الرحمن ادعاء محمد سبيلا من خلال كشف أربعة أخطاء وقع فيها وهي:

1- الخطأ التاريخي: فهو يرى أنه لا وجود لإجماع فلسفي عند كانط وهيغل وهوسرل، فهم لا يمثّلون مجموع الفلاسفة المحدثين، بل إن التيارات التي هيمنت على الفلسفة الغربية الحديثة هي التي تزعمها: ماركس ونيتشه وفرويد، وكل هذه التيارات تلتقي في تقويض مفهوم الذات وترسيخ «موتها» وبالتالي هدم «الكوجيطو». وادِّعاء الإجماع الفلسفي حول صيغة المتكلم، عند محمد سبيلا فيه تناقض كما يثبته طه عبد الرحمن. فمقولة: «التاريخ ذاكرة لا تنسى» حقيقتها «التاريخ نسيان يتذكر»، ومقولة: «التاريخ صدق وعدل» حقيقتها «التاريخ فيه الكذب وفيه الظلم»[40].

فقد نُسيَ في تاريخ الفلسفة الحديثة فرانسيس بيكون مثل ما طُمس دوره وتأثيره في ديكارت. وفيه كذب كنسبة الفكرة التي يدور عليها «الكوجيطو»، أي إثبات وجود الذات إلى ديكارت وحده، في وقت تكلَّم عنها فلاسفة ومفكرون قبله، من أوجه أخلاقية أو نفسية أو قانونية أو دينية أو وجودية، من سقراط إلى العصر الوسيط، وكذا في الفلسفة الإسلامية، وسموا ذلك بأسماء كثيرة: «النفس»، «الروح»، «العقل»، «الباطن».. أما ظلم التاريخ فيتجلى في التهويل من شخصية «ديكارت» حتى أصبحت أسطورة، وأصبح الواحد ممن تسموا بالحداثيين لا ينتزع حق الحداثة لنفسه إلَّا إذا لوى لسانه بمقولات من مقولات هذه الأسطورة[41].

2- الخطأ الاستدلالي: من خلال بطلان حجة الإجماع في الفلسفة، فلا الفيلسوف الواحد يصلح دليلًا على صحة القول الفلسفي، ولا الجماعة منهم تصلح دليلًا عليه.

3- الخطأ الاستشكالي: ذلك أن الإقبال على الإجماع الذي ادَّعاه محمد سبيلا، يعتبره طه عبد الرحمن مخالفًا للمقتضى الثاني للفلسفة بعد العقل وهو الاختلاف في الرأي![42]، كما أن الإجماع في الفلسفة علامة على نقصان التفلسف وليس الزيادة فيه.

وإذا نحن جمعنا بين الخطأين السالفين الذكر، يقول طه عبد الرحمن: «الاستدلالي (أو المنطقي) والاستشكالي (أو الفلسفي)، في قولكم بأصل الإجماع في الفلسفة، (وهذا قول موجه لمنتقديه)، وجدناكم خارج الفلسفة من جانبيها: المنهجي والمضموني، إذ دعوتمونا إلى استخدام طريق أهل القانون في استدلالاتنا وإلى اتِّباع طريق أهل العلم في استشكالاتنا، وكيف لنا بفلسفة لها منهج القانون ومضمون العلم؟ فمحال أن نظفر بحقيقة علمية عن طريق دليل قانوني، والمفضي إلى المحال محال»[43].

لقد أخطأ إذن، «الباحث محمد سبيلا في فهم مدار «الكوجيطو» وفكرته، فربطه بالذات، في حين مداره الحقيقي «الوجود»، أي إنه لا يثبت الذات بقدر ما يثبت وجودها، فوقع، إذن في تشويه هذه المقولة وإخراجها عن سياقها الفلسفي الذي أراده ديكارت، إن سلمنا جدلًا بضرورة التقليد والترجمة التحصيلية. أما طه عبد الرحمن فقام بعملية تحويل في ترجمة مقولة ديكارت، فخرج بذلك عن الترجمة التقليدية المألوفة، ووفر للمتلقي العربي إمكانية التفلسف في «الكوجيطو» بحسب مقوماته التداولية متبعًا منهجًا مفصلًا في أطواره ومقيَّدًا في أحكامه»[44].

4- الخطأ اللغوي: أما على مستوى الخطأ اللغوي يرى طه عبد الرحمن أن منتقديه وعلى رأسهم محمد سبيلا، أخطأ في فهم الضمير في عبارة ديكارت باللاتينية «Cogito, ergo sum»، والعبارة الفرنسية «Je pense, donc je suis» و«لما كان لا وجود للضمير المتصل في الجملة الخبيرية الفرنسية، فلا سبيل إلى التعبير عن صيغة المتكلم إلَّا باستعمال الضمير المنفصل، فإذن وجود هذا الضمير في هذه العبارة ليس نتيجة اختيار كما في العربية، وإنما هو نتيجة اضطرار، بحيث يؤدي حذفه إلى جملة فاسدة تركيبًا، وعلى هذا، فلا تُعتَبر، في وجود الضمير المنفصل في العبارة الفرنسية، أية زيادة في الدلالة على معنى (الذات) كما هو الشأن في لساننا»[45].

3- الاجتهاد في القول الفلسفي «انظر تجد»

إن الترجمة التي قدّمها الدكتور طه عبد الرحمن للكوجيطو «انظر تجد» تحمل معاني الاجتهاد، في إطار الترجمة التأصيلية، وهي التي تفتح آفاق تفلسف جديدة للمتلقي العربي، من غير أن يعني هذا إنكار دور مراتب الترجمة الأخرى. ولكن طالب الفلسفة يلزمه أولًا تلقي النصوص الفلسفية عبر الترجمة التأصيلية حتى تحصل له الملكة الفلسفية، أو كما يسميها بـ«الفلسفة الحية»، والمراد بها، «الفلسفة التي تنقل عن الغير المضمون الفلسفي، ناظرة في أسبابه التداولية، ومستبدلة بها الأسباب التداولية للغة المنقولة إليها متى خالفت اللغة، حتى يقتدر المُتَلقي على استثمار المضمون الفلسفي المنقول، استشكالًا واستدلالًا»[46].

فالفلسفة ليست جملة من المعلومات يتم حفظها عن الغير، بل هي طريقة يتحقّق بها الارتضاء في الفكر والاتساع في العقل، وإلَّا كان ضرر المنقول في الفلسفة أكثر من النفع. ثم «تتلوها الترجمة التوصيلية ليدرك الفروق بين المضامين الفلسفية، فيقتبس منها ما شاء ويصرف ما شاء بحسب طاقته وحاجته، ثم الترجمة التحصيلية ليدرك الفروق بين التعابير الفلسفية فيقيس على ما شاء ويطرح ما شاء، وتاليًا يكون هذا المترجم، مخيرًا لا مكرهًا، يقظًا لا غفلًا ومجددًا لا مقلدًا»[47]

فاللغة عنده ليست مجرّد قناة لتوصيل الفكر المحض، بل هي عكس ذلك تكاد تكون جزءًا من ماهية الفكر، «لأنه جرى التسليم بين أهل الفلسفة، لا سيما المتقدمين منهم، بأن الفلسفة لا تَعلُّقْ لها باللفظ، وإنما بالمعنى وحده، لأن غرض الفيلسوف أن ينشئ الفكر ويخبر بالحقيقة، على اعتبار أن الفكر هو جملة من المعاني المرتبطة فيما بينها ارتباطًا استدلاليًّا، وأن الحقيقة هي حكم معنوي متعلّق بعضه ببعض»[48].

4- الاختلاف في التفلسف أو كيف نخرج من نفق التبعية والتقليد؟

جاء في كتاب الدكتور طه عبد الرحمن «سؤال الأخلاق» قوله: «ليس يخفى أننا كنا نسعى منذ صدور كتابنا: «العمل الديني وتجديد العقل»[49]، إلى الإسهام في تجديد الفكر الديني الإسلامي بما يُؤهله لمواجهة التحديات الفكرية التي ما فتئت الحضارة الحديثة تتمخض عنها، بل كنا نسعى، على وجه الخصوص، إلى وضع نظرية أخلاقية إسلامية مستمدة من صميم ذلك الفكر، نظرية تُفلح في التصدي للتحديات الأخلاقية لهذه الحضارة بما لم تُفلح به نظائرها من النظريات الأخلاقية غير الإسلامية»[50].

يرمي طه عبد الرحمن في دعوته للخروج من نفق التبعية والتقليد إلى تأسيس يقظة دينية، لها «سند فكري محرر على شروط المناهج العقلية والمعايير العلمية المستجدة»[51]، أي بتهيئة التأطير المنهجي المحكم، والتنظير العلمي المنتج، والتبصير الفلسفي المؤسس.

ولكن، إذا سلمنا بهذا الأمر، ما هي الوسيلة التي تُمكِّن من تأسيس ذلك المشروع وتأصيله، وكيف نحرّر المتلقي العربي من التبعية، ونجعله قادرًا على أن يستقل بفكره، ويُبدع في مجاله التداولي الخاص؟

من معالم الاستقلال والإبداع الفلسفي عند طه عبد الرحمن، وضع فلسفة إسلامية تضاهي الفلسفة الغربية، وتختلف عنها في المنطلقات والتصورات والمفاهيم والمصطلحات، وذلك من منطلق قيمنا الإسلامية الدالة على الخصوصية والتفرّد، أي من منطلق أن كل فلسفة لها ارتباطها الخاص بسياقها التاريخي واللغوي والأدبي.

ولهذا جاء مشروعه الموسوم بفقه الفلسفة يمثل العلم الذي «ينظر، بتعبير المتقدمين، في الأعراض الذاتية للفلسفة، ويستخرج قوانينها ويرتب مسائلها»[52].

وإجرائية ذلك تتمثل في البحث عن الكيفية التي يتم بها التحرر من التبعية للفلسفة الغربية وفتح باب الإبداع، من خلال مقتضى فكرنا وواقعنا، وبالتالي التفاعل مع غيرنا، والتحاور بمنظارنا لا بمنظار غيرنا، ومن خلال ذلك نبدع كما يبدع غيرنا، ونتفلسف بتوجيه من رؤيتنا الخاصة، وانطلاقًا من مفاهيمنا ومصطلحاتنا.

والإبداع في نظر طه عبدالرحمن، لغة، يعني إخراج الشيء إلى حيز الوجود، أي إحداثه، أما على مستوى المصطلح فهو يختلف باختلاف المجال الذي يتعلق به، فهو يعني أولًا في مجال علم الكلام، «إحداث الشيء على غير مثال سابق في مقابل الاحتذاء، فيكون مرادفًا لمفهوم الابتكار، ويعني ثانيًا في مجال الفلسفة العربية، إحداث الشيء من لا شيء في مقابل الاقتباس، فيكون مرادفًا لمفهوم الاختراع، ويعني ثالثًا في مجال الأدب، إحداث عمل فني في مقابل الانتحال، فيكون مرادفًا لمفهوم الإنشاء»[53].

قدّم الدكتور طه عبد الرحمن في مشروعه الفلسفي ما به اتّضح أنه يختلف عن غيره، فقرّر أن قيمة الاختلاف بين فلسفات الأقوام، تُصان بها الجماعة البشرية وتتقوى، فيكون لكل قوم حقهم في التفلسف والاجتهاد في تحقيق ذلك الحق وإثباته.

لذلك جاء كتابه «الحق العربي في الاختلاف الفلسفي» محاولة لتحرير القول الفلسفي العربي، وإخراجه من أنفاق التبعية، وبثّ عناصر الحيوية والإبداع في المتفلسف العربي، وكذا إنقاذه من سطوة فلسفة الآخر ومعتقله الفكري؛ ذلك أنه «يحق لكل قوم أن يتفلسفوا على مقتضى خصوصيتهم الثقافية، مع الاعتراف لسواهم بذات الحق»[54].

فقد رأى طه عبد الرحمن أن أصحاب الفكر الإصلاحي في العصور الحديثة والمعاصرة قد تبنّوا عقلانية الغرب منهجًا ومنطلقًا في التفكير، وربطوا كل تقدّم بها. فأغلب أصحاب المناهج والمشاريع في قراءة التراث؛ بنَوا مجدهم التنظيري وشهرتهم من مناهج الغربيين وأفكارهم، واقتفوا آثارهم، وتعلّقوا بأسباب لا تمتُّ إلى وجودهم؛ فافتقدوا حاسة النقد عندهم. والسر في ذلك يعود إلى «قصور وسائلهم عن الإحاطة بدقائق وسائل من يُقلدون»[55].

فغلب على هؤلاء التوسل بأدوات البحث التي اصطنعوها من مفاهيم الغربيين ومناهجهم ونظرياتهم؛ فقلدوها وما ملكوا ناصية تقنياتها، ولا تفننوا في استعمالها[56]، فانقطعوا عن تراثهم جملة وتفصيلًا؛ فكان لجوؤهم إلى تراث غيرهم مقلدين لمسالكه، ومتشبهين بأصحابه. فهو يقول: «أما ترى أهل المتفلسف العربي لا يصوغ من الألفاظ إلَّا ما صاغه غيره، ولا يستعمل من الجمل إلَّا ما استعمله، ولا يضع من النصوص إلَّا ما وضعه (...) يؤوّلون إذا أوّل غيرهم، ويحفرون إذا حفر غيرهم ويفككون إذا فكَّكَ غيرُهم...»[57].

فانخدعوا بمقولتين: الاستجابة للشمولية الفلسفية، والانخراط في الحداثة العالمية، وما استجابوا وما انخرطوا؛ وإنما أصيبوا بسوء التفلسف، فقطَّعوا أوْصالَ التراث، وخطَّؤوا أصحابه، واجتزؤوه، واقترضوا من غيرهم طرائقهم المستعملة في النقد، وظلت كتاباتهم دعوة إلى تقليد الفكر الغربي وتقليد أهله. أما «نحن فلا نرتضي هذا الطريق في الكتابة الفلسفية ولا نجده إلَّا مفضيًا إلى الإضرار بحقيقة التفلسف، ذلك أن الفلسفة والتاريخ، (...) شعبتان في المعرفة متعارضتان، ولا غرابة أن يكون واضع الأورغانون، أرسطو، هو أول من نبَّه على هذا التعارض، جاعلًا من التاريخ نظرًا في الجزئيات المشخصة ومن الفلسفة نظرًا في الكليات المجردة»[58]، ولو كان هذا صحيحًا، فإن المتفلسف، وبدون شك، سيغرق نفسه في البحث عن الجزئيات، وينقطع عنه التدرج في مراتب التجريد التي تنتقل به إلى فضاء العقل الفسيح، والوقوع في فخّ التشخيص الضيق.

لهذا السبب كانت المسؤولية المنوطة بطه عبد الرحمن، هي المساهمة في إخراج الكتابة الفلسفية العربية من هذا الطريق الذي يؤدّي لا محالة إلى محو روح التفلسف فيها، وهي «الكتابة التي تزدوج فيها الفلسفة بالمنطق باعتباره المنهج الذي يوصلها إلى الحقائق التي تطلبها»[59].

إن دعوة طه عبد الرحمن إلى كتابة فلسفية، تزدوج فيها الفلسفة بالمنطق، هو ازدواج المضمون بالوسيلة، عكس ازدواجية الفلسفة بالتاريخ لأنه ازدواج مضمون بمضمون، فقد ينفك المضمون عن المضمون، بينما لا ينفك المضمون عن الوسيلة، لأن ظهور بواكير الفكر الفلسفي، اقترنت دومًا بالأداة المنطقية في تقرير قضاياه، وبالتالي يكون المنطق هو المنهج الذي وُضع للفلسفة في الأصل.

وعلى هذا الأساس، فإن الإبداع الفلسفي الذي يريد طه عبد الرحمن الوقوف عنده هو في الأصل يتعلق بالقول الفلسفي، وكيفية الابتكار والاختراع فيه، وأخيرًا كيف يمكن أن ننشأ فيه. ولتحقيق ذلك، ينطلق من مسلمة جوهرية، صيغتها كالتالي: «يشترط في الإبداع الفلسفي (...)، مواجهة مانع من الموانع التي تعوق عن التقدم فيه، وعلى قدر المانع تكون قيمة هذه المواجهة»[60].

أول هذه العوائق هو اللغة، ومدار ذا العائق، هو أن الفلسفة في الأصل، ليست ذات نشأة عربية إسلامية، بل هي ذات نشأة يونانية، وهو ما جعلها ترتبط بلغة الحضارة اليونانية القديمة.

وعندما فكّر المسلمون واهتموا بتعاطي الفلسفة، كان من الطبيعي أن يطلبوا ما هو موجود عند من سبقهم من الفلاسفة اليونان، خاصة أفلاطون وأرسطو. ولما كانت اللغة الفلسفية تستمد وجودها من اللغة الطبيعية، «بين أن اللغة الطبيعية التي اعتمدتها الفلسفة في نشأتها هي اللغة اليونانية»[61].

من هنا كان المشكل الذي واجهته الفلسفة التي قامت في البلاد العربية، من حيث الانتقال من اللغة اليونانية على اللغة العربية، في «الاختلاف في التركيب من لغة إلى أخرى، وفي العلاقات بين اللغة الطبيعية واللغة الفلسفية داخل كل لغة»[62].

وهنا، يعود طه عبد الرحمن بأصول الفلسفة العربية المعاصرة، في بدايتها، أي إلى الفلسفة العربية الإسلامية القديمة، فينبِّهنا إلى الصعوبات التي اعترضت الفلاسفة المسلمين القدامى، عندما أرادوا أن يصوغوا، بالعربية، مفهوم الكينونة L’être كما عبَّر عنه أرسطو، حيث كانت عباراتهم بهذا الصدد قليلة فيما يدل على فعل الكينونة في اللغة اليونانية، «فالفعل الدال على الكينونة في اللغة اليونانية يدل على الوجود، ولكنه يدل أيضًا على الربط بين الموضوع والمحمول.

وقد واجه الفلاسفة المسلمون هذا المشكل لأنه لا وجود فيها (اللغة) للفعل الذي يدل على الوجود ويلعب دور الرابط بين الموضوع والمحمول في الوقت نفسه. وهكذا، فإن اللغة العربية نقلت مشكلًا يرتبط باللغة اليونانية، وحاولت حلّه باقتراحات عدة مثل اللفظ «هو» أو اللفظ «كان» فجاء ذلك على نظامها التركيبي، إذ إن المقترحات المقدّمة جاءت فقط للاستجابة لمقتضيات نقل الفكر اليوناني إلى اللغة العربية، ولم تكن نابعة من هذه اللغة ذاتها»[63].

من هنا، نجد أن طه عبد الرحمن، يركز في مسألة الترجمة على الترجمة التأصيلية، فلو كان الأمر كذلك، لتفطّن الفلاسفة المسلمون إلى عدم فطرية المقولات التي ذكرها أرسطو والأمثلة المتعلقة بها، وأن قيمتها نسبية، «ذلك أن المقولات، كما قدّمها أرسطو، ليست منطقية ولا أنطولوجية، بل هي مقولات لغوية، وهذا يعني أنه ينبغي أن يكون لكل لغة مقولاتها التي تحلّل بها الوجود وتبلّغ بها نتائج الفكر»[64].

إن هذا الأمر المتعلّق بمسألة اللغة الفلسفية واللغة الطبيعية، يصدق في نظر طه عبدالرحمن، كذلك على الفلسفة العربية المعاصرة في علاقتها بالفلسفة الغربية، عندما يريد المشتغلون العرب بالفلسفة، نقل أفكار فلسفية من اللغات الأوروبية إلى لغتهم.

إن النقص في الترجمة هو بمثابة الضرورة الوظيفية اللازمة عن فعل الترجمة ذاته، ذلك أنها، أي الترجمة، تدفع بالفكر إلى الجنوح نحو التقليد، وهو قصور في عملية الإبداع، كما يرى ذلك طه عبد الرحمن، فالترجمة التي تساعد الفكر العربي المعاصر على الخروج من أسر التقليد، هي التي يكون فيها المتفلسف العربي قادرًا على التصرف في النص الأصلي، بما يساعد على إخراجه عن أوصافه الأصلية إلى أوصاف أخرى، «وذلك بالتوسل بكل الآليات الخطابية الكفيلة بإنجاز هذا الإخراج بما في ذلك من الحذف والإضافة والقلب والإبدال، ومن الجمع والتفريق والمماثلة والمقابلة»[65].

وأخيرًا، إن محاولتنا هذه في توطين فكرة التجديد في الخطاب الفلسفي العربي الإسلامي المعاصر من خلال فكرة فقه الفلسفة التي جاء بها طه عبد الرحمن وطبيعة الترجمة التي يمكن الاتكاء عليها في عملية نقل المعرفة إلى الساحة التداولية العربية الإسلامية، تعيدنا إلى فكرة الأصول الأولى التي تأسس عليها الخطاب الفلسفي في العصور الوسطى مع الفيلسوف الكندي.

وعليه نقول: إن المشروع الفلسفي لطه عبد الرحمن قد قدّم بُعدًا جديدًا للغة فلسفية نابعة من قدرات وطاقات اللسان العربي، حيث حدّد الكيفية التي يمكن أن يوضع بها «المقابل العربي الترجمة بلغة الإبداع الفلسفي في المجال التداولي العربي الإسلامي عقيدةً وفكرًا ولغةً»[66].

 

 

 

 

 

 



[1] محمد وقيدي، جرأة الموقف الفلسفي، المغرب: إفريقيا الشرق، (د. ط)، 1999. ص 83.

[2] المرجع نفسه، ص 83.

[3] محمد وقيدي، جرأة الموقف الفلسفي، (مر. س)، ص 84.

[4] المرجع نفسه، ص 84.

[5] هوسرل، عن محمد وقيدي، جرأة الموقف الفلسفي، (مر. س)، ص 85.

[6] المرجع نفسه، ص 87.

[7] محمد وقيدي، جرأة الموقف الفلسفي، (مر. س)، ص 28.

[8] المرجع نفسه، ص 29.

[9] محمد وقيدي، بناء النظرية الفلسفية، دراسات في الفلسفة العربية المعاصرة، بيروت، لبنان: دار الطليعة، الطبعة الأولى 1990، ص 30.

[10] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، القول الفلسفي كتاب المفهوم والتأثيل، المغرب: المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1999، ص 12.

[11] عباس أرحيلة، نظرة في مشروع الدكتور طه عبد الرحمن، موقع الكاتب عباس ارحيلة

rhilaabas.arabblogs.com

[12] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، (القول الفلسفي كتاب المفهوم والتأثيل)، (مص. س)، ص ص 12-13.

[13] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، (القول الفلسفي كتاب المفهوم والتأثيل)، (مص. س)، ص 12.

[14] المصدر نفسه، ص ص 12-13.

[15] طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق، (مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية)، المغرب: المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 2000. ص ص 110-111.

[16] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، (القول الفلسفي كتاب المفهوم والتأثيل)، (مص. س)، ص 13.

[17] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، (القول الفلسفي كتاب المفهوم والتأثيل)، (مص. س)، ص 14.

[18] المصدر نفسه، ص 14.

[19] نفسه، ص 14.

[20] نفسه، ص 16.

[21] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، (القول الفلسفي، كتاب المفهوم والتأثيل)، (مص. س)، ص 16.

[22] المصدر نفسه، ص 17.

[23] نفسه، ص 17.

[24] نفسه، ص 19.

[25] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، (الفلسفة والترجمة)، المغرب: المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1995.

[26] المصدر نفسه، ص 302.

[27] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، (الفلسفة والترجمة)، (مص. س)، ص 331.

[28] المصدر نفسه، ص 353.

[29] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، (القول الفلسفي، كتاب المفهوم والتأثيل)، (مص. س)، ص 20.

[30] المصدر نفسه، ص 22.

[31] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، (القول الفلسفي، كتاب المفهوم والتأثيل)، (مص. س)، ص 23.

[32] المصدر نفسه، ص 25.

[33] نفسه، ص 26.

[34] نفسه، ص 27.

[35] نفسه، ص 27.

[36] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، (القول الفلسفي، كتاب المفهوم والتأثيل)، (مص. س)، ص 25.

[37] المصدر نفسه، ص 29.

[38] نفسه، ص 30.

[39] محمد سبيلا، متى يعود زمن الإبداع الفلسفي، مجلة مدارات فلسفية، تصدر عن الجمعية الفلسفية المغربية، العدد 1، 1998.

[40] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، (القول الفلسفي كتاب المفهوم والتأثيل)، (مص. س)، ص 40.

[41] المصدر نفسه، ص ص 40 - 41.

[42] نفسه، ص 43.

[43] نفسه، ص ص 43 - 44.

[44] محمد همام، القول الفلسفي من الإبداع إلى الإتباع، الكلمة، مجلة فصلية تعنى بشؤون الفكر الإسلامي وقضايا العصر والتجديد الحضاري، العدد 27، السنة السابعة، 2000.

[45] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، (القول الفلسفي، كتاب المفهوم والتأثيل)، (مص. س)، ص 47.

[46] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، ( الفلسفة والترجمة )، (مص. س)، ص 467.

[47] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، (القول الفلسفي، كتاب المفهوم والتأثيل)، (مص. س)، ص 49.

[48] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، ( الفلسفة والترجمة )، (مص. س)، ص 73.

[49] طه عبد الرحمن، العمل الديني وتجديد العقل، المركز الثقافي العربي، المغرب، الطبعة الثانية، 1997.

[50] طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق، (مص. س)، ص 171.

[51] طه عبد الرحمن، العمل الديني وتجديد العقل، (مص. س)، ص 09.

[52] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة، (الفلسفة والترجمة)، (مص. س)، ص 264.

[53] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، (مص. س)، ص ص 113-114.

[54] المصدر نفسه، ص 21.

[55] طه عبد الرحمن، حوارات من أجل المستقبل، منشورات جريدة الزمن، الطبعة الأولى، 2000. ص137.

[56] طه عبد الرحمن، تجديد المنهج في تقويم التراث، المركز الثقافي العربي، المغرب، الطبعة الأولى، 1994. ص 10.

[57] طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة – القول الفلسفي، (مص. س)، ص ص 11 - 12.

[58] طه عبد الرحمن، اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، المركز الثقافي العربي، المغرب، الطبعة الثانية 2006. ص 17.

[59] المصدر نفسه، ص 17.

[60] طه عبد الرحمن، الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، (مص. س)، ص 116.

[61] محمد وقيدي، مقدمات لاستئناف القول الفلسفي في الفكر العربي المعاصر، «عالم الفكر» العدد الرابع، المجلد الثلاثون، 2002. ص 125.

[63] المرجع نفسه، ص 125.

[64] محمد وقيدي، مقدمات لاستئناف القول الفلسفي في الفكر العربي المعاصر، (مر. س)، ص 126.

[65] المرجع نفسه، ص 126.

[66] طه عبد الرحمن، اليقظة الفلسفية المغربية ودرء آفة التقليد، مجلة مدارات فلسفية العدد الأول، 1998.

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة