تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

الاستشراق في أدبيات التقريب .. تجربة الرواد نموذجاً

علي بن مبارك

الاستشراق في أدبيات التقريب..

تجربة الروّاد نموذجًا

الدكتور علي بن مبارك*

 

* باحث من تونس، جامعة قرطاج، البريد الإلكتروني: benmbarek.alii@yahoo.fr

 

 

 

 

لا نبالغ إذا ذهبنا إلى القول بأنّ الاستشراق أثّر في الدراسات العربية الإسلامية تأثيره في الدراسات الغربية المتعلّقة بقضايا المسلمين ومشاغلهم الدينية والمعرفية، وعلى هذا الأساس استطاع الاستشراق منهجًا ورؤيةً أن يخترق الثقافة الإسلامية في تعدّدها وتنوّع تيّاراتها ومعارفها، وأنّ يوجّه الدراسات المتعلّقة بها وجهة جديدة اختلفت عن سابقاتها، ولئن أدرج إدوارد سعيد[1] هذا الاختراق ضمن مشروع مضبوط قديم حديث فإنّه كشف عن أهمية البحث في أثر الاستشراق في الثقافة العربية.

ولقد دفع ارتباط الاستشراق الوثيق بالدراسات العربية الإسلامية المعاصرة عددًا من الباحثين إلى الاهتمام بهذا المشغل والنظر فيما يُسميه ساسي سالم الحاج[2] «الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية»، وحديثه عن الاستشراق باعتباره ظاهرة يؤكّد وعيه بأهمية دراسة المسألة من منظور علمي يساعدنا على فهم هذه الظاهرة، وفهم ذواتنا من خلالها.

ولئن اهتمّ الباحثون بتجارب عربية إسلامية متعددة[3]، ورصدوا أثر الاستشراق فيها فإنّنا لا نجد من خصّ «أثر الاستشراق في أدبيات التقريب» ببحث والحال أنّ هذه الأدبيات حُبلى بطيف الاستشراق ومليئة بهاجس الردّ على المستشرقين، وعرض أفكارهم، والنسج على منوالهم من حيث مناهج التحليل وكيفية عرض المعطيات ونقدها.

ولأنّ تجارب التقريب كثيرة لا يمكن حصرها في هذا المجال البحثيّ الضيّق، فإنّنا ركّزنا اهتمامنا على تجربة الروّاد، ولا نقصد بالريادة غير الريادة في الزمان والسبق في نقل مشاغل التقريب، وتتمثّل تجربة الريادة هذه في أعمال جماعة التقريب[4] بالقاهرة المنشورة في المجلّة الناطقة بلسان حالها «رسالة الإسلام»[5]، ولقد وجدنا في مقالاتها المتنوّعة اهتمامًا كبيرًا ومتفاوتًا بالاستشراق والمستشرقين ممّا دفعنا إلى البحث في هذا الموضوع.

ولقد ارتأينا أن نلج إلى هذا المبحث من خلال ثلاثة مداخل فصلنا بينها فصلًا منهجيًّا، نظرًا لتداخلها وتقاطعها في مواطن عديدة، ويتعلّق المدخل الأوّل الاستشراق بما هو مؤامرة تندرج ضمن مجموعة من المؤامرات تحاك ضد العرب والمسلمين، أمّا المدخل الثاني يتطرّق للاستشراق بما هو محفّز ثقافي ومعرفي يدفع إلى تعديل مناهج دراسة الفكر الإسلامي، ولقد خصّصنا المدخل الثالث للحديث عن الاستشراق بما هو مدرسة أثّرت بطريقة صريحة دون تردّد في أدبيات التقريب، وكأنّنا انتقلنا من خلال هذه المداخل من وضع مقاومة مارسها بعض محرري «رسالة الإسلام» ضدّ المستشرقين منهجًا ومعرفةً إلى وضع قبول نسبيّ بتلك المناهج والمعارف إلى تمثّل كلّي لها جعل من خطاب بعض رجال التقريب قريبًا إلى حدّ بعيد من خطاب المستشرقين.

والطريف أنّا وجدنا ما يدعّم هذا التقسيم الثلاثي في نصوص «رسالة الإسلام» ذاتها، وفي هذا الإطار حاول عبدالمتعال الصعيدي في مقاله «استقبال بعض علمائنا لطلائع الحضارة الأوروبية» أن يرصد ظاهرة تأثّر المسلمين بالمستشرقين في بحوثهم ومؤلّفاتهم وصرّح بقوله: وفي هذا اختلف شعورنا اختلافًا عجيبًا ما بين مستخفٍّ بهذه الطلائع، لاعتزازه بماضيه وأنه لا نقص فيه، وما بين مبهوت إلى حدّ الشعور بالعجز، وما بين معتدل في شعوره لم يُعمه التعصّب لماضيه عن النظر لمستقبله، ولم يبخس نفسه فينزل بها عن غيره»[6].

وكأنّه بذلك يرصد ثلاثة تجليات لـ«صدمة الاستشراق» إن صحّ اعتبارها صدمة، ولقد حاول رئيس تحرير المجلة[7] في عدد لاحق أن يرصد أكثر ظاهرة تأثير الاستشراق في فكر المسلمين ونفوسهم ودراساتهم ووجد في آراء محمد المبارك[8] خير تعبير عمّا جال بخاطره فنقلها قائلًا: «فذكر أن المسلمين في صلتهم بالمستشرقين تلقّوا منهم بادئ الأمر قولهم بالتصديق والطاعة له، ثم تلت ذلك فترة أخرى هي أنهم ابتدؤوا يناقشون بعض ما يقولونه لهم، ثم جاءت المرحلة الأخيرة اليقظة، وفيها يرفض المسلمون كلام المستشرقين لأنه اتضح لهم أنه مصطنع باسم البحث والعلم، وهو غرض وهوى»[9].

ولئن تضمّنت آراء المبارك خلفية أيديولوجية واضحة رافضة للاستشراق، فإنّه أكّد بطريقة أو بأخرى أنّ أثر الاستشراق في النفوس والأفكار متعدّد التجليات ومتغيّر، وليس وصفة جاهزة يمكن سحبها على مختلف الأدبيات والخطابات.

أولًا: الاستشراق بما هو مؤامرة «الخطاب المأزوم»

يمكن لنا أن نرصد عدّة مظاهر لهذا الخطاب «المأزوم» الذي عكس أزمة حقيقية عاشها الفكر الإسلامي (وما زال يعيشها) تتعلّق بعلاقته بالآخر الذي تكلّم بلسانه، وبحث في مجالات اعتقد أنها من اختصاصه دون غيره، ولقد شرّع السياق التاريخي لمثل هذا التعامل مع الاستشراق، إذ ما زال الاستعمار عندها يحتلّ أغلب الدول العربية والإسلامية، ولقد أظهر للمسلمين من سوء المعاملة ما أظهر، ممّا ولّد حقدًا انعكس على المجال الثقافي والمعرفي، فاقترن الاستشراق عند بعضهم بالاستعمار، وسنعتمد في تبيّن ذلك مجموعة من المداخل لعلّ أهمها «الردّ على المستشرقين»، وسنتناول هذه المداخل وفق الترتيب التالي:

- الردّ على المستشرقين.

- الاستشراق شرّ لا حاجة له.

- الاستشراق سبب الفتن والتفكك.

- الاستشراق والتبشير.

- الاستشراق والاستغراب.

- أثر الاستشراق في الباحثين العرب الشبان.

1- الردّ على المستشرقين

سنركّز تحليلينا في هذا المدخل على سلسلة كتبها عبدالوهاب حمودة، ونشرها متتالية في مجلة «رسالة الإسلام» وعنوان هذه السلسلة: «من زلات المستشرقين»، وقصد من خلالها -كما أوحى بذلك العنوان- تخطئة المستشرقين، وبيان هشاشة أفكارهم وسذاجة آرائهم، ممّا يجعلنا أمام خطاب سجاليّ (Discours Polémique) بامتياز، إذ إنّ الهدف من عرض آراء المستشرقين ومناهجهم ليس التعريف بهم أو التعرّف عليهم، بل التهكّم عليهم وانتقادهم انتقادًا لاذعًا يخرج أحيانًا على إطار المعقول، وهذا النوع من الخطاب يتأسّس عادة على مفهوم الشجار والعراك والحرب بمفهومها الكلامي[10].

ولقد حاول عبدالوهاب حمودة تتبّع تاريخية الاستشراق، مركّزًا على الخلفيات الدينية المؤسسة له، وعمل في مقاله الأوّل من سلسلته على فضح المستشرقين، وتأكيد ارتباطهم بمشاريع الغرب ومؤامراته ضدّ الشرق، «وهم يستعينون في ذلك بشتى الطرق منها نشر المستشرقين لمؤلفات كلها سموم وطعون في أسلوب جذاب، وثوب شفاف من التفكير الحر الخداع، ولنا شباب يقرأ تلك الطعون في مؤلفاتهم بلغاتهم تارة، وبما يترجم له أخرى إلى اللغة العربية وينشر بين ظهرانينا، فإذا لم نقم بتفنيد آرائهم، وتزييف اعتراضاتهم، والكشف عن خبيئهم، عششت تلك الشبه في أفكار شبابنا فنشؤوا ملحدين زنادقة، يروّجون لتلك الشبه وينشرون لتلك الأباطيل، وينظرون إلى الدين نظرتهم إلى ثوب بالٍ رثٍّ، ويطيرون مع الأفكار الإلحادية والآراء الإباحية»[11].

ونكتشف من خلال كلامه موقفه الرّافض للاستشراق وأهله، ولذلك سيخصّص عدّة مقالات متتالية في الردّ على بعض مواقفهم، فردّ على «نولدكه Theodor Nöldeke»[12] (1836 - 1930) «شيخ المستشرقين الأستاذ نولدكه وهو من كبارهم وعمدتهم، وأهم مؤلفاته في الألمانية، منها تاريخ القرآن نال عليه الجائزة في الأكاديمية الفرنساوية»[13] لأنّه ماثل بين القرآن والتوراة من حيث البنية والأسلوب.

كما ردّ في مقاله الثاني على «جولد تسيهر Goldziher» (1850 - 1921) فيما يتعلّق بمسألة القراءات إذ ذهب إلى «أن الاختلاف في القراءات إنما كان عن هوى من القرّاء، لا عن توقيف ورواية»[14]، من جهة أخرى ردّ عبدالوهاب حمودة على المستشرق «جوينبل Juynboll» صاحب مادة «حديث» في دائرة المعارف الإسلامية، و«جولد تسيهر» في كتابه «العقيدة والشريعة»[15]، و«الفريد جيوم Alfred Guillaume» (1888 - 1966) في كتابه «الإسلام»، إذ ذهب كلّهم إلى أنّ «الأحاديث موضوعة ولا يمكن الاعتماد عليها»[16].

ولقد آلمه أن «شايع المستشرقين في هذه الآراء مع الأسف نفر من الباحثين المعاصرين، فصرّحوا في تأليفهم بأنّ قيمة الأحاديث في نظرهم ضئيلة ولا يصح الاعتداد بها»[17].

نخلص من خلال هذا الجولة المتعجّلة في سلسلة «من زلات المستشرقين» أنّ الكاتب أظهر عداء للاستشراق وأهله والمتأثرين به، ولكنّه في الحقيقة كشف عن وجه من وجوه التأثّر بالاستشراق ومقولاته، إذ نجح الخطاب الاستشراقي في استفزاز بعض المحافظين ودفعهم إلى التفكير في حلول لما طرحه المستشرقون من إشكاليات خطيرة تتعلّق بالفكر الإسلامي وتاريخ الحضارة الإسلامية، ورغم ورود هذه الرّدود بطريقة تقليدية آحادية الوجهة، فإنّه يعكس حوارًا خفيًّا ساكنًا لا يكاد يسمع بين ذات إسلامية تحاول بناء نفسها من جديد وزائر «متطفّل» سحب من تحت أقدام علماء المسلمين همّ الدراسات الإسلامية فصنّف فيها وأبحر.

2- الاستشراق شرّ لا حاجة إليه

يعكس هذا المدخل خوفًا مبالغًا فيه من بعض رواد التقريب الأوائل من المستشرقين واستشراقهم، ويمكن لنا أن نتحسّس هذا المنزع في مجموعة من المقالات، لعلّ أهمّها مقال لبيب السعيد «حول دعاوي بعض المستشرقين رجاء إلى علماء المسلمين»، وفيه أثار مسألة اختلاف القراءات وتناول بالأساس آراء تيودور نولدكه (NoeIedeke) وإجناست جولد سهير (GoIdziher Ignacz) وآرثر جفري (Athur Jeffery) (1892-1959)، واعتبر جولد سهير في كتابه «مذاهب التفسير الإسلامي» «شرّ الثلاثة» «لأنّه «أخطأ في فهم النصوص واشتبه عليه المتواتر من القراءات بالشاذ والمشهور بالشاذ.. كان منهجه ملتويًا منحازًا، فقد كان مبلغ همّه أن يجد شيئًا يستطيع به –ولو بالتدليس- أن يدلّل على أنّ الاختلاف في القراءات ليس عن توقيف ورواية، وإنما عن هوى من القرّاء»[18].

كذلك انتقد آرثر جفري الذي حاول في مقدمته لكتاب «المصاحف»[19] لابن أبي داود، «تحريف تاريخ القرآن عن بعض مواضعه» مستندًا إلى دعاوى نولدكه وشولي (Schwally) إذ أكد أنّ «القراءات تطوّرت على الأيام، ومعنى هذا أنّ الله لم ينزل القراءات بالشكل المتواتر عند المسلمين»[20].

ورغم أنّ هذه الآراء لا تمثّل شرًّا بل هي متداولة حتى داخل الفضاء الثقافي الإسلامي، فإنّ لبيب السعيد اعتبرها عملًا شنيعًا، إذ «المستشرقون بهذا يحاولون ضربنا في مقتل، يحاولون تشكيكنا في قاعدة الإسلام وأساسه، وأصل الأصول في حياتنا إلى يوم القيامة»[21].

وعلى هذا الأساس استنفر لبيب كلّ علماء المسلمين لمقاومة هذا الخطر، ودعا إلى اتّخاذ مجموعة من الإجراءات، لخّصها في النقاط الخمس التالية:

1- «التصدي العلمي العاجل لآراء المستشرقين.. حول القرآن والكشف عن حقيقة مقاصدهم، وفساد مناهجهم، مع دحض حججهم وإبطال دعاويهم»[22].

2- «تشجيع مُقرئي الروايات القرآنية غير رواية حفص الذائعة في مصر»[23].

3- «رفض الفكرة التي يدعو إليها الآن بعض المفكرين المسلمين والتي ترمي إلى طرح الروايات القرآنية المتواترة والمشهورة غير رواية حفص عن عاصم، بقصد توحيد طريقة التلاوة»[24].

4- «الروايات القرآنية المتواترة والمشهورة كلّها معجزة، وكلها من عند الله ولا يجوز شرعًا المفاضلة بينها كما يحرم إهمال إحداها»[25].

5- «توفير عدد التوتر الشرعي من الحفاظ لكلّ رواية من تلك الروايات»[26].

ونخلص أنّ بعض روّاد التقريب تعامل مع الاستشراق من خلال عقلية استنفار وحروب، تجعلنا لا نخرج من مجال «الحروب الدينية» القائمة على الخطابات والخطابات المضادة، وتقوم هذه العقلية على سوء الظنّ بالآخر وتحريف مقولاته من خلال تأويلها تأويلًا لا يتماشى مع ما قصد إليه صاحبه، وهذه كلّها مقوّمات للخطاب السجالي فيما ضبط معالمه المختصون فيه والدارسون له[27].

وهذا يعني أنّ هذا المدخل المؤدّي إلى إثبات مقولة «مؤامرة الاستشراق» على الإسلام اعتمد السجال (La Polémique) أسًّا له وغايةً، وكأنّ الاستشراق بهذا المعنى تحوّل إلى حافز سجالي يدفع المتقبّل على الدفاع عن ذات يخاف عليها من الزوال والانقراض، ولكنّ هذا الحوار العنيف مع الاستشراق أفاد بحوث المسلمين لأنّهم طرحوا من خلاله قضايا طالما تحاشوا طرحها، فأجبرتهم كتب المستشرقين على اقتحامها وإثارة القضايا التاريخية العالقة بها.

3- الاستشراق سبب الفتن والتفكّك

ينظر هذا المدخل إلى «مؤامرة المستشرقين» من منظور مختلف، تصبح بموجبه حركة الاستشراق حركة سياسية دينية تهدف أساسًا إلى تفريق المسلمين وإضعافهم وتشتيت جمعهم، ولقد استغلّ رئيس تحرير المجلة محمد محمّد مدني فرصة انعقاد الندوة العالمية الإسلامية بلاهور باكستان[28]، وشنّ حربًا على المشاركين فيها من مستشرقين «ما بين يهود ومسيحيين»[29]، وأكّد أنّهم عملوا من خلال هذه الندوة على «تيئيس المسلمين من التقارب والتفاهم كأمة واحدة»[30]، وعلى عزل الإسلام عن الحياة الاجتماعية وقتله بين أهله، وآية ذلك أنّه «كان لعقلية بعض المستشرقين من اليهود «الصهيونيين» أثرها الواضح في الاتجاهات التي ظهرت في الندوة، والتي من شأنها أن تبعد الإسلام عن صلاحيته للحياة الحاضرة في تصور غير الدارسين له»[31]، وذكر في هذا الإطار مجموعة من المستشرقين العاملين على زرع بذور الفتنة بين المسلمين فتحدث عن الأستاذ «أوزان Ettingha usen» مدير متحف الفنّ بواشنطن، والأستاذ «قريندوم Grunedaum مدير قسم الدراسات الإسلامية بجامعة كاليفورنيا بلوس أنجلس، والأستاذ «بارات Paret» أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة تيبنجن بألمانيا.

وهكذا نجد أنفسنا في هذا المدخل أمام خطاب يعمل قصارى جهده على كشف حركة الاستشراق ورجاله، ولقد حاول بعض رواد التقريب الكشف عن خطط سرية تهدف إلى إثارة الفتن بين المسلمين وزرع الشقاق بينهم، وفي هذا الإطار يندرج سرد رئيس تحرير المجلة محمد محمد مدني قصّة جاء فيها «ولن ننسى ذلك المستشرق الذي كتب يومًا عن فدك وحق السيدة فاطمة الزهراء في ميراثها عن أبيها، وأراد أن يمتن بذلك على زعيم من زعماء الشيعة الإمامية، فذكر له أنه أيد موقف الشيعة من هذه القضية بأدلة كثيرة، فما كان من هذا الزعيم الكبير إلَّا أن قال له في صراحة: «يا سيدي، أن الشيعة -كسائر الفرق الإسلامية- لا يمكن أن يستهويهم مثل هذا الأسلوب، ولو كان فيه دفاع عن وجهة نظرهم في قضية ما، وسيقول علماؤهم ومفكروهم: نحن أولى بقضايانا، ولا نريد أن يتخذ منها أحد وقودًا جديدًا لنيران أطفأها الله!»[32].

ولم يرد المستشرق نكرةً صدفة بل التنكير مقصود حقّ القصد، وهي يعني في هذا السياق الإطلاق والتعميم، وكأنّه أراد أن يقول بأنّ كلّ مستشرق يمكن له أن يثير قضية «فدك»[33] وغيرها من القضايا التي قد تثير الفتنة بين المسلمين.

ورغم الخلفية الأيديولوجية لهذا الطرح، فإنّه أكّد أثر القضايا التي طرحها المستشرقون في أدبيات منتقدي الاستشراق ذاتهم، ولا نبالغ إذا قلنا أنّ قضية من قبيل قضية «أرض فدك»[34] ما كانت لتطرح في المجال السنّي لو لم يثرها المستشرقون ولم يخصّوها بمؤلّفات، وهذا يعني أنّ الاستشراق استطاع أن يفرض على أدبيات التقريب الأولى الرّافضة له محاور الدرس والقضايا التي يتوجب طرحها.

4- الاستشراق والتبشير

من دلائل المؤامرة عند عدد كبير من روّاد التقريب اقتران الاستشراق بالتبشير، وهذا يجعلنا نتعامل مع ظاهرة الاستشراق تعاملًا دينيًّا عقديًّا، ويصبح المستشرق -بهذا المعنى- من درس الشرق لتيسير عملية التبشير فيه، في هذا الإطار درس الشيخ محمد جواد مغنية مجموعة من المستشرقين من قبيل المستشرق النمساوي شبرنجر Aloys Sprenger (1813 - 1893)، والمستشرق الهولندي «سنوك هجرونبيه Christiaan Snouck Hurgronje» (1857 - 1936)، والمستشرق الهولندي «فنسنك Arend Jan Wensinck» (1882 - 1939) رئيس تحرير دائرة المعارف الإسلامية، واستنتج من خلال دراسته أنّ المستشرقين «في جملتهم هم طلائع المبشرين ولا سيما القدامى منهم، وهم الذين يمهّدون بذلك للمبشرين سبيل الطعن في الإسلام وفي نبيّه الكريم، ويزودونهم بأنواع شتى من الشعوذة العلمية باسم الاستنتاج التحليلي، والنقد الفني، وحرية الفكر، وسرعان ما اغترّ بهم بعض الباحثين المعاصرين وروّجوا لآرائهم الفجَّة، وساروا وراء انتقاداتهم المغرضة، فأوقعوا بذلك الشباب في بلبلة من عقائدهم وشك في دينهم»[35].

ونفهم من خلال هذا المدخل أنّ أثر الاستشراق اقترن عند البعض بالمشغل الديني فحسب، وتمّ التعامل معه على هذا الأساس، وهذه النظرة الجزئية لا تستوعب ظاهرة الاستشراق بطريقة ناضجة، باعتبار أنّها ظاهرة معقّدة متعدّدة الجوانب، ولا يمكن قطعًا النظر إليها من زاوية دون أخرى.

5- الاستشراق والاستغراب

لقد ورد مفهوم «الاستغراب» في مقالات مجلة «رسالة التقريب» بمعنيين، المعنى الأوّل يتعلّق بدراسة الغرب على شاكلة الاستشراق باعتباره دراسة الشرق، وهذا المشروع صرَّح به عبدالوهاب حمودة ودعا إلى إيجاد علم «الاستغراب» مقابل «الاستشراق» قائلًا: «فإذا كان المستشرقون قد أغاروا على الشرق فنقلوا إلى لغاتهم علومه وفنونه، فما أجدرنا نحن بأن نستغرب كما استشرقوا، فننقل إلى لغاتهم محاسن ديننا وجمال تعاليمنا»[36].

وهذا المعنى لا يهمّنا في هذا المقام، بل يهمّنا المعنى الثاني المتعلّق باستغراب بعض الدارسين العرب والمسلمين، أي تبنّيهم لنظريات أهل الغرب وأفكارهم، وهذا يعني أنّ المؤامرة مؤامرتان الأولى يمثّلها المستشرقون بما هم طرف خارجيّ، والثانية داخلية تشمل كلّّ باحث نقل ما كتبه الغربيون أو تأثّر بأسلوبهم أو منهجهم في البحث.

وقد استطاع رئيس تحرير المجلّة محمد مدني في ركنه «أنباء وآراء» أن يرصد ملامح المستغربين في علاقتهم بالاستشراق ورجاله، وذهب إلى أنّه «لم يكن في دائرة المسلمين فحسب ولا في دائرة هذه الطائفة أو تلك من طوائفهم فقط، ولكن في دوائر المستشرقين والمستغربين أيضًا، وإذا قلنا المستشرقين فإنهم معروفون، ولهم أساليبهم الفكرية وغاياتهم سواء أكانت علمية خالصة أم كانت سياسية تبشيرية، أمّا المستغربون فهو وصف نستحسن إطلاقه على أولئك الباحثين الشرقيين، الذين يستهدفون في بحوثهم أغراض الغرب أو ما يرضيه ويستلهمون روحه وطرائقه من حيث يشعرون أو لا يشعرون»[37].

ولئن اكتفى محمد محمد مدني بالتلميح والتعميم فإنّ غيره صرّحوا بأسماء بعض المستغربين وانتقدوهم، وفي هذا الإطار تناول عبدالرحمن الخير كتاب: «التعايش الديني في الإسلام» لمحمود العزب موسى، وعلّق على مباحثه وطرحه وانتقده لأنّه نقل فحسب ما ذهب إليه المستشرق «مور Albert Joseph MOORE» (1841 - 1893) في كتابه عن الخلافة بأن «المأمون كان متعصّبًا لفارس مسقط رأس أمه وزوجته وشديد الميل للعلويين»[38]، فأظهر الكاتب بذلك منزعًا قوميًّا عنصريًّا لا يتماشى مع «التعايش الديني» الذي تحدّث عنه، وأكّد أنّ كلّ القوميات سواسية أمام الإسلام[39].

وفي الإطار نفسه انتقد الشيخ محمد جواد مغنية «آدم متز Adam Mez» (1869-1917) إذ اعتبر في كتابه «الحضارة الإسلامية»، الشيعة ورثة المعتزلة، «ورأى بعض الشباب المثقف كلام المستشرقين فأخذه على علَّاته، كما هو المألوف والمعروف من ثقافة هذا الجيل الصاعد»[40]، وخصّ بالنقد من هؤلاء الشباب المستغربين عبدالرحمن الشرقاوي الذي ذهب أنّ «الشيعة التقطوا كثيرًا من أفكار المعتزلة»[41]، ولقد توصَّل مغنية من خلال تحليله إلى الاستنتاج التالي: «وهكذا أخذ المستشرقون عن بعض القدامى دون تتبع وتمحيص، وأخذ شبابنا عن المستشرقين حتى كأنهم المصدر الذي لا يتبّقى معه الشك ولا يقبل التشكيك، وماذا يكون الشأن فيمن قلّد المقلدين»[42].

وهكذا ندرك أنّ بعض رواد التقريب الأوائل أعلنوا الحرب على من اعتبروهم مستغربين منبتِّين عن الفضاء العربي الإسلامي يشكّكون في ثوابته، وخاصّة ما اعتبره التقليد الإسلامي «أصول الدين وأركانه»، ولقد شنّ عبدالوهاب حموده حربًا عشواء على منتقدي الحديث من أهل «الاستغراب»، إذ «شايع المستشرقين في هذه الآراء مع الأسف نفر من الباحثين المعاصرين فصرّحوا في تأليفهم بأنّ قيمة الأحاديث في نظرهم ضئيلة ولا يصح الاعتداد بها»[43]، واحتجوا بابن خلدون الذي ذهب في المقدمة إلى أنّ أبا حنيفة لتشدّده في شروط الصحة لم يصح عنده إلَّا سبعة عشر حديثًا.

وقد انتقد حموده بشدّة من «يغترّ بمناهج البحث الحديثة ويعجب بأساليب النقد الجريئة والتي جاء بها المستشرقون»[44]، من قبيل صاحب كتاب «حياة محمد»[45] الذي اشترط في صحة الحديث مطابقته للقرآن مستشهدًا بالحديث «إنكم ستختلفون من بعدي، فما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فما وافقه فمني وما خالفه فليس مني»[46]، ورأى في استشهاده بهذا الحديث دليلًا على استغرابه، كيف لا «وقد ذكر هذا الحديث نفسه «جولد تسيهر» في كتابه «العقيدة والشريعة».. وفات هؤلاء أنّ الحديث مختلق موضوع لا يصح الاعتماد عليه والاستدلال به»[47].

ونلاحظ أنّ حموده يمزج بين المستشرقين والمستغربين في أداة الإشارة «هؤلاء» وكأنّهم يمثّلون مجتمعين الآخر العدوّ المتآمر على الثقافة الإسلامية وأصالتها، ولقد أدرج صاحب كتاب «فجر الإسلام»[48] في التوجه نفسه؛ لأنّه أكّد «مشايعًا في ذلك جولد تسهير أنّه يأخذ على علماء الحديث أنهم عُنوا بنقد الإسناد أكثر ممّا عُنوا بنقد المتن»[49].

وهكذا نجد أنفسنا أمام «استشراقين» و«مؤامرتين»، حاك الاستشراق الغربي المؤامرة الأولى وأحسن التخطيط لها، بينما تورّط في الاستشراق الثاني الشرقي إعجابًا وتقليدًا، وهذا يعني أنّ أثر الاستشراق تجاوز الكتابة وآلياتها ليسهم في إعادة تنظيم الأدوار وتقسيم العلماء والمثقفين وتحديد الاتجاهات الناشطة في مجال الدراسات الإسلامية.

ونخلص في ختام هذا المبحث إلى القول بأنّ مقولة «مؤامرة الاستشراق» مثّلت مكوّنًا أساسيًّا من مكوّنات خطاب مجلة «رسالة الإسلام» المتعلّق بالاستشراق وأثره في نفوس المسلمين وأفكارهم ومناهجهم في الكتابة، ويعكس هذا التأكيد على فكرة المؤامرة رغبة في استقطاب الآخر الأدنى العرب والمسلمين من خلال مساجلة الآخر الأقصى المستشرق ومحاربته وبيان هشاشة أفكاره.

لذلك اعتبرنا نصوص هذا المبحث نصوصًا سجالية بامتياز تعدّدت أصواتها (Polyphonie) ومظاهر الحوارية (Dialogisme) فيها رغم ما أظهرته من سكونية لازمت هذا الخطاب، وهذا يعني اعتمادًا على آليات تحليل الخطاب[50] أنّ هذه النصوص تفاعلت رغمًا عنها ومن حيث لا تدري بمن ساجلت وناقضت؛ لأنّ التفاعل (Interaction) وإن تفاوتت درجاته لا ينفصل البتة عن أيّ خطاب.

ولهذا اعتبرنا الفصل بين مختلف تجلّيات حضور «الاستشراق» في أدبيات التقريب فصلًا منهجيًّا فحسب، ممّا يدفعنا إلى الحديث عن النمط الثاني من هذه التجليات المتعلّق بالاستشراق بما هو محفّز.

ثانيًا: الاستشراق بما هو محفّز معرفي - ثقافي

تحدثنا في المبحث السابق عن فهم مخصوص للاستغراب بما هو مشروع في دراسة الغرب يقابل مشروع الاستشراق في دراسة الشرق، ولقد رأينا أنّ هذا التوجّه يدلّ فعلًا عن رغبة في معرفة الآخر معرفة علمية، ومحاولة لاعتماد آليات الاستشراق نفسها في دراسة الآخر على مختلف المستويات، ولئن كان هذا الصوت خافتًا لا يكاد يسمع في ذلك الحين فإنّنا نجد من بين المعاصرين من استثمر الفكرة واقترح «مقدمة في علم الاستغراب»[51] تكون مدخلًا لدراسة الغرب وثقافته، والغريب أنّ صاحب هذه المقدّمة حسن حنفي عند حديثه عن «جذور علم الاستغراب»[52] لم يتوقّف عند محطّة «روّاد التقريب» على أهميتها، ولقد جارى هذا التوجّه عدّة باحثين[53] مؤيّدين وناقدين مستبشرين ومتخوّفين.

ولعلّ أهمّ ما يميّز هذا «الخطاب التقريبي» عن غيره من الخطابات التي تناولناها سابقًا، أنّه حاول تجنّب الردود السجالية الانفعالية، وأن يتعامل مع أفكار المستشرقين وفق منهج مضبوط اعتمده المستشرقون أنفسهم عندما درسوا الثقافة العربية الإسلامية.

وهذا التأثّر على مستوى منهج الكتابة له عدّة دلالات، لعلّ أهمّها اقتناع نخبة من رواد التقريب أنّ الاستشراق ليس شرًّا كلّه وأنّه من الممكن الاستفادة منه معرفيًّا وثقافيًّا، لذلك أعلن الشيخ محمد جواد مغنية بصوت متردّد أنّه «من واجبنا أن ندرس كلّ مستشرق من جميع نواحيه في حيطة وحذر، وندرس كلّ مؤلّفاته وآرائه في شكّ وارتياب، ولا سيما إذا كان ممّن يبحثون في القرآن أو في حياة الرسول محمد العظيم»[54].

ورغم تردّد مغنية وحذره، فإنّه عكس وعيًا بأهمّية دراسة مؤلفات المستشرقين دراسة عميقة؛ لأنّ بناء مقاربة مضادة لمقاربات المستشرقين لا تكون عن جهل بما ألّفوا بل تتأسس عن معرفة حقيقية بالاستشراق، وفهمًا واقعيًّا لتوجهاتهم المعرفية.

وعلى هذا الأساس حاول الشيخ مغنية رغم موقفه السلبي من الاستشراق والمستشرقين، أن يعتمد منهجًا في دراسة الاستشراق رأى أنّه يؤمّن الدقة والصّرامة في دراسة الأفكار ونقدها، واقترح لهذا المنهج ثلاث مراحل:

1- عرض أفكار المستشرقين.

2- تلخيص أفكارهم بطريقة تأليفية.

3- الردّ عليها ونقدها.

وهذا المنهج التزم به مغنية فعرض أفكار كلّ من «شبرنجر Aloys Sprenger» و«سنوك هجرونبيه Christiaan Snouck Hurgronje» و«فنسنك Arend Jan Wensinck» ثمّ لخّصها في نقطتين أساسيتين:

النقطة الأولى: «إنّ الإسلام في مكة غير الإسلام في المدينة بالنسبة لإبراهيم (عليه السلام)، فإنّ إبراهيم في مكة لم تكن له صلة بالعرب، فليس أبًا لهم ولم يكن باني البيت، ولا صلة له بإسماعيل ولا بالعرب»[55].

النقطة الثانية: «أنّ النبيّ لمّا جاء إلى المدينة كان يحمل أكبر الآمال في أن يؤمن به اليهود ويظاهروه على أمره، ولما أخلفوه ما أمَّله أراد أن يتَّصل بهم عن طريق إبراهيم وعبَّر عن ذلك بـ«يهودية إبراهيم»[56].

وبعد العرض والتلخيص شرع مغنية في نقد طرح المستشرقين ولكنّه اكتفى بمجموعة من الحجج التقليدية النصية التي لا تتماشى مع سياق الخطاب، وهذا يعني أنّ هذا النوع من «أدبيات التقريب» حاول أن يتعامل مع الاستشراق وفق منهج مضبوط ولكنّه لم يستطع تطوير آليات حجاجه وطريقة البرهنة على أفكاره، ممّا يجعل التواصل متعثّرًا بين الاستشراق ودارسيه.

وعلى هذا الأساس كان الحوار مع الاستشراق حوارًا متردّدًا يتوق إلى التواصل العلمي، ولكنّه خطاب خجول تعامل مع الاستشراق بحرج رغم قناعاته بأنّ للاستشراق فضلًا على الفكر الإسلامي عامة والفكر التقريبي خاصّة، لأنّه أثار مجموعة من القضايا الخطيرة تتعلّق بالتواصل الإسلامي - الإسلامي، وبمسألة الخلاف بين المجموعات الإسلامية المتعددة.

ولهذا لا غرابة أن نجد من بين روّاد التقريب من يعترف بفضل الاستشراق والمستشرقين، من قبيل ما نرصده عند أحمد محمد بريري في ركنه القار «قال شيخي»[57]، إذ تعرّض لمجموعة من المستشرقين من قبيل «أناتول فرانس»[58] و«جام دار مستتير»[59].. ثمّ ركّز على فضل بعض المستشرقين في تقريب الهوّة بين المسلمين والحدّ من خلافهم، والتنبيه إلى المشترك بينهم.

وقد وجد أحمد بريري في المستشرق الفرنسي «دومينيك سورديل Dominique Sourdel»[60] خير مثال على ذلك، وآية ذلك أنّ الرّجل كتب كتابًا[61] عن الطوائف الإسلامية، وساوى بينها جميعًا، ورأى ألَّا تفاضل بينها، وأنّ كلّ طائفة منها تمثّل وجهًا من وجوه الإسلام، فالخوارج عنده والسُّنة والمسلمون كلّهم أهل القبلة[62].

وهكذا نلاحظ أنّ جزءًا من «الخطاب التقريبي»، وجد في الاستشراق صوتًا يعبّر عن هاجس لم يتجرأ العلماء المسلمون على البوح به أمام هيمنة العقليات المذهبية، ووهم كلّ مجموعة دينية إسلامية بأنّها تمثّل الحقيقة المطلقة، وأنّ غيرها من المسلمين يمثّل الضلال مطلقًا.

وكما استنجد أحمد بريري بدومينيك سورديل لتأكيد تعدّد وجوه الإسلام، فإنّ محمد دراز وجد عند بعض المستشرقين مواقف من القرآن تحمل على الوحدة والتقريب، من ذلك ما ذهب إليه المستشرق «ليبلو» حينما أكد أنّ «القرآن هو وحده الآن الكتاب المقدّس الذي لا يوجد فيه خلافات تذكر»[63]، وكذلك ما صرّح به «وليام موير William Muir» (1819-1905) حينما اعتبر أنّه «يمكن القول: لا اختلاف إطلاقًا في نسخ القرآن التي لا تحصى، والتي تتداول في العلم الإسلامي المتسع»[64]، كما وجد دراز ضالته فيما كتبه المستشرق «تولدكة جوشتست» فاستدلّ به وبآرائه.

والملاحظ أنّ اختيار موضوع الوحي نزولًا وتدوينًا وتفسيرًا لم يكن اعتباطيًّا بل قصده دراز حقّ القصد، لأنّ هذا الموضوع أرّق المسلمين، وأخذ من طاقاتهم وكتاباتهم ما أخذ، بل لا نبالغ إذا اعتبرناه من أخطر القضايا الخلافية في الإسلام، لأنّها تمسّ مباشرة نصّ التأسيس(القرآن).

وعلى هذا الأساس وجد دراز في الاستشراق إضاءات لا يمكن تجاهلها، بل لا بدّ من الإشادة بها، لأنّها تخدم بطريقة أو بأخرى الهدف الذي من أجله صُنّعت خطابات التقريب وقُدّت الأدبيات المتعلّقة به.

وهكذا نلاحظ أنّ الاستشراق –من حيث قصد أو لم يقصد- تحوّل إلى محفّز من محفّزات التقريب، ممّا دفع بعض «الروّاد» إلى الاستفادة الوظيفية من أدبيات المستشرقين، ويهيمن على هذه الاستفادة البعد الانتقائي الخادم لاستراتيجيات التقريب كما حدّدها أصحابها.

وما يهمّنا في هذا المبحث أنّ بعض العلماء المسلمين، بما في ذلك رجال الدين اقتنعوا بضرورة ولوج عالم الاستشراق واكتشاف أسراره وبيان وجوه الإفادة منه، ومجاراته في أسلوب كتابته ومنهجه في التأليف، ولئن كانت هذه المحاولات متردّدة ومتخوفة في أغلب الأحيان فإنّها رسمت صورة أخرى للاستشراق والمستشرقين، وأعطت مؤلّفاتهم أهمية تستحقّ بموجبها الاهتمام والدرس.

ولعلّ أطرف ما نرصده في هذا المشهد، اهتمام بعض الجهات العلمية الغربية بقراءات رواد التقريب للاستشراق، وهذا يعني نجاح «أدبيات التقريب» الأولى في إثارة إشكاليات الاستشراق وطرح مختلف القضايا المتعلّقة به على خطورتها، وتخوّف العلماء التقليديين من التصريح بها.

وعلى هذا الأساس طلبت مؤسسة «مؤسسة فرانكلين»[65] من محمد محمد مدني رئيس تحرير مجلة «رسالة الإسلام» أن يعلّق على كتاب المستشرق والمؤرخ الأمريكي «رالف لنتون Ralph Linton»[66] (1893-1953) «شجرة الحضارة» الذي ترجمه إلى العربية أحمد فخري، وخاصة على الفصل السابع والعشرين الذي تناول فيه «لنتون» الإسلام.

وقد قسّم محمد مدني عمله إلى قسمين: قسم تحليلي عرض فيه آراء «لنتون» وقسم نقدي. والطريف أنّ مدني أيّد «لنتون» في عدّة مواقف وأكّدها من قبيل موقفه من السنة إذ يقول: «وكلام المؤلف عن سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتحمس المسلمين لجمعها، والعناية بها صحيح في الجملة»[67].

بل نجده يبني له صورة في خطابه تجعله أكثر موضوعية من المستشرق، ولعلّ خير دليل على ذلك تعليقه على آراء لنتون المتعلّقة بخلافة أبي بكر إذ «يذكر المؤلف أنّ النبيّ كان قد اختار أبا بكر ليتولّى شؤون الأمة من بعده، والواقع أنه لم يختره لذلك صراحة، والشيعة لا يسلمون لأهل السنة بذلك، ويرون أنّ عليًّا هو الإمام المنصوص عليه من الرسول، اعتمادًا على ما صح عندهم في ذلك ممّا لا يوافقهم عليه أهل السنة ولا يرون قبول نصوصهم فيه فهي مسألة خلافية»[68].

وهذا يعني أنّ مؤلّف «شجرة الحضارة» كان محدودًا في نظرته لثقافة المسلمين، إذ اكتفى بعيّنة من التراث الإسلامي تتمثّل في التقليد السنّي فحسب وما أفرزه من أدبيات، والحال أنّ وجهات نظر المسلمين في مسألة الخلافة متباينة ومتعددة.

ولعلّ هذا يعود حسب مدني لقلّة اطّلاع لنتون على مختلف المجموعات الإسلامية وأدبياتها، وعلى هذا الأساس لم يستطع أن يفي هذا المستشرق بنقل آراء الشيعة فيما يتعلّق بإمامة علي بن أبي طالب إذ «يقول المؤلف: إنّ الشيعة يعتقدون أن نفوذ محمد وسلطانه قد تجسّدا في علي، والمؤلف وإن فسّر هذا التجسد بمعنى أنّ الخليفة فرد نقل الله إليه نفوذ محمد وسلطته، فإنه يعمم الكلام على الشيعة، والواقع أنّ الشيعة فرق كثيرة ولهم نظريات مختلفة، ومنهم طوائف قد انقرضت»[69].

وقد أدّى هذا الخلط –حسب مدني- بالمستشرق الأمريكي إلى سوء فهم تاريخية تشكّل الفرق الإسلامية وظهور الخلاف بين المسلمين، ولقد علّق رئيس تحرير مجلّة «رسالة الإسلام» على قول لنتون «وبزوال الخوارج من مسرح الحوادث أصبح الفريقان الرئيسيان في العالم الإسلامي هما أهل السنة والشيعة، ويعتبر كل منهما أنّ الآخر لا يسير في الطريق المستقيم، بل ويرميه بالمروق... إلخ»[70] بقوله: «الواقع أنّ العصبية المذهبية أو الطائفية لعبت دورًا هامًّا في التفريق بين السنة والشيعة، بل بين مذاهب أهل السنة فيما بينها، ومذاهب الشيعة فيما بينها أيضًا، وكان للسياسة دخل كبير في ذلك، وكان للحكام أهداف من ورائه»[71].

وهكذا نلاحظ أنّ محمد محمد مدني بما هو رائد من رواد التقريب الأوائل استطاع أن يتمثّل الاستشراق من خلال نموذج من نماذجه، وأن ينقد ما أورده «رالف لنتون» من أفكار بطريقة تختلف عن سابقيه وتقترب من التناول العلمي.

وجدير بالذكر أنّه استحضر الهاجس التقريبي في تعليقه حتى كأنّا أصبحنا أمام «مقاربة تقريبية» في الاستشراق، ترى الأمور من زاوية تقريب وجهات نظر المسلمين، وتثبيت المشترك بينهم.

ولذلك خلص مدني في آخر مقاله إلى القول: «وربما كان حكم المؤلف على هذا الفريق أو ذاك من حيث قربه أو بعده عن الإسلام، حكمًا من غير ذي اختصاص ولا يرضى به الفريق الآخر على الأقل»[72]، وهذا يعني أنّ الاستشراق على أهميته قد لا يحتوي معطيات دقيقة تعكس حقيقة الإسلام في تعدّده وتنوّعه، وأن المستشرق رغم جهوده العلمية فإنّه قد يتناول القضايا الإسلامية تناول غير المختصّ، ممّا ينتج عنه تحريف لحقيقة الإسلام.

ونخلص في ختام هذا المبحث، أنّ عددًا من «رواد التقريب» الأوائل استطاعوا أن ينشئوا جسر تواصل مع الاستشراق، وأن يتعاملوا مع أفكار المستشرقين بجرأة غير معهودة في مجال الأدبيات الدينية، ولئن عكس الموقف الذي عرضناه في المبحث الأوّل رفضًا للاستشراق ورغبةً في تحويله إلى موضوع سجال (Objet polémique) فحسب فإنّ المواقف التي تناولناها في هذا المبحث عكست اعترافًا متردّدًا بالاستشراق وأصحابه، ورغبة في التواصل معه فكرًا ومنهجًا.

وهذا يعني أنّ للاستشراق أثرًا كبيرًا على مجموعة من العلماء والمثقفين المسلمين المساهمين في تحرير مقالات «رسالة الإسلام»، ولهذا الأثر انعكاسات على مقاربة أهل التقريب للتقريب ذاته ولوحدة المسلمين، وكما وجد بعضهم في الاستشراق مؤامرة تحاك ضدّ وحدة المسلمين فإنّ البعض الآخر وجد فيه ما يحفّز على التقريب بما هو اعتراف بمشروعية كلّ المجموعات الإسلامية مهما كانت توجهاتها العقائدية، وبأنّ الإسلام واحد ومتعدد[73] في الآن ذاته، وبأنّ «الحقيقة المذهبية» المطلقة وهم، إذ كلّ له حقيقة بتمثّلها ويفهم من خلالها الإسلام.

ولئن عمل هذا الخطاب قصارى جهده على تمثّل الاستشراق وفهم أدبياته ونقده وفق منهج تقريبي مخصوص، فإنّ خطابات تقريبية أخرى اتّحدت أكثر بمناهج المستشرقين، وتجاوزت هاجس الردّ والنقد وبيان «زلات المستشرقين» العلمية والمنهجية، لتؤسسّ لخطاب علميّ قريب من خطاب المستشرقين ومنافس له في الآن ذاته.

ثالثًا: الاستشراق بما هو مدرسة

لئن اعترف بعض روّاد التقريب ممّن تعرّضنا لهم سابقًا في بعض خطاباتهم، بأهمية أدبيات الاستشراق من حيث المواضيع التي طرحتها والمناهج التي اعتمدتها في دراسة الثقافة الإسلامية، فإنّ خطابات أخرى ماثلت أو كادت تماثل الاستشراق، وبنت لها مقاربة لا تكاد تختلف عن مقاربات المستشرقين في دراسة الإسلام وعلومه.

وقد وجدنا في هذا المنزع تمرّدًا على السائد العربي والإسلامي، وتحدّيًا للدراسات الاستشراقية كما ترسّخت في التقليد الجامعي الغربي، وكأنّا انتقلنا بذلك من سجال عقدي وفكري ومن حوار علمي متردد وجزئي إلى حوار معرفيّ وثقافي عميق وشامل، بمعنى أنّا سنتحوّل على مستوى أدبيات التقريب التأسيسية من «خطاب نقدي» هيمن عليه الردّ، إلى «خطاب مواز» للاستشراق غلب عليه التأسيس المعرفي.

ولئن وجدنا ملامح هذا التوجّه عند مجموعة من الباحثين الأكاديميين من قبيل محمد البهي[74] وغيره، فإنّها تجلّت أيضًا عند بعض علماء الديّن الذي أيقنوا أنّ التواصل مع الاستشراق أمر لا مفرّ منه، وأنّ المثقفين المسلمين الدارسين في الغرب منارات يجب الاستفادة منها والاهتداء بها.

وهذا التوجّه نلحظه بجلاء عند الشيخ عبدالمتعال الصعيدي حين قال: «وقد أخذت طلائع هذه الحضارة تصل إلينا في أوائل هذا القرن لتنبّه غافلينا وتوقظ نائمينا، ليعرف ما يكون من الأثر في مستقبلنا»[75].

وفي هذا الموقف من الجرأة ما يستحقّ التحليل والنظر، إذ أصبح المتآمر شريكًا في منشود الثقافة والمعرفة، وأصبح الاستشراق مصدر توعية ودفع إلى التطوير والتغيير.

وحتى يكون عملنا أكثر إجرائية، سندرس نموذجًا نعتقد أنّه خير مثال على هذا التوجّه الذي اعترف بالاستشراق مدرسةً، وحاول أن ينسج خطابًا علميًّا بحسب التقاليد التي ضبطها المستشرقون، ويتمثّل هذا النموذج فيما كتبه محمد عبدالله دراز[76]، وهو شيخ أزهريّ واصل دراساته العليا بالسربون حيث تحصّل على شهادة الدكتوراه سنة 1947 التي صدرت لاحقًا تحت عنوان: «دستور الأخلاق في القرآن»[77]، واضطلع أحمد محمد بريري بتعريب أجزاء منها ونشرها مسترسلة في مجلة «رسالة الإسلام».

لقد عمل محمد دراز منذ مقاله الأوّل على تمثّل الاستشراق منهجًا ورؤيةً، من خلال حديثه عن سيرة الرّسول وأهمّ مراحل حياته، بل أظهر احترامًا وإجلالًا لأساتذة من المستشرقين تعلّم على أيديهم وتأثّر بهم، من قبيل مسيو موريس باترودنيس جاندهاك الأستاذ بجامعة السربون[78]، وسيلفستردي ساسي، والمؤرخ الفرنسي كوشان دي بير سيفال.

وظهر بذلك باحثًا صارمًا يعترف بفضل المستشرقين في الدراسات الإسلامية عندما يجب الاعتراف بذلك، وينتقد بعضهم عندمّا يحتّم السياق النقد، كما هو الحال عند تعرّضه إلى ولادة الرسول تعريجه على وجهة نظر «لامانس Henri Lammens» (1862-1937) حينما «أراد أن ينقص سن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نحو 10 سنين دون أن يدعّم دعواه تلك بأي دليل، سوى أنّه قد بدا له أن رجلًا تجاوز الخمسين من عمره يستحيل أن يكون له من الطاقة ما يمكنه أن يصطنع لنفسه حياة جديدة..»[79].

ولئن اهتمّ دراز في مقاله المعرّب الأوّل بحياة الرّسول، فإنّه تناول في مقاله الثاني موضوعًا خطيرًا يتعلّق بجمع القرآن وما لازمه من إشكاليات وتساؤلات حول علاقة مصحف عثمان بنصّ التأسيس، ولقد اختار المترجم لهذا المقال عنوان: «جمع النصّ الموحى».

وجدير بالذّكر أنّ درّازًا حاول في بداية عمله ضبط مفهوم شكلانيّ للقرآن كما يتداول بين الناس في العصر الحديث قائلًا: «يقدم إلينا القرآن الآن في سفر واحد يتألف في شكله الأكثر دورانًا من نحو 500 صفحة، وفي كل منها خمسة عشر سطرًا، وينقسم إلى 114 سورة -أو بابًا- تختلف طولًا بعد الفاتحة المؤلفة من خمسة أسطر صغيرة تأتي السور مرتبة عمومًا بحسب طولها النسبي الأطول أولًا، فالمتوسط في الوسط، فالأقصر -بعضها من سطر واحد - في الآخر. ويجد المطالع ما يرشده من العلامات الصوتية والوقوفية والإملائية، وعلامات الترقيم وكل ما يرشده نطقًا ووقفًا»[80]، وهذا المدخل مفيد للإجابة عن سؤال: هل أنّ القرآن الذي بين أيدينا هو ذاته القرآن الذي كان متوفرًا عند الصحابة في عهد الرسول؟

وقد كان محمد دراز جريئًا في إجابته مستحضرًا خلاصة البحوث الاستشراقية، فقارن بين المرحلتين، وذهب إلى أنّه «لم يكن القرآن كذلك على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإذا كان النصّ قد بقي تمامًا كما أملاه فإنّ المظهر قد تغيّر كثيرًا»[81].

ويعكس هذا الرأي تأثّرًا ملحوظًا بالمنهج التاريخي الذي اعتمده المستشرقون في دراسة حضارات الشرق بصفة عامّة والثقافة الإسلامية بصفة أخصّ[82].

وهذا يعني ضمنيًّا وعي الباحث بتاريخية «القرآن» وتغيّره وتطوّر ملامحه، وهذا الكلام خطير لعدّة اعتبارات منها أنّ الرجل أزهريّ بالأساس، وأنّ الحديث عن تاريخية القرآن حديث محذور ممنوع في الفضاء الديني الإسلامي التقليدي، لا في زمن كتابة النصّ بل حتى في أيّامنا هذه، وكم من باحث أتّهم بالزندقة والكفر لقوله بتاريخية «نصّ التأسيس» وبتحوّلاته في التاريخ، ولقد لقي طه حسين ما لقي من انتقادات ومضايقات لأنّه طبّق المنهج التاريخي على «الشعر الجاهلي» فما بالك بتطبيقه على القرآن.

ونظرًا لصعوبة استساغة هذا المنهج وما يفرزه من نتائج، فإنّ درّاز ميّز بين عدّة مستويات لنصّ التأسيس مستحضرًا بطريقة أو بأخرى بقية النصوص الدينية التأسيسية، فأكّد أنّ «الكتاب المقدس ليس قرآنًا فحسب، أو مجموع ما يُتلى شفاهًا بقصد حفظه عن طريق الذّاكرة وحدها بل هو أيضًا كتاب، فهما مظهران متعاونان متراقبان أبدًا على التبادل»[83].

وهذا يعني أنّ الباحث كان يميّز بين القرآن والكتاب، وبين ما هو شفوي وما هو مكتوب، وبين ما يتعلّق بالذّاكرات وما دوّن في آثار مضبوطة، ونصّ التأسيس الإسلامي يجمع بين مختلف هذه الأطراف، ومن الخطأ أن نحصره في جانب دون آخر.

وهذا التمييز نجده عند عدد كبير من الباحثين المعاصرين[84]، ارتبطت عندهم في «قراءات علمية» جديدة في القرآن، ولكنّها في الحقيقة ليست جديدة بل استفادت من تجارب إسلامية جريئة لم تصل إلينا، ولم تلقَ حظّها من النشر والدراسة.

وعلى هذا الأساس أكّد درّاز على أهمية مدخل «المشافهة» في دراسة القرآن، نظرًا للعلاقة الوطيدة بين ما دوّن وما كان المسلمون يتلفظون به في ذلك العصر، ولعلّ ما يبرّر هذا المدخل كثرة القراءات إذ إنّ التلفّظ بآي القرآن «لم يقتصر دائمًا على نطق واحد.. كلمة «ملك» يمكن أن تقرأ مالك، أي صاحب ملك وملك أي صاحب رعية، وأيضًا «فتثبتوا» يمكن أن تقرأ تبينوا من التبيين أو تثبتوا من التثبيت وكلتاهما قراءة مأثورة، وما دام السامعون لم يكونوا دائمًا فئة واحدة بالضرورة فلقد ترتّب على ذلك أن نشأ عند الصحابة منذ الزمن الأول طرق مختلفة للتلاوة»[85].

والطريف أنّ الباحث تفطّن إلى قاعدة ذهبية يمكن أن تكون بدورها مدخلًا لقراءة نصّ التأسيس، مفادها «وإذا كان الذوق السليم يكفي أحيانًا لإحساس النطق الصحيح فهو في الأغلب يقتضي توجيهًا شفويًّا»[86].

وانطلاقًا ممّا ضبطه من مستويات ممكنة لنصّ التأسيس توصّل دراز أنّ «الكتاب المقدّس الإسلامي» هو ما وصل إلينا، وما يحتفظ به المسلمون اليوم، كما هو حال بقية الكتب المقدسة التي شهدت بدورها تطوّرات تاريخية قبل أن تستقرّ على حالة مخصوصة.

ولذلك لا يمكن الحديث عن أكثر من «قرآن» اليوم بل أثبت درّاز أنّ ما يُشاع عن مصحف شيعيّ مختلف عن مصحف أهل السنّة ضرب من الوهم والمغالطة، وآية ذلك أنّ كلّ علماء الشيعة نفوا وجود مثل هذا المصحف، واستدلّ فيما استدلّ بأبي جعفر القمي في «كتابه»[87] إذ قال: «عقيدتنا فيما يتعلق بالقرآن الذي أوحى به الله جلّ جلاله إلى نبيّه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه هو المحفوظ الآن بين الدفتين، ليقرأ الناس لا أكثر، وعدد السور فيما تعرف عامة الناس 114 سورة، أمّا نحن فنرى أنّ السورتين 39 و 94 تكونان سورة واحدة، وكذلك السورتان 105 و 106 والسورتان 8 و 9 والذي ينسب إلينا عقيدة أنّ القرآن أكثر من هذا إنما هو كاذب»[88].

ولا يمكن لأحد أن يغفل عن البعد التقريبي الكامن في هذا الخطاب، فالرّجل أراد أن يتحرّك في مجال تقريبي باعتماد خطاب إسلاميّ جديد، وهذا يعني أنّه استطاع أن يتمثّل الاستشراق تمثّلًا ناضجًا وأن يوجّهه الوجهة التي يريد وأن يوظّفه التوظيف الذي يراه مناسبًا، ولذلك نجده يستدلّ في كلامه المتعلّق بوحدة الكتاب المقدس الإسلامي بمستشرقين من قبيل ليبلو الذي أكد أنّ «القرآن هو وحده الآن الكتاب المقدس الذي لا يوجد فيه خلافات تذكر»[89]، وكذلك موير William Muir الذي ذهب أنّه «يمكن القول: لا اختلاف إطلاقًا في نسخ القرآن التي لا تحصى، والتي تتداول في العلم الإسلامي المتسع»[90].

ولئن عمل دراز في مقاله الثاني على نفي قصة جمع عثمان للقرآن، ورجع بهذا العمل للخليفة الرّاشدي الأول أبي بكر الصديق فإنّه واصل الحديث في مقاله الثالث عن مصحف عثمان، وأكّد أنّ «الوحدة بينه وبين مجموع أبي بكر تامة»[91]، واحتجّ في رأيه كعادته بالمستشرقين وعرّج خاصّة على آراء شوالي Friedrich ZachariasSchwally (1863-1919).

إنّ قارئ نصوص محمد دراز المعرّبة لا يكاد يميّز بينها وبين ما كتبه المستشرقون من حيث منهج الكتابة، وكيفية عرض المعطيات ونقدها، وهذا يعني أنّه وفّق إلى حدّ كبير في تمثّل الاستشراق، كما يعني أنّ المستشرقين وخاصّة ممّن درّسوه كان لهم أثر كبير على ما كتبه، ولكنّ تأثره بمنهج المستشرقين لم يحل دون محاولة تأسيس نمط مخصوص من الخطاب يتمثّل أساسًا في استحضار هاجس التقريب، فأصبح الاستشراق بهذا المعنى حافزًا لبناء خطاب جديد يتجاوز السائد، ويحقّق ما عجزت الأدبيات الإسلامية التقليدية على تحقيقه في مجال تقريب وجهات نظر المسلمين، وفهم مسائل الخلاف العويصة التي تحرّك الذّاكرات المذهبية وتنمّط مخيال كلّ «مجموعة إسلامية».

خاتمة: التأليف

قد يكون من غير المألوف الحديث عن «أثر الاستشراق في أدبيات روّاد التقريب» لعدم اهتمام الباحثين بهذا المشغل، ولكنّا وجدنا في نصوص مجلّة «رسالة الإسلام» ما يبرّر اختيارنا لهذا العمل وما يجعل الغريب مألوفًا ومقبولًا، ولا نبالغ إذا قلنا: إنّ ما وجدناه في مقالات هذه المجلّة لا يمكن حصره في هذا المجال البحثيّ الضيّق، بل يمكن أن يكون موضوع بحث مستقلّ، فالمادّة كثيرة ومتعدّدة وهاجس الاستشراق يكاد يحضر بطريقة أو بأخرى في مختلف النصوص بنسب متفاوتة وصور متباينة.

ولئن ميّزنا بين ثلاثة تجلّيات لـ«أثر الاستشراق في أدبيات روّاد التقريب»، فقد كنّا على وعي بأنّ هذا التقسيم لم يكن غير تقسيم منهجيّ اقتضته طبيعة العمل، إذ نجد من بين نصوص مجلة «رسالة الإسلام» نصوصًا تهيمن عليها فكرة المؤامرة المقترنة بالاستشراق، ونصوصًا أخرى تكشف عن الاستشراق بما هو حافز معرفيّ وثقافيّ، كما نجد صنفًا آخر من النصوص استطاع أن يتمثّل الاستشراق بما هو مدرسة وأن ينتج خطابًا إسلاميًّا نقديًّا غير مألوف.

ولكنّنا من جهة ثانية نجد نصوصًا تتقاطع فيها مختلف هذه التجليات أو بعضها بنسب متفاوتة وصور متعدّدة، ولقد دفعنا هذا الاستنتاج إلى البحث في الخيط الخفيّ الواصل بين مختلف ما رصدناه من آراء، وتبيّن لنا أنّ هاجس التقريب كان يحضر تصريحًا وتلميحًا في مختلف النّصوص التي تناولناها.

ويمكن لمحلّل خطاب «الاستشراق بما هو مؤامرة» أن يلحظ منزعًا واضحًا في توظيف مقولة «خطورة العدوّ الخارجي» في توحيد صفوف المسلمين، خاصّة أنّ الاستعمار مازال يحتلّ عددًا كبيرًا من البلدان الإسلامية ويمارس ضدّ أهلها أبشع الممارسات، وبهذا المعنى يقترن الحديث عن «الذات» وتوحّدها من خلال فضح «الآخر» وبيان خطورته على الإسلام والمسلمين، ولعلّ أصحاب هذا الخطاب راهنوا على استمالة عواطف الناس قبل قلوبهم بإثارة الذاكرات الدينية والصراعات التاريخية.

ولكنّ التقريب لا يتحقّق عند رواده من خلال تضخيم «فكرة المؤامرة»، التي يحوكها المستشرقون ضدّ المسلمين بكلّ طوائفه، بل يستفيد أيضًا من أدبيات الاستشراق من حيث المواضيع المطروحة من قبل المستشرقين والمناهج المعتمدة في البحث والتأليف.

ولعلّ ما شجّع بعض المثقفين المسلمين على اقتحام هذا المدخل، وتقبّل ما يقوله المستشرقون من آراء، رغبتهم في الاستفادة من تجارب مسيحية شبيهة بتجارب المسلمين، فالمسيحيون عاشوا بدورهم الخلاف ولكنّه توصّلوا إلى نوع من التفاهم تجسّد أساسًا في المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني[92].

ولذلك لا غرابة أن نجد أحمد محمد بريري في ركنه «قال شيخي» يعرّج على هذا المجمع المسكوني وهو يتحدّث عن الاستشراق فيمتدح المسيحيين الذين «تعاونوا على البر والتقوى فتحدثوا لم يجادلوا، وتوادوا لم يناقشوا»[93].

ويبدو من خلال هذا الحديث أنّ هاجس البحث عن نموذج تقريبيّ جعل للاستشراق أثر مهمّ في مقالات «رسالة الإسلام»، ولقد قوي هذا الهاجس المتصالح مع الاستشراق في الأعداد الأخيرة من «رسالة الإسلام» وخاصّة مع محمد عبد درّاز الذي استطاع أن يتمثّل «الاستشراق» منهجًا وثقافةً، وأن يقطع مع سائد لا يستجيب لحاجيات التقريب لما يتضمنه من مناهج تقليدية تقوم أساسًا على الرواية والإخبار والاستصفاء والإقصاء.

ونلاحظ من خلال هذه الجولة القصير في أهمّ المحطّات المتعلّقة بـ«أثر الاستشراق في أدبيات روّاد التقريب» أنّ حديث «الذات» اقترن مع الحديث عن «الآخر»، وأنّ الاستشراق كان في الحقيقة مرآة حاول من خلالها رواد التقريب النظر في أنفسهم وواقعهم ونقائصهم، ولئن كان السجال خطابًا مخترقًا لكلّ النصوص التي تعرّضنا إليها فإنّها لم تكن فحسب سجالًا مع ضد كما تضبط ذلك أدبيات السجال، بل كان سجالًا مع الذّات، يتضّمن نوعًا من الحوارية ظاهرها التواصل مع الآخر «الاستشراقي»، وباطنها الغوص في أعماق الذات وتحسس الطريق المفقود.

والطريف أنّ أثر الاستشراق تجاوز نصوص «رسالة الإسلام» ليمسّ قارئها والباحث فيها، لأنّ هذه المدوّنة حبلى بأخبار المستشرقين ومدارسهم ومؤلّفاتهم لمدّة زمنية طويلة، ولقد دفعنا التحقيق في أسماء المستشرقين وتواريخ وفياتهم إلى مزيد التعرّف على إنجازاتهم ومشاريعهم المعرفية، فكانت تلك النصوص التي اشتغلنا عليها موسوعة مبسّطة في الاستشراق وأهله، ولقد وضعنا جدولًا ملحقًا بهذا العمل للتعريف بمن تمكّنا من التعرّف عليهم من المستشرقين الواردين في «رسالة التقريب».

ولنا أن ننبّه في نهاية هذا العمل أنّ دراسة «أثر الاستشراق في أدبيات روّاد التقريب» لا يمكن أن تستقيم دون الانفتاح على واقع الفكر الإسلامي في مختلف تجلّياته في ذلك العصر، ويبدو أنّ ما رصدناه من تجلّيات للاستشراق لم يكن معزولًا عن المشهد الثقافي الإسلامي الذي انقسم بدوره إلى رافضين للاستشراق وقابلين به بدرجات متفاوتة، ولكنّهم جميعًا على اختلافهم اعترفوا بأهمية «الاستشراق» وتأثيره في مناهج دراسة الفكر الإسلامي.

وعلى هذا الأساس نرى أنّه من المفيد دراسة أثر الاستشراق في الأدبيات التقريبية على ضوء دراسة أثره في مختلف الخطابات الإسلامية الموازية، ولكنّ هذا العمل على أهميته لا يمكن معالجته في هذا الإطار البحثي الضيّق، وربّما كان محطّة منشودة قد نقف عندها عندما نتزوّد بما يُشدّ به الرّحال.

 

 

ثبت في قائمة المستشرقين الواردين في العمل

الاسم العربي الوارد
في نصوص مجلة «رسالة الإسلام»

الاسم الأعجمي

آدم متز

Adam Mez

آرثر جفرى

Athur Jeffery

أناتول فرانس

François-Anatole Thibault

أوزان

Ettingha usen

بارات

Paret

جولد تسيهر

Ignác (Isaac Yehouda) Goldziher

جوينبل

Th.Juynboll

رالف لنتون

Ralph Linton

سنوك هجرونبيه

Christiaan Snouck Hurgronje

سورديل دومينيك

Dominique Sourdel

شبرنجر

Aloys Sprenger

 شبرنجر

Aloys Sprenger

شوالي

Friedrich ZachariasSchwally

الفريد جيوم

Alfred Guillaume

فنسنك

 Arend Jan Wensinck

قريندوم

Grunedaum

لامانس

Henri Lammens

مور

Albert Joseph MOORE

نولدكه

Theodor Nöldeke

ويليام موير

William Muir

 

 

 

 

 



[1] راجع في ذلك كتابه: الاستشراق.. المعرفة، السلطة، الإنشاء، بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، ط6، 2003.

[2] ساسي سالم الحاج، نقد الخطاب الاستشراقي.. الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية، بيروت: دار المدار الإسلامي، ط1، 2002.

[3] يندرج في هذا الإطار كتاب نديم نجدي: أثر الاستشراق في الفكر العربي المعاصر عند إدوارد سعيد، حسن حنفي، عبد الله العروي، بيروت: دار الفارابي، 2005.

[4] تأسست «جماعة التقريب» بالقاهرة سنة 1946، وترأسّها محمد علي علوبة باشا (ت 1375هـ/ 1956م)، وقادها مجموعة من العلماء من قبيل عبدالمجيد سليم (ت1374هـ/ 1955م)، ومحمد مصطفى المراغي (1364هـ/ 1945م)، ومصطفى عبدالرازق (ت 1366هـ/ 1946م)، ومحمود شلتوت (ت 1383هـ/ 1963م)، ومحمد المدني (ت 1388هـ/ 1968م)، وعلي الخفيف (ت 1398هـ/ 1891 – 1978م)، وعبد العزيز عيسى (ت 1415هـ/ 1994م)، وآية الله آغا حسين البروجردي، ومحمد تقي الدين القمي، ومحمد آل حسين آل كاشف الغطاء، والسيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي، ومحمد جواد مغنية، وصدر الدين شرف الدين.... وتولّى محمد تقي القمّي الأمانة العامة للجماعة.

[5] أصدرت دار التقريب بالقاهرة مجلة «رسالة الإسلام» في عددها الأوّل سنة 1949، وتوقّفت المجلة عن الصدور سنة 1972 (العدد 60).

[6] عبد المتعال الصعيدي، استقبال بعض علمائنا لطلائع الحضارة الأوروبية، مجلة رسالة الإسلام، السنة 5، عدد 3/ 19، يوليو 1953، ذو القعدة 1372 هـ، ص 307.

[7] وهو محمد محمد مدني.

[8] عضو البرلمان السوري وأستاذ الشريعة بكلية الحقوق بالجامعة السورية عندئذٍ.

[9] رئيس التحرير، أنباء وآراء، رسالة الإسلام العدد 37، ص 105.

[10] انظر للتوسع: غليا يونوشافسكي (Yanoshevsky Galia) إذ ذهبت أنّ الخطاب السجالي «يتمثل في نصين على الأقل يتقابلان ويتشاجران، سواء تعلّق الأمر بـ«كتاب سجالي» (ouvrage polémique) أو إنتاج خطابي (production discursive) وربّما سجّل حضوره في هذا الخطاب أو ذاك».

«Il s’agit de deux textes au moins qui se confrontent et s’affrontent, soit, d’un “ouvrage polémique”: d’une production discursive où s’inscrit le discours de l’autre (de la polémique à la politique journalistique, in Recherche et communication, n20, 2003».

[11] عبدالوهاب حمودة، رسالة الإسلام، دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة، السنة 9، يناير 1957، جمادي الآخرة 1376هـ، عدد 33، ص64.

[12] وهو مستشرق ألماني، ولد في هاربورج بألمانيا، وتعلّم في عدة جامعات، وانصرف إلى اللغات السامية والتاريخ الإسلامي، فُعيّن أستاذًا لهما في العديد من الجامعات، وكان يحسن اللغات الشرقية، فضلًا عن معرفته بلغات الغرب.

[13] عبدالوهاب حمودة، المصدر نفسه، ص64.

[14] عبدالوهاب حمودة، من زلات المستشرقين، رسالة الإسلام، السنة 9، عدد 2/ 34، أبريل 1957، رمضان 1376، ص173.

[15] يقصد كتابه:

Le Dogme et la Loi de l›Islam. Paris: librairie Paul Geuthner, 1920. Traduction française par Félix Arin de l›ouvrage paru en 1910 en allemand. 315 pages.

[16] عبدالوهاب حمودة، من زلات المستشرقين، رسالة الإسلام، السنة 10 عدد3 / 39، محرم 1378هـ، يوليو 1958م، ص311.

[17] عبدالوهاب حمودة، المصدر نفسه، ص312.

[18] لبيب السعيد، حول دعاوي بعض المستشرقين رجاء إلى علماء المسلمين، رسالة الإسلام، عدد 60.

[19] كتاب المصاحف لأبي بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، حققه: آرثر جفري وصدر في عدّة طبعات.

[20] آرثر جفري، مقدمة كتاب المصاحف، المصدر نفسه، ص68.

[21] آرثر جفري، المصدر نفسه، ص 71.

[22] آرثر جفري، المصدر نفسه، ص 71.

[23] آرثر جفري، المصدر نفسه، ص 71.

[24] آرثر جفري، المصدر نفسه، ص 71.

[25] آرثر جفري، المصدر نفسه، ص 71.

[26] آرثر جفري، المصدر نفسه، ص 71.

[27] من ذلك على سبيل المثال:

- ذهبت مارينا تيتاسكي (Mariana TUTESCU, 2002) في القسم الخامس من كتابها «الحجاج: مدخل في دراسة الخطاب» إلى ضبط أركان السجال الكبرى، ورأت أنّ «الخطاب السجالي يتداخل مع مجموعة من المفاهيم تتعلّق بالدحض والعراك الكلاميّ».

L’Argumentation Introduction à l›étude du discours: Le discours polémique, aspect outrancier de l’argumentation «Le discours polémique fait intervenir les concepts de réfutation et de polémicité».

http://ebooks.unibuc.ro/lls/MarianaTutescu-Argumentation/sommaire.htm

- وفي هذا الإطار يندرج طرح غاليا يانوشفسكي (Yanoshevsky Galia2003) في مقالها « من السجال إلى السجال الصحفي de la polémique à la politique journalistique إذ أكدت أنّ الخطاب السجالي ذو طبيعة خلافية بالأساس (nature paradoxale).

[28] انعقدت بين 29/ 12/ 1957 و 8/ 1/ 1958.

[29] محمد محمد مدني، أبناء وآراء، رسالة الإسلام، السنة 10 عدد 1/ 37، يناير 1958، رجب 1377هـ، ص104.

[30] محمد محمد مدني، المصدر نفسه، ص104.

[31] محمد محمد مدني، المصدر نفسه، ص104.

[32] محمد محمد مدني، درس من غيرنا، رسالة الإسلام، عدد 53-54، السنة 14، يوليو 1963، محرم 1383، ص 152.

[33] فدك: واحة تقع في أطراف الحجاز قرب مدينة خيبر في شبه الجزيرة العربية، تقع في يومنا هذا في المملكة العربية السعودية وتتبع إداريًّا منطقة حائل، وتقع بالجزء الغربي الجنوبي لمنطقة حائل، وكانت ملكًا للرسول أهداها لابنته الزهراء، وبعد وفاة الرسول أخذها أبو بكر الصديق وأعادها لبيت مال المسلمين، حتى تولّى عمر الخلافة فدفع فدكًا إلى ورثة الرسول، وبعد أن تولى الخلافة عثمان بن عفان أقطعها مروان بن الحكم.

ويقصد بمشكلة فدك في التاريخ الإسلامي ما وقع من أجلها من خلاف حاد بين أبي بكر وفاطمة.

[34] للتوسع في هذه القضية يمكن العودة لكتاب السيد محمد باقر الصدر: فدك في التاريخ، بيروت: الغدير للدراسات والنشر، 2001م.

[35] محمد جواد مغنية، الإسلام والثقة بالإنسان، رسالة الإسلام، السنة 10 عدد 2/ 38، أبريل 1958، شوال 1377هـ، ص 156.

[36] عبدالوهاب حمودة، من زلات المستشرقين، رسالة الإسلام، عدد 38، ص 63.

[37] محمد محمد مدني، أنباء وآراء، رسالة الإسلام، عدد 38، ص 215.

[38] عبدالرحمن الخير، كتاب التعايش الديني فى الإسلام، رسالة الإسلام، عدد 44، ربيع الثاني - جمادى الآخرة، أكتوبر - ديسمبر، 1379/ 1959، ص 443.

[39] انظر: ن، م، ص444.

[40] محمد جواد مغنية، الإمامية بين الأشاعرة والمعتزلة، رسالة الإسلام، عدد 46، ص139.

[41] محمد جواد مغنية، المصدر نفسه، ص139، ونص الشرقاوي اقتطفه الكاتب من مقال له صدر بمجلة الغد، عدد 2، 1953.

[42] محمد جواد مغنية، المصدر نفسه، ص139-140.

[43] عبد الوهاب حموده، من زلّات المستشرقين، رسالة الإسلام عدد 39، محرم، يوليو، 1378/ 1958، ص311.

[44] عبدالوهاب حموده، المصدر نفسه، ص 313.

[45] الكاتب لم يذكر صاحب هذا الكاتب ولعلّه يقصد به محمد حسين هيكل (حياة محمد) 1933، كاتب وأديب من أصول سعودية ولد سنة 1860 بقرية حنين الخضراء بمدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية بمصر. درس القانون في جامعة السوربون في فرنسا، وعمل في المحاماة بعد رجوعه إلى مصر، كما عمل بالصحافة. اتصل بأحمد لطفي السيد وتأثّر بأفكاره، والتزم بتوجيهاته، كما تأثّر بالشيخ محمد عبده وقاسم أمين وغيرهم... توفي في 8 ديسمبر 1956.

[46] عبدالوهاب حموده، المصدر نفسه، ص 313.

[47] عبدالوهاب حموده، المصدر نفسه، ص313.

[48] لم يذكر اسمه وهذا الكتاب لأحمد أمين.

[49] عبدالوهاب حموده، المصدر نفسه، ص 314.

[50] يمكن الاستفادة من كتاب «(Dialogisme et polyphonie: Approches linguistiques» (2005)» والكتاب في الأصل أعمال ندوة ويمكن الاستفادة خاصة من مقال جاك براس (Jacques BRES)، «معرفة فيما نتكلم» «Savoir de quoi on parle» وفيه تطرّق إلى عدّة مفاهيم تتعلّق بلسانيات والتحادث والحوار من قبيل «Dialogue» و«dialogal» و«dialogisme» و«dialogique» و«polylhonie» كذلك من روث أموسي «Ruth Amossy»

De l’apport d’une distinction: dialogisme vs polyphonie dans l’analyse argumentative

وفيه تحدثت عن دور «الحوارية dialogisme» و«تعدد الأصوات» في تحليل الخطاب الحجاجي، ولا يمكن أن ننكر ما للخطاب السجالي من بعد حجاجي.

[51] هذا عنوان كتاب للباحث المصري حسن حنفي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، (1998/ 2000/ 2002).

[52] القسم الأول من المبحث الرابع من الفصل الأوّل «ماذا يعني علم الاستغراب».

[53] من ذلك نذكر على سبيل المثال لا الحصر:

- محمود ماضي، جذور علم الاستغراب، دار الدعوة الإسلامية، 1998.

- أحمد الشيخ، حوار الاستشراق.. من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب، المركز العربي للدراسات الغربية، 1999.

[54] محمد جواد مغنية، الإسلام والثقة بالإنسان، رسالة الإسلام، عدد 38، ص 156.

[55] محمد جواد مغنية، المصدر نفسه، ص157.

[56] محمد جواد مغنية، المصدر نفسه، ص158.

[57] وهي سلسلة أدبية هزلية .

[58] واسمه «François-Anatole Thibault» هو كاتب ومستشرق فرنسي ولد في باريس في 16 أبريل 1844 وتوفي في 12 أكتوبر 1924، تحصّل على جائزة نوبل في الأدب لسنة 1921 لمجموع أعماله.

[59] لم نجد تعريفًا له.

[60] باحث جامعي فرنسي متخصص في التاريخ الإسلامي الوسيط، من أهمّ كتبه:

- La civilisation de l›islam classique (1968), Arthaud «Les Grandes Civilisations»,1re édition 1968 avec Janine Sourdel

- Histoire des arabes (1976), PUF, «Que sais-je?», n°1627, 2003

- L›islam médiéval (1979), PUF, 2005

- Dictionnaire historique de l’islam (1996), Paris, PUF,Quadrige Dicos poche, 2004 avec Janine Sourdel

- Vocabulaire de l›islam (2002), PUF, « Que sais-je ? » n°3653, 2002 avec Janine Sourdel

[61] نعتقد أنّه يقصد كتابه:

L’Islam (1949), PUF, «Que sais-je?» n°355, 2002, 21e éd. mise à jour

[62] أحمد محمد بريري، قال شيخي، رسالة الإسلام، 55-56، المحرم، يونيو، 1384/ 1964، ص298-312.

[63] محمد عبدالله دراز، تعريف بالقرآن، رسالة الإسلام، عدد 57، ص65.

[64] محمد عبدالله دراز، المصدر نفسه، ص65.

[65] مؤسسة أمريكية، ولعلّ تسمية المؤسسة تعود لـ«بنجامين فرانكلين» Benjamin Franklin، ولد 1706 توفي - 1790، وهو أحد من أهم وأبرز مؤسسي الولايات المتحدة الأمريكية.

[66] باحث أمريكي عرف في مجال الأنثروبولوجيا من أشهر كتبه «The Tree of Culture» 1955.

[67] محمد محمد مدني، أنباء وآراء، رسالة الإسلام، عدد 47-48، يوليو - ديسمبر 1380/ 1960، 405.

[68] محمد محمد مدني، المصدر نفسه، ص 407.

[69] محمد محمد مدني، المصدر نفسه، ص407.

[70] محمد محمد مدني، المصدر نفسه، ص407.

[71] محمد محمد مدني، المصدر نفسه، ص408.

[72] محمد محمد مدني، المصدر نفسه، ص409.

[73] «الإسلام واحدًا ومتعددًا» عنوان سلسلة أشرف على صدورها عبدالمجيد الشرفي أستاذ الحضارة بالجامعة التونسية، وتصدر هذه السلسلة عن دار الطليعة ببيروت.

[74] أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، وأحد أعضاء جماعة التقريب.

[75] عبدالمتعال الصعيدي، استقبال بعض علمائنا لطلائع الحضارة الأوروبية، رسالة الإسلام، عدد 19، ص307.

[76] ولد سنة 1894 في قرية محلة دياي بمحافظة الغربية، وانتقل إلى الإسكندرية في أوائل سنة 1905، ثم حصل على الشهادة الثانوية سنة 1912، و حصل على الشهادة العالمية النظامية سنة 1916، ثم عيّن مدرسًا بمعهد الإسكندرية عقب تخرجه، وبدأ يشتغل بدراسة اللغة الفرنسية في المدارس الليلية، وفي سنة 1928 اختير للتدريس بالقسم العالي بالأزهر، ثم بقسم التخصص سنة 1929، ثم بكلية أصول الفقه سنة 1930، ثم في قسم التخصص بها، وقع عليه الاختيار ليسافر إلى فرنسًا في بعثة أزهرية، والتحق بكلية الآداب بجامعة السوربون، وحصل على الليسانس سنة 1940، ثم اشتغل بتحضير رسائل الدكتوراه، فألف رسالتين باللغة الفرنسية عن القرآن وآدابه حصل بهما على الدكتوراه برتبة الشرف العليا في أواخر سنة 1947، وعاد إلى مصر في 15 مارس سنة 1948، فندب لتدريس تاريخ الأديان بجامعة القاهرة، وحصل على عضوية جماعة كبار العلماء بالأزهر في سنة 1949. (اعتمدنا ما جاء في رسالة الإسلام عدد 55-56، ص266).

[77] حاولنا العثور على الأطروحة في لغتها الأصلية ولكنّنا لم نوفّق في ذلك.

[78] محمد دراز، تعريف بالقرآن، رسالة الإسلام، عدد 55-56، ص 268.

[79] محمد دراز، المصدر نفسه، ص 269، وذلك في مقال عنوانه: (سن محمد) (الجريدة الأسبوعية مارس - ابريل 1911).

[80] محمد دراز، تعريف بالقرآن، رسالة الإسلام، عدد 57، ص59.

[81] محمد دراز، المصدر نفسه، ص 59.

[82] لقد تعرّض الباحث المغربي المكي أقلانيه لخصوصية المنهج التاريخي عند المستشرقين في مقاله: «موقف المستشرق جولدزيهر من السنّة النبوية» الذي شارك به في «المؤتمر الدولي: الاستشراق والدراسات الإسلامية»، تطوان - المغرب 15-17 رجب 1417، 26-28 نوفمبر 1996.

[83] محمد دراز، المصدر نفسه، ص59.

[84] يمكن أن نتحدّث عن تجربتين متباينتين:

- تجربة محمد شحرور، في كتابه «الكتاب والقرآن»، شركة المطبوعات للتوزيع و النشر، بيروت، 1992، حيث حاول التمييز بين مستويات مختلفة من «نص التأسيس» وميّز خاصة بين القرآن والكتاب

- تجربة محمد أركون الذي نبه في كتابه « قراءات القرآن» Arkoun (Mohamed), Lectures du coran, Maisonneuve et Larose 1982, Paris, (Islam D’hier et d’aujourd’hui) إلى ضرورة التمييز بين ما هو شفوي وما هو مكتوب في دراسة «القرآن».

[85] محمد دراز، المصدر نفسه، ص66.

[86] محمد دراز، المصدر نفسه، ص 66.

[87] لم يقع ذكر عنوان الكتاب في الترجمة العربية، ولا ندري إن كان مذكورًا أو لا في الأصل الفرنسي، ولعلّه يقصد ابن بابويه القمي، وهو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن مرسي الذي توفي سنة 381، المعروف بالشيخ الصدوق أو الصدوق الأول، وهو صاحب عدد كبير من المؤلفات لا يمكن الجزم بالكتاب الذي أخذ منه الشاهد النصي.

[88] محمد دراز، المصدر نفسه، ص64.

[89] محمد دراز، المصدر نفسه، ص65.

[90] محمد دراز، المصدر نفسه، ص65.

[91] محمد دراز، تعريف بالقرآن (ج3)، المحرم، 1384/1965، ص164.

[92] انعقد هذا المجمع بين سنة 1962 و 1965، ولقد أعلن البابا يوحنّا في مطلع حبريته عن عقده بمناسبة نهاية أسبوع الصلاة من أجل الوحدة بين المسيحيين، للتعمّق في هذه المسألة يمكن العودة إلى حسن القرواشي، الفكر المسيحي الكاثوليكي في مواجهة الحداثة، من المجمع الفاتيكاني الأوّل (1869 - 1870) إلى المجمع الفاتيكاني الثاني (1962 - 1965)، مبحث البابا يوحنّا XXIII والمجمع الفاتيكاني II: الاعتراف المشروط والتراجع المقنّع والإقرار بشرعية التنوّع، ص 513-527.

[93] أحمد محمد بريري، قال شيخي، رسالة الإسلام، عدد 55 - 56، ص311.

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة