تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

مؤتمر : مستقبل المجتمعات العربية .. المتغيرات والتحديات

محمد تهامي دكير

مؤتمر: مُستقبل المجتمعات العربية..

المُتغيرات والتحديات

القاهرة بين 5-8 سبتمبر (أيلول) 2016م،

محمد تهامي دكير

لمناقشة المتغيّرات التي تعصف بالدولة القُطرية اليوم، في ظل الثورات العربية، ومستقبل الإصلاح السياسي، وآفاق الإبداع في العالم العربي، ولتسليط الضوء على الجهود العربية في الدراسات المستقبلية، والسياسات النقدية العربية والمستقبل العربي بشكل عام، نظّمت وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية في جمهورية مصر العربية مؤتمرًا دوليًّا بعنوان: «مستقبل المجتمعات العربية.. المتغيرات والتحديات» وذلك بين 5-8 سبتمبر (أيلول) 2016م، شارك في المؤتمرأكثر من خمسين خبيرًا وباحثًا عربيًّا وأجنبيًّا من العالم العربي وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا..

الجلسة الافتتاحية

افتتح الدكتور إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية، وحلمي النمنم، وزير الثقافة المصري، فعاليات المؤتمر، في البداية أكد وزير الثقافة على أهمية القضايا التي يطرحها المؤتمر وخصوصًا موضوع مستقبل المجتمعات العربية. موضحًا أن سؤال المستقبل قد أصبح ضرورة، كما أشار إلى ما قامت به مكتبة الإسكندرية سنة 2005، عندما أطلقت وثيقة الإسكندرية وكان هاجس المستقبل يلحّ على جميع المشاركين في صياغتها، ولكنه أصبح الآن ضروريًّا وحيويًّا لمواجهة المخاطر التي تهدّد المجتمعات العربية.

كما أشار إلى ظاهرة التشدّد والتطرّف التي تعاني منها المجتمعات العربية ومخاطرها على المستقبل العربي، متسائلًا: كيف ستتم مواجهة هذه الظاهرة، في ظل حالة الاستقطاب المذهبي والطائفي والعرقي التي تشهدها بعض المجتمعات العربية.

كما تساءل عن مستقبل القضية الفلسطينية، في ظل هذه الأوضاع الراهنة..؟ وأخيرًا، أكد على أهمية مناقشة مستقبل المجتمع العربي، في ظل ضعف التنمية وانتشار الأمية والخلل في البنية الأسرية، والازدواجية وعدم الوضوح التي نتخبط فيها.

أما الدكتور إسماعيل سراج الدين (مدير مكتبة الإسكندرية)، فقد أشار إلى خطورة المتغيرات العاصفة التي ألمت بالعديد من دول المنطقة في السنوات القليلة الماضية والتي فرضت سؤالًا هامًّا يتعلق بمستقبل المجتمعات العربية، والأجيال القادمة التي سيشكل الشباب غالبيتها العظمى.

وأن هذا السؤال أصبح ضرورة بحثية، وهمًّا ثقافيًّا، ينشغل به المثقفون والمعنيون بوضع تصورات لتطوير المستقبل، ويقتضي وعيًا عميقًا بطبيعة التغيرات والتحولات المصيرية التي شهدتها المنطقة العربية في بنيتها الاجتماعية والثقافية، وهي تعيش مخاض تحولات صعبة تتعلق بموقعها في العالم اليوم، في الوقت الذي لا تزال فيه التساؤلات حول الهوية، والحرية، والتنمية، والعدالة الاجتماعية، والديمقراطية تحتاج إلى إجابات معمقة، مؤكدًا على ضرورة رؤية واضحة حول «ماهية المستقبل الذي نريده». وعلى هذا الأساس، يأتي تنظيم مكتبة الإسكندرية لهذا المؤتمر كمحاولة للمساهمة في صياغة مستقبل المجتمع المصري والإقليمي ولإثارة تساؤلات حول مستقبل المجتمعات العربية. ومن هنا يقول سراج الدين: آثرنا في هذا المؤتمر أن يناقش مختلف التحديات والمتغيرات التي تعصف بعالمنا العربي سواء كانت أمنية أم سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم فكرية، على أن يكون هذا تمهيدًا لحلقات أخرى أكثر تخصصًا وتعمقًا، وأن تكون مكتبة الإسكندرية ساحة تجمع الباحثين والمهتمين للإجابة عن تساؤلات المستقبل، كل في تخصصه، وكل في علاقته بالآخر.

وفي الأخير أشار سراج الدين، إلى أنه ورغم أن العالم العربي يعيش أزمات عميقة وشاملة، مع فشل مشروع «الدولة الحديثة»، وصعود الحركات الإرهابية واتجاهات التكفير والتطرف، وتفشي الانقسامات المذهبية والطائفية والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، إلَّا أن من عناصر الاستبشار الكامنة في هذه المجتمعات أجيالها الشابة، التي تحلم بالحرية، بالغد الأفضل، وتسعى لتحقيق حلمها بأدوات عصرها، والتفكير في عالمها الذي تعيش فيه، فهي ثروة بشرية قادرة على التغيير إذا فتحت أمامها أسباب التمكين والتواصل الجيلي والثقافي والتاريخي...

ثم انطلقت فعاليات المؤتمر حيث قدمت مجموعة من الأوراق والمحاضرات والمداخلات على مدى أربعة أيام، فيما يلي عرض لما جاء في عدد من هذه الأوراق والمحاضرات.

أعمال اليوم الأول

تحدث في هذا اليوم عدد من الشخصيات الفكرية من بينهم: الدكتورة نهال المغربل (نائب وزير التخطيط المصري)، والدكتور ماجد عثمان (مدير المركز المصري لبحوث الرأي العام «بصيرة») ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأسبق، والدكتور معتز خورشيد (رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لمهندسي البرمجيات ووزير التعليم العالي والبحث العلمي الأسبق)، والدكتور قيس الهمامي (باحث وخبير بالمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية)، والدكتور إدجار جول (رئيس قسم بحوث والدراسات المستقبلية بمعهد الدراسات المستقبلية وتقييم التكنولوجيا ببرلين).

في الجلسة الأولى التي أدارها الدكتور سامح فوزي (مدير مركز دراسات التنمية بمكتبة الإسكندرية) تحدث د. معتز خورشيد عن «الجهود العربية في الدراسات المستقبلية: النماذج الرياضية والمحاكاة في اتخاذ القرارات»، وقد أشار فيها في البداية إلى أن النماذج الرياضية وأساليب المحاكاة تمثل أداة تحليلية للتنبؤ بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسة ودعم الدراسات المستقبلية بوجه عام، كما أكد على دور النماذج الرياضية باعتبارها أحد الأدوات التجريبية في الدراسات المستقبلية، من خلال تحديد نوع المشكلة، وهدف الدراسة، ومدتها الزمنية، وغيرها من العوامل.

وقد قدم الباحث عددًا من النماذج، التي تسمح باختبار السياسات والتوجهات البديلة واستشراف المسار المستقبلي للنظم المختلفة، ومنها: نماذج للتنبؤ بسلوك الوحدات الإنتاجية، النماذج القطاعية، النماذج الكمية في تقييم المسار المستقبلي للنظم الاقتصادية الكلية، النماذج الرياضية في اتِّخاذ القرارات على المستوى الإقليمي، وتحليل المشكلات ذات الطابع الدولي باستخدام النماذج العالمية.

كم استشهد بنموذج محاكاة تم تطبيقه على شركة لصناعة الورق في دولة الكويت، حيث انعكست السياسات وبرامج التطوير على الأداء المستقبلي نتيجة تطبيق النموذج.

أما نماذج التخطيط المستقبلي على مستوى القطاع الإنتاجي، فأكد أنه أحد أهم النماذج، حيث تم استخدامه –مثلًا- لتوضيح الرؤية المستقبلية لقطاع الثروة السمكية في دولة الكويت.

كما تحدث عن نموذج الاقتصاد الكلي في الدراسات المستقبلية، مبينًا أنه أحد الأدوات أو الأساليب الأساسية الهامة التي يستخدمها المخطط لاختيار اتساق الخطط الإنمائية متوسطة الأجل ودراسة المسار المستقبلي للاقتصاد الكلي، وهو يتطلب قاعدة عريضة من البيانات أو الإحصاءات الاقتصادية والاجتماعية، مما يساهم في بناء إطار محاسبي متكامل للمحاسبة القومية «مصفوفة الحسابات الاجتماعية».

كما أشار خورشيد إلى الدراسات المستقبلية المصرية التي تناولت تطبيقات النماذج الاقتصادية متعددة القطاعات في اختبار السياسات الإنمائية وانعكاساتها المستقبلية؛ ومنها: «تأثير السياسات السكانية على الأداء الاقتصادي المصري في المدى الطويل»، و«الخطة الاقتصادية طويلة الأجل (22/2012) في أعقاب ثورة 25 يناير.. السعي لتحقيق الأهداف الإنمائية»، و«التكلفة الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لثورة 25 يناير – دراسة مستقبلية»، وغيرها.

وفي الأخير دعا الباحث خورشيد إلى ضرورة وأهمية بذل الجهد لدعم الدراسات المستقبلية، التي تسمح بطرح بدائل للسياسات، واقتراح بدائل للسيناريوهات المختلفة.

الدكتور قيس الهمامي (باحث وخبير بالمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية) ألقى محاضرة بعنوان: «الاستشراف الاستراتيجي في الفكر المعاصر فلسفيًّا وثقافيًّا»، في البداية أشار الباحث إلى ضعف الدراسات التي أجريت في مجال الاستشراف، مؤكدًا أن الكثير منها وضعها خبراء أجانب لا يعرفون وضع وخصوصيات العالم العربي، وهو ما يدعو لضرورة وجود دراسات عربية تتناول هذا المجال.

وبعد مناقشة علاقة الثقافة العربية بقضية الاستشراف، قدم طرحًا فلسفيًّا وتاريخيًّا لمفهوم الاستشراف عند عدد من العلماء، مؤكدًا أن الدراسة التي أعدها في هذا الشأن تركّز على التثبّت من معايير الاستشراف الاستراتيجي في الفلسفة العربية عمومًا والإسلامية خصوصًا، مستعرضًا آراء كل من «ابن سينا» و«ابن خلدون» حول فكرة الاستشراف، وفي الأخير أشارالباحث الهمامي إلى أن تطور فكرة الاستشراف كان بسبب أربع موجات تاريخية، أولها استقلال الشعوب العربية، وثانيها سقوط حائط برلين، وثالثها أحداث سبتمبر 2011، وآخرها مرحلة الثورات العربية أو ما سُمي بالربيع العربي.

الدكتور إدجار جول (رئيس قسم بحوث الدراسات المستقبلية بمعهد الدراسات المستقبلية وتقييم التكنولوجيا ببرلين)، ألقى محاضرة بعنوان: «الدراسات المستقبلية في العالم العربي في ضوء خطة الأمم المتحدة 2030»، وفيها تناول في البداية تجربته في تناول الدراسات المستقبلية في مصر حيث عمل لمدة عامين كباحث مشارك في مركز المعلومات، وخرج بتقييم لأوضاع الدراسات المستقبلية والمراكز والشخصيات الرائدة القائمة عليها.

كما أشار إلى ما استخلصه من هذه الدراسات مؤكدًا أن الاهتمام بالمستقبل يعد أحد أهم أسباب استمرار المجتمعات وربما نجاحها، فكثير من الحضارات اختفت نتيجة الجهل بما سوف تواجهه في المستقبل من متغيرات اقتصادية وبيئية واجتماعية، وعدم فهم التحديات المستقبلية.

كما استعرض بعض القضايا المصيرية التي تهم المجتمع المصري خاصة في ظل التغيرات العالمية، مثل التغير المناخي الذي يؤثر في المدن الشمالية وعلى رأسها الإسكندرية وبورسعيد. وفي الأخير طالب الباحث صانعي القرار في العالم العربي بالاهتمام بالدراسات المستقبلية في اتخاذ القرارات المصيرية، وإدراك أهميتها الاجتماعية، ليس فقط في وسط جيلنا ولكن عبر الأجيال القادمة، وضرورة الاهتمام بالتنمية المستدامة ومتطلباتها مع استشراف الاحتياجات والقدرات لتحقيق ذلك؛ لأن أي قرار سيتم اتخاذه اليوم ستكون له تداعيات وآثار على مستقبل الأجيال القادمة.

كما تحدث جول عن خطة الأمم المتحدة، من أجل ضمان التنمية المستدامة في المجتمعات البشرية، والقضاء على الفقر، وتحسين فرص التعليم والصحة ونوعية الاقتصاد فيها بحلول العام 2030م. واستعرض مشروع منارة، العربي الأوروبي الذي يهدف إلى وضع سيناريوهات التنمية المستدامة في منطقة شمال أفريقيا على المدى المتوسط والطويل.

أعمال اليوم الثاني

في اليوم الثاني من فعاليات المؤتمر ولمناقشة: «تحديات التنمية المستدامة في العالم العربي» تحدث كل من الدكتورة حنان جرجس (مدير العمليات بمركز بصيرة)، والدكتور علي محمد علي (مدرس الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة بني سويف)، والدكتور محمد مجاهد الزيات (عضو المجلس المصري للشؤن الخارجية ومستشار بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط).

الدكتورة حنان جرجس تحدثت عن «العلاقة بين النمو السكاني والتنمية المستدامة، فأكدت على كون هذه العلاقة تفاعلية، حيث يؤثرعدد سكان الدولة ومعدلات نموهم وخصائصهم السكانية والاقتصادية وتوزيعهم الجغرافي على التنمية وفرص الحد من الفقر.. ما يجعل النمو السكاني تحديًا كبيرًا تواجهه التنمية، خصوصًا في عدد من الدول كمصر والصومال وسوريا. وهذا ما ينبئ بانفجار صراع اقتصادي واجتماعي وبيئي في العالم العربي. ولكي تنجح استراتيجية التنمية المستدامة 2030 طالبت الباحثة بضرورة خفض معدلات النمو السكاني.

أما الدكتور علي محمد علي فقد تحدث عن «العلاقة بين الأمن الغذائي والاستقرار السياسي في الوطن العربي»، حيث أشار في البداية إلى الارتباط الوثيق بين الأمن الغذائي والاستقرار السياسي، وهذا ما أكده اختبار سببية جرانجر (Granger causality test).

وتحت عنوان: «التحديات التي يواجهها الأمن القومي المصري والأمن الإقليمي.. رؤية مستقبلية»، تحدث الباحث محمد مجاهد الزيات عن الأمن القومي والمفهوم الجديد في علوم السياسة، فأكد ارتباطه بتوفير جميع متطلبات التنمية بأبعادها المختلفة: السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا المفهوم هو القادر على توفير الأمن القومي الحقيقي، بالإضافة الى توافق وتعاون جميع قطاعات الشعب في مواجهة التحديات التي يواجهها الأمن القومي.

كما أشار الباحث الى التحديات التي تواجه الأمن القومي المصري كالإرهاب وتحدي نقص المياه، في ظل التحرك الإثيوبي لبناء سد النهضة، والأزمة الاقتصادية، في ظل تزايد معدلات البطالة ونقص الاستثمار الخارجي، بالإضافة إلى تراجع السياحة التي كانت مصدر العملة الصعبة، وتراجع دخل قناة السويس لأسباب عدة منها تراجع التجارة الخارجية العالمية وركود الاقتصاد العالمي.

أما بخصوص الدول العربية، فهي كذلك تعاني من تحديات الإرهاب ومؤامرة الغرب لتفكيكها وإعادة تقسيمها، في الوقت الذي تغيب فيه أي خطة عربية مشتركة أو رؤية مستقبلية، لمواجهة هذه التحديات كما أكد الباحث الزيات.

أعمال اليوم الثالث

في هذا اليوم عقدت مجموعة من الجلسات، فتحت عنوان: «تجربة الرابطة العربية للدراسات المستقبلية»، تحدث الدكتور مالك المهدي (الأمين العام للرابطة العربية للدراسات المستقبلية) عن تجربة «الرابطة العربية للدراسات المستقبلية»، التي تأسّست سنة 2011م ومقرها مدينة الخرطوم بالسودان، وما قامت به من أنشطة وفعاليات وبرامج نُظمت في إطار الدراسات المستقبلية في الوطن العربي، وعلاقات وشراكات مع المراكز البحثية ذات الصلة، بهدف تشبيك رؤية الأجيال المختلفة من الباحثين فيما يخص مجال الاستشراف، وتوطين ونشر ثقافة الدراسات المستقبلية في الوطن العربي، ومتابعة تنفيذ التوصيات التي خرجت بها الرابطة في الفعاليات المختلفة التي شاركت فيها.

كما أشار إلى أنها كانت قد حدّدت سنة 2012 ليكون عام نشر ثقافة الدراسات المستقبلية في الوطن العربي، كما استعرض مشاركاتها في الملتقيات والمؤتمرات التي تُعنى بالقضايا المستقبيلة في العالم العربي.

كما عقدت جلسة أخرى بعنوان: «حراك المجتمعات العربية ومستقبل الصراع في المنطقة» برئاسة الدكتورة مها الحيني (مدرس الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة)، وتحدث فيها كلٌّ من الدكتور مصطفى بخوش (أستاذ العلاقات الدولية المشارك بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة محمد خيضر بالجزائر)، والسفير السابق عزمي خليفة، والدكتور مصطفى شفيق علام (محرر أخبار بجريدة المصري اليوم).

الدكتور عزمي خليفة تحدّث عن الفرق بين الدراسات المستقبلية والدراسات السياسية التي تستند إلى التحليل السياسي الخطي مثل تحليل إيستون أو تحليل دويتش للعلاقات الدولية، وهذا التحليل في نظر الباحث لم يعد يُناسب العصر وتعقّد الأوضاع السياسية فيه بخلاف الدراسات المستقبلية التي تهتم بالتحولات غير الخطية في البيئة الاستراتيجية للنظم السياسية وتصبغ تحولاتها بالفجائية.

كما أشار إلى أن الدولة القومية في ظل الثورة الرقمية أصبحت في حاجة ماسّة إلى إعادة التعريف، لتحديد دورها وعلاقتها بالمجتمع والمواطن ومختلف المؤسسات العاملة بسبب دخول المعلومة كمكون للقوة. كما أشار إلى أن الصراع في عصر الثورة الرقمية مختلف في جوهره عن الصراع قبلها، فقد تحول الصراع بين الدول والجماعات داخلها أو خارجها إلى بين الذات وشبكة المعرفة التي ينتمي إليها الفرد، والشبكات في مجتمع المعرفة تلعب دورًا خطيرًا لأنها تقوم على تجميع المتشابهين فكريًّا، ومن ثم فإنها أداة لا غنى عنها لدعم الانتماء والهوية.

أما الدكتور مصطفى بخوش فتحدث عن ظاهرة الحركات الاحتجاجية في الوطن العربي وأسباب انتشارها، مؤكدًا أنها حركات تعكس حراكًا اجتماعيًّا له مطالب مرتبطة بوعي تراكمي تحقق لدى هذه الفئات الاجتماعية، وليس كما يقال بأن لها خلفيات اقتصادية أو بسبب تدني مستويات المعيشة والرفاه.

كما أشار بخوش إلى الدور البارز الذي لعبته وسائل الإعلام والاتصال والتكنولوجيات الحديثة في بلورة الوعي لدى الفئات الشبابية، حيث تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي إلى مساحات حرة للتعبير وتبادل الرأي والنقاش المفتوح غير خاضعة لرقابة السلطة، الأمر الذي عمّق القطيعة المتصاعدة بين الأنظمة السياسية والواقع المجتمعي بكل مكوناته.

وقد انتقد الباحث الأنظمة السياسية المُغلقة التي لا تشجع على إيجاد حياة سياسية سليمة تشارك فيها الأجيال الشابة. وتكتفي باستخدام المال السياسي لشراء الاستقرار السياسي المؤقت، ما جعل الشباب يواجهون مشاكل وتحديات متراكمة.

الدكتور مصطفى علام أشار في كلمته إلى استمرار الصراع في المنطقة العربية بعد تداعيات الثورات العربية، وهذا ما يعقد الأمور ويزيد الرؤية المستقبلية لهذه المنطقة غموضًا وضبابية، الأمر الذي سينعكس سلبًا على الأمن العربي ومستقبل دوله.

كما تحدث عن ضعف المبادرات وفشلها في إيجاد المصالحات بين الفرقاء المتصارعين داخل الدول العربية، وإيقاف الحروب التي تحولت الى حروب أهلية.

كما عقدت ثلاث جلسات متوازية، تحدّث خلالها عدد من الباحثين والخبراء المصريين والعرب.

ففي جلسة تحت عنوان: «العوالم الافتراضية ومستقبل المجتمعات العربية»، تحدّث كل من الدكتورة هبة جمال الدين (مدرس السياسات العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة)، والدكتور جوهر الجموسي (أستاذ محاضر للتعليم العالي في علم الاجتماع بجامعة منّوبة في تونس)، وإيهاب خليفة (رئيس وحدة متابعة التطورات التكنولوجية بمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة).

د. هبة جمال الدين تحدّثت عن «المجتمع المدني الافتراضي وسيناريوهات المستقبل: الحالة المصرية»، حيث أشارت إلى دور الفضاء الافتراضي بالمنطقة العربية عامة ومصر خاصة في إسقاط وتغيير النظم السياسية التقليدية إبان ثورات الربيع العربي. وكيف تحول المجتمع المدني الافتراضي إلى مجال بديل موازٍ للواقع اجتمع أعضاؤه على المنفعة المتبادلة عبر خلق ساحة من التعاون القائم على تبادل المعلومات بحرية، على عكس المجتمع المدني التقليدي الذي يهدف إلى تحقيق المصالح المشتركة وفقًا لإطار قيمي ينظمها.

والمجتمع المدني الافتراضي في مصر حسب الباحثة ينقسم إلى خمسة تصنيفات رئيسية؛ هي طبيعة المؤسسة الافتراضية، القناة الافتراضية المستخدمة، المدى الزمني والمكاني، القضايا محور الاهتمام، ودور المجتمع المدني الافتراضي في صنع السياسة العامة في مصر.

الدكتور جوهر الجموسي تحدث عن «الإنترنت والديمقراطية التشاركية في المجتمع العربي: الحقيقة والوهم»، وفيها أشار إلى أن السياسة انتقلت إلى الفضاءات الافتراضية ليصبح الحديث ممكنًا عن قوى حزبية افتراضية ناشئة، وقوى سياسية افتراضية، ما أفرز شكلًا جديدًا من الديمقراطية التشاركية أو ديمقراطية الاقتسام.

كما أشار إلى بعض الآثار السلبية الخطيرة لهذا الواقع مثل الانقطاع عن الواقع، وتستر الجماعات الإرهابية بالإنترنت واستقطاب للشباب للانخراط في أعمالها الإجرامية، وهذا ما أكدته دراسة صادرة عن دار الافتاء المصرية التي أكدت أن نسبة 80% من الشباب المنضمين لـ«داعش» تم استقطابهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وأن عدد المواقع الإلكترونية للجماعات المتطرفة عبر الإنترنت ارتفعت من 12 موقعًا عام 1997 إلى 150 ألف موقع عام 2015.

وفي الأخير أكد الباحث أن الحراك الاجتماعي والسياسي «المشبوه» يتم عبر الإنترنت باسم ديمقراطية الشبكات وديمقراطية التشارك في المعلومات والأفكار حتى وإن كانت هدّامة ومدمرة للمجتمعات ذاتها.

الباحث إيهاب خليفة تحدث عن «أثر التطورات التكنولوجية على مستقبل المجتمعات العربية»، فأشار إلى أن التطور التقني ساهم في تطور وتغيير أنماط الحياة البشرية عبر التاريخ، سواء سياسيًّا أو عسكريًّا أو اقتصاديًّا أو حتى مجتمعيًّا، كما شكلت قوة دافعة للاقتصاد.

وهذا ما كشفت عنه تقنية الإنترنت، حيث بدأ الحديث اليوم عن القوة الإلكترونية الفاعلة والمؤثرة، التي أوجدت عوالم جديدة، ومفاهيم جديدة مثل: الصراع والردع الإلكتروني والحرب الإلكترونية، والديمقراطية الرقمية والمواطنة الافتراضية والحكومة الذكية، والمفاهيم الاجتماعية مثل الجريمة الإلكترونية والتحرش والغش الإلكتروني، والمظاهرات الافتراضية، ومنها أيضًا المفاهيم الاقتصادية مثل التجارة الإلكترونية، والعملات الرقمية والأسواق الافتراضية. ما يجعلنا أمام حالة من إعادة التشكيل للمجتمعات البشرية من جديد.

وتحت عنوان: «مستقبل المعرفة في العالم العربي» عقدت جلسة برئاسة الدكتور علي مسعود حسن، وتحدث فيها كلٌّ من الدكتور محمد مسلم المجالي (الأمين العام المساعد بالمجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا بالأردن)، والدكتور ضياء الدين زاهر (أستاذ التخطيط التربوي والدراسات المستقبلية بجامعة عين شمس)، والدكتور محمد سي بشير (الأستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة مولود معمري بالجزائر).

الدكتور محمد المجالي، أشار إلى العلاقة الوطيدة بين امتلاك ناصية المعرفة والقدرة على تحقيق الازدهار وتوفير الرفاهية للمواطنين؛ لأن التنمية وتطوير الاقتصاد يرتكز أساسًا على المعرفة. لهذا السبب دعا الباحث إلى ضرورة الاهتمام بالإبداع ووضع استراتيجية لدعم البحث العلمي وتطوير وسائل المعرفة، لردم الهوة والفجوة التي تتسع يومًا بعد يوم بين الوطن العربي وحركة تقدم العلوم في العالم.

وفيما أكد الدكتور ضياء الدين زاهر على أهمية الاهتمام بالمستقبل لوضع الاستراتيجيات الملائمة في جميع المجالات بناء على رؤية علمية، وبمساعدة التكنولوجيا المتقدمة.

وتحدث الدكتور محمد سي بشير عن أهمية العلوم السياسية ومقارباتها، ونظرياتها التي تحاول دراسة ظواهر الحياة السياسية لتضفي عليها طابعًا علميًّا يُمكّن الدارسين من متابعة نسق تحركات الظواهر، وعمليات التغيير التي تطالها مع جملة التعقيدات التي تتصف بها حركية الإنسان.

وتحت عنوان: «المواطنة ومستقبل الأقليات في العالم العربي»، عقدت جلست أخرى في هذا اليوم ترأّسها د. ماجد موريس، وتحدث فيها كل من الدكتورة إكرام عدنني (نائب مدير المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية لشؤون تنظيم الأنشطة الخارجية في المغرب)، والسفير عزمي خليفة الذي قدّم ورقة الدكتورة إسراء أحمد (باحثة بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري)، والدكتور سامح فوزي (مدير مركز دراسات التنمية بمكتبة الإسكندرية).

وقد أكدت معظم المداخلات على اعتبار قضية الأقليات من الإشكاليات الواقعية التي يعاني منها الوطن العربي، وأنها تعتبر من القضايا المسكوت عنها، التي تحتاج إلى معالجة عميقة ونظرة استراتيجية مستقبلية تنزع فتيل الانفجار أو الصراع الذي تتخبط فيه بعض المجتمعات العربية اليوم، بالتأكيد على مفهوم المواطنة القائمة على الالتزام بالحقوق والواجبات.

أعمال اليوم الرابع والأخير

في هذا اليوم عقدت مجموعة من الجلسات شارك فيها عدد من الباحثين بأوراق وكلمات ومداخلات..

فتحت عنوان: «كيفية إدارة العلاقة الأمريكية الصينية للتنمية الوطنية في المجتمعات العربية»، تحدث الدكتور باتريك منديس (مفوض اللجنة الوطنية الأمريكية لليونسكو)، عن أهمية الاستفادة من تجربة العلاقة الأمريكية - الصينية. وفي جلسة أخرى، تحدث كل من الدكتور خالد ميار الإدريسي (رئيس تحرير مجلة «مآلات» بالرابطة المحمدية للعلماء، ورئيس المركز العربي للدراسات الدولية والمستقبلية بالمغرب)، عن ضرورة الاهتمام بالشباب في أي رؤية مستقبلية لأنهم جزء من صناعة المستقبل، ومعالجة التحديات التي يواجهونها.

فيما تحدث الأستاذ زياد الكيلاني (مدرس العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة)، عن التغيير الذي طال منظومة القيم لدى الأجيال في مصر نتيجة الانفتاح على العالم الغربي عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك التغير في الأوضاع الاقتصادية، وأن أهم القيم الجديدة التي تروج في الأوساط الشبابية هي قيم تحررية لها علاقة بالتحرر من السلطة، سواء كانت الأبوية أو الرسمية، وقيمة التعبير عن الذات؛ لذلك فالشباب المصري اليوم ومع كونه لا يزال محافظًا على توجهاته الدينية إلَّا أنه يتحرك بجدية أكثر نحو تحقيق الحرية في السياسة والتعبير وغيرها من المجالات.

عُقدت كذلك في هذا اليوم جلسة بعنوان: «مستقبل المجتمعات العربية.. الرؤى الفكرية». ألقيت فيها كلمات كل من الدكتور نضال الغطيس (خبير اقتصادي وباحث دكتوراه في مجال المستقبليات)، عن «أزمة في العقل الديني»، والدكتور مظهر الشوربجي (مدرس الفكر الفلسفي بجامعة «دراية» بالمنيا)، عن: «المجتمعات العربية.. ماذا بعد غياب فلسفة السلام وتنامي الصراع المستدام»، كما تحدّثت د. مريم نوري (باحثة دكتوراه بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية بالجزائر) عن: «التغيير في المجتمعات العربية على خطى مالك بن نبي».

كما تضمّنت فعاليات اليوم الرابع للمؤتمر عقد جلسة بعنوان: «الحوكمة ومستقبل المؤسسات العربية»، أدارها محمد العربي (باحث بوحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية)، وتحدث فيها كلٌّ من الدكتور ماهر خضر (رئيس المؤتمر العربي للاستشراف الاستراتيجي بتونس)، والدكتورة صفاء خليفة (باحثة بوحدة البرامج البحثية بمكتبة الإسكندرية)، والأستاذة غادة يونس (باحثة دكتوراه بقسم علم الاجتماع جامعة الإسكندرية)، وقد ركّزت الكلمات على أهمية الاستشراف الاستراتيجي وعلاقة الحوكمة بالتنمية المستدامة، والآفاق المستقبلية للعلاقات الأوروبية العربية وخصوصًا الأورو- متوسطية.

 

 

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة