تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

القانون الدولي الإسلامي .. وقواعد السلام العالمي

محمد الناصري

القانون الدولي الإسلامي..

وقواعد السلام العالمي

الدكتور محمد الناصري*

*      أستاذ زائر بجامعة محمد الخامس في أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة، من المغرب. البريد الإلكتروني: mohammedennassiri@gmail.com

 

مدخل

معلوم أن السِّلم هي الأصل في علاقات المسلمين بغيرهم من الأمم والدول التي لا تدين بالإسلام[1]، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عن طبيعة هذه السِّلم؛ هل هي سلم سلبية تقتصر على تجنب حالة الحرب؟ أم هي سلم إيجابية تعترف بتبادل العلاقات والاتصالات بين المسلمين وغيرهم من الجماعات والدول غير المسلمة؟.

إن المبادئ التي تتأسس عليها رؤية الإسلام السلمية والداعمة لفرص التعايش السلمي بين المسلمين وغيرهم[2]، تجعل هذا التبادل تبادلًا إيجابيًّا يهدف إلى تحقيق مقاصد وأغراض أهمها: نشر الإسلام ودعوة الناس إليه، فضلًا عن تبادل المصالح والخبرات بما يحقّق النفع العام للمسلمين وغيرهم؛ ليتحوّل هذا السِّلم من كونه مجرّد شكل أو صورة من صور العلاقات الخارجية للمسلمين، ليصبح هدفًا عامًّا تنشده هذه الدولة في صورة سلم إسلامي يعم المعمورة قاطبة.

وينبني على اعتبار السِّلم أصل العلاقة بين المسلمين وغيرهم، حقيقة مفادها أن الأدوات والقواعد التي تعتمد الدولة الإسلامية عليها في علاقاتها بغيرها متعدّدة وتدعم خيار السِّلم وتقوي فرصه.

ومن بين هذه القواعد:

أولًا: دبلوماسية التفاوض وأثرها في تحقيق السلام العالمي

الدبلوماسية من حيث هي علم له قواعده، وفن له أصوله، ومهنة لها تقاليدها، تبقى كما يصطلح عليها الجميع هي: «مجموعة المفاهيم والقواعد والإجراءات والمراسم والمؤسسات والأعراف الدولية التي تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية والممثلين الدبلوماسيين، بهدف خدمة المصالح العليا الأمنية والاقتصادية والسياسات العامة للدول، وللتوفيق بين مصالح الدول بواسطة الاتصال والتبادل، وإجراء المفاوضات السياسية وعقد الاتفاقات والمعاهدات الدولية»[3].

صحيح أن مصطلح الدبلوماسية «حديث العهد في العلاقات الدولية، بيد أن جوهر الدبلوماسية من حيث هو فن التفاوض، والتعامل السلمي بين الدول، عرف مند ما قبل الميلاد»[4].

ولا تخفى أهمية التفاوض كأكثر الوسائل الدبلوماسية نجاعة لتسوية الصراعات والنزاعات، وهذا ما جعل ميثاق الأمم المتحدة يذكرها على رأس قائمة الوسائل المدعمة للسِّلم في المادة 33 منه.

يمكن تعريف التفاوض بأنه: «العملية التي يجهر فيها أطراف النزاع بافتراضات صريحة بهدف الوصول إلى اتّفاق حول المسألة موضوع الخلاف مهما كانت طبيعته»[5]. وهو بهذا «نوع من الحوار أو الاتصال الذي يتم بين طرفين أو أكثر بقصد الوصول إلى اتّفاق حول مسائل أو موضوعات تخص العلاقات والمصالح المشتركة بين المتفاوضين»[6].

بتعبير آخر التفاوض هو: «تبادل وجهة النظر بين ممثلي دولتين أو أكثر، بقصد التوصّل إلى عقد اتّفاق دولي بينهما، يتناول بالتنظيم ما تريد الدولتان أو الدول تنظيمه من قضايا. وصيغة التفويض تختلف باختلاف الدول، وهي مستند مكتوب صادر من رئيس الدولة، يحمله المفاوض لإثبات صفته والسلطات التي خوّلها له رئيس الدولة في الإعراب عن وجهة نظر الدولة في التفاوض أو التعاقد باسمها، حسب متطلبات الحال. ويقدّم هذا المستند عند بداية المفاوضات للتحقّق من صفات وسلطات المفاوضين. ولا يجوز في العرف الدبلوماسي التفاوض أو التعاقد باسم الدولة بغير هذا المستند، وإلَّا كان التفاوض أو التعاقد غير منتج لآثاره، ولا يحتاج رؤساء الدول ورؤساء الوزراء ووزراء الخارجية إلى أوراق تفويض»[7].

ومبدأ التمثيل والتفويض متعارف عليه في الإسلام، «حيث تمر المعاهدة في الشريعة الإسلامية بالأدوار الخاصة بالتفاوض الذي يباشره الإمام أو الخليفة نفسه، أو يباشره عنه، وباسمه، وبإذنه، من يفوضه في ذلك»[8].

وتجدر الإشارة في صدد تحديد العلاقة بين الطرفين المتفاوضين إلى أن هذه العلاقة ينبغي أن يتوافر لها من الأسباب والمقومات ما يهيئ الاستقرار والأمان للمفاوضين، ويعينهم على أداء المهام المنوطة بهم على أكمل وجه وأحسن صورة.

وبعبارة أخرى فإنه لا بد لهؤلاء المفاوضين من التمتع بالقدر اللازم من الحصانات التي تجعلهم في مأمن من أن يلحق بهم أذى أو ينالهم ضرر يحول دون بلوغ المقصود من وراء اعتمادهم للتفاوض[9].

وقد ذهب كثير من الفقهاء والمفسرين إلى أن قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ}[10] دليل على الحصانة والأمان الممنوح للمفاوض أو السفير.

وتحفل السنة النبوية بالكثير من الأدلة التي تؤكّد حماية المفاوض في شخصه وأمواله، والتصدي لأيِّ أذى أو إساءة قد تلحق به[11].

وقد عرف المسلمون التفاوض ومارسوه منذ عصر النبوة[12] وخاضوا غمار التفاوض الدبلوماسي تدعيمًا لفرص التعايش السلمي بينهم وبين غيرهم من الأمم التي لا تدين بالإسلام.

وترجع الأهمية التي تكتسبها المفاوضات في هذا الخصوص إلى «حقيقة كونها وسيلة ذات طبيعة سلمية تتحصّل في تبادل الحوار والمجادلة والإقناع العقلي في جو من الهدوء والتفاهم والاحترام المتبادل، وهو ما يمثّل أداة مهمة في إطار تحقيق العديد من أهداف العلاقات الخارجية للدولة الإسلامية، كالتمكين لنشر الدعوة الإسلامية في الأرض، وتسوية ما قد ينشأ من منازعات بين المسلمين وغيرهم، إلى جانب استخدام التفاوض في إبرام العديد من الاتفاقات والمعاهدات المؤقتة والدائمة بشأن كثير من المسائل والموضوعات التي تخص العلاقات بين الجانبين، هذا فضلًا عمَّا تلعبه المفاوضات من دور مهم وأساسي في بناء وتدعيم السلم والأمن وإشاعة روح التعاون والتفاهم بين الدولة الإسلامية والدول غير الإسلامية»[13].

وعن الأساس الشرعي للتفاوض وضوابطه في الإسلام، يمكن التوقّف عند معلومات وفيرة عن حالات التفاوض في العهدين النبوي والراشد، فقد جرت مفاوضات بين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ووفد يثرب من الخزرج في موسم الحج قبل الهجرة إلى المدينة، وفيها دعا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عرب يثرب إلى الإسلام ومعاونته في تبليغ رسالة ربه، ثم توالت بعد ذلك اتفاقات المبايعة بين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين عرب المدينة من الأوس والخزرج، فكانت بيعة العقبة الأولى مع اثني عشر رجلًا منهم، وبيعة العقبة الثانية مع ثلاثة وسبعين رجلًا منهم، وما تم في معاهدة الحديبية من تبادل الرسل والمفاوضين بين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومشركي مكة إلى أن تم التوصل إلى اتفاق[14]. وما تم في حروب المسلمين ضد الفرس في بلاد ما وراء النهرين إبان الخلافة الراشدة.

ما تم في هذه الوقائع من مفاوضات مضنية وشاقة بين المسلمين وغيرهم من أجل الاتفاق على تبادل الأسرى وفدائهم أو إطلاق سراحهم، كل ذلك دليل على أهمية التفاوض في إبرام المعاهدات والاتفاقات بين الدولة الإسلامية والدول غير الإسلامية.

وكثيرة هي الآيات القرآنية التي تؤسّس شرعية التفاوض بين المسلمين وغيرهم من ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}[15]. وقوله تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا}[16].

تقتضي الآيات الكريمات السالفة الذكر، وجود أو قيام حالة السلم والموادعة بين المسلمين وغيرهم، ووسيلة تحقيق ذلك (أي السِّلم) فهي التفاوض القائم على التباحث وعرض الآراء والأفكار في جو من التفاهم والاحترام المتبادل دون إكراه أو تسلط.

وفي ضوء ما قرّرته الأصول الإسلامية من مشروعية اللجوء إلى التفاوض، نستنتج أهمية وضرورة استخدام التفاوض كأداة من أدوات تنظيم العلاقات الخارجية للدولة الإسلامية، والوصول بها إلى غاية تحقيق السِّلم وإقامة صرحه، والقضاء على أسباب الحروب والنزاعات.

و«إذا كانت المفاوضات كوسيلة سلمية للتفاهم والحوار وتسوية الخلافات، تجد لها أساسًا شرعيًّا في الأصول الإسلامية، فإنها تتسم بالطبيعة الرضائية، على معنى أن دخول الدولة الإسلامية مع غيرها من الدول في مفاوضات ثنائية أو جماعية، لا يكون إلَّا بمقتضى اتفاق الأطراف المعنية على ذلك وانصراف إرادتهم إليه. ويترتب على القول بتحقّق الصفة الرضائية للمفاوضات -على الأقل فيما يتصل بمسارها ونتائجها – أن تظل الدولة الإسلامية، شأنها في ذلك شأن غيرها من الأطراف المتفاوضة، غير ملتزمة بما يصدر عن مفاوضيها من أقوال أو أفعال تحدّد الموقف التفاوضي للدولة الإسلامية أثناء سير العملية التفاوضية، طالما لم تتوصل الأطراف المتفاوضة إلى اتفاق تلتزم به في علاقاتها المتبادلة»[17].

وفي ختام الحديث عن التفاوض كأداة في العلاقات الخارجية للدولة الإسلامية لتحقيق السلام مع غيرها، تجدر الإشارة إلى أن «ثمّة مجهودات إسلامية بارزة في هذا المضمار تدلل على الاستعداد للمفاوضات من خلال تحضير الوفد المفاوض، وتحديد أهدافه ووسائله..، ويتبيّن لنا كم أن قواعد وملاحظات قديمة اعتمدها المسلمون في مفاوضاتهم صارت جزءًا من الأعراف الدبلوماسية العالمية. وطالما أن التفاوض هو فن وابتكار قبل أن يتبلور علمّا محدّد المدارك والأبعاد، فإن المسلمين أبدعوا في مضمار التفاوض كما تدلل وثائقهم ووثائق المستشرقين الذين درسوا التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية»[18].

ثانيًا: الوفاء بالعهود والمعاهدات ضمانة لتحقيق السِّلم العالمي

كانت المعاهدات وما زالت هي الأداة الطبيعية للعلاقات السياسية الخارجية، كما أن العقود بين الأفراد هي أداة العلاقات الداخلية. فالمعاهدة طريق لتنظيم الشؤون المشتركة، وتعبير عن المصالح المتبادلة، ووسيلة لحل المشكلات القائمة بين المجتمعات ولا سبيل إلى تصفية الجو الدولي اليوم، إلَّا بمقدار ما تكنه الدول من احترام للاتفاقات والمعاهدات»[19].

وازدادت أهمية المعاهدات أكثر في العلاقات الدولية حينما تم تنظيمها في إطار قانوني رسمي أكدته التشريعات الدولية، وبالأخص ميثاق الأمم المتحدة. وبعدها دأبت الأمم المتحدة على تخصيص لجان تعمل على تقنين أحكام عامة للمعاهدات الدولية.

وبالفعل فقد كلفت إحدى لجان الأمم المتحدة –وهي لجنة القانون الدولي– بتدوين أحكام قانون المعاهدات، وقد اجتمعت هذه اللجنة عدة مرات، تمخّضت في الأخير عن إقرار اتفاقية فيينا حول قانون المعاهدات سنة 1969م، ولم تتم المصادقة النهائية على الاتفاقية إلَّا سنة 1983م.

وقد عرفت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، المعاهدة بما يلي: «عبارة معاهدة تعني اتفاقًا دوليًّا يعقد بين دولتين أو أكثر كتابة، ويخضع للقانون الدولي سواء تم في وثيقة واحدة أو أكثر، أيًّا كانت التسمية التي تطلق عليه»[20].

ويمثّل الوفاء بالعهود واحترام المواثيق واحدًا من أهم المبادئ القانونية العامة التي أقرتها الأمم على اختلاف أوضاعها ونظمها القانونية، كما يشكل هذا المبدأ حجر الزاوية في التنظيم القانوني لعلاقات الدول مع بعضها البعض في المجتمع الدولي المعاصر، وذلك بما يكفله لهذه العلاقات من ثبات واستقرار وبما يهيئه لها من أسباب التقدم والرقي[21].

والمعاهدة عند فقهاء القانون الدولي هي: «كل اتفاق يعقد بين الدول بإرادتها لإخضاع علاقة قانونية معينة لقواعد قانونية محدّدة أو بتعبير آخر اتفاقات تعقدها الدول فيما بينها، بغرض تنظيم علاقة قانونية دولية، وتحديد القواعد التي تخضع لها هذه العلاقة»[22].

ولا يختلف هذا التعريف عن تعريف المعاهدة لدى الفقهاء المسلمين، «ما دام أن الاتفاق هو أساس المعاهدة، غير أن الاتفاق عند الدوليين محصور بين الدول بحسب تطوّر تنظيم المجتمع الحديث، أما لدى فقهائنا فإن المعاهدة أوسع مدلولًا، إذ قد تكون مع قبيلة أو بعض الأقوام أو الطوائف، وأيضًا فإن المعاهدة لا تخضع لتنظيم إجرائي معيّن كما هو المطلوب قانونًا، وهذا اختلاف بسيط؛ إذ إن جوهر المعاهدة يحدّد بإرادة الأطراف الحرة سواء في الشريعة أو القانون»[23].

ولما كان أساس العهد أو المعاهدة هو الوفاء بمضمونها، فالحق أن مبدأ الوفاء بالعهود واحترام المواثيق مبدأ مقدّس في القرآن الكريم ويحظى بمكانة متميزة في الشق القيمي القرآني؛ إذ جعل القرآن قانونه في العالم الدولي، بل العالم الإنساني هو الوفاء بالعهد قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا}[24]، وقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ}[25].

ومقتضى هذه الآيات هو وجوب الوفاء بالعهود مطلقًا، والنهي عن نقضها تحت أية حجة من الحجج، «فهذه الحجة التي تتّخذها الدولة» في الغرب، لتبرير نقض العهود والمواثيق، -حجة مصلحة الدولة- ينص عليها القرآن هنا في قوله تعالى: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ}، وينص على أن هذه الرغبة لا تبرر نقض العهد، وينهى المسلمين عن الاستسلام لها، ويشبّه ناقض العهد ذلك التشبيه المزري، قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا}.

وقد عظم الله الوفاء بالعهد والموفين به، بقدر ما حقر الذين ينقضون عهودهم ويخفرون ذمتهم، حتى نبذهم من ساحة الإنسانية، وزجهم في حظيرة الحيوانية، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[26]، {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ}[27].

حتى المشركون الذين ناهضوا الإسلام والمسلمين، وآذوهم كما لم يؤذهم أحد من قبل، حتى هؤلاء الذين يقول الله عنهم للمسلمين: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً}[28] حتى هؤلاء يحتم الله على المسلمين أن يفوا لهم بعهودهم {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ}[29].

وحتى المسلمون البعيدون عن دار الإسلام الذين لم يهاجروا إليها حتى يستنصرون المسلمين على الأعداء، فإن هذا لا يبيح لإخوانهم نقض العهد الذي سبق له الأداء قال تعالى: {إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[30] وهي قمّة في الوفاء تقصر عنها الكلمات. ولم تكن هذه مثلًا نظرية ومبادئ مثالية، إنما كانت سلوكًا واقعيًّا في حياة المسلمين وفي علاقاتهم الدولية جميعًا.

إلى جانب ما سبق ذكره من آيات قرآنية تؤكّد وجوب الوفاء بالعهود كأصل عام وثابت في الشريعة الإسلامية، نجد في السيرة النبوية أمثلةً عمليةً وأقوالًا تؤكّد مشروعية العهود في الإسلام والوفاء بها، على اعتبار هذا الوفاء صفة من صفات الخيرية، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشدّ عقدة ولا يحلّها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء»[31].

وقد عقد (صلى الله عليه وآله وسلم) عدة معاهدات كان من أولها بيعتا العقبة الأولى والثانية بينه (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين أهل المدينة في بدء الدعوة الإسلامية.

هذا بالإضافة إلى ما عقده الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد الهجرة من معاهدات مع القبائل التي كانت تسكن ما بين المدينة المنورة وساحل البحر الأحمر، مثل: بني ضمرة وبني مدلج، كما وادع غيرهم من القبائل. ومن أشهر معاهداته (صلى الله عليه وآله وسلم) معاهدة الحديبية التي أتت بأطيب الثمار في نشر الإسلام.

وقد بلغ من تأكيد السنة على وجوب الوفاء بالعهود، أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حرص على مراعاة المبدأ واحترامه، بغض النظر عمّا قد ينطوي عليه ذلك من ضرر للمسلمين. فقد ثبت في السنة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ردّ أبا جندل وأبا رافع وأبا بصير إلى مكة بعد أن قدموا معلنين إسلامهم، وذلك نزولًا منه (صلى الله عليه وآله وسلم) على احترام أحكام معاهدة الحديبية التي أبرمها مع كفار قريش، كما ثبت أيضًا قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي جندل: «اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا، إنّا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله وإنّا لا نغدر بهم»[32].

«والحاصل أن المرجعية الشرعية الإسلامية تؤكّد بقوة وبوضوح على أن الوفاء بالعهود والمواثيق، يعدّ عاملًا أساسيًّا وحاسمًا في عملية التفاعل المنظم في العلاقات الداخلية والخارجية على السواء، كما توضّح لنا هذه المرجعية أن قاعدة الوفاء والأخلاقيات المرتبطة بها لا تقتصر فقط على الجوانب الشكلية أو القانونية، وإنما تمتد لتصبح أداة من أدوات ترسيخ مبادئ التعاون والتعايش. وعاملًا أساسيًّا لترسيخ ثقافة السلام؛ حيث إن الإخلال بالتعهّدات ونقض المواثيق هو أحد الأسباب التي يمكن أن تؤدّي إلى الحرب وتجدّد النزاعات»[33].

مؤدَّى ما سبق أن آيات القرآن قاطعة الدلالة على وجوب الوفاء بالعهود واحترام المواثيق المقطوعة بين الدولة الإسلامية وبين غيرها من الدول والجماعات التي لا تدين بالإسلام، وهذا الوجوب يشكل حكمًا ثابتًا لا يرد عليه أي نسخ، وأصلًا عامًّا مطلقًا من أي تقييد، وعلى ذلك فليس صحيحًا ما قد يتوهّمه البعض من أن قوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}[34] ناسخ لوجوب الوفاء بالعهود، أو أن هذا الوجوب مقيّد بحال ضعف المسلمين، شأنه في ذلك شأن العفو والصفح عن المشركين.

إنما الصحيح هو كما تؤكّده جميع الآيات السالفة الذكر من أن الوفاء بالعهود يظل حكمًا ثابتًا وقاطعًا في الإسلام، وكون النبذ وما يترتّب عليه مسموحًا به لا يتعارض البتة ومقتضى مبدأ الوفاء بالعهود، وإنما هو من قبيل معاملة الأعداء بمثل ما عاملوا به أو بدونه، بل إن الآية المذكورة ذاتها تؤكّد -بمفهوم المخالفة- على وجوب الوفاء بالعهد، وذلك بما تقرّره من تحريم الغدر وإلزام المسلمين، حال توجّسهم في أنفسهم الريبة من أن الطرف المعاهد لهم يضمر خيانتهم والغدر بهم على الرغم من وجود عهد بينهم، بالإعلان إلى هذا الطرف من أنهم يعتبرون أنفسهم في حل من أحكام العهد الذي سبق للمسلمين أن أبرموه معه»[35].

«وقد يقع اللبس عند البعض عند سماع حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «الحرب خدعة»[36]، ولكن لا لبس في الحقيقة، فالخدعة في الحرب تجوز، وهي حرب لا سلم، فحين تعلن الحرب فالمجال هنا هو مجال الخطط الحربية والعدو يعلم ويأخذ حذره، ويدبّر أمره، فالخدعة حينئذٍ مهارة حربية وبراعة عسكرية في ميدان الحرب لا في ميدان السلام.

ولقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أراد غزوة ورأى بغيرها ليباغت الخصوم الذين أخذوا بجانب الخصومة الصريحة لا ليغدر بالمعاهدين الآمنين، ويباغتهم من حيث لا يحتسبون.

وينبني النظام العام في الدولة الإسلامية على مجموعة من القواعد والأحكام التي لا يجوز الخروج على مقتضاها في أية معاهدة دولية، ترى الدولة الإسلامية ضرورة إبرامها مع أي من الدول والكيانات غير الإسلامية. ويعرف ذلك في نطاق إبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية بشرط المشروعية، ومؤداه ألَّا ينطوي موضوع المعاهدة أو أي حكم من الأحكام المتضمّنة فيها على ما يشكّل مخالفة لمقتضى القواعد الأساسية للنظام الإسلامي[37].

ومعنى ذلك أنه يتعيّن على الدولة الإسلامية إذ تزمع الدخول في علاقات تعاهدية مع غيرها من الدول والجماعات التي لا تدين بالإسلام أن تراعي الشروط التالية:

أولًا: موافقة المعاهدة لشرع الله وعدم مخالفتها لحكم من أحكامه؛ بحيث يشترط في الاتّفاق أن يكون موافق لكتاب الله ولسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد أنكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على من يشترط شروطًا تخالف الحكم الشرعي فقال: «أما بعد، فما بال رجال يشترطون بشروط ليست في كتاب الله؟ ما كان من الشرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق»[38].

ومن ثَمَّ «لا يعترف الإسلام بشرعية معاهدة تستباح فيها الشخصية الإسلامية، وتفتح للأعداء بابًا يمكنهم من الإغارة على جهات إسلامية أو يضعف من شأن المسلمين بتفريق صفوفهم وتمزيق وحدتهم»[39].

ثانيًا: الرضا المتبادل بين الطرفين، وأن تنعقد المعاهدة بناء على الاختيار المعبّر عن الإرادة الحرة؛ فالإسلام لا يعترف بالعهد القائم على الإكراه والتسلُّط، فلا يسمح لدولة أن تُكره دولة أخرى على عقد عهد معها... ممَّا يحتم ضرورة توفّر عنصر الرضا بين الطرفين»[40].

الأمر الذي ينسجم وقوله سبحانه: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ}[41].

ومن هنا فإن بعض العهود التي تبرمها الدول في العصر الحديث، والتي تتم على أساس من القهر والغلبة، وتخضع للقوة والضغط، إنما هي عهود باطلة[42]، والأصل يوجب حرية الاختيار حتى يتحقّق العدل ويستقر السِّلم.

ثالثًا: أن تكون المعاهدة بيِّنة الأهداف، واضحة المعالم، تحدّد الحقوق والواجبات تحديدًا لا يدع مجالًا للتأويل والتلاعب بالألفاظ حتى لا تؤول تأويلًا قد يكون مثارًا للجدل والاختلاف عند التطبيق[43].

وحتى يكون كل طرف على نور وبصيرة من أمره؛ لأن التعبيرات المبهمة والكلمات التي تحمل وجوها كثيرة، لا شك أنها ستكون مثارًا للجدل والمنازعات.

هذه بعض الشروط الواجب توفّرها في كل معاهدة تروم الدولة الإسلامية عقدها مع غيرها من الأمم والدول التي لا تدين بالإسلام، و«أنه ليس في الشريعة الإسلامية ما يمنع من أن تعقد اتّفاقات متنوّعة مع الأمم الأخرى، لصيانة السلم الدائم إذا كانت تلك المعاهدات مشروعة، وحسنت نية تلك الأمم في السلام والوفاء بالعهود، ومن ثَمَّ فإنه لا مانع شرعًا في ارتباط المسلمين بميثاق هيئة الأمم المتحدة، ما دام الميثاق يهدف إلى تحقيق الأمن والطمأنينة وتوفير الحريات العامة، وإقامة مبادئ الحق والعدل بين الناس، وذلك يشبه حلف الفضول الذي أقرَّه الإسلام وأجاز الارتباط به»[44].

وبه يتبيّن أن المعاهدات أصل مشروع في الإسلام حتى مع المشركين، وهي مطلوبة لتنظيم العلاقات السياسية بين المسلمين وغيرهم، بناء على الأصل الذي دعا إليه القرآن الكريم من أن العلاقات الإنسانية قائمة على المودَّة والتعارف والتآلف، بل إن المعاهدات تقصد أصلًا إذا كان فيها نشر دعوة الإسلام، أو الدخول في السِّلم بمعاهدة صلح، فكان في صلح الحديبية مصالح عظيمة، حيث إن الناس لما تقاربوا من المسلمين انكشفت محاسن الإسلام للذين كانوا بُعداء عنه، لا يعقلون محاسنه إلَّا بعد أن قاربوا المسلمين وخالطوهم. هذا يدلّنا على أن الإسلام يهدف إلى نشر دعوته أصالة بطريق سلمي الذي هو المعاهدات، لا بطريق القتال، الذي لا يلجأ إليه إلَّا عند تعذّر نشر الدعوة بالوسائل السلمية[45].

مؤدَّى ما سبق نستنتج أن كافة المصادر الأصولية للتشريع الإسلامي تقطع بوجوب الوفاء بالعهود والمواثيق كأداة من أدوات تحقيق السِّلم في مجال العلاقات الخارجية للدولة الإسلامية وغيرها من الأمم والجماعات.

تبقى الإشارة في ختام حديثنا عن المعاهدات في الإسلام، بأن الفقه الإسلامي الخاص بالمعاهدات والعهود فيه غنى وتطوّر بارزان، وخاصة في مراحل ازدهار الحضارة الإسلامية. فمبدأ حسن النية، وقاعدة الإلزام من خلال الوفاء بالعهد، وعدم نقض العهود والمعاهدات، وتحقيق الصلح مع تصفية آثار الحرب، واعتماد مبدأ الرضا بين أطراف العقود والمعاهدات، فضلًا عن الشروط الشكلية للمعاهدات... كلها من مآثر المسلمين، وقد أسهمت بتطوير القواعد القانونية الحديثة[46].

ثالثًا: تبادل الرسل والسفارات وأهميتهما في تحقيق السلم العالمي

للسفارات شأن كبير في المجتمع العالمي للدول؛ إذ لا بد منها للسلام أو الأمان الذي يبغيه؛ ذلك أن التمثيل الدبلوماسي هو طريق صيانة السِّلم والأمن الدوليين، وتعزيز الأغراض السلمية والعلاقات الودية بين الأمم والدول، ذلك ما أكدت عليه اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية سنة 1961م، إذ جاء في مقدمتها: «إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية إذ تشير إلى أن شعوب جميع البلدان قد اعترفت منذ القدم بمركز المبعوثين الدبلوماسيين، وإذ تذكر مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة بشأن المساواة المطلقة بين الدول، وصيانة السلم والأمن الدوليين وتعزيز العلاقات الودية بين الأمم، وإذ تعتقد أن عقد اتفاقية دولية للعلاقات والامتيازات والحصانات الدبلوماسية، يسهم في إنماء العلاقات الودية بين الأمم، رغم اختلاف نظمها الدستورية والاجتماعية»[47].

ومن ثم فلا غرابة أن يعطي الإسلام التمثيل الدبلوماسي أهمية قصوى، «لأنه يمكن أولًا من خدمة المقاصد الدينية الإسلامية بإمداد الشعوب بكل ما تحتاجه من المعلومات الضرورية عن الدعوة الإسلامية، ويدعم ثانيًا العلاقات السلمية بين مختلف الشعوب لتسهيل تبادل المنافع الاقتصادية، وتحقيق المقاصد الاجتماعية، وربط الأفراد بروابط الود والتفاهم، وتأكيد التعاون، وانتفاع كل أمة بما لدى الأمة الأخرى من معلومات وثقافات تدفع عجلة الإنسانية نحو التقدّم والازدهار»[48].

وكثيرة هي الآيات القرآنية ذات الدلالة على مشروعية تبادل الرسل والسفارات، من ذلك آيات سورة النمل ذات الصلة بتبادل العلاقات بين نبي الله سليمان وبلقيس في إطار دعوة هذه الأخيرة هي وقومها إلى الإسلام لرب العالمين؛ إذ تنطوي هذه الآيات على العديد من الأحكام ذات الدلالة على شرعية إرسال الرسل وتبادل السفارة بين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول والكيانات غير الإسلامية، من ذلك قوله تعالى على لسان هدهد سليمان: {فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}[49]. وقوله تعالى في معرض رد سليمان على الهدهد: {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ}[50] وقوله تعالى على لسان بلقيس: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}[51].

فالآيات المتقدّمة تدلّ جميعها على مشروعية تبادل الرسل والسفارات في إطار دعوة غير المسلمين للدخول في دين الإسلام.

وهناك آيات قرآنية كثيرة عديدة تتعلّق بنزول الرسالة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتكليفه من الله عز وجل بتبليغ مضمونها وبيان أحكامها للناس كافة، تدلّ جميعها على شرعية، بل وجوب، إرسال الكتب والرسل والسفارات إلى الدول والجماعات غير الإسلامية من أجل إطلاعهم على حقيقة الإسلام ودعوتهم إلى الدخول فيه، من ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}[52]، وقوله سبحانه: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}[53].

فهذه الآيات وغيرها كثير تدل دلالة واضحة وقوية على لزوم دعوة غير المسلمين للدخول في الإسلام، وعلى أن إرسال الكتب وتبادل الرسل والسفارات يأتي في مقدمة الوسائل التي يستعان بها في تحقيق هذه الغاية[54].

وقد تضمنت السنة النبوية العديد من الوقائع والأحداث والأحكام ذات الصلة بإرسال الرسل والسفارات مما يدل بطريقة واضحة على شرعية تبادل هذا الشكل السلمي من أشكال الاتصال وإقامة العلاقات بين الدول والجماعات. ففي عام الحديبية سنة ست من الهجرة وما وقع فيه من هدنة بين المسلمين وقريش، تم تبادل الرسل والوفود بين الطرفين على نطاق واسع حتى تم الاتفاق بشروطه وبنوده التي ارتضاها الطرفان. فأرسلت قريش بديل بن ورقاء الخزاعي في رجال من خزاعة، ومن بعده مكرز بن حفص بن الأحنف، ثم الحليس بن علقمة (ابن زبان)، وبعد ذلك عروة بن مسعود الثقفي، وأخيرًا سهيل بن عمرو. ومن جانبه أرسل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) خراش بن أميه الخزاعي ثم عثمان بن عفان، إلى أن انتهى الأمر بالاتفاق على شروط الصلح وأحكامه[55].

بعد صلح الحديبية عمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى إرسال الرسل والكتب إلى ملوك عصره يدعوهم إلى الإسلام ويبشّرهم بالسلام، فأرسل حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك الإسكندرية ودحية بن خليفة الكلبي إلى هرقل عظيم الروم، وعبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك فارس، وعمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة، كما وجّه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) رسائل إلى زعماء عدد من القبائل في الجزيرة العربية يدعوهم فيها إلى الإسلام مثل قبائل بكر بن وائل، وبني الجرمز، وبني جهنية وبني غفار[56]...

وفي ضوء ما سبق سيحسن التوقّف عند نماذج من مراسلاته (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي رسائل في مجملها تدعو إلى الإسلام، وتتقيّد من حيث الشكل بالألقاب التي كانت تطلق على الملوك والرؤساء وكانت تبدأ بالبسملة، وبعبارة «السلام على من اتَّبع الهدى»، إذا كان الملك المخاطب من أهل الكتاب، أشارت الرسالة إلى القيم المشتركة بين الأديان السماوية، وإذا كان المخاطب من غيرهم تحدّثت الرسالة عن عبادة الله الواحد الأحد دون سواه»[57].

وحافظ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما كان سائدًا في عصره من معاني الخير والإنسانية في العلاقات والعهود والمواثيق أو البعثات، فكان يستقبل الرسل وهم له مكذبون، ويؤمنون على حياتهم ومتاعهم، بل وينزلهم ويكرمهم في دار الضيافة، ويهتم بهم ويشرح لهم رسالة الإسلام، ولا يقبل منهم البقاء عنده ولو أسلموا، لأنهم رسل، حتى يعودوا فيؤدّوا رسالتهم، فمن بدا له أن يرجع فليرجع، وهذا من أهم ما يمكن أن يلاحظ، وهو ما يسمّى اليوم باللجوء السياسي لأفراد البعثات الدبلوماسية، وجاء في ذلك النص صريحًا واضحًا، فعن أبي رافع أنه أقبل بكتاب من قريش إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: فلما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقع في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله، إني –والله – لا أرجع إليهم أبدًا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد، ولكن أرجع إليهم، فإن كان في قلبك الذي في قلبك الآن، فارجع»، قال أبو رافع: فرجعت إليهم، ثم إني أقبلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأسلمت»[58].

ومضت السُّنَّة أن دم الرسول أو السفير محقون حتى يبلغ مأمنه ويعود بالجواب إلى مرسله، وقرّر الفقهاء وعمل المسلمون بذلك أن السفير وحامل الكتاب من دولة ما إلى المسلمين له أن يدخل بلاد المسلمين آمنًا مطمئنًا بدو عهد ولا ميثاق ولكل ما معه[59].

إجمالًا، إن الدبلوماسية التي اتّسم بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في إدارة شؤون الحكم، أو مارسها في الاتصال بالناس، أو الانفتاح على العالم، كانت وما زالت هي المعين الصافي لكل من جاء بعده من الخلفاء والرؤساء والولاة والدعاة.

و«قد ضرب الإسلام أروع الأمثلة في حماية الرسل وصيانتهم، وكفل لهم حماية سياسية كاملة، حتى وإن أساؤوا إلى الإسلام، وذلك ليستطيعوا القيام بمهمتهم ويحقّقوا الخير والسلام للعام»[60].

وهناك شواهد عديدة من السُّنَّة النبوية تؤكّد مبلغ رعاية الإسلام لحق السفراء والمبعوثين وصيانة أرواحهم من ذلك.

«عن عبد الله بن مسعود (رضي اللَّه عنه) قال: «جاء ابن النواحة وابن أثال رسولا مسيلمة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لهما: أتشهدان أني رسول الله؟ قالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): آمنت بالله ورسوله، لو كنت قاتلًا رسولًا لقتلتكما»[61].

وفي هذا أعظم دليل على منح الحصانة وحرية إبداء الرأي وتحريم قتل الرسل الوافدين من الكفار. وإن تكلّموا بكلمة الكفر في حضرة الإمام وسائر الناس، ومن ثم فهو دليل على أن الإسلام دين عدل ورحمة وسلام.

وقد أجمع الفقهاء على مشروعية حماية السفراء والمبعوثين وأجازوا للمبعوث السياسي أن يدخل بلاد المسلمين بدون حاجة إلى عقد أمان، ولم يجيزوا الغدر برسل العدو، حتى ولو قتل الأعداء رهائن المسلمين الموجودين عندهم، فلا تقتل رسلهم[62].

وقد ساهم المسلمون في التأسيس للعرف الدبلوماسي من حيث حماية المبعوثين، اعتماد البعثات، الدخول في مفاوضات من أجل عقد الصلح أو عقد الهدنة أو تبادل الأسرى... ناهيك عن احترام العهود والمعاهدات بعد إبرامها، ومجمل هذه الأعراف دخلت لاحقًا في القانون الدبلوماسي الدولي مع اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية التي أقرتها الجماعة الدولية في مؤتمر دولي كبير بتاريخ 18/ 04/ 1961م. حيث تحدّثت عن البعثات الدبلوماسية، حصانات وامتيازات الدبلوماسيين، قواعد التبادل الدبلوماسي، الوظائف الدبلوماسية[63].

على سبيل الختم

وقبل إنهاء الحديث عن قواعد السلام في الإسلام، تجدر بنا الإشارة إلى مسألة تاريخية مهمة من الضروري التنبيه إليها، «وهي السبق الذي يسجّله التاريخ للمسلمين في تأصيل قواعد العلاقات الدولية، بالكتاب الرائد الذي أصدره محمد بن الحسن الشيباني[64] في القرن الثاني الهجري، بعنوان: «السير الكبير»، وهو الكتاب الذي يعدّ العمدة والمرجع التاريخي الأساس في تاريخ الفكر السياسي العالمي في العلاقات الدولية، وهو أول كتاب في القانون الدولي العام والخاص في العالم كله، ممّا جعل مؤلّفه الشيباني رافدًا للقانون الدولي بلا منازع[65].

وقد سبق كتاب محمد بن الحسن الشيباني معاهدة «وستفاليا»، الموقعة عام 1658م، التي أرست قواعد الدبلوماسية الدائمة والمقيمة، وأنشأت فكرة التوازن الدولي في أوروبا، وتعزّزت هذه المعاهدة بانعقاد مؤتمر فيينا في 1815م، المؤتمر الذي يعدّ مرحلة متميّزة في تطوّر الدبلوماسية، والذي وضع قواعد دولية جديدة. كما سبق هذا العالم العربي المسلم بإنجازه العلمي الرائد، اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية الموقعة في 18 أبريل 1961م.

يقع كتاب «السير الكبير» في أربعة أجزاء مستقلة:

1-الجزء الأول: يتضمّن أحاديث نبوية وما رواه الصحابة والتابعون، أحاديث تتعلّق بالحرب من خلال وقائع وأحكام محدودة.

2-الجزء الثاني: واسع ومهم، ويرتكز على آراء أبي حنيفة في العلاقات القائمة بين المسلمين وغير المسلمين، وتجدر الإشارة إلى أن الشيباني لم يبحث في هذا المجال عن حالة الحرب القائمة بين دار الإسلام ودار الحرب.

3-الجزء الثالث: هو ملحق يتضمّن موجز آراء فقهاء المذهب الحنفي في القضايا المشار إليها في الجزأين الأولين.

4-الجزء الرابع: يتناول فيه كتابين: «الخراج» و «العشر»، أو ما يتعلّق بالضرائب في لغة عصرنا.

عالج الشيباني في كتابه قواعد العلاقات الخارجية في فقه السير، فتوقّف عند مسائل الجهاد، العهد، الأمان، الصلح، الغنائم، الموادعة.. كما بيّن فيه سيرة المسلمين في المعاملة مع المشركين من أهل الحرب ومع أهل العصر منهم من المستأمنين وأهل الذمة، ومع المرتدين ومع أهل البغي[66].

«إن مجرّد التفكير بوضع قواعد لهذه المسائل من خلال الفقه الإسلامي يشير إلى أن المسلمين وضعوا قواعد للعلاقات الدولية منذ القرن السابع الميلادي؛ أي قبل نحو ألف سنة من انطلاقة القانون الدولي الحديث في أوروبا، وما تزال قواعد الحرب والسلم بصفة عامة هي التي تختصر قواعد العلاقات الدولية في عصرنا. إنه تصنيف مستمر ومتراكم من خلال معطيات حضارية إنسانية كان فيها للمسلمين دور مركزي مبكر»[67].

إن هذا الفقه التأسيسي للعلاقات الدولية حيث كان للشيباني فيه دور المؤسس، مهّد لظهور مراجع مهمة في هذا الحقل، نذكر منها:

- المبسوط[68]، للسرخسي.

- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع[69]، للكاساني.

- المغني[70]، لابن قدامة.

- أحكام أهل الذمة[71] لابن قيم الجوزية.

هذا الزخم الفكري الإسلامي في مجال العلاقات الدولية وتحديدًا في فقه القانون الدولي، ترك تأثيره في الفكر الغربي الأوروبي، إذ ثمّة إشارات في مراجع مختلفة إلى دور الشيباني وأثره في الفكر الغربي، لقد تأثّر العالم الإسباني فرنسيسكو سواريز (1828م-1617م) بالفكر الإسلامي وبالقواعد الدولية التي وضعها العرب والمسلمون، وبدوره أثر سواريز في علم وفكر رائد القانون الدولي في الغرب ومحامي هولندا العام ومؤرخها الرسمي غروشيوس (1583م-1643م) الذي عاش في القرنين السادس عشر والسابع عشر، والذي وضع مؤلّفًا عن قانون الحرب والسلم أهداه إلى لويس الثالث عشر في العام 1623م، بعدما كان وضع مؤلّفًا عن حرية التجار في العام 1609م. وبذلك مهّد غروسيوس للتأليف حول قانون العلاقات الدولية الذي صار يعرف باسم القانون الدولي العام»[72].

وعلى أي حال، فإن أبرز ما كتب في هذا الموضوع هي مصنفات الإمام الشيباني الذي اعترف له المستشرقون بمكانة خاصة، حتى إن المستشرق النمساوي جوزيف هامر فونبرغستال نعته بأنه «غروشيوس» المسلمين، وورد هذا النعث على لسان مستشرق ألماني هو هانس كروزه الذي لم يكتفِ بذلك، بل أسس عام 1375هـ/ 1955م، جمعية سمّاها: «جمعية الشيباني للقانون الدولي»، وهنا يجدر بنا أن نتذكّر بأن الشيباني توفي سنة 207هـ/ 804م، في حين كانت وفاة الفقيه الهولندي غروشيوس الذي يعتبر مؤسس القانون الدولي العام في سنة 1055هـ/ 1645م، وهكذا يكون الشيباني قد سبقه بما يزيد على ثمانية قرون من الزمان[73].

وهكذا فإن الإسلام سبق القانون الدولي الأوروبي، ليس في تاريخ وجوده فحسب، بل وفي كثير من أحكامه ومبادئه، لا سيما فيما يتصل بمبدأ الشرف الدولي والعدالة الإنسانية والسلم العالمي، خصوصًا إذا تذكّرنا بأن الشريعة الإسلامية تقوم على عقيدة تلزم المسلم بتنفيذ أحكامها، بخلاف القانون الدولي الوضعي، الذي يقوم خلاف كبير بين شرَّاح هذا القانون حول مدى إلزاميته، فهو بنظرهم مجرّد مبادئ يمكن للدول الخروج عليها، بل إن بعضهم يعتبر أحكامه قاصرة على الدول الغربية، ولذلك تأخّر اعتراف الدول الأوربية بعضوية الدولة العثمانية في الأسرة الدولية إلى أواسط القرن الماضي. رغم أنها كانت تحتل في بعض الفترات أقاليم واسعة من أوروبا، حيث كان تفكير دول العالم الغربي ينصب فقط على التكتل ضد المسلمين»[74].

وحيث إن القانون الإسلامي الدولي –كما أسلفنا– هو جزء من الشريعة الإسلامية، فقد صارت أحكامه في نظر المسلمين، التزامًا قانونيًّا فرضوه على أنفسهم، وكانت أحكامه الخلقية أو الدينية تلزم المسلمين، حتى وإن كان بعض ما فيه ليس في صالحهم[75].

إجمالًا يمكن القول بأن المسلمين قد أسهموا في وضع القانون الدولي بما أرسوه من قواعد للتعامل الخارجي للدولة الإسلامية، وهي قواعد مطلقة وعامة لم يكونوا فيها مستثنين قطرًا من أحكامها، وقد توصّل فقهاؤهم إلى مبادئ وقواعد اتّسمت بالطابع الإنساني، وقامت على قوانين عادلة أسهمت في تحقيق السلام العالمي.

 

 

 

 

 



[1] انظر: محمد الناصري، ثقافة السلام بين التأصيل والتحصيل، الكويت: وزارة الأوقاف، ط الأولى، 2014م.

[2] انظر: محمد الناصري، العلاقة مع الآخر في ضوء الأخلاق القرآنية، بيروت: دار الهادي، ط الأولى، 2009م.

 

[3] مجموعة كتاب، موسوعة السياسة، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1987م، ج2، ص658.

 

[4] نفسه، ص125.

 

[5] محمد سليم، العلاقات الدولية، مكناس: مكتبة سجلماسة، ط الثالثة، 2003 م، ص168.

 

[6] مفيد شهاب، المفاوضات الدبلوماسية علم وفن في المفاوضات الدولية، ندوة: معهد الدراسات الدبلوماسية، الرياض 1993م، ص211.

 

[7] محمد بوبوش، العلاقات الدولية في الإسلام، بيروت - دمشق: دار الفكر، ط الأولى، 2009م، ص78.

 

[8] نفسه، ص79.

 

[9] أحمد عبد الونيس شتا، الأصول العامة للعلاقات الدولية في الإسلام وقت السلم، ضمن مشرع العلاقات الدولية في الإسلام، القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط الأولى، 1417هـ/ 1996م، ج1، ص34.

 

[10] سورة التوبة، الآية: 6.

 

[11] سنورد العديد من هذه الأدلة عند حديثنا عن تبادل الرسل والبعثات.

 

[12] الملاحظ بصفة عامة في كتب التفاسير، وشروح الحديث وكذلك كتب الفقه والتاريخ والسير، أنها لم تعرض لما تم بين المسلمين وغيرهم في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والخلافة الراشدة من اتصالات، ومحاورات تحت باب «التفاوض»،  وإنما درجت هذه المصادر جميعها على تتبع وتحليل وقائع تلك الاتصالات تحت أبواب متفرقة كباب: «الصلح مع الأعداء» أو «مباحث الهدنة» أو «دعوة العدو».. إلى غير ذلك من الأبواب والأسماء التي تتفق في طبيعتها ومضمونها مع ما تعارفت عليه الجماعة الدولية فيما بعد من إطلاق لفظة المفاوضات أو التفاوض على كافة صور الاتصال والحوار وتبادل وجهات النظر التي تتم بين الأطراف المختلفة، بقصد التوصل إلى اتفاق بما يخدم مصالحها المشتركة وينظم علاقاتها المتبادلة. انظر: أحمد عبد الونيس شتا، الأصول العامة للعلاقات الدولية في الإسلام وقت السلم، م.س، ص14.

وثمّة مجهودات إسلامية في هذا المضمار تدل على الاستعداد للمفاوضات من خلال تحضير الوفد المفاوض، وتحديد أهدافه ووسائله. ويتبين لنا كم أن قواعد وملاحظات قديمة اعتمدها المسلمون في مفاوضاتهم صارت جزءًا من الأعراف الدبلوماسية العالمية، وطالما أن التفاوض هو فن وابتكار قبل أن يتبلور علمًا محدد المدارك والأبعاد، فإن المسلمين أبدعوا في مضار التفاوض كما تدلل وثائقهم ووثائق المستشرقين الذين درسوا التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية. انظر: عدنان السيد حسين، العلاقات الدولية في الإسلام، ص209.

 

[13] أحمد عبد الونيس شتا، م.س، ص15.

 

[14] انظر:

- ابن هشام، السيرة النبوية، تحقيق: سيد بن رجب، مراجعة: مصطفى العدوي، القاهرة: مكتبة الصفا، ط الأولى، 1423هـ/ 2003م.

- ابن القيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد، القاهرة: مكتبة الصفا، طبعة 1426هـ/ 2004م.

- صفي الدين المباركفوري، الرحيق المختوم، بيروت: المكتبة العصرية، طبعة 1422هـ/ 2001م.

[15] سورة الأنفال، الآية:61.

 

[16] سورة النساء، الآية:90.

 

[17] أحمد عبد الونيس شتا، م.س، ص35.

 

[18] عدنان السيد حسين، العلاقات الدولية في الإسلام نظرية العلاقات الدولية، بيروت: دار أمواج، ط الثانية، 2003م، ص208.

 

[19] وهبة الزحيلي، آثار الحرب دراسة فقهية مقارنة، دمشق: دار الفكر، ط الرابعة، 1430هـ/ 2009م، ص336.

 

[20] محمد بوبوش، م.س، ص75.

 

[21] أحمد عبد الونيس شتا، م.س، ص184.

 

[22] أبو سيف علي صادق، القانون الدولي العام، منشأة المعارف، الإسكندرية، ص523.

 

[23] وهبة الزحيلي، م.س، ص336.

 

[24] سورة الإسراء، الآية: 34.

 

[25] سورة النحل، الآيتان: 91-92.

 

[26]سورة الرعد، الآية: 25.

 

[27] سورة الأنفال، الآيتان: 55-56.

 

[28] سورة  التوبة، الآية: 8.

 

[29] سورة التوبة، الآية: 4.

 

[30] سورة الأنفال، الآية: 72.

 

[31] أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في الإمام يكون بينه وبين العدو عهد فيسير إليه رقم: 2759.

 

[32] راجع:

- ابن هشام، السيرة النبوية، م.س.

- ابن القيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد، م.س.

[33] إبراهيم البيومي غانم، المبادئ العامة للعلاقات الدولية، م. الاجتهاد، س. الثالثة عشر، ع 52-53، خريف وشتاء 2001م/ 2002م، ص 206.

 

[34] سورة الأنفال، الآية: 58.

 

[35] رشيد رضا، تفسير المنار، دار الفكر، ط، الثانية، د.ت، ج1، ص 163-164.

 

[36] أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب الحرب خدعة، رقم الحديث 2866.

 

[37] محمود شلتوت، الإسلام عقيدة وشريعة، دار الشروق، ط الخامسة عشر، 1408هـ، ص456.

 

[38] أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب إذا اشترط شروطًا في البيع لا تحل، رقم الحديث: 216.

وكان هذا الوفاء على مدى القرون الخوالي في جميع معاهدات وعقود المسلمين، وفي أحلك الظروف كالحروب الصليبية، ومن يرجع إليها يجد العجب من الوفاء والنبل بدءًا من صلح الحديبية، وأيلة مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وصلح خالد بن الوليد مع أهل الشام، وصلح عمرو بن العاص مع أهل مصر... وإذا نظرنا إلى الجانب الآخر لوجدنا النقيض من ذلك، ولنخصَّ بالذكر وثيقة تسليم غرناطة مع أبي عبد الله محمد بن الأحمر في آخر سنة 896هـ، أكتوبر 1491م. ووضعت في ثمانية وستين بندًا ولكنها نُقضت حرفًا حرفًا..»، انظر: فاروق حمادة، البعثات الدبلوماسية في العهد النبوي وأثرها في التشريع الدولي، ضمن التشريع الدولي في الإسلام، 1995م، الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ط الأولى1997م، ص33.

 

[39] محمود شلثوت، الإسلام عقيدة وشريعة، م.س، ص456-457.

 

[40]نفسه، ص456.

 

[41] سورة النساء ، الآية: 29.

 

[42] فتحي الدريني، خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم، دمشق، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط الثانية، 1429هـ/ 2008م، ص187.

 

[43] سيد سابق، فقه السنة، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط الأولى، 1422هـ/ 2002م، ج3، ص132.

 

[44] وهبة الزحيلي، م.س، ص341، بتصرف يسير.

 

[45] نفسه، ص342.

 

[46] عدنان السيد حسين ، العلاقات الدولية في الإسلام، م.س، ص239.

 

[47] ينظر: اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية. وقد اعتمدت من قبل المؤتمر الأمم المتحدة بشأن قانون المعاهدات الذي عقد بموجب قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2166 المؤرخ في 5 ديسمبر 1966، ورقم 2287 المؤرخ في 6 ديسمبر 1967، وقد عقد المؤتمر في دورتين في فيينا خلال الفترة من 26 مارس إلى 24 مايو 1968 وخلال الفترة من 9 أبريل إلى 22 مايو 1969، واعتمدت الاتفاقية في ختام أعماله في 22 مايو 1969م، وعرضت للتوقيع في 23 مايو 1969، ودخلت حيز النفاذ في 27 يناير1980م.

 

[48] وهبة الزحيلي، آثار الحرب، م.س، ص321.

 

[49] سورة سبأ، الآية: 22.

 

[50] سورة سبأ، الآيتان: 27-28.

 

[51] سورة سبأ، الآيات: 29-31.

 

[52] سورة الأحزاب، الآيتان: 45-46.

 

[53] سورة الحج ، الآية: 75.

 

[54] أحمد عبد الونيس شتا ، الأصول العامة للعلاقات الدولية في الإسلام، م.س، ص114.

 

[55] للمزيد من التفاصيل، انظر:

- ابن هشام، السيرة النبوية، م.س.

- ابن القيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد، م.س.

- محمد حميد الله ، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، بيروت: دار النفائس، ط السادسة 1407هـ/ 1987م.

[56] انظر:

- ابن هشام ، السيرة النبوية، م.س.

- ابن القيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد،م.س.

[57] انظر نص الرسائل في: محمد حميد الله، ص109.

 

[58] أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب الإمام يستجن به في العهود، رقم الحديث: 2758.

 

[59] فاروق حمادة، م.س، ص29.

 

[60] وهبة الزحيلي، آثار الحرب، م.س، ص322.

 

[61] أخرجه أحمد، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود، برقم 3761.

 

[62] شمس الدين السرخسي، المبسوط، بيروت: دار المعرفة، ط 1414هـ/ 1993م، ج10، ص89.

 

[63] انظر: السيد حسين عدنان، العلاقات الدولية في الإسلام، م.س، ص223.

 

[64] محمد بن الحسن الشيباني (131-189هـ) فقيه محدّث، سمع العلم من كبار الأئمة كمالك والشافعي والأوزاعي والثوري، كان له أثر كبير في فقه الحنفية. وصنّف كتبًا كثيرة تعدّ المرجع الأول في الفقه الحنفي، أشهرها المبسوط، الجامع الصغير، الجامع الكبير، السير الصغير، السير الكبير، وله أيضًا كتاب الآثار، وكتاب الرد على أهل المدينة.

 

[65] وتقديرًا لمكانة هذا العالم المسلم الرائد في هذا الحقل المعرفي أنشئت في سنة 1955م، في غوتنجن بألمانيا جمعية دولية باسم «جمعية الشيباني للقانون الدولي»، وتهدف هذه الجمعية إلى التعريف بالشيباني وإظهار آرائه ونشر مؤلّفاته المتعلّقة بأحكام القانون الدولي الإسلامي.

 

[66] راجع، محمد بن الحسن الشيباني، م.س.

 

[67] عدنان السيد حسين، العلاقات الدولية في الإسلام، م.س، ص157.

 

[68] شمس الدين السرخسي، المبسوط، م.س.

 

[69] علاء الدين أبو بكر مسعود الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتب العلمية، ط الثانية، 1406هـ/ 1986م.

 

[70] ابن قدامة المقدسي، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: محمود عبد الوهاب، ط الأولى، 1405هـ.

 

[71] انظر: ابن القيم الجوزية، أحكام أهل الذمة، م.س.

 

[72] عدنان السيد الحسين، العلاقات الدولية في الإسلام، م.س، ص160.

 

[73]2 سامي الصفار، نظام الأمان في الشريعة الإسلامية وأوضاع المستأمنين، ضمن ندوة التشريع الدولي في الإسلام، م.س، ص75.

 

[74] نفسه، ص76.

 

[75] نفسه، ص74-75.

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة