تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

مناهج البحث عند مفكري الإسلام المعاصر ..

محمد تهامي دكير

مناهج البحث عند مفكري الإسلام المعاصر

الدورة الثانية، بيروت، عقدت في 13 مارس 2019م

محمد تهامي دكير

تأتي هذه الندوة استكمالًا لمتابعة فعاليات الندوة السابقة التي نظّمها معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية في بيروت، قبل سنة (انظر: الكلمة، العدد 100 صيف 2018م)، والتي شارك فيها عدد من المُتخصّصين والأكاديميين، وقد تمّ فيها تسليط الضوء على المنهجيات المتعددة في قراءة الإسلام، من خلال ما قدّمه عدد من أعلام الفكر والتجديد الديني والثقافي المعاصرين، الذين اشتهر عنهم مساهماتهم في إغناء الفكر الإسلامي المعاصر بأطروحات منهجية جديدة لقراءة وفهم الإسلام، ومواقف من التراث العربي الإسلامي، ومشاريع فكرية نهضوية، تُساهم في إخراج الأمة من حالة الخمول والسُّبات الحضاري، بوصل ما انقطع من إبداع ونشاط فكري وعلمي، ومواجهة حالة الاستتباع الحضاري للغرب.

وقد تمَّ في الندوة السابقة الحديث عن مجموعة من أشهر الرموز الفكرية والنهضوية في العالمين العربي والإسلامي مثل: السيد جمال الدين الأفغاني، والدكتور إسماعيل الفاروقي، ومحمد إقبال، والسيد محمد حسين الطباطبائي، والعلامة عبد الله الجوادي الآملي، والمفكر الجزائري مالك بن نبي... إلخ.

أما في هذه الندوة، والتي عُقدت في بيروت كذلك، وعلى مدى أسبوعين، (بين 13-14/ 3/ و20-21/ 3/ 2019)، فقد تناولت شخصيات فكرية مهمّة كذلك، كانت لها مساهمات متميّزة في مشروع التجديد الفكري والحضاري العربي والإسلامي، وتوزّعت على جغرافية العالم العربي شرقًا وغربًا مثل: الشيخ مرتضى مطهري، والشيخ مصباح يزدي، والشيخ راشد الغنوشي، والمفكر السيد حسين نصر، والشيخ محمد مهدي شمس الدين، والشيخ محمد جواد مغنية، والدكتور عبد الرزاق السنهوري.

وقد شارك في قراءة ونقد وتحليل المشاريع التجديدية والنهضوية لهؤلاء الأعلام، نخبة من الأكاديميين والمختصين في متابعة الفكر الإسلامي المعاصر من لبنان.

فيما يلي متابعة مقتضبة لما ورد في الأوراق والمداخلات المشاركة في هذه الندوة..

ﷺ فعاليات اليوم الأول

في الأسبوع الأول من فعاليات هذه الندوة البحثية، تمّ تناول مشاريع أربعة من الشخصيات المشهورة في مجال الفكر الإسلامي المعاصر، هم:

أولًا: «منهج الشهيد مرتضى مطهري في قراءة الإسلام»، وقد تحدّث عنه الشيخ محمد حسن زراقط (باحث وأستاذ حوزوي وجامعي من لبنان)، في البداية أشار الباحث إلى صعوبة الحديث عن منهج محدّد المعالم عند المفكر الإيراني الشهير الشيخ مطهري(1919 - 1979م) وذلك بسبب اشتغاله على مجالات متعدّدة لكلٍّ منها خصائصه المنهجية.

فقد اشتغل على الفقه والتاريخ والفلسفة وعلم الكلام، كما كانت لديه مواقف مرتبطة بالواقع والسجالات الفكرية والسياسية الدائرة في إيران عشية اندلاع الثورة الإسلامية فيها، والتي كان الشيخ مطهري واحدًا من الذين أجّجوا نارها وأمدّوها بالوقود الفكري، حتى اعتُبر من منظِّريها ودُعاتها، وذلك من خلال كتاباته الداعية إلى التجديد وإعادة النظر في الموروث الفقهي والكلامي بما يخدم حركة التغيير والنهضة والتحرّر من الاستعمار الجديد، الذي كان يمثّله الشاه آنذاك، استعمار التبعية السياسية والثقافية للغرب وللولايات المتحدة على وجه الخصوص.

وبسبب تعدّد كتاباته وتنوّع تراثه الفكري، واختلاف التعاطي المنهجي باختلاف المواضيع أو العلوم التي تعرّض لها، أو كان له موقف تجديدي فيها، فقد حصر الباحث الشيخ زراقط بحثه في دائرة علم الكلام والبحث العقدي، مع التوقّف عند أهمّ المعالم المنهجية عند الشيخ مطهري.

فحسب الباحث، فإنّ الشيخ مطهري قد اختار في علاج الكثير من القضايا الكلامية طريقة الحكماء على حدّ تعبيره، مع اعترافه بأنّ النقل يمكن أن يكون من الموادّ الأولية التي يعتمد عليها في معالجات قضية عقدية كقضية العدل؛ لأنه كان يعتبر طريقة الحكماء في الاستدلال مُتقنة أكثر من الطريقة الكلامية والفلسفية.

ومن خلال هذه الملاحظة الأساسية بدأ الباحث نقاش منهج الشهيد مطهري، في محاولة للبحث عن المعالم العامّة التي تحكم قراءته للإسلام، وموقفه من أمهات المسائل والقضايا مثلًا في قضية «أهمية الإنسان ومحوريّته»، نجد الشيخ مطهّري يُعيد فتح أبواب علم الكلام للإنسان ومعالجة قضاياه الوجودية وأسئلته الكبرى. مثلًا من يقرأ كتاب (العدل الإلهيّ) من أوّله إلى آخره، يجد أنّ الروح الحاكمة على صاحبه، هي روح البحث عن أجوبة لأسئلة الناس التي ترتبط بحياتهم قبل أن تكون أسئلة ترتبط بالمفهوم العقدي المجرّد، كما يظهر هذا الأمر من جهة أخرى في حجم القضايا الإنسانية التي عالجها، مثل: الإنسان الكامل، الإنسان والإيمان، الإنسان في القرآن، المجتمع والتاريخ، المدد الغيبي في حياة الإنسان، الفطرة... وعلى هذه الأمثلة يُقاس ما سواها.

وفي موضوع توسعة دائرة علم الكلام: فواحدة من النواظم المنهجية عند الشيخ مطهري، أنّه وسّع دائرة علم الكلام ليشمل الكثير من المواضيع الأخرى الواقعية، بالإضافة إلى البحث في الصفات الإلهية والعدل والنبوية... إلخ. وقد نجم عن ذلك مواقف جريئة له في هذا المجال، مثل اعترافه بالنجاة لغير المسلمين، والدعوة الصريحة لتجديد النظر في الكثير من القضايا العقائدية، والانفتاح على التجارب الفكرية الأخرى، وإعطاء المركزية لبعض المفاهيم الاعتقادية كقضية العدل، بالإضافة إلى البحث الجذري في الدين، مع التركيز على قضايا الإسلام المعاصر أو الإسلام في الوقت الراهن، ومن بينها موقف الإسلام من المرأة وحقوقها.

والخلاصة، فقد تميّزت كتابات الشيخ مطهّري بسمة الدفاع عن الإسلام ومبادئه وقيمه، والردّ على بعض الشبهات التي كانت تعرض عليه. كما تميّز باحترامه للآراء المخالفة.

ثانيًا: «منهجية بحث الشيخ مصباح اليزدي في قراءة الإسلام»، وقد تحدّث عنها السيد علي الموسوي (رئيس تحرير مجلة المنهاج اللبنانية)، أهم ما يلاحظ على الشيخ اليزدي -وهو واحد من كبار العلماء المعاصرين (ولد سنة 1934 في إيران) والمشهور بنشاطه العلمي والسياسي، وكتاباته في مجال الإلهيات والأخلاق والعقيدة والتفسير- في هذه القراءة حسب الباحث، هو اعتماده على الفلسفة والعرفان والتفسير، وموقفه المتميّز من الفلسفة باعتباره من تلامذة العلامة السيد طباطبائي، حيث لم ينظر إلى الفلسفة كعلم يطلب لذاته، بل بما يخدم بقيّة العلوم، واعتبر العرفان جزءًا من الإسلام، وأنّ السير والسلوك ليس قسمًا مستقلًّا عن حدود الشريعة.

كما استفاد من منهج أستاذه الطباطبائي في القراءة القرآنيّة للإسلام، وفي تفسير القرآن بالقرآن، إلّا أنّه أضاف فكرة دور المعصوم في تفسير الآيات القرآنيّة، كما أعاد ترتيب آيات القرآن ترتيبًا طوليًّا، بحسب الأهداف التي أرادها الله من خلق الإنسان.

أما بخصوص قضية الأصالة، القضية التي شغلت التفكير الفلسفي، فقد أسس الشيخ اليزدي لأصالة الفرد والمجتمع معًا، مؤكدًا -حسب الباحث الموسوي- على كون العلاقة بينهما علاقة جدليّة تبادليّة، بالإضافة إلى رفضه القول بجبريّة التاريخ؛ لأنه يعتقد أن الإرادة الإنسانيّة جزء من العلّة التامّة للفعل والحركة الإنسانية.

لذلك، كان يعتقد بإمكانيّة تحقّق المجتمع المثالي الإسلاميّ ضمن شروط منها: الواقعيّة، البرنامج الصحيح ورسم الهدف، أما الاختلافات الاجتماعيّة فلا تتنافى مع إرادة الإنسان.

أما بخصوص موقفه من الأخلاق، فقد لاحظ الباحث أن العلّامة اليزدي أعاد قراءة الأخلاق الإسلاميّة ضمن قضايا ثلاث: الأخلاق الإلهيّة، الفرديّة، الاجتماعيّة، مؤكدًا على أن ما يميّز النظام الأخلاقي الإسلامي عن غيره، هو التأكيد على مركزية وأهمية الاختيار والتأثّر والتأثير.

وأخيرًا، ختم الباحث السيد علي الموسوي بحثه بتسليط الضوء على الموقف المتشدّد للعلّامة من بعض الطروحات الفكرية لبعض الجامعيين في إيران مثل الدكتور عبد الكريم سروش، ورفضه القوي لمقولة التعدّديّة الدينيّة التي روّج لها، ففي نظره يمكن تقسيم التعدديّة الدينيّة إلى قسمين: نظريّ فكريّ، وهذا مرفوض تمامًا، وعمليّ يتطلّب احترام عقيدة الطرف المخالف.

وقد انتهت فعاليات اليوم الأول بمداخلات ناقشت بعض ما ورد في هذه البحوث.

ﷺ فعاليات اليوم الثاني

في هذا اليوم استمرّت مناقشة وعرض المشاريع الفكرية العربية الإسلامية ومناهج أصحابها، وقد تحدّث فيها الأستاذ محمود حيدر (مدير تحرير مجلة الاستغراب الصادرة في لبنان) عن منهجيّة المفكر الإيراني السيّد حسين نصر في قراءة الإسلام، معنونًا ورقته بعنوان يعبر عن طبيعة فكر السيد نصر وخلفياته ومآلاته وهو: «المستغرب المحفوظ بأصله»، في إشارة إلى هجرة هذا المفكر الإسلامي إلى الولايات المتحدة وعيشه فيها، وتشبّثه بأصله الديني وموروثه الفكري والحضاري.

ومن خلال هذا الوضع الاغترابي جسدًا والمحافظ على التواصل مع الشرق روحًا وفكرًا، يمكن الحديث -كما يرى الباحث حيدر- عن منهجيّة مركّبة اتّسمت بها كتابات السيد نصر، تقوم على تفعيل ثلاثة خطوط متوازية ومتلازمة هي:

1- التعرّف إلى المجتمعات الغربيّة كما هي في واقعها.

2- التعرّف إلى المناهج والسياسات التي اعتمدها الغرب حيال الشرق والمجتمعات الإسلاميّة.

3- خطّ النقد، ويجري عنده متاخمًا للذات وللآخر.

ومن خلال هذه الخطوط الرئيسة يمكن كشف مرتكزات السيد نصر المنهجيّة، التي يمكن تحديدها في النقاط التالية:

1- فهم العلاقة بين الدين والطبيعة المسخّرة لخدمة الإنسان.

2- التفريق بين العلم المقدّس والمدنّس، وإعادة فهم العلوم الطبيعيّة على أسس معرفيّة وفلسفيّة أصيلة.

3- فهم صلة الربط بين الوحي والتراث الإسلامي.

4- القول بالوحدة المتعالية للأديان.

5- نقد الحداثة وامتداداتها الإمبرياليّة.

6- فهم الغرب ونقده.

7- التنظير للإسلام في ماهيّته والغاية منه.

وهذه الخطوط والمرتكزات ظهرت واضحة في أغلب كتابات السيد نصر، بحيث نلاحظ محاولاته لفهم الغرب وحضارته وقراءته قراءة نقدية، وأَلَّا ينظر إلى الغرب ككتلة صمّاء، بل كبنية حضاريّة تتعدّد أضلاعها، وبالتالي ينبغي فهمها بعمق وشمولية، كمقدمة لبناء استراتيجيّات فكرية وحضارية، تمكن الإسلام والشرق بشكل عام من المواجهة والتحرّر من هيمنة الغرب الحضارية. وفي الوقت نفسه إعادة قراءة الإسلام وموروثه الديني والفكري بعمق منهجي تحليلي ناقد ومتسائل، ومحاولة استنباط مفاهيم جديدة من خلال هذه القراءة.

وفي الأخير ختم الأستاذ محمود حيدر قراءته، مشيرًا إلى ما تميّزت به نظريّة المعرفة عند سيّد حسين نصر، وكيف ارتكزت على أركان أربعة هي: التوصيف والاستقراء، السؤال المؤسّس، والإجابة المتماهية مع السؤال المؤسّس، وركن النقد.

ﷺ فعاليات اليوم الثالث

في هذا اليوم كانت البداية مع الدكتور غسّان حمّود الذي تحدّث عن «معالم المنهاج الفكري الأصوليّ - الفقهي للشيخ محمّد مهدي شمس الدين»، حيث أكد الباحث أن القارئ لمجمل كتابات الشيخ شمس الدين، رغم تعدّد مواضيعها، تحمل هاجس التجديد وإعادة النظر في الكثير من المسلمات الموروثة، والعمل على فتح باب الاجتهاد على مصراعيه، وخصوصًا لمعالجة القضايا المعاصرة.

أما أهم معالم منهجية الشيخ شمس الدين في هذه الكتابات فقد حدّدها الباحث حمود في الآتي:

1- ضرورة تنقية عِلمَي أصول الفقه والفقه من الشوائب وتكميلهما، وفتح أبواب الفقه على عناوين لا زالت مهملة، كالاقتصاد، والبيئة، والزراعة، والأسرة، والسياسة وغيرها.

2- تقديم الأجوبة والحلول، لسدّ ثغرات علم الأصول وتطوير الفقه وإفساح المجال لظهور فقه جديد يتّسم بالتحرّر من الكثير من ضوابط السنّة وقيودها.

3- محدوديّة مجال التعبّد بالنصوص، فيما يتعلّق بمجالات الفقه الخاصّ كشؤون الأسرة، والمكاسب الفرديّة والتنظيميّة.

4- عدم اقتصار دور المرجعيّة الدينيّة على دور الإفتاء، وإنّما يُفترض أن يتعدّاه لدور قيادي ضمن مؤسّسة الحكم والتوجيه في المجتمع، مع مراعاة الخصوصيات المجتمعية لبعض الدول حيث نجد تعددية دينية ومذهبية.

5- وجود مستويين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أحدهما موجّه للأفراد، والآخر موجّه إلى السلطة المنظّمة لشؤون المجتمع.

6- ضرورة فتح باب الاجتهاد لمعالجة المستجدات، مثل: موقف الإسلام من وهب الأعضاء وزرعها، وما ينشأ عن تطوّر علمَي الكيمياء والفيزياء وغير ذلك.

الدكتور هادي فضل الله (عميد كلية الأديان والعلوم الإنسانية في جامعة المعارف)، قدّم ورقة عن «منهجية الشيخ محمد جواد مغنية في قراءة الإسلام»، والشيخ مغنية (1904 - 1979م) هو من أشهر علماء الشيعة في لبنان، وأكثرهم غزارة في التأليف والكتابة، ومن أشهر القُرّاء، حيث كان يقضي بين 14 و18 ساعة في مكتبته يكتب ويُقلب أوراق الكتب، وقد انعكس ذلك غزارة في التأليف والكتابة بحيث تجاوزت كتبه 60 كتابًا، وتعدُّدًا في المواضيع التي كتب فيها وعنها، شملت مواضيع: الدين، الفقه، علم الكلام، الفلسفة، الأخلاق، التاريخ، والسيرة وغيرها... إلخ.

وأهم ما يجمع بين هذه المؤلفات على مستوى المضمون والمنهج، هو هاجس النقد والتحليل، والدعوة إلى إعادة النظر في الكثير من المسلمات، واعتماد لغة سلسة بعيدة عن الغموض.

وهذا ما أكّده الباحث فضل الله، عندما وصف منهجه بأنه يتّسم بسمات التركيز والإيجاز والوضوح، فضلًا عن روح النقد. وجاء المضمون بأسلوبه المميّز سهل العبارة، غزير المادة، دقيق النظرة، عميق الغور، هدفه الوضوح في المعنى والبساطة في التعبير.

وكذلك ارتباطه بواقع الإنسان وحياته المعيشة، ومحاولة معالجة مشكلاته، وهذا ما نتلمسه في تفسيره للقرآن مثلًا، عندما ركز على الجانب الإنساني أكثر من اهتمامه بالجانب البلاغي، مع إيمانه بضرورة تمكّن المفسّر من العلوم العربيّة والفقه وأصوله وعلم الحديث والكلام.

وحسب الباحث فضل الله فإنّ الشيخ مغنية، لم يتمسّك بحرفيّة الآيات القرآنيّة، بل سلك منهجًا جوّانيًّا، هو منهج العقل والذوق والوجدان ودقّة الشعور. دون إهمال الحديث النبوي الشريف، مع تفسير القرآن تفسيرًا موضوعيًّا بعيدًا عن التفسير التجزيئي أو الآحادي.

كما أشار الباحث إلى ما تميّز به الشيخ مغنية من نزعة براغماتيّة كانت –في نظره- واضحة في تفسيراته، صريحة في مقاصده واتجاهاته، بالإضافة إلى اهتمامه بالردّ على الكثير من الشبهات التي كان تُروّج ضد المذهب الشيعي، وقد كان من روّاد حركة التقريب وله كتابات ومشاركات في مجلة التقريب (رسالة الإسلام) التي كانت تصدر في القاهرة في ستينات القرن الماضي.

وقد ختم الباحث فضل الله ورقته قائلًا: إنّ مغنية يظهر في كتاباته مفكّرًا غير متعصّب لمذهب إسلامي معيّن، فعرض المسائل الفقهيّة على المذاهب الخمسة، وبيّن رأي كلّ مذهب فيها مظهرًا الاتّفاق والاختلاف، معتمدًا منهج التحليل والمقارنة، مبتعدًا عن العبارات الغامضة، والأسلوب المعقّد، والمصطلحات الأصوليّة التي لا يدركها إلّا الفقهاء.

ﷺ فعاليات اليوم الرابع

في هذه الندوة البحثية تناول فيها الأستاذ حسين حمّود: «قراءة في منهجيّة عبد الرزّاق السنهوري في قراءة الإسلام» والمفكّر والكاتب عبد الرزّاق السنهوري (1895 - 1971م) هو رجل قانون، وكان عضوًا في مجمع اللغة العربيّة في مصر، كما ساهم في وضع مصطلحات في علم القانون، كما اشتهر بدعوته إلى جعل الفقه جزءًا من القانون. وكانت له آراء متميّزة في فقه الخلافة، وفي تشكيل هيكليّة إداريّة مدنيّة لا على سبيل التقليد الأعمى للغرب، بل من جهة الاستفادة في التنظيم والإدارة الغربية.

كما أشار الباحث إلى مشروع السنهوري الذي سعى لربط الشرق بالإسلام وبالهويّة الإسلاميّة، وإيمانه بأنّ نهضة الشرق لا تتحقّق إلَّا بالإسلام، وقد نادى بضرورة أن يكون الدين والدولة متلازمين، كما كان له الفضل أيضًا في فرض متلازمة الدين والدولة والدستور.

ومن آرائه كذلك، مناداته بالمساواة بين الشعوب والأفراد، وربطه بين الفقه الإسلامي واللغة العربيّة، وجعل العقل معيارًا وحاكمًا في الفقه، لا سيّما فقه المعاملات.

أما الدكتور محمّد علوش فقد تحدث عن «منهجيّة الشيخ راشد الغنوشي في قراءة الإسلام»، والغنوشي هو زعيم حركة النهضة الإسلامية في تونس، وله كتابات متفرّقة عالجت مواضيع وقضايا متنوّعة، لكن لها علاقة وثيقة بالواقع.

لذلك لا يمكن الحديث عن مشروع فكري مُنجز، وإنما طروحات فكرية في قضايا حساسة فكرية وسياسية وحركية، متأثّرة بشكل كبير بالمدرسة الإصلاحية، مع التركيز على أهمية التفاعل مع الواقع الاجتماعي والسياسي، وضرورة أن تخوض الحركة الإسلامية تجربة المشاركة في إدارة الشأن العام، كي تكتسب الخبرة الكافية، وبالتالي تنضج مواقفها ورؤيتها التغييرية.

ومن مميّزات تفكير الغنوشي حسب بعض كتاباته -كما يرى الباحث علوش- أنه لم يهتمّ كثير بقضايا الغيبيّات وما وراء الطبيعة، كما دعا إلى التوفيق بين الحداثة والموروث الديني.

أمّا بالنسبة إلى لقراءة النصّ القرآني فقد غلب عليه اهتمامه بالكشف عن البُعد المقاصدي؛ لأنه كان يعتقد أن القصديّة هي الروح الناظمة في النص القرآني الذي يتميّز كذلك بالمرونة، وصفة المدنية، باعتبار أنّ جُلّ القرآن نزل بالمدينة، ليواكب المجتمع الإسلامي الناشئ ويعالج قضاياه ومشاكله واحتياجاته التشريعية.

ومن مواقف الغنوشي كذلك، بُعده عن التصوف والحركات الباطنية، وإيمانه بأهمية الدولة؛ لأنّ عبرها سيتمّ تظهير قيم الإسلام وتشريعاته ومبادئه.

أما على مستوى العلاقات الدولية والحضارية فإن الغنوشي يعتقد أنّ الأصل في العلاقات بين الشعوب هو التفاعل الحضاري مع الآخر، وليس الانكفاء والتقوقع على الذات.

كذلك أشار الباحث إلى ما اتّسمت به كتابات الغنوشي من نزعة إنسانيّة، ومناداته بالعدالة المطلقة والمساواة بين أهل الأديان في الدولة الإسلامية في الحقوق والواجبات، وكذلك بين الرجل والمرأة، إلّا في الاستثناءات التي تفرضها طبيعة كلٍّ منهما، كما أكد عليها الفقه الإسلامي.

ومن آرائه السياسية والاجتماعية والتي كانت محل نقاش وردود، دعوته إلى إنشاء الأحزاب المختلفة داخل الدولة، وإعطاء الحريّة المطلقة الفرديّة في موضوع التديّن. وضرورة التمييز بين النصّ الإلهي والإنتاج الفكري البشري. ومن آرائه كذلك رفضه لمقولة صدام الحضارات.

كما أشار الدكتور علوش إلى مفهوم الدولة في فكر الغنّوشي، ورأيه في عدم ارتكازها على الهوية الدينيّة، وأن يتميّز جهازها الإداري بالحياد، وهنا قد يلتقي مع طروحات فصل الدين عن الدولة، وإبعاد الدولة عن التوظيف الديني، إلّا أنّ هذا الطرح قد تغيّر بعد الثورة في تونس وانخراط حركة النهضة في العمل السياسي والمشاركة في الحُكم وتسيير الدولة.

وأخيرًا، أشار الدكتور محمد علوش إلى دعوة الشيخ راشد الغنوشي إلى توسيع دائرة الأمّة، لتشمل المسلم في كلّ أقطار العالم، فجنسيّة المسلم هي هويّته الإسلاميّة، بعيدًا عن التحديدات الجغرافيّة.

 

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة