تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

التعارف الإنساني من منظور إسلامي ..

نزيهه الخروبي

التعارف الإنساني من منظور إسلامي..

دراسة مقاصدية حضارية

نزيهة الخروبي*

* باحثة من المغرب. البريد الإلكتروني: kharroubinaziha@gmail.com

 

 

- رسالة ماجستير في العلوم الإسلامية

- كلية أصول الدين جامعة عبدالمالك السعدي، تطوان - المغرب

- إشراف: الدكتور رشيد كهوس

- الصفحات: 160 من القطع الكبير

- تاريخ المناقشة: 3 أكتوبر 2019م

 

مدخل

يعدّ التعارف الإنساني من المقاصد القرآنية والقيم الإسلامية، بوصفه من أبرز قيم الحضارة الإسلامية وسمات الشخصية الإسلامية المتوازنة، المعزّز للقيم والمبادئ الإنسانية التي هي القاسم المشترك بين جميع الحضارات والثقافات، بغية فتح مجال الحوار والتفاهم والتعاون والتكامل، بعد تصاعد الخطاب التحريضي السلبي الصدامي الذي يؤبّد الصراع الديني والعرقي والقومي والاقتصادي والعسكري والسياسي.

والتخلّص من تبعات عصور الفتن والكراهية والظلم، الذي يسعى إلى تمزيق المشترك الإنساني، ويشعل فتيل الحروب والدمار، الأمر الذي يستوجب إحياء القيم القرآنية التي بها تصلح البشرية، كونها تخاطب الإنسانية وفطرتها وتحقّق حريتها وكرامتها لتأمين حياتها وسعادتها.

بناء على ذلك كان الاشتغال بموضوع قيمة التعارف، مساهمة في بيان هذا المبدأ الذي يراه علماء الأمة أنه هو السبيل لبناء علاقات إنسانية بين جميع الأمم والحضارات.

موضوع البحث وإشكاليته

أما عن موضوع البحث، فقد رسا بعد تصحيح وتصويب من أساتذتي الأفاضل على العنوان التالي: «التعارف الإنساني من منظور إسلامي.. دراسة مقاصدية حضارية»، وهو يهدف إلى بيان التعارف الإنساني بوصفه مقصدًا من مقاصد الخطاب القرآني، في ظل التنوّع والتعدّد مع اختلاف المصالح، كما يبيّن البحث -من خلال آية التعارف- حدَّ التعارف ومفاهيمه ودلالاته، ويسعى لبيان دوائر لتعارف ومقاصده. ويبرز دور التعارف في بناء المشترك الإنساني، موضّحًا القيم المشتركة والمصالح الكبرى التي تسهم في البناء الحضاري للأمة الإسلامية.

لذا فالإشكال المطروح هو: كيف يسهم التعارف -بوصفه مقصدًا قرآنيًّا- في بناء مشترك إنساني؟

من خلال هذا الإشكال المركزي تطرح جملة من التساؤلات من قبيل:

- كيف يمكن بلورة واستثمار المفاهيم القرآنية منهجيًّا ومعرفيًّا في مقاربة الأزمات الإنسانية العالمية؟ ومن ثَمَّ بناء النموذج الحضاري البديل؟

- كيف يسعى التعارف للعالمية في ظل العولمة؟

- كيف يؤسّس مبدأ التعارف للتعايش والتسامح لتحقيق السلم والسلام؟

- هل يعدّ الحوار مقوّمًا رئيسًا للتعارف؟

- وما الموانع التي تقف حجرة عثرة أمام هذا المقصد الرباني؟ وما الحلول الناجعة لإصلاح ما يعيق سعي الأمة نحو البناء الحضاري المنشود؟

- وما هي القيم والمصالح الإنسانية الكبرى المشتركة التي يتأسّس عليها التعارف؟

أهمية الموضوع وأسباب اختياره

تتّضح أهمية هذا الموضوع في حجم المشكلة التي يعالجها. فهو يعالج مشكلة أمة ومشكلة إنسانية. ومعالجته في بيان قيم إنسانية ومبادئ وقواعد عامّة، تصحيحًا لمفاهيم خاطئة كانت من بين أسباب صراعات بين أبناء الأمة وغيرهم من الأمم، وبحثًا عن أرضية مشتركة لنزع فتيل الحرب والصراع.

أما سبب اختيار موضوع البحث، فبعد التقصّي وسؤال أساتذتي، توصّلت إلى أن حاجة الأمة إلى طرح مثل هذه الدراسات، تمشيًا مع عصرنا الحاضر وانسجامًا مع الفكر المعاصر، الذي يستمدّ عطاءه من وحي الرسالة المحمدية. واستجابة لواجب الدفاع عن الدين، بجهد المقلّ والمتواضع، وحاجة الأمة لمثل هذه الدراسات في الوقت الراهن.

أهداف الموضوع

جاءت هذه الدراسة إسهامًا في إبراز الرؤية الإسلامية للتعارف، التي أسّسها القرآن الكريم، وجسّدها الهدي النبوي القويم ومثّلها، وعلى أركان ذلك بنيت حضارة الأمة الإسلامية وذلك من خلال ما يلي:

1- التأصيل الشرعي لقيمة التعارف الإنساني مع بيان القيم الإنسانية التي أرساها الإسلام من خلال التعارف، وفاءً للقيم والمبادئ التي يبدو أنها تآكلت باختيارات الإنسان المعاصر.

2- إبراز القواسم المشتركة بين بني البشر من خلال إظهار فضائل الإسلام في سعيه للتعايش والتسامح واحترام الإنسان.

3- إبراز الوجه الصحيح لتعامل المسلمين مع غيرهم باختلاف انتماءاتهم الدينية والطائفية والثقافية والعرقية.

4- معرفة الهدي الإسلامي على وجه صحيح في معاملة المسلمين لغيرهم في كل مجالات الحياة، وفي الوقت ذاته تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة في جانب العلاقة بين المسلمين وغيرهم من الديانات الأخرى، مع بيان مزايا الإسلام الذي يسعى إلى ضمان الحياة الآمنة للإنسانية جمعاء.

منهج البحث

اقتضت طبيعة البحث توظيف المنهج التحليلي في علاج مشكلة البحث، لكن مدخل البحث تطلّب استخدام المنهج الوصفي أكثر لبيان حقيقة التعارف والإلمام ببعض التعريفات المبيّنة للموضوع.

الدراسات السابقة

أما عن الدراسات السابقة فإن الكتابة في موضوع التعارف، من حيث هو موضوع مستقلّ، لم أعثر -حسب جهدي- إلَّا على أربع دراسات هي: الأولى بعنوان: «منهج التعارف الإنساني في الإسلام» للدكتور حسن الباش. والثانية بعنوان: «السنن الاجتماعية ومنطق التدافع والتعارف الحضاري» للدكتور بوعبيد صالح الازدهار. والثالثة بعنوان: «تعارف الحضارات» للأستاذ زكي الميلاد. والرابعة بعنوان: «فلسفة المشترك الإنساني بين المسلمين والغرب» للدكتور أحمد الفراك. وهي دراسات قيّمة اعتمدت عليها في هذا البحث.

وهناك أيضًا بعض المقالات منشورة في بعض المجلات الإسلامية. وإن كانت هناك كتابات في الموضوع إلَّا أنها لا تشمل كل المحاور التي يعالجها البحث. أما الدراسات في المباحث التي أدرجتها فكثيرة إلَّا أن ارتباطها بالموضوع الأصلي كان شحيحًا، وهو المجهود الشخصي في هذا البحث الذي يتوخّى منه التوظيف الصحيح بغية الوصول للمقصود.

خطة البحث

توخّيًا لتحقيق الأهداف السابقة، ومقاربة الموضوع معرفيًّا ومنهجيًّا، قسّمت البحث إلى مقدّمة وفصلين.

تضمّنت المقدّمة أهمية وأسباب اختيار الموضوع، والإشكالية التي يطرحها الموضوع، والهدف من البحث، مع تقسيم الدراسة والمنهج العلمي المتّبع.

كما خصّصت الفصل الأول لبيان التعارف الإنساني حدوده ودوائره وضوابطه وأبعاده المقاصدية ومقوّماته ومعيقاته، وقسّمته لخمسة مباحث. تناولت في المبحث الأول المفاهيم اللغوية والاصطلاحية والقرآنية للتعارف الإنساني، وفي المبحث الثاني بيّنت دوائر التعارف انطلاقًا من الذات وانتهاءً بالآخر، مع وصف ما أصاب الذات من أزمات تحدّ بينها وبين الانطلاق نحو معرفة الآخر، في ظل الحفاظ على الهوية والسعي نحو العالمية مع تحديات العولمة.

أما المبحث الثالث فتمحور حول الأبعاد المقاصدية للتعارف، بيّنت فيه كيف يؤسّس التعارف للتعايش والتسامح والسلام بوصفها قيمًا ثابتة ومُثُل عُليا تسعى لحفظ مصالح الأمة.

والمبحث الرابع تناولت فيه بالدراسة مسألة الاعتراف بالآخر في ظل الاختلاف، وكيف يمكن أن يكون مقوّمًا من مقوّمات التعارف، باعتماد أسلوب الحوار والتواصل الفعّال بين الأمم والشعوب.

أما المبحث الخامس فبه ختمت الفصل الأول بذكر عوائق التعارف، حدّدتها في اثنين: داخلية تتلخّص فيما تعانيه الأمة من أزمات فكرية ومنهجية تندرج تحتها سائر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع بيان الحلول التي يراها المفكّرون سبيلًا للخروج من هذه الأزمات، وأخرى خارجية وتتمركز في الحواجز التي تقف أمام تحقيق التعارف بين النمطين الإسلامي والغربي، ترجع لعدّة أسباب منها النزعة المركزية المبنية على العنصرية والعرقية، والنزعة الصراعية التي صاغتها النظريات الفلسفية الغربية.

في حين خصّصت الفصل الثاني للحديث عن التعارف الإنساني وأبعاده الإنسانية والحضارية، تناولت في المبحث الأول منه بالدراسة القواسم الإنسانية المشتركة، اقتصرت على وحدة أصل الإنسانية ووحدة الدين بالإضافة إلى القيم الكبرى المؤسّسة للمشترك الإنساني كالكرامة والحرية والمساواة، بوصفها قيمًا إنسانية كونية لا خلاف فيها بين جميع الأمم، ولا تتأثّر بتغيّر الزمان أو محدّدات المكان أو نوازع الإنسان.

كما بيّنت في المبحث الثاني كيف يسهم التعارف الإنساني بوصفه قيمة حضارية في حفظ المصالح الإنسانية العامة وحفظ الكلّيات الخمس بصفة خاصّة، مع بيان اعتماد القيم الإنسانية المشتركة كمدخل للعلاقات الإنسانية باعتبارها منظومة تشمل الكون والإنسان والحياة.

أما المبحث الأخير من الفصل الثاني، فقد تمحور حول الأبعاد الحضارية للتعارف الإنساني ومدى فعالية التعارف في تحقيق العمران البشري، مع إدراج نظرية «تعارف الحضارات» لكونها نظرية من إنتاج إسلامي تنبني على أصل من أصول الدين، منبثقة من آية التعارف التي عليها مدار البحث، وتؤسّس للعلاقة مع الآخر، فتعدّ بذلك إضافة للفكر الإسلامي والثقافة المتّزنة.

وختمت بذكر أهم الخلاصات والنتائج المتوصّل إليها مع بعض التوصيات.

النتائج والتوصيات

لقد سعت هذه المحاولة المتواضعة إلى دراسة قيمة التعارف بوصفه مقصدًا قرآنيًّا، فمن حكمته سبحانه وتعالى أن جعل الناس مختلفين {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}[1]، وجعل هذا الاختلاف لأجل التعارف {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}[2].

والتعارف حين يفتح بابه على العالم أجمع يمهّد الطريق أمام التفاهم والتواصل، يقول تعالى: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}[3]، والتفاهم عندما ينبني على القيم والمبادئ يحقّق التعاون، يقول تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[4]، وبالتعاون تزدهر المجتمعات وتتنافس القدرات لقوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}[5]، حينها تعلو كلمة التدافع لتصدّ الفساد في الأرض، قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}[6]، ويوم تعمّ ثقافة التعارف والتواصل والتفاهم والتعاون والتنافس والتدافع يسهل التعايش فيعم التسامح والسلام.

وقد ختم البحث مادّته بمجموعة من النتائج منها:

1- التعارف مقصد قرآني ومطلب حضاري ضروري لإنقاذ البشرية من ويلات الحروب والدمار.

2- الاختلاف سنة ربانية والاعتراف بالتنوّع وسيلة للتعارف لا سبيل للصدام.

3- التعايش والتسامح لا يعني الذوبان والانصهار في ثقافة الآخر، بل لهما ضوابط وضعها العلماء لحماية ثوابت الأمة وهويتها.

4- الاعتراف بالآخر لا يعني تغيير الهوية والتنازل عن القيم بل مراعاة لسنة الله تعالى في الاختلاف، مع حفظ الحقوق واحترام الخصوصيات الثقافية والدينية.

5- الحوار مع الآخر ضرورة إنسانية فرضتها طبيعة الحياة المعاصرة، وفي الإسلام واجب شرعي وركن رئيس لعملية التعارف الذي يؤسّس للتعايش والتسامح والسلام.

6- إبراز القواسم الإنسانية المشتركة من أجل بناء جسور للتواصل بين مختلف الحضارات والثقافات الإنسانية في ظل القيم الإنسانية الحضارية لبناء عمراني حضاري.

7- إبراز القواسم الإنسانية المشتركة من أجل بناء جسور للتواصل بين مختلف الحضارات والثقافات الإنسانية في ظل القيم الإنسانية الحضارية لبناء عمراني حضاري.

وعلى ضوء ما سبق يمكن الخروج بتوصيات أهمها:

أولًا: بيان حقيقة الإسلام وتنقيته ممّا علق به ممّا ليس فيه. وذلك من خلال تفكيك منظومة الفكر المتطرّف وبيان تهافت الاستدلال والاستنباط، وذلك بالعمل على إبراز المناهج الصحيحة في التعامل مع نصوص الكتاب والسنة.

ثانيًا: ترسيخ مبدأ أن الشريعة إنما جاءت لمصالح العباد في عاجلهم وآجلهم، وأن الرسالة الخاتمة إنما جاءت رحمة للعالمين.

ثالثًا: قيام الجامعات العربية بدراسة الشعوب والأمم وثقافتها وتاريخها وحضارتها ولغاتها.

رابعًا: استخدام المعلوماتية الحديثة في نشر معطيات الحضارة العربية الإسلامية، وتقديم الرواية الصحيحة عن الإسلام.

خامسًا: الانتقال إلى مرحلة التضامن مع أولي بقية يلتزمون بالقيم والمُثُل المشتركة للأخوة الإنسانية، لتكوين «حلف الفضول» الذي ينبذ التمييز والكراهية.

والحمد لله الذي به تتمّ الصالحات.

 

 

 



[1] سورة هود، الآية 119.

[2] سورة الحجرات، الآية 13.

[3] سورة آل عمران، الآية 64.

[4] سورة المائدة، الآية 2.

[5] سورة البقرة، الآية 148.

[6] سورة البقرة، الآية 251.

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة