شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحتضن هذا الكتاب بين جوانبه مجموعة من المقالات والحوارات للناشر الأستاذ محمد عدنان سالم، كتبت ونشرت في عدد من المجلات والدوريات والصحف العربية، مثل (مجلة الكلمة، العالم، صحيفة الأهرام، الحياة، ناشرون، بيان الكتب،...) وغيرها من المجلات الخاصة بعالم الكتب والطباعة. وقد أنجزت تباعاً خلال السنوات الثلاث الماضية (97ـ1999م).
أما المواضيع والقضايا التي عالجتها هذه المقالات والحوارات فهي متعددة ومتنوعة، تنضوي جميعها تحت عنوان: هموم ومشاكل صناعة الكتاب العربي والإسلامي. انطلاقاً من مرحلة الإبداع والتأليف، ومروراً بمشاكل الرقابة والطباعة وصولاً إلى مشاكل التوزيع وتحديات النشر لإيصاله إلى يد القارئ العربي. توزعت مقالات الكتاب على سبعة فصول، في الفصل الأول تحدث عن المشاكل التي تعترض صناعة النشر في العالم العربي، والتحديات المقبلة التي ستواجهها مع حلول القرن القادم، خصوصاً وقد بدأ الحديث يتسع عن تطور وسائل الكتابة والنشر والتوثيق وطرق تخزين المعلومات بشكل عام، ما يؤذن بتراجع وسائل النشر التقليدية وكذلك طرق التوزيع.
في الفصل الثاني تحدث عن رحلة الكتاب من الوراقة إلى الحاسوب، والتحديات التي تواجه الكتاب وسبل تذليلها.
أما في الفصل الثالث فخصصه لصناعة النشر وأزمة الكتاب الإسلامي. في الفصل الرابع تحدث عن معارض الكتاب ومشاكلها وآفاقها، وكيف أنها تفتقر إلى التجديد مما يضعف فاعليتها، بالإضافة إلى تأييده لاقتراح قدم حول إنجاز معرض واحد متنقل للكتاب العربي. في الفصل الخامس قدم وجهة نظره بخصوص مشروع سوق عربية مشتركة للكتابة. وتحدث عن آفاق تحرير عملية نشر وتوزيع الكتاب العربي ليتجاوز جميع الحدود والعقبات التي تحول دون وصوله للقارئ العربي.
أما الفصل السادس فيحتضن حوارات مع المؤلف حول تجربته في صناعة الكتاب باعتباره صاحب دار نشر (دار الفكر) تعرف بغزارة إنتاجها وإصداراتها السنوية، وهمومه باعتباره ناشراً عربياً يدعو لتطوير هذه الصناعة والدفاع عن حقوق كل من المؤلف والناشر. وأخيراً يتحدث في الفصل السابع والأخير حول مجموعة من القضايا ذات العلاقة بالموضوع مثل قضية تخفيض الأسعار والتلاعب الذي يقع أثناء هذه العملية، كما يتساءل حول صناعة النشر هل هي تجارة أم رسالة؟ وكذلك معضلة الإبداع الفكري، ومشكلة إدمان المعارض. وبشكل عام فالكتاب على صغر حجمه إلا أنه مليئ بالمعطيات والتقديرات والمتابعات لواقع النشر وطباعة الكتب في العالم العربي، وأهميته ترجع إلى كون المؤلف من المهتمين بقضايا الكتاب بشكل عام والساعين إلى تطوير صناعته وترويجه وتجاوز جميع العقبات التي تقف أمام وصوله للقارئ العربي.
مما لاشك فيه أن الاستبداد السياسي كان هو السبب الرئيسي في ضمور المباحث الفقهية في المجال السياسي، بل انعدامها، اللهم إلا بعض المباحث العامة المتعلقة بالإمامة والآداب السلطانية، وهذه المباحث هي الأخرى لم تنجُ من الهيمنة والتوجيه والتأثر بأهواء الفرق والملل مما أفقدها في الكثير من الأحيان الصبغة العلمية وجعلها بمثابة برامج وإعلانات حزبية تتأثر بالصراع الدائر آنذاك بين الأطراف المتنازعة، وبشكل عام فالحقل المعرفي السياسي ظل غائباً ومغيباً، ومعه ظلت قضايا الحقوق السياسية للرعية والمواطنين غائبة تماماً هي كذلك، وأما الفكر السياسي الإسلامي فحرم من التطور وظل فاقداً لملامحه الأساسية والتفصيلية، ولم تنتعش هذه البحوث إلا في العصور الحديثة، بعدما تعرضت مجمل الدول العربي والإسلامية للاستعمار الغربي، ومحاولة هذا الأخير استنساخ تجربته السياسية بإنشاء دول قومية تحكمها قوانين وضعية ودساتير، وقد جاء رد فعل المؤسسات الدينية ليعلن بداية التفكير السياسي الإسلامي، واعادة الاعتبار لهذه المباحث التي ظلت مهجورة لقرون خلت.
الكتاب الذي بين أيدينا دراسة تجمع بين التأريخ والتحليل، وقراءة للأحداث السياسية والاجتماعية التي عرفتها كل من إيران والعراق وأسفرت عن قيام حكومات على النمط الغربي لها دساتير وقوانين وتشريعات ناضحة.
بالإضافة إلى تتبع حركة العلماء ومساهمتهم في بلورة نظرية سياسية إسلامية أو على أقل تقدير لاتتعارض مع الإسلام عقيدة وشريعة.
يتحدث المؤلف في القسم الأول عن التجربة الإيرانية، وكيف انفجر الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين، وموقف مرجعية النجف من إغلاق مجلس الشورى، وطبيعة دستور (1905م)، ثم تحدث طويلاً عن مساهمة المرجع الديني النائيني ودعمه للحكم المشروط والتنظير له عبر كتابه «تنبيه الأمة وتنزيه الملة» وكيف اعتبر هذا الكتاب من أهم الأدبيات السياسية الإسلامية في بداية هذا القرن.
أما القسم الثاني فخصصه المؤلف لتجربة العراق، انطلاقاً من إعلان الدستور العثماني، ومروراً بملابسات تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وما واكب ذلك من أحداث كثيرة، مثل الصراع الذي خاضته المرجعية في النجف مع الاستعمار البريطاني، وانتخابات المجلس التأسيسي، وكيف انتكست مشاركة العلماء في الحياة السياسية في العراق، وصولاً لاستكمال انتخابات المجلس التأسيسي العراقي وصدور أول دستور. وبشكل عام فالكتاب محاولة جادة لتتبع تطور الفكر السياسي الشيعي خلال هذه الفترة والوقوف على أهم المحطات البارزة فيه، والتي سيكون لها أثر مستقبلي على التطور الذي حدث في العقود الأخيرة من هذا القرن بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وقيام حكم إسلامي يستلهم الكثير من هذا التراث السياسي الشيعي الذي ظهر وتبلور في بداية هذا القرن.
يحاول هذا الكتاب أن يقدم للأسرة المسلمة في العصر الحاضر، ما تحتاجه من أحكام الحلال والحرام والشرائع، والآداب، والأخلاق، انطلاقاً من النصوص الإسلامية (قرآن، سنة) وسيرة المجتمع الإسلامي الأول، وذلك بهدف وضع أسس صلبة لقيام مجتمع إسلامي معاصر تتحكم في توجهاته ومساراته الشريعة الإسلامية، وهذا لن يتسنى إلا بالاطلاع ومعرفة الأحكام الإسلامية المنظمة لهذا المنحى الحياتي المهم. لذلك يقدم الكتاب دراسة مكثفة لكل ما يتعلق بفقه الأسرة المسلمة، بالإضافة إلى توجيه النقد للانحرافات التي سقطت فيها بعض الأسر نتيجة التحولات الاجتماعية والثقافية والحضارية بشكل عام وتقديم المعالجات الناجعة لحل المشكلات التي نجمت عن هذه الانحرافات والضغوط والتحديات التي تعاني منها الأسرة المسلمة من جراء الغزو الثقافي والإعلامي الغربي.
1ـ متابعة العمل والتوجيه للإبقاء على نظام الأسرة الإسلامية المحضة من الداخل، وذات المناعة القوية أمام التيارات الخارجية، والتحديات الجديدة لإفساد نظام البيت المسلم.
2ـ توعية جميع أفراد المجتمع وإشعارهم بأن السعادة والخير لن يتحققا إلا بالحفاظ على وجود الأسرة المسلمة كما أرادها الإسلام وخططت لها شريعته.
3ـ التأكيد على تفوق التشريعات الإلهية في مجال الأسرة وغيرها من المجالات على القوانين الوضعية، وكونها أكثر انسجاماً مع الفطرة الإنسانية وبإمكانها أن توصل الإنسانية إلى السعادة والإستقرار والأمن المطلوب.
وغير ذلك من الغايات والأهداف التي تنتصر بالجملة للتشريع الإسلامي الأسروي، وقد جاء كل ذلك من خلال تمهيد وأربعة فصول.
في التمهيد تحدث المؤلف عن الوحدة الإنسانية ومعنى الأسرة وأهميتها وبعض المشاكل التي تتخبط فيها في العصر الراهن وما يتعلق بها من نظم تربوية وشرعية. أما الفصل الأول فقد خصصه للحديث عن معالم بناء الأسرة المسلمة، وفي الفصل الثاني عالج مسألة الحقوق الخاصة والعامة لأفراد الأسرة. ثم انتقل إلى مناقشة الأنشطة المختلفة للأسرة المسلمة. في الفصل الثالث، وأخيراً تحدث بإسهاب عن مشاكل نهاية الحياة الزوجية وقضايا الطلاق وما يترتب عليها من حقوق وتشريعات وآثار وهذا ما عالجته بحوث الفصل الرابع.
تعتبر منطقة شرق المتوسط ملتقى حضارات متعددة ومتنوعة، فقد تفاعلت فيها وتداخلت أديان وثقافات وأجناس مختلفة، وسكنت المنطقة شعوب مختلفة كذلك وتعرضت المنطقة إلى غزوات وهجرات بشرية على امتداد تاريخها الطويل، كل ذلك أسفر عن قيام واقع حضاري متنوع ومتداخل بشكل كبير على جميع المستويات العرقية والفكرية، وهذا التعدد الإثني الثقافي يكشف بدوره عن وجود أكثريات على المستويين كذلك الديني والعرقي إلى جانب أقليات عرقية ودينية.
في هذا الكتاب يحاول المؤلف فايز سارة مقاربة واقع الأقليات أو الجماعات القومية الخمسة التي تتواجد في هذه المنطقة وهي: الأكراد، الشركس، التركمان، الأرمن والآشوريين. وذلك للوقوف ـ كما يقول ـ عند ملامحها وعلاقاتها وروابطها بشرق المتوسط شعوباً ودولاً، والطموحات التي تتوالى في صفوفها وفي أوساط نخبها. في محاولة لقراءة واقع الأقليات والعلاقات الإثنية في شرق المتوسط وأفق تطورها.
وفي الخاتمة يتحدث المؤلف عن بعض الاستنتاجات والملاحظات المتعلقة بكل جماعة قومية، مثل قوله بأن الأكراد لهم مطالب سياسية تتلخص في سعيهم الحثيث لإنشاء دولة قومية، أما باقي الأقليات فإن مطالبهم أقل تواضعاً وتقتصر على المطالبة بحقوق سياسية وثقافية في إطار الدول التي يعيشون داخلها، كما أن هناك أقليات أخرى ليست لها مطالب محددة وواضحة، لكن بشكل عام فالتقدم والتطور داخل هذه الدول الحاضنة لهذه الأقليات لن يتحقق إلا بمشاركة هذه الأقليات واستثمار هذا التنوع الإثني والفكري بشكل إيجابي يتناغم مع وجود أكثريات هي كذلك تتقاسمها عرقيات وأديان مختلفة.
عند البحث في نشوء وتطور المؤسسات الأهلية المختلفة داخل الدولة الإسلامية نجد أن التطوع والتبرع الشخصي بالمال والجهد قد لعب دوراً أساسياً في هذا النشوء والتطور، وذلك راجع لعدة أسباب على رأسها الدين الإسلامي الذي حث المؤمنين على الإنفاق والتبرع لأعمال الخير والتسارع والتنافس على إنجاز المشاريع ذات النفع العام، لأن أجرها الأخروي كبير جداً وهي من الأعمال التي تعتبر صدقة جارية بعد وفاة صاحبها، لذلك انتشرت ظاهرة التبرع والإنفاق لإنشاء بعض المؤسسات الخيرية المهمة مثل الفنادق لإيواء عابري السبيل والحمامات والمستشفيات وأماكن العبادة المختلفة، والمدارس للتعليم، وسكن الطلبة والمتفرغين للتحصيل العلمي، بالإضافة إلى إنشاء صناديق تجمع فيها التبرعات لمساعدة المحتاجين والفقراء وتزويج العزاب.
أما الكتاب الذي بين أيدينا فيهتم فقط بتتبع عملية التطوع والتبرع الخاصة بالمدارس التعليمية وكل ما يتعلق بمجال التعليم، فقد لعب التبرع والإنفاق في هذا المجال الحيوي دوراً فعالاً وأساسياً ـ كما يقول المؤلف ـ في تنمية وتطوير الحياة العلمية والثقافية في المجتمعات الإسلامية، وتحويل بعض المدن والأماكن إلى مراكز كبرى احتضنت النشاط العلمي والإبداعي لعدة قرون. وكان لها التأثير المتعاظم والكبير على ما حولها من المناطق. وقد ساعد هذا التبرع والإنفاق في سبيل الله على تشجيع العلم والعلماء، وتشييد المدارس لسكن ودراسة الطلبة، وساعد كذلك على إنشاء المكتبات وتزويدها بالكتب والنسخ المطلوبة للمطالعة والتدريس، وتزويدها كذلك بكل الاحتياجات الأخرى، وهذا كله شجع على ازدهار حركة التأليف والإبداع في جميع المجالات العلمية والفكرية والدينية، وحقق في النهاية النهضة العلمية الكبرى التي عرفتها الحضارة الإسلامية، من هذه الأماكن التي ازدهر فيها النشاط العلمي بفضل التبرع والتطوع الشخصي لمجموعة من أفراد المجتمع مثل التجار والأغنياء ورجال السياسة من حكام وأمراء ووزراء ذكر المؤلف. مراكز: المدينة المنورة، الكوفة، خراسان، مركز قم والري، بغداد، النجف، القاهرة.. طبعاً كانت الدولة تشارك في تأسيس وإشادة مثل هذه المؤسسات لكن المؤلف يؤكد على أن دور أهل الخير والبر وأصحاب الفضل والإحسان كان كبيراً في إشادة هذه المؤسسات ودعم استمراريتها وقد تحدث المؤلف بالتفصيل عن مظاهر هذا الدعم والأمثلة التاريخية على ذلك من خلال التعليم، التأليف، بناء المدارس، إنشاء المكتبات، عقد مجالس المناظرة، الإنفاق على طلبة العلم والمشتغلين به، ومن خلال ذلك استطاع أن يسلط الضوء على هذا الحق والمجال المغمور ليقدم النموذج والمثال الذي يفترض أن يحتذى ويستمر في الوقت الراهن لأهميته الحضارية.
يرى الكاتب أن الاهتمام قد انصب بشكل كبير على قراءة ودراسة مقدمة ابن خلدون فقط، أما الاهتمام بنص تاريخه الذي كتبه بعد هذه المقدمة فقد كان ضعيفاً ولم ينل العناية الكافية والمطلوبة، لذلك يقوم الكاتب باقتطاف مجموعة من النصوص الخاصة من تاريخ ابن خلدون ويعرضها للقارئ بهدف تقديمها تقديماً يتوخى ـ كما يقول ـ لفت القارئ إلى معلم تراثي هام في نفسه وفي ما يبديه من أوليات النظر التراثي في التاريخ ومادته مما هو خاص بعصر أو جيل حسب العبارة الخلدونية التي قلما تقتدي بها الدراسات الحديثة. وتشجيعهما على عدم الاكتفاء بالنظر إلى العلم وكأنه صنم تستودع فيه معاني وإحالات سابقة على السبر والنظر والتدبر..
كما توخى من عرض هذه النصوص المطولة «تقديم مسح متكامل لحجم المنظور التاريخي الخلدوني ولأسسه البنائية والمفهومية المركزية» ما يساعد القارئ على التعاطي مع النص التراثي بعقلانية، أما النصوص المختارة فقد احتفظ المؤلف فيها بالتسلسل الزماني لدول العرب والبربر كما جاء في تاريخ ابن خلدون وذلك لإعطاء القارئ ـ كما قال ـ فكرة متكاملة عن سياقات رواية التاريخ وعن حجم وسعة المنظور التاريخي عند ابن خلدون وغيره ممن رتب الأخبار على السنين مثلاً، وتقديم النصوص التي تفيد بالسياقات الإجمالية لبنية كتاب العبر والتي تفيد تالياً بمفهوم التاريخ ومفهوم التأريخ في الفكر العربي الوسيطي.
يتكون الكتاب من ستة فصول، الفصل الأول استعرض فيه نصوصاً حول أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم، وفي الفصل الثاني استعرض نصوصاً حول النبوة والملك وأورد أخبار النبي إبراهيم (ع) ونبي إسرائيل عيسى بن مريم (ع). أما في الفصل الثالث فخصصه لدول العجم من بابليين وفرس ويونان ورومان وبيزنطيين وإفرنجة وصليبيين، وتحدث في الفصل الرابع عن العرب وبعض من عاصره. وفي الفصل الخامس استعرض بعض النصوص المتعلقة بالبربر وبعض من عاصرهم، وأخيراً خصص الفصل السادس للملاحق التي تحدث فيها عن آراء المعاصرين لابن خلدون فيه. وعلاقة ابن خلدون بتيمور لنك، وابن خلدون شاعراً..
تكاثرت الدعوات المعاصرة للاهتمام بالتأويل باعتباره المنهج الذي سيتمكن من معالجة الفشل الذي منيت به المناهج الأخرى مثل البنائية والتفكيكية وغيرها من المناهج التي كشف عنها التطور العلمي في الغرب، وتحدث البعض عن تزايد الحاجة للتأويل باعتباره نظاماً عاماً تحتاج إليه قراءة النصوص المقدسة خصوصاً، لأنه المنهج الوحيد القادر على استنطاق هذه النصوص، وسبر أغوارها وكشف الأوجه المتعددة المتوارية خلف منطوقها وظاهرها، والكتاب الذي بين أيدينا دعوة صريحة وملحة لاعتماد التأويل كمنهج لقراءة النص التراثي والمعاصر، بل تأكيد على أن بدون التأويل لامجال للحديث عن إحياء أو تفعيل للثقافة العربية، يقول المؤلف: «التأويل إحياء لثقافتنا بل لا إحياء دون تأويل ثقافتنا العربية لاسبيل إلى أن تعرف معرفة نامية دون هذا النشاط.. بل ويؤكد بأن «التأويل هو طريقنا إلى الحياة» لأن التأويل في نظره وكما عرضته الفنومنولوجيا والفلسفة الوجودية «قرين البحث عن الهوية وتجدد الهوية». كما أنه لايقدم إجابات حازمة أو جازمة وإنما يساعد القارئ على المساءلة واستثارت العقل لتمزيق الأقنعة والكشف عن الحقائق الذاتية والموضوعية، وباختصار شديد، لاتقتصر أهمية المنهج التأويلي على طرح الأسئلة وكشف الأقنعة وإنما يفتح أمامنا أفقاً واسعاً وعميقاً نستطيع من خلاله أن نعيد اكتشاف التراث والهوية والخصوصية، ويقدم لنا معطيات جديدة تفيدنا في بناء المستقبل مادام التأويل يعتبر «أهم عملية من عمليات التفكير»، بل إن الحياة كما يؤكد المؤلف هي نفسها «عملية مستمرة من التأويل».
يحتوي الكتاب على تسعة فصول وخاتمة، خصص الفصل الأول للحديث عن دائرة البحث ومناهجه، والفصل الثاني لمعالجة ثنائية اللغوي والنفسي وروح العصر، وفي الفصل الثالث تحدث عن الفهم الإنساني والعلمي، أما الفصل الرابع فناقش قضية فلسفة الكينونة وتأصيل التأويل، وفي الفصل الخامس تحدث عن الخروج على الاستطيقا وانصهار الآفاق، وعالج في الفصل السادس مسألة العلاقة بين الفنومنولوجيا والتأويل، أما الفصلان السابع والثامن فخصصهما للحديث عن: ثقافتنا والتأويل وأخيراً تحدث في الفصل التاسع عن مواجهة اللغويات البنائية.
بدأت السير الذاتية تأخذ مكانها وموقعها ضمن الكتابة الأدبية العربية، باعتبارها جنساً أدبياً مهماً لما يحتضنه من فنون القول الأدبي الذي يستطيع أن يجمع بين الإبداع الفني المحض والمضامين الايديولوجية المتعلقة سواء بالوقائع والأحداث الموضوعية التي عايشها صاحب السيرة أو المعاناة والتجربة الذاتية التي يتداخل فيها الموضوعي بالذاتي وينجم عن ذلك كينونة خاصة تستحق أن تقرأ باعتبارها مرحلة من مراحل تطور جيل أو طبقة أو مجتمع خصوصاً عندما تتعلق هذه السير بحياة مثقفين كبار أو سياسيين أو رجال كان لهم شأن اجتماعي أو سياسي وثقافي بشكل عام.
في هذا الكتاب يقوم الناقد صدوق نور الدين بدراسة نقدية لسير مجموعة من المفكرين والمثقفين الذين عرفتهم الساحة الأدبية والفكرية العربية وأثروا فيها خلال النصف الأخير من هذا القرن، والغرض من ذلك كما يقول الكاتب «للوقوف على رؤية جيل، طموحاته وتصوراته للنهضة والتقدم». أما المنهج المتبع في هذه الدراسات النقدية فهو المنهج التطبيقي..
أما أصحاب السير فهم، زكي نجيب محمود، لويس عوض، إحسان عباس ومحمد عابد الجابري، وهؤلاء جميعاً يمثلون حالات من التفكير خاصة. استطاعت أن تطبع الفكر والثقافة العربيين بطابع خاص. كما أن هؤلاء تمكنوا من تدوين سيرهم الذاتية التي كشفت عن رؤية جامعة للمفكر والمثقف والأديب بحكم اهتماماتهم المتنوعة. كما أن فترات حياتهم جاءت متقاربة واستطاعوا أن يعايشوا أهم الأحداث التي عرفها العالم العربي خلال النصف الثاني من هذا القرن. لقد عايشوا المطالبة بالحرية والنهضة والتقدم كما «أتيحت لهم مواكبة التراجعات بخصوص بلدانهم وعلى ذات المستويات..».
ومن خلال «حصاد السنين» لزكي نجيب محمود و«غربة الراعي» لإحسان عباس، و«أوراق العمر: سنوات التكوين» للويس عوض، و«حفريات في الذاكرة» لمحمد عابد الجابري، استطاع المؤلف أن يجيب عن مجموعة من الأسئلة النقدية حول: الجنس الأدبي، قواعد الكتابة، وصف النص، الزمن الروائي، الذاكرة ومنطق الترتيب، دلالات الشخصية، حدود الوعي بالكتابة.. وغيرها من المواضيع ذات العلاقة بالنقد الأدبي وآليات الكتابة المتعلقة بهذا الجنس الأدبي الذي بدأ يتسع ويأخذ مكانه في خريطة الإبداع الأدبي العربي.
يحتضن هذا الكتاب ثلاثة مقالات كانت قد نشرت في فترات زمنية مختلفة، المقال الأول وهو بعنوان: «الوعي العربي ودائرة المتاهات» نشرته مجلة العربي الكويتية في عدد (أيار/ مايو 1995)، أما المقال الثاني: «الظاهرة الإسلامية: محاولة تعليل مختلف لنشوئها» فقد نشر قسم منها في جريدة الحياة اللندنية (سبتمبر 1997م) ونشر المقال الثالث والذي جاء تحت عنوان «الإسلام السياسي الجزائري: الصعود والهبوط الدراماتيكيان» في الجريدة نفسها بتاريخ (11 أيلول/ سبتمبر 1998م).
أما بخصوص المواضيع أو المحاور الأساسية التي تعالجها هذه المقالات الثلاث فهي ـ وحسب المؤلف ـ تشكل نغمة أصيلة في سيمفونية الحقبة الراهنة، ذلك أنها إذ تصور حالة الشعوب العربية وهي تكابد عملية الخروج من عنق الزجاجة الحضارية، واللحاق بإيقاع العصر، كما تصور القسمات وتبرز الملامح السياسية للحقبة الراهنة، وبصورة حصرية عقديها الأخيرين الثمانينات والتسعينات، وتصوغ عدداً من التوقعات عن مآل الحركة السياسية الإسلامية، وذلك في فترة صعودها السياسي والكفاحي، أي منذ العام 1994م.
والمؤلف لايقدم توقعات جديدة وإنما يتحدث عن رغبة أو أمل ويتساءل هل يجوز لنا على طريقة المنجمين، التوغل في أعماق القرن الواحد والعشرين الذي يطرق الباب، فنتخيل العالم العربي يسير في المقدمة إلى جانب الأمم القوية، يتبارى معها ليس على صعيد المواد الأولية، بل على صعيد الرأسمال العلمي وتطبيقاته المتسارعة.. والتي هي خليقة بعالم وحضارة ذلك الزمان كاسراً بذلك دائرة المتاهات المغلقة التي انحبس فيها وعيه طويلاً، مهتدياً إلى طريق الخلاص...
قد يظن القارئ لأول وهلة أن الكتاب موجه للهجوم على المثقف، لكن المؤلف يرد على هذا الظن بأن فصول هذا الكتاب إنما هي دفاع صادق عن المثقف، أما الهجوم فيقتصر على الجانب الدعوي في شخصيته، فهو هجوم إذن على الداعية والدعوية التي ازدهرت في الثقافة العربية «وكثر فيها الدعاة من المتقولة المتخرصين بما يفيض عن حاجتها لشطح القول والنظر..».
لقد تناسل وتكاثر الدعاة وباتوا ـ كما يقول المؤلف ـ يحتلون المشهد كاملاً بألوان الطيف كافة: الاشتراكية، والقومية، والوطنية، والليبرالية وهلم جراً.. لذلك يدعو المؤلف بل يطالب الداعية بأن ينسحب من المشهد بهدوء فقد آن الأوان لكي يلتزم الصمت ويفسح المجال «للمثقف الباحث» لكي يزود الثقافة بما تحتاجه، إن المرحلة كما يرى المؤلف، لم تعد تتحمل ثرثرة الداعية ومهاتراته الكلامية وإدعاءاته الكثيرة.
أما من هو المثقف ومن هو الداعية، وما هي الأدوار التي بات على كل واحد منهما أن ينخرط في أدائها وتحمل مسؤولياتها فإن الفصول الأربعة في الكتاب قد اهتمت بتفصيل القول فيها وفي غيرها من المواضيع ذات العلاقة بالموضوع.
تحدث المؤلف عن أمراض المثقفين وعن حلول زمن المراجعة لحصاد مرٍّ، وعن ورطة الداعية، وتحولات نسق القيم وعلاقة ذلك بالثقافة، كما تساءل عن دور المثقف وهل انتهى؟ وأخيراً وتحت عنوان ما بعد الداعية قدم خلاصة لما يجب أن يكون عليه وضع المثقف الذي رغم فداحة النتائج النفسية للانهيارات الكبرى التي أطاحت بطوبى المثقف الملتزم، فإن الأوان لم يفت بعد لبعث الحياة في رسالة الالتزام التي حملها يوماً.. لكن شريطة أن يتنازل عن الإدعاء والدعوية ووضع نفسه في مقام وموقع من يملك حق إملاء الواجب على الجميع، لم يعد مطلوباً منه ـ كما يقول المؤلف ـ أن يدعي ذلك، ولا أحد لديه الاستعداد لكي يصدقه في دعواه، لم يعد مطلوباً منه أن يكون مسيح العالم الذي يملك خلاص البشرية، والشعب، والأمة، والطبقة.. أصبح مطلوباً منه أن يكون مثقفاً فحسب، أي فاعلاً اجتماعياً يسمح له الاختصاص بأن يجتهد في تفسير العالم والمحيط الاجتماعي، لتقديم معرفة أكثر رصانة وشمولاً عنه..
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.