تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

الفكر الإسلامي المعاصر وقضايا المستقبل

عبد الواحد علواني
الكتاب: الفكر الإسلامي المعاصر ورهانات المستقبل
الكاتب: محمد محفوظ
الناشر: المركز الثقافي العربي، بيروت
الصفحات: 271 من القطع الكبير
سنة النشر: ط1، 1999م

[1]

ندرة الدراسات المستقبلية في العالم الإسلامي، أمر واضح وجلي، وإن لم يكن مثاراً بالطريقة التي تتناسب مع خطورة هذه الندرة، مع أن سمة العصر هي التخطيط للمستقبل، والتجاوز المباشر لكل إنجاز تم تحقيقه،‏نحو فضاء أرحب وأعمق وأدق وأفضل! وذلك عبر دراسات مستقبلية،‏تعتمد قراءة الواقع وما يختزنه من وقائع مضت، أو مازالت قائمة،‏لتحديد ميكانيزما متجددة، تهيئ الفرد والمجتمع لإبداع واستقبال تطورات حديثة تكنولوجياً ‏أو فكرياً ‏أو اجتماعياً .. الخ.
ولعل أبرز مثال نعايشه هذه الأيام مفهوم الألفية الثالثة (وهو رائج هذه الأيام لدرجة ارتباطه بالنشاط التجاري المباشر وأنماطه الاستهلاكية،‏كالإعلان عن سلعة ما مع ربطها بالألفية الثالثة وكأنما من لم يقضم بسكوت الألفية الثالثة،‏أو لم يغسل يديه بصابون 2000، سيبقى مغروزاً في الألفية الماضية) ومع أن هذا المفهوم لايعني شيئاً ‏واضحاً ‏بالمعنى التاريخي أو المعنى الاجتماعي أو من تقلب في النظام الكوني أو غير ذلك، إنما هو انعطاف إصطلاحي فارغ، إن لم يرتبط بخطط ودراسات تطمح إلى تحقيق ما هو أفضل.
هذا المفهوم،‏يكاد يطغى على كل الدراسات والمقالات الفكرية عندنا في العام المنصرم والحالي، مع أنه كان في ذروة اختماره منذ ربع قرن..‏وحتى على صعد مختلفة. وأذكر ـ عندما كنا صغاراً ‏ـ نتابع بعض المجلات المترجمة والتي كانت تتحدث عن العالم سنة 2000 وبداية الألفية الثالثة،‏والثورات التكنولوجية الهائلة المتوقعة وغير ذلك.
ومع ندرة الدراسات المستقبلية عند المسلمين، نجد أن معظمها تعود لتتكئ على الأمنيات العذاب، والأحلام التي لاتملك رصيداً في الواقع، فعندما ألف روجيه غارودي كتابه (الإسلام دين المستقبل) وجد صدى كبيراً عند جمهرة المثقفين الدينيين، لأنه دغدغ أحلامهم الأثيرة والمحبطة، فجاءهم الصوت القادم من عمق الثقافة الأوروبية،‏والمتشرب لأفكارها القديمة والحديثة،‏ليعلن أن الإسلام دين المستقبل بل ويعلن هذا الصوت ولاءه وبصوت عال للدين الذي خذله أبناؤه بشكل أو بآخر. ولكن السمة الأساسية لهذا الخطاب كانت محاكاة الخطاب التقليدي الإسلامي، لذلك فإن أول من احتفى به كان التيار التقليدي الإسلامي، ومازال الحلم جامداً على حاله منذ ما يقارب العقدين،‏ولو عدنا لقراءة هذا الكتاب، لوجدنا أنه لايزال موافقاً للخطاب الإسلامي التقليدي، والذي هو أكثر الخطابات الإسلامية انتشاراً وتأثيراً ، ومازال منظرو هذا الإتجاه يؤملون أتباعهم بغد لن يأتي قريباً .. ولن يأتي ونحن على ما نحن عليه.

إن الدراسات المستقبلية لاتبنى على أساس الأمنيات، وإلا كانت مجرد عبث وأحلام... وهي تتطلب خططاً عملية طموحة وإرادات فاعلة وجهود كبيرة وواسعة.. ولعلنا نجد في اقتداء التجربة اليابانية في مقتبلها، بالتجربة المصرية الوليدة،‏درساً بليغاً في كيفية بناء المستقبل. فقد استطاعت التجربة اليابانية أن تهضم انجازات النهضة الوليدة في مصر، وتمكنت من تجاوزها، والدخول في منافسة قوية مع عمالقة العالم في عصرنا هذا، بل استطاعت أن تستنزف قدرات أعدائها، وأن تجاريهم في مختلف الميادين،‏دون أن تخسر قيمها الأساسية وروحها التاريخية المتمثلة في خصوصيتها، وحتى واقع العولمة وما تبثه من قلق عند الكثير من الثقافات،‏يبدو بالنسبة لها أمراً ‏هامشياً ‏وهي الواثقة من قدرتها على المحافظة على خصوصيتها. وهذا دليل على عظمة الدراسات المستقبلية التي أنجزها المخططون اليابانيون، والتي أتت أُكلها على أحسن وجه، وظهر جلياً أنها احتسبت في منهجها النهوض والمواكبة والتجاوز أيضاً ، وليس مجرد محاولة اللحاق بركب الحضارة كما هو الحال عند أكثر المثقفين المسلمين طموحاً وأملاً .
فالدراسات المستقبلية، وإن كانت تعتمد على منظومة قيمية تربط الفرد بمجتمعه، وتدفع المجتمع للحفاظ على كرامة الفرد، إضافة إلى القيم الأخلاقية والسلوكيات الحضارية وما إلى ذلك،‏فإنها تنطلق أيضاً ‏من نظرة دقيقة تأخذ في حسبانها الإمكانات،‏المتوفرة بأنواعها ومايمكن أن تفضي إليه، إضافة إلى تطوير هذه الإمكانات لتكون زاداً للتطور والتقدم المستمر. والإمكانات المقصودة هنا هي إمكانات متعددة،‏منها ما يتعلق بمنظومة التفكير وطرائقه..‏واستثمار المتاح منه مع تكريس الجديد اللازم، ومنها ما يتعلق بتوفر المواد الأولية والثروات الطبيعية.. ومنها ما يتعلق بالقدرات العلمية والتطبيقية وغير ذلك. لذلك فإن الرهان على جانب دون الجوانب الأخرى يكون رهاناً خاسراً .

[2]

يشكل الجانب الفكري في فكر معظم المثقفين الجانب الأكثر أهمية،‏فمعظم الدراسات والأبحاث تحاول تحليل هذا الجانب، وحقيقة هذه ممارسة إسلامية في الصميم، لأن صلاح الأمة مرهون بصلاح الفرد، وصلاح الفرد ينبني على تربيته وزرع القيم الأصيلة في نفسه وفكره، ولذلك يكون للجانب الفكري أهميته وأولويته، ولكن الجانب الفكري بقي يداور في مكانه ولا يتعرض إلى الإمكانات الحقيقية المتاحة، بل إنه بقي رهن فهم خاطئ لكل نهضة سابقة،‏سواء أكانت نهضة دينية أو قومية أو غير ذلك، وحتى في تحليله للنهضة،‏راهن على تقليد حرفي أو تطابقي لايمكن تحقيقه لاختلاف الظروف والأحوال من زمان ومكان ومعرفة وتقاليد وما إلى ذلك! أي حاولت تقليد شكل حضاري خارج دورته الحضارية، فمثلاً ‏يمكننا أن نستقي العبر والدروس من النهضة الأوروبية ولكن لايمكننا بأي حال من الأحوال أن نسير في ركابها، لأن الشروط الموضوعية والتاريخية مختلفة كلياً ، إضافة إلى الاختلاف الكبير في القيم وطبيعة الثقافة،‏ولذلك لايمكننا أن نشبه بداية القرن الخامس عشر الهجري عند المسلمين ببداية القرن الخامس عشر الميلادي في أوروبة،‏على النحو الذي نهجه بريان بيدهام في معرض تعليقه على هنتينغتون ووجد صدىً عند بعض مثقفينا.
ومع ذلك تبقى لكل دراسة جادة حول مستقبل العالم الإسلامي أهمية استثنائية،‏وخاصة إذا قامت على تحليل الواقع الإسلامي وطبيعة الأفكار الموجودة داخل هذا الواقع،‏ومن هذا القبيل كتاب (الفكر الإسلامي المعاصر ورهانات المستقبل) للأستاذ محمد محفوظ، وهذا الكتاب ثري بالموضوعات المزمنة والحساسة بالنسبة للواقع الإسلامي المعاصر، ومن الواضح الجهد الكبير الذي بذله المؤلف في هذا الكتاب، والذي يتوزع على مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول مسهبة،‏ثم خاتمة تجمع خيوط ما سبق في نسيج واحد.
في مقدمته يعلن الأستاذ محفوظ عن الخطوة الأولى للتفاعل مع قضايا العصر وآماله ومطامحه الكبرى والتي هي اكتشاف اهتمامات الفكر الإسلامي. ذلك أنه يجد أن المضامين الفكرية التي يشتغل عليها الفكر الإسلامي المعاصر إنما هي لتوجيه حركة الراهن نحو صياغة مستقبل الأمة ويعتبر أن الاستقالة من هذه المهمات يعد خروجاً ‏من حركة التاريخ (ص5). أما في تمهيده المسهب والذي يبدو وكأنه حشد لما سيرد في سياقات منفصلة في الفصول التالية،‏فإنه يبدأ بنقد التفسيرات والنظريات التي تحاول اكتشاف الأسباب والجذور الحقيقية للأزمات والمشكلات الكبرى التي يعاني منها الواقع العربي والإسلامي (ص11)، ويضع اصطلاحات يقوم بتعريفها،‏وذلك لتحديد الأنماط الفكرية السائدة وميكانيزما هذه الأنماط، وينطلق ليحدد عائقاً أساسياً أمام المشروعات الفكرية التي تهمل هذا العائق.. وهو الجمود الفكري والمجتمعي (ص15)، فيعتبره مسبباً لوأد المشروعات الفكرية. وهذه الأمر فيه لبس إلى درجة ما إذ يمكننا اعتباره نتيجة أكثر من كونه سبباً ، ولايمكن اختصار العوائق بكلمة أو عبارة مختزلة إلى هذه الدرجة. وإذ ينطلق الأستاذ محفوظ في تفسيره للمصادرة التي يصدر بها هذا المقطع من التمهيد، يعرج على بعض مظاهر وأسباب الجمود فيذكر مثلاً روح التقديس والأفهام البشرية التي دونها السابقون (ص15)، والعناية بالمجادلات اللفظية على حساب الروح العلمية والموضوعية..‏مما أدى وأغرى المجتمعات بالإنفلات والخروج من حصار الجمود إلى الاندماج والتبعية مع الدول والحضارة الغالبة (ص16).

وحقيقة إن هذا الكلام لايرتكز إلى أسس علمية، ويبدو بعيداً عن وضع تصور منطقي للمشكلة، ويكفي أن نتساءل: هل المجتمعات هي التي انفلتت وخرجت على حصار الجمود؟ وهل يمكن إرجاع عملية التبعية والتغريب والتقليد إلى هذا السبب؟! لا..‏لايمكننا اختزال المشكلة بهذه الطريقة، ويبدو هذا التفسير متناقضاً مع الجهد الطيب الذي يبذله الباحث عندما يلمس الجراح العميقة. ويمضي الباحث في تمهيده الذي يتعرض عبر أقسام تتناول العلاقة المعرفية المستمرة للفكر العربي الإسلامي مع الثقافات الأخرى،‏وحول التنوع الذي لايتضاد مع الانسجام العام والأهداف الكبرى، وحول أهمية التسامح والقبول بحالة التنوع الثقافي والاجتماعي وكيف يحول انسداد أفق الحرية دون خروج المجال العربي الإسلامي من الانغلاق والتعصب والعنف (ص26)، ويستمر في الحديث عن العقلية المتعصبة وكيف تمهد هذه العقلية للعالم المتربص بنا للتمكن منا والتحكم بمقدراتنا ومصائرنا. ويعدد الأستاذ محفوظ الثالوث الخطر للصراع غير المتكافئ وهي نقاط مهمة: تتمثل في التخلف والاستعمار والتجزئة، ثم يعدد عناصر صناعة التاريخ والمواكبة الحضارية:
1ـ علاقة واعية وراشدة مع التاريخ (ص35).
2ـ علاقة حضور وشهود على الواقع والحاضر بدل الهروب والانسحاب من شؤون الراهن وقضاياه. (36)
ويدخل الأستاذ المحفوظ في المجال الإصطلاحي ليعرف الهوية ويحاول من خلال هذا المصطلح الولوج إلى عمق أزمة الهوية فيقول: فالهوية ليست واقعاً مجتمعياً ناجزاً ، وإنما هي قيم الأمة الجوهرية التي يتجدد فهمها بفعل الإنسان وفهمه وإدراكه وديناميته، وقدرته على تحدي مشكلات عصره. (ص44)

[3]

وبعد هذا التمهيد نجد الفصل الأول وهو ما يتعلق بالتجديد وسؤال المستقبل، ليستعير الأسئلة الأساسية لحقبة التسعينات من القرن الماضي وهي:
1ـ كيف نتعامل مع الأفكار.
2ـ منهج قراءة النص الإسلامي.
3ـ التجديد الثقافي في المشروع الإسلامي الحضاري.
وهذه القضايا الثلاث أشبعت بحثاً ‏ودراسة، عند عدد لايستهان به من مختلف التيارات الفكرية الإسلامية والقومية، طيلة حقبة التسعينات وما قبلها أيضاً ، وما نجده هنا (في كتاب الأستاذ محفوظ) هو إعادة إنتاج توفيقية تحاول نفي التضاد، وربط المسارات الفكرية بوشائج عامة لاتضعها في مواجهة بعضها بعضاً . ولانظن أن المشكلة في التنظير لهذه المسائل، التي هي بحد ذاتها تتطلب إمكانات كبيرة غير متوافرة، وهذه مشكلة المشكلات في الفكر الإسلامي، لأنه حقيقة منفصل عن واقعه، لايخاطب المسلم المعاصر الذي هو من لحم ودم، ويحيا في ارض هذه الأمة بكل أرقه، سواء أكان من الموسرين أم من المحرومين، المسلم الذي يعاني الأمرين من ظروف الحياة، ومن ضياعه وانجرافه في تيار العصر دون إرادة، تابعاً ذليلاً ، ما من شك بأن المسلم لايزال إحساسه بوحدة المصير مع كل مسلم ومستضعف أيضاً ، ولكن صوته أخمد حتى لم يعد له صوت، ومن نصبوا أنفسهم صائتين عنه،‏استهلكوا صوته في التنديد والاحتجاج والحميات الفارغة.
مثال ذلك الانفصام الهائل في داخل معظم المسلمين،‏الازدواجية الشاملة التي تسيطر عليهم وهم ينتقدون غيرهم بوصفهم بالازدواجية، فالمسلم القابع في الجامع ينصت للخطيب، يكون غالباً ممن يتمنون تطبيق كل ما يقوله وبطوية حسنة، ولكن مع ذلك نجده يخالف بكثير أو قليل، بكبيرة أو صغيرة، فيكون شخصاً ‏آخر بعد خروجه، ودون أن يفطن هو إلى ذلك التناقض الهائل بينه وهو جالس تحت القبة وبينه وهو خارج لتوه من الجامع.
يدهشني الأستاذ محفوظ وهو يتجاوز مسلمة شائعة عند معظم المثقفين المسلمين،‏وخاصة عندما يقول: «فالمنظومات الفكرية،‏ليست منفصلة عن جذورها العقيدية والفلسفية، بل هي انعكاس لها، وترجمة إنسانية لبنودها ومبادئها. لأن الجذور العقيدية والفلسفية، تمثل الحافز الضخم،‏الذي يحرك العقل،‏ويثير المواهب، ويراكم الخبرات،‏وينمي العلم، ويدفع دائماً باتجاه التطوير والتغيير». فهذا القول فيه ـ كما أرى ـ وعي عميق بمسألتين حساستين جداً : وتتمثل المسألة الأولى في أن الإنسان بنية،‏والأفكار بنية،‏وكما أن الإنسان تتداخل في تركيبته عوامل عديدة قبل أن يعي وجوده وبعد ذلك، كذلك الأفكار ليست بريئة تماماً ، وهذا الرأي قلما نلاحظه حتى عند المثقف المسلم المعتدل وذلك استناداً إلى بعدين غير مباشرين هما: فهم قاصر لـ: (لاتزر وازرة وزر أخرى) [الزمر/7]، إضافة إلى مفهوم امتلاك الحقيقة الواحدة. أما المسألة الثانية فتتمثل في فهم البعد الايديولوجي للأفكار، فالجذور العقيدية والفلسفية لاتحرك العقل فحسب، إنما أيضاً ‏تزوده بمنهج لتحريكه، وضوابط لحركته، وهذا ما يمثل الإيديولوجيا الفارقة والمميزة لكل منظومة فكرية،‏وهذا مما يجدر بنا حقاً ‏دراسته،‏لنكون قادرين على فهم الثابت والمتغير، الأصول والفروع،‏التفسير والتأويل.. الخ، ففهم البعد الإيديولوجي للفكر والعقيدة والتاريخ والمرجعيات الأدبية والفكرية والمدونات الأساسية،‏يمنحنا رؤية أكثر اتساعاً ‏وعمقاً ، بل لايمكننا أساساً أن نعي تاريخ الفكر دون البحث في الإيديولوجيا المحركة له، ولايمكننا أن نعي أي فكرة دون البحث في العمق الإيديولوجي لها، ‏ولايمكننا أن نفهم حتى أنفسنا ما لم نسبر الملامح الإيديولوجية في داخلنا.
ويركز الباحث على أمرين مهمين: أولهما تفضيل المنهج التاريخي في قراءة الأفكار، وهذا أمر مهم جداً ، إذ لايمكننا أن نفهم أي حدث أو ظاهرة أو علم إلا من خلال تاريخه. وثانيهما في كيفية ممارسة الفكر، وهذا أيضاً ‏أمر في غاية الأهمية وإن كان الحديث عنه سهلاً ، إلا أن تطبيقه يبدو عسيراً جداً من خلال مراقبة الواقع،‏ويبدو لي أننا بحاجة إلى وسائل علمية لتطبيق الأفكار، أكثر من حاجتنا إلى توليد الأفكار، وقد لمست هذا الأمر في المجال التربوي وهو المجال الأهم من مجالات العلوم الاجتماعية والثقافة والحضارة بشكل عام، حيث كانت الأفكار المرفقة بتطبيقات عملية توفر أفضل كم من المعلومات والمعارف في أقصر وقت من العناية،‏وهذا ما دفع الكثير إلى تطبيقها لأنها إضافة إلى مساعدتهم على رعاية أطفالهم أتاحت لهم المزيد من الوقت للتفرغ لواجباتهم الحياتية وما يتعلق بتأمين لقمة العيش. ولذلك تمنيت على الباحث أن يكون أقرب إلى الأفكار المنهجية للكشف عن العلل والأزمات من توصيفها المبتسر.


[4]

وفي القسم الثاني من الفصل الأول يتابع الباحث سلسلة أفكاره ضمن منهج يلازمه منذ بداية الكتاب: وهو (ما يجب وما ينبغي)، ومع أن الفكرة التي يتعرض لها مهمة أيضاً إلا أنها تبقى صالحة لمن يحاول احتكار قراءة النص، ومن يرفض الوصاية على النص.. بمعنى أنها لاتقدم ولا تؤخر! وفي القسم الثالث أيضاً ‏دعوة إلى التجديد الثقافي الذي يعد مسألة لاتقل أهمية عما سبق، ولكن المعالجة تتم في إطار نظري تكرر كثيراً .
وفي الفصل الثاني من كتابه يبحث الأستاذ محفوظ في: واقع الثقوب في الفكر العربي ـ‏الإسلامي وآفاق المعالجة، وفي قسم آخر يضع استراتيجية للخروج من التخلف،‏وفي القسم الثالث يقدم رؤية نقدية لنظريات التخلف في الفكر العربي المعاصر،‏ثم يبحث النهوض الإسلامي من أين يبدأ؟ وفي هذا القسم لا أملك إلا أن أقف في موقف التقدير لجهد الباحث، ولست أدري أألومه في هذا الكم الهائل من التنظير المتعالي أم ألوم الواقع الوضيع عن بلوغ الحد الأدنى للكرامة الإنسانية؟!
والقسم الأهم من الكتاب هو فصله الثالث والأخير: فبعد مقدماته في المشروع الإسلامي يطرح الباحث رؤيته بخصوص ثلاثة موضوعات أساسية يبدو الكتاب برمته تمهيداً لها وهي:
1ـ إشكالية المصطلح في الفكر العربي المعاصر.
2ـ أفكار حول الوحدة والتعدد في الفكر الإسلامي المعاصر.
3ـ ملامح حقوق الإنسان في التشريع الإسلامي.
الموضوعات الثلاث لها أهميتها البالغة،‏وتأثيرها على واقعنا الثقافي الراهن،‏فالقضية الأولى والمتعلقة بالمصطلح يتناولها الباحث في إطار معرفي قلما نجده عند المثقف المسلم المعاصر،‏إذ يدرس العلاقة بين المصطلح وبيئته المعرفية،‏ومن ثم كيف يتم استخدام المصطلح إيديولوجياً . ويطرح شروطاً للتكيف مع المصطلح من خلال الاستيعاب، والتجديد والإبداع، وأود أن أضيف إلى هذين الأمرين أمراً آخر لايقل أهمية برأيي: وهو توحيد المصطلح بين مختلف التيارات الفكرية،‏إذ يتيح توحيد المصطلح بينها إمكانية التواصل والاتصال والفهم والحوار وربما إنهاء حالة الصراع، إذ مازال المصطلح يلعب دوراً ‏كبيراً في تأجيج الخلافات والصراعات. وكذلك فإن المصطلح كثيراً ‏ما يضيء الطريق بقدر ما يجعلها معتمة ‏أحياناً ‏أخرى.
والباحث نفسه يحلل مصطلحاً ‏في القسم اللاحق، عندما يبحث في مصطلح العودة إلى الإسلام إذ يعترض على هذا المصطلح ويبين المشكلة المنهجية فيه، ليطرح البديل المناسب برأيه ألا وهو التقدم إلا الإسلام! ويبدو لي على موازاة الباحث أن العودة إلى الإسلام تعني تخلف واقعنا اليوم عن واقعنا يوم كانت للدين مكانته في قيادة المجتمع وتدبير شؤونه.
وهذا القسم من الفصل الأخير يحوي أفكاراً ‏تحليلية قيمة عن التنوع الثقافي وضرورة التنوع،‏الأمر الذي يمنع تفرق كلمة المجتمع وبالتالي يحافظ على الوحدة بين مختلف التيارات التي تحيا على أرض هذه الأمة.
ويضيف الباحث إضافات فكرية لماحة وذكية في القسم الأخير من هذا الفصل،‏وفي ما يتعلق بحقوق الإنسان في التشريع الإسلامي،‏ومع أن الاختصار الشديد صفة هذا القسم إلا أنه حوى أموراً ‏في غاية الأهمية.
وفي كلمة مختصرة يختتم الباحث كتابه بالقول: فرهانات المستقبل هي الإسلام، التجديد والنهضة. وحقيقة لايمكننا إلا أن نحترم جهود الباحث عموماً ‏وفي هذا الكتاب خصوصاً ، وأظن أن الكتاب إذا مال إلى طرح عملي للأفكار القيمة الواردة فيه،‏لشكل إضافة فريدة ومتميزة.

* باحث سوري

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة