تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

مساهمة مجلة المسلم المعاصر في أسلمة التاريخ

محمد مراح

تطرح مسألة التاريخ من ناحية مدى تحلي الرؤية التي يصدر عنها المؤرخ وفيلسوف التاريخ في تفسيره وتحليله بالموضوعية. ولعل أكبر تاريخ عانى من إنعدام تلك الرؤية الموضوعية هو تاريخنا الإسلامي. لذا كان لزاماً تكثيف الجهود قصد تكوين خط منهجي مستقل في تفسير التاريخ عموماً والإسلامي منه خصوصاً. وبهذا الشأن يأتي عرض مساهمة مجلة «المسلم المعاصر» في هذا البحث على المستوى الكمي، تراجع الجدول(*). وعلى المستوى التحليلي الذي تم فيه إعادة تركيب الطروحات والمقولات إبرازاً ـ دائماً ـ لجهود أسلمة المعرفة في مجال التاريخ على الصورة الآتية: فإهتمام الإنسان بالتاريخ صورة من صور إهتمامه بذاته فهو يريد لها الإمتداد والخلود من خلال ما يأتيه من أعمال وبطولات وفعل مؤثر في الأشياء والموجودات من حوله، مع حرصه على تسجيل ذلك بحسب ما يتاح له من الوسائل في زمانه وبيئته.
لهذا يمكن اعتبار «التأريخ» نزعة فطرية في الإنسان والدليل على ذلك ما هدت إليه التنقيبات والبحوث والكشوفات من آثار تركها الإنسان ليدل على وجوده وتأثيره في الوسط البيئي وتأثره به، سواء جاءت بسابق الوعي والإدراك والنية في الإعلان عن وجوده، أم استجابة للنزعة المذكورة دون وعي بَيِّن وإدراك واضح ونية معقودة. وإذا كان تعقل أحداث التاريخ واستلهام الحاضر، وربما للمستقبل يتفاوت بتفاوت درجات الإنسان في الإنسانية والتوحش، فمن المؤكّد أن ما حدث له أو فعله هو وأباؤه لم يكن ليمر هكذا دون اعتبار أو تأسٍ، وما روح التمسك بما كان عليه هؤلاء إلا تأكيد لهذا الكلام، قال تعالى: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتّبع ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير} (1) قال: {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} (2) .
ولعل هذا التعقل والإستلهام هو الصورة الساذجة للتبصر بأحداث التاريخ وهو ما تطور فيما بعد ليصير «فلسفة للتاريخ» وتفسيراً لأحداثه، فالفعل الحضاري لم يعد ممكناً أن يكون فعالاً في غياب هذه الفلسفة وذاك الجهد العقلي التفسيري الإستلهامي، وصارت دراسة التاريخ «لايمكن أن تتم إلا من خلال فلسفة عامة تكون تابعة للموقف الإنساني العام الذي يقفه الدارس بنظرته للكون وتفسيره لحركيته وعلاقاتها» (3) ففلسفة التاريخ إذن ـ

تتصف بسمتين هما:

1ـ الموقف العام الذي يقفه صاحب الفلسفة والتفسير من الأحداث، أو بعبارة أخرى رؤيته الفكرية والعقائدية.
2ـ ارتباطها بالنظريات والإجتهادات الايديولوجية السائدة في حضارة ما.
وهذا ما تدل عليه فلسفة التاريخ كما عرفت في الغرب إذ تعرضت للتوجه الفكري والقومي والعقائدي، فالمؤرخون المسيحيون قامت فلسفتهم التاريخية على المسيحية، أمثال (ايزبيوس) و(بوسويه) و(فيكو)، كما أبرزت المدرسة الألمانية إيمانها بالعنصر الألماني، أمثال (هردر) و(فيخته) و(كانط)، وآخرهم (هيجل) (4) .
ويقاس عليهم غيرهم من فلاسفة الغرب، منذ عصور إحيائه ونهضته إلى يوم الناس هذا لاتكاد تفصل فلسفة عن إيمانه العميق، إما بمسيحية أو علمانيته أو إلحاده أو عنصره المتفوق الراقي، إنه ـ إجمالاً ـ موقف التمركز حول الذات الحضارية الغربية.
وللدين حضور في فلسفة التاريخ سواء باعتباره مصدراً لاستمداد الموقف أو استخلاص النتائج والقوانين الحاكمة لحركة التاريخ، أو طرداً من حسبان المصدرية أن يكون له أي دور يذكر، فهذا (أرنولد توينبي) الفيلسوف الإنجليزي يصر «على اعتبار نظريته من مصدر مسيحي يهودي، ومتأثرة بفكرة الإله وموقفه من جماعة البشر» (5) . وطبيعي أن يكون للدين كل هذا الدور الكبير في التاريخ الإنساني وحضارته خاصة لدى الأمم والشعوب التي كان «الدين» أحد أهم أسباب نشأتها لكونه «الجانب المتميز في جميع الحضارات الإنسانية، منذ عرفت هذه الحضارات حتى الآن» (6) . فالأمة الإسلامية لم يتكون تاريخها بعد أن صارت أمة تحمل صفة الإسلامية إلا بمجيء الإسلام وانتظامه لشعوبها، ضمن إطاره العقدي والحضاري. لهذا فإن أي تفسير لتاريخها يستبعد الدين بوصفه منهجاً للتفسير، أو إطاراً حاوياً لها، محكوم عليها بالقصور الفاحش والفشل الذريع، وهو ما يلاحظ بوضوح على المناهج العلمانية في تعاملها مع تاريخنا الإسلامي، فلقد «أخطأ كثير من المؤرخين في فهم وحدة هذا التاريخ وطبيعة نسيجه ذي الخيوط الواحدة، أخطأوا لأنهم نظروا إلى هذا التاريخ نظرة تتسم بالتجزيئية والمباشرة والتقطع حيناً، دون أن يأخذوا بنظر الإعتبار حركة المجتمع الإسلامي ووحدته وصيرورته التي كانت تجد في قيم الإسلام ومبادئه ومثله مراكز ثقلها وضبطها ومؤشرات تمخضها الدائم عن المزيد من الوقائع والأحداث» (7) تلك ـ إذن ـ أزمة المناهج الغربية التي اعتمدت في قراءة وتفسير تاريخنا «التجزيئية» و«الانتقائية» وإسقاط النماذج التاريخية والمجتمعية الأخرى على النموذج الإسلامي، فنحن في الحقيقة «أمام تراث غني عظيم الثراء في الموضوعات والمقولات والمبادئ العامة، والتقنيات التي يحتاج إليها المنهج الصحيح لقراءة الإسلام والنمط المجتمعي الحضاري الإسلامي، ودراسة آليات التاريخ الإسلامي، ومن ثم لايعقل أن يقوم منهج علمي في بلادنا يحترم نفسه دون أن يستند إلى النص الإسلامي أولاً، ثم إلى الفكر الإسلامي الذي تفاعل مع مختلف المجالات وقدم إسهامات كبيرة خلال أربعة عشر قرناً، ودون أن يعتني بدراسة التجربة التاريخية الواقعية التي عاشتها الأمة طوال تلك القرون» (8) . فدراسة هذه التجربة التاريخية تهدي إلى الأهمية التي تكتسيها عملية رصد التاريخ الاجتماعي للمجتمعات الإسلامية ـ مثلاً ـ فهو الذي يمدنا بأغلب صور تفاعلات المسلمين مع مبادئهم سلباً أو إيجاباً مما أعطاه صفة (الواقعية) التي تعد أكبر معطى لتقويم أي تجربة تاريخية، وتتأكد الخصوصية بالنسبة للتجارب القائمة على أساس الوحي. ثم إن المطلوب استقصاء الأنماط الإجتماعية وصلتها بالأنماط الإقتصادية التي كانت تعمل على ترجمة الوحي المتمثل في القرآن والسنة، وما ينشأ عنهما في كل عصر من فهوم يطرحها الفكر الإسلامي نتيجة تفاعله مع النصوص المعصومة وإنزالها على الواقع المعيش.

إن محاولات كشف تلك الأنماط لها مقتضيات كما لها نتائج، فمن مقتضياتها أن تتم في جو فكري بعيد عن عملية «الإسقاط الايديولوجي» التي يعمل أصحابها جاهدين على إنزال الواقع التاريخي الإسلامي على مقولات ايديولوجيتهم المتبعة، مما يهيئ الفرص الكثيرة لتسرب الحقائق أو تخلفها أو تخليفها عمداً، والخروج من ثم بصورة مشوهة عن الواقع التاريخي الإسلامي، والغرض من ذلك العمل على إثبات قدرة الفكر التغربي على تحليل وتقويم التجربة التاريخية لمجتمع يأبى وبأيّ مقياس ـ الخضوع لمقولات وتقويمات ذاك الفكر لأنه بطبيعته عاجز عن إدراك المنطق الداخلي لذاك الرصيد التاريخي الضخم، فضلاً عن فهمه وتحليله تحليلاً ينطلق من العوامل الفاعلة بحسم في صنعه، والعامل العقائدي أقوى تلك العوامل بلا ريب (9) . ولقد منحت مجلة «المسلم المعاصر» الصفحات الطوال للجهود الفكرية التي أسهم بها مفكرون إسلاميون استلهموا نصوص الوحي وجهد المسلمين التاريخي في وضع «تفسير للتاريخ وفلسفته» فهذه الجهود عنيت ـ في معظمها بالتأسيس والكشف عن هذا التفسير وتلك الفلسفة، ويمكن تصنيف هذه الجهود ضمن محاور أربعة هي: 1ـ الحركة التاريخية والتوجيه القرآني، 2ـ المسألة الحضارية وتفسير التاريخ، 3ـ أساسات التفسير القرآني للتاريخ، 4ـ نموذج لإسلامية تفسير التاريخ (ابن خلدون).

أولاً: الحركة التاريخية والتوجيه القرآني

فقد تموضعت طروحات المجلة حول هذا المحور على النحو الآتي: لم يخطر ببال عارف بالإسلام عموماً ـ والقرآن خصوصاً أنه كتاب تاريخ أو فلك أو فيزياء أو طبيعة أو أدب أو غيرها من فنون العلم والمعرفة، طبقاً لحدودها الإصطلاحية، إنما إجماع المسلمين منعقد على أن القرآن كتاب «هداية» بالمعنى الدلالي الواسع لهذه الكلمة. لهذا فكل الإشارات المعرفية أو الحقائق العلمية إنما تهدف لخدمة غرض هداية الإنسان، مع قابلية تلك الإشارات والحقائق لأن تكون معالم وأسساً وموجهات للعقل الإنساني كي يعرف بها ما حوله، ويقيم عليها معارفه وعلومه، وتبقى في النهاية خادمة للغرض الأساس وهو هداية الخلق لعبادة الخالق.
وهكذا الشأن في فلسفة التاريخ وتفسيره فإن «ما أعطته رسالات السماء في تفسير حركتي الكون والمجتمع إنما هو إطار كلي ترك للعقل البشري أن يقوم فيه بالفهم والتفسير، فهذا هو مجال الاختيار، وشأن (تفسير المناهج) هنا شأن بقية المجالات التي طرقها الوحي الكريم، فهو قد عرض لكل القضايا الكونية والإنسانية التي تنتظم سائر العلوم والمعارف المعاشية (...) فقد أراد الله للعقل أن يقوم بدور بارز فيها حتى يتباين الناس ويتفوق بعضهم فيثاب في الدنيا والآخرة، ويخمل بعضهم فيعاقب في الدنيا والآخرة» (10) . فما يطمع فيه دارس للقرآن أو السنة بصدد تفسير التاريخ وفلسفته إنما هي خلاصات وقوانين حاكمة للتطور السلبي أو الإيجابي في حياة الفرد أو المجتمع والحضارة مع ارتباطها بصفتي الصلاح أو الفساد فيهما.
فكما هو معروف فإن رسالة الإسلام آخر حلقة في سلسلة الرسالات السماوية، وكتابه آخر الكتب السماوية كذلك، فهو مهيمن عليها، يقاس صحة ما فيها على ما ورد به، من ذلك أخبار وأنباء السابقين، ففيه نبأ ما قبلنا، وقد امتد هذا الإنباء عمن قبلنا على مساحة معتبرة من نصوص القرآن الكريم، خاصة ضمن القصص القرآني، الذي لم يكن إيراده بقصد المتعة والتسلية أو إرضاس التطلعات الفنية والأدبية في المقام الأول، إنما هو عبر ونذر للإنسانية في حركتها وإنجازاتها، وتحديد مصائرها ـ إضافة إلى ما شغله أيضاً ـ كل من القوانين الحاكمة لنهضة الأمم واندحارها، وبيان خلق الإنسان وما حمله من أمانة (11) فتعطي مجتمعة للتاريخ وحركته توجيهاً محدداً، مسفراً ـ كما يسجله أحد بحوث المجلة ـ عن رصد عوامل ثلاثة مؤثرة في تلك الحركة هي: 1ـ سنة الله الثابتة في الخلق والتشريع. 2ـ رسالات الأنبياء لنقل الإنسان من التخلف إلى الحضارة. 3ـ مهمة الخلافة التي خلق الإنسان لها، وما يتبعها من جهاد وتدافع (12) . فأما سنة الله في الخلق فهي حتمية ينتهي إليها الإنسان بفعله الإرادي الحر، ففي حالة الإنسجام والتوافق يكون الفوز والإنجاز الصالح، وفي حالة التصادم والنكوص يكون الركود والخذلان والإنجاز الطالح الذي يعود بالوبال على أصحابه. وهنا تطرح مسألة ملائمة الإنسان لحركته مع سنة الله، فالحيز الكبير الذي منحه الإنسان من الحرية يحدد مسؤوليته تجاه الأفعال، فالقوى المحركة له ليست كلها مفروضة عليه، «والقرآن يعترف بفاعلية الإنسان في صنع التاريخ» (13) .
الأمر الذي يعطى لمهمة الخلافة التي خلق الإنسان لها مدلولها الفاعل المؤثر في الموجودات والمكونات من حوله، وإذن «فالوظيفة التي يحملها القرآن للإنسان في الحقيقة، إنما هي عمارة الأرض بمعناها الشامل العام، وهي تشمل فيما تشمل إقامة مجتمع إنساني سليم، وإشادة حضارة إنسانية شاملة ليكون الإنسان بذلك مظهراً لعدالة الله تعالى وحكمه في الأرض، ولكن لا بالقسر والإجبار، بل بالتعليم والاختيار» (14) . ولتستكمل عدالة الله تعالى مظاهرها في حياة وفعل الإنسان، فقد هدي إلى الحق وخير بينه وبين الباطل بما أنزل إليه من رسالات وكتب سماوية حملها إليه الأنبياء عبر الأزمنة، فلا يمكن أن ينظر لتاريخ الحضارات والأمم في هداها وضلالها، وطاعتها وعصيانها، في صلاحها وفسادها، بعيداً عن مظهر حريتها في اختيار أحد النجدين إذ «تقف هذه الحرية بالأفراد والشعوب والحضارات على مفترق طريقين، إما أن تكون مواقفنا وأعمالنا وأهدافنا منسجمة مع نواميس الكون وسنن الحياة، مما يترتب عليها إنجاز حضاري أغنى وتوحد بشري أشمل، وسعادة نفسية أكثر عمقاً، ومصير في الأرض والسماء أشد توافقاً مع مهمة الوجود البشري في الأرض. وإما تصادم هذه المواقف والأعمال والأهداف مع نواميس الكون وسنن الحياة فيترتب عليها إنجاز حضاري متفكك، وتمزق بشري شامل، وشقاء نفسي عميق، ومصير سيء في الدنيا والآخرة» (15) .
والمتأمل في سرد أخبار السابقين ومآلات أحوالهم وهو ما يمثل جوهر الوقائع التاريخية، كما ورد بها القرآن الكريم ـ يبرز له الدور الإنساني فيها واضحاً جلياً، وهو منوط بالحرية الإنسانية المفضية في كل نهاية من نهاياتها إلى ما قضت به سنة الله الثابتة في خلقه ثم إن هذا العرض القصصي والإخباري القرآني يجلي بوضوح ـ فيما تذهب إليه دراسة يوسف محمد بالمجلة ـ مدى التوجيه القرآني للحركة التاريخية من خلال غائية هذه الحركة وكونها هادفة «حدد لها من أول يوم ـ غاية تسعى إليها وتحدد على أساسها علاقات الناس من مودة وعداء وولاء وبراء وحرب وسلام» (16) .
وهذه الحركة الهادفة تعطي صورة عن أثر الفكرة الدينية في تكوين الحضارة التي يهدينا إليها «المنهج الذي يتناول واقعة الحضارة لا على أنها سلسلة من الأحداث يعطينا التاريخ قصّتها، بل كظاهرة يرشدنا التحليل إلى جوهرها، وربما يهدينا إلى قانونها أي إلى سنة الله فيها، هو القادر أن يستجلي بطريقة أوضح الدور الإيجابي الفعال للفكرة الدينية في تركيب تلك الواقعة، إذ يوضح لنا كيف تشترط هذه الفكرة سلوك الفرد وكيف هي تنظم غرائزه تنظيماً عضوياً في علاقتها الوظيفية ببناء إحدى الحضارات» (17) . وبقدر ضبط هذه الغرائز بهدى الوحي وصرامة العقل يأتي البناء الحضاري متسقاً منسجماً مع سنن الله في خلقه، وبقدر انفلاتها منهما وإخضاعهما لها يحدث التصادم بتلك السنن فيتفكك الإنجاز وتسوده الفوضى ويتجه نحو التحلل والتفسخ.

ثانياً: المسألة الحضارية وتفسير التاريخ

لو أن الفعل الإنساني ـ في عمومه وكليته ـ اتسم بالتجزيئية والبعثرة والجمود عند وضع معين لايعدوه إلى غيره لما حدث التراكم والتأليف بين الأعمال والإنجازات المكونة للحضارة، وعندئذ لم يكن ليظهر تاريخ إنساني، أو تنشأ جهود تفسيرية لحركته. قد يكون هذا الكلام بدهي لكنه يهدي إلى حقيقة وهي أن جهود الإنسان وأعماله مرتبطة بالحضارة، لهذا فمعطياتها هي التي تتيح تفسير التاريخ، وهذا الأخير مع فلسفته يرتبط بالمسألة الحضارية ارتباطاً وثيقاً إذ أن كل ممارسة تفسيرية أو فلسفية للتاريخ تبحث عن العناصر التي أسهمت بصورة إيجابية أو سلبية في المسألة الحضارية وفي تكوين التاريخ الحضاري. إن التاريخ الحضاري ـ كما يخبر عنه القرآن الكريم لايبدأ ببداية الوجود الإنساني وخلقه، بل إنه «يمتد إلى ما قبل آدم، انه (التاريخ الحضاري) كل فعل إلهي تمتزج فيه إرادة الله وروحه وكلمته بالمادة فتصوغها كتلاً كونية أو نظماً طبيعية أو خلائق تحمل بصماتها الحياة الأولى من نبات أو حيوان، أو تخلقها بشراً سوياً، ويجيء الإنسان من ثم ـ خليفة لله كما يؤكد القرآن في أكثر من موضع لإعمار الأرض التي (أنزل) إليها وهو يحمل العدة الكافية لهذا العمل ويمتلك الشروط الأساسية لمجابهة العالم وتحويله وتغييره وتطويره» (18) كما أن هذا الامتداد يوحي كذلك بما خص به الإنسان من تكريم من بين سائر المخلوقات وهو تكريم يتناسب مع ما هيئ له من ظروف ملائمة للحياة تمهد له أداء دوره فيها، فحيثما «تنقلنا في أرجاء القرآن الفسيحة لمطالعة الآيات والمقاطع الخاصة بخلق الكون وتهيئة الظروف الصالحة للحياة على الأرض وتمعنا فيها وجدناها ترتبط إرتباطاً عضوياً أصيلاً بالدور المنتظر الذي بعث الإنسان لكي يلعبه، وبالعمل والجدوى والنظام والإعمار والغاية التي بعث من أجلها، وهي كلها قواعد أساسية لأي نشاط حضاري فعال هادف منظم متطور على الأرض» (19) . وبعد تحديد هذه القواعد يظل المسار الحضاري المتوازن وقفاً على إدراك الفاعل الأقوى ـ من بين عناصر البناء الحضاري وهو الإنسان لهذه القواعد ليحقق في مساره صفة «الإستقامة» ولتأكيد فعالية القواعد المذكورة ينبغي ملاحظة المعطيات الآتية التي رصدتها المجلة في بعض دراساتها:
1ـ العمل ومصير الإنسان: لقد حسم القرآن الكريم هذه الحقيقة بشكل لايدعو للتلجلج أو المراجعة قال تعالى: {فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذاباً أليماً ولايجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً} (20) ، وقال {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلاً ظليلاً} (21) . فلا يمكن للعقل أن يتصور بديلاً عن العمل يتخذ مقياساً عادلاً «لتحديد المصير في الدنيا والآخرة، فضلاً عن انسجامه مع فكرتي الإستخلاف والاستعمار في الأرض» (22) فإلى اليوم لم يستطع الإنسان أن يكتشف مقياساً أدق ولا أعدل من العمل في معاملاته اليومية الرتيبة، ومواضعاته الاجتماعية، وفي تحديد المواقف من الأشخاص أو المجتمعات، فما بالك بالنظام الإلهي الذي يشمل مصير الإنسان في دنياه وآخرته.
2ـ التنديد بإفساد المنجزات الحضارية: تكتسب جهود الإنسان الحضارية قدسيتها واحترامها إذا كانت سائرة في نطاق الاستقامة، ويصبح كل عمل من شأنه أن يفسد ويهدم مكتسبات تلك المنجزات عرضة للتنديد القرآني (23) ، {ولاتفسدوا في الأرض بعد إصلاحها..} (24) . ولقد تجسدت الإستجابة لهذا التوجيه القرآني في أسلوب تعامل المسلمين مع منجزات الأمم الذين فتحوا بلدانهم وحكموهم عشرات القرون.
3ـ استخدام العقل والإرادة البشرية: ما الذي سيكون عليه الإنسان لو فطره المولى تبارك وتعالى على معرفة القوانين الكونية وأسرار الطبيعة؟
من المؤكد أن دور العقل والإرادة البشرية سيتضاءل إلى الحد الذي قد يصبح معه وجود الإنسان على الأرض ذا هدف محدود، وأداء عملي آلي، ومن ثم يفقد العمل القيمة التي أعطيت له، لذا فعلى الإنسان «أن يرفض الكسل والقعود، أن يتخلى عن السعي الهادئ المطمئن إلى رزقه وتأمين حياته، وإحاطة وجوده على الأرض بالضمانات، إن عليه ـ كما أراد له الله سبحانه ـ أن يمشي ويتحرك، أن يجد ويكد، أن يستخدم كل الطاقات التي وهبها إياه» (25) .
بهذا يدخل مع الكون من حوله في محاورة عميقة موضوعها الإستكشاف والإبداع والإنجاز الحضاري، وهذا ما يصدقه كل من تاريخ الحضارات وصفة «التطوير» أبرز مميزات الفعل الإنساني في مجال المادة على وجه الخصوص.

ثالثاً: أساسات التفسير القرآني للتاريخ

ما سبق التعرض له في العنصرين السابقين يؤكد بشكل قطعي فرادة النظرة القرآنية للتاريخ، وهو ما ينسحب على الأساسات التي يقوم عليها التفسير القرآني للتاريخ، وهي ـ حسب ما أمكن استخلاصه من دراسات مجلة المسلم المعاصر: 1ـ الروحية ـ 2 الصراع والتدافع 3 ـ العبادة.
1ـ الروحية: هي الصفة التي ينصرف إليها الذهن كلما ذكر الدين أو أي أمر يتّصل به، وهي في الإسلام ذات حضور مستمر في شؤون الدنيا والآخرة لأنها الجوهر الخالد، والدافع نحو السمو والإستقامة، وتمثل إلى جانب المادية خاصيّة التوازن بين المادة والروح التي تحفظ على الإسلام صلاحيته للإنجاز الحضاري، وهو ما شهدته حضارته عبر التاريخ، وضمن هذه الخاصية يُبحث عن حركية الفعل الإنساني عبر التاريخ المستهدفة الصلاح والإعمار. إلا أن الفكر الإنساني بعيداً عن توجيهات الوحي ـ تنكر لدافعية الروح وأوكل إيجابيات الفعل الحضاري الإنساني إلى تفاعل العقل مع المادة رغم أن «الروح وحدها هي التي تتيح للإنسانية أن تنهض وتتقدم، فحيثما فقدت الروح سقطت الحضارة وانحطت، لأن من يفقد القدرة على الصعود لايملك إلا أن يهوي بتأثير جاذبية الأرض (...) وأينما توقف إشعاع الروح يخمد إشعاع العقل إذ يفقد الإنسان تعطشه إلى الفهم، وإرادته للعمل عندما يفقد الهمة وقوة الإيمان» (26) . وأصدق نموذج ينطبق عليه هذا الحكم هو نموذج الحضارة الإسلامية في منحنى بيان صعودها ثم نزولها، إلا أنه مع ذلك يصلح الإهتداء به بوصفه معلماً بارزاً ترصد على ضوئه حركة الإنسان في التاريخ والحضارة، كما تفسره «فقوة الروح غير المنظورة هي الفرق الجوهري بين التفسير الإسلامي للتاريخ، والتفسيرات الوضعية» (27) ، هذه التفسيرات التي إن استطاعت أن تحقق قدراً من الموضوعية في تفسيرها للحضارات التي قامت على أساس مادي، فإنها ـ لطبيعة القصور الكامنة في أسسها ومكوناتها عجزت عن إدراك دور الإشعاع الروحي الذي انبثقت منه حضارة الإسلام وتاريخه، حتى في أحلك فتراتها التي عاشتها، فقد ظل ذاك الإشعاع ـ ولو بصيصاً ـ يمد الأمة بمقوم وجودها. فأحادية النظرة الغربية ـ في عمومها ـ غيبت عنها إدراك دور عنصر الروحية في دفع الجهد الإنساني نحو الإبداع والإبتكار «فآلية الحركة التاريخية في حقيقتها إنما ترجع إلى مجموع من العوامل النفسية الذي يعتبر ناتجاً عن بعض القوى الروحية، وهذه القوى الروحية هي التي تجعل من النفس المحرك الجوهري للتاريخ الإنساني» (28) وقد ترجمت البحوث الغربية حول الحضارة الإسلامية على عجزها الفاضح عن إدراك دور عنصر الروحية الغيبية (29) وهو ما لايستقيم أي تفسير لتلك الحضارة وتاريخها إلا باستحضاره، فلا سبيل إلى تغييبه لأنه سبب وجودها.
2ـ العبادة: إذا كان مفهوم العبادة في ذهن الإنسان قد ارتبط بالعلاقة الروحية بينه وبين خالقه، فإنه في الإسلام يتسع ليشمل القصد والفعل معاً، فالمقصد من وراء الفعل الإنساني المشروع عند المسلم هو إرضاء الله تعالى، لذا فكل الأفعال المشروعة ما دق منها وجل إلا وله في رحاب العبادة مقام. وكما هو مقرر فإن الإنجاز الحضاري فعل إنساني بالدرجة الأولى، لذا فموقف القرآن الكريم واضح إزاء غاية الإنسان وهدفه من وراء ذلك الإنجاز الحضاري «فبينما ترسم المذاهب الوضعية أهدافاً تتميز بالغموض والطغيان أو التناقض أو الإنغلاق نجد القرآن الكريم يعلن هدفه الواضح المتوحد المفتوح الذي يستقطب حوله كافة الفاعليات والمعطيات، عبادة الله والتلقي عنه، والتوجه إليه» (30) .
فإذا تحقق هذا اللون من الاستقطاب كانت حركة التاريخ في انسجام مع الفطرة وسنن الكون، وكانت أيامها من أيام الله التي تسجل على صفحاتها جلائل الأعمال المحققة لإنسانية الإنسان. فلا غرابة ـ بعدئذ ـ أن يتناول القرآن الكريم الحضارة الإنسانية من زاوية مدى وفائها بمقتضيات العبادة والتوحيد، قال تعالى: {كذبت عاد المرسلين، إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون إني لكم رسول أمين، فاتقوا الله وأطيعون، وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين، أتبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم بطشتم جبارين، فاتقوا الله وأطيعون، واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون، أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين، إن هذا إلا خلق الآولين، وما نحن بمعذبين، فكذبوه فأهلكناهم، إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإن ربك لهو العزيز الرحيم} (31) . هذه الكوكبة من الآيات الكريمة نموذج لموقع العبادة والتوحيد من المسألة الحضارية كما يعرضها القرآن الكريم، فكل من المظاهر المادية للحضارة والنعم التي أنعم بها الله تعالى على عباده إذا اتخذت واستعملت في أغراض مضادة أو معادية للعبادة والتوحيد أدت بأصحابها للدمار والهلاك، وقبل هذا قصرت عن أن تحقق للإنسان إنسانيته. لهذا فالعبادة في القرآن أساس لتفسير حركة التاريخ ومفهومها يعبر عن «تجربة حياة كاملة يتوازن فيها الأخذ والعطاء، وتغدو أشبه بالبرنامج الشامل الذي ينظم فاعليات الجماعة البشرية في الأرض ويمنحها معنى، ويسير بها إلى هدف واضح مرسوم، إنه يمنح التجربة الحضارية طابعها الخاص، ويعطيها الدافع والمبرر، وينفخ فيها روح الإبداع والإبتكار والتطور الدائم الفعال، كما أنه يتجاوز بها السفوح الدنيا للنشاط البشري إلى القيم التي تليق بمكانة البشرية في ساحة العالم» (32) ، والطابع الخاص الذي يضيفه مفهوم العبادة في الإسلام على التجربة الحضارية يتجلى من خلال عبودية الإنسان. «فالإنسان عابد بطبيعته» (33) لذا فلا يفتئ يبحث عن معبود يخضع له وتكون أعماله كلها متجه له، بنية إرضائه.
وهكذا فإن الإنسان في مساره الحضاري إما أن تكون عبوديته لله عز وجل أو لغيره من المعبودات ومنها ـ على الأخص نوازع النفس ودوافعها القاهرة، ومنها: الهوى والطمع والكبرياء، وترجمتها بلغة ووضع عصر كعصرنا وحضارته هي «الهوى يقابله عبادة الجنس، والطمع بإزاء عبادة الإقتصاد، والكبرياء الذي هو أساس لكثير من الأقوال التي تنادي ان الشعور بالذات وبالوجود هو المعنى الحقيقي لطعم الحياة والحرية» (34) . ويمكن ملاحظة المسار الذي يرسم فيه تاريخ مثل هذه الحضارة على ضوء اتجاهها في العبودية. وإذا كان للرقي النفسي والوجداني والعقلي من معنى يجب ذكره في هذا الصدد فإنما صورته هي الإنقلاب على هذه المعبودات المنحطة والتخلص من عقابيلها للوصول إلى أعلى العبادات وأصفاها وأليقها بكرامة الإنسان وأكثرها جدوى على الإنسان، وهي عبادة الله عز وجل.
أما عن أثر ذلك في الواقعية التاريخية والمسألة الحضارية، فإن الدارس إذا استطاع أن يقف على طبيعة العبودية لدى الإنسان الفرد والأمة في واقعة تاريخية أو فترة تاريخية أمكنه أن يحدد موقع تلك الحضارة من الحضارات الإنسانية ويتنبأ بمآلها بسبب تراكم الإستجابات لمقتضيات تلك العبودية. ومن الآثار أيضاً أن العبادة «كلما ارتقت كلما كانت أقدر على تصفية الصراعات وعلى إرساء العدل والسلم» (35) وتشهد على صحة هذا فترات من الحضارة الإسلامية، خاصة في أثناء الفتوحات والدعوة إلى الدين الجديد.
3ـ الصراع والتدافع: من أبرز المظاهر التي طبعت وجود الإنسان على الأرض مظهر الصراع لما فطر عليه الإنسان من نزعات التطلع للمجهول، أو الخوف منه، وحب الإطلاع، وتحدي العوائق، والإنتصار على الخصوم، وحب السيطرة والتحكم والإمتلاك وغيرها.
وقد أغرت هذه السمات الفكر الغربي فصار ينظر لأصالة الإنسان من خلالها، وأن تحقيق ذاته ووجوده مرتهن بها فيسعى لترجمتها في صور إنجازات مادية على وجه الخصوص ضارباً صفحاً عن القيم الإنسانية سواء منها التي خلصت إليها الحكمة البشرية، أو نزلت بها الكتب السماوية، لهذا احتل الحديث عن الصراع مساحات واسعة من المعرفة الغربية على اختلاف ميادينها، منها: في علم النفس نظرية التحليل النفسي، وفي علم الاجتماع نظرية المراحل الثلاث لأوغست كونت، وفي التاريخ النظرية الجدلية لهيغل، والمادية التاريخية لماركس، والتحدي والإستجابة لاورنولد توينبي ونظرية النشوء والإرتقاء لداروين. لهذا اتخذ «الصراع» بوصفه أحد المعالم التي على ضوئها تفسر حركة التاريخ.
أما القرآن فإنه لاينكر هذه الحقيقة الماثلة في حياة الإنسانية وتاريخها، فالإنسان خلق ليكد ويكابد {لقد خلقنا الإنسان في كبد} (36) والمكابدة صراع دؤوب لايكاد ينتهي، لكن القرآن لايترك لأهواء الإنسان وغرائزه تحديد خصومه لمنازلتهم، بل حدد مستويات الصراع والمبادئ والتوجيهات التي تحكمه، فمنذ «اللحظة الأولى لخلق آدم يجابه الإنسان بقوة الشر المقابلة متمثلة بالشيطان، وبكل ما يملك من أساليب يدهم بها الإنسان من الخارج أو يبرز له من الأعماق، من صميم الذات» (37) ومضى هذا الصراع يرسم شكلين من الحياة والحضارة: حياة وحضارة الهدى، وحياةوحضارة الضلال، قال الله تعالى: {قال ربي فانظرني إلى يوم يبعثون، قال، فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم، قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين، قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} (38) . فالغواية ومصارعتها بإلتزام التقوى والإخلاص جوهرأغلب ألوان الصراع على الأرض. والحكمة من هذا الصراع ليس تكثير سواد أتباع الشيطان ليبر الله تعالى بيمينه فيملأ جهنم منه، ومنهم أجمعين، كما قد يتبادر للذهن، إذ لو كان الأمر كذلك لانتهت قصة القرآن عن وقائع هذه الحوادث الغيبية عند هذا الحد، لكن القرآن ظل يربط بين الضلال وغواية الشيطان، فأصبح الإنسان على علم بحقيقة الأمر، ومطلع على تفاصيل «الخطة الشيطانية» فلا عذر له حينئذ إن وقع في أحابيلها، إنما الحكمة هي الإبتلاء والإختيار ليميز الله الخبيث من الطيب، في الإنسان والبشرية، وبالضرورة انجازاتهم وحضارتهم، قال تعالى {اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو، فإما ياتينكم من هدى، فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري، فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيام أعمى} (39) ولتوقي هذا المصير النكد، ينتصب نداء الله تعالى للبشرية {يا بني آدم لايفتننكم الشيطان} (40) «محوراً كبيراً يدور عليه الصراع، والحركة، والتقدم إلى أمام أو الرجوع إلى وراء» (41) فمصير الحضارة الآجل مرتبط بمدى إحراز النصر على الشيطان أو الخضوع لوسوسته. ويمثل الصراع مع النفس مستوى آخر من مستويات الصراع الحاسمة في طبع التاريخ والحضارة بطابع محدد، فمجاهدة النفس، ومخالفة رغائبها وأهوائها، وغرائزها الدنيا مسلك للإرتقاء والسمو والتغيير، الذي يتم على مستوى النفس، وهي قاعدة التغيير في العالم الخارجي، مصداقاً لقوله تعالى: {.. إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..} (42) فالتغيير الحقيقي الفعال مرتهن بالتغيير العميق على مستوى النفس. ومن ألوان الصراع الأزلي الصراع بين الحق والباطل، وتجسيداته الجلية ما انطوت عليه حوادث الأنبياء مع أقوامهم وطواغيت الحكام كما سجلها القرآن الكريم وحفظتها السنة النبوية الشريفة بالنسبة لسيدنا محمد «ص» «ومن خلال هذا الصراع الطويل تتحرك مياه التاريخ فلا تركد ولا تسكن، وتحفظ بهذا قدرتها على الجودة والنقاء» (43) لكن السؤال الذي يثار في وجه هذا التحليل الذي يذهب إليه بعض كتاب المجلة، هل هذا الصراع المطرد الذي لم تخل منه فترة من فترات التاريخ ـ قدر حتمي ليقض مضاجع الإنسانية؟ يجيب القرآن الكريم عن الهدف والغاية من ذلك في قوله تعالى {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين} (44) ، وقوله {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها إسم الله كثيراً، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} (45) .
قد يتضح معنى الآيات المذكورة لو تخيل أحد أن وجه الأرض خلا للباطل وأهله أبد الدهر أو لم يشهد صراعه مع الحق إلا حقباً قليلة فالنتيجة حتماً فساد الأرض ونسيان الخير، إلا أن فضل الله تعالى قضى بأن يكون «هذا التدافع والصراع المركوز في جبلة بني آدم يقود إلى (تحريك) الحياة نحو الأحسن، وتخطي مواقع الركود والسكون والفساد، ومنح القدرة للقوى الإنسانية الخيرة أن تشد عزائمها وتصقل قدراتها المقاومة الصاعدة في غمرة التحديات المتعاقبة التي يطرحها الصراع، وأن تسعى لتحقيق المجتمع المؤمن الذي ينفذ أمر الله في العالم وفق القاعدة الإيمانية العريضة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) على امتداد هذه القاعدة» (46) . وهكذا تتسع دائرة الصراع كما يرسمها القرآن الكريم لتحيط بالوجود الإنساني والبشري في مستويات شتى فيعبر عن كونه إحدى سنن الله في خلقه الهادفة إلى غايات سامية على عكس ما صورته النظريات الغربية، والحيز الضيق الذي حصرته فيه والأهداف والغايات المحدودة التي يصبو لتحقيقها.

رابعاً: ابن خلدون نموذج لإسلامية تفسير التاريخ.

إن ما سبق عرضه وتحليله يؤكد استقلالية القرآن والإسلام عموماً في وضع معالم لفلسفة وتفسير التاريخ أسهمت في الهداية إليها مجلة المسلم المعاصر بقسط يتناسب مع مجلة غير قاصرة على لون واحد من المعرفة. لكن لإكتمال التدليل على الحقيقة المطروحة إلتفتت بعض دراساتها إلى تقديم نموذج تاريخي عملي في ممارسة تفسيرية للتاريخ والحضارة والعمران، لم يسبق لها صاحبها، والمقصود «إسلامية تفسير ابن خلدون للتاريخ» فلقد نُسب فكره إلى بعض المذاهب والأيديولوجيات الوضعية التي ظهرت في عصرنا دون أن يُعترف بإتساقه مع مصادر معرفته وثقافته الإسلامية العميقة فرغم المكتبة التي أنشئت حول مقدمة ابن خلدون «لانكاد نعثر على بحث متكامل واحد يتناول البعد الديني فيها» (47) وهذا الفصل بين معطياته الفكرية العلمية وأرضيته الدينية الإسلامية التي انطلق منها، يفسر العجز الذي يميز أصحاب هذا الفكر عن إدراك اصطباغ الفكر الخلدوني بالصبغة الإسلامية، فهو لاتستغرقه المعالجة الواقعية للظاهرة المدروسة عن ردها إلى أصلها وموقعها من محددات النظرة الإسلامية لتفاعلات أحداث التاريخ والحياة، والحقيقة الواضحة في الفكر الخلدوني أنه «ينطلق من النظرة الإسلامية الوحدوية إلى الكون والحياة، ولا يرى في العالم الإنساني إزدواجية فاصلة بين الروح والمادة» (48) تلك الإزدواجية الفاصلة التي استبدت بعقول الدارسين والباحثين، فتعاملوا مع ابن خلدون تعاملاً تحكمياً لايسيغون أن تكون عقلية علمية واقعية كتلك يمكنها أن تترجم عن تفسير ديني إسلامي متماسك عميق كالذي خلده ابن خلدون في «المقدمة» وتناسوا أنه «وليد البيئة الإسلامية الشرعية، وأن مقدمته تبقى على مستوى الفكر ومستوى الحياة ثمرة ناضجة من ثمارها المترعة، ومن وراء هذا وذاك يبقى كتاب الله سبحانه وسنة رسوله عليه السلام المؤثران الأبديان اللذان يصوغان البيئات ويبعثان الرجال، كما تبقى مسألة الإنفصام الموهوم تلك، كإسقاط الأجنة من أرحامها التي تؤويها وتغذيها وتكون شخصيتها، عملية غير أخلاقية وغير علمية في الوقت نفسه» (49) . وإذ يحاول الدارس للمادة الدينية في المقدمة رصد التيارات التي تحرك من خلالها ابن خلدون سيقف على ما يأتي:
1ـ دور الدين في الواقعة التاريخية.
2ـ التفسير الديني لكثير من أحداثنا التاريخية.
3ـ تحليلاته للدين في آفاقه الشاملة.
فضلاً عن قضايا كثيرة أخرى مثل: المعامل العقائدي في بناء الحضارة، وهذا من خلال الحديث عن الأصل الديني للدولة، والترف وحتمية سقوط الدول ودمارها وتفككها (50) .
ومن الأدلة ـ أيضاً ـ على امتياح ابن خلدون من الوحي في تفسير الظواهر الإنسانية والوقائع التاريخية، والسنن الحاكمة لها، يمكن ملاحظة ظاهرة ختم فصول المقدمة بعبارة هي جزء من آية أو أثر، مثالها ما ورد في المقدمة «الفصل الرابع والخمسون: في أنه لاتتفق الإجادة في فني المنظوم والمنثور إلا للأقل: السبب في ذلك أنه ـ كما بيناه ـ ملكة في اللسان، فإذا سبقت إلى محله ملكة أخرى، قصرت بالمحلّ عن تمام الملكة اللاحقة، لأن قبول الملكات وحصولها للطبائع التي على الفطرة الأولى أسهل وأيسر، وإذا تقدمتها ملكة أخرى كانت منازعة لها في المدة القابلة وعائقة عن سرعة القبول، فوقعت المنافاة وتعذر التمام في الملكة، وهذا موجود في الملكات الصناعية كلها على الإطلاق (..) وقد تقدم لك من قبل أن الألسن واللغات شبيهة بالصنائع، وقد تقدم لك أن الصنائع وملكاتها لاتزدحم، وإن من سبقت له إجادة في صناعة فقل أن يجيد أخرى أو يستولي فيها على الغاية، والله خلقكم وما تعملون» (51) . المتأمل في هذه النهاية {والله خلقكم وما تعملون} يتضح له أنها ليست من باب الإتفاق والاعتياد، بل هي خلاصات للمسألة المعالجة، ورد إلى مبدأ التوحيد الذي تنبثق عنه آثار الفكر الخلدوني وتحليلاته، فلم تقطعه واقعيته عن رؤيته الإسلامية الخالصة، فهذه ظاهرة استباق ملكة لغوية إلى اللسان قصرت بالمحل عن تمام ملكة لاحقة، مثلها في هذا مثل الملكات الصناعية، وهو ما يفسر قصور الفنان عن الإجادة في فني المنظوم والمنثور إلا للأقل وهم النوابغ المبرزون. وتظل كل الملكات والصنائع واللغات والقدرة على النظم،والعلم، والبشر مما خلق الله تعالى. تلك هي واقعية وعلمية التحليل والتفسير الخلدوني المنبثق عن أصل مكين في الحياة والوجود، فمشمولات الخلق وما يعلمون أثر لقدرة الخالق وعظمته.
وفي الأخير يمكن الخلوص للنتائج الآتية:
1ـ أن القرآن والسنة تضمنا معالم تهدى للنواميس الحاكمة والمواجهة لحركة الإنسان والمجتمع نحو الحضارة بالتزام الهدى الإلهي أو تنكبه. وهذه النتيجة يمكن اعتبارها الإطار الحاكم للرؤية الإسلامية لتفسير التاريخ، وتأسيس قاعدة انجاز «الأسلمة» في هذا المجال.
2ـ من الأسس التي تقوم عليها بناء الأسلمة في مجال التاريخ هو أن الفعل الإنساني جوهر الحركة التاريخية، لذا قامت مسؤوليته على حرية اختياره، مما يجعل البناء الحضاري السليم أو الفاسد اختياراً إنسانياً بالدرجة الأولى.
3ـ ارتباط تفسير التاريخ بالمسألة الحضارية يتضح من جهة الكشف عن انجازات شتى الحضارات، وسلامة تفسيرها، والاعتبار بها في الحال والمآل.
4ـ قد يبدو على أساسات التفسير القرآني للتاريخ المستخلصة من بحوث مجلة المسلم المعاصرة، أنها ذات طبيعة غيبية (ماورائية)، وهو ما لاتستسيغه العقلية «العلمية» الحديثة التي لاتسلم إلا بالمشهود والمحسوس. لكن النظرة المتأنية المجردة ـ مثلاً ـ لدور «الدوافع النفسية» ـ باعتبارها عوامل غير محسوسة ـ في الانجازات الإنسانية التاريخية والحضارية، يمكنها أن تمثل دليلاً كافياً مقنعاً بغيرها من الأسس والعوامل غير المنظورة في دفع الحركة التاريخية والحضارية أو الرجوع بها القهقرى. ألم تعش كثير من الدول والشعوب والحضارات تحت رحمة دوافع نفسية ونزوات وأهواء حكامها وسادتها؟!
5ـ يمثل نموذج ابن خلدون في تفسير التاريخ والحضارة، علامة على طريق العناية بربط الأفعال والإنجازات والأحداث بما يشير إليها في نصوص الوحي (القرآن والسنة)، وهو أحد أهم خصائص إسلامية المعرفة.

جدول رقم (07) لمقالات المجلة في أسلمة التاريخ ونسبها

الرقم
عنوان المقال
الكاتب
العدد
سنة النشر
عدد الصفحات
النسبة
1
في التفسير الإسلامي للتاريخ (الصراع ودوره في الحركة الحضارية)
د. عماد الدين خليل
الافتتاحي
1394هـ/1974م
20/170
11.76%
2
في التفسير الإسلامي للتاريخ (المسألة الحضارية)
د. عماد الدين خليل
العددان 1، 2
1395هـ/1975م
31/264
11.74%
3
فلسفة التاريخ كما بينها القرآن
يوسف كمال محمد
3
1395هـ/1975م
20/192
10.41%
4
حول التفسيرات الماركسية لظهور الإسلام
د. سعد مصلوح
7
1396هـ/1976م
12/205
05.85%
5
التفسير الروحي للتاريخ
د. مصطفى كمال وصفي
7
1396هـ/1976م
32/205
15.60%
6
نقد كتاب: التفسير الإسلامي للتاريخ
د. عبد الحليم عويس
13
1398هـ/1978
12/169
07.10%
7
حول إسلامية تفسير ابن خلدون للتاريخ
د. عمادالدين خليل
32
1402هـ/1982م
49/302
24.13%
8
تفسير التاريخ المصطلح والخصائص والبدايات
د. عبد الحليم عويس
41
1405هـ/1984م
12/208
05.76%
9
الغزو الثقافي في مجال التاريخ
د. عبدالحليم عويس
47
1406هـ/1986م
20/193
10.36%
10
مؤشرات حول مشروع كتابة تاريخ العرب والإسلام
د. عماد الدين خليل
11
1397هـ/1977م
14/219
06.39%
11
دعوة إلى رفض الاستسلام لمصادرنا التاريخية
د. عماد الدين خليل
30
1402هـ/1982م
16/193
08.33%
نسبة مواد أسلمة علم التاريخ إلى مجموع الأعداد المدروسة تمثل: 09.78%
جدول رقم (8) بنسب الأسلمة في محاور التاريخ بالمجلة
المحاور
النسب
الحركة التاريخية والتوجيه القرآني
09.30%
المسألة الحضارية في تفسير التاريخ
10.41%
أساسات التفسير القرآني للتاريخ
09.36%
نموذج لإسلامية تفسير التاريخ (ابن خلدون)
24.13%

* أستاذ مساعد ـ المركز الجامعي أم البواقي ـ الجزائر


الهوامش
(*) انظر جدول رقم (07).
(1) لقمان: 20.
(2) الزخرف: 22.
(3) يوسف الحوراني، الإنسان والحضارة، المكتبة العصرية، بيروت: صيدا، ط2، 1973، (ص195).
(4) د. عبدالحليم عويس. (نظرات في منهج كتابة التاريخ)، محاضرة غير مطبوعة، مقدمة إلى (ندوة قضايا المنهجية في الفكر الإسلامي) بالإشتراك بين جامعة الأمير عبدالقادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، الجزائر، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي، بواشنطن سبتمبر 1989م، (ص06) وما بعدها، باختصار.
(5) يوسف الحوراني، المرجع السابق، (ص207).
(6) د. محمد البهي، الدين والحضارة الإنسانية، مكتبة الشركة الجزائرية، الجزائر، مجهول تاريخ ورقم الطبعة (ص63).
(7) د. عماد الدين خليل، مدخل إلى إسلامية المعرفة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط2، 1412هـ، 1991م (ص63).
(8) منير شفيق، الإسلام في معركة الحضارة، وكالة أبو عرفة للصحافة والنشر القدس، فلسطين، ط1، 1982 (ص37).
(9) محمد مراح، (التاريخ الاجتماعي للمجتمعات الإسلامية)، المجلة العربية، السعودية، عدد 144، السنة 13، (ص110).
(10) د. عبدالحليم عويس. (تفسير التاريخ: المصطلح والخصائص والبدايات الأولى)، مجلة المسلم المعاصر، بيروت، لبنان، العدد 41 السنة 11، 1405، 1985 (ص38ـ39).
(11ـ12) يوسف كمال محمد. (فلسفة التاريخ كما بينها القرآن)، مجلة المسلم المعاصر، بيروت، لبنان، عدد 3. السنة الأولى، 1395هـ، 1975م (ص20، 21) بتصرف.
(13) د. نبيل محمد توفيق السمالوطي، المنهج الإسلامي في دراسة المجتمع، دار الشروق، السعودية، ط1، 1400هـ 1980م (ص52).
(14) د. محمد سعيد رمضان البوطي، منهج الحضارة الإنسانية في القرآن، دار الفكر، دمشق 1405هـ ـ 1985م ط1، 1983 (ص36).
(15) د. عماد الدين خليل، (في التفسير الإسلامي للتاريخ) مجلة المسلم المعاصر، بيروت، لبنان، العددان، 1، 2 السنة الأولى، 1395هـ 1975م (ص18، 19).
(16) يوسف كمال محمد، المرجع السابق، (ص24).
(17) مالك بن نبي، شروط النهضة، ترجمة: عبد الصبور شاهين وعمر كامل مسقاوي، دار الفكر، دمشق، 1406هـ/1986م، (ص61).
(18) د. عماد الدين خليل، مجلة المسلم المعاصر، العددان، 1، 2 (المرجع السابق)، (ص11).
(19) عماد الدين خليل، المرجع نفسه، (ص12).
(20) النساء: 172.
(21) النساء: 56.
(22) د. عماد الدين خليل، المرجع السابق، (ص28).
(23) المرجع نفسه، (ص28).
(24) الأعراف: 55.
(25) د. عمادالدين خليل، المرجع السابق (ص33).
(26) مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، ترجمة، عبد الصبور شاهين، دار الفكر، دمشق، 1406هـ، 1986م (ص26، 27).
(27) د. عبد الحليم عويس، (نقد كتاب، التفسير الإسلامي للتاريخ)، مجلة المسلم المعاصر، بيروت، لبنان، العدد 13 الصادر في 1398هـ، 1978م (ص160).
(28) مالك بن نبي، ميلاد مجتمع، ترجمة عبد الصبور شاهين، دار الفكر، دمشق، 1406هـ، 1986م، (ص23).
(29) د. عبد الحليم عويس، (الغزو الثقافي في المجال التاريخي)، مجلة المسلم المعاصر الكويت، العدد 47، السنة 12، 1406هـ، 1986م (ص52).
(30) د. عماد الدين خليل، المرجع السابق، (ص16).
(31) الشعراء: الآيات من 123 إلى 140.
(32) د. عماد الدين خليل، المرجع السابق (ص20).
(33ـ 34) د. مصطفى كمال وصفي (التفسير الروحي للتاريخ)، مجلة المسلم المعاصر، بيروت، العدد 7. الصادر في 1396هـ، 1976م (ص169).
(35) المرجع السابق (ص170).
(36) البلد: 4.
(37) د. عماد الدين خليل (في التفسير الإسلامي للتاريخ)، مجلة المسلم المعاصر، العدد الافتتاحي، 1394هـ، 1974م (ص70).
(38) سورة، ص: الآيات (78 إلى 83).
(39) طه، 123 ـ 124.
(40) الأعراف، 27.
(41) د. عماد الدين خليل، العدد الافتتاحي (ص72).
(42) الرعد، 12.
(43) د. عماد الدين خليل، المرجع السابق، (ص74).
(44) البقرة، 249.
(45) الحج، 38، 39.
(46) د. عماد الدين خليل، المرجع السابق (ص77).
(47) د. عماد الدين خليل (حول إسلامية تفسير ابن خلدون للتاريخ)، مجلة المسلم المعاصر، بيروت، لبنان، العدد 32، الصادر في 1402هـ، 1982م (ص25).
(48) د. عبد المجيد مزيان (من أجل خلدونية جديدة مبدعة)، مجلة الثقافة، تصدرها وزارة الثقافة، الجزائر، العدد 77، السنة 13، 1403هـ، 1983م، (ص18).
(49) د. عماد الدين خليل، المرجع السابق (ص26).
(50) المرجع السابق باختصار.
(51) ابن خلدون، المقدمة (ص1096، 1097).

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة