شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
انطلقت فكرة الكتاب من إجابات وملاحظات سجلها المؤلف وهو يحاول الإجابة عن سؤال ابنته الصغيرة، لماذا أصبحت مسلماً يا أبي؟
مؤلف الكتاب هو دكتور أمريكي متخصص في الرياضيات، وينحدر منýاسرة كاثوليكية، كان قد اعتنق الإسلام عن قناعة وبحث واطلاع واسع على الثقافة الإسلامية، ثم زار عدداً من الدول الإسلامية. الكتاب كما يقول مؤلفه ليس مرجعاً عن الإسلام في الولايات المتحدة، وإنما عرضاً أميناً لتجربته في الإسلام، وكيف استجاب وتعاطى مع الدين الجديد، فهو يشبه إلى حد بعيد مذكرة أو سيرة ذاتية تتعلق بهذا التحول العقائدي وما أثاره لدى المؤلف من قضايا جديدة، لكنه جعل من محطات هذه السيرة مدخلاً للحديث ومعالجة قضايا تخص المعتنقين للإسلام في المجتمع الأمريكي، والمشاكل النفسية والإجتماعية والحضارية التي يعانون منها.
وفي خضم حديثه عن هذه المشاكل عالج بعض الإشكالات الفكرية الإسلامية، مثل دلائل القرآن والعلم، العدالة الإلهية وغيرها من المواضيع التي أشار إليها في فصول كتابه وعالج بعضها بالتفصيل.
الفصل الأول خصه لإلقاء الضوء على قرار اعتناقه للإسلام، وفي الفصل الثاني تحدث عن دور القرآن في اتخاذه لقرار الإعتناق، أما الفصول الثلاثة والتي تشكل الجزء الأكبر من الكتاب فيقول عنها المؤلف: «هي في الحقيقة ملحقات لهذه المواضيع (مواضيع الفصلين الأول والثاني)، وهي تعالج الصعوبات التي واجهتها بعد اعتناقي للإسلام، وتصور صراعي للإنخراط في حياة الجالية الإسلامية..».
ويبقى هذا الكتاب كما يقول مترجمه عميق في طروحاته جريء في آرائه، لتناوله قضايا مصيرية متجددة في الفكر الإسلامي المعاصر، كما يقدم انطباعات فكرية شخصية وموضوعية،تحتاج إلى بحث وتحليل ورد لأنها تلخص مجمل القضايا التي يعاني منها المواطن الغربي عندما يعتنق الإسلام وينتقل للعيش ضمن التجمعات الإسلامية ويحتك بأفرادها.
يقدم هذا الكتاب دراسات وبحوثاًعلمية مطولة حول المذاهب الفقهية الخمسة،ýاي الإمامي والحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، فيؤرخ لأئمتها ويتحدث عن الظروف والملابسات التي واكبت نشأتها، ومراحل تطورها، كما يعرض لأصولها والمصادر التي اعتمدها أصحابها ومؤسسوها في استنباط الأحكام الشرعية، بالإضافة إلى الكشف عن مناهجها المعتمدة وخصائصها التي تميزت بها، مع التعريف بأهم المراكز والمناطق التي تحتضن مدارسها وطلابها ومقلديها في طول العالم الإسلامي وعرضه.
وإذا كان موضوع الكتاب ليس جديداً، لأن عدداً من العلماء والفقهاء واصحاب هذه المذاهب كتبوا حول مذاهبهم وأرخوا لها وتحدثوا عن جميع الجوانب العلمية خصوصاًالتي تميزها عن غيرها، كما وجد من ألف أو أرخ لهذه المذاهب في إطار موسوعي متفاوت، لكن ما يضيفه هذا الكتاب هو التأريخ للمذهب الشيعي الإمامي جنباًإلى جنب المذاهب الفقهية السنية المعروفة، لأن الكتاب والمؤرخين السنة لم يتحدثوا عن هذا المذهب ولم يعرضوا لآراء أئمته واجتهاد علمائه إلا نادراً ومن باب النقد أو الرد. وخصوصاً القدماء منهم الذين أنجزوا موسوعات فقهية مقارنة.
هذا بالإضافة إلى كون هذا التأليف أو الإنجاز قد توفرت فيه الشروط العلمية الأكاديمية، فالذين أنجزوا هذا التأريخ والتوثيق هم دكاترة وأساتذة مختصون في مجال الفقه، كما تحدث كل واحد منهم انطلاقاًمن إيمانه بالمذهب الذي يؤرخ له وحرصه على تقديمه والتعريف به بموضوعية علمية.
كتب عن المذهب الإمامي الدكتور عبد الهادي الفضلي وهو أستاذ في جامعتي الملك عبد العزيز بجدة والجامعة الإسلامية بلندن. وكتب الدكتور محمد وفاريشي وهو أستاذ في كلية الشريعة (جامعة دمشق) عن المذهب الحنفي، أما الأستاذ محمد كسحال الجزائري وهو من علماء دمشق فكتب عن المذهب المالكي، وأخيراً قام بالتعريف بالمذهبين الشافعي والحنبلي كل من الدكتور وهبة الزحيلي رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه في كلية الشريعة (جامعة دمشق)، والدكتور أسامة الحموي أستاذ في كلية الشريعة (جامعة دمشق) كذلك. وقد أرخ الأول للمذهب الشافعي والثاني للمذهب الحنبلي.
للقانون ماهية ومقومات، وأقسام، كما أن الحديث عنه بمختلف أبعاده وشتى مسائله مفصل جداً. والمؤلف في هذا الكتاب لم يهتم بالمزايا الإصطلاحية، وإنما اهتم بعرض القانون الإسلامي، فلسفة وقانوناًومصدراً، وإذا كان القانون كما عرفه البعض، معرفة كلما يلزم الإنسان أن يعمله تجاه نفسه، وتجاه ربه، وتجاه أسرته ومحيطه، وتجاه الطبيعة، فإنه بهذا المعنى كما يقول المؤلف «يشمل الشريعة بمختلف فروعها الفقهية والأخلاقية والتربوية مما يعم قانون الفرد والحكومة في مختلف مجالات الحياة: الإجتماعية والإقتصادية والتجارية وغيرها...»
بحوث الكتاب لاتندرج ضمن أبواب أو فصول وإنما تندرج في إطار سياق عام يتعلق بعدد من المواضيع والعناوين المختلفة والمتعددة، لكنها تدخل في صميم معالجة القانون الإسلامي وقضاياه، مع بعض المقارنات الضرورية بين الحين والاخر بين القانون الإسلامي والقوانين الغربية. لكن من خلال العناوين يمكن تبويبها ضمن مواضيع رئيسية، فهناك حديث عن القانون الإسلامي بشكل عام مثل: مصادر القانون في الإسلام، أقسام القانون، من ميزات قانون الإسلام، منشأ حدوث القانون. وهناك حديث عن أقسام القانون في إطار مقارن مثل، قانون العقوبات، أسلوب تطبيق القانون، أوليات تطبيق القانون، وهناك كما قلنا مواضيع متعددة كلها تندرج ضمن معالجة قضايا التشريع الإسلامي بشكل عام مثل: القانون والعرف العام، القانون وموارد النزاع، القانون وملكية الحقوق، النية وأثرها في القانون، القانون وانفتاح باب الإجتهاد والقضاء، القانون بين التشريع والتطبيق.. وغيرها من المواضيع والعناوين التي عالجها هذا الكتاب.
البحث في قضايا الإجتهاد والتقليد، من المواضيع التي كثر حولها التأليف قديماً وحديثاً، لكن ما يميز كتابات الشيخ محمد مهدي شمس الدين في هذا المجال ليس المعالجة الموضوعية المستندة إلى الكتاب والسنة واستعراض أقوال العلماء وشرحها وتوضيح غوامضها. وإنما في الجديد الذي يقدمه الشيخ أثناء علاجه لهذه القضايا،وبالخصوص في قضية الإجتهاد والتقليد. لأن عدد من المسائل المتعلقة بهذه القضية ماتزال بحاجة إلى بحث ودراسة وإبداء الرأي وإعمال العقل فيها، وهذا ما يقوم به الشيخ شمس الدين في مباحث هذا الكتاب.
تحدث المؤلف في المقدمة بعد أن عرف المقلد والحكم الشرعي، تحدث بالتفصيل عن الأدلة الشرعية المشهورة لدى الإمامية وهي: القرآن والسنة والإجماع ودليل العقل، ثم عرض الأدلة الأخرى المعتبرة لدى بعض المذاهب الفقهية الأخرى مثل: شرع من قبلنا ومذهب الصحابي، ثم انتقل للحديث عن الأصول العملية.
ينقسم الكتاب إلى أربعة أبواب وعشرين فصلاً بالإضافة إلى سبعة ملاحق، الباب الأول حول الإجتهاد، حيث عرف في الفصل الأول الإجتهاد وإمكانه ومقدماته وحكمه، وفي الفصل الثاني تحدث عن التخطئة والتصويب. وفي الفصل الثالث عالج مسألة الإطلاق والتجزي في الإجتهاد، أما في الفصل الرابع فتحدث عن مجال الإجتهاد ومناطق الفراغ التشريعي.
الباب الثاني خصصه للتقليد، فعرفه في الفصل الأول منه وبين حقيقته. وفي الفصل الثاني تحدث عن مشروعية التقليد في الشرعيات، وعالج في الفصل الثالث مورد التقليد، أما في الباب الثالث فتحدث عن الشروط المعتبرة في الفقيه مرجع التقليد، حيث عالج في فصوله الإحدى عشر: البلوغ، الإيمان، الذكورة، العدالة، الإجتهاد، الحياة، شروط أخرى، الأعلمية، معنى الأعلمية، وحدة المرجعية وتعددها.
وأخيراً الباب الرابع حول الإحتياط، وقد عالج في فصوله الثلاثة المواضيع التالية: عبادة تارك طريقي الإجتهاد والتقليد، الإحتياط باعتباره إحدى نتيجتي الإجتهاد، الإحتياط باعتباره من شؤون المقلدي. هذا بالإضافة إلى ملاحق متعددة.
إذا كانت الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني استطاعت أن تحقق المصالحة بين الدين والسياسة، فإن السيد محمد خاتمي الذي فاز في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة، جاء ليحقق مشروع المصالحة بين الدين والحريات في المجتمع المدني الجديد، هذا ما يؤكده أو يريد الصول إليه مؤلف كتاب الخاتمية محمد صادق الحسيني.
يقوم المؤلف من خلال الأبواب الأربعة للكتاب، بمتابعة شبه تأريخية لما يسميه بظاهرة الخاتمية، وكيف وصل خاتمي للحكم في الجمهورية الإسلامية، وما هي الآمال المعقودة على فترة حكمه والتطلعات الجماهيرية التي تنتظر الإصلاحات التي وعد أثناء حملته الإنتخابية بالقيام بها.
ينطلق الكتاب من انتخابات سنة 1996م التشريعية باعتبارها كشفت عن أشراط التحول في المزاج السياسي الإيراني، مستعرضاً بنوع من التفصيل الوقائع والأحداث السياسية التي لعبت دوراًمهماً في تهيئة الساحة السياسية والاجتماعية لقبول التغيير والاستعداد له بل المطالبة به، في الباب الثاني تحدث المؤلف عن أفق المعركة الرئاسية، في إطار سياقات الثورة الدائمة وتحديات الدولة المعاصرة، ومراكز صناعة القرار في إيران، وصولاً إلى انطلاق ماراتون الرئاسة وتحديات الإصلاح بين المرشحين للرئاسة والتيارات السياسية المختلفة التي تدعمهم.
أما في الباب الرابع الذي عنونه بـ: خاتمي رئيساً، فقد خصه للحديث بالتفصيل عن يوميات انتخاب الرئيس خاتمي والملابسات التي أحاطت بهذا الإنتخاب واسباب فوزه الساحق، والدعم الجماهيري الذي حظي به، ثم تطرق للوضع الداخلي الإيراني أو الملفات المحلية التي تنتظر «الجمهورية الثالثة» على حد قوله، مذكراً بالأفكار والشعارات التي نادى بها السيد خاتمي وأنه يدعو ويروج لثقافة الحوار ودولة القانون وتحقيق ذلك على المستويين المحلي والعالمي. كما تحدث عن التحديات الداخلية التي تواجه الرئيس خاتمي. وفي الفصل الثاني من هذا الباب تحدث عما أسماه بثورة الخطاب في سياسة خاتمي الخارجية، مركزاً على المبادرة التي تقدم بها الرئيس خاتمي لفتح مجال للحوار بين الشعوب والحضارات بشكل عام. وكيف إن إيران قد استطاعت خلال المؤتمر الإسلامي الأخير الذي استضافته طهران أن تحقق انتصارات مهمة في طريق التطبيع وتحسين علاقاتها مع الدول العربية بالخصوص.
وأخيراًجاءت مواضيع الباب الرابع الذي عنونه بـ: إيران الداخل أو صناعة السياسة في جمهورية مواطنين، متنوعة ومختلفة لكن سياقها العام يكاد يكون واحداً لأنها تعالج قضايا الداخل الإيراني السياسية والإجتماعية، ومن عناوين هذا الفصل نذكر: معركة القانون والنزال المحتدم بين الجمهوريين والمحافظين، خاتمي صمام الأمان، شارع الصحافة الإيراني والركن الرابع للديمقراطية، القيادة الإيرانية ومواكبة رياح التغيير، الخاتميون ودعوة المصالحة التاريخية، وغيرها من المواضيع والعناوين الكثيرة.
في علاقة النص بالإجتهاد، واجه الفكر الإسلامي ويواجه نزعات من الغلو، تراوحت كما يقول المؤلف بين الإفراط والتفريط. فهناك النزعة النصوصية الحرفية التي مثلها الحشوية القدماء والجدد الذين وقفوا عن ظواهر النصوص ورفضوا التأويل وأنكروا المجاز في اللغة، وهناك النزعة الباطنية الغنوصية التي ادعت بأن لكل ظاهر باطناً ولكل تنزيل تأويلاً، مما جعلها تتجاوز المعاني والأحكام التي جاءت بها النصوص الدينية، واليوم مع بروز انتشار معطيات فكرية جديدة على الساحة الإسلامية متمثلة في فلسفات التنوير ومناهجها الوضعية العلمانية، فإن النص الديني الإسلامي وجد نفسه مرة أخرى أمام تحدٍ من نوع جديد، فالمثقفون الجدد الذين تأثروا بهذه المناهج، يتعاملون مع النص الإسلامي بنفس الرؤية النقدية والتحليلية التي عالج بها مثقفو وفلاسفة التنوير الغربيون النص الديني في كل من اليهودية والمسيحية وبالتالي فقد ظهرت دعوات تدعو للنظر إلى النص الإسلامي في إطار تاريخية معانيه وأحكامه، وربط مفهوم التشريع وغاياته بهذه التاريخية.
لذلك فما يقوم به المؤلف هو توجيه النقد لهذه النزعات الوضعية المتغربة، لبيان فساد منطلقاتها، حيث عرض لدعوات بعض المثقفين العرب مثل المستشار محمد سعيد العشماوي الذي «يدعوýإلى ربط أحكام القرآن الكريم وتشريعاته بأسباب النزول، وصولاً إلى الإدعاء بوقتية أحكام القرآن الكريم..»
تحدث المؤلف في بحوث الكتاب عن النظرية الإسلامية في التأويل وحدد ضوابطه حتى لاتؤدي ممارسته ـ أي التأويلـ دون ضوابط إلى السقوط في الشطحات.
ثم يتحدث عن علاقة النص بالإجتهاد وما أثارته هذه العلاقة ومازالت تثيره من ملابسات وإشكالات، لذلك وجد المؤلف نفسه يعرض لمفهوم الإجتهاد ويتتبع أقوال العلماء فيه، لمعالجة هذه الملابسات والقضايا التي طرحت من جديد داخل الأوساط الفكرية والدينية الإسلامية.
صدرت خلال السنوات الأخيرة مجموعة من الكتب حول المثقف ودوره وما يمكن أن يقوم به أو يقدمه لمجتمعه الذي يتخبط في عدد كبير من الإشكاليات الفكرية والسياسية والإجتماعية، وقد اتجهت هذه البحوث بالإضافة إلى محاولة تأصيل وضعه والدفاع عن وجوده إلى نقد ممارساته وتفكيره وتوجهاته وأحلامه. لكن ما يجمع بين هذه الكتب والدراسات هو اتهامها للمثقف بالسقوط في متاهات السياسي وحيرته وعدم تمكنه من الوصول إلى المكانة التي ظل يحلم ويعمل من أجل الوصول إليها. لذلك ظهرت كتابات تتحدث عن نهاية دوره، وأن عليه أن يرحل ويغادر الوسط الفكري والإجتماعي، لأن طموحاته لم يعد لها جدوى في عصر نهاية الإيديولوجيات وسيطرة العولمة.
في خيارات المثقف، هناك إعادة وطرح للإشكاليات التي أثارها ولايزال يثيرها المثقف العربي، في عدد من المجالات، بالخصوص في علاقته بالسلطة، وتحديد دوره الإجتماعي، في بياناته ـ كما يقول المؤلف ـ ذات الطابع السحري عن الديمقراطية وفي نقده المؤدلج للنص في الوقت الذي يزعم فيه أنه يقوم بقراءة معاصرة، في تصوره النمطي عن الآخر والذي يقودنا باستمرارýإلى معادلات مستحيلة الحل...
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أبواب، الأول تحدث فيه المؤلف عن مجموعة من المواضيع مثل: خيارات المثقف، مثقف ما بين الحضارات، رهان المثقف العربي في نهاية القرن، في البحث عن علاقات فارقة للمثقف العربي.
أما الباب الثاني فعالج فيه المواضيع التالية: الأحكام النظرية في فكرنا المعاصر، الخطاب والسلطة، الغرب في المتخيل العربي، سحر القول في الديمقراطية، ومن عناوين الباب الثالث نجد: الخطاب النسوي المعاصر، بيان سياسي من أجل العقل السياسي العربي، نحو قراءة جديدة للمشروع النهضوي العربي.
يرى المؤلف أن الذين يتعاطون الشأن الفكري، قد اعتادوا على وضع الفكر مقابل الممارسة، في حين أن النشاط الفكري هو ضرب من ضروب الممارسة، وبما أن تغيراً في الممارسات الفكرية قد حدث، فإن هذا التغير يستدعي التفكير في آلة منطقية جديدة، هذا المنطق الجديد الذي يسميه المؤلف «المنطق التحويلي» «لايهتم بقوانين الفكر ومعايير الصدق بقدر ما هو انخراط في ممارسات فكرية تحاول قراءة ما يجري على مستوى الفكر، وما تغدو به الفكرة نفسها حدثاً بالذات..».
إن عبارة المنطق التحويلي، تعتبر في نظر المؤلف مستحدثة ومقولة جديدة، فالتحويل ليس مجرد عمليات حسابية أو قواعد رياضية تتيح لناýأن نفسر كيف يكون ممكناً توليد ما لايتناهى من النماذج والصيغ أو التراكيب، مما يتناهى من العناصر والوسائل والقواعد كما يقول المؤلف، وإنما للتحويل مضامينه المفهومية إذ هو مفعول من مفاعيل اللغة.. إنه خبرة بالوجود واندراج في العالم أو علاقة مع الواقع، بقدر ما هو علاقة باللغة ومناعة للذات أو انتاج للحقيقة...
وعليه فالسؤال الذي يحاول المؤلف الإجابة عنه خلال مباحث هذا الكتاب هو: هل المنطق التحويلي هو منطق الممارسة الفكرية عامة؟
يتضمن الكتاب ثلاثة أقسام: القسم الأول حول: المنطق التحويلي، يتحدث فيه عن: تحولات المنطق، ونقد المنطق، ومنطق التهافت والفكرية والهوية. في القسم الثاني: قراءات تحويلية، يتحدث عن تشومسكي ومأزق النحو التوليدي ، وذكرى ديكارت: تحولات الكوجيطو، طه عبد الرحمن ومشروعه العلمي: في فقه الفلسفة، نقد كارل بوبر، وغيرها من المواضيع.
أما القسم الثالث: تحولات الحداثة، فنقرأ فيه العناوين التالية: أوهام الموضوعية وسبات الحداثة، الفلسفة فيما بعد الحداثة، نقد العقلانية النقدية، وأخيراًالفرق والتحويل.
يحاول هذا الكتاب الخامس من سلسلة كتب قضايا إسلامية معاصرة، أن يصوغ رؤية أولية تكشف عن معالم وأبعاد علم جديد آخذ في التشكل ويتعلق بفلسفة الفقه على غرار البحوث المتقدمة التي أنجزت من قبل وتتعلق بفلسفة القانون. كما يحاول أن يوضح العلاقة التي تربطه بالعلوم الشرعية خاصة أصول الفقه وكذلك الفقه.
والدعوة إلى التفكير في بناء علم «فلسفة الفقه»، انطلقت خلال العقد الأخير عندما اقترح أحد العلماء في العدد الأول من مجلة «نقد ونظر» التي يصدرها مكتب الإعلام الإسلامي في الحوزة العلمية أن يتم الإهتمام بدراسة «فلسفة الفقه» لمعرفة خلفيات هذا العلم وتوضيح مناهجه ومرتكزاته ـ وعليه فالعلم الجديد سيتجاوز ما أثمرته البحوث الأصولية لأنه سيتناول بحوثاًجديدة أوسع وأعمق مثل التعرف على أهداف الفقه ومصادره وعلاقته بالزمان والمكان وتأثيره وتأثره في باقي العلوم، ودراسة العوامل والأحداث التاريخية التي أثرت في تطوره وكذا اسباب تنوع الفتوى واختلاف الإجتهاد. وبتعبيرآخر كما يقول عبد الجبار الرفاعي (رئيس تحرير مجلة قضايا إسلامية التي أصدرت هذا الكتاب)، إن فلسفة الفقه تنقلنا إلى «ماوراء أصول الفقه» و«ماوراء الفقه» فتقودنا إلى آفاق متعددة، وتمنحنا رؤية معمقة تبصرنا بما يكتنف فهم النصوص وتحديد مدلولاتها من عوامل، وغيرها من الأهداف التي قد يكشف عنها تطور هذا العلم لأنه مازال في طور الولادة والنمو.
مباحث الكتاب حددها الكاتب في عنوانين رئيسين، الأول تعريف فلسفة الفقه، باعتباره علماً جديداً ودراسة علاقته بالعلوم الأخرى، ثم تحديد منهجه ومسائله.
أما العنوان الثاني فهو: الفقه والزمان، وقد عالج المؤلف من خلالها عدة قضايا شائكة تتعلق بالفقه وتطوره عبر الأزمنة، انطلاقاً من تدوين المتون القانونية علىýأساس الفقه الإسلامي، وتدوين الموسوعات الفقهية وغيرها من المواضيع الشائكة التي لها علاقة بالفقه الإسلامي وتصب معالجتها في وضع وتأسيس المعالم الأساسية لفلسفة الفقه.
انطلقت من خلال هذا القرن دعوات كثيرة، تطالب باصلاح علم الكلام وتجديد مباحث هذا العلم المهم الذي يعالج أصول الدين الإسلامي ويقدم أهم قضية فيه وهي مسألة التوحيد، وهذه الدعوات انطلقت من رؤية نقدية للتراث العلمي الذي خلفه علم الكلام الإسلامي والذي تميز باختلاف التفسيرات وتعدد المواقف، مما جعل هذا العلم يتجه وجهة نظرية تجريدية.
وقد تبلورت هذه الدعوات متجهة نحو صياغة جديدة لعلم الكلام، فظهرت مؤلفات تنحو باتجاه التجديد والنقد للبنى والمناهج القديمة، فكتب شبلي النعماني الهندي المتوفي سنة 1332هـ كتاباًأطلق عليه اسم «علم الكلام الجديد» وبعده انطلقت محاولات عديدة لإصلاح علم الكلام وتوظيف العقيدة في الصراعات التي تخوضها الأمة من المشاكل والتحديات الجديدة. ومن الأسماء التي خاضت هذا المعترك وحاولت تقديم رؤية نقدية جديدة نجد السيد جمال الدين الأفغاني وتلميذه محمد عبده وبعدهما محمد إقبال والسيد محمد حسين الطباطبائي والشيخ مرتضى المطهري والسيد محمد باقر الصدر وغيرهم.
أما هذا الكتاب فهو محاولة لتأصيل المعالم والمرتكزات التي يقوم عليها علم كلام جديد. حيث ينطلق من دراسة اسس وآليات الثبات والتحول في المعرفة الايمانية باعتبارها الأرضية الثابتة التي سينطلق منها هذا العلم من جديد، كما يقدم رؤية نقدية فاحصة لعلم الكلام التقليدي لتحديد مهامه ومن ثم الإجابة على مجموعة من الأسئلة والإشكاليات التي يفجرها هذا النقد. أما المبحث الثاني فيخصصه للحديث عن علم الكلام الجديد انطلاقاً من عدة معطيات أهمها الوضع السياسي، الوضع الجامعي، عوامل نشأة علم الكلام الجديد، قضايا النص الديني وفهمه وعلاقة الدين بالعقل والعلم، ومجالات الإجتهاد وغيرها من المواضيع المهمة التي تصب معالجتها في التأسيس لعلم الكلام الإسلامي الجديد.
يرى المؤلف أن الثقافة العربية اليوم في مأزق وعند مفارق طرق. وهذا المأزق ناشىء من حيرة الثقافة، أو ربما شعورها بالعجز،أما مظاهر هذه الحيرة فتتجلى في صعوبة تحديد العلاقةبين الثقافة والسياسة والآخر والثقافات الأخرى، كذلك في إيجاد صيغة عقلانية للنظرýإلى الماضي والتعامل معه، وأيضاً في النظر إلى المستقبل وكيف يمكن الوصول إليه..
أما بحوث هذا الكتاب ومقالاته فلا تقدم أجوبة جاهزة على هذه الأسئلة أو التساؤلات، ولاتعالج مأزق الثقافة العربية بتقديم حلول نظرية نمطية، وإنما اهتم المؤلف بطرح عدد من المشاكل والإشكاليات التي تتعلق بعلاقة الثقافة والسياسة، لأن هذه العلاقة كما يقول إشكالية كبرى في هذه المرحلة، لأن الخيبات الكثيرة التي تلاحقت خلال المراحل الأخيرة ولّدت مناخاً ملتبساً، وهذا المناخ حمل معه أوهاماً، الأمر الذي يقتضي فتح حوار واسع من أجل الوصول إلى صيغة جديدة تحدد العلاقة بين الثقافة والسياسة وبين المثقفين والسياسيين..
كذلك الأمر بالنسبة لعلاقة الإعلام بالثقافة، ودور المثقف في المرحلة الراهنة، وكما قلنا لم يكن طموح المؤلف تقديم الحلول وإنما طرح الأسئلة بطريقة صحيحة أما الحلول والإجابات المتكاملة فهي رهن بآراء الاخرين ومشاركتهم. العناوين التي ناقشها المؤلف جاءت مختلفة ومتباعدة، لكنها تندرج ضمن سياق واحد، كونها من المشاكل والهموم التي تعاني منها الساحة العربية من هذه العناوين نذكر: النهضة: الصعود والإخفاق، الثقافة الوطنية واقع وتحديات، مثقف اليوم ليس شاعر القبيلة، سقوط الإتحاد السوفياتي، الدين وحرية الرأي، السياسة والثقافة في العالم العربي، الرواية وشجون أخرى.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.