تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

ما السبيل لنهوض الثقافة الإسلامية نحو العالمية؟

عبد العزيز بن عثمان التويجري


إن وضع الثقافة الإسلامية في عالمنا اليوم مع الأسف الشديد, وضع غير مبهج للنفس وغير مقنع للعقول وذلك لأسباب عديدة منها: انفصام العلاقة بين كثير من المثقفين في العالم الإسلامي وبين مصادر الثقاف الإسلامية, وضعف الرؤية لدى بعض المشتغلين بالثقافة, فيما يخص وضع العالم الإسلامي, وأولويات النهوض بهذا العالم ليصل إلى مصاف الأمم والدول المتقدمة فكرياً‏وصناعياً‏وتقنياً, ومنها أيضاً‏التباعد الكبير بين المثقفين في العالم الإسلامي, وعدم معرفة بعضهم بعضاً, والظروف الصعبة التي تعيشها الأوساط الثقافية في عدد كبير من دول العالم الإسلامي, والتي تحرمهم من مواصلة إبداعهم وإثراء وإغناء العمل الثقافي, بما يخدم قضايا الثقافة الإسلامية, هذه الأمور مجتمعه مع غيرها, تجعل بلا شك من الثقافة الإسلامية المعاصرةن ثقافة غير قادرة على منافسة الثقافات العالميةن التي تعيش ثورة في مجالات المعلومات والاتصالات, وفي ظل ما أصبح متعارفاً‏عليه بأنه عصر العولمة الذي انفتحت فيه الآفاق وأزيلت الحواجز, وأصبح العالم فيه قرية كونية.
هذا بلا شك يجعل المجتمعات الإسلامية عرضة للتأثر بما ينتجه غير المسلمين من ثقافات وبالتالي يؤثر على النظم المعرفية والقيمية في مجتمعاتنا, ويجعل هذه المجتمعات تعيش حالة انفصال وارتباك وتشويش, نرى آثارها اليوم في كثير من شبابنا الذين بهروا بما تنتجه الحضارة الغربية, وأصبحوا يقلدون الغرب في أزيائهم وعاداتهم وفي سلوكهم, وابتعدوا عن الهوية العربية الإسلامية التي هي لباسهم الحقيقي, هذه هي الحقيقة التي نعيشها اليوم, وهذا هو حاضر وواقع الثقافة الإسلامية اليوم مع الأسف الشديد.
أما بالنسبة للأليات المقترحة للنهوض بالثقافة لتأخذ مكانها ضمن هذه العولمة الثقافية الغربية المهيمنة, فنحن نفتقر للأساس الذي نرتكز ونركن إليه, لأن الثقافة الإسلامية ثقافة غنية في جميع مجالات الفكر والمعرفة,‏وقد ترك لنا السلف الذي أبدع وأنتج تراثاً ضخماً في مجالات المعرفة كلها, والثقافة الإسلامية كما هو معروف مصادرها الأساس القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة, وبعد ذلك, ما أنتجه علماء المسلمين ومجتهدوهم من إبداعات في مجالات المعرفة المختلفة, هذا التراث الحضاري الضخم لابد من إعادة النظر في كيفية النظر فيه, أن نفحصه ونستخلص منه ما يصلح أن يكون منطلقاً للأمة الإسلامية لتدخل ميدان العالمية.
لايمكن لأي أمة أن تدعي أنها أمة تحمل ثقافة, إذا كانت هذه الثقافة التي تحملها لاتتناسب مع شخصيتها التاريخية, لايمكننا أن نستعير ثقافات الأمم الأخرى أو نرفع الثقافة التي ندعي أنها ثقافتنا بثقافات الأمم الأخرى, لأن ذلك سيصبح مسخاً.
لابد أن يكون لثقافتنا السمة المميزة لها, والثقافة العربية الإسلامية تحتاج إلى إنهاض الههم, وتحريك كوامن الإبداع في عقول المثقفين ونفوسهم, وتوظيف العطاء الحضاري الضخم الذي هو بين أيدينا اليوم, لنبني عليه ما يوائم ويناسب الواقع الذي نعيش فيه, ويستشرف كذلك المستقبل الذي نتجه نحوه متسلحين بأدوات العصر ووسائله, العالم يستخدم أنظمة متطورة, ويوظف وسائل حديثة, لايمكننا نحن في العالم الإسلامي, وبوسائلنا البدائية والتقليدية, أن ندخل ميدان العالمية, وأن نكون في نفس المستوى الذي تقف فيه ثقافات الأمم الأخرى, هذا هو الأساس الذي به نتحرك, وهذه هي الآلية الفاعلة التي تنقلنا من حالة الركون والسكون والضعف إلى حالة التحرك والإبداع والعطاء والتأثير في الثقافات الأخرى.
الثقافة العربية الإسلامية, قادرة على الصمود في ميدان التدافع الحضاري, لكنها تحتاج إلى من يوظفها التوظيف السليم, وأن يجعلها ثقافة تعيش العصر, وتحل مشكلاته وتتفاعل مع قضاياه, لأن الذهاب إلى الماضي والعيش فيه لايضمن لنا السلامة الفكرية ولا السلامة الثقافية, لابد من فتح أبواب الإجتهاد كلها, وتوظيف الإجتهاد ليناسب قضايا العصر ونوازله, صحيح أم علماءنا المجتهدين السابقين, أثروا الإجتهاد, وبنوا صروحه, ورسموا معالمه, ولكنهم كانوا يعالجون قضايا ونوازل وقتهم, ونحن نعيش اليوم في وقت تتكاثر فيه القضايا, وهي مختلفة كل الإختلاف عما كان يعيشه أسلافنا, لذلك لابد أن يكون الإجتهاد قادراً‏على التصدي لمثل هذه الأمور بمنطق وروح العصر.
أيضاً‏لابد أن توظف أجهزة الإعلام, التوظيف السليم لنشر ثقافتنا الإسلامية وغرسها في نفوس الناس, لابد أن يكون إعلامنا قادراً على أن يغير من أساليب حياتنا, ويربطها ربطاً‏محكماً‏بأصولنا الحضارية, فلا يمكن لأي أمة من الأمم أن تكون منبتة من جذورها الحضارية, لأن الأمم المنبته من جذورها عالة على المجتمعات والثقافات الأخرى, ثم لابد من فتح الحدود بين مثقفي العالم الإسلامي, ليعرف بعضهم بعضاً, ليتعارفوا ولتتلاقح أفكارهم, وليتعرف بعضهم على تجارب وإبداعات البعض الآخر, بهذا تتحرك الثقافة العربية والإسلامية في سائر أنحاء العالم الإسلامي في هذه الساحة الكبيرة, لكي تنمي قدراتها محلياً‏ثم بعد ذلك تنطلق نحو العالمية.
بالنسبة لخطة العمل لتنشيط الثقافة العربية والإسلامية, وما تقوم به المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم الثقافية‏(الايسيسكو) فكل الأنشطة التي تقوم المنظمة وكل البرامج التي تنفذها تصب في هذا المجال, فهي تسعى لتنمية العالم الإسلامي ثقافياً‏وتربوياً‏وعلمياً, وقد تمكنا ولله الحمد من وضع الإستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي, وأقرت هذه الإستراتيجية في القمة الإسلامية السادسة التي عقدت في دكار (عاصمة السنغال) عام 1991م ووضعنا آلية لتطبيق هذه الاستراتيجية,‏وعقد المؤتمر الإسلامي الثاني لوزراء الثقافة في العالم الإسلامي في نوفمبر (تشرين الأول) 1998 في الرباط بالمملكة المغربية, وفي هذا المؤتمر أقرت أليات تطبيق هذه الإستراتيجية الثقافية, وشكل المجلس الإسلامي الأعلى للثقافة, الذي يتكون من تسع دول أعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي, والمنظمة ستصبح هي الأداة أو الجهاز المتخصص بتطبيق هذه الاستراتيجية بالتعاون مع المؤسسات الثقافية في جميع أنحاء العالم الإسلامي.
هذا العمل يحتاج إلى تظافر الجهود, ويحتاج إلى اهتمام الدول في العالم الإسلامي اهتماماً‏مباشراً‏بقضايا الثقافة, لأنه إذا لم نول الثقافة اهتمامنا الكبير, فإننا سنبقى دائماً‏في وضع المتلقي والمستجدي للثقافات الأخرى, وهذا عار كبير على أمة أول ما نزل على نبيها الكريم قوله تعالى «إقرأ» فأمة إقرأ نصفها أميون مع الأسف الشديد اليوم.
لذلك لابد أن تكون هذه الاستراتيجية اليوم موجهة لمحو الأمية في العالم الإسلامي, لفتح أبواب الإبداع في مجالات الفكر والمعرفة, لتنظيم العمل الثقافي وتنسيقه لحفز المبدعين وتشجيعهم ليواصلوا إبداعهم, ومساعدة المؤسسات الثقافية, سواء أكان ذلك عبر المساعدات المادية أو المعنوية, أو من خلال التعاون المشترك في إطار مشروعات تنفذ من قبل هذه المؤسسات برعاية المنظمات المتخصصة, وفي مقدمتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة.

* المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة


 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة