تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

اجتماع دولي لوضع استراتيجية مشتركة للتقريب بين المذاهب الإسلامية

محمد دكير


تمهيد:
يرجع تاريخ انطلاق أول محاولة جادة للتقريب بين المذاهب الإسلامية خلال هذا القرن إلى سنة 1947م, حيث استطاع الشيخ محمد تقي القمي (ت سنة 1990), بعد زيارته للقاهرة أن يؤسس فيها: «دار التقريب بين المذاهب الإسلامية» بمساعدة مجموعة من علماء الأزهر الشريف وشيوخه «لقد كان الجو السائد عند بدء الدعوة (إلى التقريب) مليئاً‏بالطعون والتهم ـ كما يقول شيخ الأزهر محمود شلتوت‏ـ مشحوناً بالإفتراءات وأسباب القطيعة وسوء الظن من كل فريقٍ بالآخر, حتى عُدَّ تكوين الجماعة (جماعة التقريب بين المذاهب) بأعضائها من المذاهب المختلفة, السنية الأربعة, والإمامية والزيدية, نصراً‏مبيناً أهاج نفوس الحاقدين, وهوجمت الدعوة لا من فريق واحد, بل من المتعصبين أو المتزمتين من كلا الفريقين. السني الذي يرى أن التقريب يُريد أن يجعل من السنيين شيعة, والشيعي الذي يرى أننا نريد أن نجعل منهم سنيين.. حارب هذه الفكرة‏ـ‏يضيف شيخ الأزهر‏ـ ضيقو الأفق, كما حاربها صنف آخر من ذوي الأغراض الخاصة السيئة.. حاربها الذين يجدون في التفرق ضماناً لبقائهم وعيشهم..‏هؤلاء وأولائك ممن يؤجرون أقلامهم لسياسات مفرقة, لها أساليبها المباشرة وغير المباشرة في مقاومة أية حركة صلاحية والوقوف في سبيل كل عمل يضم شمل المسلمين ويجمع كلمتهم..».
لقد تعرضت جهود التقريب بين المذاهب الإسلامية لتحديات صعبة ومتعددة, كماýأشار إلى ذلك شيخ الأزهر, لكن صلابة وإخلاص المؤسسين لدار التقريب والمشاركين في أعمالها وجهودها, جعلتهم يتجاوزون عدداً‏كبيراً‏من هذه التحديات وتمكنوا من وضع اللبنات الأساسية للتقريب الحقيقي والواقعي. بين المذاهب الإسلامية المختلفة والمتصارعة. لقد استشعر القائمون على عملية التقريب والداعون إليها, خطورة الإختلافات المذهبية التي ورثها المسلمون, وقد أصبحت تساهم في تشرذم الإجتماع الإسلامي (السياسي والديني والمجتمعي), هذا الإجتماع الذي تعرض ومازال يتعرض لأخطار عديدة على رأسها الإستعمار الغربي, الذي استفاد بدوره من سلبيات هذا الإختلاف, ليعمق الفجوة والتباعد بين المجتمعات الإسلامية التي تتقاسمها هذه المذاهب المختلفة.
لذلك فقد جاءت دعوتهم للتقريب, بمثابة دعوة للتوحيد والوحدة بين مختلف الطوائف والفرق والتجمعات الإسلامية, لمواجهة التحديات الحضاريةالخطيرة التي باتت تهدد فعلاً الهوية والكيان الحضاري للأمة الإسلامية بجميع مكوناتها الإجتماعية والمذهبية. كما استطاعت الجهود الأولى للتقريب أن تحقق أول تواصل بين مجموعة من علماء وزعماء المذاهب والفرق الإسلامية المتواجدة على الساحة, هذا التواصل الذي غاب عن الساحة الإسلامية لمدة طويلة, مما جعل الحواجز النفسية والمعرفية تكبر وتتعاظم بين أرباب وأتباع هذه المذاهب, وساد الجهل المطبق والمتبادل بالآخر المخالف, بحيث انتشرت الأساطير والخرافات التي تروجها وتحيكها كل فرقة أو مذهب عن المذهب الاخر. ومما زاد في الطين بلة, أن هذا الجهل بالآخر المخالف بلغ حداً‏جعل هذه المذاهب والفرق تتبادل تهم التكفير والتفسيق والتبديع. فكل مذهب يدعي أنه هو المذهب الإسلامي الحق, الذي سيدخل أتباعه الجنة لأنهم علىالصراط المستقيم. وأن غيرهم ومخالفيهم في ضلال مبين وأن مصيرهم الجحيم لامحالة.
إن المكانة العلمية لرواد التقريب والقائمين على دعوته وشفافيتهم, وما تمتعوا به من انفتاح وسعة الإطلاع ـ‏ورغبتهم الحقيقية في علاج أسباب الإختلاف بين طوائف الأمة وفرقها ـ, كل ذلك مكنهم من وضع الاختلافات الفقهية بين المذاهب في إطارها الموضوعي باعتبارها من أهم النتائج التي أسفر عنها مبدأ الإجتهاد الإسلامي. وعليه فالتعصب والإدعاء بامتلاك الحقائق المطلقة, ورفض اجتهاد المخالفين, كل ذلك يناقض ويخالف «الحرية المذهبية الصحيحة», لذلك دعا القائمون على التقريب إلى نبذ جميع أشكال التعصب واستبدالها بالدليل العلمي والبرهان. فليس هناكýأي مجال للترجيح أو تقديم لاجتهاد على آخر, إلا باحترام الدليل العلمي, وهذا ما أكده ودعا إليه الإسلام «قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين» وباحترام الدليل العلمي, والبحث عن البراهيم النقلية والعقلية, يمكن القضاء على مجموعة من الخرافات والأساطير التي يروج لها أتباع هذه المذاهب لاتهام بعضهم البعض بالكفر والفسق والابتعاد عن مبادئ الإسلام وشريعته.
كما تمكن المشاركون في أعمال دار التقريب, وعبر كتاباتهم وما أنجزوه من بحوث ودراسات من اكتشاف ووضع اليد على الأسباب المتعددة التي انبنى عليها الاختلاف بين الفرق والمذاهب, كما تمكنوا من تصنيف هذه الاختلافات من حيث أهميتها العلمية, والملابسات التاريخية (السياسية والاجتماعية والدينية) التي جعلت من بعض الإشكالات العلمية والسياسية تتبلور في اتجاه جعلها محور صراع دائم, يتفجر بين الحين والآخر, مثل شكل الخلافة أو الإمامة الكبرى, وغيرها من المعضلات العلمية البحتة مثل إشكالية قراءة النص القرآني وتفسيره وتأويله, وما نجم عن ذلك من تعدد للقراءات والتأويلات, التي عمقت بدورها مجال الاختلاف ووسعته بين علماء المسلمين وفرقهم ومذاهبهم المتعددة.
لقد تعددت أنشطة دار التقريب في القاهرة وتوسعت باتجاه تحقيق أهدافها رغم تأثرها بالظروف والمتغيرات السياسية وتداعياتها التي جعلت مسيرة التقريب تتعثر وتتوقف في نهاية المطاف, لكنها لم تنحرف عن أهدافها رغم ذلك, ويكفي أصحابها والقائمين عليها فخراً‏ما أنجزوه في سبيل هذه الدعوة. خصوصاً مجلة «رسالة الإسلام» التي صدر العدد الأول منها سنة (1368هـ/1949م), واستمرت في الصدور إلى العدد (60) الذي صدر سنة 1972. وعندما نتصفح أوراق هذه المجلة العلمية الفصلية, لانجد بحوثاً‏ودراسات علمية أكاديمية مهمة كتبها عدد من علماء ومثقفي المذاهب الإسلامية المختلفة, ولكن تطالعنا أسماء شريحة من أهم العلماء والمثقفين الذين أثروا وأغنوا الساحة العلمية والفكرية العربية والإسلامية آنذاك, بكتاباتهم وبحوثهم القيمة في مختلف المجالات الفكرية والدينية, هؤلاء جميعاً‏كانوا من رواد حركة التقريب, ومن النشطاء والعاملين ضمن دار التقريب بين المذاهب في القاهرة مباشرة أو غير مباشرة.
من الأسماء الشيعية الإمامية البارزة التي شاركت ببحوثها القيمة والمتميزة ونشرتها في مجلة «رسالة الإسلام» نذكر: الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء, الشيخ محمد رضا الشبيبي, السيد هبة الدين الشهرستاني, السيد صدر الدين الصدر ومحمد جواد مغنية والسيد مسلم الحسيني الحلي. أما من الجانب السني المصري فقد شارك فيها شيخ الأزهر محمد شلتوت والدكتور محمد البهي والأستاذ محمد عبد الله دراز والشيخ عبد المتعال الصعيدي, والأستاذ محمد فريد وجدي والأستاذ عباس محمود العقاد. إلا أن الأسماء المشاركة في أعمال وجهود التقريب كانت كثيرة ومن الشخصيات العلمية والسياسية والاجتماعية المعروفة آنذاك في مصر وعدد من الدول العربية, مثل شيخ الزهر عبد المجيد سليم والشيخ حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين, وعلي مؤيد إمام الشيعة الزيدية في اليمن, وأمجد الزهاوي من كبار علماء العراق والحاج أمين الحسيني من فلسطين, والشيخ الألوسي وغيرهم كثير.
وإذا كان علماء الشيعة الإمامية هم من وقف وراء هذه الحركة التقريبية ودعموها وشجعوا كل متعاطف معها للمساهمة في تفعيل وتنشيط أعمالها, فقد أثمرت جهودهم بشكل متميز عندما أصدر شيخ الأزهر الإمام محمود شلتوت فتواه التاريخية بجواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية, هذه الفتوى التي أزاحت ركاماً‏كثيفاً من المقاطعة والكراهية والنفور بين أهم فريقين يتقاسمان الأمة العربية والإسلامية, وقد تبع هذه الفتوى قرارات مهمة أخرى, جعلت التقريب بين المذاهب الإسلامية حقيقة واقعية, فقد تقرر في الأزهر تدريس فقه المذاهب الإسلامية من سنة وشيعة, كما تقرر ان يضم مجمع البحوث الإسلامية أعضاء من مختلف المذاهب الإسلامية.
وككل مرة, عصفت المتغيرات السياسية وتناقض المصالح بين الأطراف المتصارعة في العالم الإسلامي وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط, بجهود التقريب, عندما ساءت العلاقات السياسية بين مصر وإيران. فأغلقت دار التقريب وتوقفت أعمالها, لكن جهود القائمين عليها لم تذهب سدى, لأنها وضعت الأسس واللبنات الأساسية لأي عمل مستقبلي يهدف للتقريب بين المذاهب الإسلامية, لأنها أنتجت تراثاً‏فكرياً تصالحياً, جربت فيه الأطراف المختلفة سلوك طريق الدليل والبرهان والحوار بالتي هي أحسن, وعرض الإجتهادات والعقائد المذهبية الخاصة ليطلع عليها المخالفون, وليتعرفوا عليها من خلال أقلام أصحابها وألسنتهم, وليس من خلال كتابات خصومهم ومخالفيهم.
كما شكل هذا التراث الذي احتضنته مجلة «رسالة الإسلام» وثيقة تاريخية مهمة, يمكن عرضها للكشف عن النوايا السيئة, التي يختبئ وراءها المعادون لأي تقريب, لان البحوث التي أنجزت ونُشرت في رسالة الإسلام وتحدثت عن المذاهب الفقهية والسياسية الإسلامية, كانت بحوثاً علمية انتهجت الموضوعية, وقدمت الأدلة والبراهين على حجم الاختلافات المذهبية, وحصرتها في إشكالات معروفة ومحددة, كما عرَّفت باتجاهات المذاهب المختلفة.
لايمكن أن نُلم بجميع الجهود والآثار التي أسفرت عنها حركة التقريب, بين المذاهب, وما قامت به دار التقريب في القاهرة من أعمال جليلة في هذا السبيل, لأن أعمالها لم تنقطع بإقفال الدار, بل ظهرت آثارها في عدد من الأعمال والندوات والمؤتمرات, بل إن الجهود الجديدة التي تقوم بها بعض المؤسسات الآن (مثل مجمع التقريب في طهران) في سبيل التقريب, إنما تتخذ دار التقريب في القاهرة نموذجاً لها, معتمدة كذلك على ما أنجزته من تراث فكري تقريبي.
لاتفوتني الإشارة هنا لعمل متميز ظهر كذلك ضمن هذه الأجواء التقريبية (السياسية بالخصوص) بين مصر وسورية, ودعَّم حركة التقريب بين المذاهب بشكل علمي رصين, ونقصد به إنجاز موسوعة الفقه الإسلامي المقارن الشهيرة بموسوعة عبد الناصر الفقهية,‏التي أعدها مجموعة من كبار أساتذة الفقه الإسلامي وأصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (القاهرة سنة 1386هـ). لقد شجع وأشرف على توجيه هذا العمل وزير الأوقاف يومذاك السيد أحمد عبد الله طعيمة, وقامت بهذا العمل والمشروع لجنة خاصة مشتركة بين السوريين والمصريين, وفي سنة 1381 هـ (23 يوليو 1961م) صدر الجزء النموذجي الأول من هذه الموسوعة. تأثرت أعمال اللجنة بظروف الإنفصال السياسي بين البلدين, لكن وزير الأوقاف آنذاك المهندس أحمد عبده الشرباصي أصدر أوامره لإعادة تشكيل اللجنة ومتابعة مشروع الموسوعة التي صدرت في (20) جزءاً, عرض فيها الفقه الإسلامي على المذاهب التسعة, منقولاً عن أهم المصادر الفقهية المعتمدة لدى هذه المذاهب, وبذلك حقق هذا المشروع أهم المطالب العلمية في عرض اجتهادات وآراء المذاهب المختلفة, ألا وهو الموضوعية العلمية واعتماد مصادر الفرق والمذاهب في التأريخ لها والكتابة حولها.
هذه المشاريع والجهود التقريبية وغيرها مما لم نذكره هنا في هذا التقديم والتمهيد, ستظهر بوضوح في أعمال الندوات والمؤتمرات التي عقدت خلال العقدين السابقين, لأن البحوث المقدمة والمقترحات المطالب بتحقيقها من طرف المشاركين في عدد من هذه اللقاءات الإقليمية والدولية, عَمِلَ رجال التقريب ودعاته في القاهرة على تحقيقها. وقد تم إنجاز عدد منها, وهذا ما سنكتشفه من خلال متابعاتنا لفاعليات ندوة دمشق: «إجتماع دولي لوضع استراتيجية مشتركة للتقريب بين المذاهب الإسلامية», التي نظمتها مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية‏(مقرها في لندن),‏بالإشتراك والتعاون مع معاهد وعلماء من المذاهب الإسلامية السبعة, ومشاركة المؤسسات العلمية والفكرية الإسلامية مثل الأزهر الشريف والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) ورابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة, والمعهد العالمي للفكر الإسلامي في واشنطن ومؤسسة آل البيت في الأردن, ودار الحديث الحسنية (المغرب) وأكاديمية المجمع العلمي (إيران), ودور الإفتاء في كل من سورية وسلطنة عمان.
عقدت الندوة بين 10ـ12 أبريل (نيسان) 1999م,‏وتخللتها خمس جلسات قدمت فيها ملخصات أكثر من (24) بحثاً‏ودراسة, ضمن خمسة محاور رئيسية, وعند نهاية أعمال الندوة وبعد نقاش المقترحات التي وردت في البحوث المقدمة تم التوافق على مقررات لخصت في عشر نقاط سنأتي على ذكرها في الأخير.

أعمال الجلسة الإفتتاحية
افتتحت أعمال الندوة بعد تلاوة القرآن الكريم بكلمة السيد هاني فحص من لبنان الذي قدم المشاركين في جلسة الإفتتاح, وكانت له كلمات متقطعة بين الحين والآخر, استطاع من خلالها أن يعرف بمؤسسة الإمام الخوئي الخيرية, وما تقوم به من أعمال, أما بخصوص موضوع التقريب, فقد أكد السيد فحص على أهمية الحوار الدائم الذي سيجعل «المختلفات تأتلف لتصبح الوحدة في التنوع تجلياً للواحد الأحد» فالفكر الإسلامي كما قال السيد فحص اصبح مسكوناً‏بطموح يدفعه نحو «المواكبة الواعية للتعدد» لمواجهة مجموعة من الأخطار والتحديات المحلية والعالمية.
إن وظيفة التقريب بين المذاهب كما قال السيد هاني, تتطلب إنجازاًدائماً‏لكي تتمكن من تحقيق التقارب المنشود بين المسلمين وإحلال الحب والتعارف بدل الكراهية والجهل. بعده تناول الكلمة السيد عبد المجيد الخوئي الأمين العام لمؤسسة الإمام الخوئي الخيرية الذي رحب في البداية بالمشاركين في هذه الندوة التي تعقد كما قال «تلبية لحاجة ملحة اقتضاها الظرف الذي تمر به أمتنا الإسلامية وهي مثخنة بالجراح من أعدائها وللأسف الشديد حتى من بعض أبنائها, تعصف بها القطيعة والتدابر, وتسودها العلائق المتشنجة, تكاد تقذف بها إلى مؤخرة الركب الإنساني,‏وتقعدها عن أداء رسالتها التي أرادتها لها السماء, وكأنها لم تكن الأمة التي وصفها القرآن الكريم بأنها خير أمة أخرجت للناس..»
ثم تساءل السيد الخوئي إذا كان كل مذهب من المذاهب الإسلامية تقوم أحكامه على الكتاب والسنة الشريفة, وأن غطاء الإسلام ينبسط على كل مسلم يقر بالشهادتين ويعترف بضروريات الإسلام.. إذن ما بالنا ومنذ مئات السنين تتعثر وحدتنا ويتمزق شملنا ويكفر بعضنا بعضاً?! أفلا يدفعنا ذلك للبحث عما وراء هذا الإصرار على التمزق والتشرذم?! وللإجابة على هذه التساؤلات دعا السيد الخوئي إلى التعامل من منطلق التساوي في الحقوق والواجبات بين جميع المسلمين, وأن تتظافر وتتعاون جميع المؤسسات لمحاربة والوقوف في وجه الذين يعمقون الإختلاف والتناحر بين فرق المسلمين, معتبراً بأن أهداف هذه الندوة جاءت استمراراً للجهود التي بذلت في الماضي ومازالت تبذل من طرف مؤسسات لها شهرتها الواسعة في مجال التقريب مثل دار التقريب بالقاهرة ومجمع التقريب في طهران.
أخذ الكلمة بعده الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان الذي تحدث عن أهمية هذا اللقاء «تحت مظلة الإسلام دين الله الواسع الذي يجمع ولايفرق ويؤلف ولاينفر» كما أن الإسلام الذي يعترف بضرورة الإختلاف وواقعيته ومواكبته للحياة البشرية خضوعاً‏لسنة التدافع والتجاذب, قد جعل في العقيدة «ما يجعل هذه النفوس تتعالى على هذه النزعات والدوافع التي تفرق».. إن الأنظار الآن تتجه إلى الإسلام لحل المشكلات التي تتخبط فيها البشرية, لذلك فالمسؤولية الآن ملقاة على عاتق المسلمين لجمع شتاتهم وتوحيد صفوفهم الداخلية وبما أن جميع الفرق والمذاهب لها أصول مشتركة كما قال المفتي خليلي, لذلك لابد من وقف «التنابز بالألقاب وكيل التهم لبعضنا البعض» كما أن على قادة الأمة من علماء وسياسيين أن يفكروا في العمل على تحقيق أهداف التقريب ودعم جهوده للوصول إلى وحدة الأمة التي دعا إليها القرآن الكريم.
الشيخ فوزي الزفزاف وكيل شيخ الجامع الأزهر الشريف استعرض في كلمته بعض الملابسات التاريخية التي فجرت الإختلاف بين المسلمين مباشرة بعد وفاة الرسول (ص), هذا الإختلاف الذي سيتطور وستتفرع عنه قضايا وإشكالات جعلت منه حقيقة واقعية وموضوعية, خصوصاً مع فتح باب الإجتهاد لمعالجة الفراغ التشريعي, والبحث في المشكلات العقائدية التي طرحت في الساحة آنذاك. إن الهدف من هذا الإجتماع كما أكد الشيخ الزفزاف ليس «إثارة الأوجاع وإيقاظ الأحزان وتحريك الفتن وإشعال فتيل الإختلاف...» وإنما الأمل يحدو الجميع للعودة إلى الوحدة الإسلامية, وحدة الأمة التي تحدث عنها القرآن. وإذا كان الإختلاف من طبيعة البشر كما يقول الشيخ الزفزاف فلا حرج إذا صدر من مجتهد أو فقيه في المسائل الفرعية. أما أتباع المذاهب الذين أعماهم التعصب لمذاهبهم فعليهم مراجعة التاريخ, لمعرفة سلوك أئمة مذاهبهم. ولو فعلوا ذلك كما قال «لأمكن التقريب بين المذاهب الإسلامية التي لاخلاف بينها في الأصول»?!
كلمة رئيس مركز الإمام بدر للدراسات الإسلامية في صنعاء (اليمن) الدكتور المرتضى بن زيد المحطوري الحسني جاءت مفعمة بالحرارة والدعوة الملحة لتجاوز التفرقة المذهبية, التي يغذيها الجهل المتبادل بين المذاهب, وقد تحدث عن بعض المظاهر السلبية التي يفرزها انتشار الإختلافات الفقهية في اليمن كمثال ونموذج, وتأثير ذلك على وحدة المجتمع اليمني. داعياً‏إلى الإهتمام بالقضايا الكبرى التي تهم الأمة بدل التخبط في جزئيات فرعية لاطائل من ورائها سوى تعميق حالة التشرذم بين أبناء المجتمع الواحد بل الأسرة الواحدة.
أخذ الكلمة بعده الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو), الذي أكد على ضرورة تجاوز حالة عدم الثقة والإرتياب والشك الذي يسود العلاقات بين أتباع المذاهب الإسلامية. لأن بدون تجاوز هذه الحالة, لايمكن لجهود التقريب أن تثمر, كما أن هذه الجهود لابد أن تواكبها نظرة جديدة, تضع الأسس والقواعد السليمة للثقافة الإسلامية بشكل عام, وتحررها من سلبيات الماضي على مستوى التعاطي المنهجي والعلاقة الواقعية والإجتماعية. وأخيراً‏تناول الكلمة كل من الشيخ محمد بشير عبد الباري مفتي دمشق والشيخ عبد الرزاق المؤنس مدير التوجيه الديني في وزارة الأوقاف السورية نيابة عن الشيخ أحمد كفتارو المفتي العام الذي اضطر للمغادرة بسبب ظروفه الصحية, وقد أكدت الكلمتان معاً أهمية العمل من أجل التقريب بين المذاهب الإسلامية لتحقيق الوحدة, ولمواجهة المخاطر والتحديات التي تواجه الأمة العربية والإسلامية.

تأصيل فكري للتقريب بين المذاهب الإسلامية
الجلسة الأولى بعد الافتتاح ترأسها الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي (جامعة دمشق), وعرضت فيها الأبحاث والأوراق الآتية:
الورقة الأولى كانت لإمام الجامع الأزهر الشريف, الدكتور محمد سيد طنطاوي تحت عنوان: «أدب الحوار في الإسلام» وقد قرأها نيابة عنه الأستاذ عبد الله النجار, تحدثت الورقة في البداية عن أسباب الإختلاف بين الناس, وكون هذا الإختلاف في شؤون الدنيا والدين من الأمور القديمة قدم الوجود الإنساني, لأن الحكمة الإلهية «اقتضت أن يكون الناس مختلفين», وهذا الإختلاف له أسباب متعددة وبواعث متنوعة «منها الظاهر الجلي ومنها الباطن الخفي» ومردها جميعاً كما يقول إمام الجامع الأزهر «إلى عدم فهم الموضوع من كل جوانبه, أوýإلى التقليد العقيم, أو إلى التعصب الذميم, أو إلى الإنقياد للهوى والمنافع الخاصة, أو إلى الحسد والبغي والعدوان, أو إلى حب الشهرة والتفاخر, أو إلى اختلاف العقول والأفهام, أو إلى حب الرياسة والسلطان, أو إلى سيطرة الأوهام.. والخلاصة أن اختلاف الناس فيما بينهم سنة من سنن الله», وأن أسبابه كثيرة ومتنوعة. ثم استعرض الدكتور الطنطاوي آداب الحوار بين المسلمين ومبادئه كما جاءت بها الشريعة الإسلامية وقد لخصها في عشرة مبادئ هي: 1ـ أن يكون الحوار بينهم قائماً على الصدق وتحري الحقيقة, بعيداً عن الكذب والسفسطة والأوهام, 2ـ التزام الموضوعية وعدم الخروج عن الموضوع محل النزاعýاو الخلاف, 3ـ إبراز الدليل الناصع والبرهان الساطع والمنطق السليم الذي يجعل المكابر أو المجادل لايمضي في جداله, 4ـ أن يقصد كل طرف من أطراف الحوار, إظهار الحق والصواب في الموضوع الذي هو محل النزاع, 5ـ التواضع وتجنب الغرور والتزام الأسلوب المهذب, 6ـ إفساح المجال أمام المناقش أو المعارض لغيره كي يعبر عن وجهة نظره, دون مصادرة لقوله أو إساءة لشخصه, 7ـ احترام رأي العقلاء الذين ينطقون بالكلمة الطيبة وبالحجة المقنعة, 8ـ عدم التعميم في الأحكام والإحتراس في القول, 9ـ أن يقوم الحوار على الحقائق الثابتة لا على الإشاعات الكاذبة, وأن يبنى على المعلومات الصحيحة لا على الأخبار المضطربة, 10ـ تحديد المفاهيم وضبط الأحكام. هذه المبادئ والأسس للحوار قدمها الدكتور الطنطاوي مدعمة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وجملة من القصص المستقاة من تاريخ المسلمين الأوائل, الشيء الذي يعطيها مصداقية شرعية ويجعلها بمثابة برنامج متكامل أو كما قال: «نبراساً للمتحاورين في كل زمان ومكان», وإذا ما تحققت على أرض الواقع وعُمل بها فإنها ستؤدي لامحالة إلى الهدف المنشود وهو وحدة وتماسك الأمة الإسلامية وعودة الوئام إلى الصف الإسلامي.
الورقة الثانية: في هذه الجلسة قدمها الدكتور عبد الهادي بوطالب الأمين العام السابق للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة, وحملت عنوان: «إحتواء الأزمات المذهبية بوسائل التوعية بقضية التقريب بين المذاهب الإسلامية». في البداية حاول الدكتور بوطالب تسليط الضوء على «مطلب التقريب بين المذاهب لشرح ما ينبغي أن يكون له من مدلول ومضمون» ثم تحدث بعد ذلك بإسهاب عما أسماه بالوسائل العملية التي ستجعل «مطلب التقريب سهل المنال بل معطى واقعاً في حياتنا المعيشة في حضن الإسلام الواحد» وتمكن كذلك من احتواء الأزمات المذهبية, هذه الوسائل العملية تنطلق كما يرى د. بوطالب من «القيام بحملة توعية شاملة تضع اختلاف المذاهب في مساره الصحيح, فيقدم للمجتمعات الإسلامية في شكل تنوع وإثراء لا في شكل تضاد وفرقة..», وهذه التوعية لابد أن تكون شاملة تشارك فيها الحكومات والدول ومختلف المؤسسات الحكومية والأهلية. أما بالنسبة للعلماء الذين ستقع مسؤولية التخطيط لهذه التوعية على عاتقهم, فلا بد لهم في البداية من القيام بجرد لما بين المذاهب الإسلامية من وفاق في المسائل الإجتهادية, وجرد كذلك «آخر مجالات الاختلاف» واقترح د. بوطالب أن «تنشر حصيلة الجردين في كتاب أو أكثر وتوزع هذه الكتب مجاناً‏في العالم الإسلامي», ومن المفيد أن تقدم هذه الكتب قراءات جديدة لتاريخ الإختلاف المذهبي, كذلك يمكن الإستفادة من الإعلام ووسائله المتطورة لخدمة قضية التقريب, بل خدمة الإسلام بشكل عام «شرحاً‏وتفسيراً ودعوة وهدياً ودفاعاً‏عنه», كما اقترح أن تصدر جريدة تواكب أعمال وجهود التقريب يمكن تسميتها بـ: «إنما المؤمنون أخوة» بالإضافةýإلى أهمية تنظيم الندوات والمؤتمرات التي تعالج قضية التقريب, ونقلها وبثها عبر القنوات الفضائية, الإستفادة كذلك من خدمات شبكة الانترنت العالمية, هذه التغطية الإعلامية الشاملة لقضية التقريب, يمكنها أن تخلق مناخاً‏سليماً خالياً‏من التوتر بين المذاهب ومؤسساً‏لواقع تعايشي بين مكونات المجتمع الفكرية والدينية, كما اقترح د. بوطالب أن يضاف إلى برامج الكليات المختصة بقضايا الإسلام «إحداث كرسي جامعي للتقريب, وتدرج هذه المادة في مواد الإمتحانات لنيل الإجازة» كما اقترح إنشاء هيئة عليا للتقريب تكون «المخاطب الأسمى والمحاور المختص للدول والهيئات المعنية بشأن التقريب» على أن تتعاون مع المنظمات الإسلامية الكبرى مثل (الايسيسكو) ومجمع الفقه الإسلامي..
«ثقافة التقريب بين المذاهب الإسلامية ودور التربية في إشعاعها» هو عنوان الدراسة التي قدمها الدكتور فتحي ملكاوي, مدير المعهد العالمي للفكر الإسلامي في واشنطن أثناء هذه الجلسة, قبل الحديث عن موقع التربية والتعليم في جهود التقريب, حاول د. ملكاوي أن يمهد لبحثه بمجموعة من المنطلقات التي اعتبرها جملة من الحقائق الدينية والتاريخية, أهمها انتماء جميع المسلمين إلى الإسلام ومشاعرهم تجاه بعضهم باعتبارهم أمة واحدة رغم العوامل المختلفة التي تقسمهم إلى دول وفرق ومذاهب, حقيقة وواقعية الإختلاف الذي وقعت فيه هذه الأمة, بالإضافة إلى أن إصلاح واقع الأمة واستكمال عناصر شهودها الحضاري, لايتطلب بالضرورة جمع المسلمين على مذهب واحد كما يقول د. ملكاوي.
أما بخصوص موقع التربية والتعليم في تفعيل جهود التقريب, فلا شك أن «مؤسسات التربية والتعليم هي المحاضن التي تتشكل فيها نفسية الفرد وعقليته, كما تتشكل فيها قيم الجماعة وأعرافها», لذلك لابد من إدخال ثقافة التقريب ضمن المناهج الدراسية في كافة المستويات, وجعلها تتداخل «مع المواد الدراسية الأخرى والأنشطة المنهجية وغير المنهجية» ولايكفي إدخال هذه الثقافة ضمن المناهج والكتب, بل يلزم كما يقول د. ملكاوي, أن تصبح روحاً‏عاماً‏يسري في أنشطة التعليم والتعلم الرسمية وغير الرسمية.. ثم قدم الباحث مقترحات لتطوير التربية لخدمة أهداف التقريب, هذه المقترحات هي: 1ـ‏تطوير المناهج بحيث تتجاوز المناهج التقريبية «المواد الخاصة بعلوم الشريعة إلى الإهتمام بالدراسات اللغوية والاجتماعية والتاريخية, أما المواد الخاصة بعلوم الشريعة, فالمناهج التقريبية لابد أن تعتمد على المداخل المقارنة التي تتطلب إبراز المساحات المشتركة بين المذاهب». 2ـ الكتب الدراسية, لابد أن تحتضن نصوصاً‏ معتمدة لدى المذاهب المختلفة عند التعريف بها أو الحديث عنها, مع خلوها من أي إساءة أو تجريح. 3ـ تدريب المعلمين على تدريس المواد حسب المنهج المقارن وتوسيع اطلاعهم على تراث هذه المذاهب. 4ـ إشاعة ثقافة التقريب في المؤسسات التربوية, وقد تحدث د.‏الملكاوي في هذا السياق عن تجربة جامعة آل البيت في الأردن (أنشئت سنة 1995) التي قامت بتدريس أحكام الفقه الإسلامي من مدخل مقارن يتضمن ثمانية مذاهب فقهية.
اختتمت هذه الجلسة بتقديم الشيخ حسن بن علي السقاف مدير دار الإمام النووي في عمان (الأردن) تلخيصاً لورقته حول: «إجراءات ناجعة في احتواء التصعيد لأسباب داخلية». كلام الشيخ السقاف كان صريحاً ومباشراً, لأنه قدم بعض الأمثلة على الجهل الذي ينتشر بين أتباع المذاهب وكيف يستغله البعض لترويج الأساطير والأكاذيب, ولتعميق الفجوة بين الفرق والمذاهب الإسلامية, لذلك جاءت دعوته صريحة لضرورة التعرف على المذاهب من خلال مصادرها المعتمدة, وليس من خلال الكتب التي يؤلفها بعض المخالفين لها, لأن هذه المؤلفات لاتخلو من دوافع سياسية تحرك مؤلفيها, ولقد ظهر ذلك واضحاً‏أثناء الحرب العراقية الإيرانية حيث ألفت مجموعة كبيرة من الكتب من طرف مجهولين نسبت للشيعة الإسلامية عقائد وآراء لايعرفون عنها شيئاً بل يتبرؤون منها وممن يعتقد مثلها, مثل الترويج بأن لهم قرآناً‏آخر غير الذي بين يدي المسلمين, لذلك دعا الشيخ السقاف ورداً‏على هذه الأسطورة التي انتشرت داخل الأوساط السنية والسلفية بالخصوص, إلى توقيع وثيقة بين علماء الفريقين للتأكيد بأن القرآن واحد لدى كل من السنة والشيعة, وقد أثارت دعوته هاته حفيظة بعض المشاركين من علماء الشيعة في هذه الندوة فتقدموا بمداخلات أوضحوا فيها تهافت هذه الإفتراءات والأكاذيب, لأن المصاحف المتداولة داخل مساجد الشيعة ومنازلهم كلها مطبوع إما في الرياض أو القاهرة أو بيروت وأن هذه النسخ هي القرآن الذي يؤمنون به باعتباره الوحي الذي نزل على محمد بن عبد الله رسول الله (ص).‏وأنه آن الآوان ليقف علماء السنة أنفسهم وهم يعلمون هذه الحقيقة في وجه مروجي هذه الأساطير داخل أوساطهم العامية, وإلا سيحتاج الشيعة كل مرة لوثيقة تثبت انهم يؤمنون بالله وبالرسل وبأركان الإسلام الخمسة, وهكذا جميع القضايا الدينية الأخرى, وهذا العمل إنما هو انجرار وراء الجهل الذي تستغله الدوافع السياسية والمصالح الشخصية لنشر مثل هذه الأكاذيب.
قضية أخرى تفجر النقاش حولها وكانت عن حديثه حول قضية تحريف القرآن, وكيف أن الشيعة يُتهمون بالقول بالتحريف, وقد رَدَّ المداخلون على هذه التهم زيادة على ما قاله الشيخ السقاف. حيث اعتبر د.‏فاروق النبهان (المغرب) بأن القضية محسومة وان اتهام الشيعة بالقول بالتحريف إنما هو إساءة لهم, وقد رد على هذه التهمة التي أثارها السقاف. كل من الشيخ آصف محسني (أفغانستان), الذي تحدى من يستطيع أن يستخرج من التراث الحديثي الشيعي عشرة أحاديث صحيحة السند تقول بالتحريف, كما قدم تفسيراً مختصراً للموضوع أوضح فيه رأي الشيعة في هذه القضية. كذلك رد الشيخ عباس مهاجراني (مؤسسة الخوئي) على هذه الفرية, مشيراً إلى أهمية الإطلاع على ما كتبه السيد الخوئي المرجع الشيعي الأعلى بخصوص قضية التحريف في كتاب «البيان في تفسير القرآن».
من القضايا الأخرى التي تفجر حولها النقاش في نهاية هذه الجلسة, وأثارتها كلمة الشيخ السقاف, الإشكاليات التي أثارها حديث الإفتراق, أي افتراق الأمة إلى ثلاثة وسبعين فرقة, لقد رفض الشيخ السقاف هذا الحديث, مدعياً بأنه ضعيف الإسناد, باطل المتن, وأن مجمل أسانيده لاتخلو من كذاب أو ضعيف. وقد علق على هذا الكلام كل من رئيس الجلسة الدكتور البوطي ود. عبد الهادي بوطالب. لكن أهم ما جاء في كلمة الشيخ السقاف بعيداً‏عن إثارة مواضيع الإختلاف, هو تصريحه بأن الشيعة قدموا أيديهم لأهل السنة أكثر من مرة ودعوهم للمصالحة والتقريب, ومعالجة أسباب الإختلاف بين الفريقين. لذلك فقد طالب الشيخ السقاف علماء أهل السنة بتلبية هذه الدعوة, وأن يمدوا يدهم لاخوانهم الشيعة خدمة لأهداف التقريب.
إن كثرة المداخلات في نهاية هذه الجلسة, وما أثاره الكلام الجريء للشيخ السقاف وهو يعيد طرح بعض مواضيع الإختلاف بين السنة والشيعة,‏والحدة التي تميزت بها بعض الردود, كل ذلك جعل الدكتور عبدالله النجار من كلية الشريعة والقانون (مصر) يقول في مداخلته بأن هذه الكلمات التي ألقيت يكاد يشتم منها روائح المواجهات المذهبية, داعياً للإستفادة من جميع المذاهب مادامت الحكمة ضالة المؤمن. كما قدم د. المرتضى بن زيد مداخلة في هذا السياق, دعا فيها إلى عدم تهويل بعض المواضيع والمسائل الفقهية المختلف فيها.

النزاعات المذهبية: مخاطرها وعلاجها
الجلسة الثانية ترأسها الشيخ فوزي الزفزاف وكيل شيخ الجامع الأزهر الشريف وقدمت فيها الأوراق والبحوث الآتية:
الورقة الأولى تقدم بها الدكتور مصطفى الداماد من أكاديمية العلوم في طهران,‏وحملت عنوان: «الحوار على اساس أهداف الدين,‏طريق إلى التقارب».
استعرض الباحث في البداية محطات متعددة من تاريخ الصراع الديني والسياسي الذي عرفته البشرية وأسفر عن مآسٍ وأزمات مختلفة, ورغم الحلول التي قدمت لعلاج أسباب الصراع وتفاقم نتائجه المدمرة وآثاره السلبية, إلا أن هذه الحلول لم تضع حداً‏للصراعات المختلفة, ثم تساءل الدكتور الداماد عن الحوار والتقارب بين المذاهب والأديان. فهذا الأسلوب والمنهج الذي اقترح باستمرار لحل الصراعات «لايستطيع لوحده القضاء على المشكلات دون دعامة أو أساس راسخ», هذا الأساس كما يرى د.‏الداماد «هو عدم الإكتفاء بأحكام الدين والإهتمام بأهداف الدين», لان الأهداف هي المبتغى, أما الأحكام فهي عبارة عن مقدمات ذلك المبتغى المنشود. ومن أهداف الدين أو القيم المشتركة التي نجدها في جميع الأديان, إحياء القيم الإنسانية, لقد دعا الإسلام إلى تحرير الإنسان من قيود التقاليد الجوفاء وأنواع الهيمنة الدينية والسياسية والإقتصادية,‏والتعصب, ودعا كذلك إلى تحقيق العدل داخل النظام الإسلامي, وبما أن للإجتهاد رسالته الخاصة في توجيه وتحديد مسار الحوادث الواقعة من وجهة نظر الدين فعليه هو كذلك أن يتجه صوب تحقيق أهداف الدين المتنوعة, لا أن يتعارض معها. وأخيراً دعا الباحث إلىالوقوف في وجه استغلال الاختلافات في التقاليد والثقافات لتحويلها إلى حواجز طائفية, لأن ذلك كما يقول يجعلنا «نمارس الصراع والنزاع مع بعضنا باسم الله والرسول, فنبتعد بذلك يوماً بعد يوم بشكل أكبر عن أهداف الشريعة باسم أحكام الشريعة».
الورقة الثانية كانت للسيد محمد البجنوردي بعنوان: «كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة» أكد الباحث في البداية على موقف الإسلام الواضح في توحيد الكلمة بين بني البشر عموماً‏وبين المسلمين بالخصوص. أما وجود المذاهب المختلفة فينبغي ألا يوجب انقساماً‏في الأمة, بل العكس, فإنها تزيد من حيويتها وترفدها بالمزيد من الآراء والأفكار التي بدورها تغني التراث, وتكشف أن الأمة بوحدتها باقية ومتفاعلة بتعدد مدارسها.
وقد كان الرسول (ص) يحث ويدعو دائماً‏لوحدة الأمة الإسلامية, وتبعه في ذلك الأئمة من أهل بيته, فقد روى صاحب المحاسن عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «أوصيكم بتقوى الله عز وجل, ولاتحملوا الناس على أكتافكم فتذلوا, يقول الله: {قولوا للناس حسناً}, ثم قال: عودوا مرضاهم, واشهدوا جنائزهم, واشهدوا لهم وعليهم, وصلوا معهم في مساجدهم» يقصد بذلك المخالفين. ثم أشار الباحث إلى دور علماء المسلمين في توحيد الكلمة ونبذ الفرقة والخصومة, وكذلك دور المؤسسات الإسلامية العاملة في الساحة والتي يمكنها أن تقوم بدور مهم في هذا المجال, وقدم مثالاً مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية التي نظمت هذه الندوة لوضع استراتيجية مشتركة للتقريب بين المذاهب الإسلامية.
«دراسة عقائدية مقارنة بين المذاهب الإسلامية» هو عنوان البحث الذي تقدم به علي أحمد الاكوع مستشار رئاسةالجمهورية في اليمن, وهذا البحث يذكرنا بالدراسات التي أنجزها رواد التقريب في الستينات ونشروها في مجلة «رسالة الإسلام»,‏لأنها نموذج للبحوث المقارنة الرصينة التي تحاول استقصاء المسائل الخلافية وعرضها. ليتبين حجم الإختلاف وأسبابه وأدلة الفرق المختلفة, لذلك فقد عرف الباحث الأكوع في البداية مصطلحي السنة والشيعة,‏ثم عرض الإختلافات في الأصول بين الفريقين ليفصل القول حول مفهوم الإمامة أو الخلافة والعدل, كل ذلك مدعم بأقوال علماء الفريقين ونصوصا وروايات مستقاة من مصادر أهل السنة المتعددة وآيات من القرآن الكريم. بحيث انتهى إلى عرض مجمل الإختلافات بموضوعية علمية يمكن أن تُتخذ كنموذج يحتذى بغض النظر عما قرره من نتائج.
ثم قدم الأستاذ محمد السماك مستشار دار الفتوى في لبنان بحثاً‏بعنوان: «ثقافة إسلامية توفيقية تقبل الاختلاف ضمن وحدة الإيمان» حيث عرض معالم هذا التوفيق والتي تنبني على قاعدة المشتركات الكثيرة,‏التي تمكننا كما قال من «إعادة نسج وحدتنا الإسلامية ونعيد بناء مجتمعاتنا بروح المحبة والإحترام والثقة». بعده ألقى الدكتور محمد رأفت عثمان من جامعة الأزهر الشريف بحثاً ‏تحت عنوان: «أهمية الاجتهاد ومشروعية تعدد الرأي وحوار الاختلاف في المذاهب وحدوده», حيث قدم عرضاً ‏تفصيلياً ‏لمبدأ الإجتهاد في الإسلام وأنواعه وحدوده وماترتب عنه من اختلاف في الفتوى, وبما أن للإجتهاد شروطه العلمية فإن التحاور والنقاش حول آثاره ونتائجه, يجب أن يلتزم بأدب الحوار وشروطه كذلك, وكما أن للإجتهاد حدوده فإن للحوار حدوده أيضاً, والإلتزام بهذه الحدود والشروط بين أتباع المذاهب كفيل بتحقيق التقارب العلمي والنفسي بينهم ونزع فتيل التصارع والمخاصمة.
ثم بعد ذلك انطلقت المداخلات بكلمة الدكتور عبد العزيز التويجري المدير العام للإيسيسكو الذي رد على ماجاء في ورقة علي أحمد الأكوع من أن العلماء وأقربهم من الحكام كانوا يرددون ما في نفوس هؤلاء الحكام من أهواء, وأنهم كانوا في الجملة صنائع للحكام, لأن التاريخ كما أكد الدكتور التويجري يؤكد أن أئمة المذاهب الفقهية مثلاً كانوا على اختلاف مع الحكام, وقد تعرضوا لبطشهم وتنكيلهم. لذلك لايجوز إطلاق القول «هؤلاء العلماء» لأنه قول خاطئ يسيء للكثير من المسلمين, كما أكد علىأن هدف التقريب هو الإعتراف المتبادل بهذه المذاهب واحترام آراء أصحابها واجتهاداتهم,‏وتوسيع المساحة المشتركة بين هذه المذاهب لكي نقرب بين أتباعها نفسياً‏وعلمياً وتربوياً كما قال. ودعا إلى وضع منهج تربوي يربي أجيال المسلمين على المحبة والتسامح والتضامن. وأن يصححوا الأخطاء الشائعة التي يتداولها أتباع هذه المذاهب عن بعضهم البعض. كما قدم الشيخ السقاف (الأردن) مداخلة ناقش فيها بعض ما جاء في دراسة الباحث الأكوع, ثم أخذ الكلمة بعده الشيخ عبد الرزاق المؤنس مدير التوجيه والإرشاد الديني في وزارة الأوقاف السورية, الذي أكد على أن الإختلاف ما لم يصل إلى أصول الدين فهو اختلاف رحمة وبركة, واقترح أن تطرح المستجدات التي تحتاج إلى حكم فقهي على المجامع الفقهية, لأنها كفيلة بأن تدرسها في إطار اجتهاد جماعي.

دور المؤسسات في احتواء الأزمات المذهبية
الجلسة الثالثة ترأسها الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان وقدمت فيها البحوث والأوراق الآتية:
البحث الأول كان للدكتور فاروق النبهان مدير دار الحديث الحسنية في المغرب, وجاء تحت عنوان: «دور المؤسسات العلمية والإسلامية في التقريب بين المذاهب», يرى د. النبهان أن المذهبية ظاهرة في تاريخ الإسلام و«نتيجة حتمية للتطورات السياسية والفكرية والتحولات الإجتماعية والإقتصادية, وهي مؤشر على تعددية الرؤية الفكرية وتعددية الاختيارات في ظل مجتمع تجمعه وحدة العقيدة ووحدة الثقافة..» أما بخصوص المؤسسات العلمية باعتبارها أداة «للتقويم السليم وتأصيل الأفكار والتخطيط والإعداد لمستقبل أفضل..» فعليها أن تقوم بتحقيق الخطوات التالية:
1ـ تأصيل مبدأ الخلاف المذهبي, من خلال التأكيد على شرعية حق العلماء في الإدلاء بآرائهم واستنباطاتهم في مجال التفسير والتفريع. 2ـ التركيز على أهمية الإلتزام بالثوابت الإسلامية التي لاتقبل الخلاف ولاتحتمل التجاوز, وإن يتم الإحتكام للقرآن والسنة. 3ـ‏التوسع في مباحث الأدلة, وبخاصة حالة التعارض بينها. 4ـ تجاوز الخلافات التاريخية التي أدت إلى نشوء المذاهب والفرق. 5ـ النظر من لفظة «دار الإسلام» كأساس للتقارب بين الشعوب الإسلامية ومنطلق للتعاون بين هذه الدول. أما منهجية التقريب فيرى الدكتور النبهان أنها يجب أن تقوم على الأسس التالية: 1ـ قيام المؤسسات العلمية بوضع استراتيجية التقريب بين المذاهب تراعى فيها خصوصيات كل مذهب. 2ـ حصر المواقف الخلافية أولاً, ودراسة هذه المواقف في ضوء القرآن والسنة ثانياً. 3ـ الإبتعاد كلياً‏عن إطلاق شعارات تعمق مشاعر الفرقة بين المذاهب. 4ـ دراسة المفهوم الشرعي للفظة «الإمامة» وتعميق الدراسة المذهبية حول هذا المفهوم لدى كل من السنة والشيعة. 5ـ تكوين رأي عام إسلامي ينظر للخلافات في إطار التعددية الطبيعية الناتجة عن تفاوت العقول في الرؤية الإجتهادية واختلاف المكونات الثقافية والعوامل التاريخية التي أسهمت في ترسيخ المذهبيات الإسلامية.
البحث الثاني قدمه الشيخ محمد محمد طاهر الخاقاني أستاذ الحوزة العلمية في السيدة زينب بدمشق, وجاء تحت عنوان: «أهمية الإجتهاد ومشروعية تعددية الرأي» قسم الشيخ الخاقاني بحثه الطويل إلى أربعة فصول, الفصل الأول تحدث فيه عن جهود التقريب بين المذاهب الإسلامية, معتبراً‏إياها ضرورية لتحقيق الوحدة بين مختلف مكونات الأمة, وقد عرض نماذج من تقارب وتعاطف رؤساء وأئمة المذاهب الفقهية وقبول بعضهم رأي الآخر واحترام اجتهاده, على العكس مما يقوم به الأتباع والمقلدون لهذه الاجتهادات المختلفة. لذلك فالالتزام بالتقريب بين المذاهب كما يقول الشيخ الخاقاني «ليس عبارة عن إماتة الفكر وقتل الإجتهاد, وإنما هو التحرر من الأفكار التقليدية وفتح أبواب الإجتهاد مع الرجوعýإلى الضوابط المعيارية التي يرتكز عليها العقل البشري والسير على وفق الكتاب والسنة المعصومية..».
في الفصل الثاني تحدث الشيخ الخاقاني عن أهمية عناصر الاجتهاد ضمن مجموعة من النقاط, أهمها: الاجتهاد بالمنظار العام بما أنه مرتبط بأصل موضوع التحرك العلمي, الاجتهاد والتطور العلمي, مسايرة الاجتهاد للإحتياج البشري, الاجتهاد وأهميته بين المتحرك والثابت.
الفصل الثالث خصصه للحديث عن مشروعية تعددية المذاهب انطلاقاً من عرضه المفصل لقضايا الاجتهاد ومبادئه وشروطه كما هي لدى المذاهب الفقهية, أما الفصل الرابع فقد فصل فيه القول حول تعددية المذاهب التي هي من ثمار العمل بمقتضى الاجتهاد الشرعي, والبحث بشكل عام يعتبر كما قلنا عرضاً مفصلاً حول موضوع الاجتهاد في الإسلام لأنه الركيزة التي تنبني عليها التعددية المذهبية.
ثم ألقى الدكتور عبد الله النجار من جامعة الأزهر بحثاً‏بعنوان: «ضوابط النقد العلمي والفكري في الشريعة والقانون» في البداية دعا الباحث المسلمين إلى تجاوز الاختلافات الشكلية, والانخراط في تكتلات تجمعهم وتوحد صفوفهم ومواقفهم لمواجهة التحديات الحضارية العالمية, والاهتمام بالمستقبل وإعطائه الأولوية, أما بخصوص ضوابط النقد العلمي, فقد رأى الباحث أنها قد تبلورت منذ زمن طويل في الفكر القانوني, وأن النقد يجب أن يتوجه للمكتوب وليس للكاتب, وهنا يقع الخلط دائماً‏بحيث درج البعض على توجيه النقد للمؤلف وتجريح شخصه, بدل الإهتمام بما كتبه ونقده, كما تحدث الدكتور النجار عن مفهوم النصيحة الإسلامية باعتبارها إحدى وسائل التغيير والإصلاح داخل المجتمع الإسلامي, لذلك فجهود التقريب يجب ألا تنسى هذه الوسيلة لأنها مهمة وتنسجم مع الثقافة الإسلامية التي تشبع بها المسلمون.
ثم تناول الكلمة بعده الدكتور محمد البشاري رئيس الفدرالية الإسلامية في فرنسا, الذي تحدث عن بعض المظاهر السلبية التي تسود المساجد في الدول الأوروبية, من مخاصمات ومجادلات حول قضايا ومسائل فقهية وتاريخية وسياسية, وكيف تنتهي هذه المجادلات بالتكفير والتفسيق واتهام كل فريق الآخر بالإبتداع والبعد عن السنة والشريعة. وقد روى مجموعة من القصص التي عايشها خلال جولاته.
وأخيراً ‏قدم الدكتور السيد أبو القاسم الديباجي إمام جامع الإمام زين العابدين في الكويت بحثاً ‏بعنوان: «الخلافات بين المسلمين خلفياتها وسبل علاجها».‏بالنسبة للخلفيات أكد الباحث على وجود عوامل فكرية وبيئية وخارجية مختلفة ومتعددة هي التي «أدت بالأمةýإلى التمزق والتبعثر والتشرذم بل وإلى التكفير وإشهار السيوف وإراقة الدماء واستباحة المحرمات..» أما مظاهر الاختلاف ومواضيعه فهي عديدة ذكر منها السيد الديباجي:
الاختلاف حول فهم وتفسير الصفات الإلهية بين المدارس الكلامية, الاختلاف حول نصب الإمام, حول القضاء والقدر, البداء, مرتكب الكبيرة, غيبة الإمام المهدي, الزواج المؤقت (المتعة),‏الموقف من الصحابة, وغيرها مما هو معروف ومعروض في كتب ومصادر الفرق المختلفة الفقهية والعقائدية, أما بخصوص سبل العلاج فيرى السيد الديباجي مبدئياً أن «العودة المتبصرة للأصول العقائدية للدين الإسلامي الحنيف, تدفع بلا ريب جميع الفرق الإسلامية إلى الإلتقاء والتقارب ونبذ الفرقة والإختلاف..» بالإضافة إلى جملة من المواقف العملية مثل: 1ـ تشكيل لجان متخصصة من فضلاء العلماء عند كل فريق لدراسة التراث الضخم الذي تجمع لديه من الأخبار والروايات الممثلة للسنة واخضاعه لموازين التقييم الشرعية. 2ـ تجاوز حالات الحكم المسبق على الرواة واعتماد ما ينقلونه إلا بعد التمحيص والتدبر. 3ـ التركيز على عناصر الإلتقاء والتقارب بين الفريقين والسعي لاعتبارها الجسور المؤدية للفهم الواحد المشترك. 4ـ‏تعزيز اللقاء المشترك بين الفريقين للوصول إلى الفهم الحقيقي لما هو عند كل فريق وغيرها من السبل القديمة التي تؤدي إلى وقف التناحر والمخاصمات التي تتفجر بين الحين والآخر في عدد من مناطق العالم الإسلامي وتتساقط فيها ضحايا من الفريقين.
في نهاية الجلسة انطلقت مداخلات كل من الشيخ حسن السقاف (الأردن) الذي دعم ما جاء في كلمة الدكتور البشاري حول انتشار الصراعات المذهبية في المساجد عبر العالم, لذلك دعا للقيام بجهد كبير لإيجاد حلول لهذه الظواهر السلبية, كما علق على بعض ما جاء في ورقة السيد الديباجي, بخصوص إشكالية البداء لدى الشيعة, مما دفع بالشيخ آصف محسني (أفغانستان) للرد على تعليقه مبيناً‏وموضحاً مفهوم البداء كما تعتقده الشيعة الإمامية وأنه لايسلتزم تغيراً في علم الله تعالى قط, كما أن الشيعة يعتقدون بأن العلم عين الذات ولاتغير في ذات الله, فلا تغير في علم الله. ثم تحدث الدكتور عبد الله النجار (مصر) معلقاً‏على ما جاء في ورقة السيد الديباجي, مدافعاً عن الاجتهاد والتقليد, كما ناقش السيد حسن السقاف في قضية الإجماع مدعياً أنه فهم الإجماع فهماً‏فيه خلط من وجهة نظره.

اقتراحات عملية من أجل التقريب
الجلسة الرابعة ترأسها السيد علي بن عبد الرحمن الهاشم, مستشار رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة للشؤون القضائية والدينية, الذي ألقى كذلك مختصراً‏لبحثه حول: «الاجتهاد مبدأ صفاء وتقارب وتسامح بين المذاهب الإسلامية» ومما جاء فيه تفريقه بين الإسلام باعتباره رسالة الوحي الإلهي للرسول (ص) وبين الفكر الإسلامي باعتباره «صفة المسلمين العقلية في سبيل خدمة الدنيا باستلهام مبادئه الخالدة» لذلك فرأي المفكرين الإسلاميين لايعبر عن الإسلام تمام التعبير, لأنه مستحدث بعد نزول الوحي وعلى هذا يقول السيد الهاشم «فليس شرع الله وقفاً ‏على مذهب من مذاهب الأئمة والعلماء المجتهدين, وهو ليس محصوراً ‏في مذهب من المذاهب, فلا يجوز لأحد التعصب والجدل والخصام, وتفريق الأمة ورمي المخالفين في الرأي أو المذهب بالتبدع أو نحوه لأن ذلك يكون ابتعاداً‏ بالإسلام عن خط مساره الصحيح..» ثم قدم بعض الأصول والمبادئ التي اعتبر أن فهم الإسلام وماجاء فيه من مذاهب وآراء يتوقف في حدودها, أهمها: 1ـ القرآن والسنة هما مرجع كل مسلم للتعرف على أحكام الاسلام ويفهم القرآن طبقاً ‏لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف, ويرجع فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات. 2ـ رأي الإمام فيما لانص فيه, وفيما لايحتمل وجودها ويعد من المصالح المرسلة (يجب العمل به) ما لم يصطدم بقاعدة شرعية. 3ـ لايجوز تكفير مسلم أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض..
ثم تحدث بعده الدكتور مرتضى زاده الشيرازي الأستاذ في كلية الإلهيات (طهران) حول: «إشكالية في التقريب أم ضعف في الحوار», حيث أوضح أن اتحاد المذاهب الإسلامية بشكل عام والمذهبين الشيعي والسني بشكل خاص, يجب أن يخضع للشروط التالية: أولاً أن يحصل الإتحاد تحت راية واحدة, بحيث يكون الشيئان فرعين لأصل واحد, ثانياً ‏التخلص من مسألة المطلقية والإستقلالية, ومن ثم المحافظة على حرمة ومنزلة كل منهما, والإتحاد بين المذاهب والفرق لايعني أن يصبح السني شيعياً ‏والشيعي سنياً,‏لأن أصل الاتحاد قائم أساساً‏ على التعددية التي تحترم الأصول والمواصفات الخاصة بكل مذهب. والنتيجة التي يتوصل إليها الدكتور الشيرازي هي أن «الكلام عن الوحدة يعني بالدرجة الأولى, عدم تأصيل قواعد واصول كل مذهب على حدة, وبعبارة أخرى الإتحاد بين المسلمين هو اتحاد إسلامي ديني وليس اتحاداً مذهبياً فقهياً..» ثم استعرض الباحث جهود الأئمة الشيعة في سبيل استخدام الإتحاد والوحدة, وما قام به علماؤهم في هذا السبيل, مستشهداً‏بمجموعة من الفتاوى التي أصدرها الإمام الراحل الخميني, وتخدم جهود التقريب الحقيقي بين السنة والشيعة خصوصاً في أعمال الحج ومناسكه.
الورقة الثالثة في هذه الجلسة كانت بعنوان: «مظاهر الفرقة بين المسلمين في عالمنا المعاصر, خلفياتها ومخاطرها وكيفية علاجها», تقدم بها الدكتور المرتضى بن زيد المحطوري مدير عام مركز الإمام بدر العلمي‏والثقافي في صنعاء (اليمن). استعرض الباحث في البداية مظاهر الفرقة من خلال تجاربه وزياراته في العالم, حيث لاحظ انتشار الاختلافات الفهقية, الأمر نفسه لاحظه في بلاده اليمن, التي أدركها الاختلاف في العقود الأخيرة بعدما كانت تنعم بالإستقرار والسلم الاجتماعي الذي ميز العلاقة بين الشيعة الزيدية والشافعية, أما اليوم يقول الدكتور المرتضى «فقد ظهرت في اليمن جماعات تحمل أسماء شتى,‏وحملت معها بلوى الفرقة الحادة التي برزت آثارها في المسجد والبيت والمدرسة والجامع والشارع..» إن خطر التفرق كما شخصه الباحث كان بسبب اختلاف الحكام واختلاف العلماء, لكن «العالم المتحضر ـ كما قال ـ شخص المرض, وأقدم على الدواء بشجاعة» عندما انتهج سبيل الوحدة والتكتل, وما على المسلمين وقادتهم بالخصوص, إلا سلوك هذا النهج والإستفادة من العناصر الكثيرة التي توحدهم, فربهم واحد وقرآنهم واحد, ونبيهم واحد وقبلتهم واحدة ولغتهم لغة القرآن, ويمتلكون الثروات الضخمة والموقع الممتاز..
أما الحل على المستوى الفقهي فهو سهل في نظر الباحث, ويكمن في تأجيل الكلام حول بعض المسائل العقائدية إلى يوم القيامة, والإكتفاء بالعمل بالقرآن, وجوهر الدين, وأن «نبتعد عن المتاجرة بالدين, وتسخيره للأغراض الدنيئة والمطامع الدنيوية».
الورقة الرابعة في هذه الجلسة, قدمها الدكتور عباس مهاجراني, من مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية (لندن), وحملت عنوان: «من عوامل الإفتراق وموجبات الوحدة والوفاق» أهم ما جاء في ورقة الشيخ المهاجراني استعراضه لأسباب الاختلاف كما تحدث عنها الإمام علي عليه السلام في خطبه, وكذلك استعراض الأحاديث النبوية التي تنبأت بالاختلاف الذي ستقع فيه الأمة ونهت المسلمين عن سلوك طريقه. وقد اقترح الباحث على الندوة من أجل تحقيق توحيد الكلمة والوحدة الإسلامية القيام بمجموعة من الأعمال منها: 1ـ نشر مجلة شهرية تحت إشراف الفضلاء والعلماء من كل مذهب, يركز فيها على مباحث التقريب والتعريف بالمذاهب وأصحابها, 2ـ عناية وزارات الأوقاف والمراكز العلمية بمسألة التقريب وإعداد خطب ومقالات لأئمة الجمعة والجماعات تحتوي على المسائل الوفاقية وإرشاد الناس إلى الأخوة الإسلامية وتناسي الأحقاد, 3ـ تنسيق برامج للدعوة إلى التقريب والدفاع عن الوحدة الإسلامية في الإذاعات وعلى شاشات التلفزة, 4ـ تدريس الفقه المقارن لجميع المذاهب الإسلامية في المراكز العلمية والجامعات المشهورة.
في نفس السياق جاءت ورقة الدكتور محمد بسام الساعي رئيس اكاديمية اكسفورد للدراسات العليا: «نحو خطة علمية لرأب الصدع» الذي قدم مجموعة من المقترحات كان قد تقدم ببعضها في مؤتمر المنبر الدولي للحوار الإسلامي الذي انعقد في لندن بين 13ـ14 أيلول (سبتمبر) 1997م. أهم هذه النقاط: 1ـ تأسيس مجلس أعلى تنبثق نواته من هذا الإجتماع ويحمل اسم «الهيئة المشتركة العليا للمذاهب الإسلامية» وتمثل هذه الهيئة لجان مشتركة فرعية في كل بلد إسلامي, أو أقلية إسلامية, تنظيم هذه الهيئات لقاءات دورية بين المذاهب المختلفة في المساجد, إصدار موسوعة تضم ما اتفق عليه أصحاب المذاهب الخمسة من الحديث الشريف, الإهتمام بتربية النشئ على التسامح والمحبة ونشر ذلك عبر وسائل الإعلام المقروءة والمرئية, العمل على إنشاء صندوق خاص لدعم نشاطات هذه الهيئة لأن هذا العمل سيكون شاهداً‏على جدية الأخذ بهذه المقررات ووضعها موضع التنفيذ.. وأخيراً‏تمنى الدكتور الساعي ألا تتحول أعمال هذه الندوة وأنشطتها إلى «مجرد كلمات تذوب متلاشية مع الهواء, وسطور تجف آثارها مع جفاف حبرها, ثم لايبقى إلا الذكرى والإعداد لمؤتمر آخر للدفن..»
في الأخير انطلقت المداخلات من طرف المشاركين, حيث دعا الدكتور عبد الهادي بوطالب (المغرب), إلى ضرورة الاهتمام بالقرار السياسي وإشراكه للعمل من أجل التقريب. كما تناول الكلمة كل من د. مرتضى بن زيد (اليمن) والشيخ حسن السقاف (الأردن) وكذلك الأمين العام للإيسيسكو الدكتور عبد العزيز التويجري.

الجلسة الأخيرة والتوصيات
الجلسة الخامسة والأخيرة من أعمال هذه الندوة,‏ترأسها الدكتور عبد الله صالح العبيد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي, ولم تقدم فيها جميع البحوث المقررة لضيق الوقت, واكتفى بعرض ملخصات لبعض البحوث فقط, منها بحث السيد علي الأمين رئيس معهد الإمام موسى الصدر للدراسات الإسلامية (لبنان) الذي تحدث في بحثه: «الإسلام بدون مذاهب» عن منهج الإسلام في القضاء على الصراعات والإختلافات, وأن المسلمين كانوا يهرعون عند أي اختلاف للبحث عن حل له من خلال نصوص الكتاب والسنة, أما مشكل استمرار الاختلاف الموروث إلى حد الآن بين المسلمين فمرده إلى عدم تجديد أساليب وطرق الإستدلال الموروثة عن السلف, والتي تجعل من الفقيه فقيهاً‏ للمذهب وليس للإسلام بشموليته, كما دعا إلى الفصل بين ما هو ديني وما هو رأي شخصي لمجتهد أو مفكر, وأن السبيل الوحيد لتجاوز الخلافات المتوارثة يكمن في الرجوعýإلى القرآن والاحتكام إلى آياته.
الدكتور محمد المظفر من جامعة الملك عبد العزيز (جدة) قدم بحثاً ‏حول: «عقد البيع بحث مقارن على المذاهب الخمسة» للإستدلال على حجم الإتفاق والاختلاف بين هذه المذاهب الفقهية, من خلال هذه المسألة, وقد توصل الباحث إلى عدم وجود خلاف في هذه المسألة «من حيث المبدأ, وأن اختلاف الرأي في التفاصيل».
أما البحوث المتبقية والتي لم تقدم ولم تناقش فهي:
ـ تحديد مسؤولية احتواء الأزمات المذهبية, للدكتور عزالدين الخطيب التميمي, قاضي القضاة ومستشار الملك الأردني للشؤون الدينية.
ـ وجهة نظر إعلامية من واقع الممارسة, للدكتور فتحي الزبيدي, مدير البرامج الدينية في قناة دبي الفضائية.
ـ التقريب بين المذاهب ضرورة ملحة لمستقبل أفضل, للشيخ فاضل السهلاني, مدير فرع مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية في نيويورك.
ـ المخاطر الكامنة التي تواجه الأديان والصراعات المذهبية, للحاج عبد الإله معرفي, من مؤسسة معرفي في الكويت. بالإضافةýإلى بحوث كل من الأستاذ هيثم دمياطي من جامعة تشرين باللاذقية.‏والشيخ آصف محسني من أفغانستان.
وقد استلمت الندوة هذه البحوث مع غيرها لإدخالها ضمن كتاب الندوة الذي سيصدر محتوياً جميع هذه البحوث والدراسات وفاعليات هذه الندوة.
أما بخصوص ما جاء في هذه الأبحاث التي لم تقدم فإنها بشكل عام لم تخرج عن السياق الذي سلكته مجمل الأبحاث المقدمة, من عرض لأسباب الاختلافات بين المذاهب الإسلامية وتقديم بعض المقترحات من أجل التقريب بينها لنزع فتيل النزاع والتخاصم الذي يهدد السلم الاجتماعي داخل العالم الإسلامي.

ـ توصيات الندوة:
بعد انتهاء أعمال الندوة تقدم المشاركون بمجموعة من التوصيات, مستوحات مما جاء في البحوث والدراسات التي قدمت أو نوقشت, هذه التوصيات والمقررات منها:
أولاً: دعوة منظمات وهيئات ومؤسسات والجمعيات الإسلامية لمتابعة العمل وتنسيقه من أجل التقريب بين المذاهب الإسلامية الفقهية المعتمدة.
ثانياً: تعميم ثقافة التقريب بين المذاهب واعداد الأدبيات الدينية والفكرية التي تسهم في بلورة هذه الثقافة تقوم على قاعدة احترام الاجتهاد المختلف طالما أنه يستند إلى دليل شرعي ويقوم على الثوابت الايمانية.
ثالثاً: العمل على إصدار كتب ومنشورات دورية لنقل مبادئ التقريب وأفكاره بين المذاهب إلى الرأي العام الإسلامي في الدول الإسلامية كافة وبلغاتها المتعددة.
رابعاً: استخدام الأجهزة الإعلامية من صحف ومجلات وإذاعات وتلفزة لنشر ثقافة التقريب واعتماد صفحة على الانترنت مخصصة لتزويد المهتمين والمعنيين بالمراجع والمعلومات الفقهية بقضايا التقريب ومبادئه.
خامساً: حث وزارات التربية والتعليم العالي في الدول الإسلامية على اعتماد ثقافة التقريب كمادةýاساسية ورسمية معتمدة في الجامعات والمعاهد المختلفة.
سادساً: الطلب إلى المنظمات الثقافية الإسلامية والعربية الرسمية والأهلية تنظيم ندوات ومؤتمرات حول التقريب بين المذاهب ونشر الأبحاث والدراسات التي يعدها مختصون على أوسع نطاق ممكن بلغات العالم الإسلامي.
سابعاً: دعوة علماء المسلمين وأئمة المساجد إلى التقريب بين المذاهب في خطب صلاة الجمعة وفي الدروس الدينية الخاصة تحقيقاً لهدف الأمة الإسلامية في الوحدة والتضامن.
ثامناً: دعوة علماء المسلمين من المؤلفين والكتاب إلى استلهام مصلحة الأمة الإسلامية بنبذ الخلافات وتجنب كل ما من شانه أن يعرض سلامتها للأذى أو للضرر أو يسيء إلى رموزها الإسلامية أو يطعن في اجتهاداتها الفقهية.
تاسعاً: تيسير عملية توزيع الكتب الفقهية المعتمدة والتي تعرّف بمقومات وبفلسفة المذاهب الإسلامية المتعددة مما يسهل عملية التقريب.

كلمة أخيرة
وأخيراً لقد قدمت البحوث والدراسات المقدمة تشخيصاً مفصلاً لأسباب الإختلاف كما استعرض البعض عدداً‏كبيراً‏من المسائل الفقهية (الكبرى) المختلف حولها,‏وكذا القضايا العقائدية والأصولية, وبالتالي فقد أنجزت البحوث نوعاً‏من الجرد لمجمل القضايا المختلف فيها لكن البحوث أهملت إلى حد بعيد علاج أهم سبب تفجر حوله الخلاف وتناسل وتفرع, ونقصد به موضوع الإمامة الكبرى باعتباره الموضوع الذي يعمق الإختلاف بين الفريقين السنة والشيعة, طبعاً‏كانت هناك إشارات متفرقة حوله, باعتباره من أسباب الاختلاف, لكن البحوث لم تعطه ما يستحقه من المعالجة, في المقابل لاحظنا أن البحوث نفسها جاءت توفيقية وتقريبية, وقد اصطبغ البعض منها بنوع من المجاملة على حساب الموضوعية العلمية والجرأة في طرح المواضيع والمسائل المختلف حولها. لكن المداخلات والنقاشات أعطت ارتساماً مختلفاً,‏وذلك عندما استطاع بعض المشاركين الكلام بجرأة وصدق وصراحة أكثر.‏جعلت الحرارة تدب في القاعة حيث تنعقد الندوة, ومن خلال النقاشات الساخنة والحادة في بعض الأحيان, تبين وانكشف حجم المساحة المعرفية الفاصلة بين علماء الفريقين, لكن شعور المشاركين بأنهم مجتمعون من أجل التقريب, غير مجرى النقاشات والمداخلات, باتجاه خطاب تصالحي فيه الكثير من التمني والرغبة في الوصول إلى تحقيق وحدة الصف الإسلامية,‏وهذا ما عكسته المقترحات الكثيرة التي تضمنتها الأوراق المقدمة وكذا التوصيات, لأنها شكلت برنامجاً‏متكاملاً ومثالياً للتقريب وتعريف المجتمع الإسلامي بمذاهبه كلها دون استثناء. ونأمل أن لاتبقى المقترحات والمطالبات والبرامج والمشاريع التي تقدمها هذه الندوات والمؤتمرات في نهاية أعمالها عبارة عن حبر على ورق لأن أصحابها في الأغلب لايمتلكون القرار السياسي أو الإعلامي الفاعل والحاسم داخل بلدانهم, وأن لايكون هناك سعي جاد إلا في حدود ضيقة لتطبيق هذه التوصيات في مجالات التوجيه الديني والثقافي الذي يشتغل فيه بعض من هؤلاء المشاركين مباشرة. لذلك فجهود التقريب قد تبقى تراوح مكانها, وإن تحركت فببطء شديد, لأنها تتأثر بالظروف والعلاقات السياسية بين الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي, والتقريب لايمكن أن ينتعش وينتشر إلا في مناخ سياسي تصالحي وانسجام عام في المصالح, وإلا فإن التاريخ وكما أشرنا في المقدمة أظهر لنا كيف أغلقت دار التقريب في القاهرة, وكيف تعثرت جهود التقريب وقد كانت تسير بخطى رصينة وجادة ومثمرة فعلاً, لكن عواصف المتغيرات السياسية تمكنت من إيقاف هذه الجهود الكبيرة, وشُرع بدل التقريب بنشر الغسيل المذهبي بألوانه المختلفة والمتناقضة, وعزف البعض طويلاً على أوتار الاختلافات.
لن نقترح بدورنا توصيات جديدة ولن نقول «يجب أن» ولكن نقول بكل تأكيد بأن جزءاً فقط من المقترحات والتوصيات التي قدمت في هذه الندوة, لو عرف طريقه نحو التطبيق الفعلي والحقيقي على أرض الواقع, فإن الساحة المذهبية والإجتماعية في العالم الإسلامي ستشهد تغييراً‏ ملموساً باتجاه خدمة وتحقيق أهداف التقريب, أي الوحدة وتوحيد الصف الإسلامي, وعودة مفهوم الأمة الذي غاب طويلاً إلى ساحة الواقع, كما أن المجتمع الإسلامي سيكون على موعد مع الحقيقة في إحدى أهم جوانبها المتعلقة بالدين والتاريخ, لو انتشرت المعرفة بين الناس لتقلص حجم التقليد المتوارث دون علم أو دليل. ولتمكن العديد من الناس من الاختيار المبني على الفهم ومعرفة الحقائق الدينية والتاريخية.‏ولتقلص كذلك حجم الأكاذيب والأساطير والافتراءات التي يروج لها البعض من أتباع المذاهب لاظهار بُعد مخالفيهم عن الإسلام عقيدة وشريعة.

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة