تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

ندوة: ظاهرة العنف في مواجهة الأثار إلى معالجة الأسباب

حسن آل حمادة
 تمهيد

نظم مركز الخليج للدراسات التابع لجامعة قطر ندوة استمرت يومين (17-18 مايو 2004م)، لمناقشة موضوع: >ظاهرة العنف في مواجهة الآثار إلى معالجة الأسباب<، شارك فيها -الندوة- نخبة من العلماء والفقهاء والمفكرين والأكاديميين والباحثين، وقد عالجوا خلال ثمانِ جلسات مجموعة من المحاور ذات الصلة بموضوع الندوة، يمكن حصرها في ستة محاور، وهي: مفهوم العنف، المحور الاجتماعي للعنف، المحور القانوني للعنف، البعد الدولي للتشريعات، المحور السياسي للعنف، المحور الثقافي للعنف، العنف ضد المرأة.
وهنا تغطية لأبرز ما ورد في أوراقهم المقدمة، لعلّنا بهذه السطور نُعيد لهذه الندوة بعض ألقها الذي غاب في ظل هرولة الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى للهاث وراء أمور أخرى.
بين قوسين: (لا يخفى أن الحضور كان محدوداً، مع استثناء المدعوين من أساتذة جامعة قطر، وأصحاب الأوراق المقدمة بطبيعة الحال)!! ولا يسألني أحدكم: أين ذهب السواد الأعظم من الناس المتضررين من أعمال العنف والإرهاب؟!
وهنا نتساءل: لمن تُعقد مثل هذه الندوات؟ وما هو مصير النتائج والتوصيات التي يخرج بها المجتمعون؟ وهل سيقرؤها من يفترض أنهم مسؤولون عن معالجة العنف في بلداننا، أم هم مشغولون بأمور أخرى؟ مثلاً: تجمع غالبية الأوراق المُقدمة على أن القبضة الأمنية -لوحدها- لن تجدي نفعاً في مواجهة مسببات العنف، إذ لا بد من إزالة الأسباب الحقيقية التي عمّقت جذور الظاهرة.. فمن يدري؟ ومن يصغي؟ ومن يفهم؟
قبل أن أنسى: لحد الآن لم يتفق أبناء الكرة الأرضية، ومن قُدِّمت أوراقهم في هذه الندوة على تعريف دقيق للعنف وتحديداً لصاحبه الإرهاب.. وما أخشاه أن يُتهم كاتب هذه التغطية يوماً بالاثنين معاً!!


? الجلسة الأولى: مفهوم العنف

الورقة الأولى: في هذه الجلسة قدمها الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي (مدير مركز السيرة والسنة) بجامعة قطر، وجاءت بعنوان: >المسلمون والعنف السياسي.. نظرات تأصيلية<، تناول فيها العنف في اللغة وقال: إنها كلمة تتضمن: الشدة والغلظة، ثم أشار لبعض الأحاديث النبوية التي تقابل الرفق بالعنف، ومنها قوله K: >إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وإذا أحب الله عبداً أعطاه الرفق. ما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا حرموا الخير<. وأكد على أنه لاحظ أن هذه المادة (ع ن ف) لم ترد في القرآن لا مصدراً ولا فعلاً ولا صفة. ثم تطرق لمصطلح العنف في عصرنا ومفهومه وألمح إلى أنه يشمل مجالات عدة (أسرية، اجتماعية، تربوية، تشريعية)، وقال بأن أكثر ما اشتهر العنف في المجال السياسي، وأكثر من يُتهم بالعنف المسلمون، وأكثر من يتهمهم به الغربيون. والواقع -يقول-: إن الغربيين هم أكثر الناس عنفاً، وإن المسلمين في العالم كله هم ضحايا هذا العنف، ودماؤهم وحرماتهم مستباحة في كل مكان.
 ثم وضع تعريفاً للعنف على النحو التالي: >العنف هو استخدام الشدة والغلظة، في غير وضعها، أو في غير أوانها، أو بأكثر مما يلزم، أو بغير حاجة إليها، أو دون ضوابط استعمالها<. وقال: إن العنف في نظر الإسلام لا يقتصر على القوة المادية أو العسكرية، بل العنف يشمل -فيما يشمل- الكلام والجدال. يقول تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْـهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل:125].
كما أدان القرضاوي عرب الجاهلية لاتصافهم بسلوك العنف الذي أوصلهم إلى قتل بناتهم خشية إملاق!! هذا قبل أن يتغير حالهم بعد أن أكرمهم الله بالإسلام؛ فالمؤمن لا يلجأ إلى القوة إلا مضطراً لدفع اعتداء، أو لدرء فتنة في الدين، أو لإنقاذ مستضعفين، أو نحو ذلك، مما يجعله يخوض المعركة كارهاً، كما يقول تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ}[البقرة:216]. وفنّد القرضاوي كون العنف طبيعة عند المسلمين، كما يريد أن يصورهم بعض الغربيين، فيما راح يؤكد على أن حضارة الغربيين ليست حضارة مسيحية؛ فهي ليست حضارة المسيح بين مريم، بل هي حضارة المسيح الدجال، فهو أعور، وهي حضارة عوراء! تنظر إلى الحياة والإنسان والعالم بعين واحدة، هي العين المادية. وأثبت مخالفتهم لتعاليم المسيح الخيِّرة؛ فهذه أمريكا يحكمها اليوم: اليمين المسيحي المتطرف، الذي يتقرب إلى الله أو إلى المسيح بقتل المسلمين وتعذيبهم وتجويعهم!
وتحت عنوان: التوراة والعنف. استشهد القرضاوي بنصوص تحرض على استخدام القوة والعنف مع المخالفين، وتساءل: هل قرأ الغربيون الذين يتهمون الإسلام بأنه (دين السيف) هذه النصوص، التي تدعو لاستئصال الأمم الأخرى؟ وقارن بشكلٍ استدلالي مختصر بين دعوة القرآن وما جاء في التوراة.
كما تطرق القرضاوي في ورقته لمفهوم الجهاد المشروع، والعنف الممنوع -الذي تقوم به بعض الجماعات التي تنسب إلى الإسلام- ودعا للجهاد في فلسطين وعده من أفضل أنواع الجهاد وأولاها بالمشروعية والفضل. وقال: إن العمليات الاستشهادية -في فلسطين- أعلى أنواع الجهاد وهي لا تدخل في دائرة الإرهاب المجرّم والمحظور.
وفيما يخص كيفية مواجهة جماعات العنف في ديارنا؟ أشار إلى أن المواجهة الأمنية لا تكفي هنا، بل لا بد من مواجهة فكرية علمية معهم، فهناك خلل في رؤيتهم للدين، ورؤيتهم للحياة. والخلل الفكري لا يواجه بالسجون والتعذيب والتنكيل، فإن هذا قد لا يزيدهم إلا تشدداً وتعصباً لأفكارهم.
الورقة الثانية: كانت للدكتور لؤي يونس بحري (رئيس وحدة الدراسات السياسية) في مركز الخليج للدرسات - جامعة قطر. وناقش فيها >مفهوم الإرهاب<، ونفى بادي ذي بدء أن يكون الإرهاب ظاهرة حديثة؛ فقد كان الإرهابيون الأوائل هم من اليهود المتعصبين الذين قاموا في القرن الأول الميلادي بذبح الرومان والمتعاونين معهم. على أن كلمة الإرهاب نفسها استخدمت للمرة الأولى أثناء الثورة الفرنسية 1789-1799م... ولم ينتشر استعمالها إلا في أواخر القرن التاسع عشر حيث تبناها الثوريون الروس آنذاك لوصف أعمالهم العنفية ضد نظام القيصر الروسي. وقد عادت ظاهرة الإرهاب بالبروز بشكل واضح في الستينات والسبعينات من القرن العشرين متمثلة بشكل خاص في الحركات السياسية اليسارية في أوربا وأمريكا...إلخ.
وحدد الباحث عنصرين مهمين يجب النظر إليهما في محاولة الوصول إلى مفهوم الإرهاب، وكلاهما مرتبط بالآخر، وهذان العنصران هما: أولاً: >تعريف الإرهاب<، وثانيهما: محاولة فهم >أسباب الإرهاب<. وحول تعريف الإرهاب خلص الباحث إلى أنه لا يوجد تعريف متفق عليه بين الكُتّاب والأكاديميين والحكومات، فهذه الكلمة غالباً ما تستعمل وفقاً للميول الشخصية للأفراد أو الهيئات التي تستخدمها لوصف جماعات معية. وباختصار فإن من يُطلق عليه تسمية >إرهابي< لدى بعضٍ يُطلق عليه تسمية >المحارب من أجل الحرية< عند بعضٍ آخر. كما ناقش الباحث مفهومي >الإرهاب المدعوم من قِبَل الدولة< واصطلاح >إرهاب الدول<. وتطرق -أيضاً- لاختلاف الأمر في التوصيف القانوني لكلٍّ من عمليات الإرهاب وعمليات الحروب.
وتطرق الباحث إلى خصائص مشتركة للأعمال الإرهابية أجملها فيما يأتي:
1ـ إن العمليات الإرهابية تُنفذ مع سبق التخطيط والإصرار.
2ـ إن العمليات الإرهابية سياسية وليست جنائية... فالهدف الأساسي الذي يريده الإرهابيون هو التغيير السياسي للوضع القائم.
3ـ إن العمليات الإرهابية تستهدف المدنيين بالدرجة الأولى.
فمحاولة التوصل -يقول بحري- إلى مفهوم الإرهاب هو أمر لا يمكن فصله بأي حال من الأحوال عن موضوع الدوافع والأسباب التي يحتج بها الإرهابيون للقيام بأعمالهم.
الورقة الثالثة: للأستاذ خليل علي حيدر (الكاتب في شؤون الحركات الإسلامية)، عنونها بـ>نحو موقف متبلور من ظاهرة الإرهاب<، وتطرق خلالها لاتساع النقاش والجدل حول تحديد المصطلحات المستخدمة في الإعلام وفي أدبيات دراسة الحركة الإسلامية المعاصرة (الأصولية، التشدد، الغلو، التزمت، التطرف، الإرهاب...إلخ). وأكد على أن ثمة جهد قانوني لبلورة التعريف، وأنه لا بد من جهد سياسي كذلك لفهم ظاهرة الإرهاب وما يتعلق بها. وأما التعريف الذي يفضله للإرهاب فهو: >أي محاولة فردية أو جماعية تعتمد استخدام القوة أو التهديد بها، لفرض رأي أو اتجاه سياسي معين على المجتمع، دون تفويض قانوني<.
وأشار إلى أن من ركائز الفكر الإرهابي تبسيط العلاقات السياسية والاقتصادية للوضع المحلي والدولي، والإيمان بوجود حل سحري لكل الأمور المعقدة! وقال بأن الإرهاب موجود في دول وثقافات عديدة؛ إلا أن الإرهاب في العالم الإسلامي ظاهرة مختلفة لأنه يعتمد على استغلال مؤسسات ومفاهيم دينية من صلب التراث. وقال ضمن ورقته بأن: الفقر لا يولد الإرهاب بالضرورة (الهند، أفريقيا، مصر)، في حين أن غياب الديموقراطية قد يشجع على ظهور الإرهاب ولكن وجودها لا يقضي على الإرهاب بالضرورة (الإرهاب موجود في أمريكا وألمانيا وإيطاليا مثلاً). كما إن طرح الأهداف والشعارات المستحيلة قد يسبب في حالة الفشل مناخاً إرهابياً.

وتساءل (حيدر): هل الإسلاميون ضد الإرهاب؟ وقال في محل آخر: لا تكفي إدانة الإرهاب بل لا بد من المساهمة في مكافحته. وذهب بخيالنا بعيداً حين أشار إلى أننا لا نتصور إلى الآن العالم العربي أو الإسلامي الذي يسيطر عليه ابن لادن وأفكاره، وقدم في ورقته نقداً للحركة الإسلامية كونها عاجزة عن تقديم مشروع حضاري تنموي!!
? الجلسة الثانية: المحور الاجتماعي للعنف
الورقة الأولى: للدكتورة ابتسام الكتبي (أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات).. وقد تناولت فيها موضوع: >العنف السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي<، متحدثةً عن أنماط العنف السياسي، الذي حددتها في: العنف الحكومي، والعنف الشعبي، والعنف الذي تمارسه أجنحة السلطة ضد بعضها بعضاً، أو القوى والجماعات ضد بعضها بعضاً. فاللجوء إلى العنف -تقول- من أي طرف يعبر عن وجود أزمة في المجتمع. وعن أسباب لجوء الجماعات السياسية إلى العنف السياسي، ذكرت الباحثة عوامل يمكن تقسيمها لأربع مجموعات، وهي: المجموعة السياسية، المجموعة الاقتصادية، المجموعة الاجتماعية، المجموعة الفكرية. كما تحدثت الكتبي عن أسباب انخفاض العنف السياسي في دول المجلس في السبعينات والثمانينات، وعزتها: لتبني الحكومات لبرامج طموحة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، جرّاء العوائد النفطية، وطبيعة الثقافة السياسية السائدة التي يغلب عليها الطابع التقليدي (الديني والقبلي)، كما إن هذه المجتمعات لا تزال في المراحل الأولى من تطورها السياسي، وقوى المعارضة فيها ضعيفة ومتشتتة. ولم تغفل الباحثة أن تتطرق لنماذج من العنف السياسي في دول المجلس، مشيرة كذلك لأهم القوى التي مارست العنف، وأشارت لأسباب العنف (الداخلية والخارجية)، وأنماطه.
وفي خاتمة ورقتها قالت بأن مستقبل الوضع في العراق قد ينعكس على دول المجلس من منظور الاستقرار الداخلي؛ لذلك أكدت على ضرورة مواصلة جهود الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي لتعزيز الاستقرار ومحاصرة الأسباب التي قد تؤدي إلى العنف.. ففي حالة التراجع والانتكاس الاقتصادي، لا تبقى الأعين مغلقة... ولا يمكن ضبط المواطنين في جو المعاناة الاقتصادية بمنع التنفيس السياسي.
الورقة الثانية: قدمها الأستاذ زكي الميلاد (رئيس تحرير مجلة الكلمة)، بعنوان: >كيف يظهر العنف في سلوك الجماعات؟<، في بدايتها أشار الباحث إلى أن العنف ظاهرة (قديمة، ومعقدة، ومركبة)، وراح يوضح هذه المفردات الثلاث، مشيراً إلى ارتباط هذه الظاهرة بالاجتماع الإنساني في كافة مراحله وأطواره، القديمة والحديثة والمعاصرة... فظاهرة العنف لا يمكن أن تتحدد بزمن أو بعصر معين، فقد كانت لها تشكلات في جميع الأزمنة والعصور. ولا يمكن أن تحدد بدين أو عقيدة خاصة. لذا ينبغي الاستفادة من خبرات العلوم المختلفة (النفس، الاجتماع، السياسة...إلخ)؛ لمعرفة طرائق النظر لهذه الظاهرة وأساليب التعامل معها. ولأن العنف ظاهرة مركبة من ثلاث عناصر متصلة ومترابطة هي: الأول ويتصل بعالم الأفكار، والثاني بالبيئة الاجتماعية، والثالث بالنشاط السلوكي للعنف؛ لذا يلزم النظر إلى هذه العناصر بصورة مركبة لفهم الظاهرة.
ثم تحدث الميلاد عن العنف الذي يرمي إليه من خلال هذه الورقة محدداً إياه في عنف الجماعات وليس الأفراد، وتحديداً عنف الجماعات السياسية والدينية التي ظهرت في العالم العربي والإسلامي، وذلك لمعرفة: كيف تحول العنف إلى سلوك في هذه الجماعات؟

ومن تلك المقدمات النظرية -يقول الميلاد- يتأكد لنا ضرورة دراسة ظاهرة العنف ليس بطريقة أحادية أو بالاعتماد على عامل واحد فحسب مهما كانت قوة هذا العامل وفاعليته، وإنما بطرائق وعوامل مختلفة ومتعددة لكي نتمكن من الإحاطة بفهم وتفسير هذه الظاهرة المعقدة والمركبة. ثم أشار لثلاثة عوامل أساسية يمكن تطبيقها في هذا المجال، هي:
1ـ العامل الاجتماعي والاقتصادي.
2ـ العامل الديني والإيديولوجي.
3ـ العامل السياسي والعسكري.
? الجلسة الثالثة: المحور القانوني للعنف
الورقة الأولى: في هذا المحور قدّمها الدكتور فوزي أبو صديق (رئيس وحدة الدراسات الاستشرافية - مركز الخليج للدراسات بجامعة قطر)، بعنوان: >ملاحظات وتأملات في التشريع القطري لمكافحة الإرهاب<، وتوّج حديثه بالقول: إن أغلب التشريعات العربية المقارنة، تحاول أن تنشئ قواعد قانونية تحمي من مخاطر الإرهاب، بردع هذه الجريمة الغريبة عن المجتمعات العربية والإسلامية؛ لذلك يلاحظ أن المشروع القطري أصدر القانون رقم (3) لسنة 2004 بشأن مكافحة الإرهاب بتاريخ 16 فبراير 2004. ثم قدّم مجموعة من الملاحظات أدرجها على شكل تحليل وصفي لإعطاء صورة ولو وجيزة عن القانون القطري بشأن مكافحة الإرهاب الذي عَدَّه الباحث مكملاً للتشريعات الخاصة بحقوق الإنسان لأنه أحد الضمانات الأساسية للمحافظة على (حق الحياة) وهو من أقدس حقوق الأفراد، وأكثرها انتهاكاً أثناء هذه الجرائم، لذلك جاء هذا القانون للحفاظ على حقوق الأفراد جراء هذه الجرائم، وحقوق المتهم حتى تثبت إدانته.
الورقة الثانية: شارك بها الدكتور مسعود منتري (رئيس تحرير مجلة أبحاث، وعضو المجلس الإداري، للمعهد الدولي للقانون الدولي الإنساني بإيطاليا)، وأفرد أوراقها لمناقشة >المنظومة القانونية لمكافحة الإرهاب في ظل المتغيرات الراهنة<، وأكد في البدء أن كثيراً من الدول في قوانينها الوطنية لديها نصوص خاصة تعاقب على جريمة الإرهاب منها التي وضعت قبل أحداث 11 سبتمبر 2001، وذكر من بينها (الجزائر وإسبانيا). وأشار الباحث إلى ما وصفها بالجهود المحترمة التي بذلتها المنظمات الدولية والإقليمية في سبيل مكافحة الإرهاب، والتي من بينها: قرار مجلس الأمن رقم 137 في 12 نوفمبر 2001، والاتفاقية الأوربية لقمع الإرهاب الدولي في 11 نوفمبر 1976، والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لسنة 1998، واتفاقية منظمة المؤتمر الإسلامي بشأن مكافحة الإرهاب لسنة 1999، والاتفاقية الإفريقية للوقاية من الإرهاب ومكافحته الصادرة عن منظمة الوحدة الإفريقية في الفترة 11-14 سبتمبر 2002 بالجزائر.

وقدم في خاتمة بحثه بعض الاقتراحات القانونية لتحقيق مكافحة فعلية لجرائم الإرهاب، وقال: يجب إعطاء الأولوية للوقاية من الجرائم الإرهابية بدلاً من التركيز على الإجراءات القمعية اللاحقة، وفي هذا الخصوص يتعين:
1ـ إعادة النظر في البرامج التعليمية بهدف التوعية بشأن مخاطر الإرهاب ونشر ثقافة السلم والتسامح النابعة من الإسلام والعروبة.
2ـ معالجة مشكلات الفقر والبطالة.
3ـ ينبغي على الدول تكييف الأعمال الإرهابية بوصفها جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية وضمها لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية لتنظر في الأمر.
كما أكد ضرورة دعم البحث العلمي لدراسة وتحليل ظاهرة الإرهاب للتعرف على أسبابها الحقيقية وكيفية مواجهتها وأساليب معالجتها.
الورقة الثالثة: بعنوان: >العنف السياسي وحقوق الإنسان.. معالجة حقوقية<، قدمها الكاتب السعودي الأستاذ جعفر الشايب (مهتم بقضايا حقوق الإنسان)، وقد أكد خلال ورقته على مجموعة إجراءات مقترحة من أجل أن تتعمق مبادئ حقوق الإنسان في الفضاء السياسي والاجتماعي، لخصها في الآتي:
1ـ الالتزام بالعهود والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وتطبيقها بحزم ودقة.
2ـ ضرورة إدخال مادة حقوق الإنسان في المناهج التعليمية والتربوية، وذلك لأنه لا يمكن إرساء دعائم ومعالم حقوق الإنسان دون مشاركة المؤسسة التربوية والتعليمية فيه.
3ـ فسح المجال القانوني والسياسي لتأسيس مبادرات وجمعيات أهلية تعنى بحقوق الإنسان وتأخذ على عاتقها نشر الثقافة الحقوقية في الوسط الاجتماعي والدفاع عن الحريات والحقوق الفردية والجماعية.
4ـ ضرورة اهتمام المنابر الإعلامية ووسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية بقضايا حقوق الإنسان.
5ـ وضع ضوابط أخلاقية وقانونية للحد من ظاهرة العنف والتحريض على ممارسته، إذ لا يمكن إنهاء ظاهرة العنف إلا بالوقوف بحزم ضد كل أشكال التحريض والتعبئة السلبية لمكونات المجتمع وخصوصيات الأفراد.
6ـ الاعتراف القانوني والسياسي بحقيقة التعدد الفكري والسياسي القائم في المجتمعات، بحيث تكون المواطنة مفهوماً وحقوقاً وواجبات هي مرتكز العلاقة ومصدر المسؤولية المتبادلة.
الورقة الرابعة: للدكتور أحمد أبو الوفا (وكيل كلية الحقوق بجامعة القاهرة)، وجاءت بعنوان: >البعد القانوني للعنف في القوانين الوطنية والقانون الدولي والشريعة الإسلامية<، وقد استهل الباحث حديثه قائلاً: تُشكل ظاهرة العنف أحد المسائل الأساسية التي تواجه الإنسان والدولة، في المجتمعات الوطنية والدولية، وتضرب هذه الظاهرة بجذورها في أعماق التاريخ البشري، إذ بمجرد أن وطأت قدما ابني آدم هذه الأرض، سولت لأحدهما نفسه قتل أخيه فأصبح من النادمين، وقد اهتمت القوانين الوطنية، والمجتمع الدولي، فضلاً عن الديانات السماوية بهذه الظاهرة، ووضعت الوسائل الكفيلة بمعالجته. ثم أسهب في حديثه ضمن محاور ثلاثة، هي:
1ـ البُعد القانوني للعنف في القوانين الوطنية: مثال القانون المصري.
2ـ البُعد القانوني للعنف على الصعيد الدولي.
3ـ البُعد القانوني للعنف في الشريعة الإسلامية.
وفي خاتمة بحثه أكد -أبو الوفا- على ثلاث ظواهر تهدد بقاء الجنس البشري، وهي: العنف، والحرب، وتلوث البيئة. لذا -يقول- يجب اتخاذ كافة الوسائل والإجراءات الممكنة للتغلب عليها والتخلص منها، حماية للفرد الذي خلقه ربه وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً.


? الجلسة الرابعة: البعد الدولي للتشريعات

الورقة الأولى: للدكتور جعفر عبد السلام (الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية، وأستاذ القانون الدولي بجامعة الأزهر)، ناقش فيها >جريمة الإرهاب بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي<، وتناول في القسم الأول منها التعريف بجريمة الإرهاب ودرس عناصرها وأركانها، ثم تناول في القسم الثاني الأسباب التي تؤدي إلى وقوعها، وتناول في القسم الثالث موقف الإسلام من جرائم الإرهاب، وقبل ذلك تناول في قسم تمهيدي الخصائص التي تميز الجريمة خاصة في عقد التسعينات. فعن أسباب الإرهاب يرى الباحث أن أهمها: الأسباب الدينية، والأسباب السياسية، والأسباب الاقتصادية. فالأسباب الدينية تقف -يقول- وراء معظم جرائم الإرهاب خاصة تلك التي تحدث في بلاد مثل مصر والجزائر وربما السعودية، فقد أعلنت العديد من الجماعات الإسلامية مسؤوليتها عنها، وعللت ارتكابها بأسباب دينية. كما ندد الباحث بالحملة الصحفية ضد الإرهاب التي تتخذ الفهم السلفي للدين أداة للهجوم عليه، إذ يرى أنها ليست حملة قومية إنما يقف وراءها إما أشخاص يرغبون في القضاء على الدين وعلى الفكر الديني كلية أو أشخاص يمالئون الحاكم ويصورون له كل خطواته صواباً حتى تلك المتصلة بالمواجهة الدولية غير المشروعة، وغير المبررة أمام هذه الفئات الضالة.
وعن موقف الإسلام من الإرهاب، أوضح الباحث أن الفقه الإسلامي لم يستخدم مصطلح الإرهاب، وإنما استخدم مصطلحاً آخر يتطابق مع فكرة العدوان على الأرواح والأموال مع قصد بث الرعب والتخويف في الناس، إنه مصطلح (الحرابة)... وأن أفعال المحاربين تستغرق كل أفعال الإرهابيين وبالتالي فإننا -حسب الباحث- نعد الإرهاب صورة من صور الحرابة في الفقه الإسلامي. ونوّه إلى أن الفقه الإسلامي قديماً وحديثاً وضع أحكاماً تنظم جرائم الإرهاب بوصفها أشد الجرائم قسوة وأخطرها على أمن الجماعة المسلمة، وفرض لها أشد أنواع العقوبة، فالإسلام ليس ديناً عدوانياً يسمح بالقتل والتعدي والتدمير.
الورقة الثانية: عن: >الاتفاقيات الإقليمية في مواجهة ظاهرة العنف (والإرهاب)<، قدمها الدكتور أحمد بلقاسم (الجزائر) وفي بدايتها قال: نظراً للاهتمام المتزايد من قبل المجموعة الدولية بإرساء آليات كفيلة بمكافحة الإرهاب الدولي منذ إبرام اتفاقية طوكيو (1963) وتماشياً مع أحكام المواثيق والاتفاقيات الدولية الصادرة في هذا الشأن، ارتأت الدول العربية والإفريقية التزوّد بنصوص قانونية وآليات عملية تمكنّها من التصدي لهذه الجريمة المنظمة ذات الامتداد العالمي، فضلاً عن حرص هذه الدول على تحقيق الأمن والاستقرار وحماية الأشخاص والممتلكات في ربوع أقطارها فيما تراه الشرط الأساسي والضروري لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المنشودة.
ثم تحدث عن: الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، والتي وقعها وزراء العدل والداخلية العرب بالقاهرة، ودخلت حيز التنفيذ في عام 1999م، بعد أن صدقت عليها سبع دول عربية. كما تحدث عن: الاتفاقية الإفريقية لمكافحة الإرهاب، المبرمة -أيضاً- عام 1999م، بمدينة الجزائر. وخَلَص -بلقاسم- إلى أن هناك تشابهاً كليًّا بين أحكام وبنود كل من هاتين الاتفاقيتين، مما يدل -يكمل- على وحدة الاهتمام المشترك وتقارب وجهات نظر مندوبي الدول المعنية الذين اعتمدوا النص النهائي لكل من الاتفاقيتين بهدف الوقوف على الأخطار المدمّرة لهذه الجريمة. جدير بالذكر أن الدول المعنية تعهدت بتسهيل عملية تسليم المجرمين، والقيام بإجراءات قضائية متبادلة، وإعداد الدراسات والبحوث المشتركة لمكافحة الإرهاب، وتبادل الخبرات، وتسليم المتهمين والمجرمين والمتورطين في أعمال إرهابية عن طريق القنوات الدبلوماسية أو غيرها من الأجهزة المناسبة. ويلحظ بوضوح أن الباحث مزج في ورقته بين العنف والإرهاب! ولم يفرق بينهما، إذ عَدَّهما مصطلحاً واحداً.
الورقة الثالثة: أعدها الدكتور أبو الوفا محمد أبو الوفا إبراهيم (الأستاذ المساعد في كلية الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية بجامعة قطر)، وجاءت بعنوان: >البعد الجنائي للعنف في الجرائم الإرهابية في القانون المقارن والفقه الإسلامي<، وقد أجاب الباحث خلالها عن سؤالين، أولهما: هل يُعد العنف عنصراً مميزاً للجرائم الإرهابية عن غيرها من الجرائم الأخرى أو أن ما يميزها هو المفهوم الخاص الكامن في معنى الرعب أو الذي يتحقق بالفزع، أو التخويف؟ وثانيهما: ما هو الأثر الجنائي لاستعمال العنف وسيلةً لارتكاب الجرائم الإرهابية؟ وخلاصة ما توصل إليه الباحث يظهر في النتائج الآتية:
1ـ أن الإرهاب هو استعمال العنف أو التهديد باستعماله ضد الأفراد أو الجماعات، بغية تحقيق هدف غير مشروع، يؤثر على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة في الدولة والتي أقرّها المجتمع. وهو بالمعنى نفسه في الفقه الإسلامي، إذ يتحقق باستعمال وسائل من شأنها إلحاق ضرر بالنفس وما دونها أو بالمال، أو بالعرض -عند بعض الفقهاء- استهدافاً للإخلال بأمن المجتمع واستقراره، والسعي في الأرض بالفساد.
2ـ أن العنف هو مساس بسلامة جسم المجني عليه، من شأنه إلحاق الأذى به والتعدي عليه. وهذا المساس والإيذاء هو الحد الأدنى للعنف الذي قد يصل إلى الجرح والقتل وهو أقصى مدى له، وهذا هو المفهوم المعتاد للعنف، غير أنه يتسع أيضاً لاستعمال الجاني أعضاء جسمه في الإيذاء. وهو بهذا المعنى يختلف عن الإكراه، بوصفه النتيجة المترتبة على الوسائل المستعملة لقهر الإرادة، والتي قد تكون مادية متمثلة في العنف، أو معنوية متمثلة في التهديد. وبهذا يتفق القانون الجنائي والفقه الإسلامي في أن العنف يكون سابقاً على الإكراه، وأن التهديد يُعد عنفاً إذا سبب ضرراً جسمانياً للمجني عليه، بخلاف ما يقف عند حد الضغط على إرادة المجني عليه فإنه يكون إكراهاً فحسب.
3ـ يتفق القانون الجنائي والفقه الإسلامي على عدم لزوم العنف لقيام الجرائم الإرهابية، فكل ما أدى إلى الخوف والفزع في نفوس الأفراد، وهزَّ أمن المجتمع واستقراره، حتى ولو بطريق الحيلة والخداع، يُعد جريمة إرهابية.
? الجلسة الخامسة: المحور السياسي للعنف 1-2
الورقة الأولى: للدكتور عبدالله الأشعل (سفير سابق، والمستشار القانوني لمنظمة المؤتمر الإسلامي)، تناول فيها: >الفراغ السياسي في المنطقة<، وذكر أن المنطقة العربية تعاني مما يسمى بالفراغ السياسي، وأن الحكومات العربية لا تستطيع الوقوف على قدميها أمام الطغيان القادم من الخارج! وجاءت أحداث الـ11 من سبتمبر لتمهد للسيطرة، وأوضح أن الغرب استعجل السيطرة على العالم، واتخذ في سبيل ذلك آليات عدة منها العولمة، وكذلك أحداث سبتمبر، مبيناً أن عدم وجودها كان سيضطر الغرب إلى ابتداع أسلوب آخر للهيمنة. وأضاف أن أثر ذلك في العالم العربي كان مؤثراً وكبيراً، مبيناً أن العرب هم الضحية وأن الإعلام انطلق من خلال طريقين هما: المواجهة العسكرية، وتغيير البنية الثقافية التي تولد الإرهاب، وعلق على ذلك بقوله: إن الجهد المتميز الذي وصل إليه الإعلام في الغرب اليوم كان محصلة دور الإعلام الصهيوني منذ عام 1982م إلى 2001م، ورأى أن فك سوء الارتباط بين الواقع والإسلام لا يكون من خلال النظريات؛ إنما يفك هذا الارتباط على أرض الواقع، والانتقال إلى الثقافة الأمريكية لتوضيح المغالطات.
الورقة الثانية: للدكتور أحمد البغدادي (أستاذ الفكر السياسي بجامعة الكويت)، بعنوان: >الدين الإسلامي والآخر.. إقصاءً وانتقاصاً<، وقد ذهب البغدادي إلى أن الفكر الديني المعاصر يمثل امتداداً للنص الديني، تفسيراً وتأويلاً وشرحاً كما إنه يستند إلى الحدث التاريخي لبناء الحكم الفقهي، خاصة عصري النبوة والخلفاء الراشدين، فضلاً عن تبنيه مجموعة الآراء الفقهية >المعتمدة< لكبار الفقهاء. ثم اقتصر في حديثه على حصر جوانب هذا الفكر (الديني) من خلال ثلاثة أبعاد، وهي: الآخر تاريخاً، والآخر معاصراً، والآخر في ظل العولمة.

 ونرى أن الباحث لم يوفق -كما نتصور- في جملة من الآراء التي طرحها ومنها على سبيل المثال قوله بأن >من البَدَهِيَّات التي يعرفها كل باحث في الدراسات الإسلامية أن النص الديني لم يعرف من مفهوم الحرية سوى الحرية المادية الفاصلة بين الأحرار والعبيدالإنسان< لذاته، بغض النظر عن دينه وجنسه وموقعه الاجتماعي، الأمر الذي يلغي التصنيف الديني التقليدي، والذي على أساسه يتم إصدار مختلف القوانين والفتاوى.
وفي ظل الظروف الدولية الراهنة قد نعذر الباحث عندما تشاءم -في خاتمة حديثه عن الآخر في ظل العولمة- قائلاً: من الواضح أنه مهما حاولنا تفادي نظرية صدام الحضارات من خلال الدعوة لحوار الحضارات يبدو أن الأحداث العالمية تجعل ذلك غير ممكن.
علماً بأن النقاش احتدم في المداخلات على ورقة البغدادي حول: فكرة النص الديني، وقضايا المساواة بين الرجل والمرأة. إذ دعا الدكتور محمد عبد الحافظ إبراهيم (أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة قطر، ووكيل كلية أصول الدين بجامعة الأزهر)؛ إلى التدقيق في النصوص القرآنية، ومحاولة فهم مقاصدها ومعانيها والابتعاد عن السطحية في تحليل النصوص، لأن الآفة التي فتحت الباب هي عدم فهم النص القرآني والتوجيه الرباني.
الورقة الثالثة: في هذا المحور للدكتور رفعت سيد أحمد (مدير مركز يافا للأبحاث بالقاهرة)، وعالجت موضوع: >الاستبداد والأنظمة الشمولية وغياب الديموقراطية والاحتقان السياسي وغياب فرص العمل<. أوضح في طياتها أن الأمة العربية والإسلامية تعيش لحظات تحول كبرى في تاريخها، يلعب فيها التدخل الخارجي الدور الأبرز، واليوم، تعود إلى الظهور مجدداً ظاهرة العنف السياسي (الإسلامي) ويواكب حركة ظهورها الجديد، أسئلة تحتاج إلى إجابة من قبيل: هل المتغير الخارجي وحده هو الذي أدى إلى تجدد ظاهرة العنف السياسي الإسلامي؟ هل الهيمنة الأمريكية بكل مفرداتها بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 هي التي وسعت من مساحة العنف الإسلامي، ومن تنامي ظاهرته أم أن الأسباب الداخلية في أوطاننا العربية (تحديداً) والإسلامية كانت تقف خلف الظاهرة صعوداً أو هبوطاً؟ إن الإجابة -كما يشير- تحتاج إلى نقاشات مطولة، وإلى مقاربة معمقة للدوافع والجذور وآفاق المستقبل، وقد حاول الباحث أن يقترب من الظاهرة في بعض مكوناتها وأسبابها وذلك عبر محاور ثلاثة، هي:
أولاً: الاستبداد السياسي وما يحمله من قيم ومفاهيم وثقافة.. يتساءل: كيف يصبح لدينا -الاستبداد السياسي- في هذه الأمة بمثابة عامل تفجير للعنف السياسي وبخاصة العنف الإسلامي؟ خاصة إذا علمنا أن هذا العنف يأتي دائماً رَدَّ فعل على ممارسات الأنظمة الشمولية المستبدة! لذا دعا الباحث الدول المستبدة إلى تخلٍّ أكبر وأوضح عن قيم وثقافة الاستبداد السياسي التي ولّدت من قبل وربما ستولد مستقبلاً عنفاً إسلامياً أشد ضراوة مما نتصور لأن تحت الرماد ناراً متقدة وفتنة نائمة.
ثانياً: غياب الديموقراطية واستمرار الاحتقان السياسي.. والديموقراطية التي عناها الباحث ليست الإجراءات فحسب ، ولكن بالأساس القيم الديموقراطية، قيم التسامح، والعدل، والحرية، فغياب الديموقراطية -يشرح- بفعل أنظمة القمع والاستبداد أخطر وأقسى من غياب الإجراءات الديموقراطية، وهذا أمر في غاية الأهمية لأنه في غياب (قيم الديموقراطية)، كما استقرت في فقهنا الإسلامي وفي التجارب الإنسانية الراقية؛ والاكتفاء فقط بالإجراءات الديموقراطية، قد يصل بعض دعاة العنف والاستبداد إلى سدة الحكم، باسم الديموقراطية وإجراءاتها، ولكن لو سادت القيم الديموقراطية وتجذرت، لتعلم الناس والجماعات والحكومات، ثقافة التسامح، ولأضحى الجميع داخل نسق التفاهم البعيد كلياً عن الاحتقان السياسي المؤدي إلى العنف المدمر للمجتمع والأمة في آن.
ثالثاً: البعد الاقتصادي وخطورته في إحداث العنف، وهو بُعد متعدد في مكوناته وآثاره فمن غياب فرص العمل إلى غياب العدل الاجتماعي والتنمية الحقة وصولاً إلى الفقر الاقتصادي بكل آثامه وأثاره، هذا البعد -حسب الباحث- يلعب دوراً في إذكاء العنف ونموه وفي تجدد ظاهرته.
? الجلسة السادسة: المحور السياسي للعنف 2-2
الورقة الأولى: للدكتور عبد الحميد الأنصاري (الأستاذ بقسم القانون، كلية الشريعة والقانون، بجامعة قطر)، ناقش فيها: >الجذور الفكرية للعنف في الصراع السياسي.. الأسباب والعوامل المساعدة والحلول<. وحول أسباب وعوامل العنف ذكر الباحث ما يأتي:
1ـ طغيان العاطفة الدينية، وقلة الوعي، والثقافة القشرية الضحلة.
2ـ التعصب الذي يصوِّر للمرء أنه وجماعته الجهة الوحيدة التي تحتكر الحق.
3ـ سوء فهم وتطبيق لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
4ـ سوء فهم لمبدأ الجهاد الإسلامي أو تشويه مفهوم الجهاد.
5ـ التصور الطوباوي (المثالي) لنموذج الدولة الإسلامية (نموذج طالبان)، حيث تصور البعض ممن أعلنوا ندمهم مؤخراً؛ بأنها تمثل الخلافة الراشدة!!
أما العوامل المساعدة لظاهرة العنف فأجملها الأنصاري في:
1ـ التصور التآمري للآخر الخارجي على المسلمين (نظرية المؤامرة).
2ـ الانحياز الأمريكي في القضية الفلسطينية.
3ـ الهامش الديموقراطي.
4ـ العامل الاقتصادي.
5ـ العامل الاجتماعي، ويتمثل في زيادة مساهمة المرأة في الحياة المجتمعية وحصولها على حقوقها السياسية. وهذا ما ترفضه جماعات العنف الديني!
أما علاج ظاهرة العنف فتتمثل في مراجعة المفاصل الرئيسة للمجتمع، من: تربية وتعليم وخطاب ديني وثقافي وإعلامي وإنصاف اقتصادي وسياسي، بإعطاء الناس حقوقهم السياسية والاجتماعية العادلة وبسيادة قيم التسامح وقبول الآخر وعدم احتكار الوطنية والدين والصواب.
الورقة الثانية: عن >محاولات إقصاء (الآخر) وعدم الاعتراف به والانتقاص من حقوق الإنسان<، وهي مقدمة من الأستاذ منتصر الزيات (محامي ومستشار قانوني مصري)، ودعا عبرها للاعتراف السياسي بالتيار الديني، إذ إن هذا الاعتراف -يقول- سيساهم حتماً في الاستفادة من طاقات الأمة الشابة والمتمثلة في شباب الحركة الإسلامية.. كما إن الاعتراف السياسي بالتيار الديني سيساهم بشكل مباشر في إدماج تلك التيارات السياسية في الحركة الديموقراطية للمجتمع إذا ما اتفق على تعريف للديموقراطية في ظل منطلقاتنا وحضارتنا وقيمنا وسلوكنا. ونوّه قائلاً: من غير المعقول وغير المقبول أن يطالب بعضٌ ويتنادون بضرورة الانفتاح على الآخر وعلى الدنيا كلها ونفشل في الوقت ذاته في التواصل الداخلي. كما عاب (الزيات) مسألة التكفير السياسي، وعدها سياسة إقصائية متبادلة، وفيما يخص أهم الإجراءات التي يراها لازمة لنزع فتيل العنف في المجتمعات العربية ودمج أعضاء الجماعات الدينية في المجتمع المدني، ذكر ما يأتي:
1ـ معاملتهم بوصفهم مواطنين داخل المجتمع لهم من الحقوق وعليهم من الواجبات وإفساح المجال للدعوة السلمية... وفي حالة الخلاف علينا اللجوء إلى الحوار وليس إلى تكريس عنف الدولة ضد المعارضين من أبناء الوطن.
2ـ قيام رجال الشرطة بواجبهم الوطني والديني تجاه الآداب والمخدرات وانحرافات الشباب ومعالجة انحراف كبار الموظفين المستغلين لمناصبهم.
3ـ إلغاء العمل بقوانين الطوارئ التي تعد سيفاً مسلطاً على رقاب العباد.
4ـ ترشيد الإعلام حتى لا يستفز مشاعر المواطنين، وتهذيب البرامج الإعلامية والأفلام والمسلسلات.
وينبغي أن ندرك -كما يقول- أن التعددية والتنوع شيء هام وصحي، وأن شيوع ثقافة التنوع داخل الأمة الإسلامية يبعث على حيويتها وعافيتها.
الورقة الثالثة: للدكتور عبد الحميد أحمد أبو سليمان (الرئيس السابق للمركز العالمي للفكر الإسلامي) تحدث في ورقته عن: >العنف السياسي وعلاقته بالقتل والعهد السياسي<، ناقش من خلالها المشاكل والأزمات التي تعاني منها الأمة الإسلامية، كما استعرض أسباب انتكاسة الأمة وطرح الحلول المعالجة للأزمات في محاولة لمحاربة العنف والإرهاب. وقال أبو سليمان: لا يوجد مجتمع يستطيع إقامة حضارة إلا إذا كان هناك استقرار سياسي، ناصحاً بالتمسك بتعاليم الشريعة واتباع حكمة الرسول K في معالجة أمور أمته ومعرفة الأسباب المؤدية للعنف.
الورقة الرابعة: قدّمها الدكتور حسن إبراهيم (قناة الجزيرة الفضائية)، وخصصها لمناقشة >العنف السياسي وإرهاب الدولة<، وهو عنف تقوم به الدول وتقوم به جماعات بعينها رداً على عنف الدولة. وأوضح الباحث أنه لا يمكن أن نلقي باللوم على عاتق طرف دون آخر، أو أن نفترض أن العنف مبرر لأنه يأتي من قبل دولة ما. وأشار لنقطة هامة في ورقته، إذ قال: نجد أن عنف الإسلاميين على سبيل المثال لم يتزايد إلا في حالات القمع وغياب الوسائل الديموقراطية للتعبير. ومثال ذلك العنف المرعب في الجزائر الذي اندلع على أثر إلغاء الجولة الثانية من التصويت في انتخابات الجزائر 91/92، أو استهداف السياح والأهداف المدنية في مصر من قبل الجماعات الإسلامية المسلحة المحظورة، والتي لا يسمح لها بالوجود الشرعي. كما رفض الباحث ادعاءات وسائل الاستخبارات من أن هذه التنظيمات -التي تمارس العنف- مليئة بالمغرر بهم والمخدوعين. فمن يدخل هذه التنظيمات يدخلها وهو يعلم تماماً ما يفعل. وأوضح أن الدول فشلت تماماً في احتواء ظاهرة العنف السياسي خاصة الإسلامي منه رغم التعذيب والإغراء والوعيد. فالجماعات التي تتخذ من العنف طريقاً تنتشر بشكلٍ سرطاني. فمسببات العنف لم تنتهِ، بل ربما زادت حدة. وأفرد الباحث مجموعة من خواطره على هامش العنف، حيث وضع ما يأتي من تصورات:
1ـ لعل إغفال الحكومات في العالم العربي والإسلامي لقيمة التسامح والرحابة في المواعين يشكل العامل الأول في تزايد العنف.
2ـ مناهج التعليم التي أضحت متخلفة عن ركب العصر.
3ـ توسيع وسائل ومواعين التعبير عن النفس وحرية الاختيار، وإلا فإن ثقافة العنف ستكون هي السائدة.
4ـ المساواة أمام القانون والشفافية وكشف المستور مِمَّا يحدث في أقبيتنا وسراديبنا. فليس ما حدث في (أبو غريب) ببعيد عن ممارسات تتم في المعتقلات العربية دون رقيب ولا حسيب ولا محاسبة.
? الجلسة السابعة: المحور الثقافي للعنف
الورقة الأولى: للدكتورة فاطمة السويدي (كلية الإنسانيات والعلوم الاجتماعية، بجامعة قطر)، تحدثت فيها عن: >الهيمنة الأمريكية والاستلاب الثقافي<، وترى الباحثة أن جدل الهوية يتشكل دائماً، من خلال التوتر، ويتألق دوماً بالصراع، وهذا ما تواجهه الثقافة العربية في وضعيتها المأزقية أمام الاجتياح الكاسح للعولمة. وتتساءل: هل سيدفعنا هذا التحدي الثقافي إلى إعادة البناء من الداخل؟ وهل سنتمكن من الاستفادة من المنجز الحضاري بشرياً ومادياً وسياسياً؟ ثم قدمت تحليلاً للواقع الثقافي العربي، وتفسيراً للتحديات العالمية التي تفرضها العولمة، بما تحرّكه من وعي ملتبس، واحباطات متتالية، تجسّد التأثر بالسياسة الأمريكية العدائية، كما تجسد عدم قدرة العرب على التأثير في مجريات العالم الجديد. كما أجابت على سؤالين هما:
1ـ كيف يمكن أن نقرأ هذه التأثيرات التي تأخذ شكل >إصلاحات< متعددة مفروضة؟
2ـ إذا كانت السياسة الثقافية الأمريكية تثير غضباً لدى المجتمعات التقليدية، فكيف يمكن للنخب الثقافية التعامل مع الوضع المتأزم وتحويله إلى حوار هادئ؟
الورقة الثانية: للأستاذ محمد محفوظ (مدير تحرير مجلة الكلمة)، وهي تناقش >الحوامل الثقافية لظاهرة العنف في العالم العربي<، أوضح خلالها أن المجال العربي بأسره، يعيش زلزالاً إيديولوجياً وسياسياً، فإننا في هذا المجال والعالم، أحوج ما نكون إلى فن مراجعة ظروفنا وإمكاناتنا وثغراتنا، لا لكي نجلد ذواتنا، ونبكي على أمجادنا وإنما لكي نستعيد عافيتنا، ونسد ثغراتنا، ونستوعب نقاط الإيجاب في هذا التطور الرهيب الذي يجري في العالم. وإن التأمل الجاد في المشهد السياسي والثقافي العربي في الحقبة الراهنة، يوصلنا إلى اكتشاف خلل عميق، تعاني منه الحياة السياسية والثقافية العربية. وهذا الخلل العميق، ليس من جراء ضغوطات الخارج أو مؤامراته الهادفة إلى مسخ ثقافتنا الذاتية وإجهاض تطورنا السياسي كما يدعي بعضٌ، وإنما هو من جرّاء أمراض مستوطنة في داخل المشهد الثقافي السياسي العربي نفسه. وهذا الخلل العميق، الذي يعيشه الوضع السياسي والثقافي العربي، ويلقي بظله الثقيل على مجمل الحياة العربية، يتجسد في داء العنف والتعصب، وغياب أدنى حالات التسامح السياسي والمعرفي والثقافي، تجاه قوى المجتمع السياسية والمدنية وإبداعات المثقفين واجتهاداتهم الفكرية، وتجاه سيئات الواقع.. وكأن همنا الأساس، هو البحث عن عدو نحاربه ونبرز ترسانتنا الفكرية والسياسية تجاهه.
وأشار الباحث خلال ورقته إلى أن التعصب المقيت هو الوجه الآخر للعنف. فهما وجهان لحقيقة واحدة.. الوجه الثقافي والفكري هو التعصب، والوجه الاجتماعي والسلوكي هو العنف واللجوء إلى القوة الغاشمة في العلاقات الإنسانية. فحينما تقمع الآراء، وتمارس القوة التعسفية في إقصاء الأفكار والتعبيرات، تنمو حالات العنف والتعصب في المجتمع. حيث يدخل الجميع في دوامة العنف والتعصب، بحيث تشمل جميع دوائر السياسة والثقافة والاجتماع.
ويرى محفوظ أن الحاضن الأكبر لظاهرتي التعصب والعنف، هو الاستبداد بكل صوره وأشكاله، حيث يلتهم الحياة بتنوعها، ويختزلها في بؤرة ضيقة، فيمنع كل أشكال الحياة عن الآخرين، ويقمع كل من يحاول أن يُعبِّر عن رأيه أو يمارس حريته أو يطالب بحقوقه. لذلك يرى الباحث أن البداية السليمة لتجاوز خطر هذا الثالوث الجهنمي (الاستبداد - العنف - التعصب) هو في ممارسة الحريات السياسية والثقافية والاجتماعية. وضمن نقده للتعصب أكد على أن المطلوب هو التعامل النسبي مع الأفكار والقناعات البشرية، والإيمان العميق بنسبية الحقيقة وأنها -الحقيقة- يمكن أن يشترك الجميع في صياغتها والتعبير عنها.
الورقة الثالثة: للدكتور يوسف محمود صديقي (وكيل كلية الشريعة والقانون بجامعة قطر)، بعنوان: >البعد الثقافي لظاهرة العنف<، وقف خلالها على البعد الثقافي لظاهرة العنف عند الطرف الآخر الأمريكي وما عندنا نحن المسلمين، ورأى الباحث أن البعد الثقافي لغالبية الإدارة الأمريكية الحالية: قائم على التأسيس الديني الأصولي الذي بدوره أثر في السياسة والدولة. والمحافظين الجدد المزودين برؤية ثقافية معينة هم الذين يفكرون عن الجماعة، ويأخذون على عاتقهم التصرف في الشؤون السياسية، والدولة داخلياً وخارجياً، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، حين قاموا بتحولات جذرية في الولايات المتحدة. والبعد الديني لغالبية قادة أمريكا يحمل صبغة التشدد، والتقيد بالمنطلقات الدينية القائمة على الغريزة الدينية، ويقول نظامهم السياسي في مقامات عديدة: >من الضروري إعادة ترتيب العالم بقرارات أحادية إذا لزم الأمر. وأن الظروف مؤاتية لإعادة تشكيل العالم، وعليهم أن يجعلوا هذه الفرصة حتمية تاريخية<.
أما البعد الثقافي وارتباطه بالعنف عندنا نحن المسلمين فإن التحولات -حسب الباحث- والنكبات المتداخلة والمتعددة قد أدت إلى الحالة الأخطر المتمثلة في الانحدار الثقافي والتربوي والتعليمي، مما أدى إلى ظهور جهات اتخذت العنف منهجاً لكسب ما تبتغيه من مكاسب سياسية تحت مظلة ثقافية دينية معينة.
الورقة الرابعة: للدكتور عباسي مدني (زعيم جبهة الإنقاذ الجزائرية)، بعنوان: >العنف الثقافي الاستعماري.. دراسة تحليلية مقارنة<، قال فيها: إذا كان الإنسان قد اختار مسؤولية الاستخلاف ليعمر هذا الكوكب الجميل ويفعّل فضاءاته الشاسعة بما وهبه الله من قدرات ذكية ترتقي برقي ثقافته، وإذا كانت خبرته التاريخية والرسالية والحضارية التي تُثري بثراء تربيته وترقى برقيها وظائفه الأدائية فإنه بقدر ذلك يعي آفاق حرياته الفردية والجماعية بوصفها أساس الحق في الواجب، هذا الحق الذي خوله مسؤولية الاستخلاف في الأرض. إلا أن الإنسان بظلمه لنفسه استباح هذا المكسب الوجودي الوظيفي وصادره وحول المكسب الثقافي إلى نقيضه فحدث الاستلاب فتحولت مشكلة الثقافة إلى أزمة الحضارة وتحوّل من مصلح في الأرض إلى مفسد فيها. وهذا ما شهد به شريط تاريخه من مآسي عنف الاستعمار منذ البداية إلى يوم الناس.
وأشار مدني إلى ما سمّاه العنف الثقافي الاستعماري الذي رسخ الإشكالية الثقافية الاستعمارية الممثلة في الآية القرآنية الكريمة {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة: 32]، وقال مدني إن هذه الآية أعطت الإنسان قيمة مساوية لكل الناس في عصره وجيله وهو ما يعرف بالقيمة الكلية للإنسان التي لا تحصر في زمان أو مكان وهي تلك القيمة التي نصت عليها الحداثة ومفكروها من أمثال جان جاك روسو، كما تحدث مدني حول العنف في محطات عديدة ومنها مرحلة الاستعمار والحروب العالمية التي أفرزت ما عرف بعالم القطبية. واسترسل في حديثه إلى أن وصل إلى أميركا بوضعها الحالي في العالم، ونوّه مدني قائلاً: إن مشكلة العالم الحديث تكمن في أنه عالم مليء بالعلم لكنه خال من الأخلاق، مؤكداً أن المشاريع الاستعمارية لا يمكن أن تكون حلولاً لأية مشكلة في العالم.
? الجلسة الثامنة: العنف ضد المرأة
الورقة الأولى: للدكتورة عفاف بشرى محمد عمر (مديرة برنامج الدراسات الإفريقية، وأستاذة في الاجتماع بجامعة كارولينا بأمريكا)، وناقشت فيها: >العنف المبني على النوع الاجتماعي<، وقالت: إن واحدة من كل ثلاث نساء في العالم تتعرض للعنف مرة على الأقل في حياتها. هذه الإحصائية أفاقت العالم على مدى وحدة ظاهرة العنف ضد المرأة. وأضافت قائلة: إن العنف المبني على النوع الاجتماعي جزء من شبكة العنف المتداخلة، إذ إن الاتجار في النساء يتصل مع الاتجار في المخدرات والأسلحة ويزيد في تجريمه. والاغتصاب والاستغلال الجنسي يرتبط بمأساة مرض الإيدز وتحطم مؤسسة الأسرة. وإهمال جرائم العنف ضد المرأة يعني إهمال السلوك الإجرامي وتفكك حكم القانون. كما يرتبط العنف ضد المرأة بوحشية الحروب وانتهاكات حقوق الإنسان.
الورقة الثانية: للدكتورة عزة سليمان (مدير عام مركز قضايا المرأة المصرية)، بعنوان: >العنف القانوني المسلط ضد المرأة بين النص والتطبيق<، وأبرز صور العنف وأشدها أثراً على صورة الحياة داخل المجتمع -حسب الباحثة- هو العنف القانوني. وقد ناقشت الورقة أولاً: العنف ضد المرأة في نماذج من نصوص القانون، ضمن المحاور الآتية:
1ـ وضعية أبناء المرأة المصرية في قانون الجنسية المصرية رقم 26 لسنة 1975.
2ـ جرائم الشرف في التشريع العقابي المصري.
3ـ نصوص قانون العقوبات في قتل الزوج زوجته الزانية.
ثانياً: العنف ضد المرأة في نماذج تطبيقية لنصوص القانون، ضمن المحورين الآتيين:
1ـ معوقات المرأة في مجال المشاركة السياسية.
2ـ الخلع في المجتمع المصري.
الورقة الثالثة: للأستاذة رشا عوض (كاتبة في شؤون المرأة)، عالجت في بحثها موضوع: >العنف ضد المرأة في النزاعات المسلحة - السودان نموذجاً<، فقالت: اشتدت خلال هذا العام حدة العنف الممارس ضد النساء من جانب المقاتلين المنتمين إلى جميع الأطراف، والذي تميز به النزاع في السودان منذ فترة طويلة. ووردت أنباء عديدة حول الأذى الجنسي، بما فيه العبودية الجنسية والاغتصاب وحالات الحمل القسري. واستعمال الاغتصاب أسلوباً في الحرب من جانب كل من القوات الحكومية والمعارضة، لتجريد المدنيين في منطقة النزاع من صفاتهم الإنسانية وإذلالهم. بيد أنه نظراً إلى وصمة العار الملازمة للاغتصاب ولكونه من المحرمات، نادراً ما يجري الإبلاغ عنه وكانت حصانة المغتصب هي القاعدة السائدة. وقد وردت أنباء متكررة حول اختطاف النساء أثناء جمع الحطب أو تعبئة الماء، وإجبارهن على نقل أحمال ثقيلة من السلع التي نهبت من القرى التي عاث المقاتلون فيها فساداً، واستخدمن أيضاً في عمالة الرق وأجبرن على التنظيف والطهي وخدمة الجنود في الثكنات والمعسكرات. واستمر الجيش الشعبي لتحرير السودان في التجنيد القسري للأطفال رغم حقيقة أنه أبلغ اليونسيف بأنه سيسرح جميع الجنود الأطفال العاملين في صفوف قواته ويضع حداً لتجنيد الأطفال. ونوّهت الباحثة إلى أن السبيل الوحيد لوضع حد لهذه المأساة الإنسانية هو تدارك هذه الأزمة بتسوية تاريخية شاملة للقضية السودانية وقبول كافة القوى السياسية والحركات المسلحة والحكومة السودانية بدفع استحقاقات السلام والتحول الديموقراطي في السودان.

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة