تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

مجتمع المعلومات .. في البدء كان المفهوم

هشام الميلوي

احتل مفهوم ( مجتمع المعلومات) خلال العشرية الأخيرة مكانة خاصة لكونه من المفاهيم البَدَهِيَّة التي لا تحتاج لتوضيح أكثر من القبول به والخوض في غمارها، الأمر الذي جعل شبكات المجتمع المدني العالمي الحديث الولادة تطالب بفتح النقاش حول المفهوم، بل وذهبت إلى التشكيك فيه وَعَدِّه دعاية لإيديولوجية نيوليبرالية، وبفضل جهود الجمعية الدولية للتواصل (warc) بلندن، ووكالة أمريكا اللاتينية للأخبار، تم تنظيم حملة دولية من أجل تحرير المعلومة، والمؤتمرات الجهوية (prepcoms) الممهدة لقمة جنيف بمشاركة هذه الجمعيات هي التي ناضلت من أجل إدخال بند: حق التواصل في مجتمع المعلومات، والذي انتهى بإنشاء المرصد الدولي للإعلام بالمنتدى الاجتماعي العالمي ببورطو الكري في فبراير 2003.
وأمام احتدام النقاش دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى عقد المؤتمر العالمي الأول حول مجتمع المعلومات، والذي استمرت أشغاله من 10-12 ديسمبر الماضي بمشاركة 175 دولة، وقد جاءت هذه القمة بعد عشرات السنوات من ظهور شبكة الإنترنت شبكةً عموميةً، كما كان الشأن بالنسبة للمؤتمر الإداري العالمي حول موجات الراديو الذي انعقد سنة 1979م، بعد أكثر من تسعين سنة على اختراع الراديو، وقد كان لمطالبة دول عدم الانحياز يومها الأثر البالغ في تنظيم هذه القمة، لكن مع زحف العولمة الذي أطاح بمفاهيم الدولة التقليدية، التقط المجتمع المدني الكرة بوصفه الخط الدفاعي الأخير أمام طوفان الليبرالية.
وجدير بالذكر أن مؤتمر جنيف، لم يكن هو المؤتمر الذي ناقش موضوع المعلومات وعلاقتها بالتنمية الاجتماعية، وإن كانت ميزته تتلخص في احتضان الأمم المتحدة له، فموضوع المعلومات كان ملازماًً لكل قمم الدول الصناعية منذ منتصف التسعينات، أي منذ ظهور شبكة الإنترنت.

ففي بروكسل 1995 م، تمت مناقشة ما اصطلح عليه آنذاك >بالمجتمع الشمولي للمعلومات< أمام ممثلي الشركات العالمية وفي غياب المجتمع المدني، وبعد اندماج شركتي أمريكا أونلاين (aol)، وتايم وارنر في 2000م، ناقشت الدول الثمانية G8 بأوكيناوا مع مسؤولي شركات المعلومات ميثاقاً حول مجتمع المعلومات، لتجاوز ما بات يصطلح عليه >بالفجوة الرقمية<.
وفي يوليو 2001 م بجينوا، طرح مشروع دعم الحكومات الإلكترونية للدول الفقيرة >gouvernement< والارتباط بالشبكة العالمية، وعندما أكد التقرير الأممي للتنمية لسنة 2001م أن العالم يشهد تغييراً بنيوياً في خريطة التنمية، حيث إنه في العشرية القادمة سيتم تحقيق الإنجازات التي تطلبت في السابق أجيالاً لبلوغها، كانت الدول المتقدمة تنعم بخط هاتفي لكل فرد، مقابل خط واحد لكل 15 فرداً في الدول السائرة في طريق النمو، وخط واحد لكل مائتين في الدول الأقل فقراً!
وفي السياق نفسه دعت اليونسكو إلى إقامة نظام عادل للاتصال والمعلومات، فظهر مصطلح >أخلاقيات المعلومات< الذي يعني ضمان التعددية الثقافية واللغوية، وهي الفلسفة التي طغت على أجواء القمم والمؤتمرات الجهوية في طوكيو، باكو، وبيروت وتم إنشاء مكتب خاص للمنظمات غير الحكومية عني بالتهيئة لقمة جنيف.
إن هذا التقاطب بين هيئات المجتمع المدني وعرّابي العولمة، يعكس مقاربتين لموضوع المعلومات لا تختلفان عن المقاربات المتخذة في مواضيع أخرى، هاتان المقاربتان تمثلتا في رفض منطق التسليع الذي طال كل شيء من الكلمات والأشياء إلى الإنسان نفسه، وخداع العناوين التي تستغل -كما يقول بورديو- قوة الخطاب النيوليبرالي لقلب المفاهيم والأضداد، حيث تصبح الحرب سلماً والجهل معرفة، فعندما يركز ممثلو الشركات العالمية على مبدأ المرونة وروح المنافسة في مجال الاتصال والمعلومات، يعارض المجتمع المدني هذه المقاربة التقنية الاقتصادية باسم التنمية المستدامة والتعدد الثقافي.


? مجتمع التواصل أم اللاتواصل؟

كل اختراع جديد يخص مجال الاتصالات يرافقه الأنبياء المبشرون بالعهد الجديد، كما كان الشأن مع التلفزيون في الستينات: مع السلم لا للحرب، أو الثقافة في متناول الكل مع اختراع الكيبل والمينيتيل في الثمانينات، ألم يقل آل غور: إنني أرى عصراً أثينياً للديموقراطية في الأفق عند تدشينه للطريق السيار للمعلومات >الإنترنت<، حيث ستتحقق ديموقراطية المعرفة، فكل شخص باستطاعته الولوج إلى المعلومة وقت ما شاء وأين ما كان؟.
ثم ألا يذكرنا هذا بالشعار الذي توجت به أمريكا أون لاين وتايم وارنر اندماجهما: في كل مكان ومع الكل With Every-one? Every Where، وأخبرنا كل من بيل غيتس ونيكروبونتي من معهد العلوم بماسوتتش (MIT) أن كل مشاكل التربية والثقافة قد تمّ حلها، وتبعهم في ذلك جمهور عريض من المثقفين، الذين طالما ذكرونا بأن اختراع الطباعة قد غير وجه التاريخ، لكن إذا كانت المطبعة قد نقلت البشرية من مرحلة احتكار المعرفة إلى نشرها، فهل فعلت الإنترنت الشيء نفسه؟
يقول علماء الاجتماع: إن الإنترنت يمر بنسيج من الوسائط ويعبر عن صراع مصالح ورموز، وهنا نتساءل هل حققت الشبكة العالمية التفاعل بين مكونات المجتمع وعكست تعقده وأطيافه؟.
إن الديموقراطية تقتضي- خاصة في مجال تبادل المعلومات والاتصالات- تبادلاً للأدوار بين المرسل والملتقي، ليكون هناك حوار أفقي يتيح الحفاظ على مصالح الطرفين، وإلا أصبح الأمر إملاء لا حواراً، وهو حال الاتصالات والمعلومات اليوم، فلم تكن وسائل الاتصالات في يوم من الأيام أكثر تقدماً مما هي عليه الآن، ولم يشهد التاريخ سيطرة أفراد وجماعات على قنوات الاتصال كما نشاهد اليوم، ففي الوقت الذي تزداد فيه دائرة المتلقين باستمرار، تتقلص فيه الجماعات المتحكمة، بفعل عمليات الاندماج التي جعلت الإنترنت بيد أربع شركات كبرى، دون الحديث عن الإعلام المرئي والعابر للقارات، فهم اليوم وحدهم أصحاب الحق في التعبير، إنها دكتاتورية الصورة الواحدة، الكلمة الواحدة، والفكر الواحد، الذي حول العلاقات الإنسانية إلى منافسة تجارية، والمواطن إلى مستهلك، والشعوب إلى أسواق، فأية ديموقراطية هذه التي تستولي فيها الإنجليزية على 80% من المعلومات على الشبكة؟ وأي مجتمع للاتصالات الذي لا يثير فيه الإشهار لدى دول الجنوب سوى العنف؟.


? من ثنائية الإعلام/ الإعلان

إلى ثنائية المعلومات/ المعرفة
بعد الثورة الإعلامية التي شهدها العالم خلال العقود الأخيرة، طغت فكرة العصر الإعلامي وتنوير الشعوب باستخدام الراديو والتلفزيون، وكذلك الصحافة، غير أن طوفان الإعلانات هادرٌ وهل تفوقت النون على الميم.
الأمر نفسه بالنسبة للشبكة العالمية وشعار مجتمع المعلومات الذي يحيل إلى خلط آخر هو الخلط بين المعلومة والمعرفة، فقد جعلت الدعاية النيوليبرالية من الجلوس أمام شاشة حاسوب مرتبط بالشبكة، وكأنه جلوس أمام برومثيوس إلكتروني سينير رأس كل من يضع يده على لوحة المفاتيح معرفة وعلماً.
 ففي هذا العصر الموسوم بالنهايات -هناك من يتكلم عن نهاية الكتاب- حتى أصبحت المعلومة هي عملة القرن، فالمعلومات مال، والمال بدوره أصبح مجرد معلومات وشفرات إلكترونية، حيث اجتاحت الومضة SPOT بفضل النظام الثنائي كل شيء، وحولت الكل إلى مجرد أصفار وآحاد، فلم تعد الكتابة والصوت والصورة منفصلة عن بعضها البعض، وإنما أصبحت منصهرة في الومضة الضوئية التي منحتها كلها سرعتها الفائقة - الوقت الحقيقي- TEMPS REEL وسحقت الزمن إلى الفمتوثانية- واحد على ألف ترليون من الثانية- وانعكس هذا التحول أيضاً على كمية المعلومات المحملة في هذه الوسائط، وأصبحنا في مواجهة الإشكاليات فلم تعد المشكلة في شح المعلومات UNDER INFORMATION، وإنما أصبحت أكثر تعقيداً في إفراط المعلومات OVER- INFORMATION، الأمر الذي خلق وضعاً اقتصادياً جديداً أساسه التناقض الجوهري بين الموارد المادية والموارد المعلوماتية، التي هي على عكس الأولى لا تنقص باستهلاكها بل تزداد، أو لنأخذ باستعارة تشومسكي ونقول: تتوالد.
ولشرح هذا الخلط بين المعلومة والمعرفة سنقوم باستعارة أخرى من ت. س. إليوت الذي تساءل: أين هي الحكمة وقد ضاعت في خضم المعلومات؟


? الأساس المفهومي للمعرفة

 إذا كانت المعلومات هي ناتج معالجة البيانات تحليلاً وتركيباً من خلال تطبيق عمليات حسابية ومنطقية، فإن المعرفة هي حصيلة الخبرة والقدرة على استخلاص مفاهيم ونتائج جديدة من هذه المعلومات، فقد عرّف التقرير الأخير حول التنمية المعرفية في العالم العربي المعرفة بأنها: البيانات والمعلومات والإرشادات والأفكار، أو مجمل البنى الرمزية التي يحملها الإنسان أو يمتلكها المجتمع في سياق دلالي وتاريخي محدد، وتوجيه السلوك البشري فردياً ومؤسسياً... والدروس المستفادة من خبرات العمل والحياة.
وعلى هذا فإن المعرفة حالة أرقى من الحصول على المعلومات التي بدورها تتطلب انتقاء واستخلاصاً ومعالجة، أي إن التفاوت في المعرفة هو بمثابة السالب لتساوي فرص الوصول إلى المعلومة، فالوصول إلى هذه الأخيرة يتطلب معرفة مسبقة قادرة على طرح الأسئلة المناسبة، وهو نوع من هندسة المعرفة الذهنية، وعليه يمكن القول: إن مقتضى المعلومة هي الهندسة والتقنية التي تُعنى بالكلفة والسرعة لا بالثقافة والمعنى، لأنها تجري وراء اللحظة كما يقول فرناند برودويل.
 لقد اختتمت قمة جنيف أشغالها بإعلان ختامي لم يكن سوى نسخة عن سابقيه، وذلك بتركيزه على مبادئ عامة من قبيل التعاون الدولي وتضامن الشعوب، دون تحقيق حد أدنى لإقامة نظام عالمي جديد للمعلومات يؤسس لمجتمع المعرفة الحقيقي، وذلك بتوزيع موارد الاتصال والمعلومات، فلقد فشلت اليونيدو في حث الدول القادرة على تمويل مشاريع الاتصال في الدول النامية، ليستمر الاختلال في ميزان تبادل المعلومات.
إن المعركة في مجال الاتصال والإعلام هي نفسها في مجالات الحياة الأخرى بين المجتمع المدني وعرّابي العولمة، بين قيم التسليع والربح التي جعلت من الثقافة سلعة، وكذا قيم المنفعة العامة والمرفق العمومي والاستثناء الثقافي.

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة