تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

في نقد أسطورة الرأي العام

العربي عاكف

في نقد أسطورة الرأي العام
عند كارل بوبر

? تقديم

يحدد كارل بوبر (Karl Popper) بعض الأشكال التي اتخذتها أسطورة الرأي العام، والتي تجلت في >صوت الشعب< أو في >الإدارة العامة< و >روح الأمة< أو في >الطابع الجلي للحقيقة< أو في >تقدم الرأي العام< ليبين مخاطر هذه الأساطير، ويقدم مبادئ ديموقراطية تحترم كرامة الفرد، ورأيه الخاص، وتقوم بالأساس على التقليد العقلاني للنقاش النقدي، والاعتراف والإقرار بالتعدد والاختلاف في مجتمع مفتوح بديلاً للرأي العام والإجماع.


ـ1ـ
أسطورة الرأي العام


يلفت كارل بوبر الانتباه إلى عدد من الأساطير التي تلامس ما يسمى بالرأي العام، والتي يتم قبولها دون فحصها(1). ويسجل الأستاذ بنعبد العالي أنها تقوم على >عمليات الاستبار وجس نبض الرأي العام< التي نلاحظ أن معظم المشتغلين بالسياسة يلحون على أن يجعلوها >تسبق< كل موقف سياسي خطير وتتقدم الانتخابات السياسية وقيام التكتلات واتخاذ القرارات الحاسمة<(2).
ويبين كارل بوبر أن أولى أساطير الرأي العام تتجسد في الوهم التقليدي لصوت الشعب كتعبير عن الإحساس الشعبي الذي يملك >حكمة لا حدود لها<(3)، على اعتبار أن >صوت الشعب هو صوت الله<(4)، ويشكل اعتقاد >رجل الشارع< في التصويت والصوت المعبر عن الحس المشترك المعادل المعاصر له. إن غياب المتعدد والمختلف >في كلتا الحالتين له دلالته<(5). إن الناس لا يجمعون إلا نادراً، ومختلف الأفراد الذين نلتقيهم في مختلف الطرق يختلفون عن بعضهم بعضاً أكثر من اختلاف شخصيات مجتمعة في مؤتمر، لأن >النقائص تزداد مع حجم الجماعة<(6). وحتى إن اتفقوا في لحظة ما، فكلامهم لا يحمل >طابع الحكمة<(7). فهم يمكن أن يكونوا على حق مثلما يمكنهم أن يكونوا على خطأ ما دمنا >كائنات إنسانية قابلة لأن تخطئ<(8) باستمرار، وبما >أننا كلنا قابلين لأن نخطئ فهذا يعني أن الشعب قابل لأن يخطئ مثل أية جماعة أخرى من الكائنات الإنسانية<(9).
ولا ينفي كارل بوبر إمكانية أن يعبر صوت الشعب عن شبه إجماع في مسائل دون نقاش، في حين يتردد في مسائل تترك مجالاً للشك، أو يكون عرضة للتأثير وعدم التروي.
ومع ذلك يعتبر كارل بوبر أن أسطورة صوت الشعب >تنطوي على جزء من الحقيقة، فبالرغم من المعلومات المحدودة التي يتوافر عليها رجال من الشعب، فقد برهنوا أحياناً عن حكمة أحسن من حكامهم، أو إذا لم يكونوا أكثر حكمة، فعلى الأقل تحركهم نوايا حسنة وأكثر شهامة<(10).
ويربط كارل بوبر أحد أشكال هذه الأسطورة بالفلسفة التي تلهمها، لما >لها من قيمة وأهمية خاصتين، والتي ليست شيئاً آخر إلا مذهب الطابع الجلي للحقيقة<(11). وأبرز ممثلي هذه الفلسفة في نظره فرانسيس بيكون (Francis Bacon) وروني ديكارت (Rene Deicarte)ع(12) فإذا وجد الخطأ أو احتجبت الحقيقة، فذلك راجع إلى غياب الإرادة الطيبة أو إلى الانحياز أو إلى الحكم المسبق، لأن الحقيقة إذا لم تتم عرقلة ظهورها، فهي تنتهي دائماً إلى أن تعرِّف بذاتها، يعني أن تنكشف. ولا يمكن لأي أحد أن يخطئ في التعرف عليها بمجرد ما تعرض له. إنها تكشف عن ذاتها بالتجلي والظهور للجميع، وذلك بعد القيام بعملية >تطهير العقل<(13). ومن لم يعترف بالحقيقة الجلية والواضحة فهذا يدل على أن عقله ما يزال مدنساً. يتعلق الأمر هنا أيضاً كما هو الحال بالنسبة لصوت الشعب بأسطورة الإجماع. إن صوت الإجماع يشكل بالنسبة للنوع الإنساني السلطة الأخيرة. يسمي بوبر هذا التصور بـ>النظرية التفاؤلية العقلانية<(14). وهو تصور نادى به من وجهة نظره مفكرو عصر الأنوار وحتى منافسوهم، مما أدى إلى ظهور اعتقاد أنه بإقصاء الضغط وكل الحواجز التي تمنع من ممارسة الحرية سيسود الصحيح والخيِّر. والحال أن هذا ليس إلا أسطورة. ولهذا يحثنا كارل بوبر على >أن نتعلم كيفية الاحتراس من الإجماع<(15).
وكرد فعل على هذه الأسطورة العقلانية والمتفائلة تم نحت بديل رومانسي لنظرية صوت الشعب، وهو مذهب يكرس سلطة وخصوصية الإرادة الشعبية أو >الإرادة العامة<(16)، كما في تصور جان جاك روسو (Jon - Jacgue Rowsou)، والذي وصل نقطة أوجه مع المذهب الهيجلي للروح الجماعية روح الشعب، الأمة أو روح العصر وحتى روح الدم وصوته، ومكر العقل الذي >يترك الأهواء تتصرف مكانه<(17)، فبالنسبة لهيجل (G.W.F.Hegel) تصلح أهواؤنا كأدوات تسمح بالإدراك الغريزي أو الحدسي للحقيقة. ويستبعد إمكانية أن يكون الناس على خطأ حتى وإن أذعنوا أكثر لأهوائهم وليس لعقلهم<(18). يعتبر هؤلاء الناس >عمليين وسياسيين< إنهم >أناس يفكرون ويعرفون ما هو ضروري... يعني حقيقة زمانهم وعالمهم<(19). ومنهم من يصل إلى مستوى ومرتبة تجسيد روح الأمة. لأن الدولة التي تجسد روح الأمة يمكنها أن تتجسد وتتركز في شخص الديكتاتور كمعبر عن الإرادة العامة، والذي يملك كل المعارف وكل السلطات(20).
وهذا شيء خطير في نظر كارل بوبر، وهو يتفق مع شوبنهاور (Shopen hauer) في أن >هيجل مارس تأثيراً ضاراً مخدراً، ولقول كل شيء مسموم، لهذا تعتبر محاربة هذا التأثير في كل مناسبة واجب كل أولئك الذين يفكرون بحرية، لأننا إذا صمتنا فمن سيتكلم؟<(21). فعلى كل فرد يهتم بطريقة أو بأخرى بالسياسة بصياغته لنظريات أو أيديولوجيات جديدة أن يتحمل المسؤولية الفكرية، وأن يكون واعياً بأنه من الممكن أن يحدث أضراراً. لهذا يجب عليه أن يعترف بأنه لا يعرف شيئاً، وأن يمارس النقد الذاتي، وأن يترك عقله منفتحاً على انتقاد الغير له، وأن يكون >دائماً مستعداً لتحسين نظرياته في الدولة وفي المجتمع<(22).
ونحت الليبراليون في القرن 19 أسطورة تقدم الرأي العام، والتي تحتفظ هي أيضاً بأهميتها وقيمتها(23). نجد في هذا المذهب نظرية صناعة الرأي العام بواسطة مقدمات أو بسبب تأثير النخبة(24). وحسب هذه النظرية يوجد زعماء أو صناع الرأي العام، والذين بأعمالهم أو مقالاتهم أو كتاباتهم الصحفية، أو بفضل تدخلاتهم في المحافل ينجحون في جعل بعض الأفكار التي رفضت من قبل تُناقش من جديد لتقبل في النهاية، وفي هذه الحالة يفهم الرأي العام كنوع من رد فعل الجمهور على محاولات وأفكار هذه >الارستقراطية الفكرية< التي تبدع أفكاراً وتصورات وحججاً جديدة. وبموجب هذا التمثيل فالرأي العام بطيء في تمظهره وسلبي جداً ومحافظ بالطبيعة. وقد يحكم عليه أحياناً أنه منفعل ومتسرع وطائش في ردود أفعاله. ولكنه في نهاية الأمور قادر على حدس حقيقة المطالب التي يقدمها هؤلاء. وبالتالي فهو الحكم الذي يستطيع الحسم في مناقشات النخبة(25).
ويلاحظ كارل بوبر أن ما يجعل بعض السياسيين يربحون دعم الرأي العام ليس حقيقة أو حكمة قول، ولا حقيقة الوقائع، ولكنه الإحساس الأخلاقي الذي يميز الرأي العام عندما يتعلق الأمر بحدس اللاعدالة أو الظلم(26). وسيكون من المجازفة افتراض أن الرأي العام سيظل دائماً قابلاً للتأثر والتقبل السلبيين، يتعلق الأمر هنا أيضاً بشكل آخر من الأسطورة المدروسة: >ذلك أن هذه العمليات هي أداة ووسيلة في يد المشتغلين بالسياسة مهمتها الأساسية هي أن تخلق الوهم بأن هناك رأياً عاماً، وأن الآراء في المجتمع مهما تعددت وتضاربت فهي تجمع حول حد أدنى من الآراء هي بالضبط الرأي العام<(27).


ـ2ـ
مخاطر الرأي العام


لا ينكر كارل بوبر أن الرأي العام قوة قوية جداً، ويقر بالدور الذي يلعبه >فهو قابل لأن يقلب حكومات<(28). ولكن بما أن الرأي العام مجهول، فهو يشكل شكلاً من السلطة غير مسؤولة، وذات نتائج خطيرة سواء على الفرد والجماعات أو الأقليات، مثل التميز العنصري، وما >لا يضمن لسلوك الفرد وحريته حماية ضد الضغط المباشر للرأي العام<(29). بالإضافة إلى أن الأسطورة الجماعية للرأي العام لها تأثير سلبي على الجماعات المخالفة، فجماعة من المواطنين تحركها دعاية يمكن أن تُسيء إلى جماعة أخرى مختلفة عنها، أو تجرف معها جماعة أو جماعات أخرى، >وهذا ما يفسر -في نظر الأستاذ سيبلا- طريقة انتشار الأيديولوجيا عن طريق العدوى الوجدانية أكثر منها عن طريق الاقتناع العقلي<(30). فالأيديولوجيا مثل البكتيريا، مما لا يدع مجالاً للشك في أن الرأي العام >لا يعمل إلا على إخفاء منظومة القوى أو التوترات التي تسود المجتمع وتوزع الآراء فيه، وهو ما يسمح لسياسيي الحياة المعاصرة أن يستبدلوا العبارة الدينية (الله معنا) بعبارة علمانية تقول: إن الرأي العام بجانبنا<(31). ولهذا يعتبر بوبر أن حماية الدولة ضرورية بالنسبة للفرد وللأقليات.


ـ3ـ
مبادئ عامة


إذا كانت الدولة تمثل بالنسبة لكارل بوبر -مثل العديد من الفلاسفة- شراً لابد منه. فهو يشترط >ألا تتعدد سلطاتها بلا جدوى<(32). يطلق كارل بوبر على هذا المبدأ اسم >شيفرة >Rasoir< الليبرالية<(33) بالمماثلة مع >شفرة كيوم أوكام (Gui llawe Occam)<. ليبرهن على أن ضرورة الدولة لا تحتاج إلى استحضار تمثل طوماس هوبز (Thomas Hobbes)، لأن وجودها حاجة ملحة حتى ولو تم افتراض الطبيعة الخيرة للإنسان كما هو الحال في تصور روسو، فسيستمر في العالم وجود الأقوياء والضعفاء. ولذلك فلكل فرد الحق في العيش والمطالبة بالحماية أمام سلطة الأقوياء، لهذا فوجود الدولة ضروري من أجل حماية حقوق الكل(34). وذلك بأن تكون سلطتها أكبر من سلطة أي مواطن أو منظمة، لأن الاختلاف بين الأنظمة الديموقراطية والأنظمة الاستبدادية يكمن في أنه في الأولى يمكن تغيير الحكومة دون إراقة الدماء، في حين أن ذلك يعتبر مستحيلاً في الثانية. فليست الديموقراطية هي التي تتصرف، ولكن المواطنون ومن يمثل السلطة. وعلى هذه الأخيرة أن توفر الإطار الذي يتصرف فيه المواطنون بطريقة منظمة ومتجانسة تقريباً. وإذا كنا ديموقراطيين، فليس لأن الأغلبية دائماً على حق، ولكن لأن التقاليد الديموقراطية من بين كل الأنظمة المعروفة هي الأقل سوءاً(35).
ويستشهد كارل بوبر بجملة ونستون تشرشل (Winston churchil) التي مفادها: أن الديموقراطية هي أسوأ كل أشكال الحكومات، الشيء الذي يعني أنه لا يوجد شكل جيد للحكم(36). فالديموقراطية ليست إلا وسيلة لتفادي الاستبداد. ولا يوجد في الديموقراطية مبدأ بمقتضاه تملك الأغلبية الحق، لأن الأغلبية يمكنها أن ترتكب أخطاء فادحة، كأن تضع في السلطة مستبداً مثلما حصل في النمسا مع أدولف هتلر (Adolf Hitler)ع(37).
وإذا اختارت الأغلبية أو الرأي العام الاستبداد، فعلى الديموقراطي أن يسجل أن ديموقراطية بلده ليست قوية، ولهذا يبدو جلياً أن المؤسسات وحدها غير كافية، فهي تحتاج إلى توسط التقاليد، ففي غياب تقليد قوي، يمكن أن تخدم المؤسسات أهدافاً أخرى غير تلك التي وجهت إليها من قبل، لأن مشاكل تطرح مثل: عما إذا كان ينبغي منع لاعب البيانو من العزف، أم حرمان جاره من النوم. فمشاكل من هذا النوع لا يمكن أن تُحل عملياً إلا باللجوء إلى تقاليد وعادات موجودة، وإلى معنى للعدالة نابع من التقليد الحي، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمبادئ كونية. ولأن وظيفتها هي تقويم أو تغيير أو تحويل المؤسسات القائمة فهذا يدخل في نطاق ما يسميه كارل بوبر بالإطار الأخلاقي لمجتمع ما بارتباط مع الأجهزة القضائية للمؤسسات، والذي يكون مرجعاً >لإيجاد تسوية عادلة أو منصفة بين المصالح المتعارضة<(38).


ـ4ـ
النقاش الحر


يؤكد كارل بوبر على أن حرية التفكير والتبادل الحر للأفكار تمثل قيماً ليس من الضروري تبريرها، فالحقيقة ليست جلية، ومن الصعب الوصول إليها، والبحث عنها يتطلب ثلاثة عناصر:
1ـ الخيال.
2ـ المحاولات والأخطاء.
3ـ التوضيح التدريجي لأحكامنا بفضل الخيال ومنهج المحاولة وإقصاء الخطأ وتطبيق الفحص النقدي(39).
ويعتبر كارل بوبر أن التقليد العقلاني للنقاش النقدي الغربي انحدر من الإغريق، حيث تجلى في >وجود موقف نقدي وفي حرية تفكير جديدين في نقد أنكسماندر (Anaxemandre) لطاليس (Thales)<ع(40).
يقوم هذا التقليد على فحص واختبار الاقتراحات أو الافتراضات، وذلك بمحاولة تفنيدها وليس من أجل إقامة الحقيقة، أو من أجل الوصول إلى إجماع نهائي. ولكن لأن النقاش يسمح للمتحاورين بتغيير اقتراحاتهم وافتراضاتهم.
ويفند كارل بوبر الاعتقاد الذي يقول بأن النقاش ليس ممكناً إلا مع من يتكلمون نفس اللغة أو يؤمنون بنفس الافتراضات الأساسية؛ لأنه يكفي الاستعداد للتعلم من المخاطب الذي نتناقش معه، الشيء الذي يعني الرغبة الحقيقية في فهم الرسالة التي يود تبليغها، ويصبح النقاش خصباً عندما يكون المشاركون فيه من آفاق مختلفة. وتكمن أهمية دلالة النقاش في تنوع واختلاف التصورات التي تتواجه فيما بينها. >فالمنهج النقدي أو العقلاني يقوم على جعل فرضياتنا تموت مكاننا<(41). ولا ينبغي التطلع إلى اتفاق تام لمجموع الآراء؛ لأن هذه السيرورة تسمع بتقدم الأفكار(42). فحتى التوصل إلى حل مرضٍ للجميع يولد مشاكل جديدة تتطلب بالضرورة اختلافات في وجهات النظر. لهذا >لا شيء أكثر عقلانية من نقاش نقدي<(43). ولن يكون ذلك ممكناً إلا داخل ما يسميه كارل بوبر بـ>المجتمع المفتوح ليس كشكل لنظام سياسي أو حكومي أكثر منه شكلاً للتعايش الإنساني الذي تكون فيه حرية الأفراد واللاعنف وحماية الأقليات وحماية الضعفاء هي القيم الأساسية<(44).
ومع أن البحث عن الحقيقة بواسطة النقاش العقلاني هي مسألة ذات طابع عمومي، فهذه السيرورة ليس هدفها تكوين رأي عام، كما أن الرأي العام >ليس نتيجة نقاش من طبيعة علمية<(45). فيجب الالتفات إلى وجهات النظر الأخرى، مما يشجع انبثاق معنى للعدالة والاستعداد للتسوية.
إن هدف كارل بوبر هو المساعدة في الدفاع عن الحرية والديموقراطية، ولا يجهل المخاطر المرتبطة بالديموقراطية، ولذلك على كل مواطن أن يتساءل عما فعله من أجل تحسينها<(46)، عوض التذمر أو الشكوى منها؛ لأن كل شيء يتعلق بالمواطنين، بالديمقراطيين الذين عليهم أن يعملوا على تحسينها. والمجتمعات الديموقراطية هي نتيجة إصلاحات واعية ومقصودة، الشيء الذي يساعد على متابعة الإصلاحات.
ورغم أن الديموقراطيات الغربية بعيدة عن أن تكون كاملة، فهي أحسن ما أُقيم لحد الآن. ولن يكون أي مجتمع كاملاً، بل فقط توجد مجتمعات أحسن من أخرى، ويمكنها أن تتحسن باستمرار بفضل العقل والنقد. ومن الممكن احتقار أو الحط من قيمة هذا البناء غير المكتمل، ومع ذلك تبقى الديموقراطية >هي أملنا الوحيد<(47).
لهذا يود كارل بوبر أن تحل التقاليد التي تتغير وتتطور بمفعول النقاش النقدي وبالتفاعل مع المشاكل الجديدة محل الرأي العام، وأن تضطلع بالوظائف التي من المفترض أنه كان يقوم بها(48). وبالتالي تصبح فلسفة العقلانية النقدية أحد أسس فلسفة المجتمع المفتوح. والعقلانية كما يفهمها كارل بوبر هو موقف يؤمن بالنقاش النقدي، ويعطي النضج الضروري للتفكير في فكرة أو مشكل ما انطلاقاً من وجهات نظر دائماً متعددة ومختلفة، ويقوم على الأخذ والعطاء، فمن الممكن أن أكون على خطأ وأنت على صواب، والعكس صحيح، ويدعو إلى التحرر بواسطة المعرفة من أولئك الذين يقدمون أنفسهم كمرشدين، أو أنبياء، والرغبة في الدفع بالغير إلى أن يكون رأيه الخاص الحر، وهذا ما يتطلب >حرية التفكير والحرية الدينية واحترام الرأي المتعقل للغير، وأخيراً الحرية السياسية<(49)، لكي يتمكن كل فرد من الاختيار الخاص بكل حرية خارج كل تأثير أيديولوجي، ما دام أن الرأي العام كما تبين لنا >كائن مفتعل< فهو >نتيجة لا منطلق، غاية لا مبدأ، مفعول لا فاعل، وهو بالضبط مفعول عمليات الاستطلاع ذاتها<(50).

الهوامش:

?* باحث - المغرب.
(1)  P: 506. Karl Popper. Conjectures et Refutations. Payot. 1985.
(2) عبدالسلام بنعبد العالي. بين - بين، دار توبقال 1996، ص41.
(3)  P: 506. Conjectures et Refutations.
(4)  P: 130. Karl Popper. La lecon de Ce siecle.
(5)  P: 506. Conjectures et Refutations.
(6)  P: 170. Karl Popper. L'avenir est ouvert. Flammation 1995.
(7)  P: 507. Conjectures et Refutations.
(8)  P: 115. La lecon de Ce siecle.
(9)  P: 136. La lecon de Ce siecle.
(10)  P: 507. Conjectures et Refutations.
(11)  P: 507. Conjectures et Refutations.
(12)  P: 24 - 25. Karl Popper. Des Sources de La Connaissance et L'iguorance. Petite bibliotleque. 1998.
(13)  P: 77. Des Sources de La Connaissance et L'iguorance.
(14)  P: 508. Conjectures et Refutations.
(15)  P: 508. Conjectures et Refutations.
(16)  P: 508. Conjectures et Refutations.
(17)  P: 51. Karl Popper. La Societe Ouverte et ses ennemis. Tome II Seuil.
(18)  P: 508. Conjectures et Refutations.
(19)  P: 51. La Societe Ouverte et ses ennemis. Tome II Seuil.
(20) P: 89. Auolre Verolau. Karl Popper ou la Conaissance Sans Certitude. Presses pioutechniques er univercitaire Romandes.
(21)  P: 134 - 135. L'avenir est ouvert.
(22)  P: 134 - 135. L'avenir est ouvert.
(23)  P: 508. Conjectures et Refutations.
(24)  P: 509. Conjectures et Refutations.
(25)  P: 508. Conjectures et Refutations.
(26)  P: 508. Conjectures et Refutations.
(27) بين - بين، ص41.
(28)  P: 510. Conjectures et Refutations.
(29)  P: 510. Conjectures et Refutations.
(30) محمد سبيلا. الأيديولوجيا - نحو نظرة تكاملية. المركز الثقافي العربي، 1992. ص171.
(31) بين - بين، ص41.
(32)  P: 510. Conjectures et Refutations.
(33)  P: 11. Conjectures et Refutations.
>ليبرالي<، >ليبرالية< لا تعني الانتماء لأي حزب سياسي ولكن، فقط، التمسك بالحرية الفردية والحذر من كل شكل للسلطة التعسفية.
(34)  P: 511. Conjectures et Refutations.
(35)  P: 512. Conjectures et Refutations.
(36)  P: 142. La lecon de Ce siecle.
(37)  P: 90. La lecon de Ce siecle.
(38)  P: 513. Conjectures et Refutations.
(39)  P: 513 Conjectures et Refutations.
(40 ) P: 227 - 228. Conjectures et Refutations.
(41)  P: 372 - 373. Karl Popper. La Gonnaissance objective Flammation.
(42)  P: 514. Conjectures et Refutations.
(43)  P: 66. La Gonnaissance objective.
(44)  P: 166. L'avenir est ouvert.
(45)  P: 514. Conjectures et Refutations.
(46)  P: 136. L'avenir est ouvert.
(47)  P: 8. Karl Popper. La Societe Ouverte et ses ennemis. Tome II acter sud 1998.
(48)  P: 514. Conjectures et Refutations.
(49)  P: 25 - 26. Toute vie est Refutation de problemes Tome II acter sud. 1998.
(50) بين - بين، ص41.

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة