شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
سيكون التقدم العلمي والصناعي الباهر هو أهم مظاهر القرن القادم، لأن العالم الآن في مرحلة تطور سريع جداً، فالعلوم الطبيعية تتضاعف تقريباً كل عام، كما أن الصناعة يبدو الآن أنها تنمو بشكل مخيف، حتى أن المخترع الجديد يصبح قديماً بعد مضي عام أو أقل. وهذا ظاهر تماماً في صناعة الكمبيوتر مثلاً.
إلى جانب هذا هناك التطور في علم الوراثة وفي علوم الأجنة وفي علم الهندسة الوراثية. هذه ستحدث أحداثاً كبرى في فهمنا وتعاملنا مع الطبيعة. هذا من الناحية العلمية والصناعية; بطبيعة الحال له انعكاسات على الظروف الاجتماعية لأن كل اختراع يؤثر في العلاقات الاجتماعية في عالمنا كله.
لكن ما دور الدين أو الفكر أو الناحية الروحية في العالم إن القرن القادم سوف يشهد نمواً روحياً كبيراً جداً، والسبب هو أنه كلما نما العلم والتطور، وكلما تقدمت الصناعة وأصبحت قوية، كلما شعر الإنسان بالغربة في هذا العالم. فالعالم الآن لم يعد يسير بالمقاييس الإنسانية العادية، الإنسان لم يصنع لينتقل من مكان إلى مكان بسرعة الصوت، الإنسان لم يصنع ليستوعب أخبار مناطق واسعة من العالم وتصبح هذه المناطق كأنها جزء من بيئته المباشرة. الإنسان إنما وجد بذهن محدود وثقافة محدودة وقدرة محدودة. لكن العلم والصناعة أعطياه قدرة ضخمة هذه القدرة أكبر من حجمه. وبهذا يشعر الإنسان بالغربة.
من ناحية أخرى تشعره هذه الغربة والخوف من التطور السريع بالقلق، فالإنسان يجب أن يضع قدميه على أرض ثابتة، لكن العلم والصناعة تشبه الرمال التي يغرق فيها الإنسان. كأن الإنسان اليوم يقف على منطقة فيها رمل يغرق فيه بالتدريج، لذلك فهو يشعر بالقلق والخوف. ولهذا لا بد أن يتشبث الإنسان بالقيم الروحية فهي التي ستعوض أو تجعل هناك ما يسمى بالتوازن بين التطور العلمي السريع والهائل وبين الفقر الروحي الذي يصحب هذا التطور العلمي.
قد شاركت في مؤتمر البحر الأسود (عقد بين 19- 29 سبتمبر 1997م) الذي كان موضوعه يدور حول الدين والعلم والبيئة، قلت في هذا المؤتمر بأن العلم قوة وقد أعطى للإنسان قوة كبيرة جداً، وهذه القوة قد لا يستخدمها أو لم يستخدمها الإنسان دائماً في الصالح العام، ولا حتى في صالح نفسه، ولا في صالح البيئة. وأن أحد الأسباب في أن العلم الحديث قد ثار على الله، كما ثار على الأخلاق، هذه الثورة على القيم الروحية والقيم الأخلاقية إذ جعلت العلم يبدو كأنه قارب من القوارب السريعة في البحر يسير بسرعة قوية، لكن ليس له ما يسمى بالدفة التي توجهه، فهو ينطلق بسرعة رهيبة، يغطي مساحات واسعة، لكن دون توجه، وأنه لا بد من عودة الدين إلى معمل العالم، ومن عودة الأخلاق إلى مصنع الصانع.
الدور العالمي القادم للإسلام
هذا التطور سيحدث، متى سيحدث؟ على يد من سيحدث؟.
لا أستطيع أن أقطع في هذا. لكن أقول ربما يحدث في أوائل القرن القادم، في السنوات العشرة أو العشرين الأولى، وأعتقد أن الإسلام سيكون له دور حاسم جداً في هذا المضمار بشرطين:
الشرط الأول: أن يكون هناك علم حقيقي وواسع الأفق بالإسلام، أما الإسلام المذهبي فلن ينجح في شيء، أما الإسلام المتعصب فلن ينجح في شيء، الإسلام الضيق الفكر لن ينجح في شيء كذلك. وإنما الإسلام الذي يصل إلى روح العقيدة وإلى أصولها هو الذي سيؤثر على الاتجاه العالمي.
الشرط الثاني: يجب أن نتعلم نحن كيف نتعامل مع العلم، لأننا نقف على الهامش في هذه المغامرة الضخمة، العالم الإسلامي يقف على هامشها، وهو مستهلك لا منتج، ويستجيب أو يخضع لعواملها دون أن يسهم فيها. لكن العالم الإسلامي يستطيع أن يؤثر على اتجاه العالم كله بهذين الشرطين. الأول أن يكون مرتبطاً بروح الإسلام الحقيقي المتسامح الجامع الشامل الذي لا يفرّق ولا يمزق الأمة. وأن ندرك قيمة العلم. لا أعني أن يكون بيننا علماء متفوقون فليس هذا بالضرورة، وإنما نفهم فقط ما هو العلم. لأن معظم حياتنا الآن تتأثر بناحيتين، الناحية الأولى الخوف والاندهاش والانبهار بالعلم، الناحية الأخرى معادلة ربطه كما يقال ربطاً عقلياً أو ظاهرياً، فنقول هذا العلم غربي ضّال، في الوقت نفسه نخضع له تماماً ونعيش في كنفه أرجو أن يكون بين مفكرينا وخاصة المفكرين الإسلاميين الذين يتعرضون لشرح الإسلام وتوضيحه للناس، أن يكون لديهم هذان العنصران وعنصر الفهم الحقيقي للإسلام وعنصر الإدراك الدقيق لأثر العلم وتطوره. فبدون هذين الشرطين لن يكون لنا تأثير.
نحن نسير في هذا الاتجاه، فمعظم علمائنا الآن بدؤوا يدركون أن العلم لابد من التعامل معه كظاهرة مؤثرة وقوية، والفتاوى الآن من كثير من علمائنا ليست فتاوى تحريم، كان بعضهم في الماضي يظن أنك إذا حرمت شيئاً فقد أنهيته، هذا لم يعد يوجد، لأنهم أدركوا أن التطور العلمي لابد من التعامل معه، كما نتعامل مع أي ظاهرة طبيعية. هذا تطور مهم وقد سمعت أن كثيراً من العلماء في بعض المؤسسات بدؤوا يحاولون تعلم اللغات الأجنبية. وبدؤوا يحاولون تعلم مبادئ العلوم. وأرى أن القرن القادم على تقدمه وتفوقه العلمي سيكون فيه عنصر روحي، هذا من الضروري وإلا فقد الإنسان تماماً في القرن القادم روحه واتجاهه، فالناحية الروحية ستكون بالتأكيد، لكن من سيكون قائدها؟ هل سنكون نحن القادة؟. أرجو هذا.
أما إذا فشلنا نحن فقد يحمل الراية غيرنا، وعندئذ سوف نندم. وأقول هنا وربما قراء المجلة لا يعرفون بأن البوذية تتقدم بسرعة كبيرة، وبأسرع من الإسلام، من يعتنق البوذية الآن في الغرب أكثر ممن يدخلون في الإسلام، وخاصة بين البيض الغربيين، والسر في هذا أن الدعاة من البوذيين، دعاة تعلموا أسلوب الغرب، وكثير منهم غربيون. أما نحن فما زلنا نخاطب أنفسنا. نحن لم نتعلم بعد مخاطبة الغرب. ولكن في اعتقادي الجيل القادم وخلال السنوات القليلة القادمة سيكون من بيننا من يستطيع أن يخاطب الغرب بلغته، كما قال الله عز وجل بأن الرسول المؤثر هو الرسول الذي يتكلم بلسان قومه، وليس مجرد كلام باللغة أو الحروف ولكن بالثقافة والمنطق والعقل. أرجو إن شاء الله أن يظهر دعاة يفهمون لغة الغرب وثقافته وعقليته، وعندئذ سيدرك الغربيون أن هناك ديناً يجمع بين الأمرين أو بين الحسنيين، الناحية الروحية القوية والعميقة التي لا تتفوق عليها البوذية بأي من الصفات، والناحية العملية التي تبدو في الشريعة، لأن المجتمع الإنساني يحتاج إلى قواعد وضوابط، والإنسان يعيش حياة سعيدة إذا ما كانت هناك قوانين، طريق واضح يسلكه، وهو معنى الشريعة لأنها تعني ا لطريق.
لهذا اعتقد أن الإنسان إن شاء الله سيكون له دور في القرن القادم، وأنا أومن كما كثبر من المسلمين بأن الله عز وجل لن يجعل لهذا الدين مكاناً أقل من مكانه الذي جعل فيه الأمة في أول تاريخها بأنها كانت خير أمة أخرجت للناس. أرى إن شاء الله أن هذا الدين سيكون خير دين أخرج للناس.
الجامعات الإسلامية.. دعوة للتطوير.
نحن في العادة نشكو أو نعدد مشكلاتنا ونواحي نقصنا وهي كثيرة، الجامعات الإسلامية للأسف هذه الكلمة، إلى حدما لا أعرف كيف أحددها، ما معنى الجامعة الإسلامية؟ هل هي الجامعة التي يكون الطلاب فيها جميعاً مسلمون؟ أو هي الجامعة التي تعيش في بلد إسلامي، لا بد من تحديد معنى الجامعة الإسلامية، تحديداً نتفق عليه، فلنقل بأنها الجامعات التي تدعي لنفسها أو يراها الناس أنها أساساً تريد خدمة الدعوة الإسلامية، وهذه قد تشمل الأزهر، وتشمل جامعة القرويين والزيتونة، وتشمل جامعات النجف الأشرف وقم، وتشمل أيضاً الجامعات التي نشأت حديثاً في بعض الدول العربية كالسعودية أو سورية أو العراق، كما تشمل الجامعات التي نشأت في اليمن والأردن، وأيضاً في المناطق البعيدة مثلاً ماليزيا وإندونيسيا، إلى جانب الجامعات الهندية والباكستانية، وهي التي تسمي نفسها جامعات تخرج أناساً للعمل الإسلامي. إن الأزهر في فكرة إصلاحه التي تمت سنة 1961م. هذا القانون الإصلاحي، أدخل في الأزهر مواداً أخرى، كان الأزهر متخصصاً فقط في الدراسات الإسلامية البحتة، فأدخلت فيه العلوم الحديثة وكليات الطب والهندسة والزراعة، فهل فقد الأزهر بهذا صفته كجامعة إسلامية هل لا يزال جامعة إسلامية أم لا؟ هذه نقطة؟!!.
نجد مثلاً الجامعات الإسلامية العالمية الحديثة كالجامعة الإسلامية في إسلام أباد، والجامعة في كوالالمبور، هذه جامعات تدرس الإسلام باللغة الإنجليزية. لكن إلى جانب هذا تحاول أن تتوسع إلى مؤسسات أخرى.
هل تدخل هذه أيضاً ضمن الجامعات الإسلامية، سأقبل هذا التحديد بأن هذه الجامعات تسمى جامعات إسلامية. وسأناقش من هذا المنطلق.
وسأبدأ بالأزهر لسبب بسيط وهو أنني أزهري أولاً، وثانياً لأن الأزهر هو أقدم مؤسسات التعليم الإسلامي، خاصة في العالم السني، ولكن يؤثر وجوده وقوته وضعفه على جميع المؤسسات الدينية في جميع البلدان الإسلامية. ماذا كان هدف الإصلاح الذي تم في الأزهر، كان الهدف من هذا الإصلاح، أن ينشأ عالم ديني يعرف عن العلوم، وعالم طبيعي أو طبيب يعرف عن الدين، فكان الهدف أن يكون هناك امتزاج بين الدين والعلم على المستوى الجامعي بحيث يستطيع الأزهر أن يرسل طبيباً إلى مكان ما فيكون طبيباً وداعية، أو يرسل مهندساً فيكون مهندساً وداعية، ويرسل مدرساً فيكون مدرساً وداعية وهكذا.
إلى جانب هذا إذا أرسل أزهرياً يكون لدى الأزهري بعض العلم والمعرفة بالعلوم حتى لا يبدو جاهلاً أمام المجتمعات الحديثة التي تتطور بسرعة وتزداد معرفتها بالعلوم الطبيعية. بكل أسف هذا المشروع عند التنفيذ لم ينجز السبب هو أن الذين طبقوه لم يستطيعوا وضع الفلسفة التي كانت ستجعله في الوضع الحقيقي. لم يكن هناك امتزاج بين العلم والدين. بل مجاورة، فالكليات العملية تجاور الكليات الدينية وهذه المجاورة لم ينجم عنها على الإطلاق أي تجاوب بين الطرفين. بل الكليات الدينية في الأزهر أكثر جهلاً بالعلوم من عهدنا أيام كان لا يوجد بجوارنا كليات عملية، ولكن كنا نقرأ وندرس ونحاول أن نتعلم، أو نحضر المحاضرات، في الكليات المختلفة حتى لا نكون منعزلين عن التطورات العلمية.
الآن وبكل أسف التطورات التي حدثت في الأزهر جعلتني أفكر في فترة أن أكتب وأطالب بإعادة النظر في إصلاح الأزهر، وإعادة النظر في وجود هذه الكليات العلمية، لأنها تستهلك جانباً كبيراً جداً من نشاط الأزهر ومن قدراته، في الوقت الذي ينبغي أن يتم أو يكون الاهتمام الأكبر بالكليات الأزهرية الأصلية.
أما الجامعات الإسلامية الأخرى، أنا أرى أن الجامعات في المغرب تنتج مواداً جيدة أقرؤها، وتحاول جاهدة، والعلماء هناك يحاولون جاهدين أن يواجهوا بعض المشكلات المعاصرة، لكن هذا لا يكفي. الجامعات في النجف الأشرف وفي قم، العلماء هناك بالرغم من الكلام عن أنهم مجتهدون، هم لا يختلفون في الناحية الفكرية كثيراً عن علماء السنّة، لأن المشكلة واحدة تواجه الجميع، وهي أننا نعيش على هامش العلم، ونحن لا نكاد كعلماء دين نستوعب مدى التأثير الضخم الذي يحدثه العلم في التصور الإنساني، وقدرته على التحكم في البيئة، ونحن نقبل هذا كأمر عرضي. الجامعات الإسلامية الحديثة التي أنشئت في ماليزيا وفي إسلام أباد، حسب التقارير التي عندي لم تتجه هذه الجامعات بالتعليم الديني اتجاهاً كافياً لأنها ما زالت في مرحلة الطفولة، أقول هذا رغم مضي بضع سنوات، لكن المؤسسات التعليمية تأخذ وقتاً، فالواقع أن هذه الجامعات ما زال مستواها العلمي غير كاف ولا تستطيع أن تواجه المعضلات التي تواجهنا. لكن ليس معنى هذا أن نيأس، وإنما نحن في العالم الإسلامي نتجه إلى محاولة إخفاء عيوبنا وعدم مناقشتها لأننا نرى أن مجرد ذكر هذه العيوب كأنه إهانة، مع أن الطب يب الذي لا يشخص تشخيصاً حقيقياً، والذي لا يقنع المريض بأن هذا المرض هو الذي يسبب له كل المشكلات، إذا لم يستطع المريض أن يقتنع بأن مريض، ولا يسمح للطبيب أن يصف أو يبين أعراض المرض وأسبابه، فعند ذلك يضلل المرض قائماً ويزداد استفحالاً، ويصبح مستعصياً على العلاج.
العلاقة بين العلم والدين مجاورة أم تكامل!
نحن نريد أن نكون صرحاء مع أنفسنا، لكن هذه الصراحة لا ينبغي أن تكون مجرد البكاء أو النعي على الإطلال والكلام عن الماضي المجيد وخيبتنا في العصر الحاضر يجب أن يكون هذا هو المنطلق الذي منه ننطلق لمحاولة الإصلاح والتطوير. كيف نصلح هذا الوضع؟. سأعود مرة أخرى لما ذكرته في مؤتمر البحر الأسود. قلت فيه أن بعض الناس يفتون لأن الذين تكلموا في المؤتمر قالوا إن العلم يصف المشكلة ويضع الحل والدين يقنع الناس به، يعني أن مهمة رجل الدين أن يستلم وصفات العلماء، ثم يبيع هذه الوصفات للجمهور، أنا لا أريد للدين أن يكون هذا دوره، لأن هذا الدور مجرد حامل للدواء، أريد للدين أن يحضر مائدة العلم من أوله، أريد أن يكون الدين هناك عندما يحاول العلم أن يتصور المشكلة، وعندما يحاول أن يجد الحل لهذه المشكلة، أريد للأخلاق أيضاً أن تكون موجودة، وقلت أن علماً أمريكياً كتب يقول، لو أن العلم نشأ في مجتمع إسلامي لكان له اتجاهاً آخر تماماً ولاتجه أولاً ليكون اتجاهاً جماعياً لا فردياً ولكن اتجاهه للمصلحة، يعني ذلك أن يكون اتجاهه أخلاقياً وليس لمجرد المنفعة والربح، قلت هذا الاتجاه الأخلاقي وهذا الاتجاه الديني والروحي لا بد من حضوره في معمل العا لم وفي مصنع الصانع.
فإذا وجدنا هناك، لا بد عندئذ أن نحدد الأسئلة، لأن العلماء لا يبحثون في فراغ، وإنما يجيبون على أسئلة معينة، من الذي يصوغ هذه الأسئلة؟ يصوغها العالم، بأي صفة يصوغها؟، يصوغها من ثقافته ومن ظروفه التي تحيط به، هذه الظروف إذا فقدت الناحية الروحية فهي إذن تكون ظروفاً بلا روح، وتصرّف يقوم على المادية الذهنية والفكرية.
أريد للدين أن يكون هناك في قلب هذه العملية، ولا يعني ذلك أن هذا يجعل العلم ضعيفاً في أي ناحية على الإطلاق. التطور العلمي الذي حدث في الغرب، وثورة العلم على الدين كانت ثورة غير رشيدة. وأشرت إلى أن الغرب عندما ثار الإمبراطور على البابا، خرج على سلطان البابا لكنه بقي على اعتقاده الديني، لكن العلماء عندما ثاروا على سلطة الكنيسة خرجوا على الكنيسة، وخرجوا على الدين كذلك. وهذا هو خطأ العلم أو الاتجاه العلمي. فلا بد إذن من العودة إلى الناحية الروحية، لأن هذه الناحية الروحية تفيد، لأنها تعطي للعالم نظرة عامة، لأن العلم بطبيعته لا بد أن يبحث في الجزئيات، فإذا انغمس العالم في الجزئيات فهو كلما حل مشكلة كلما خلق مشكلة أخرى، وذكرت ماذا يحدث الآن في العالم الحديث الذي أنشأ مدناً ضخمة فتسبب عنها خراب البيئة أنشأ مخترعات عظيمة وتسبب في إهلاك نواحي كبيرة في المجتمع، الكرة الأرضية الآن إن لم يتداركها العلماء والحكماء ورحمة الله فهي تسير بنا إلى طريق الهلاك تماماً. فإذن لا بد من الناحية الروحية في هذا العلم. ونحن في حاجة في المجتمع الإسلامي والجامعات الإسلامية أن نكون قادة هذا الاتجاه، الغرب الآن وفي أ مريكا بالذات، ذهلت يوماً عندما قرأت في بعض قوائم أساتذة الجامعات، وجدت أن أستاذ الجامعة يقول أنه أستاذ علم الطبيعة وأستاذ الدين في الجامعات سررت لهذا وقلت هذا اتجاه سليم، لا بد أن أعثر عليه لنرى علّه يصلح لنا، وقابلت أحد الأساتذة في إحدى المؤتمرات فإذا بكلامه لا يخرج عن نطاق الكلام عن الديانة الهندوكية، يتكلم كأحد الأشخاص من معهد هندوكي، قلت ماذا أفادنا علمك بالطبيعة، لا أرى في هذا أي جانب طبيعي إطلاقاً، هذا مجاورة، قد تكون المجاورة بين قسمين، أو تكون مجاورة بين جزأين في عقلك، وقال هو، اعترف بهذا، وقال بأنه يرى أنه إلى الآن لم يستطع أن يجد هذا الخليط الذي أبحث أنا عنه.
في اعتقادي الإسلام هو أصلح دين ليكون في قيادة هذا الاتجاه لسببين:
السبب الأول: أن الإسلام هو الدين الذي لا يعاني على الإطلاق من أي دراسة أكاديمية حرة، لا يعاني منها أبداً وإنما يعاني منها بعض المسلمين ضعاف العقيدة والعقل العلمي، أما الإسلام فهو دائماً يخرج منتصراً من أي بحث علمي حر يسير بعقلية وبحياد، فالإسلام لا يعاني في هذا الجانب على الإطلاق، والذي يكون لديه هذا الصمود وهذه القدرة هو الدين الذي يستوعب العلم الحديث.
السبب الثاني: أن الإسلام له شريعة، مع بقاء ثوابتها الأساسية دائمة وأبدية فإن هذه الشريعة في جزئياتها وتطبيقها تتطور مع الظروف. فهو إذن يجمع بين الخيرين، الناحية العقلية والفكرية الأساسية التي تستوعب الفكر، والناحية السلوكية التي تستوعب التطورات الضرورية للمجتمع الذي يسير بسرعة رهيبة بسبب الاختراعات الموجودة. فهو إذن يستطيع أن يكون دائماً الممسك بدفة القيادة في المجتمع الحديث. في بعض المجتمعات الآن ونظراً لأن التطور العلمي يسير بسرعة، أثر على الفكر الاجتماعي عامة، إلى جانب الفلسفات الحديثة التي وجدت. فأصبح هناك ما يسمى ما بعد الحداثة، وأساس ما بعد الحداثة هو تقديس التغيير. إذن نحن في مجتمع يسير باتجاه لا يشعر الإنسان فيه بالراحة النفسية، بل يشعر بالقلق. لأن الشعور بأن كل شيء يتغير لا يجعل عند الإنسان مبادئ أخلاقية ولا مبادئ دينية، ولا حتى مبادئ علمية، كل شيء يصبح وكأنك تعيش في حلم دائم وغير ثابت. الإسلام يمكن أن ينقذ الإنسان من أخطار ما بعد الحداثة، وأن يجعل ما بعد الحداثة هذه خاضعة تماماً للفكر الإسلامي والاتجاه الإسلامي، الذي سمح بالتطور والتغيير، لكن في نطاق الشريعة.
تحضير الجامعات الإسلامية.
الجامعات الإسلامية يمكن أن تتجه نحو هذا الاتجاه، لكن كيف؟.
نريد اهتماماً حقيقياً بالعلوم، نحن لا نهتم بالعلوم إلى الآن. نحن نعيش على هامش العلوم، لأن من أهمية المعرفة أن يُصبح العلم جزءاً من ثقافتنا العامة، وهذا غير موجود لأن العلم نما في مجتمعات غربية، ولا توجد لدينا ترجمات حقيقية لكتب العلم، بل العلماء الآن إذا عاشوا في بلادنا، يعيشون أقرب إلى كهنة الفراعنة، لأن هؤلاء كانوا يختصون بعلم الدين الذي لا يعرفه الناس أبداً. فإذا أرادوا أن يعرفوا شيئاً لا بد أن يستجيبوا لكلام هؤلاء الكهنة. والآن أصبح لدينا كهنوت جديد، ومجتمعنا لا زال يعيش في مستوى من الجهل بالعلم، مستوى مخيف جداً، فمجتمعنا يصدق الخرافات بسرعة، ويعتقد في الخرافات والسخافات التي ينكرها الدين، هذه العقلية الخرافية تزول أو يقل تأثيرها لو أن العلوم كانت مترجمة بلغاتنا حتى يستطيع الشخص العادي أن يكون لديه استيعاب كاف.
يجب أن يكون من أولى مهمات الجامعات الإسلامية، التعرف على هذه العلوم، بترجمتها على نطاق واسع إلى اللغات الإسلامية كلها. يجب أن تصبح لغة العلم لغة اعتيادية عندنا، أما الآن فنحن لا زلنا نتكلم بلغة القرون الوسطى وهي القرون المتأخرة، وددت لو كنا فيها متقدمين، وهذه في نظري مهمة المؤسسات الدينية للأسباب التي ذكرت، لأن الجامعات الأخرى لا تهتم بربط العلوم بثقافتنا الإسلامية. فالجامعات الإسلامية إذا أرادت أن تكون جادة في عملها، يجب أن يكون على رأس مهماتها ترجمة العلوم الطبيعية والعلوم الصناعية بلغاتنا. أن تكون بهذه الحركة هي القائدة الحقيقية للتطوير الثقافي لمجتمعنا، لأن هذا التطوير لن يأتي أبداً من الجامعات التي تقلد الغرب لأن معظم أساتذتنا اعتادوا على الدراسات الغربية. فهم في الحقيقة وربما دون شعور منهم يريدون أن يكونوا الكهنة الجدد في مجتمعاتنا.
الناحية الأخرى هي التعمق في فهم الإسلام، كما أرى أن الوحدة الثقافية والوحدة الفكرية بين علمائنا أهم بكثير من أي شيء آخر. فهذا في نظري المجهود الذي ينبغي على المؤسسات الإسلامية أن تقوم به. ربما هناك مشكلة أساسية، وهذه لا بد أن نأتي إليها عاجلاً أم آجلاً وهي المشكلة السياسية، فالإسلام يعتبر أداة سياسية في معظم الدول الإسلامية، وبالتالي ففهم المسلمين للإسلام لن يكون مستقلاً عن مشاكلهم السياسية. لا يمكن أن أتنبأ بالمستقبل السياسي للعالم الإسلامي، لكن أقول هناك في القرن القادم لا بد من أن يصبح للمسلم في بلده رأي وفي أموره شأن، ليس شأن المشورة التي لا تزيد عن أن نسمع الكلمة ثم نعصاها، أرى أن المجتمع الإسلامي سيسير حتماً باتجاه المشاركة السياسية الفعلية. فإذا دخلت الشعوب في القرارات وأصبح للناس رأي وكان هؤلاء الناس على شيء من الوعي ولهم قيادات عاقلة ومتزنة، أعتقد أن الخطة أو التصور الذي تكلمت عنه هو الذي سيكون في الأمة الإسلامية.
لأن المتعصبين دورهم محدود، وضيقوا الفكر لن يجنوا شيئاً وإنما سيسيرون بأمتهم إلى طريق مسدود. والمهاترات التي تدور في العالم الإسلامي اليوم هي مهاترات أمة تشعر بأنها غارقة وتشعر بأنها محاطة بها لكن في اعتقادي الأمة الإسلامية لا تفقد أبداً أملها في الله. لأن اليأس علامة الكفر.
كيف نقدم الإسلام في القرن القادم.
كيف نقدم الإسلام في القرن الحادي والعشرين وما هي واجبات الجامعات الإسلامية؟.
لا بد أن نعرف لغة هذا القرن والتي ستكون لغة العلم، لا بد أن نتعلم لغة العلم.
إذا أردنا أن نتكلم مع قرن فيجب أن نعرف كيف نتكلم معه بعقليته، هذا من ناحية، من ناحية أخرى تعليم الدعاة، والدعاة ليسوا فقط المحترفين.
الإسلام لا يعرف طبقة خاصة للدعاة على الإطلاق، وقد انتصر في الماضي عن طريق التجار. فالداعية خلق وليس لسان، الداعية سمو وليس كلمات، وبكل أسف نحن في كل مؤسساتنا نتجه إلى الناحية اللفظية والناحية المظهرية، ونهمل الناحية السلوكية، وكثير من الدعاة لا يصلح أحدهم لشيء على الإطلاق، لأن سلوكهم لا يساوي شيئاً، نريد أن تكون تربية الداعية تربية روحية وأخلاقية وسلوكية قبل كل شيء، لأن سلوك الإنسان أهم بكثير من قوله. فكثير من العلماء يصدون الناس عن الإسلام لسوء خلقهم، لذلك نحن في حاجة للتربية الخلقية، لأنها هامة جداً وأساسية.
إلى جانب اهتمامنا بالمظاهر، الدين الإسلامي يضع الإنسان في قلب المبادئ الأخلاقية. والمجتمعات الإسلامية لن تبقى كما هي، مجتمعات هامشية كنت أشعر دائماً بالخجل عندما أرى سابقاً في الهند الناس تشترك في الانتخابات، أما في بانغلاديش وباكستان فيمنعون من ذلك، ثم يقال أن العالم الإسلامي غير مستعد للديمقراطية لماذا؟ لأن البعض يرى أن الديمقراطية تساوي الكفر. هذا سوء فهم للديمقراطية، فالديمقراطية لها معانٍ كثيرة جداً، ومن معانيها معنى يتسق مع الإسلام. اتساقاً تاماً، يتسق مع الشورى الإسلامية، والعالم الغربي قد يفهم هذا أكثر، فبعض الناس يظنون بأن الديمقراطية هي تسليم كل شيء للجمهور. هذا غير صحيح، حتى الديمقراطية في الغرب محددة بالدساتير ومحددة بالقوانين، وفي الإسلام محددة بقانون الشريعة بالقرآن الكريم الذي هو دستورنا.
نحن نريد الحق الإسلامي في المشاركة. وفي اعتقادي لو أن الشعوب الإسلامية كانت مشاركة في الحكم لما وقع خلاف بين الشعوب الإسلامية، ولا وقعت الحروب بينها. أرجو الله عز وجل ألا نصاب بما أصبنا به في القرن الماضي، وأن يكون القرن القادم هو قرن النهضة الحقيقية في العالم الإسلامي إن شاء الله.
(*) عميد الكلية الإسلامية بلندن.
شرعية الإختلاف : دراسة تاصيلية منهجية للرأي الآخر في الفكر الإسلامي
يحاول الكاتب محمد محفوظ في 166 صفحة أن بضيئ الحديث عن السلم الأهلي والمجتمعي، في الدائرة العربية والإسلامية، بحيث تكون هذه المسألة حقيقة من حقائق الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي، وثابتة من ثوابت تاريخنا الراهن.
ينتمي مالك بن نبي وعبدالله شريط إلى بلد عربي إسلامي عانى من ويلات الاستعمار ما لم يعانه بلد آخر، سواء في طول الأمد أو حدة الصراع أو عمق الأثر. إنهما مثقفان عميقا الثقافة، مرهفا الشعور، شديدا الحساسية للمعاناة التي عاشها ملايين الجزائريين من ضحايا مدنية القرن العشرين، بأهدافها المنحطة وغاياتها الدنيئة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات خلال الفترة الواقعة بين 6 و 8 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2012، مؤتمرًا أكاديميًّا عنوانه «الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي: تجارب واتّجاهات»، في فندق شيراتون بالدوحة، وشهد الافتتاح حشدًا كبيرًا من الباحثين والأكاديميّين من دول عربية.
يأتي الاهتمام بالقضية الفنية في فكر الأستاذ عبدالسلام ياسين من منطلق أن الوجود الحضاري للأمة كما يتأسس على أسس القوة المادية التي يمليها منطق التدافع القرآني أي التدافع الجدلي بين الخير والشر الذي هو أصل التقدم والحركة، يتأسس كذلك على جناح تلبية الحاجات النفسية والذوقية والجمالية بمقتضى الإيمان الذي هو ...
ثمة مضامين ثقافية ومعرفية كبرى، تختزنها حياة وسيرة ومسيرة رجال الإصلاح والفكر في الأمة، ولا يمكن تظهير هذه المضامين والكنوز إلَّا بقراءة تجاربهم، ودراسة أفكارهم ونتاجهم الفكري والمعرفي، والاطِّلاع التفصيلي على جهودهم الإصلاحية في حقول الحياة المختلفة
لا شك في أن الظاهرة الإسلامية الحديثة (جماعات وتيارات، شخصيات ومؤسسات) أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث من الصعوبة تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها.. بل إننا نستطيع القول: إن المنطقة العربية دخلت في الكثير من المآزق والتوترات بفعل عملية الإقصاء والنبذ الذي تعرَّضت إليه هذه التيارات، مما وسَّع الفجوة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع وفعالياته السياسية والمدنية..
لم يكن حظ الفلسفة من التأليف شبيهاً بغيرها من المعارف والعلوم في تراثنا المدون بالعربية، الذي تنعقد الريادة فيه إلى علوم التفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله، واللغة العربية وآدابها، وعلم الكلام وغيرها. بينما لا نعثر بالكم نفسه على مدونات مستقلة تعنى بالفلسفة وقضاياها في فترات التدوين قديماً وبالأخص حديثاً؛ إذ تعد الكتابات والمؤلفات في مجال الفلسفة، ضئيلة ومحدودة جدًّا، يسهل عدها وحصرها والإحاطة بها.