تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

تأثير العولمة على وضعيات المرأة المسلمة

أحمد شهاب

تأثير العولمة على وضعيات المرأة المسلمة

 

* مدخل

يتعرض العالم منذ فترة ليست بالوجيزة إلى تغيرات عميقة على مستوى العلاقات، وموارد القوة، وانتقال الصورة، وصناعة الرموز والشخوص، وتطور ملحوظ على آليات تصدير الأفكار والثقافات، كما البضائع والتقنيات، وتبدل حاد في الأولويات والأهداف والقيم، بما ينطوي على صياغة جديدة لعالم راهن مفاصل لعالم ما قبل العولمة.

إذ تضاءلت الفواصل بين الأمم والشعوب، وضُربت الخصوصيات الثقافية في خاصرتها، وبدا أن ثمة هوية جديدة تتخلق لإنسان ما بعد العولمة، وهي ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح (الهوية الهلامية)، كنتاج ملموس لطرقات العولمة على الخصوصيات الثقافية للبلدان المستقبلة، الأمر الذي ترتب عليه تغيير في الأذواق والأحاسيس والوجدان، وتحويل الأشياء إلى سلعة تأخذ قيمتها من خلال مقاييس الثقافة المرسلة، التي تفرض نماذجها على الثقافات المستقبلة، فتتشوه المعالم التي تميز كل جماعة بشرية عن الأخرى.

يذهب بعض الباحثين إلى أن هذه الهوية الجديدة، المتخلقة بسبب الحركة العولمية -وإن كانت "هلامية" في مراحلها الأولى- تُبشر بالتفاؤل، فهي سرعان ما ستتحول إلى "هوية عالمية مشتركة"، مما يتيح لسيادة حالة من التوافق الثقافي والقيمي بين الجميع، وهذا ما يرى  عدد من البحَّاثة الغربيين أنه قد تحقق فعلاً مع انتشار قيم الحياة الغربية، وسيادة ثقافتها "المرسلة" وفرض أنماطها على العالم.

ويشارك عدد من أهل الرأي في العالمين العربي والإسلامي أندادهم الغربيين التفاؤل إذا أحسن المسلمون الاستفادة، وتفاعلوا إيجابياً مع العولمة كحركة إنسانية عامة، فلا انسحاق تحت عجلاتها ولا رفض لكل معطياتها وثمراتها، وتأتي على رأس القضايا التي تتأثر سلباً وإيجاباً بمدى تفاعل ثقافتنا مع الثقافة الإنسانية، وضعيات المرأة على المستوى الاقتصادي و السياسي والاجتماعي والثقافي.

سيكون للعولمة أثر واسع على طبيعة دور المرأة، من خلال تطوير وعي المرأة عولمياً، بصفتها أحد أعضاء هذا المجتمع الإنساني الكبير المستهدف بالبرامج الموجهة، وأيضاً من خلال تهيئة ظروف (استثنائية) للمرأة لتأخذ دوراً عملياً، وتقدم إسهاماتها إلى جانب الرجل في العملية التنموية من خلال أبعادها المختلفة.

سنعرض في هذه الدراسة بعضاً من تأثيرات العولمة -الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية- على وضعيات المرأة المسلمة، سواء في بُعدها الإيجابي أو السلبي، في محاولة لتلمس الفرص التي يمكن للمرأة المسلمة أن تستثمرها لصالحها في العصر العولمي، والعقبات التي خلفتها هذه الظاهرة والأمل بتجاوزها في المنظور القريب.

* تأثير العولمة على الوضع الاقتصادي للمرأة

تعد العولمة الاقتصادية أحد أبرز مظاهر العولمة وأكثرها تجلياً، حيث ابتدأت الفكرة بسعي منظم لدمج أسواق العالم، عبر توسيع حقول الاستثمارات المباشرة بين مختلف الدول، وتسهيل حركة انتقال رؤوس الأموال والقوى العاملة بعيداً عن الحواجز الجغرافية المعهودة. ويمكن اعتبار "السوق المالية" المفتوحة أحد أبرز التعبيرات العملية لحركة رأس المال بين أسواق العالم بانسيابية فريدة، وما يتطلبه ذلك من تدفق حر للمعلومات، وتبادل الاتصالات بفعالية تواصلية ملفتة للنظر.

وتأتي ولادة الشركات المتعددة الجنسيات كإفراز طبيعي للحركة المالية العالمية المفتوحة، والتي انطلقت لتحقيق مصالح مشتركة في "نقاط الاستثمار" المختلفة، سرعان ما تحولت إلى إمبراطوريات مالية ضخمة تتحكم بالأسواق العالمية، وترسم معالم حركتها، وتلعب دوراً أساسياً في تحديد مستقبل نموها.

لقد بشر الكثيرون بنتائج العولمة الاقتصادية، واعتبرها البعض بوابة تحرير السوق من أزماته المحلية الداخلية، وتحريره من هيمنة "الجهات الكبيرة" على "الجهات الصغيرة"، وهو الأمر الذي سوف يساهم بنظرهم في دفع الموارد البشرية والمادية نحو المواقع الإنتاجية، بما يعنيه ذلك من إشباع الاحتياجات المتزايدة للناس.

لقد أتاح الانفتاح الاقتصادي فرصاً ضخمة للاستثمار، ويعتقد أن وضع المرأة في عصر العولمة في بعض الحالات شهد تحسناً ملحوظاً، حيث أتيحت الفرصة لعدد كبير من النساء لدخول عالم الاستثمار، والتواصل مع قطاع كبير من الشركات والأنظمة الاقتصادية، إن سهولة الاتصال كأحد أبرز تجليات العولمة سمح للمرأة بتقصي مختلف الفرص الاقتصادية واكتساب خبرات كانت محصورة على الذكور فقط، كما مكنها من معرفة ما ينبغي عمله وما ينبغي الامتناع عنه في السياسات والبرامج الاقتصادية.

إن أحد أهم أسباب تعثر دور المرأة العربية والمسلمة في المجال الاقتصادي حرمانها من التعليم، وتضييق فرص اكتسابها للمهارات المعرفية المتقدمة، ويعود ذلك لأسباب تتعلق بالعادات والتقاليد، أو بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية، فالثابت أن المرأة هي الأقوى تمثيلاً بين الفئات المحرومة، ويعتقد أن سرعة وسهولة تدفق المعلومات كأحد أهم سمات العولمة، أدت إلى إحداث تغييرات جوهرية في هذه القناعات، وبدا أن الكثير من المجتمعات اليوم، أضحت أكثر تسامحاً حيال تعليم المرأة، وبالتالي تجاه عملها، مما ساعد المرأة على دخول ميدان الإنتاج بصورة أكبر، وثمة تزايد في الإقبال النسائي على انتقاء المسار العلمي التخصصي، فنجد أن "المرأة العربية لها تمثيل مرتفع في الأعمال المهنية في عشر على الأقل من دولنا الـ22، ففي مصر مثلاً نجد أن ما يقرب من 45% من الوظائف في مجالات الطب والوظائف الأكاديمية ووسائل الإعلام تشغلها طبيبات وأستاذات وصحفيات ومذيعات، والآن أصبح نصف الطلبة الملتحقين بالجامعات من الفتيات، بل إن عدد النساء المشتغلات بالاقتصاد في مصر أكثر من عدد الرجال، وهو ما تشهد عليه كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة"(1).

إلا أنه في ظل العولمة اتجه العالم نحو استقطاب شديد في الفقر، الذي اتسعت دائرته بشكل مخيف (يعاني 840 مليون نسمة من الجوع، و 2 بليون آخرين يعانون من سوء التغذية)، والضحايا يتركزون في الجنوب، بينما الشمال يتضاعف فيه مستوى دخل الفرد، والمؤشر في تصاعد مستمر، وأحد أهم أسباب هذا التباين الحاد بين شعوب العالم، هو تركيز التنافس العولمي بين الشركات على تحقيق أكبر قدر من الأرباح، دون الالتفات إلى ما يعقب ذلك من انتقاص لحقوق الآخرين.

وهو ما أشار إليه تقرير التنمية البشرية لعام 1999م، الذي يرى أن "الرعاية البشرية مهددة لأن السوق العالمية التنافسية الموجودة الآن، تفرض ضغوطاً على ما يلزم لأعمال الرعاية من وقت وموارد وحوافز، وهي أعمال بدونها لا ينتعش الأفراد، ومن الممكن أن ينهار التماسك الاجتماعي". وسبقت الإشارة إلى أن أكثر الفئات المتضررة من هذه النتائج هي "المرأة"، لكونها لا تزال تصنف إلى جانب الأطفال والقصر وكبار السن من الفئات الأضعف اجتماعياً.

أحد المآخذ على السوق العولمية، أن مستوى المخاطر مرتفع، ولا تتوفر ضمانات كافية لحماية العمال وصون حقوقهم، ويعود ذلك إلى طبيعة السوق العولمية التي لا تزال سوقاً غير رسمية، ولما كانت وظائف النساء هي غالباً في السوق غير الرسمية، فإن معاناة المرأة ستكون أشد من معاناة الرجل(2)، لكون المنافسة بين الشركات تتركز في تعيين العمال بمرتبات منخفضة، أو عبر تنامي عقود الباطن، وتشير إحصاءات البنك الدولي إلى أن عمل النساء العربيات في السوق غير الرسمي تفوق أعداد الرجال.

وبالنظر إلى أن العولمة تعتمد على السبق في ميدان التنافسيات الاقتصادية، وتحقيق أكبر معدل من الربح بأقصر وأسرع الطرق، فإنها لم تلتفت إلى العدالة في تجارب التنمية، وهو ما نتج عنه زيادة الهوة بين الأغنياء والفقراء. صحيح أن التقدم التكنولوجي استطاع أن يحقق زيادة في الدخل، لكن صحيح أيضاً أن هذه الزيادة لم تكن لصالح الجميع، بل صبت لفائدة فئات محددة، وقد لوحظ ذلك من استمرار ارتفاع نسبة الوفيات بين النساء، واستمرار معدلات الأمية، وضعف مشاركة المرأة العربية في مجال الصناعات.

أفاقت الشعوب في العصر العولمي على واقع تضخم المشكلات والأزمات الاقتصادية في بعض البلدان النامية، وأدت بعض السياسات المتبعة إلى زيادة نسب البطالة، ويعود ذلك في بعض أسبابه إلى أن تنامي الشركات المتعددة الجنسية بإمكاناتها الضخمة، يؤدي إلى تلاشي المشاريع الاقتصادية المتوسطة والصغيرة، وتسريح العشرات من الأيدي العاملة.

إن انفتاح السوق العالمي لم ينتهِ إلى توفير الأمن الاقتصادي لجميع الفئات، فكثيراً ما تتعرض الفئات الاجتماعية الضعيفة وفي مقدمتهم النساء، وكبار السن، وذوو التعليم المتدني إلى أضرار بالغة السوء، فبرامج الإصلاح الهيكلي والخصخصة أدت إلى فقدان الكثير من هذه الفئات لوظائفها، نتيجة تآكل القطاع العام في معظم الدول العربية، فالسياسيات التنموية في الدول العربية، أعطت للنساء فرصاً جيدة في القطاع العام من حيث الأجور، لكنها لم تحقق الشيء ذاته في القطاع الخاص، باستثناء دول الخليج حيث لا يزال القطاع العام يحتفظ بقوته.

من العوائق التي تقف أمام تقدم المرأة في سوق العمل، مخاوف بعض الجهات من أثر دخول المرأة على فرص عمل الرجل، وعلى مستوى دخله الفردي، وتطرح العديد من الجهات الدينية المحافظة هذه المخاوف، مستعينة بها لتدعيم موقفها من أهمية عودة المرأة إلى المنزل، وضرورة عزوفها عن العمل خارج بيت الأسرة، ويتخذون منه مبرراً لتشجيع الدولة على تهميش حق المرأة في العمل، لإتاحة الفرصة لعمل الرجل وزيادة دخله، لكن حسب تقديرات البنك الدولي(3) فإن الدول تحقق مستويات أعلى من الدخل الفردي، من خلال مشاركة النساء في قوة العمل، إذ لم تلحظ الإحصاءات الرسمية أن البطالة قد ازدادت بدخول المرأة إلى سوق العمل.

* تأثير العولمة على الوضع السياسي للمرأة

تصاعد الحديث عن حقوق المرأة بصورة ملفتة للنظر خلال السنوات الأخيرة، رغم أن الحديث عن حقوق المرأة السياسية لم يغب عن الطرح بشكل عام، لكنه شهد اهتماماً أكبر مع انتقال التجارب بين بلدان العالم، وتبوُّؤ المرأة مناصب ومواقع سياسية وإدارية وفنية في العديد من البلدان المتقدمة، مما شجع "دعاة حقوق المرأة" على تكثيف المطالبات نحو تحقيق المساواة على المستوى الوطني مع الرجل، وإفساح الفرصة لها أسوة بغيرها في البلدان المتقدمة، ودفعها للمساهمة في الارتقاء بالواقع السياسي والإداري.

وقد لاحظت أن عدد البحوث والدراسات التي عكفت على معالجة هذا الموضوع قد تضاعف بصورة ملفتة، بحيث لا ينقضي يوم إلا وقد حررت دراسة أو مقالة في هذا الشأن، سواء ما يتعلق منها بالدعوة إلى إقرار حقوق المرأة السياسية، كالإصدار الرابع لتجمع الباحثات اللبنانيات والموسوم بـ(موقع المرأة السياسي في لبنان والعالم العربي)(4)، ومثل (المشاركة السياسية للمرأة في الأردن وبعض الدول العربية)(5)، أو الدراسات والبحوث التي تناقش الأدلة الشرعية الهادية لحقوق المرأة السياسية، وأبرزها ما كتبه الشيخ محمد مهدي شمس الدين في (مسائل حرجة في فقه المرأة، أهلية المرأة لتولي السلطة)(6)، ومثل (عشر عوائق أمام حقوق النساء في الاسلام)(7)، أو حتى الكتابات التي تنقض هذه الحقوق، مثل الكتاب الذي أصدره الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق في هذا الصدد، والمعنون بـ(حكم تولي المرأة الولايات العامة والاشتراك في المجالس التشريعية نائبة وناخبة)(8).

وخلال شهر مايو من العام المنصرم أثارت مقالة عرضها الشيخ محمد سليمان الأشقر تحت عنوان (نظرة في الأدلة الشرعية حول مشاركة المرأة في الوظائف الرئاسية والمجالس النيابية ونحوها)(9)، ردود أفعال ملفتة أفردت لها صحيفة الوطن جزءاً من صفحاتها، وكانت مادة جيدة كشفت عن شدة الالتباس في تصور الإسلاميين حول حقوق المرأة السياسية، والتي مالت بين التشكيك في تلك الأدلة أو تدعيمها بصورة مطلقة، لكنها على صعيد آخر أشارت إلى تصاعد التنبه الاجتماعي نحو قضية مشاركة المرأة وضرورتها.

ولا يمكن إغفال العلاقة بين حجم الانفتاح بين دول العالم، وبين ارتفاع نسب المطالبة، بالمزيد من الحقوق السياسية النسائية، ودور الانفتاح في تحويل الآمال والتصورات العامة إلى برامج وخطط ومحاولات مدروسة، وقد ساهمت العولمة وسرعة انتقال المعلومة، في اتساع رقعة الداعين والداعمين لحقوق المرأة السياسية، إذ لم تعد الآراء السائدة في المجتمعات التقليدية هي وحدها المعتبرة والقادرة على تحريك الجمهور، بل زاحمتها آراء جديدة لمجتمعات أكثر تحرراً قدمت مساهمات بارزة أدت إلى إحداث تغييرات ملحوظة في القناعات المتوارثة، وأضعفت من الرأي السائد، وحولت الأنظار إلى زوايا أخرى أكثر اتساعاً وموضوعية.

إن اطلاع المجتمعات التقليدية على تجارب الآخرين، ورؤيتهم لثمرات الديموقراطية، والدور الفاعل الذي لعبته المرأة في العديد من المجتمعات، ساهم في تعزيز هذه المطالبات، وفند الكثير من المخاوف والقلق المبالغ به من الديموقراطية ومشاركة المرأة السياسية، فأصبحت الأدلة ترفق بأمثلة ونماذج حية، تتحرك في مجتمعات إنسانية، قد لا تختلف من حيث ظروفها الاجتماعية والسياسية، دون أن ينفي ذلك صحة الممارسة أو جدوى تطبيقاتها.

من جهة أخرى أتاحت العولمة للدول العظمى -بما وفرته من تبريرات للتدخل في شؤون الدول الأخرى- ممارسة المزيد من الضغوط في سبيل نشر الديموقراطية، وصيانة حقوق الإنسان، ومنح المرأة كامل حقوقها.

من الناحية الإيجابية، فإن الخطاب السياسي في عصر العولمة ساهم في تأكيد حضور المرأة في العملية التنموية كما الرجل دون تمييز بينهما، ودمج مساهماتها في حركة التنمية الشاملة، وإن لاحظ المدقق أن درجة هذه المساهمة تختلف من دولة إلى أخرى، حسب اتفاق أو عدم اتفاق الدول مع السياسات الأمنية الغربية، بما يوحي بحالة أقرب إلى الانتقائية، على أن ذلك لا يقلل من تأثير موجة التحولات الديموقراطية حتى على تلك الدول غير المستهدفة بنشاط البرنامج الإصلاحي في عصر العولمة.

إذ لا تكاد الدول أن تصمد طويلاً أمام ضغوط المطالبات اليومية بالإصلاح والانفتاح، خاصة أن هذه المطالب تتفاعل مع المجتمعات بصورة مباشرة عن طريق وسائل الاتصال الحديثة، ففي سنة 1990م أدت تلك الضغوط إلى حصول المرأة في ثمان دول على الأقل على بعض المناصب الوزارية(10)، وفي عام 1999م نالت المرأة القطرية حق الاقتراع والترشيح للمجالس المحلية، وفي العام نفسه جاءت الرغبة الأميرية في الكويت بمشاركة المرأة في الانتخاب والترشيح، لكنها تعرقلت نتيجة وقوف غالبية أعضاء مجلس الأمة موقفاً مضاداً لحقوق المرأة السياسية، وبحلول سنة 2000م ضم الملك البحريني عدداً من النساء لعضوية اللجنة الوطنية العليا لوضع ميثاق العمل الوطني، والذي أكد من خلاله على حق المرأة في الانتخاب والترشيح، ثم أتبعها بخطوة متقدمة أخرى، بإنشاء المجلس الأعلى للمرأة في أغسطس 2001م، وهو جهاز استشاري هدفه مساعدة حكومة البحرين في رسم السياسات المتعلقة بالمرأة، وفي سنة 2003م استجاب الرئيس المصري لمناشدات الجمعيات الحقوقية بالسماح للمرأة المصرية منح جنسيتها لأولادها، وفي 2004م تقدمت المملكة العربية السعودية خطوة لافتة في هذا المضمار، إذ سمحت للمرأة ولأول مرة بالمشاركة في الحوار القومي والمنتدى الاقتصادي العالمي.

كما وفرت "المواقع الحوارية" في شبكة الإنترنت للمرأة فرصة نادرة للتعبير عن رأيها بكل سهولة ويسر، وإن لاحظ بعض المتابعين أن المرأة العربية لا تزال تتخفى خلف أسماء مستعارة نظراً للتحفظات الاجتماعية الشديدة على مشاركتها، وعلى إبداء وجهة نظرها بصورة علنية. وسمح تطور وسائل الاتصال بتكثيف اتصال المرأة مع أصحاب الرأي من كُتَّاب الصحافة والإعلاميين وأساتذة الجامعات، والتعبير عن وجهات نظرها في شتى المجالات السياسية والاجتماعية، وخلال السنوات الخمس الأخيرة استطاعت العديد من النسوة نشر إنتاجهن العلمي والأدبي والسياسي والديني عبر مواقع الإنترنت، ودشنت بعض الكاتبات والناشطات مواقع خاصة بهن، متجاوزات حزمة العراقيل التي تقف أمام حركة النشر النسائية في الصحف المطبوعة.

غير أنه من الخطأ الجزم بأن الانفتاح الإعلامي وتطور وسائل الاتصال، يقف دائماً في صف تعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان ودعم قضايا المرأة، فالتفاتة سريعة إلى وسائل الاتصال والإعلام تكشف عن دور سلبي، موجه من قبل السلطات السياسية أو القوى الاقتصادية، يعيق في أحيان كثيرة التطور الديموقراطي، ويقف عثرة أمام (قضايا المرأة)، ويتستر على ممارسات سادية ضد الإنسان وحقوقه، وإن كان هذا الدور متوقعاً على مستوى وسائل الإعلام في العالم العربي، فهو أيضاً ليس غائباً تماماً في الدول الغربية، فقد وصلت ملكية وسائل الإعلام في بعض أعرق الديموقراطيات، إلى ما يعتبره البعض مستوى خطيراً من التمركز والاحتكار.

ففي المملكة المتحدة "تصل نسبة الانتشار الإعلامي لمؤسسات روبرت مردوخ إلى 37% من معدل تداول الصحف الوطنية اليومية، كما نجد أن الصحف الوطنية التي يمتلكها روبرت هيرسانت -وقد دخل السجن لتعاونه مع النازي أثناء الحرب- تمثل ما يزيد على ثلث الصحف الوطنية المتداولة في فرنسا، وفي إيطاليا فإن رئيس الوزراء الملياردير سيليفيو بيرلسكوني، يمتلك القنوات التلفزيونية التجارية الثلاث التي تحتل موقع القمة، إضافة إلى شبكة تلفزيونية أخرى مدفوعة الاشتراك، وعدد من الصحف والمجلات، وقامت هذه الأدوات بدعم حزبه السياسي اليميني الذي وصل إلى السلطة"(11).

ووفقاً لاستقصاء للرأي العام في نهاية 1999م، فإن 59% من الفرنسيين غير مقتنعين باستقلال الصحافيين عن السلطة وعن الأحزاب السياسية، و 79% من الإنجليز يعتبرون أن كتابات الصحافيين لا تستحق الثقة التي يمحضهم إياها القراء، و56% من الأمريكيين كانوا يجدون في العام 1997م أن الوقائع التي ترويها وسائل الإعلام غير صحيحة، ولذلك انخفضت نسبة الأمريكيين الذين كانوا يشاهدون نشرة الأخبار المسائية بانتظام، من 60% عام 1993م إلى 38% عام 1998م(12).

وهو ما يؤكد تضاعف الحاجة إلى دفع المرأة العربية والمسلمة، في اتجاه ترجمة تطلعاتها السياسية إلى تغييرات حقيقية تصب في خانة المشاركة الإيجابية في الحراك السياسي المحلي، وعدم الاتكاء على الضغوط القادمة من الخارج، أو الاعتماد على التحولات العولمية فحسب، لكون هذه التحولات لا تزال في طور التشكل والنضال في سبيل تحقيقها، وقد أشار تقرير المكتب الإقليمي للدول العربية لصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، إلى "أنه على الرغم من أن هناك تقدماً عالمياً بصدد المشاركة الفاعلة للمرأة في العمل السياسي، إلا أن مشاركة المرأة العربية تتسم بدرجة أكبر من البطء وعدم التنظيم"(13)، على المرأة أن تدلي برأيها، وتؤدي دورها بفعالية عالية، عبر اقتراح الاستراتيجيات الملائمة لإخراج الأكثرية الصامتة التي تلازم الصمت من صمتها، وإدخالها إلى دائرة الضوء.

ويقترح تقرير تقدم المرأة العربية لسنة 2004م(14)، صياغة سياسات تتسم بالاستجابة لاحتياجات المرأة من أجل تعزيز مشاركتها، ويشمل ذلك:

1- إصلاح النظم الانتخابية.

2- تطبيق تدابير التمييز الإيجابي لصالح المرأة.

3- تطبيق آليات محددة لدعم القيادات النسائية.

4- بناء قدرات ومهارات القيادات النسائية.

5- تعزيز دور الإعلام في رسم صورة إيجابية للمرأة ومشاركتها في العمل السياسي، وفي مواقع صنع القرار في مختلف القطاعات(15).

* تأثير العولمة على الوضع الاجتماعي للمرأة

لعقود طويلة لعبت الأسرة إلى جانب المدرسة ودور العبادة دوراً أساسياً في تكوين مدارك الإنسان، وتحديد القيم التي يجب عليه أن يتمسك بها، فشكل ذلك قالباً معدّاً سلفاً تحت مسمى العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية، إلا أن ذلك الوضع قد تبدل بصورة كبيرة جداً في السنوات الأخيرة، حيث دخلت وسائل الاتصال وأجهزة الإعلام المختلفة، كموجه بالغ الأثر في حياة الأفراد، وتشكيل نمط تفكيرهم وسلوكهم العام.

لقد خلقت وسائط الاتصال نمطاً جديداً من العلاقات، يقوم على فرض علاقات حميمة بدرجة ما مع إنسان كوني بعيد جغرافياً، يحمل قيماً وعادات مختلفة وأحياناً متناقضة تماماً، مع ما يحمله الفرد الآخر، وفي الوقت ذاته ساهمت هذه الوسائط، في تخفيض "درجة التآلف" في العلاقات الأسرية، بالصورة التي يمكن وصفها بأن القريب جسداً بعيد نفسياً وفكرياً، والبعيد جسداً قريب روحياً وسلوكياً في أحيان كثيرة، ولعل أبلغ تعبير عما آلت إليه الأمور، هو كتاب عالم الاجتماع ديفيد كوبر "موت الأسرة"(16)، استدل فيه على أن الأسرة بطابعها الكلاسيكي قد ماتت، من خلال موت روحها الإنسانية وافتقادها للعاطفة.

لا ندعي أن المرأة هي المتضرر الوحيد من آثار التدهور الاجتماعي لدور الأسرة، لكنها الطرف الأكثر تضرراً، نظراً لما يحيط بوضع المرأة من ملابسات شديدة التعقيد، مثل العادات والتقاليد والنظرات الاجتماعية، إذ تميل النظرة الاجتماعية للمرأة في حال تفكك الأسرة إلى النظرة السوداوية(17)، فكل الإسقاطات السلبية تقع عادة على كاهل المرأة الأم والمرأة الزوجة والأخت والبنت، بينما لا تكاد تطال تلك السلبيات نظيرها الرجل بالقدر ذاته، وقد وصل كل من د. منى الصواف ود. قتيبة الجلبي، إلى تحديد العوامل الاجتماعية التي تشكل الاضطراب النفسي عند المرأة العربية، في تسع نقاط(18):

(1) المرأة العربية شريك غير مشارك مع الرجل.

(2) اعتماد المرأة العربية على الآخرين.

(3) عدم الاستقلالية والاعتماد على النفس.

(4) فرض العزل وعدم اختلاط الجنسين، في مجالات يكون الاختلاط فيها مقبولاً.

(5) جعل المرأة الجنس الضعيف بدلاً من الجنس الناعم.

(6) أن يكون اعتمادها النفسي وكبرياؤها صادراً من الرجل وليس منها.

(7) المرأة الشريك ذو أقل الصلاحيات في الشركة.

(8) تقييم المرأة من قبل افتراضات مسبقة متحيزة.

(9) المرأة كزوجة ثانية.

ولا تزال مجتمعاتنا العربية أقرب إلى استيراد مشكلات وأزمات العولمة، لكنها بعيدة عن مكتسباتها وثمراتها(19)، إنها بكلمة واضحة لا تزال مجتمعات نمطية عند تعاملها مع الحداثة ومتوالياتها، تستسلم لمنتجات الغرب المتقدم، وتصر على تقليدية أفكارها وعاداتها الاجتماعية، وإن كانت بالية وبعيدة عن قيم الدين ومتطلبات الحاضر، ويذهب الدكتور باقر النجار إلى أن "عمليات العولمة أو آلياتها، قد وظفت لإعادة إحياء أشكال جديدة لعلاقات إنسانية قديمة، أو ما قبل حداثية، وساهمت في خلق حالة اجتماعية جديدة، يتساكن فيها القديم مع الجديد، وتتعمق من خلالها مشكلات اجتماعية جديدة وأخرى طارئة، أبرزها تلك التي أصابت بنية الأسرة ووظائفها"(20).

يمكن على سبيل المثال، الاستعانة بوضع المرأة المطلقة في مجتمعاتنا بصورة عامة، للتعرف على مقدار تشعب تأثيرات العولمة في قضية واحدة، فمن جهة أدت العولمة إلى تضاعف حدة التفكك الأسري، وانتشار حالات الطلاق بصورة واضحة، وهو ما انتبه إليه بعض الراصدين لآثار العولمة، ومن جهة أخرى فإن المطلقة" حسب التقاليد والأعراف الاجتماعية، واستجابة للنظرة المحافظة، يتم التضييق عليها، ويُحد من حركتها الاجتماعية والعلمية، وإن كان ذلك مناقضاً للدين ومخالفاً لما مارسه أئمة الإسلام.

وفي العديد من الحالات حرمت المرأة المطلقة من إتمام تعليمها، أو قُطع أمامها مشوار ممارسة أدوار تنموية، كان يمكن لها أن تساهم بها قبل وقوع الطلاق، وباسم الرعاية الأسرية يتم محاصرتها في دائرة المنزل، والعلاقات الخاصة المقتصرة على الأسرة، وإذا عرفنا أن معدلات الطلاق في المجتمعات العربية مرتفعة، وفي تصاعد مستمر(21)، أدركنا خطورة سيادة نظرة الشك والريبة والحرمان عليها وعلى المجتمع ككل، فهو يعني أن أعداداً كبيرة من الطاقات سوف تكون معطلة، أو ربما تؤدي أدواراً أقرب إلى السلبية.

أحب أن أتوقف هنا قليلاً، عند (وضعيات المرأة الاجتماعية) بصورة عامة في المجتمعات العربية، والتي يغلب عليها الرغبة في عزل النساء بسبب العرف الاجتماعي، أو بسبب سيادة الفهم السلفي للدين، ومن أبرز الذين ناقشوا هذه المسألة باستفاضة جريئة، الشيخ محمد الغزالي الذي استنكر أن يتم التعامل مع المرأة "كبندول الساعة، إلى أقصى اليمين تارة، وإلى أقصى اليسار تارة أخرى، ولا يستقر مطلقاً عند الحد الوسط الذي يطلبه الإسلام"(22).

ويحمل الغزالي في كتابه "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث" على بعض علماء الدين، ممن يصفهم بأنهم "يكرهون وجه المرأة، ويحمّلونها مسؤولية خروج آدم من الجنة، كما زعم اليهود في كتبهم، ويرون الدين إمساك النساء في البيوت حتى يتوفاهن الموت". ويرى أن "هؤلاء العلماء القاصرين لو كانوا على عهد الرسول (ص)، لطالبوه بطرد السيدتين اللتين حضرتا بيعة العقبة الكبرى، وقالوا له: ما للنساء وهذه الشؤون، ولو كانوا موجودين عند فتح مكة لقالوا له: حسبك بيعة الرجال، ولو كانوا مع نبي الله سليمان وهو يكتب خطابه لبلقيس {أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} لقالوا له: عدل هذه الصيغة فإنها تعترف بتوليها منصب الملك، اكتب بعزلها أولاً ثم تفاهم مع الرجال وحدهم"(23).

ويساعد على تأكيد هذا المنحى الانعزالي دور المرأة المحوري في تعميق الروابط الأسرية، إذ تتكفل المرأة عادة بإشاعة حالة من الدفء الأسري الضروري لاستمرار مؤسسة الأسرة فاعلة ونشطة، لكنه في الوقت ذاته يؤدي إلى استهلاك جل وقتها في ميدان "الخدمة المنزلية" و "الخدمة الزوجية"، ولا تزال فكرة تنظيم الوقت، وخلق حالة من التوازن بين دور المرأة الأسري الخاص، وبين دورها الاجتماعي العام، من الأمور الغائبة بصورة شبه تامة.

إلى جانب استثناء أو عطالة هذا القطاع النسائي الكبير، يُستثنى قطاع آخر لا يقل أهمية وهو قطاع "الطالبات"، ومع العلم بأن دور الطلاب لا يزال غائباً في العملية التنموية بصورة عامة، فإن هذه الهامشية تتضاعف في أوساط الطالبات، وهو ما يمكن أن ينتهي بنا إلى تحصيل نتيجة بالغة السوداوية، مؤداها "موت المرأة"، أي فقدان مساهمة قطاع كبير من النساء في العملية التنموية، وقد يروق ذلك لبعض التوجهات الدينية المتشددة، والتي تلتقي مع العادات والأعراف الاجتماعية التقليدية، التي تنظر بازدراء إلى مشاركة المرأة في الحياة العامة.

لكن أمام هذا البعد السلبي لتأثيرات العولمة على وضع المرأة الاجتماعي، فإن العولمة تقدم من جانب آخر خدمة غير مسبوقة لتحسين وضعها الاجتماعي، ولو أحسنت المرأة الاستفادة من هذه المعطيات فسيكون بإمكانها أن تبدل الصورة المنطبعة عنها تماماً.

فلقد بدأت بعض الأفكار التي تخدم وضع المرأة بالتسلل، بفعل "الاتصال الكوني" بين شعوب العالم، وعملت هذه الأفكار على تعزيز مكانة المرأة إلى جانب الرجل، حيث ساهم تسليط وسائل الإعلام على فاعلية المرأة الغربية، ووجودها في كافة الحقول المعرفية والعلمية والصحافية والسياسية، على تحسين نظرة المجتمعات العربية والإسلامية للمرأة، وزيادة ثقتها بإمكانية بل وضرورة أن تضطلع المرأة المسلمة بأدوار إيجابية وفاعلة كنظيرتها الغربية، دون أن يستدعي ذلك التنازل عن القيم الدينية والمبادئ الاجتماعية السليمة.

والأمل معقود على عدد من المجتمعات، التي استطاعت المرأة فيها أن تنقل بعض التجارب الكونية إلى الواقع المحلي، فكانت أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تسجيل حضورها في مختلف الأنشطة، والنزول إلى ساحة الإنتاج والتعبير عن معاناتها بصوت مسموع، والاستفادة من تقنيات الاتصال الحديثة والتطور التكنولوجي المتسارع.

* تأثير العولمة على الوضع الثقافي للمرأة

اتصالاً بما سبق، يمكن القول: إن تحسين الأوضاع الاجتماعية للمرأة، يمكنه أن يساهم في دفع العملية التنموية في العالم العربي بمختلف أبعادها، ولنا أن نتفاءل إيجابياً مع حركة الضغوط المتواصلة في هذا الجانب، رغم جملة العوائق التي عرضناها آنفاً.

المهتمون بشؤون العولمة(24) في العالم العربي، يعتقدون أن "التحدي الثقافي" هو من أبرز تحديات العصر، مما يضع التنمية الثقافية على رأس المهام التنموية، التي ينبغي للمعنيين من مهتمين وبحاثة وعلماء، إيلاؤها الاهتمام المناسب بها.

هذا الاهتمام يتراوح في عرف المفكرين العرب، بين الدعوة إلى إحداث قطيعة معرفية تامة مع العولمة، لما تسببه من أخطار داهمة، قد تعصف بالثقافة العربية والإسلامية، وما بين الافتنان بالثقافة الغربية، والعمل على التماهي معها بصورة كاملة.

إن خطورة أي من وجهتي النظر السالفتين، تتبين من خلال معرفة النتائج التي يريد علماء العولمة بلوغها، فهم في المجمل يتحركون لبسط مفهوم الثقافة بالمفرد، وما يلازم ذلك من فرض قيم تلك الثقافة الواحدة على الآخرين، وإلغاء الخصوصيات الثقافية أو التنكر لها، وإن لم تخلُ الساحة الغربية من أقلام جادة وناقدة، حذرت من خطورة هذا التنميط الثقافي، وأكدت على حقيقة وجود ثقافات متعددة، مثل "زيجمونت بومان" عالم الاجتماع الثقافي البريطاني الجنسية، ومثل "نعوم تشومسكي" عالم اللغويات الأمريكي الجنسية.

ولا شك أن عولمة الثقافة بمعنى إلغاء كافة الثقافات غير الغربية أو غير الأمريكية تحديداً، يثير مخاوف متصاعدة عند كافة الأطراف الأخرى، ويترتب على تلك المخاوف إعاقة مجهودات التنمية العالمية، وسيادة حالة من الترقب والرغبة في إنزال أكبر قدر من الإضرار بالثقافة المهيمنة (صراع الثقافات)، وهو دفاع متوقع ومشروع عن الهوية والذات، في المقابل فإن منهج القطيعة يبدو متعذراً إلى درجة المحال، لاسيما وأن "حقائق الواقع العالمي" تشير إلى هيمنة غربية - أمريكية بالخصوص، على التقنيات الحديثة المصدرة للبرامج والمواد الثقافية والترفيهية (كتب - أفلام - سينما - برامج تلفزيون)، وفي الوقت ذاته تتحدث إحصاءات منظمة اليونسكو أن ثلث إجمالي البث في سوريا ومصر، ونصف البث في تونس والجزائر هو من البرامج المستوردة.

وفي سياق الهم الثقافي في عصر العولمة، تبرز بقوة مشكلة تضاؤل الاهتمام بالمسألة الثقافية في العالم بصفة عامة، فمن بين الأبواب الخمسة لحقوق الإنسان، الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية والمدنية، حظيت الحقوق الثقافية بالقدر الأقل من الاهتمام، فلجنة حقوق الإنسان لم تتبن أول قرار لها عن الحقوق الثقافية إلا في عام 2002م، ومحوره "تشجيع تمتع الجميع بالحقوق الثقافية، واحترام الهويات الثقافية المختلفة". وظلت الحقوق الثقافية في نظر الكثيرين كماليات يتم التوجه لها بعد إحقاق الحقوق الأخرى(25).

وسعياً لتحقيق التنمية في العالم، ركّز المهتمون بالقضايا التنموية على البعد الاقتصادي، لخدمة المعوزين ورفع الفقر والحرمان، وتحركت الجهود لتنمية الديموقراطية، وإحقاق حقوق الإنسان، وتوسعة المشاركة السياسية، ودعم التوجهات التنموية في مجالي الصحة والتعليم، لكن هذه الجهود لم تضع الكثير من الرؤى حول حق الناس في الحفاظ على هويتهم الثقافية، وحقهم في العيش بكرامة وعدالة مهما كانت اختياراتهم الثقافية، وقد عبَّر تقرير التنمية البشرية الأخير عن قلقه من فقدان الإنسان لاحترام تقدير الآخرين، أو الاستبعاد لمجرد انتمائه وهويته الثقافية.

وفي سبيل تعزيز هذه الحقوق، تصدى التقرير(26) لتفنيد عدد من الخرافات التي تتخذ كمبرر لعدم الاعتراف والاعتناء بالهويات الثقافية المختلفة، مثل القول بتعارض هويات الناس العرقية مع ولائهم للدولة، أو القول بجنوح المجموعة العرقية لخوض نزاعات عنيفة فيما بينها نتيجة لتضارب القيم، أو القول إن البلدان المتعددة العرقيات أقل قدرة على النمو، منتهياً إلى أهمية وضع سياسات متعددة الثقافات، تعترف بالاختلافات بين المجموعات، لمعالجة الإجحافات ذات الجذور التاريخية والمترسخة اجتماعياً.

بالنسبة للعالم الإسلامي، فإن خيار التفاعل الإيجابي القادر على انتقاء الجيد، واستبعاد المواد الرديئة، والعمل على اقتحام ميدان الإنتاج والمنافسة العالمية، هو الخيار الوحيد الملائم لمواكبتهم الحركة العولمية المتسارعة، ولذلك شروط ومتطلبات لا تزال غير متحصلة في العالم العربي، ومن أهم هذه المتطلبات الغائبة هي "البنية الثقافية" الصالحة للنمو والإنتاج، فثمة عجز داخلي مرده سيادة "ثقافة متأكسدة" غير قابلة للتفاعل المثمر مع العصر، تتصدرها فتاوى وآراء فقهية تقليدية، وعادات وتقاليد بالية، ومنظومة مفاهيمية تقدس قيم الاستهلاك وتقتل روح الإبداع، وتقف عقبة كأداء أمام الدخول في ميدان التنافس المعرفي.

ولعل المرأة هي الأكثر تأثراً من غياب "البنية الثقافية" الصالحة، فهي لا تزال ضحية الأفهام البشرية الخاطئة في العالمين العربي والإسلامي، وهو ما يؤكد ضرورة إسراع المرأة في تقديم مساهماتها النوعية لرسم الهوية الثقافية الجديدة المتناسبة مع طموحاتها العريضة، وبما يعمق من دورها في كافة المجالات التنموية.

وبالنظر إلى حجم أعداد النساء وطبيعة أدوارهن الراهنة، فيمكن للمرأة اليوم أن تدير نظرها عن الأدوار الهامشية، وأن تلعب دوراً أصيلاً في تحريك عجلة التغيير في مجتمعها، لو استجابت للفرص الإيجابية التي توفرها طفرة التواصل الكوني، وعلى سبيل العناية يمكن للمرأة أن تسد فجوة هائلة ومتسعة في ميدان البحث العلمي والدراسات الفكرية والتخصصية، فإحدى أهم العوائق التي تقف حائلاً أمام تقدم العالم العربي والإسلامي، قلة أعداد البحاثة وأهل الاختصاص، فعدد مراكز الدراسات والأبحاث على طول وعرض العالم العربي تقارب الـ 600 مركزاً، أما عدد البحاثة فهو لا يتجاوز 371 من كل مليون شخص.

هذه الفجوة الهائلة بين الواقع والمطلوب، يمكن للمرأة لو توجهت إلى حقول البحث أن تردمها تماماً، لا سيما وأن الأرقام تشير إلى أن 70% من عدد خريجي الجامعات العربية هم من الإناث، وعلى سبيل المثال بلغت نسبة الإناث في الجامعة الكويتية 69%(27)، وفي المملكة العربية السعودية فاقت نسبة الإناث نسبة البنين حيث بلغت (58.4%)(28)، أما في عمان (جامعة السلطان قابوس) فبلغت نسبة الخريجات 53.6% من إجمالي عدد المتخرجين في عام 2000م(29)، وفي فلسطين بلغت 51% من مجموع الملتحقين في كليات المجتمع المتوسطة، و 42.5% من الملتحقين في التعليم الجامعي. وقد ارتفعت نسبة النساء الملتحقات في علم الحاسوب إلى 37% من مجموع الملتحقين(30)، وفي الإمارات بلغ عدد الخريجات حتى الدفعة التاسعة عشرة التي تم تخريجها في شهر مايو 2000م (18 ألفاً و228 خريجة) من مختلف كليات الجامعة(31)، أما عدد الإناث البحرينيات الحاصلات على المؤهل الجامعي فبلغ 8620 نسمة في العام 2001م مقابل 3735 امرأة في 1991م، وإن عددهن زاد على عدد الذكور والبالغ عام 2001م حوالي 8049 رجلاً(32)، بما يعنيه ذلك من توفر القابلية عند النساء للدخول في حقول التنمية بمختلف أبعادها بنسبة معقولة، إذاً أين تذهب هذه الأعداد الهائلة من الخريجات؟ وما هو مقدار مساهماتهن في الحقل العلمي أو الحقول التنموية الأخرى؟.

الإجابة ربما تثير قلق المعنيين بشؤون التنمية في العالم العربي، فازدياد انخراط النساء العربيات والمسلمات في حقل التعليم العالي، لم ينعكس إيجابياً على تضاعف مشاركتهن الفعلية في القوة العاملة، أو مشاريع التنمية، فمستوى أداء المرأة في معظم الدول لم يصل بعد إلى الدرجة التي يظهر أثر تعليمها على التنمية، حتى المكاسب التي تساق عند الحديث عن تحرير المرأة فعادة ما يقودها الرجل، ورغم أننا لا نجد أية غضاضة في هذا الأمر، إلا أنه يشير إلى حجم تقصير النساء في هذا المضمار، قياساً بما يمكن أن تؤديه المرأة فعلاً في سبيل تعزيز حقوقها ومكتسباتها التنموية.

* مهام ختامية

شهدت نظرة المجتمعات العربية والإسلامية في عصر العولمة،  تغيرات مهمة -كما عرضنا- على كافة الصعد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، بعضها على مستوى الفرص المتاحة، وأخرى على مستوى النظرة السائدة عن المرأة وأدوارها، ويمكن لمجتمعاتنا أن تستثمر هذه التغيرات لصالحها إذا استطاعت أن ترسم لها هدفاً واضحاً في مجال استثمار العنصر النسائي لصالح التنمية الشاملة، على اعتبار أن الهوية الإسلامية تعزز مكانة ودور المرأة، ولا تتعارض مع الرغبة في الاستفادة من فرص الانفتاح العالمي، ودون غض النظر عن التحديات الحقيقية، التي تخلقها العولمة أمام مجتمعاتنا اليوم.

إن أهم ما ينبغي عمله الآن، وبصفة عاجلة لمواجهة التحديات التي تواجه المرأة في عصر العولمة:

1- توجيه وعي المرأة نحو حقوقها السياسية والاجتماعية.

2- رفع وعي المجتمع بحقوق المرأة ومكانتها.

3- التأكيد على ضرورة التوازن بين دور المرأة داخل البيت وخارجه. التوازن بين دورها في بناء الأسرة السليمة المتماسكة، وبين جهودها الرامية إلى النهوض بالمجتمع.

4- مصالحة المؤسسة الدينية مع حقوق المرأة، في بعض البلدان الإسلامية، التي لا تزال تحمل مفاهيم معادية لدور المرأة السياسي والاجتماعي، والتأكيد على موافقة الدين الإسلامي لفاعلية المرأة في المجتمع.

5- إن تحقيق تنمية المرأة في بعديها الاجتماعي والاقتصادي، يتطلب تغييراً جذرياً في الكثير من المفاهيم الثقافية السائدة، وهو ما يتطلب بذل جهود بحثية معمقة متلازمة مع إعلام فاعل لتحقيق الهدف المأمول.

6- تدريب وتأهيل المرأة وإعدادها على كيفية استخدام الخطاب السياسي والاستفادة من القاعدة المعلوماتية.

7- تأمين بيئة عمل المرأة لا سيما في جانبها السياسي.

8- تعزيز مكانة النساء في الهيكل الاقتصادي، واعتبار المرأة عضواً رئيسياً في سوق العمل، يسهم وجودها في النمو الاقتصادي.

9- وقف ومقاومة الصورة السلبية التي يعرضها الإعلام العولمي للمرأة بوصفها رمزاً للجنس والمتعة.

10-  تفعيل دور المنظمات النسائية غير الحكومية، والتأكيد على دور النساء في تنمية العمل الأهلي.

 

الهوامش:

* كاتب - الكويت.

(1) سوزان المبارك، الكلمة الافتتاحية للمؤتمر الرابع للتنمية العالمية الذي عقد في القاهرة تحت عنوان "العولمة والعدالة".

(2) سوزان المبارك، مصدر سابق.

(3) "تتحمل النساء والفتيات أكبر التكاليف المباشرة لانعدام المساواة بين الجنسين. ولكن هذه التكاليف تضر على نطاق واسع بقطاعات المجتمع كافة، وتضر في النهاية بالجميع. وتؤدي التباينات بين الجنسين إلى انخفاض إنتاجية العمالة، وانخفاض كفاءة تخصيص وتوزيع العمالة بين الأسر وعلى مستوى الاقتصاد. كما تؤدي أيضاً إلى التوزيع غير المنصف للموارد، وإلى جوانب الفقر الأخرى التي لا تتعلق بالمال -مثل غياب الأمن وانعدام الفرص وعدم تمكين المواطنين من أسباب القوة- الأمر الذي يقلل من مستوى جودة الحياة لدى الرجال والنساء والأطفال على حد سواء". المصدر: مؤشرات التنمية في العالم 2004م البنك الدولي.

(4) موقع المرأة في المجال السياسي في لبنان والعالم العربي، الكتاب الرابع 1997-1998، منسق الكتاب: منى فياض، المستشارون: فريد الخازن، نهى بيومي، منى خلف، منشورات تجمع الباحثات اللبنانيات.

(5) د. بارعة النقشبندي، (المشاركة السياسية للمرأة في الأردن وبعض الدول العربية)، رسالة دكتوراه.

(6) الشيخ محمد مهدي شمس الدين، مسائل حرجة في فقه المرأة. كتاب الستر والنظر، بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر.

(7) محمد سيف عبد الله العديني، لملتقى المرأة للدراسات والتدريب (WFRT) ، سنة 2004م.

(8) الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق، كتاب "حكم تولي المرأة الولايات العامة والاشتراك في المجالس التشريعية نائبة وناخبة"، المصدر: http://www.salafi.net/books/hbook52.html.

(9) اطلع على صحيفة الوطن الكويتية، تاريخ 29/5/2004م. كذلك المقابلة التي أجراها رئيس تحرير صحيفة الوطن الكويتية مع د. محمد سليمان الأشقر، والمنشورة بتاريخ 31/5/2004م. (ولذلك جلد عمر رضي الله عنه أبا بكرة ثمانين جلدة حد القذف بالزنى. ثم قال له: تب أقبل شهادتك، فأبى أن يتوب، وأسقط عمر رضي الله عنه بعد ذلك شهادته، فكان أبو بكرة بعد ذلك إذا استشهد على شيء يأبى أن يشهد، ويقول: إن المؤمنين قد أبطلوا شهادتي.

وقد قال الله تعالى في آية لاحقة: {لَوْلاَ جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (النور 13). أي أنهم في حكم الله تعالى كاذبون لا يثبت بقولهم حق. هكذا حكم الله تعالى على من قذف محصناً، وهذا منطبق على أبي بكرة، فإن الآية تدمغه بالفسق وبالكذب، وهذا يقتضي رد ما رواه عن النبي (ص) مما انفرد به كهذا الحديث العجيب "لن يفلح قوم تملكهم امرأة" فينبغي أن يضم هذا الحديث إلى الأحاديث الموضوعة المكذوبة على النبي (ص). المصدر بتاريخ 29/5/2004م.

(10) مصر، الأردن، سوريا، الجزائر، تونس، موريتانيا، السودان، جزر القمر.

(11) سليمان إبراهيم العسكري، إعلام العولمة قيم جديدة، أم انكفاء على الذات؟، مجلة العربي، العدد 517، ديسمبر 2001.

(12) العالم الأوروبي والأمريكي والصراع العربي - الإسرائيلي، قراءة في الأرقام. جورج فرشخ، نقله عن كتاب "طغيان الاتصال" لـ(انياسيو راموئير)، مجلة "الموند ديبلوماتيك".

(13) "تمهيد الطريق نحو التمكين" صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة 2002م.

(14) تقدم المرأة العربية 2004م - نسق واحد، أربعة مجالات وأكثر من 140 مليون امرأة.

(15) تقدم المرأة العربية، مصدر سابق ص 289.

(16) سمير عبد الرحمن الشميري، المرأة في زمن العولمة، كلية التربية، جامعة عدن.

(17) فقد جرى ربط مقام المرأة بدور استهلاكي ومقام الرجل بدور إنتاجي.

(18) منى الصواف - قتيبة الجلبي، الصحـة النفسيـة للمـرأة العربيـة، مؤسسة حورس الدولية للنشر و التوزيع.

(19) انظر حول عولمة المشاكل والأزمات، أحمد شهاب، نحو تناول علمي لمفهوم العولمة، مجلة الكلمة، العدد 25.

(20) محمد باقر النجار، تحديات العولمة ومستقبل الأسرة في الخليج العربي: قراءة أولية، ورقة مقدمة لـ"ندوة التحولات الدولية الراهنة وتأثيرها على مستقبل الخليج" المنعقدة في الفترة من 5-7 يناير 2003م.

(21) تشير الأرقام في دول الخليج العربي على سبيل المثال إلى تنامي ظاهرة الطلاق خلال العقود الثلاثة الماضية، في الكويت تمثل حالات الطلاق ما نسبته 25% عام 1980م، و 31% عام 1995م، ثم ما نسبته 32.8% عام 1999م. وفي البحرين ارتفعت نسبة الطلاق في المجتمع بما نسبته 41.3% خلال الفترة الممتدة من 1977م إلى 2001م. محمد باقر النجار، مصدر سابق.

(22) الشيخ محمد الغزالي، من هنا نعلم، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع 2000م.

(23) الشيخ محمد الغزالي، السُّنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، القاهرة: دار الشروق، 1989م.

(24) راجع كتاب "صراع الثقافة العربية الاسلامية مع العولمة"، د. محمد الشبيني، دار العلم للملايين - بيروت، 2002م.

(25) تقرير التنمية البشرية للعام 2004م، المصدر: stamatopoulou 2002 , kymlicka 2004 ; and Arizpe.2004.

(26) تقرير التنمية البشرية لعام 2004، انظر ص 3، 4، 5، 9.

(27) يشير التقرير الصادر عن وزارة التخطيط حول "المرأة الكويتية والمشاركة المجتمعية" الصادر في فبراير/ شباط 2002م أن نسبة الإناث في الجامعة الكويتية بلغت 69%، المصدر: قناة الجزيرة، المعرفة. http://www.aljazeera.net/NR/exeres/AB609AAC-BF94-4584-9382-FDCFE747DEBB.htm

(28) عبدالله بن علي الحصين، وكيل كليات البنات بوزارة التربية والتعليم لـ(صحيفةالرياض) في 7 ربيع الأول 1424هـ.

(29) عبد الستار خليف "النهوض بالمرأة ومشاركتها في التنمية"، صحيفة الوطن العمانية، 10 أكتوبر 1994م.

(30) المصدر: موقع جامعة بيرزيت: http://home.birzeit.edu/dsp/DSPNEW/arabic/phdr/ahdr-zahira.html

(31) حسب المقابلة المنشورة في صحيفة البيان الإماراتية مع الشيخة فاطمة بنت مبارك قرينة رئيس الدولة الراحل فإن عدد خريجات جامعة الإمارات حتى الدفعة التاسعة عشرة التي تم تخريجها في شهر مايو 2000م (18 ألفاً و228 خريجة) من مختلف كليات الجامعة، ومن كليات التقنية العليا الدفعة الثامنة التي تضم 1056 خريجة ليرتفع بذلك عدد الخريجات من كليات التقنية العليا منذ إنشائها في أكتوبر 1998م إلى 3375 خريجة، المصدر: جريدة البيان، تاريخ 23/12/2000م.

(32) صحيفة البيان الإماراتية 9 ديسمبر 2001م.

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة