تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

العولمة والحداثة

قسم التحرير

ما هي الحداثة وما علاقتها بالعولمة؟ وهل العولمة شكل من أشكال الاستعمار الغربي الجديد، ووسيلة لتعميق تبعية دول العالم الثالث لدول المركز الغربي؟ وما هي مخاطر العولمة على الهويات الثقافية لدول العالم الثالث ومنها دول العالمين العربي والإسلامي؟ هذه الأسئلة وغيرها أجاب عنها لفيف من المفكرين والباحثين من: سورية ولبنان ومصر وتونس والمغرب وموريتانيا وإسبانيا وفرنسا، شاركوا في الندوة التي نظمها معهد ثربانتس في دمشق بالتعاون مع وزارة الثقافة السورية، تحت عنوان: (العولمة والحداثة)، وذلك بين 21 -23 أيلول (سبتمبر) 2003م.

في الجلسة الافتتاحية تحدث في البداية الدكتور محمد السيد وزير الثقافة السوري الذي طالب بضرورة الالتفاف حول قيم الحق والعدالة والمساواة بين البشر لأن هذه القيم هي الكفيلة بالمحافظة على هذا الكوكب... وتساءل د. السيد فيما إذا كانت العولمة قد حولت العالم إلى قرية كونية تتسم بأخلاق القرية من حب وتعارف.. أم أنها أرغمت البشر على العودة إلى الهويات القبلية والجفاء الاجتماعي والأثرة والفردية؟.

ثم تحدث بعده سفير إسبانيا في دمشق السيد مانويل كاتشوكيسادا، فأكد على أهمية مثل هذه الندوات في تشجيع الحوار بين الدول والثقافات، مشيراً إلى التحديات التي تفرضها العولمة، مطالباً بالاستعداد لمواجهتها من خلال التعاون وإقامة النشاطات الكثيرة على جميع الأصعدة.. تناول الكلمة بعده مدير المركز الثقافي الإسباني في دمشق كارلوس باروناناربيون، الذي تحدث عن: نماذج من الحداثة، العولمة واحترام الفروقات الثقافية؛ فتساءل هل الحداثة تناقض التراث؟ ثم قدم تعريفاً للحداثة ليؤكد بأنها ليست مجرد قطيعة مع الماضي وإنما هي نوع من العقلانية وإعادة بناء لأنماط ومعارف كشفت عنها الاكتشافات الجديدة في جميع الميادين.

وتساءل السيد كارلوس عن الإمكانات المتاحة اليوم أمام الثقافة غير الغربية فأكد على أنه يستحيل عليها أن تكرر صيرورة الفكر الغربي التي استمرت قروناً لكي تدخل الحداثة، ودون أن تتخلى عن جذورها وتنوع أنماطها.

كما أشار إلى ضرورة إعادة النظر في المقولة التي ترى بأن الشرق والغرب عالمان متمايزان ومتنافران، داعياً إلى العمل من أجل التقارب والتفاهم، وأخيراً أكد السيد كارلوس بأن كل مجتمع يمتلك القدرة على الارتقاء الخاص به، لذلك يجب أن  يحترم انطلاقاً من مرجعية وحيدة هي جوهر الحقيقة الوحيدة للحياة واحترام حقوق الإنسان وفق ميثاق الأمم المتحدة..

بعد ذلك انطلقت أعمال الندوة بجلسة أولى تحدث فيها د. طيب تيزيني (أستاذ الفلسفة بجامعة دمشق) عن العلاقة بين الهوية والعولمة. ثم تحدثت بعده الباحثة في المعهد الكاتلاني للدراسات المتوسطية في برشلونة عن: (الهوية الحداثة: مثال المجتمع المدني في المغرب) فأشارت في البداية إلى العلاقة التاريخية بين ضفتي البحر المتوسط، ثم انتقلت للحديث عن المجتمع المدني انطلاقاً من فرضية تقول باستحالة وجود مجتمع مدني خارج الفضاء الديموقراطي والعلماني. فأكدت أن هناك ما يقرب من 30000 جمعية مرخصة في المغرب وقد تحولت إلى شريك فعال للدولة، لكنها مع ذلك غير كافية لتحقيق المجتمع المدني الديموقراطي، لأن هذه التجارب حديثة وتحتاج إليه وقت لتترسخ.

أما د. أحمد برقاوي (أستاذ الفلسفة في جامعة دمشق) فقدم ورقة بعنوان: (العولمة بين الموضوعية والأيديولوجيا) فأشار في البداية إلى أن مفهوم العولمة اليوم يعتبر من أكثر المفاهيم تداولاً في علم الاقتصاد وعلم السياسة والفلسفة، وبالتالي فدلالة المفهوم اتسعت لتشمل كل جوانب الحياة الإنسانية المادية منها والروحية.. وبعد تتبع تطور مفهوم العولمة رأى د. برقاوي أنه: ثمرة تاريخ طويل من سيرورة الرأسمالية التي من أهم ملامحها توحيد العالم.

ليؤكد بأن العولمة اليوم أصبحت بمثابة إمبريالية جديدة تتحكم في مصير العالم اقتصادياً وثقافياً وسياسياً، وقد أفرزت مثيلاً أيديولوجياً تمثل في جملة أفكار حول الدولة والأمة والإنسان والهوية والثقافة.

وفي الأخير تساءل د. برقاوي: لماذا علينا أن نكف عن الدعوة إلى دولة قومية تحقق عملية الدخول في العولمة؟ أليس من المنطقي أن نوجد السوق القومية أولاً ليصير بمقدورنا أن نستفيد من إنجازات التقدم الرأسمالي العولمي؟.

الجلسة الثانية ترأسها د. حسن حنفي (أستاذ الفلسفة في جامعة القاهرة) والذي قدم ورقة بعنوان: (الثقافة العربية بين العولمة والخصوصية: الإشكال النظري) أشار فيها إلى تعدد مسارات التاريخ وعدم وجود مسار واحد لجميع الثقافات، لذلك فالثقافة تعبير عن مرحلة تاريخية بعينها تتشكل في إطار الوعي التاريخي لأمة ومن خلاله، وبذلك فإن سيطرة ثقافة ما سيحولها إلى ثقافة مركزية بينما تصبح بقية الثقافات في الأطراف. من هنا يرى د. حنفي أن العولمة هي أحد أشكال الهيمنة الغربية الجديدة التي تعبر عن المركزية الأوروبية، كما تكشف عن مركزية دفينة في الوعي الأوروبي تقوم على عنصرية عرقية وعلى الرغبة في الهيمنة والسيطرة. وأشار د. حنفي كذلك إلى أن الغرب بعدما نعم بالحداثة يريد هدمها محاولاً منع الحضارات الأخرى من الوصول إليها.

وبخصوص مخاطر العولمة على الهوية الثقافية رأى د. حنفي أنها مقدمة لمخاطر أعظم على الدولة الوطنية والاستقلال الوطني والإرادة الوطنية والثقافة المحلية.

وفيما يتعلق بالدفاع عن الثقافة العربية يرى د. حنفي أن ذلك لا يتم عبر الانغلاق على الذات ورفض الغير وإنما يتأتى عن طريق إعادة بناء الموروث القديم المكون الرئيسي للثقافة الوطنية.. وكسر حدة الانبهار بالغرب، والقضاء على أسطورة الثقافة العالمية.

تحدث في هذه الجلسة كذلك د. محمد محفل (أستاذ التاريخ في جامعة دمشق) عن: (التناقض بين العولمة الأمريكية والحداثة الإنسانية) فانطلق من خطاب الرسول 2 في حجة الوداع ليؤكد بأن الرسول (صلى الله عليه وآله) توجه فيه إلى الناس كافة لأنهم من أصل واحد لذلك فاختلاف الألسن والألوان وتباين الطباع والأخلاق وتمايز الأجناس والأعراق يجب ألا يؤدي إلى النزاع والشقاق، بل يقتضي التعاون والتآزر في سبيل الإنسانية جمعاء.. بخلاف الدعوة إلى عولمة الرعب التي تقف وراءها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

ثم قدم الشاعر اللبناني بول شاوول ورقة بعنوان: (العلاقة بين الحداثة والعولمة) فتحدث عن انتهاء عصر الحداثة الغربي وبداية مرحلة جديدة أطلق عليها مرحلة ما بعد الحداثة، وقد بدأ الحديث عنها في الخمسينات من القرن الماضي عندما بدأت الإعلانات عن موت الحداثة وموت الإنسان وموت الفكر وموت الأيديولوجيا وموت الدولة والفن والمسرح وصولاً إلى موت الرأسمالية.. إنه المنطق الغربي نفسه يمارس الاقتطاع والإلغاء.. ليعلن موتاً بلا قيامة ولا إرث...

ويرى الأديب شاوول أن حركة ما بعد الحداثة في جانبها التشكيكي تدعو إلى رفض الثنائية بين الذات والموضوع بعد ما دعت إلى إلغاء الذات الحديثة لأنها من اختراعات الحداثة وربيبة عصر التنوير والعقلانية، ثم تتبع تطور مفهوم العولمة ليصل إلى أنها كالحداثة فعل متصل، فهل ليست من صنع أمة واحدة أو شعب واحد، وهناك التباس العولمة بجوهر الحداثة واستيعابها لها وجعلها مسألة وبضاعة خاصة تستخدم في كل مستوياتها وتعابيرها وأشكالها لقهر الشعوب وفرض القيم الاستنسابية عليها وتهديد مصائرها.

أما كيف يمكن مواجهتها فيرى شاوول أن ذلك لا يتأتى إلا بالانخراط في عولمة عالمية ذات قيم تسبق حدود الانقسامات الإثنية وغيرها من قيم الانغلاق البائدة.

تحدث في الجلسة الثالثة د. يوسف سلامة (أستاذ من الجامعة السورية) عن:

(القيم الإنسانية والقيم الكونية) ود. عبد الإله بلقزيز (أستاذ الفلسفة في جامعة الحسن الثاني - المغرب) الذي قدم ورقة بعنوان: (العرب والحداثة: كونية الحداثة ونسبيتها). اعتبر فيها أن مفهوم الحداثة قد أدخل حديثاً إلى المجال التداولي العربي بغية توطينه في الثقافة والفكر وتبيئته، وأكد أن الحداثة قد طرقت أبوابنا من مدخل أدبي وفني.. من هنا يرى د. بلقزيز أن تاريخ الحداثة في ثقافتنا العربية لا يتجاوز ثلاثة أرباع القرن. وبعد تتبعه لمسار الحداثة وعوامل بروز هذا المفهوم في أوروبا تحدث د. بلقزيز عما أسماه بعنف الحداثة التي في نظره لم تقترح نفسها بطريقة حضارية إقناعية على المجتمعات والثقافات بل اقتحمت قلاعها المحروسة بعنف وفرضت نفسها بالعنف المادي والرمزي. وأخيراً أشار الباحث إلى ما يتعرض له الخطاب الحداثي من نقد يكشف أن كونيته ليست أكثر من أيديولوجيا غير قابلة للصرف كعملة فكرية مرجعية.

الجلسة الرابعة ترأسها الأديب اللبناني بول شاوول وتحدث فيها في البداية د. ميكال فوركاردا (أستاذ تاريخ العلوم في جامعة برشلونة) عن: (ماضي ومستقبل العلم في العالم العربي الإسلامي) فأشار إلى أهمية أن يطلع الأوروبيون على مساهمات الحضارة العربية في مجال العلوم، لأن تاريخ العلوم ينهي الصراع بين الأشخاص والشعوب لصالح مؤسسة مشتركة هي مؤسسة البحث عن المعرفة. وقد أكد د. فوركاردا أن المجتمعات العربية الإسلامية برهنت على حبها للعلم وأن الوضع الحالي المتخلف يجب أن ينظر إليه بموضوعية لمعرفة أسبابه المادية وليست الروحية..

تحدث في هذه الجلسة كذلك د.إيف غونتالس كيخانو (من جامعة ليون - فرنسا) عن: (تأثير التكنولوجيا الحديثة على التقاليد العربية).

وقدم الروائي الموريتاني د. موسى ولد ابنو ورقة تحت عنوان: ( التراث والخيال العلمي: قراءة في روايتي مدينة الرياح والحب المستحيل) وهما روايتان من أدب الخيال العلمي صدرا للمؤلف سنة 1996 - 1999م، وقد أكد فيها في البداية أن الرواية تعبر بشكل أو بآخر عن الخصوصيات الثقافية للمجتمع الذي ينتجها، كما أنها مثلت جانباً مهماً من الحداثة في الأدب العربي.

ورأى أن الحداثة المفروضة من مستلزماتها تدمير العقائد والانتماءات والثقافات التقليدية. أما بالنسبة للكتابة في الخيال العلمي فأكد الباحث أن هذه الكتابة مكنته من تناول الحداثة بعيون تراثية. مما يعني تأويل التراث وفق مستجدات الحاضر والمستقبل، كما تحدث د. يوسف عيدابي (من الإمارات) عن: (الحداثة وبعض الأساطير).

في اليوم الثالث من أعمال الندوة عقدت جلستان، الأولى ترأسها د. أحمد برقاوي وتحدث فيها في البداية الأب أنطوان ضو (أستاذ جامعي من لبنان) عن: (تجديد الخطاب الديني المسيحي) فأشار إلى أن التحديات الكبيرة والهائلة تتطلب رؤى جديدة وإرادة واعية تعمل من أجل التجديد والإصلاح والنهوض والتغيير، وتجديد الخطاب اللاهوتي لا يعني خلق مسيحية جديدة أو التخلي عن التراث والتنكر للماضي بل يعني خطاباً متجدداً يسعى إلى التوفيق بين المسيحية والمستجدات المتلاحقة والسريعة في العالم.

قدم بعده د. حامد أبو زيد (أستاذ في جامعة ليدن - هولندا) ورقة بعنوان: (التراث والحداثة في الفكر الديني: إشكاليات التأويل وآليات التزييف) تحدث فيها عن معنى التجديد وآفاقه، من خلال مسألتين: الأولى تبحث في علاقة الخطاب الديني بمجمل الخطاب العام: السياسي والاجتماعي والاقتصادي، والثانية تبحث في معنى التجديد ودلالته، آفاقه ومحاذيره حين يتصل بقضايا دينية لا تنفصل بالضرورة عن قضايا الاجتماع والسياسة والاقتصاد. وأكد د. أبو زيد أن الخطاب الديني خطاب إنساني يمكن أن يكون حافزاً على التقدم والازدهار، كما يمكن أن يكون خطاباً محافظاً يسعى لتأبيد الواقع الماثل.. وبخصوص أزمة النقد في بنية الثقافة المعاصرة يرجعه د. أبو زيد إلى استشراء الجهل وانتشار الظلم وتفشي قيم الاستعباد في التاريخ.

تحدث في هذه الجلسة كذلك د. غريغوار مارشو (أستاذ الفلسفة بجامعة حلب) عن: (إشكالية الحداثة في الفكر العربي المعاصر). فأكد أن الحداثة الوافدة ظلت محكومة بالاستلاب عن واقعها وسارت سيراً ممسرحاً.

حيث بقيت خطاباً مفارقاً تبشيرياً يزيد من تزييف الوعي لامتهانها للنموذج الغربي، مما أفرز تياراً سلفياً معكوساً مضاداً للوافد المفروض قسراً على حساب الثقافات المحلية، واليوم تأتي الحداثة في إهاب العولمة لتجهز على الثقافات الأخرى..

وأخيراً تحدثت في هذه الجلسة د. ريبيكاجوبين (أستاذة الدراسات الشرقية في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية) عن: (العرب والإسلام في الموسوعة الفرنسية: إسلام لا عقلاني مقابل مجد الحضارة العربية الإسلامية).

وفي الجلسة الأخيرة تحدثت د. شانتال مايا (أستاذة علم الجمال في جامعة مالقا - إسبانيا) عن: (أسلحة الإمبراطورية وقباحة العولمة) وتحدث د. عبدولي تهامي (أستاذ الأدب المقارن في جامعة تونس) عن ( العولمة: الاختلاف والتواصل) وقد اختتمت الندوة بعد المداخلات والمناقشات.

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة