تسجيل الدخول
حفظ البيانات
استرجاع كلمة السر
ليس لديك حساب بالموقع؟ تسجيل الاشتراك الآن

التجارة البينية للدول الإسلامية ودورها في قيام تكتل اقتصادي إسلامي

د. مصطفى محمود محمد عبدالعال عبدالسلام

ملخص البحث
يزخر العالم الإسلامي بالعديد من المقومات الاقتصادية من ثروات طبيعية وموارد بشرية، وأسواق واسعة، ومواقع جغرافية متميزة تطل على أبواب المستهلكين والمنتجين للسلع والخدمات، إلا أن حجم التجارة البينية بين الدول الإسلامية لا يزال دون مستوى التطلعات، حيث يقل حجم التجارة البينية بين الدول الإسلامية عن 13% من حجم التجارة العالمية، وينطبق الحال نفسه على الاستثمارات البينية. وفي ظل عصر التكتلات الاقتصادية تتبدى جاذبية الاهتمام بقيام تكتل اقتصادي إسلامي، أول مراحله هو تدعيم وتنمية التجارة البينية الإسلامية بين مختلف أقطار العالم الإسلامي.
ومن هنا تأتي أهمية هذا البحث الذي يوضح أسباب وتداعيات انخفاض حجم التجارة البينية الإسلامية، وما مدى أهمية دعم التجارة البينية في قيام تكتل اقتصادي إسلامي. إن عصر العولمة الزاخر بالعديد من التكتلات الغربية التي تحجب السلع التي تصدرها الدول الإسلامية بالكثير من المواصفات التي تعيق هذه الصادرات، لابد أن يشهد حالة من الإشباع السلعي بين الدول الإسلامية من خلال تنمية التجارة البينية الإسلامية، ومن ثَمَّ قيام التكتل الاقتصادي الإسلامي، وهذا البحث يوضح هذا الدور وأهميته الاقتصادية ومعوقاته المختلفة، ثم يطرح صيغة لقيام تكتل اقتصادي إسلامي من خلال تدعيم التجارة البينية الإسلامية.
مقدمة
أصبحت الحاجة إلى تحقيق المزيد من عمليات التجارة البينية بين الدول الإسلامية -بوابة التكامل الاقتصادي- هدفاً استراتيجيًّا وضرورة تفرضها التطورات الاقتصادية العالمية، في ظل مناخ العولمة الاقتصادية، وما نتج عنها من بروز كيانات ومصالح اقتصادية دولية لا تلتفت إلى الكيانات الصغيرة والهامشية، وتعطي الأولوية للتكتلات الاقتصادية التي تستطيع الصمود في وجه المنافسة العالمية في مختلف المجالات الاقتصادية.
وإن تحقيق حلم السوق الإسلامية على أرض الواقع يُلبِّي تطلعات وآمال دول المجلس المتعلقة بتفعيل المواطنة الخليجية، سواء في التنقل أو العمل أو التعليم أو الخدمات الاجتماعية، فضلاً عن أن إنشاء السوق المشتركة من شأنه أن يعزز دور المجلس وقدراته على التفاوض في ظل التطورات والتكتلات الاقتصادية العالمية. ويأتي التوجه نحو السوق الخليجية المشتركة في إطار اهتمام دول مجلس التعاون بالعمل على تعزيز وتطوير المجال التجاري بصفة عامة بما يعود بالنفع على مواطني دول المجلس استفادةً من حجم النتائج الإيجابية التي تحققت ومنها ارتفاع حجم التجارة البينية.
يُعد العمل الاقتصادي من أهم المجالات التي يمكن من خلالها توحيد الدول والشعوب الإسلامية والانتقال بها من مجرد التعاون والتنسيق إلى مراحل متقدمة من التكامل والوحدة الاقتصادية، التي أضحت ضرورة حتى يستطيع المسلمون إيجاد موطئ قدم لأنفسهم في هذا العالم.
فالدول الصناعية والنامية تنتظم في تكتلات إقليمية وترتيبات تجارية جماعية، بغرض توفير بيئة أكثر ملاءمة لنموها الاقتصادي، والتكيّف مع التغيرات العالمية التي تتجه نحو المزيد من التحرير الاقتصادي والعولمة وترابط المصالح بين الدول.
ومن شأن هذه التغيرات العالمية أن تُفضي إلى زيادة حدة المنافسة في الأسواق الدولية؛ الأمر الذي يفرض على الدول الإسلامية العمل بجدية لتوسيع وتطوير أسواقها وزيادة قدرتها التنافسية، والعمل على إقامة تكتل اقتصادي وترتيبات تجارية مشتركة، حيث بات من المؤكد أن الدول التي لا تستطيع الدخول في تجمعات اقتصادية أو أي ترتيبات تجارية إقليمية ستتحول إلى سوق هامشية، وستصبح فريسة يسهل اقتناصها من جانب دول التكتلات الكبيرة.
ويمتلك العالم الإسلامي العديد من المقومات الاقتصادية كالثروات الطبيعية والموارد البشرية الكبيرة التي تمكّنه من تكوين هياكل إنتاجية ضخمة، وسوقاً واسعة لتبادل منتجات العمل، كما يمكن أن يكون مراكز مالية عالمية للتمويل والاقتراض والاستثمار. وهذا يؤيّد إمكانية تكتل اقتصادي إسلامي عالمي يقوّي من إمكاناته التفاوضية مع التكتلات الاقتصادية العالمية القائمة حاليًّا.
وهذا يؤدي بدوره إلى تحقيق نمو اقتصادي بمعدلات كبيرة نسبيًّا تحقق التقدم والرفاهية في الدول الإسلامية.
مشكلة البحث
تطرح مشكلة البحث عن التساؤل التالي:
هل هناك دور للتجارة البينية بين الدول الإسلامية في قيام تكتل اقتصادي إسلامي ممثلاً في سوق إسلامية مشتركة أم لا؟
مع التأكيد على الحاجة إلى اتخاذ تدابير فعالة من أجل تقليص الآثار السلبية للنظام الاقتصادي العالمي على اقتصاديات الدول الإسلامية، وضمان مشاركتها على قدم المساواة فى الفوائد المترتبة على العولمة بما يحقق توازناً بين الفوائد والمسؤوليات التي تضطلع بها البلدان النامية، وأهمية مواجهة التحديات التى تفرضها العولمة من خلال المشاركة الكاملة للبلدان النامية في عملية صنع القرار على الصعيد الدولي فيما يتّصل بالسياسات الاقتصادية والمالية.
أهمية البحث
تنبع أهمية البحث من أنه يضع تصوراً لتكتل اقتصادي إسلامي يقوم على زيادة وتعزيز التجارة البينية بين الدول الإسلامية الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، وذلك في ظل وجود تكتلات اقتصادية دولية عديدة تفرض أنواعاً من السيطرة على الأسواق الدولية، من خلال منظومة اقتصادية تطرح مبررات الحماية الجمركية ومواصفات الجودة العالمية، حتى تستطيع إغلاق معابرها في وجه السلع والخدمات التي تأتي من خارج التكتل الاقتصادي، وكل ذلك وفق نظام اقتصادي عالمي جديد، اتُّفق على تسميته بالعولمة الاقتصادية والمالية.
فرضية البحث
تفترض الدراسة أن زيادة وتعزيز التجارة البينية بين الدول الإسلامية يسهم إسهاماً كبيراً ومباشراً في قيام تكتل اقتصادي إسلامي ممثلاً في سوق إسلامية مشتركة.
خطة البحث
المبحث الأول: الإطار المفاهيمي للدراسة، يتم فيه استعراض لواقع التجارة البينية بين الدول الإسلامية، ثم يوضح الأهمية الاقتصادية لقيام تكتل اقتصادي إسلامي، وأخيراً يبين أهم التحديات التي تواجه التكتل الاقتصادي الإسلامي في ظل النظام الاقتصادي العالمي الجديد.
المبحث الثاني: صيغة مقترحة لقيام تكتل اقتصادي إسلامي من خلال تنمية التجارة البينية بين الدول الإسلامية.
خاتمة: (نتائج - مقترحات).
المبحث الأول: الإطار المفاهيمي للدراسة
يتم تصنيف الدول الإسلامية ضمن مجموعة البلدان النامية، فهي تعاني من التخلف والتبعية والنشاط الاقتصادي فيها متعثر، لذلك فإن التجارة البينية بين الدول الإسلامية يمكنها أن تؤدي إلى نجاح منظومة التكامل الاقتصادي بينها مما يؤدي إلى تحسين مستوى الأداء الاقتصادي والنهوض باقتصادياتها، ومن ثم قد يشكل تهديداً للمصالح الاقتصادية للدول الصناعية المتقدمة التي ترغب بأن تبقى الدول الإسلامية سوقاً لتصريف منتجاتها ومورداً لمصادر الطاقة والمواد الخام.
ويبلغ عدد الدول الإسلامية المنضوية تحت منظمة المؤتمر الإسلامي حاليًّا 57 دولة وتمتد في أربع قارات، من ألبانيا في الشمال (أوروبا)، وموزمبيق في الجنوب (أفريقيا)، وجيانا في الغرب (أمريكا اللاتينية) إلى أندونيسيا في الشرق (آسيا). وتحتل الدول الإسلامية 16.7% من مساحة العالم، ويبلغ عدد سكانها حوالي 20% من سكان العالم، وبذلك تعتبر منظمة المؤتمر الإسلامي أكبر منظمة دولية بعد هيئة الأمم المتحدة .
وحسب تصنيف البنك الدولي فإن جميع الدول الإسلامية تعد دولاً نامية، وتتفاوت في أوضاعها الاقتصادية وهياكلها الإنتاجية تبعاً للتباين في مستوياتها التنموية وأدائها الاقتصادي .
أولاً: واقع حجم التجارة البينية بين الدول الإسلامية
ترتبط العلاقات التجارية لدول منظمة المؤتمر الإسلامي ارتباطاً بجهات محدودة جدًّا من حيث الصادرات والواردات معاً، فالتجارة الخارجية للدول الأعضاء موجهة لعدد محدود من الشركاء.
وغالباً ما يكون هؤلاء الشركاء من الدول الصناعية المتقدمة وفي مقدمتهم المجموعة الأوروبية، واليابان والولايات المتحدة الأمريكية.
وتتراوح حصة هؤلاء الشركاء في التجارة الخارجية للدول الإسلامية ما بين 40% إلى 94% للصادرات، وما بين 40% إلى 80% بالنسبة للواردات، وقد قدم كوزنتس Kuznets تفسيراً لهذه الوضعية باستخدام مفهوم «حجم الأمة» Size of Nation وهو أن الحجم الصغير –كما في حالة معظم الأقطار الإسلامية– يشكل بحد ذاته قاعدة لتبعية القطر للخارج، وذلك لأن الموارد الطبيعية للبلد الصغير تكون عادة محدودة وإنتاجه ومبادلاته ومصادر تمويله تكون محصورة في عدد قليل من العملاء والموردين، وينحصر هؤلاء العملاء والموردون في الشركاء الكبار من الدول الصناعية، خاصة في ظل عدم وجود تكتل اقتصادي إسلامي يمكن أن يكون عوضاً عن زيادة معدلات التجارة البينية بين الدول الإسلامية والدول الغربية .
أما حصة التجارة المتبادلة بين الأقطار الإسلامية بالنسبة إلى مجموع صادراتها فهي ضئيلة للغاية، ففي العام الذي تأسست فيه منظمة المؤتمر الإسلامي (1969م) لم تتجاوز 5.9%، ولم تتجاوز 13 % عام 2007 م .
والجدول رقم (1) بالملحق يوضح حصص التجارة الإسلامية المبادلة بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي.
ومعنى ذلك أن هيكل التجارة الإسلامية ما زال منحازاً إلى الدول الصناعية المتقدمة باعتباره امتداداً مباشراً لأنماط الإنتاج والتخصص السائد في التجارة الدولية، ومن ثم يعمل هذا الهيكل ضد مصالح الدول الإسلامية لأنه لا يعوق أنشطة التنمية والتطوير فحسب، بل يضع الحواجز أمام أنشطة التعاون التجاري ومحاولات التكامل الاقتصادي بينها.
ومن متابعة حجم التجارة البينية السابقة يلاحظ أنها لا تعكس طموحات الدول الإسلامية من ناحية، كما أنها لا تتناسب مع ضخامة الهيكل المؤسسي المشرف على هذه التجارة من ناحية أخرى، وهو يعني أن هذا الهيكل ما زال لا يعمل بكفاءة.
إلا أنه يجب تحليل هيكل التجارة البينية الإسلامية لمعرفة حجم تلك التجارة حسب توزيع السلع، ثم وضع تصور واضح لاحتياجات الدول الإسلامية وصادراتها.
أ- هيكل التجارة البينية حسب توزيع السلع
بالنظر إلى هيكل التجارة الإسلامية البينية يتبين أن صادرات المحروقات (البترول ومشتقاته) شكّلت القاسم الأكبر من هذه التجارة؛ حيث مثلت 6%، تليها صادرات المواد الغذائية بنسبة 19%، ثم المواد الأولية الأخرى ذات المنشأ الحيواني والنباتي والمنجمي بنسبة 36%. وتعتبر السعودية والإمارات وليبيا والكويت وإيران أهم الدول الإسلامية في تصدير المحروقات إلى بقية الدول الإسلامية؛ حيث تصدر 82% من هذه النوعية من السلع إلى الدول الإسلامية .
أما بالنسبة لمصدري المواد الغذائية فنجد ماليزيا وسوريا وباكستان وأندونيسيا والسعودية وتركيا؛ حيث تصدر 62% من هذه النوعية من السلع إلى الدول الإسلامية، وتعتبر كل من ماليزيا ولبنان وسوريا والبحرين وبنجلاديش وإيران أهم الدول المصدرة للمواد الأولية الأخرى ذات المنشأ النباتي والحيواني والمنجمي إلى بقية الدول الإسلامية الأعضاء؛ حيث تستأثر هذه الدول بتصدير 65% من هذه النوعية من السلع إلى بقية الدول لأعضاء .
ومن أهم إيجابيات التجارة البينية للدول الإسلامية أن الصادرات البينية من السلع المصنعة وصلت إلى 16 مليار دولار ممثلة 42% من إجمالي الصادرات البينية للدول الأعضاء، وتعتبر أهم الدول الإسلامية في تصدير السلع المصنعة تركيا وماليزيا وأندونيسيا والسعودية وباكستان؛ حيث تستحوذ هذه الدول الخمسة على 63% من صادرات السلع المصنعة داخل الدول الإسلامية الأعضاء، وهو ما يعني تزايد اعتماد الدول الإسلامية الأعضاء فيما بينها على صناعاتها الداخلية، وهو مؤشر إيجابي لتحرير الدول الإسلامية من الاعتماد على الصناعات في الدول المتقدمة، وأهم السلع المصنعة في التجارة البينية الإسلامية الآلات ومعدات النقل والمواد الكيماوية .
ب- جهود منظمة المؤتمر الإسلامي لتدعيم التجارة البينية الإسلامية
بذلت منظمة المؤتمر الإسلامي -طيلة أكثر من ثلاثة عقود- جهوداً كثيرة لتدعيم التجارة البينية بين الدول الإسلامية، على مستوى الأطر المؤسسية، والاتفاقات متعددة الأطراف، وإتاحة تسهيلات تمويلية لدعم مشروعات البنية التحتية في الدول الإسلامية. وعلى سبيل المثال لا الحصر نورد أهم ما قامت به المنظمة على صعيد التعاون والعمل الاقتصادي المشترك بين الدول الإسلامية في الآتي:
1- سعت الدول الأعضاء حاليًّا من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي إلى زيادة حجم التبادل التجاري فيما بينها، ولذلك قامت بتأسيس عددٍ من الهيئات والمنظمات المعنية بالشأن الاقتصادي بين الدول الإسلامية ومنها البنك الإسلامي للتنمية الذي قام بعمليات لتمويل التجارة بالدول الإسلامية سواء تمويل الواردات أو تمويل الصادرات، وخفف بشكل مؤقت مشكلات نقص العملة الأجنبية لدى كثيرٍ من الدول الإسلامية.
2- وقد تم إنشاء المركز الإسلامي لتنمية التجارة بالدار البيضاء بالمغرب ومركز التدريب والبحوث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية في أنقرة بتركيا، والغرفة التجارية والصناعية في كراتشي بباكستان.
ومؤخراً قام بإنشاء المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة (ITFC) وهي المنبثقة عن مجموعة البنك الإسلامي للتنمية برأس مال مبدئي قدره 3 مليارات دولار. وتطمح الدول الأعضاء وبدعم من المؤسسة إلى زيادة التجارة البينية إلى ما لا يقل عن 20% بحلول العام 2015 بإذن الله .
3- تأسيس البنك الإسلامي للتنمية في ديسمبر 1973، والذي بدأ مباشرة أعماله في أكتوبر 1975، وتتبع البنك مؤسسات ووحدات بحثية وتنموية وتمويلية تهدف لتقوية دور البنك في تنمية الدول الإسلامية.
4- قيام مركز الإحصاء الاقتصادي والبحوث الاجتماعية والتدريب ومقره العاصمة التركية أنقرة وذلك في عام 1977، ويهدف إلى جمع ونشر البيانات والمعلومات الخاصة بالدول الإسلامية وإجراء البحوث والبرامج التدريبية لصالح الدول الإسلامية .
5- إنشاء مركز التدريب الفني والمهني والذي تطور لاحقاً ليصبح الجامعة الإسلامية التكنولوجية، ومقرها دكا في بنجلاديش، ثم إنشاء غرفة التجارة والصناعة الإسلامية، ومقرها كراتشي في باكستان عام 1979، وقيام المركز الإسلامي لتنمية التجارة ومقره في الرباط بالمغرب .
6- المصادقة على الاتفاقية العامة للتعاون الاقتصادي والفني والتجاري في عام 1977 وهدفت إلى تشجيع انتقال رؤوس الأموال، وتبادل معلومات الاستثمار، وتبادل الخبرات الفنية والمهارات التكنولوجية بين الدول الأعضاء، وبدأ العمل بالاتفاقية في 1981 بتوقيع 41 دولة، في حين اكتفت بقية الدول بالموافقة المبدئية. وكذلك إقرار اتفاقية تشجيع وحماية وضمان الاستثمارات في 1981، وبدأ العمل بها في 1988 بتوقيع 31 دول من جملة أعضاء المنظمة .
7- مشروعات متعددة الأطراف تهدف لتقديم التسهيلات المالية لتمويل الصادرات تحت رعاية البنك الإسلامي للتنمية وتمويل التجارة الخارجية للدول الأعضاء.
8- تبني اتفاق إطاري لنظام التفضيلات التجارية عام 1991، وقع فقط من 23 دولة، وأقرته مبدئيًّا 9 دول، ويحتاج إلى مصادقة 10 دول أخرى.
ومع التقدير للدور الكبير للمنظمة فإن المتحقق من الأهداف الاقتصادية ما يزال بعيداً عن الخطة المرسومة، ولا يرقى إلى طموحات الشعوب الإسلامية في الوحدة والتكامل. لكن رغم النقص والقصور الذي يعتري المسيرة فإن المنظمة تظل الإطار المؤسسي الممكن لتحقيق وحدة الأمة الإسلامية من خلاله، وذلك لما لديها من خبرة تاريخية ومؤسسات قائمة، والمطلوب تفعيل دورها وتطوير مؤسساتها وتقويم خطتها وتكميل نقصها ودعم رسالتها بإرادة جماعية متحدة تستهدي بخطة استراتيجية واضحة المعالم، مرسومة الخطوات. وعليه فليس من الحكمة البحث عن إطار بديل للمنظمة ربما لا يكون مؤهلاً للبقاء ولا تسمح الظروف الإقليمية والدولية الراهنة بصموده في وجه الهجمات التي تتعرض لها الأمة الإسلامية.
ج- المعوقات والتحديات التي تواجه التجارة البينية الإسلامية
على أن من أهم مشكلات الوصول إلى أسواق الدول الإسلامية، هي الحواجز الجمركية وغير الجمركية ونقص التمويل التجاري والحواجز المؤسسية وقصور البيانات الأساسية ونقص المعلومات والموارد البشرية الماهرة، إضافة إلى صعوبات تأشيرات الدخول.
وقد أشار التقرير الصادر من المركز الإسلامي لتنمية التجارة إلى أنه وفي أواخر الألفية الثانية بدأت جهود منظمة المؤتمر الإسلامي الرامية إلى تعزيز التجارة البينية تعطي ثمارها، فالتجارة البينية التي لم تتجاوز 9% من التجارة الإجمالية عام 2000 سجلت 13% عام 2007م .
ومن ثم تعتبر المؤسسة الإسلامية الدولية لتمويل التجارة أداة متميزة لتدعيم التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء وتكثيف فرص المبادلات التجارية من مواد وخدمات وتنشيط الاستثمارات ذات العلاقة بالتجارة.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة على مستوى المنظمة والدول الأعضاء لأجل تنمية المبادلات التجارية البينية فإن العديد من العوائق مازالت قائمة مسببة عدة اختناقات في مجرى المبادلات التجارية البينية لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
ومن أهم العوائق هي تلك المتعلقة بمشكلات الدخول إلى الأسواق، كذلك عوائق على المستوى اللوجستيكي (بنية تحتية، نقل)، وعدم توفر المعلومات حول الأسواق وفرص الأعمال، وإجراءات معقدة في إدارة وتدبير شؤون التجارة الخارجية على المستوى الجمركي والمصرفي وفي الموانئ، وعدم وجود الكفاءات الفنية المتخصصة في مجال التجارة الدولية، كذلك انعدام آليات التمويل المناسبة لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة، إضافة إلى أن السلع المعروضة للتصدير غير متنوعة أو لا تتوافق مع المعايير والمواصفات الدولية المعتمدة في الأسواق.
د- جهود المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة
نظراً لتواضع معدلات التبادل التجاري بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، ولأنها لا ترتقي إلى الطموح خصوصاً في ظل ثروات هائلة في العالم الإسلامي، نظراً للرقعة الشاسعة التي يحتلها من أقصى شرق قارة آسيا إلى أقصى الغرب من إفريقيا؛ دعت الحاجة إلى تبني ما يعزز التبادل التجاري ويرفعه بين الدول الأعضاء، ومن هنا تم إنشاء هذه المؤسسة متابعة للمبادرة التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التي أطلقها خلال مؤتمر القمة الإسلامي العاشر الذي عقد في بتراجايا بماليزيا في شعبان من عام 1424هـ، وباركتها القمة الاستثنائية التي عقدت في مكة المكرمة في شهر ذي القعدة من العام 1426هـ، بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية للدول الإسلامية عن طريق توسيع التبادل التجاري بين هذه الدول .
ومن هنا، فتقوم المؤسسة بتنمية وتمويل التجارة في الدول الأعضاء وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها، مكملة بذلك الأنشطة التي يضطلع بها البنك الإسلامي للتنمية.
وتشمل أنشطة المؤسسة تنمية وتمويل التجارة البينية، وتفعيل الأثر التنموي لعمليات تمويل التجارة، وتعزيز قدرات الدول الأعضاء في مجال الصادرات.
والعمل على رفع نسبة التبادل التجاري بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي ودعم صادراتها، وتخفيف الأعباء الاقتصادية ومحاربة الفقر في الدول الأعضاء الأقل نموًّا، وتوفير المزيد من الموارد لتمويل الصادرات والاستثمارات، وتوفير الضمانات الضرورية للمساعدة على تعزيز وتوسيع التبادل التجاري بين الدول الأعضاء ويتكون رأس مالها من ثلاثة مليارات دولار أمريكي، ورأس مال مكتتب قدره 500 مليون دولار، وجاء ذلك خلال الاجتماع السنوي الحادي والثلاثين لمجلس محافظي البنك الذي عقد في مايو 2005 في الكويت، وهي ضمن مجموعة البنك الإسلامي للتنمية .
ثانياً: الأهمية الاقتصادية لقيام تكتل اقتصادي إسلامي
أ- أسباب ومبررات التكتل الاقتصادي
يستمد التكتل الاقتصادي الإسلامي مشروعيته من عناصر كثيرة أهمها: أن الدين الإسلامي دعا المسلمين إلى التعاون والوحدة والإخاء في مختلف جوانب الحياة ومنها النشاط الاقتصادي. حيث دعا الإسلام إلى حرية التبادل التجاري بين الدول الإسلامية وإلغاء الرسوم الجمركية، روى أحمد وأبو داود والحاكم عن عقبة بن عامر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: لا يدخل الجنة صاحب مَكْس، (والمكس دراهم كانت تؤخذ من التجار إذا مروا، وكانوا يقدرونها على الأحمال أو الرؤوس ونحو ذلك) ، ومنع فرض الرسوم على المبادلات التجارية بين الدول الإسلامية له ما يبرره، فهذا المال هو لمسلم ويخضع لالتزام مالي هو الزكاة، فإذا فرضت رسوم جمركية فإن هذا يعني تكرار فرض الالتزام المالي (الزكاة + الرسم الجمركي). وهكذا يصبح تشريع حرية التبادل التجاري بين الدول الإسلامية متعلقاً بالتكامل الاقتصادي الإسلامي، عندما ينطلق من أن الدول الإسلامية تعد بلداً واحداً، فلا تفرض رسوم عند عبور الحدود بين الدول الإسلامية، وهي من وجهة نظر الإسلام حدود غير شرعية.
ولا شك في أن الدول الإسلامية تعاني الكثير من المشاكل والصعوبات الاقتصادية، كما في باقي الدول النامية لذلك فهي بحاجة ماسة لإقامة تكتل اقتصادي عالمي فيما بينها، ومن ثم تكتسب الدعوة للتكتل الاقتصادي بين دول وشعوب العالم الإسلامي أهمية بالغة في الوقت الراهن وذلك للدواعي والمبررات التالية:
1- التكيف مع عولمة الاقتصاد والاستجابة لتحدياتها التجارية، والإنتاجية والتقنية. فالتقدم التقني أدى إلى الزيادة الإنتاجية كميًّا ونوعيًّا، مما ضاعف من حدة المنافسة الدولية في تسويق هذه المنتجات، ولا تستطيع الدول الإسلامية متفرقة -باعتبارها دولاً نامية- تنمية صادراتها بغير التعاون فيما بينها، وإقامة سوق مشتركة ومناطق تجارة حرة وتجمعات إقليمية، والانتظام في تكتل اقتصادي كبير.
2- مواجهة التجمعات الاقتصادية المتنافسة على الأسواق الدولية، والتي سيتعاظم تأثيرها ويقوى نفوذها في العالم؛ وهو ما يضيق من فرص الأسواق المتاحة للدول الإسلامية، ويضعف من قدراتها الجماعية التنافسية في الأسواق الخارجية.
3- تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتي تمثل مطلباً ضروريًّا للدول الإسلامية لكي تتمكن من استعادة مكانتها وترقية شعوبها، ولم يعد ذلك متيسراً في الظروف الإقليمية والدولية الراهنة، أو بالاعتماد على الخارج، فالدول الإسلامية يجب عليها أن تنظر إلى مصالحها في إطار منظومة تعاونية وتكاملية. وتعتبر الوحدة الاقتصادية في جميع صورها خطوات فعّالة للوصول إلى وحدة حقيقية للأمة الإسلامية، وتقوية أواصر الأخوة والتعاون بين دولها وشعوبها وتحقيق تقدمها ورفاهيتها.
4 اختلاف وتباين الموارد الطبيعية والبشرية التي تملكها كل دولة.
5ـ اختلاف الموارد المالية (دول تحقق عجزاً ودول تحقق فائضاً في موازينها التجارية).
6ـ ضيق حجم الأسواق الداخلية لكل دولة منفردة وعدم قدرتها على إقامة مشروعات حديثة وكبيرة الحجم.
7ـ ضعف المركز التفاوضي والتنافسي لهذه الدول في علاقاتها الاقتصادية الدولية.
8ـ انخفاض الإنتاجية، وشدة التبعية للدول المتقدمة.
9ـ تملك الدول الإسلامية حوالي 73,0% من الاحتياطي العالمي من النفط وتنتج 38,5% من الإنتاج العالمي. كما تملك حوالي 40% من الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي. يلاحظ أن 90% من صادرات هذه المواد تتم كمادة خام غير مصنعة.
10ـ تمتلك الدول الإسلامية مساحات كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة تصل إلى حوالي 80 مليون هكتار ولم يتم استغلالها حتى الآن، وتستورد الدول الإسلامية مواد غذائية من الخارج بمبالغ كبيرة جدًّا تزيد عن 35 مليار دولار سنويًّا .
11ـ تمتلك الدول الإسلامية فوائض مالية كبيرة قد تصل إلى أكثر من 800 مليار دولار مودعة في البنوك الغربية .
12ـ يمكن أن يلعب العامل الديني دوراً كبيراً في تآزر الدول الإسلامية من أجل التكامل الاقتصادي ومواجهة التحديات المشتركة التي تفرضها الظروف العالمية وبخاصة الاتجاه نحو التكتلات الاقتصادية الكبيرة والعولمة.
ب- خطوات ومراحل التكتل الاقتصادي
يمر التكتل الاقتصادي يبن مجموعة من الدول بأشكال ومراحل عديدة تبدأ المرحلة الأولى بالتفضيل الجزئي، ويقصد به مجموعة من الإجراءات التي تتخذها دولتين أو أكثر لتخفيف القيود المعرقلة لتبادل المنتجات فيما بينها، كأن تتفق دول منطقة معينة على إلغاء نظام الحصص الذي تخضع له المبادلات التجارية فيما بينها، مع إبقاء الرسوم الجمركية، أو أن تتفق دول معينة على أن يعطي بعضها بعضاً امتيازات جمركية متبادلة.
المرحلة الثانية - منطقة التجارة الحرة، وهي عبارة عن اتفاق بين دولتين أو أكثر يتم بموجبه تحرير التجارة الخارجية وإلغاء الرسوم الجمركية المفروضة على المبادلات التجارية فيما بينها، مع احتفاظ كل دولة بحريتها في فرض القيود أو الرسوم الجمركية في علاقاتها التجارية مع بقية دول العالم (غير الأعضاء في اتفاق منطقة التجارة الحرة). وتعد منطقة التجارة الحرة أحد صور التكامل الاقتصادي ومن الأمثلة البارزة لمنطقة التجارة الحرة، منطقة التجارة الحرة الأوروبية.
المرحلة الثالثة - الاتحاد الجمركي: اتفاق يتم بين دولتين أو مجموعة من الدول حول إلغاء الرسوم الجمركية على البضائع التي يتم مبادلتها بين دول الاتفاق. وهذا يعني أن تقوم الدول الأعضاء في الاتحاد الجمركي بتحرير التجارة الخارجية وإزالة القيود الجمركية على المبادلات التجارية فيما بينها، وتطبيق التعريفة الجمركية الموحدة والمشتركة على البضائع التي ترد إلى دول الاتحاد من الدول غير الأعضاء في الاتحاد.
ومن أهم مزايا الاتحاد الجمركي:
- يساعد على توسيع رقعة السوق بالنسبة لبضائع ومنتجات الدول الأعضاء في الاتحاد.
- يساعد على تقسيم العمل بين الدول الأعضاء في الاتحاد، بحيث تخصص كل دولة في إنتاج السلع التي تتمتع بميزة نسبية في إنتاجها.
ويعد الاتحاد الجمركي أحد صور التكتل الاقتصادي، ومن الأمثلة البارزة للاتحاد الجمركي (السوق الأوروبية المشتركة).
المرحلة الرابعة - السوق المشتركة، وهي عبارة عن اتفاق بين دولتين أو مجموعة من الدول يتم من خلاله إلغاء القيود على انتقال عناصر الإنتاج، كالعمل ورأس المال، وانتقال المنتجات والبضائع فيما بين دول السوق، وبذلك تكون الدول الأعضاء في الاتفاق سوق موحدة يتم في إطارها انتقال السلع والأشخاص ورؤوس الأموال بحرية تامة. وهي تعد أحد صور التكامل الاقتصادي. ومن الأمثلة البارزة على السوق المشتركة، (السوق الأوروبية المشتركة).
المرحلة الخامسة - الاتحاد الاقتصادي، وهو عبارة عن اتفاق بين دولتين أو مجموعة من الدول تتسع فيها إجراءات التكتل الاقتصادي إلى جانب ميزات السوق المشتركة فيما بين الدول الأعضاء في الاتفاق، لتشمل تنسيق السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية والسياسات الاجتماعية وتشريعات العمل والضرائب.
ويعد الاندماج الاقتصادي أعلى مرحلة من مراحل التكتل الاقتصادي، فهو يتضمن إضافة إلى ما نصّت عليه اتفاقية الاتحاد الاقتصادي والسوق المشتركة في المراحل السابقة، توحيد السياسات الاقتصادية كافة، وإيجاد سلطة إقليمية عليا، وجهاز إداري مسؤول عن تنفيذ هذه السياسات. وفي هذه المرحلة من التكامل الاقتصادي توافق كل دولة عضو على تقليص سلطاتها التنفيذية الذاتية وخضوعها في كثير من المجالات للسلطة الإقليمية العليا، وهذا يعني الوصول إلى التكامل الاقتصادي التام.
ج- أهمية التكتل الاقتصادي بين الدول الإسلامية
ومن الممكن أن يحقق التكتل الاقتصادي بين الدول الإسلامية العديد من المزايا أهمها:
ـ تقسيم العمل الإسلامي الدولي: وهذا يعني إقامة المشروعات الإنتاجية الضخمة على أساس التخصص والمزايا النسبية، مما يؤدي إلى رفع الكفاءة الإنتاجية وخفض التكاليف، وهذا يحقق مصلحة المنتج والمستهلك.
ـ اتساع السوق وإقامة مشروعات إنتاجية كبيرة: مما يؤدي إلى حدوث وفورات في الإنتاج وزيادة في المنافسة بين المشروعات التي كانت تقوم في أسواق تواجه صعوبات كبيرة في تصريف منتجاتها. كما أن اتساع السوق ينمي روح الإبداع والمبادرة والاهتمام بموضوع البحث العلمي والدخول في استثمارات هامة وكبيرة في مصلحة الجميع.
ـ زيادة إمكانية وحجم الاستثمار في ظل التكتل الاقتصادي الأمر الذي يؤدي إلى زيادة النشاط الاقتصادي وزيادة الدخول وبالتالي تزايد المدخرات التي تساعد على زيادة الاستثمارات.
ـ يؤدي التكتل الاقتصادي إلى حرية انتقال رأس المال والعمال من الدول التي تقل فيها الإنتاجية الحدية إلى الدول التي ترتفع فيها هذه الإنتاجية. وبذلك يكون انتقال رأس المال والعمال في مصلحة الدول المرسلة والدول المستقبلة، ويؤدي إلى زيادة الدخل الفردي في الدولتين.
ـ زيادة القدرة التفاوضية للدول الإسلامية في ظل التكتل الاقتصادي، الأمر الذي يؤدي إلى تحسين معدل وكفاءة التبادل التجاري مع الدول الخارجية. ويضع حدًّا لتقلبات الأسعار الخاصة بصادرات الدول الإسلامية ووارداتها والتي تحدث نتيجة التقلبات الدورية في مستوى التشغيل والإنتاج في الدول الصناعية المتقدمة.
إن المشروعات المشتركة وزيادة معدلات التبادل التجاري بين الدول الإسلامية وتنسيق خطط التنمية الشاملة فيما بينها قد يؤدي إلى تحقيق التكتل الاقتصادي ولابد من الإشارة إلى العامل السياسي والإرادة السياسية التي قد تؤدي إلى إعاقة التكتل الاقتصادي كما قد تؤدي إلى تحقيق التكتل الاقتصادي بين الدول الإسلامية.
ومن الأفضل التدرج في مراحل التكتل الاقتصادي بين دولتين أو مجموعة من الدول، ولكن هذا لا يمنع من تطبيق شكل متقدم من أشكال التكتل الاقتصادي دون المرور بتطبيق الشكل الأقل درجةً من درجات التكتل، كأن يطبق الاتحاد الجمركي دون المرور بمرحلة منطقة التجارة الحرة، أو تطبيق السوق المشتركة دون المرور بمرحلة الاتحاد الجمركي.
ويختلف التكتل الاقتصادي عن التعاون، لأن التعاون يعني تقليل التباين بين اقتصاديات دولتين أو مجموعة من الدول، في حين يتضمن التكتل إلغاء التباين أو التفاوت أو التمايز بين هذه الاقتصاديات إلغاءً تامًّا.
إن التكتل الاقتصادي بين الدول الإسلامية وقيام السوق المشتركة أصبح ضرورة ملحة من أجل دفع عجلة التنمية الشاملة نحو الأمام، ورفع المكانة السياسية والاقتصادية لهذه المجموعة من الدول. ويعد التكتل الاقتصادي من أفضل الوسائل لإنجاح عملية التنمية الشاملة.
ثالثاً: التحديات التي تواجه التكتل الاقتصادي الإسلامي
مع الاعتراف بأن هناك بعض القيود الدولية النابعة من البيئة العالمية، والتي تؤثر سلبيًّا على التفاوت الاقتصادي بين دول المؤتمر الإسلامي، خاصة في مجال التجارة البيئية، فإن العوائق الداخلية النابعة من دول المؤتمر الإسلامي نفسها وطبيعة نظرتها للمنظمة هي العوائق الأهم في هذا المجال؛ فلا يمكن إنكار أن التغيرات السياسية والاقتصادية العالمية في العقود الثلاثة الأخيرة، قد أدت إلى تآكل قدرة حكومات الدول الإسلامية والنامية عامة على تحديد وتقرير اتجاه الأحداث، وعززت القيود المفروضة على استقلالية صنع السياسة في هذه الدول، وزادت قابلية اقتصادياتها للتأثر.
كذلك لا يمكن إنكار أن الثورة التكنولوجية الهائلة قد ساعدت على تآكل المزايا النسبية التقليدية للدول النامية في العمل والمواد الأولية، ومن ثَمَّ أضعف من موقفها التنافسي في التجارة الدولية، والذي ساهم في إضعافه أيضًا ما أسفرت عنه دورة أورجواي من اتفاقيات وما أفرزته الإقليمية الجديدة من تجمعات تضم دول رئيسية في التجارة العالمية.
وأخيرًا لا يمكن إنكار الدور الذي تقوم به الدول الغربية للحيلولة دون الوصول إلى تكتل عربي إسلامي اقتصادي أو سياسي من خلال ما تطرحه من مبادرات مناقضة وهادمة لمثل هذا التكتل، ولكن على الرغم من كل ذلك تبقى المسؤولية الأكبر واللوم الأعظم واقعًا على دول المؤتمر الإسلامي ذاتها.
وهناك جملة من العقبات التي تعترض مسيرة الوحدة والتكتل الاقتصادي بين الدول الإسلامية منها ما هو سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي، لكن سنقصر الحديث هنا على العقبات ذات الطابع الاقتصادي والسياسي فيما يلي:
أ- عقبات ذات طابع اقتصادي
1. التباين الاقتصادي والفروق التنموية بين دول العالم الإسلامي، وذلك نتيجة تخلّف البنية التحتية في الكثير من هذه الدول، ونقص شبكات المعلومات؛ وهو ما يعيق الاتصالات المباشرة بين الدول الإسلامية لدرجة أن الصلات والمعاملات بين هذه الدول تمر عبر أطراف أخرى ربما في قارات متباعدة مثل: خدمات الاتصالات والنقل والخدمات المالية والمصرفية. ويشكّل ذلك عوائق حقيقية أمام المشروعات التعاونية والمشتركة ما لم يتوجه الجهد الوحدوي إلى التنمية الاقتصادية بصورة مباشرة ومكثفة.
2. التفاوت والاختلاف الشديد بين الدول الإسلامية في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. وعلى وجه الخصوص من النواحي السكانية والهياكل الاقتصادية والأنظمة الاقتصادية والسياسية ومستويات ومراحل التنمية الاقتصادية وحجم الموارد الطبيعية والعلاقات الدولية والاهتمامات والأولويات القطرية. فهناك دول مكتظة بالسكان، مثل: أندونيسيا التي يبلغ عدد سكانها حوالي 200 مليون، وباكستان، وبنجلاديش، ونيجيريا، أكثر من 100 مليون نسمة لكل واحدة منها. وهناك دول صغيرة الحجم، مثل: بروناي وسورينام التي يقل عدد سكانها عن 500 ألف نسمة .
أما من جهة الناتج المحلي الإجمالي فنجد مثلاً السعودية التي يصل ناتجها إلى 167 مليار دولار مقارنة بجزر القمر التي لا يتجاوز ناتجها 220 مليون دولار. ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي لأكبر 6 دول في العالم الإسلامي ما نسبته 52% من إجمالي الدخل في العالم الإسلامي (أندونيسيا والسعودية وماليزيا وإيران وتركيا ومصر) .
3. التباين والفروق في الهياكل الاقتصادية والبنية الإنتاجية بين الدول الإسلامية ينعكس على مستويات المعيشة والدخول. فهناك 22 دولة إسلامية تصنف ضمن الدول الأقل نمواً، وتعتمد على عدد محدود من السلع الزراعية والمنتجات الخام. ووفقاً لإحصاءات عام 2007 يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لدولة فقيرة مثل سيراليون 150 دولاراً، في أنه في قطر كدولة غنية يصل 27918 دولاراً. وينعكس التفاوت في مستويات الدخول على ميزان الموارد للعديد من الدول الإسلامية. معظم الدول الإسلامية لها ميزان سالب للموارد، وهذا يشير إلى أن الادخار الكلي أقل من الاستثمار الكلي، بمعنى أن المدخرات لا تكفي لسد الاستثمارات، وهذا يفسر المديونية المرتفعة التي تقع تحت وطأتها معظم الدول الإسلامية، حيث تمثل مديونية الدول الإسلامية 24.8% من إجمالي مديونية الدول النامية في عام 2007. ويؤدي ذلك في مجمله إلى تعويق التنمية الاقتصادية وإبطاء عجلة التعاون الاقتصادي، ويزيد من حدة المشكلات الهيكلية المزمنة التي يعاني منها كل اقتصاد على حدة .
4- التماثل النسبي في البنية السلعية للتجارة الخارجية للدول الإسلامية، وفي بنية القطاع الصناعي، فضلاً عن التباين في السياسات والتوجهات الاقتصادية. لذلك فإن العمل لتحقيق التعاون والتكتل الاقتصادي يتطلب إعادة النظر على نحو مشترك في السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية والتجارية المطبقة في كافة الدول الإسلامية إلى إصلاحات شاملة وأساسية.
5- قد يظن أن تماثل البنية السلعية للتجارة الخارجية والبنية الصناعية ربما يؤدي إلى تضارب مصالح بعض الفئات في البلدين في الأجل القصير. ومع الاعتراف بضرورة عدم القفز فوق هذه المصالح؛ فإنه من الأهمية بمكان العمل على توسيع قاعدة المصالح المشتركة من خلال تشجيع رجال الأعمال في الدول الإسلامية للقيام بمشاريع مشتركة تعزز التكتل الاقتصادي والترابط الاقتصادي بينها، وأن يتم التخصص الاقتصادي في الدول الإسلامية ليس حسب القطاعات وحدها بل داخل القطاع الواحد، بحيث يحفز هذا التخصص النمو والتكامل ويقلل التعارض وتضارب المصالح.
والواقع أن نجاح عملية التعاون والتكتل الاقتصادي يتوقف على قدرتهما على تحفيز الاستثمار الإنتاجي على تحول تكاملي وليس تنافسيًّا. ومن هنا تأتي أهمية توفر رؤية مستقبلية مشتركة للتنمية الاقتصادية، وضرورة وضع الاستراتيجيات واعتماد الآليات الكفيلة بتحقيق ذلك.
هذه العقبات الناجمة عن التباين والتفاوت الكبير في أوضاع الدول الإسلامية تمثل في حد ذاتها تحديات مباشرة أمام أي مشروع للعمل الاقتصادي المشترك؛ وهو ما يدعو على وجه السرعة إلى استنهاض الهمم بجدية تامة لإيجاد المتطلبات الضرورية لتحقيق التعاون والتكتل الاقتصادي بين الدول الإسلامية.
إن التكتل الاقتصادي ابتداءً من المراحل الأولية ووصولاً إلى مرحلة السوق المشتركة يستلزم توفير الشروط الأساسية كما يتطلب اتِّباع سياسة الخطوات المتدرجة دون القفز على المراحل؛ لأن التسرع واختزال الخطوات سيفضي إلى إجهاض المشاريع الوحدوية وإرباك خطتها دون الوصول إلى نتائج مثمرة في نهاية المطاف، فالوحدة في أي شكل من أشكال التكامل الاقتصادي تتطلب قدراً كبيراً من التقارب الاقتصادي وأرضية ثابتة من السياسات المشتركة.
6- اختلال هيكل الإنتاج: أحد العوائق الهامة التي تعوق تطوير العلاقات البينية التجارية والتكتل الإسلامي يتمثل في هيكل الإنتاج لدى دول منظمة المؤتمر الإسلامي، حيث تشير البيانات المتاحة إلى أن القطاع الخدمي يمثل نحو 44.2% من الناتج الإجمالي. وهو في الواقع قطاع غير ناضج وذو طبيعة جنينية في معظم الدول، ويبلغ نصيب الزراعة 38.9% وهو ما يوازي تقريبًا ضعف نصيب الصناعة .
فالزراعة تمثل القطاع السائد في كل الدول التي تصنف على أنها أقل نموًّا في إطار المنظمة، وذلك من حيث مساهمتها في التوظيف وتوليد العملة الأجنبية والدخل، أما بالنسبة للصناعة؛ فإن غالبية الدول التي تسود فيها الصناعة هي دول منتجة للبترول. ومن ثَمَّ كانت أهمية الأنشطة الصناعية المصاحبة لاستخراج ومعالجة البترول، حيث إن -ومع قليل من الاستثناءات- نصيب الصناعة التحويلية manufacturing من إجمالي الإنتاج الصناعي هو نصيب متواضع للغاية.
ونظرًا لطبيعة هذا الهيكل الإنتاجي؛ فإن غالبية دول المنظمة تشكل في النهاية دولاً منتجة للمواد الأولية، سواء كانت معدنية أو زراعية، ويترتب على ذلك أن قدرًا محدودًا من هذه المنتجات الأولية يصبح قابلاً للتصدير، مما يفرض قيدًا خطيرًا على العلاقات التجارية البينية مع الشركاء الآخرين داخل المنظمة، حيث تصبح دول المنظمة في النهاية غير قادرة على أن تقدم لبعضها بعضاً حاجاتها من السلع المصنعة المختلفة والمنتجات ذات التكنولوجيا المتقدمة.
ومن ثَمَّ، فإن التجارة الخارجية لهذه المجموعة من الدول يسيطر عليها -فيما عدا استثناءات قليلة- نمط يتمثل في تصدير المواد الخام واستيراد المنتجات المصنعة. وفي إطار هذا النمط تصبح الدول المتقدمة المصدرة للمصنوعات والمستوردة للمواد الأولية هم شركاء التجارة الرئيسيين للدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، ويساهم في الإبقاء على هذا النمط تخلف دول المؤتمر الإسلامي في المجال التكنولوجي، الأمر الذي يجعلها مستهلكة لإنتاج غيرها، ويضعف من قدرتها على المنافسة في الأسواق المختلفة سواء في داخل الدول الأعضاء أو في الأسواق العالمية.
إلى جانب ذلك؛ فإن طبيعة هياكل الإنتاج السائدة في دول المؤتمر الإسلامي ينعكس على مستوى الدخل ومستويات المعيشة لديها. ومن ثَمَّ يبرز التباين الواضح بين دول المجموعة، الذي ينعكس بدوره على نظرتها ورؤيتها لما يجب أن تكون عليه أنشطة التعاون بين دول المنظمة، فتشير الخبرة المتراكمة في هذا الإطار إلى أن الدول الفقيرة في منظمة المؤتمر الإسلامي تنظر إلى التعاون بالأساس من خلال زاوية المساعدات، في حين تنظر إليه الدول الغنية من زاوية الفوائد المتبادلة بما يشكل في النهاية عائقًا يمنع ويعوق المستويات الأكثر تقدمًا للتعاون.
7- انخفاض تدفقات العملات الأجنبية، كذلك يترتب على طبيعة الهياكل الإنتاجية السائدة أن مجموعة كبيرة من الدول الإسلامية تعاني من ضعف ومحدودية رصيدها من العملة الأجنبية؛ نتيجة اعتمادها على بيع عدد محدود من المواد الأولية. ومن ثَمَّ تصبح عملية تمويل تدفقاتها التجارية مشكلة حقيقية.
فهذه الدول عادة ما تواجه بمشكلات حادة في حساباتها الجارية وموازين مدفوعاتها ويترتب على ذلك تحويلات هامة في التجارة، حيث إن المقاولين والتجار من القطاع الخاص، والذين يمثلون قطاعًا سائدًا في ظل نظام التجارة الحرة، يرفضون الدخول في ترتيبات مدفوعات طويلة الأجل أو متوسطة الأجل مع الدول غير القادرة على تمويل تدفقاتها التجارية.
إن مشكلة التمويل، إذ تشكل قضية أساسية ومشكلة حقيقية تواجه توسيع التجارة البينية في إطار العالم الإسلامي، وعلى الرغم من الدول الذي يضطلع به البنك الإسلامي للتنمية في مجال التجارة البينية إلا أن الأمر يحتاج إلى المزيد. وهنا تصبح مساهمة مؤسسات التمويل الإقليمية والقومية بصورة أكثر إيجابية وفعالية أمرًا ضروريًا- كما سبقت الإشارة إليه.
وهذا الأمر ليس صعبًا في ضوء حقيقة مفادها أن الفوائض المالية لدى الدول العربية والإسلامية المودعة حاليًّا لدى البنوك بالولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية تقدر بحوالي 800 مليار دولار أمريكي، وأن هذه الأموال خاصة ببعض الدول البترولية التي لا تقدر على استيعابها داخل أوطانها، في الوقت الذي توجد فيه عدة دول إسلامية أخرى لديها الحاجة والقدرة على استيعاب واستغلال هذه الفوائض في مشروعات مختلفة.
في ضوء ما تقدم، يتضح أن هناك العديد من المعوقات ذات الطابع الاقتصادي التي تواجه التكتل الاقتصادي بين الدول الإسلامية، وتحول دون بلوغ المستوى المؤهل من العلاقات الاقتصادية لقيام وإنشاء سوق إسلامية مشتركة. ولكن في مواجهة هذه المعوقات يمكن تلمس مجموعة من الإمكانات التي تشكّل مقومات أساسية للنجاح في هذا المجال.
ب- عقبات ذات طابع سياسي
1- غياب الوعي بوجود الأمة: إن المشكلة الأولى التي تواجه التكتل الاقتصادي بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي وتشكل عائقًا حقيقيًّا أمامه، تتمثل في الافتقار إلى شعور بالوعي بوجود أمة إسلامية والانتماء إليها وغياب الإرادة السياسية.
فهذه الإرادة، إلى جانب الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، تمثل الأساس الطبيعي والضروري للتعاون متعدد الأطراف، والالتزام الأساسي بالتضامن الإسلامي الذي يقع في صميم التعاون بين الدول الأعضاء في المنظمة إنما يمثل القوة الدافعة لهذه الإرادة السياسية.
ومن ثَمَّ تشكل الإرادة السياسية العنصر الحاكم والشرط الضروري لنجاح تحول جهود التعاون والتكتل الاقتصادي المنشود بين دول المؤتمر الإسلامي إلى واقع ملموس، وذلك على عكس ما قد ينادي به البعض من ضرورة إبعاد السياسة عن التعاون الاقتصادي، حيث إن هذا التعاون يقف وراءه دائمًا قرار سياسي وإرادة سياسية. ومن ثَمَّ فإن غياب هذا العنصر النابع من الوعي بالتضامن الإسلامي من شأنه هدم أي محاولات حقيقية لتفعيل الآليات القائمة وتحقيق نتائج ملموسة.
2- مشكلات التنوع والانتشار الجغرافي: الاختلافات الواسعة فيما بين دول منظمة المؤتمر الإسلامي، التي صارت تضم أكثر من 56 دولة تقع في ثلاث قارات: أفريقيا وآسيا وأوروبا. إلى جانب هذا الانتشار الجغرافي الواسع، فإن المجموعة أيضًا تتسم بدرجة عالية من التنوع من حيث هياكلها الإنتاجية، وخلفياتها الإثنية ونظمها السياسية والاقتصادية ومستويات ومراحل التنمية الاقتصادية.
أيضًا؛ فإن هذه المجموعة تجسد اختلافات كبيرة من حيث علاقاتها الدولية والتزاماتها وميراثها الاستعماري. إن هذه الصورة، وخاصة تلك المتصلة بالعلاقات الدولية، يمكن أن تؤثر بشكل كبير في العمل الجماعي التعاوني في إطار المنظمة، فعلى الرغم من التزام دول المنظمة بقضية مشتركة تربطها بعضها مع بعض، فإنه عادة ما تبرز مواقف تتغلب فيها الالتزامات الدولية على أي التزام آخر تجاه المنظمة، ويبدو ذلك صحيحًا بصفة خاصة حينما يتعلق الأمر بنظام دولة معينة يعتمد بدرجة كبيرة للغاية على الدعم الغربي من أجل بقائه واستمراره.
في ظل هذه الأوضاع؛ فإن أي تحرك جماعي قد يكون من شأنه أن يعرض للخطر بعض المصالح الغربية، يتم عادة مقاومته من داخل المجموعة نفسها، ونظرًا للاختلافات في النظم الاقتصادية، والمصالح، والأولويات ودرجة الاندماج في النظام الاقتصادي الدولي، تبرز الاختلافات واسعة النطاق في الرؤى بشأن أفضل الطرق التي ينبغي ولوجها، وكيفية التعامل مع المشكلات والقضايا الاقتصادية الدولية، ومن ثَمَّ فإن هذا العامل يمكن أن يفسر إلى حد كبير التقدم المحدود والمعدل البطيء للتعاون الاقتصادي الإسلامي حتى الآن.
ويرتبط بذلك أيضًا ما تلعبه الخلافات السياسية ونشوب الصراعات والحروب بين الدول الأعضاء من دور سلبي في مجال العلاقات الاقتصادية عامة، والتجارية خاصة، وينبغي هنا ملاحظة أن هناك درجة عالية من التأثير والتأثر المتبادل بين هذه الخلافات السياسية من ناحية وضعف العلاقات الاقتصادية من ناحية أخرى، فكما أن الخلافات السياسية تضعف من هذه العلاقات الاقتصادية، فإن ضعف العلاقات الاقتصادية من شأنه أن يُبقي على هذه الخلافات السياسية ويعمقها، حيث ينعدم هنا الدافع الذي يمكن أن يقود هذه الدول إلى محاولة تسوية خلافاتها وتحسين علاقاتها، وتظل هذه الدول تدور في دائرة مفرغة من الخلافات السياسية وضعف العلاقات الاقتصادية.
3- نظرة الدول الإسلامية لدور منظمة المؤتمر الإسلامية: معظم الدول الأعضاء تشكل المنظمة بالنسبة لها مؤسسة فرعية، تظل أو تبقى ثانوية بالنسبة للمؤسسات والترتيبات الأخرى التي يقدرونها بدرجة أكبر بكثير. فمنظمة المؤتمر الإسلامي بالنسبة لمعظم أعضائها هي أداة سياسية ذات أهمية ثانوية، تستخدمها عندما تحتاج إليها من أجل ضمان تأييدها لقضايا ليست ذات صلة باهتمامات المنظمة، ولحسم مواقف نشأت في إطار المنظمة أو في إطار ظروف خارجة عن حدود نطاق وصلاحيات المنظمة.
والواقع أن طبيعة هذه النظرة تنعكس على الوضع المالي للمنظمة ككل ومؤسساتها بصفة خاصة، بما في ذلك السكرتارية العامة.
فالدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي يتوقعون أن تقوم المنظمة بعمل العديد من الأشياء لها في كل مجال، ولكنها في الوقت نفسه لا تريد أن تساهم بالكثير في ميزانيتها. وقد أصبح من قبيل القاعدة -لا الاستثناء- أن نجد دولاً كثيرة أعضاء تتأخر في دفع مساهماتها السنوية للمنظمة أو تدفعها بشكل غير منتظم. وعادة ما تصّوت الدول الأعضاء بشكل روتيني ضد أي زيادات بسيطة في الميزانيات السنوية والتي تمثل أمرًا حيويًّا لمواجهة الارتفاع المستمر في تكاليف البرامج والأنشطة القائمة.
مشكلة أخرى هامة، تتمثل في أن الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي ترفض الظهور كما لو كانت تريد قطع روابطها التاريخية القائمة مع شركائها الاقتصاديين في الغرب والنظام الاقتصادي العالمي ككل، ويعود ذلك إلى أن الكثير من الدول الإسلامية كانت مستعمرات سابقة لدول الغرب، وتشكّلت أنماط تعاملاتها الاقتصادية وخاصة التجارية وفقًا لهذه العلاقة. ومن ثَمَّ تجد هذه الدول أنه من الصعب قطع هذه الروابط الموروثة.
والواقع أن التعاون في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، سواء على مستوى المنظمة ككل أو في صورة برامج تعاون إقليمي، سوف يكون من شأنه استغلال المقدرات والموارد غير المنتفع بها، واستغلال فرص الاستثمار المتاحة، مما سيؤدي إلى زيادة الدخل وتوسيع الأسواق وتحقيق الرفاهية لدول المنظمة، وهذا من شأنه أن ينعش ويوسع من الروابط الاقتصادية التجارية مع الشركاء في الغرب، ولكن بعد أن تؤسس على أسس جديدة.
المبحث الثاني: صيغة مقترحة لقيام تكتل اقتصادي إسلامي
    من خلال تنمية التجارة البينية بين الدول الإسلامية
إن الأقطار الإسلامية بحاجة إلى التكتل الاقتصادي الموجب ذي منهج تنموي يرمي إلى إحداث تغيرات سريعة في أنماط الإنتاج من أجل تحقيق تكتل تدريجي وتوسيع التجارة الخارجية وتنويعها بين الأقطار الإسلامية، وبالتالي فإن العملية الجوهرية للتكتل هي عملية تغيير نمط التقسيم الإقليمي للعمل تغييراً يقوم على هيكل إنتاج متكامل إقطاعيًّا وإقليميًّا ويتفق مع أهداف المجتمعات الإسلامية الاقتصادي والحضارية، ويقضي هذا النوع من التكامل بإخضاع عمليات التنمية للتنسيق والتشاور المتبادل بين الأقطار بما يضمن أقصى تكامل مستطاع وأقل تنافر ممكن بينها.
أما إذا تم التخطيط للتنمية بمعزل عن بعضها بعضاً فإن منهج التكامل التنموي لا يعدو أن يكون اعترافاً بالواقع وتكريساً لما هو قائم، وبمقتضى هذا المنهج لا ينبغي النظر إلى التنمية في قطر إسلامي ما بمعزل عما يجري في الأقطار الإسلامية الأخرى، بل يجب أن تعامل ضمن إطار متفاعل من التأثيرات المتبادلة بينها وبين غيرها من عمليات التنمية التي تجري في الاقتصاديات الخارجية.
يعد خيار التكتل الاقتصادي عبر التنمية من أكثر الخيارات ملائمة للعالم الإسلامي؛ لأنه يؤسس للتعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية من المنظور التنموي الذي يربط بين التجارة والإنتاج والاستثمار في منظومة تكاملية واحدة كنموذج للوحدة الاقتصادية الإسلامية، بمعنى أن التجارة الحرة المشتركة تقوم على سياسات إنتاجية واستثمارية وجمركية مشتركة، وتستند على سياسات مشتركة ومتناسقة في مجالات: التوظيف والضرائب والرسوم والمساعدات والأسعار والصرف والملكية والعملة والضمان الاجتماعي.
أ- كيفية تنمية التجارة البينية الإسلامية
1- تحرير التجارة: وتتوفر هذه البيئة عندما توافق جميع الدول الإسلامية على إزالة كافة الحواجز والقيود الجمركية وغير الجمركية أمام تدفق السلع والخدمات وتطبق نوعاً من السياسة الجمركية الموحدة تجاه الدول غير الأعضاء.
بمعنى أن السلع والخدمات التي يعد مَنْشؤُها دولة إسلامية سيتم تبادلها في أسواق جميع الدول الإسلامية بحرية تامة. بينما السلع والخدمات الأجنبية يتم التعامل معها بوضعية أخرى. هذا يعني حماية الصناعات المحلية للدول الإسلامية من المنافسة الأجنبية.
2- تحسين المنتجات في دول العالم الإسلامي وتقوية أوضاعها التنافسية، وستؤدي السياسات التجارية والمزايا نتيجة السوق المشتركة إلى زيادة حجم التجارة الخارجية بين الدول الإسلامية، وبالتالي زيادة الطاقة الإنتاجية وزيادة الطلب على المنتجات الصناعية لهذه الدول، وتستطيع تعظيم منافعها من تحرير التجارة داخل التجارة البينية أكثر من تحرير التجارة على المستوى العالمي.
3- حرية انتقال عوامل الإنتاج: وهذا يؤدي إلى اتساع وزيادة الإنتاج؛ وهو ما يعني زيادة الاستثمارات، وتستوعب الطاقات الإنتاجية، ويمكن توظيف الموارد الاقتصادية لأكثر استخدامات الموارد نفعاً وتخصيصها بطريقة مثلى. ويعني هذا أن الموارد الاقتصادية خصصت بكفاءة؛ وهو ما سينعكس على زيادة الكفاءة والإنتاجية والقدرة التنافسية للعالم الإسلامي.
وهذا من جهة ثانية يتيح للدول الإسلامية الاستفادة من الحجم الكبير والتخصص والمزايا النسبية في التجارة واقتصاديات الحجم الكبير، وستؤدي المنافسة بين الشركات المحلية في العالم الإسلامي إلى الجودة الإنتاجية والتجمع في شكل شركات كبيرة ومندمجة لمواجهة الشركات الأجنبية.
4- الخطوات التنسيقية: وتشمل المجالات التشريعية والقانونية والنقدية والمالية والإدارية والتجارية. إن المستوى الجيد من تنسيق السياسات المالية والنقدية والصناعية والتجارية بين الدول الأعضاء سيساعد في قيام تجارة بينية قوية ومستدامة، خاصة عندما يقبل الأعضاء بتطبيق قواعد ونظم موحدة للتجارة والإنتاج والاستثمارات، وهذه ليست مهمة سهلة بين 57 دولة وتحتاج إلى أطر مؤسسية راسخة، وسياسات مرنة وفعالة.
ولا بد من إجراء إصلاحات اقتصادية هيكلية في الأجل الطويل، وأخرى في الأجلين القصير والمتوسط لحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في العالم الإسلامي.
5- التدرج في تنفيذ التكتل الاقتصادي: حيث إن نجاح التجارة البينية الإسلامية وأي مشروعات للتكامل الاقتصادي تعتمد بالدرجة الأولى على الالتزام السياسي لكل دولة إسلامية والوفاء بتعهداتها في تطبيق ما يتفق عليه من خطوات التكتل الاقتصادي، وأن تتنازل الدول عن مصالحها القطرية الآنية في سبيل تحقيق مصالح الأمة، والتي هي من مصالح الدول جميعها.
6- الاستثمار هو الحل الأمثل والطريق الأسرع لقيام التكتل الاقتصادي، ولعل الدليل على ما قد تتعرض له الدول المنفردة من مخاطر ما أكدته الإحصائيات الدولية على نسبة الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي حيث بيّنت أن جميع البلدان النامية مع أنها تمثل 18.4% من حجم السكان في العالم إلا أن نسبة الاستثمار فيها لا تزيد عن 37% وفي الوقت نفسه نجد الدول الصناعية على غالبية الاستثمار العالمي مع أن سكانه لا يتجاوز عددهم 14.7% فقط وهذا يؤكد أن اقتصاديات العالم -في ظل ما يعرف بالعولمة- يقوم على الاحتكار وليس على المنافسة الكاملة كما يروّج المستفيدون.
ومما يلحق بالاستثمار: تعزيز القدرة التنافسية، ذلك بأن المنافسة أمر جيد ومحرك أساسي للتقدم، فينبغي أن تقوم هذه المنافسة لا على أساس الأسعار فحسب، بل تتعداه إلى الجودة الشاملة، والارتقاء بالمواصفات المعيارية للسلع والخدمات العربية والإسلامية، بالإضافة إلى تطوير القدرات الإدارية، والتأكيد على الابتكار، والتميز الصناعي، وعلى دولنا الاستفادة من فترات السماح التي تتيحها مبادئ تحرير التجارة العالمية.
ولا شك في أن المنافسة -اليوم- غير متكافئة، لأنها بين قوي مؤهل وضعيف أعزل في صراع حسمت نتيجته من قبل اللقاء، فالشركات العابرة للقارات جادة في منافستها، ذلك بأن هدفها الربح، والربح وحده ولو على حساب القيم وسحق الضعيف، ولا تألو جهداً في البحث عن كل عمل يحقق هدفها، ولا أدل على ذلك مما تقوم به بعض الشركات العملاقة من تجسس على الشركات المنافسة لها من أجل معرفة نقاط الضعف فيها، ومن ثم القضاء عليها، ومع كل ذلك يظل الواجب على الدول الإسلامية دخول هذه المنافسة الواسعة الأبواب التي طرحت كشعار سوقي للعولمة، ولا يتم ذلك إلا بالتكتل والتعاون الذي من مظاهره إقامة سوق إسلامية مشتركة.
7- دور تطوير التنمية البشرية من أيد عاملة وعقول مفكرة، وهي نوعان: موارد بشرية فاعلة (ما بين 15 إلى 65 عام) وهي التي تساهم بشكل مباشر في إحداث التنمية الاقتصادية وتساعد على قيام السوق المشتركة. وموارد بشرية كامنة وهي ذخر الأمة وعدتها المستقبلية، وهم ما دون الخامسة عشرة -والطفل الصغير- وإن لم يساهم في التنمية فإنه يعتبر منتجاً بمساهمته في إدخال السعادة على والديه مما يساهم في زيادة محصلتهما الإنتاجية والاقتصادية، وقد تزايد سكان العالم الإسلامي حتى وصل إلى أكثر من 1.25 مليار مسلم عام 2007، ومن ثم فإنه من المهم الاهتمام بالعنصر البشري وتنميته.
ومن ثم فالعالم الإسلامي لم يستعد بما فيه الكفاية لمواجهة التحدي الذي يفرضه عليه التقدم العلمي والتكنولوجي العالمي. فأعداد الكفاءات العلمية والتقنية غير كافية، والموارد المالية المرصودة للتعليم والبحث والتنمية أقل بكثير من المستويات المطلوبة، والتنمية الاقتصادية، والمقدّرة على أساس مؤشر التنمية البشرية، دون المعدل العالمي بكثير.
ثم إن الاهتمام بالعلوم والتكنولوجيا لم يبدأ إلا مؤخراً، ومن ثم فإن الاهتمام بالعنصر البشري هو أهم أركان رفع القدرات التنافسية للدول الإسلامية ومن ثم المساهمة في زيادة التجارة البينية الإسلامية والتحول إلى التكتلات الاقتصادية بدلاً من الانفرادية في الأداء الاقتصادي.
8- ضرورة المحاولات للاكتفاء الذاتي العربي والإسلامي أو الاقتراب منه، وخفض نسبة الاعتماد على العالم الخارجي في استيراد السلع اللازمة للسوق المحلية العربية والإسلامية، ومن ثم فلابد من أن تكون الأولوية للزراعة من جانب، وإقامة الصناعات التخصصية من جانب آخر، فلابد من زيادة حجم المساهمات لتمويل المشروعات الإنتاجية في الدول الإسلامية لتحقيق الأمن الغذائي فلا تحتاج إلى استيراد الأغذية من الخارج، وذلك بتشجيع الإنتاج الزراعي العربي والإسلامي إذ إن الإنتاج الزراعي العربي -على سبيل المثال- يتراوح بين (5 - 20%) من احتياجات الوطن العربي من الغذاء، والباقي يُستورد من الخارج إذ تصل قيمة الفجوة الغذائية العربية إلى (13) مليار دولار سنويًّا( .
9- توسيع نطاق التجارة البينية بين الدول الإسلامية، إذ إن انضمام الدول بعضها إلى بعض في سوق مشتركة يعني فتح أسواق جديدة أمام منتجات كل دول الأعضاء في السوق المشتركة، ومن ثم فإن انتشار المنافسة في أسواق دول الأعضاء بالسوق المشتركة وما يعتريه الخمول والكساد في سوق قد يكون له رواج في سوق آخر. أيضاً تحفيز القطاع الحاضن للمساهمة في المشروعات الإسلامية المشتركة والحد من تسرب الأموال الإسلامية نحو الدول الأجنبية، والدخول في التمويل المشترك لمشروعات التنمية الكبرى التي قد تفوق قدرات الدولة الواحدة كاستصلاح الأراضي وزراعتها والصناعات الثقيلة والمعلوماتية والاتصالات.
10- استثمار الموارد الطبيعية، فبالتجارة البينية الإسلامية تتمكن الدول الأعضاء من استثمار مواردها الطبيعية بشروط أفضل مما لو اضطرت إلى التعاقد مع مستثمر قوي يفرض عليها شروطه؛ لأنها في الوضع الأول تكون مطمئنة إلى أن مواردها الطبيعية لن تخرج عنها إلا لتعود، وذلك لوحدة الهدف الذي يربط بين الدول الإسلامية، ولتبادل المنافع المشتركة بينها. ولابد من تشجيع الاستثمارات بين الدول الإسلامية بدلاً من الاستثمارات في البلدان الغربية، وذلك بتشجيع انتقال رؤوس الأموال والعمالة المدربة والخبرات والتكنولوجيا بين الدول الإسلامية.
11- تشجيع التكتلات الصغيرة القائمة كدول الخليج العربي، أو دول المغرب العربي؛ ذلك بأن المشروعات الاقتصادية المشتركة بين الدول الإسلامية تعدّ حجر الأساس في بناء صرح التكتل الاقتصادي، فهي تشكّل مقدمة مهمة لانفتاح هذه الأسواق وانخراطها في سوق عربية مشتركة لتنتهي إلى سوق إسلامية مشتركة. وفي هذا الإطار وقّع البنك الإسلامي للتنمية مذكرة تفاهم مع منظمة التعاون الاقتصادي وقدّم مساعدات مالية للمنظمة لتنفيذ مشروعات في مختلف المجالات.
فعلى الصعيد الإفريقي يتعاون البنك مع كل من اتحاد المغرب العربي، والاتحاد الاقتصادي لدول غرب إفريقيا مع السوق المشتركة لدول إفريقيا الشرقية والجنوبية (الكوميسا) في تحقيق أهداف الاتحاد الاقتصادي الإفريقي، وخاصة فيما يتصل بتبادل التجارب والخبرات. ويتعاون البنك كذلك مع منظمه المؤتمر الإسلامي والمؤسسات التابعة لها والأجهزة المتخصصة المنبثقة منها، ومع الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة التي مقرها في كراتشي بباكستان. كما شرع البنك الإسلامي في تنفيذ برنامج المساعدة الفنية -واسع النطاق- لمساعدة الدول الأعضاء في مواردها المؤسسية والبشرية.
12- للتشجيع على إقامة مناطق حرة بما تمثّله هذه المناطق من تدرج إيجابي قد ينتهي بسوق إسلامية مشتركة عبر جدولة زمنية محددة إذا صح القصد وصدق العزم، ولا يقتصر الأمر على تشجيع الدول في المساهمة في هذه المناطق، بل يتعداه إلى أمرين آخرين:
أحدهما: العمل على إزالة العقبات والمعوقات التي تواجه هذه الخطوات المباركة، التي من أبرزها القيود الجمركية وأحياناً غير الجمركية، والحرص على الشفافية.
وثانيهما: إبراز المنافع والمصالح العامة والخاصة التي تحققها هذه المناطق، فهي تعود بالفائدة على الجميع تجاريًّا واقتصاديًّا، بالإضافة إلى زيادة حجم الاستثمارات المشتركة بما تثمره هذه الاستثمارات من خير على العمالة الإسلامية وعلى التنمية بشكل عام. وبموجب هذه المناطق الحرة يمكن أن يتحرر انتقال الأشخاص ورأس المال بين الدول الإسلامية، وآنذاك تبدأ الخطوات نحو السوق المشتركة والتكتل الاقتصادي.
13- الحرص على توجيه الدول الإسلامية نحو تعميق مبدأ التخصص، أي بأن تتخصص كل دولة في المجال الذي تتمتع فيه بالمزايا النسبية المتمثلة فيما توفر لديها من عناصر الإنتاج. والتخصص هو توجيه الموارد والإمكانات الاقتصادية في مجال واحد أو مجالات محصورة، (وإيلاء الأفضلية لمشروع تكون الدولة متمكنة منه حتى يتم لها التوفيق بهذا الحقل وتحقق الغاية المنشودة منه، وتكون أقدر من غيرها على تطوير برامجها وتحسين إنتاجها بشكل تكون فيه أفضل من غيرها).
والتخصص يحقق للدولة القوة في الحقل الذي هي أقدر فيه من غيرها، ويجمع لها جهود فلا تتوزع في سبل متعددة قد لا تصل في مجموعها إلى الذروة، بخلاف ما لو حصرت جهدها في سبيل واحد أو سبل محددة، فإن المردود يكون أوسع وأكثر فائدة، ولا يأتي هذا إلا بالتنسيق والتعاون التجاري بين الدول الإسلامية.
14- تشجيع التجارة البينية بين الدول الإسلامية لأنها تعكس حجم الروابط القائمة بينها، فعلى قدر حجم هذه التجارة على قدر العلاقة القائمة فيما بينها، فإذا كانت التجارة قوية كانت العلاقة قوية ومتينة، وإذا كانت التجارة ضعيفة كانت العلاقة ضعيفة. ومن المسلَّم به أن التبادل التجاري بين الدول الإسلامية ضروري وحيوي.
ويؤدي حتماً إلى تخفيف الارتباطات مع الدول الأجنبية؛ إذ إن التكتلات الدولية في العصر الحاضر تعمل على تبادل المنافع فيما بينها وقصرها على أعضائها دون غيرهم، ويعد ذلك محوراً من أهم محاور التكامل الاقتصادي، وخطوة من أسرع الخطوات المتبعة لإقامة سوق إسلامية مشتركة.
وهناك إدراك بين الدول الإسلامية بأهمية التكتل، وأن يتم ذلك وفق التدرج والواقعية المطلوبة لذلك، وتطبيق سياسة الخطوة فخطوة على أساس التكامل الإقليمي.
وهناك أكثر من ثلثي الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي داخلة في ترتيبات تجارية إقليمية ومنظمات أخرى، وهي مفيدة بحيث ستؤهل الدول الإسلامية للدخول تحت سقف تكتل إقليمي أكبر وتزيد من حجم التعاون التجاري والاقتصادي بين الدول الإسلامية. ويلاحظ أن الدول العربية والإفريقية لها أكثر من عضوية في تجمعات قطرية وشبه إقليمية، وسيستفاد من ذلك في التجربة بتفادي الأخطاء وتقوية التعاون المشترك بين الدول الإسلامية.
إن التجارة البينية الإسلامية ستؤدي بلا شك في الأجل الطويل إلى الاستقرار والازدهار والسلم والأمن للدول الإسلامية على المستوى الإقليمي، وسيزيد ذلك من رفاهية العالم الإسلامي بمزيد من الإنتاج والاستثمارات وزيادة الدخول واستدامة النمو الاقتصادي وجلب الاستقرار والسلام في ربوع العالم الإسلامي.
ويمكن أن تبدأ التجارة البينية الإسلامية المشتركة بإنشاء مشروعات ثنائية مشتركة بين دولتين أو أكثر أو بين مجموعات كالسوق الخليجية أو السوق المغربية أو السوق العربية لتنتهي بالسوق الإسلامية المشتركة.
ب- ماذا يعنى قيام تكتل اقتصادي بين الدول الإسلامية؟
يؤدي التكتل الاقتصادي الإسلامي إلى توزيع المنافع الاقتصادية بين الدول التي دخلت في برنامج التكتل، كما أن ذلك سبيل إلى تحقيق الاستفادة من المزايا النسبية المتوافرة في كل دولة، مما ينتج عنه زيادة الإنتاجية واتِّساع نطاق التبادل التجاري بين هذه الدول. ويمكن إيجاز أبرز منافع التكتل الاقتصادي في النقاط الآتية:
1- اتِّساع نطاق السوق مما ينتج عنه زيادة القوة التفاوضية مع التكتلات الاقتصادية الأخرى، بالإضافة إلى وفورات الإنتاج الداخلية والخارجية، أو ما يسمى اقتصاديات الحجم الكبير؛ وذلك لأن من أعقد المشكلات التي تواجه التوسع في الإنتاج وزيادة الكفاءة الإنتاجية هي ضيق السوق. ولذا فإن اتساع السوق واندماج الأسواق الوطنية يؤدى إلى مزيد من التخصص وتقسيم العمل بين الدول المتكاملة وفق المزايا النسبية الحقيقية، وهذا يترتب عليه أو ينتج عنه رفع الكفاءة الإنتاجية وزيادة المقدرة على المنافسة الدولية.
2- ارتفاع معدل النمو الاقتصادي وزيادة مستوى التشغيل والإنتاج، ذلك أن التكتل الاقتصادي سينعكس إيجابيًّا على التوقعات المستقبلية لمتخذي القرارات الاستثمارية، فاتِّساع الأسواق يؤدي إلى زيادة ثقة المستثمرين في تصريف الإنتاج، مما يؤدي إلى زيادة الاستثمارات، فزيادة الدخول، ومن ثم زيادة الطلب الفعّال، وزيادة التوظيف، مما ينعكس في النهاية على معدل النمو الاقتصادي بالارتفاع. وهذا بخلاف الأثر غير المباشر أو الارتدادي على انسياب رؤوس الأموال الأجنبية إلى داخل الدول الإسلامية، مما يترتب عليه ارتفاع إضافي في مستوي الاستثمار والتشغيل، وكذا نقل الأساليب الفنية الحديثة.
3 – تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة في الدول المتكاملة، ذلك أن التكتل الاقتصادي يستهدف إزالة كافة القيود المعوّقة لحرية انتقال عناصر الإنتاج بين الدول المشتركة في التكامل، وينتج عن ذلك الاستفادة الجماعية المثلى من تنوع الموارد الطبيعية والمالية والبشرية، مما يمكّنها من تحقيق التنمية الاقتصادية.
4 - تنويع سلة الإنتاج والصادرات السلعية والخدمية في إطار من التنسيق بين الدول المشتركة في برنامج التكتل.
5 - زيادة التجارة البينية بفعل الترتيبات التكاملية بين الدول المشتركة في التكتل الاقتصادي، مما يؤدى إلى تحسين معدلات التبادل الدولي لصالح هذه الدول، وهذا يؤدي إلى:
- انخفاض الاعتماد على الدول الأخرى (خارج التكتل) في التجارة الخارجية، مما يعني انخفاض درجة التبعية الاقتصادية للعالم الخارجي، ومن ثم انخفاض مخاطر التقلبات والتذبذبات في أسعار الصادرات والواردات.
- التعامل مع الشركات متعددة الجنسية كجبهة إسلامية واحدة، أو كقوة أو كتلة اقتصادية واحدة، وليس كدول هامشية ضعيفة.
- المشاركة في صنع القرارات داخل المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية، بدلاً من وضعها الحالي والذي لا يعدو كونها متلقياً ومنفذاً للسياسات التي تفرضها هذه المؤسسات، وذلك على الرغم من عدم مراعاة هذه السياسات في كثير من الأحيان للأوضاع والظروف الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بالدول الإسلامية.
- التعامل الانتقائي مع العولمة الاقتصادية بما يخدم أهداف وتوجهات ومصالح الدول الإسلامية المشتركة في برنامج التكامل الاقتصادي، ومقاومة حالات الاندماج اللاإرادي في الاقتصاد العالمي.
- الاستفادة من الاستثناءات الممنوحة للتكتلات الاقتصادية والمنصوص عليها في اتفاقية منظمة التجارة العالمية، بما يساعد على مواجهة العولمة الاقتصادية وعدم استقطاب الدول الإسلامية داخلها.
نتائج ومقترحات الدراسة
1- إن التبادل التجاري بين معظم الدول الإسلامية ما يزال ضعيفاً. ويجب ألَّا تقودنا هذه النتيجة السلبية إلى القول بأن التكامل الاقتصادي بهدف الوصول إلى مراحل متقدمة من التكامل غاية صعبة المنال، وإنما يجب العمل المتواصل لإيجاد الوسائل الممكنة لتقوية الاقتصاديات القطرية، ووضع الخطوات الضرورية للتكامل الاقتصادي موضع التنفيذ.
2- ينبغي أولاً السعي إلى منطقة التجارة الحرة والتدرج بعدها إلى مستويات أرقى من التكامل تتمثل في إنشاء اتحاد جمركي وصولاً إلى السوق المشتركة كهدف منشود على المدى الطويل.
3- إن التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية ضرورة تقتضيها ظروف العصر، وهدف استراتيجي يقتضيه واجب التضامن بينها، داعياً إلى توظيف الموارد البشرية والمادية الضخمة التي تمتلكها الأمة لتحقيق تنمية مستدامة تقوم على العدالة وتكافؤ الفرص والعمل المتقن.
4- تطوير الميزات النسبية التي هي أساس تقسيم العمل عن طريق التنمية التي تعني في المقام الأول إيجاد ميزات نسبية جديدة، وتنويع فروع الإنتاج آخذة في الحسبان أن العالم الإسلامي يتكون من أقاليم اقتصادية واجتماعية لكل منها خصائص ذات مزايا نسبية مؤاتية لتطبيق مبدأ التخصص التكاملي عبر التنمية، بحيث يتخصص الإقليم بالفروع الإنتاجية الأكثر جدوى للاقتصاديات الوطنية والعالم الإسلامي ككل.
5- تغليب عنصر التجارة البينية الإسلامية تصديراً واستيراداً على الهيكل الجغرافي الحالي للتجارة المتجهة نحو أسواق الدول الصناعية المتقدمة، وتقتضي زيادة المبادلات فيما بين الأقطار الإسلامية -في الفترة القصيرة- تحرير تنظيماتها التجارية من القيود الاحتكارية، والمعاملات التمييزية، واتِّخاذ سياسات وتدابير محدَّدة من شأنها توسيع وتنمية المبادلات التجارية تدريجيًّا.
الاهتمام بقيام المشروعات المشتركة التي تُسهم في كل منها الأقطار الإسلامية المعنية ويشارك في تمويلها البنك الإسلامي للتنمية.

الملحق جدول رقم (1)
حصص التجارة الإسلامية المبادلة
بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي %
السنوات 1969 1975 1985 1990 1995 2000 2005 2007
الصادرات
 5.9
 6.2
 7.4
 8.6
 8.7
 9.1
 11
 13

الواردات 8.2 10.3 13.4 8.2 7.6 12.4 10.5 9.5

المصدر: مجلة التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية، (2007)، السوق الإسلامية المشتركة: التكامل التدريجي والنتائج المتوقعة، مركز الإحصاء الاقتصادي والبحوث الاجتماعية والتدريب، أنقرة، تركيا،ص 16.

 

آخر الإصدارات


 

الأكثر قراءة