شعار الموقع

مؤتمر: مستقبل الأمة الإسلامية

محمد دكير 2004-10-14
عدد القراءات « 631 »

 عقد المجلس الأعلى المصري للشؤون الإسلامية مؤتمره العام الخامس عشر هذه السنة في ظروف استثنائية ومتغيرات عاصفة تمرّ بها الأمتان العربية والإسلامية.
وقد أثرت هذه المتغيرات في مجمل فعاليات المؤتمر بدءاً من العنوان ووصولاً إلى المحاور التي ناقشتها الأوراق المقدمة من الباحثين والمشاركين.

عُقد المؤتمر تحت عنوان (مستقبل الأمة الإسلامية) وشارك فيه ممثلون عن 70 دولة عربية وإسلامية، بالإضافة إلى ممثلين عن 6 منظمات إسلامية عالمية وممثلين عن الجامعة العربية، وعدد من أساتذة الجامعات المصرية وعلماء الأزهر وشخصيات سياسية عربية وإسلامية، وذلك في القاهرة بين 9-12 أيار (مايو) 2003م.

وخلال 11 جلسة عقدت في أربعة أيام ناقش المشاركون أربعة محاور أساسية هي:

المحور الأول: المستقبل الحضاري، وقد عالجت الأوراق المقدمة في هذا المحور مجموعة من القضايا مثل: خصوصية الحضارة الإسلامية، التفاعل الحضاري في التاريخ الإسلامي، التجارب الحديثة في التفاعل مع الحضارة الغربية، مستقبل الحضارة الإسلامية في ظل العولمة.

المحور الثاني: المستقبل الاقتصادي، وناقش المواضيع التالية: المستقبل الاقتصادي للعالم الإسلامي في ظل العولمة، التكامل الاقتصادي بين العالم الإسلامي (الموارد الطبيعية والبشرية)، التجارة البينية والخارجية، واقع الصناعة في العالم الإسلامي وآفاق المستقبل، الإمكانات الزراعية والمائية في العالم الإسلامي: الواقع والمستقبل، التكتلات الاقتصادية في العالم الإسلامي: الواقع والمأمول، استثمار الفوائض النقدية في العالم.

المحور الثالث: المستقبل السياسي، وتناول: التكامل السياسي بين دول العالم الإسلامي، دور التشريع في التكامل السياسي للعالم الإسلامي، المنظمات الإقليمية: رؤية تقويمية، الشورى كأساس لنظام الحكم في العالم الإسلامي، الرؤية الإسلامية لحقوق الإنسان، التنوع الديني والمذهبي في العالم الإسلامي وآثاره.

المحور الرابع: المستقبل الاجتماعي، وقد عالج مواضيع مثل: دور الوقف في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، الجمعيات الأهلية، مشكلات اجتماعية (الأمية، البطالة، المخدرات.. الخ)، نظام الأسرة في ظل العولمة.

الجلسة الافتتاحية:

انطلقت أعمال المؤتمر بكلمة الرئيس المصري محمد حسني مبارك التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية نيابة عنه الدكتور عاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء، فأشار في البداية إلى الظروف البالغة الدقة والحساسية التي يعيشها العالم الإسلامي على جميع الأصعدة، والآثار البعيدة المدى التي ستتركها الأحداث الراهنة على مستقبل الأمة، مؤكداً على أهمية أن تكون للمسلمين وقفة مع النفس للمراجعة وإعادة النظر، على أن تتسم هذه المراجعة بالصراحة والوضوح للكشف عن جوانب القوة وجوانب الضعف في عمل الأمة، والمعالجة الحقيقية للتحديات التي تواجهها في الوقت الراهن.

وأشار الرئيس المصري كذلك إلى أن البحث في مستقبل الأمة الإسلامية يتطلب الأخذ بعين الاعتبار مجموعة من المعطيات والاعتبارات المهمة هي:

أولاً: الاهتمام بالبحث العلمي والاستفادة من المنجزات التكنولوجية في مجال التطوير والتنمية الشاملة.

ثانياً: أهمية الوعي بالمتغيرات الدولية والأوضاع الجديدة التي طرأت على العالم المعاصر، وتأثيرها على الأمة الإسلامية.

ثالثاً: الوعي بأن تعمير الأرض والنهوض بمستوى الشعوب الإسلامية، يعتبر فريضة إسلامية وتكليفاً إلهياً لا يقل شأناً عن بقية التكاليف الأخرى.

رابعاً: ضرورة التزام أفراد الأمة بقيم الإسلام الدافعة لتقدم المجتمع، بما فيها الوعي بقيمة الوقت والعمل الجاد والارتباط المتين بين العلم والعمل والقول والفعل.

خامساً: لن تتحقق للإرادة الإسلامية القوة والمنعة إلا إذا كان للمسلمين تجمع اقتصادي قوي قادر على المنافسة عالمياً.

وأخيراً أكد الرئيس مبارك على أهمية العمل للتغلب على الخلافات التي تضعف الأمة الإسلامية وتضر بمصالحها.

ثم وجه د. محاضير محمد رئيس وزراء ماليزيا كلمة إلى المؤتمر ألقاها مستشاره د. عبد الحميد عثمان أشار فيها إلى الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة الإسلامية في الوقت الراهن، بسبب كثرة النزاعات والخلافات وانتشار المفاهيم المتزمتة التي تحصر الإسلام في طقوس العبادات فقط، والترويج للتواكل والأفعال السلبية التي تحول دون التقدم والرقي واكتساب وسائل القوة والمنعة، مؤكداً أن الدفاع عن الأمة الإسلامية يتطلب الاهتمام بالعلوم التطبيقية وسائر المعارف الضرورية لإنشاء القوة الاقتصادية والعسكرية، بالإضافة إلى التمسك بالقيم الإسلامية العليا الداعية إلى العدل والأخوة الإسلامية وتغيير ما بالأنفس وإعداد القوة على جميع الأصعدة.

تحدث كذلك الدكتور محمد حمدي زقزوق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المصري، فقال: إن الأمة الإسلامية لديها رصيد من العطاء الحضاري ضخم ومشرّف، ومع ذلك فإنها تجد نفسها في ظل هذه الظروف القاسية غير قادرة على التغلب على التحديات التي تواجهها داخلية كانت أم خارجية، وتساءل د. زقزوق هل هذا قدر محتوم ومصير مكتوب على هذه الأمة؟ أم أن باستطاعتها التغلب على هذه التحديات، وتجاوز هذه المرحلة باتباع السنن والقوانين الإلهية التي تتحكم في التقدم والتخلف. مؤكداً أن طريق الإصلاح يبدأ أولاً بالتعرف على الأخطاء والعيوب عن طريق النقد الذاتي والمراجعة الدائمة للسلبيات، معتبراً فعاليات المؤتمر مساهمة مصرية في معالجة قضايا مستقبل الأمة الإسلامية، انطلاقاً من المسؤولية التي تحملها مصر على عاتقها.

تناول الكلمة كذلك شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي، فانتقد بشدة الأوضاع التي تعيشها الشعوب الإسلامية، قائلاً أن الأمة الإسلامية قد تحولت إلى (أمة من الرعاع والمنافقين) وأن أبناءها (تغلب عليهم الجعجعة والرياء).

وقد أثارت هذه الانتقادات العنيفة المشاركين في المؤتمر حيث وصفها البعض بأنها تصب في خانة (جلد الذات) في حين اعتبرها آخرون مجرد رد فعل عفوي جراء الأحداث العاصفة التي تمر بها الأمة وخصوصاً احتلال العراق.

وأكد شيخ الأزهر في كلمته على كون مستقبل الأمة مرتهن بالأخذ بالأسباب في جميع المجالات العلمية والمعرفية، وكذا العمل بمبادئ العدالة والإخاء الصادق والتعاون على البر والتقوى، وأن تسود الشورى في العالم الإسلامي على جميع المستويات مشيراً في ختام كلمته إلى أرصدة التقدم وإمكانات النهوض التي تمتلكها الأمة الإسلامية.

تحدث في هذه الجلسة كذلك البابا شنودة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، فأشار إلى أهمية موضوع المؤتمر وقال: إن الأمر الأكثر أهمية هو العمل على حفظ هذا المستقبل، وأضاف: إن العالم يسير على منهجين اثنين هما القوة والمنفعة، ولذا يجب أن نهتم أولاً ببناء أنفسنا من الداخل وبتحقيق القوة التي تأتي عن طريق الوحدة بين العرب، وأشار إلى أن التاريخ القديم يؤكد أن الأمة كانت قوية عندما كانت موحدة، كما أكد على أهمية المقومات الاقتصادية التي تمتلكها الأمة والتي يمكن استغلالها لبناء دولة قوية، كما تطرق البابا شنودة لمجموعة من النقاط كلها تصب في ضرورة تفعيل عملية النهوض الشامل للأمة على جميع الأصعدة.

كذلك ألقى د. عبد الصبور مرزوق نائب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية كلمة دعا فيها الأمة إلى الأخذ بأسباب القوة والتقدم والحرص على الالتزام بالقيم والمبادئ الإسلامية، خصوصاً مبدأ الشورى ومشاركة الشعوب في الدفاع عن ثرواتها والاستفادة منها بدل ضياعها، في الوقت الذي ترزح فيه هذه الشعوب تحت ثقل المديونية والتخلف.

المستقبل الحضاري:

لمناقشة محور المستقبل الحضاري للأمة الإسلامية قدم المشاركون مجموعة من الأوراق، فقد تحدث د. عصام أحمد البشير وزير الأوقاف والإرشاد السوداني عن خصوصيات الحضارة الإسلامية، وأهمها الوسطية التي دعا إليها الإسلام ورسخها كقيمة أساسية في جميع المجالات، مؤكداً أن الوسطية قيمة حضارية تستفيد منها جميع الأمم والشعوب، لذلك فالعالم لن يعرف الاستقرار والسعادة إلا إذا كانت الأمة الوسط على رأسه.. وأضاف د. البشير: إن الأمة الإسلامية يجب عليها أن تعمل وتتحرك من أجل تجسيد قيمها الحضارية وتطبيقها على أرض الواقع للخروج من مآزقها السياسية والاجتماعية والحضارية..

أما الدكتور طه أبو كريشة الأستاذ بجامعة الأزهر فقد تحدث عن دور اللغة العربية في النهضة الحضارية، فأشار إلى أن معجزة الرسالة الإسلامية جاءت بيانية متجسدة في اللغة العربية الفصحى، حيث تحدى الوحي جميع فصحاء العرب أن يأتوا بمثله، وهذا الإعجاز اللغوي أعطى اللغة العربية إمكانات جديدة ومهمة، جعلت العرب ينتقلون من قبائل جاهلية متناحرة إلى أمة علم ومعرفة وحضارة. بالإضافة إلى تأثير اللغة العربية على الأمم والشعوب الأخرى التي انخرطت بسرعة في عملية تعلم واستيعاب للغة العربية والمفاهيم والقيم التي احتضنتها الرسالة الإسلامية، لدرجة أن شعوباً بأكملها استبدلت لسانها القومي باللغة العربية.

من جهته أشار الشيخ عبد الأمير قبلان نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان في كلمته إلى التداعيات الخطيرة التي تعرفها الأمة الإسلامية وخصوصاً تداعيات القضية الفلسطينية، داعياً إلى إفشال الحلول العنصرية لهذه القضية والعمل الجماعي الجاد من أجل نصرة الحق الفلسطيني، كما أكد على أهمية وضع استراتيجية للعمل العربي الموحد والمتكامل والاستفادة من الأحداث الأخيرة لإعمال النظر فيما وصلنا إليه لأخذ العبرة والشروع في المبادرات الجادة التي تمكن الأمة من الخروج من مآزقها ومعالجة أزماتها.

أما السفير أحمد علي الغزالي الأمين المساعد لمنظمة المؤتمر الإسلامي فقد أكد في كلمته أن الأمة الإسلامية قادرة بما تمتلكه من إمكانيات وقدرات على التغلب على معوقات نهوضها وبناء مستقبلها ومواصلة عصور ازدهارها من جديد، كما أشار الغزالي إلى الهجمات الإعلامية التضليلية الشرسة التي تقف وراءها بعض وسائل الإعلام الغربية بهدف تشويه الإسلام والحط من حضارته، داعياً إلى ضرورة الانتباه والرد على هذه الحملات بكشف الحقائق التي تؤكد احترام الإسلام لحقوق الإنسان ونبذه للعنف واحترامه للتعددية والاختلاف.

من جهته أكد د. محمد علي الجوزو مفتي جبل لبنان أن الأسباب التي من أجلها يتعرض الإسلام للهجمات الإعلامية المضللة والمزيفة، ترجع إلى الصراع العربي الإسرائيلي، وسيطرة الجماعات الصهيونية على الإعلام الغربي بما يخدم مصالحها، لذلك لابد من كشف هذه الحقائق وتقديمها لشعوب العالم، وخصوصاً الوجه الحضاري للإسلام وبراءته مما ينسب إليه ظلماً لأسباب سياسية.

تحدث كذلك د. عبد العزيز التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة فأكد أن الحضارة الإسلامية ليست حضارة صراع وصدام ومواجهة، وإنما حضارة بناء ونماء، وقال د. التويجري: نحن لا ندعو للدخول في صراع مع القوى الدولية المهيمنة، ولكننا نؤمن بالحوار المسؤول والمتكافئ وبالتعايش في ظل مبادئ القانون الدولي، وبتبادل المصالح المشتركة، والعمل مع كل القوى المحبة للسلام في العالم لمواجهة دعاة الهيمنة والتسلط الذين تحركهم النوازع العنصرية وتغريهم الأطماع المادية.

أما الدكتور عبد الله عبد المحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، فقد طالب بدوره بضرورة التصدي للحملات الإعلامية الموجهة ضد الإسلام والمسلمين، كما أشار إلى أن رابطة العالم الإسلامي تعمل حالياً على تأسيس مركز للحوار بين الحضارات تنفيذاً لقرار المؤتمر الإسلامي الرابع عشر الذي عقد في السنة الماضية، وحول موضوع مستقبل الحضارة الإسلامية في ظل العولمة تحدث د. محمد زيادة وزير الأوقاف السوري فطالب بتنمية العلاقات المشتركة بين الدول العربية والإسلامية لمواجهة سياسات الهيمنة والحملات الإعلامية التي تشكك في قيم الحضارة العربية والإسلامية، كما دعا د. زيادة إلى حشد كل طاقات الأمة لمواجهة تداعيات العولمة والتصدي لما تفرزه بمساندة القوى الظالمة التي تقوم بتخطيط ماكر وخبيث على كافة الأصعدة السياسية والثقافية والاقتصادية لنهب ثروات الشعوب وخيراتها وطمس معالم حضارتها وتاريخها وثقافتها. أما وزير الأوقاف السعودي السيد صالح عبد العزيز آل الشيخ فقد أكد في كلمته على أهمية مشاركة علماء الأمة ومفكريها في وضع الخطط المستقبلية التي تحقق النهوض المنشود وقال: إننا بحاجة إلى توازن حضاري مستمد من تاريخ الأمة وحضارتها التي أضاءت الأرض في القرون الوسطى.

المستقبل الاقتصادي:

في هذا المحور عرضت مجموعة من الأوراق منها ورقة د. أحمد جويلي أمين عام مجلس الوحدة الاقتصادية العربية الذي أشار إلى أنه منذ أحداث سبتمبر وحتى حرب العراق أصيب الاقتصاد العربي والعالمي بأمراض سلبية وانتكاسات خطيرة، منها الركود وانكماش الاقتصاد العربي، وأكد د. جويلي بأن الخيارات الاقتصادية العالمية تتجه نحو التكتلات الكبرى، ولهذه التكتلات شروط لابد من توفرها لمن أراد الدخول فيها أو المشاركة وقال د. جويلي: إن المجلس سينشئ شركة للتجارة العربية البينية والتسويق العربي، كما طالب بدراسة اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية لعام 1957م التي وافقت عليها آنذاك 13 دولة عربية، وقد نصت على حرية انتقال رأس المال وحرية التجارة. وبخصوص التكامل الاقتصادي العربي رأى د. جويلي أن هذا التكامل في حاجة إلى تنسيق السياسات بأنواعها المختلفة والتدرج في إقامة سوق موحدة ثم اتحاد جمركي وصولاً إلى السوق العربية المشتركة.

كما قدم د. جويلي مجموعة من الإحصائيات المهمة التي تكشف المؤشرات الاقتصادية العربية، فقد أكد أن 70% من الصادرات العربية بترولية وتجارة خدمات، كما أن الدول العربية من أكثر الدول استيراداً للحبوب والغذاء فهي تستورد ما قيمته بين 20 و25 مليار دولار بالإضافة إلى أن نصف واردات العالم توجه إلى المنطقة العربية، مما يؤكد عجز ميزان الاقتصاد العربي لصالح الاقتصاد العالمي.

أما د. إبراهيم فوزي وزير صناعة سابق، فقد أشار إلى النجاح الذي حققته بعض الدول الإسلامية في المجال الاقتصادي مثل إندونيسيا وماليزيا وهذا ما يجعل الدول العربية والإسلامية متفاوتة في مجال التنمية الاقتصادية، داعياً إلى الاستفادة من القيم الإسلامية التي تحثّ على العمل والإنتاج لتحقيق التنمية المنشودة والتي تجعل دول العالم الإسلامي تلحق بركب الدول المتقدمة، وفي الأخير دعا د. فوزي إلى تبني فكرة عقد رجال الأعمال في الدول الإسلامية لمؤتمرات ولقاءات مشتركة للبدء في تفعيل التعاون التجاري والاقتصادي ليكون ذلك بمثابة نواة لقيام سوق عربية مشتركة.

وكان د. أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الذي ترأس الجلسة الصباحية الأولى التي ناقشت المحور الاقتصادي، قد أكد في كلمته على أهمية الوحدة الاقتصادية العربية باعتبارها من أهم الدوافع المرسخة للتضامن العربي، لأن الأمة العربية - في نظره - تمتلك جميع المقومات المادية للتقدم بالإضافة إلى رصيدها الحضاري ولا ينقصها سوى التضامن والتكتل في صف واحد. من جهته أكد الدكتور محمد عبد الحليم عمر مدير مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي على الإمكانيات الاقتصادية المتوفرة لدول العالم الإسلامي والتي لم تستغل بالقدر والكيفية المطلوبين، يظهر ذلك في عجز الميزان التجاري لدول العالم الإسلامي حيث لا توجد سوى خمس دول فقط تحقق فائضاً يقدر بنحو 4543 مليون دولار و53 دولة تعاني من عجز يبلغ نحو 50707 مليون دولار، ليصل صافي عجز الميزان التجاري للدول الإسلامية مجتمعة إلى 46164 مليون دولار، كما أشار د.عبد الحليم إلى ضعف الإنفاق في مجال التنمية البشرية، وقدم بعض الإحصائيات فحجم الإنفاق على التعليم في العالم الإسلامي لا يتجاوز 3.9% من الناتج القومي الإجمالي، بينما النسبة العالمية 4.8% ونسبة الأمية تبلغ 77.6% من مجموع السكان، بينما لا تبلغ على المستوى العالمي سوى 46% وتنخفض في الدول المتقدمة لتصل إلى أقل من 8%.

من جهتها قالت د. يمن الحماقي من جامعة عين شمس بالقاهرة في كلمتها أمام المؤتمر: إن الدول الإسلامية لا تجمعها خطة واحدة لتحسين علاقاتها الاقتصادية الدولية ومع بعضها البعض مستفيدة من التباين الواضح بينها، وأضافت أن التجارة البينية بين الدول الإسلامية ضعيفة وكذا حجم الاستثمارات، وطالبت بتحديد منهج للتعامل بين هذه الدول وتطويره بما يخدم مصالحها وينسجم مع المتغيرات العالمية.

المستقبل السياسي:

المحور الثالث الذي نوقش خلال أيام المؤتمر، كان المحور السياسي وقد تحدث فيه نخبة من المفكرين والسياسيين، وجاءت الأوراق استجابة للأحداث والمتغيرات على أرض الواقع خصوصاً صدمة احتلال العراق والنفق المسدود الذي دخلته القضية الفلسطينية، مما أعاد إلى الساحة السياسية والإعلامية مطالب أصبحت أكثر إلحاحاً مما مضى، مثل ضرورة تفعيل الاتفاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الدول العربية والإسلامية، وهذا ما حاول التأكيد عليه المستشار السياسي للرئيس المصري د. أسامة الباز في كلمته، فقد رأى أن التكامل السياسي يحتاج إلى أنواع أخرى من التكامل الاقتصادي والثقافي.. الخ، لذلك لابد من الانطلاق خطوة خطوة لأن التكامل أصبح من الموضوعات التي تشغل قدراً كبيراً من اهتمام العالم الذي يشهد حالياً قيام تكتلات كثيرة وفي مختلف المجالات، وقال الباز: إن مفهوم التكامل السياسي هو عملية تجميع للقوى لاستيعاب المتغيرات والتحديات العالمية، كما أشار إلى أن التكامل ما بين الدول يقوم إما على أساس المصلحة أو التحديات المشتركة التي تواجه هذه الدول، مؤكداً على أن عصر انفراد الدول بمصالحها الخاصة قد انتهى في زمن العولمة.

ولتحقيق التكامل السياسي أشار الباز إلى أن هذا الأمر يتطلب قدراً من وحدة المصالح والثقة بين الدول والتأكد بأن التكامل هو في صالح الجميع، لذلك طالب الباز بأن يكون التكامل متدرجاً على خطوات، مع الاستفادة من التجارب المختلفة مثل تجربة الاتحاد الأوروبي، لأن الاندماجات الفورية - في نظره - قد تؤدي إلى التعثر وعدم الاستمرار، وقد تساءل هل نحن جاهزون حالياً للدخول في تكامل سياسي؟

أما الدكتور صوفي أبو طالب رئيس مجلس الشعب المصري الأسبق فقد أشار إلى مجموعة من القضايا في الفكر السياسي الإسلامي، مثل قضية الوحدة السياسية، فالفكر السياسي الإسلامي يؤمن بأن المسلمين يجب أن ينضووا تحت حكم إسلامي واحد إلا إذا دعت الضرورة لقيام دول متعددة على أرض الإسلام، فإن الفكر السياسي الإسلامي يتعاطى مع هذه القضية بإيجابية، لكن مما لا شك فيه أن تعدد أنظمة الحكم السياسية في العالم الإسلامي يقف حجر عثرة أمام الوحدة السياسية لأن لكل نظام سياسي أيديولوجية تختلف من حيث المنطلقات والأهداف عن الأخرى، وأخيراً أكد د. أبو طالب على الإمكانات الاقتصادية الهائلة التي يمتلكها العالم الإسلامي ولم تستغل بعد.

كما تحدث الشيخ محمد رشيد قباني مفتي لبنان عن أهمية التكامل بين الدول الإسلامية، مؤكداً أن هذا التكامل لن يتحقق إلا عن طريق التوحد ومعرباً عن أسفه لغياب صور التضامن بين الدول الإسلامية، وأضاف: إن التفكير في مستقبل الأمة يختلف عن الواقع المر الذي نعيشه الآن، ويجب أن ينطلق من اتباع تعاليم الإسلام والقرآن الذي اعتبرنا خير أمة أخرجت للناس لأننا كنا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر.

وبخصوص موضوع التنوع الديني والمذهبي في العالم الإسلامي وآثاره تحدث الشيخ الأمين عثمان الأمين مفتي أريتريا في البداية عن أسباب التعدد المذهبي مؤكداً أن الاجتهاد أعطى للمسلمين القدرة وفتح لهم المجال لقراءة النصوص الشرعية واستنباط الأحكام الفرعية منها. وقد نشأ عن هذه العملية الاستنباطية تراث فقهي اجتهادي ضخم كما نجم عنه تعدد في طرق الاستنباط، فظهرت مدارس اجتهادية متعددة ساهمت في ازدهار العلوم والمعارف. أما د. نبيل لوقا بباوي المفكر المسيحي المصري، فقد أشار إلى التنوع الديني والمذهبي الذي يعيشه العالم الإسلامي، فلا توجد دولة إلا وبها أديان مختلفة وداخل الدين الواحد هناك مذاهب متنوعة، لكن الشريعة الإسلامية في نظره جعلت الكل يعيش في سلام ووئام، لأنها رفضت كل أشكال العنصرية والتمييز، فلكل دين أو مذهب حقه في إطار منظومة الحقوق والواجبات الإسلامية، بالإضافة إلى حرصها على الأخوة الإنسانية.. كما أنها لم تجعل أساس التفاضل في اللون أو الجنس، وإنما حصرته في قيمة التقوى.

وأكد د. بباوي على أن التنوع الديني والمذهبي في العالم الإسلامي هو دليل على مصداقية الإسلام واحترامه لحرية العقيدة ورفضه لجميع أشكال العنف والإكراه العقائدي والديني.

من جهته أشار السيد نبيل بدر السفير بالخارجية المصرية إلى الجهود التي تبذل من أجل توضيح دور الدين في المجتمع الإنساني مؤكداً أن مظاهر التدين ستزداد في المستقبل، وأن المطلوب هو القدرة على التشخيص الحقيقي للحالة الإسلامية التي هي بحاجة - في نظره - إلى إرادة جازمة وصبر حقيقي وطويل كي تحقق أهدافها وتنجز مشاريعها التغييرية..

أما د. فوزية العشماوي (أستاذة في جامعات سويسرا) فقد تحدثت عن حقوق الإنسان في الإسلام وعن الرؤية الحقوقية الإسلامية التي تهتم بالواجب قبل المطالبة بالحق، عكس الرؤية الحقوقية الغربية، مؤكدة على وجود اختلافات جوهرية بين الرؤيتين. وبخصوص مستقبل الأمة الإسلامية فقد دعت د. العشماوي إلى الاهتمام بالتنمية البشرية عن طريق تطوير المناهج التعليمية ومحو الأمية والاهتمام بالمرأة المسلمة والكشف عن أسرار تقدم الحضارة الإسلامية في الماضي لحث الأجيال القادمة على سلوك سبل التقدم والتطور.

المستقبل الاجتماعي:

ولمعالجة هذا المحور قدمت كذلك مجموعة من الأوراق، فقد أشار المفكر الإسلامي المصري الدكتور محمد عمارة إلى أن البشرية اليوم تعاني من مشاكل معقدة ومشهد مأساوي لم تعرفه من قبل في ظل عولمة تفرض أساليبها وخططها على الجميع، ومن أهم مظاهر الخلل العالمي وجود فوارق فاحشة بين مجتمعات الشمال ومجتمعات الجنوب فيما يخص التقدم التكنولوجي والتنمية الاقتصادية، وقد كشفت الإحصائيات إلى أن 225 من أبناء الشمال يملكون ما يساوي ملكية مليارين ونصف مليار من أبناء الجنوب. كما أشار د. عمارة إلى خلل آخر يمثل خطراً على مستقبل البشرية فهناك قرابة 90% من علماء العالم يعملون بشكل مباشر وغير مباشر في صناعة الأسلحة ووسائل الدمار في مقابل 10% فقط من العلماء يعملون في إنتاج ما ينفع البشرية.

وعن دور الوقف في التنمية الاجتماعية والاقتصادية تحدث الشيخ عكرمة صبري المفتي العام للقدس وخطيب المسجد الأقصى، فأكد أن الرسول 2 حسب بعض الروايات هو أول من أوقف في تاريخ الإسلام، وبذلك أعطى القدوة الحسنة للصحابة الذين تسابقوا في هذا المجال، واستمر المسلمون يمارسون هذه العملية جيلاً بعد جيل، وأشار الشيخ عكرمة إلى أن الوقف لم يقتصر على المساجد ودور العبادة ولكن شمل عدداً كبيراً من المرافق الاجتماعية مثل دور رعاية الأيتام، أما بخصوص بعض الانتقادات الموجهة إلى المؤسسات الوقفية فقد طالب الشيخ عكرمة بإصلاح الخلل ومحاسبة المسؤولين عن التلاعب بهذه المؤسسات وإمكانياتها المادية، كما دعا إلى تطوير وسائل تنمية الوقف بما يساعد على النهوض به.

من جهته تحدث د. نجادي أبو بكر عضو الهيئة التنفيذية للمسلمين في بلجيكا عن المشاكل التي يعاني منها أطفال وشباب الجالية المسلمة في بلجيكا وخصوصاً المشاكل التربوية وصعوبة التكيف المدرسي، مؤكداً على أهمية دور الأسرة في البلدان الغربية في تعليم الأطفال المسلمين المعارف الأولى الأساسية وخصوصاً المتعلقة بالهوية والخصوصية الدينية والثقافية.

وأشار د. أبو بكر إلى أن عدد الأطفال المسلمين في دول أوروبا الغربية والذين هم في سن التمدرس يقارب ما بين 6 و7 ملايين طفل. وهؤلاء الأطفال ولدوا في أوروبا ويشعرون بانتمائهم للبلدان التي ولدوا فيها. لذلك لابد من الاهتمام بهم كي لا يفقدوا ارتباطهم بهوياتهم الأصلية.

أما د. محمد عبد الحليم عمر أستاذ الدراسات الإنسانية والإسلامية بجامعة لندن فقد دعا وزارات الدول الإسلامية إلى تمويل مشروع جديد لإنتاج الكتاب الإسلامي لغير المسلمين، وأن يتم الدخول إلى عصر العولمة بمشروع الألف كتاب، بالإضافة إلى تشجيع الطلبة من الجيل المسلم الناشئ في الغرب عن طريق المنح الدراسية التي تشجعهم على الارتباط بدينهم وثقافتهم وهويتهم الأصلية.

وبدورها تحدثت د. فرخندة حسن أمين عام المجلس القومي للمرأة عن أهمية دور العمل التطوعي والأهلي والاستفادة منه ووضعه في عين الاعتبار عند وضع الخطط المستقبلية، مشيرة إلى دور العمل التطوعي في تعميق الممارسة الديمقراطية وتأثيره في تشكيل الرأي العام، خصوصاً عندما يتمتع بالمرونة الإدارية التي تُبعده عن البيروقراطية، ما يجعله أكثر استعداداً لتفعيل الأعمال والمشاريع التنموية.

الجلسة الختامية:

بعد عرض الأوراق المقررة خلال الأربعة أيام من فعاليات المؤتمر وانتهاء المداخلات والمناقشات أصدر المشاركون في الجلسة الختامية (بيان القاهرة) الذي أكد على خطورة الأوضاع التي تمر بها الأمة واصفاً إياها بأنها من أحلك الفترات التي عرفتها الأمة، وأضاف: في الوقت الذي يُسرع فيه العالم حولنا الخطى وينطلق في كل الاتجاهات نشغل أنفسنا في عالمنا الإسلامي على المستوى الفكري بقضايا هامشية تجاوزها الزمن، ويعد الصراع حولها في عصر السباقات العالمية من قبيل الهزل في وقت الجد.. إن الأمة الإسلامية - كما يرى البيان - تجد نفسها في مفترق الطرق، وعليها أن تقرر لنفسها أي طريق تسلك، فإما أن تسلك الطريق الذي يؤدي بها إلى التقدم والازدهار، وإما أن تظل مكانها متخلفة عن الركب الحضاري فيتجاوزها الزمن..

وأضاف البيان أن: التحديات الخارجية لن تتغلب عليها الأمة إلا إذا تغلبت قبل ذلك على التحديات الداخلية.. مثل التخلف الذي يضرب بجذوره في المجتمعات الإسلامية متمثلاً في انتشار الأمية التي تصل إلى 46% من مجموع سكان العالم الإسلامي.. وأخيراً خلص البيان إلى أن: على المسلمين أن يستخلصوا الدروس والعبر من التطورات الدولية الأخيرة وعلى رأسها الحرب على العراق والأوضاع المأساوية المتدهورة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن يبدعوا في عمل جماعي مكثف يعيد للأمة الإسلامية مكانتها ومجدها ودورها الفاعل في دعم توجه الدول الإسلامية نحو تحقيق السلام دون تدخل خارجي، ونحو الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في إطار ديمقراطي ذاتي تفرضه توجهاتنا الإسلامية، ويقوم على تحقيق صالح الشعوب الإسلامية جمعاء، ونحو ضمان وأمن واستقرار الدول الإسلامية قاطبة، استناداً لجهودنا الذاتية ودون تدخل خارجي..

وقد أوصى المشاركون بضرورة إعادة النظر في مناهج التعليم في كل بلاد العالم الإسلامي، وتأكيد ضرورة الحوار الحضاري بين الثقافات والحضارات والأديان المختلفة، كما ناشدوا الدول الإسلامية (بتوحيد الشعارات على أساس الشريعة الإسلامية دون التقيد بمذهب فقهي معين، مع ضرورة الاجتهاد لاستنباط أحكام تناسب متغيرات العصر) وشددت التوصيات كذلك على ضرورة الالتزام بأصول الديمقراطية ومتطلباتها مثل نزاهة الانتخابات وتشجيع التعددية الحزبية وتهيئة المناخ المناسب لتداول السلطة سلمياً وديمقراطياً، كما دعت التوصيات إلى إعادة النظر في ميثاق جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي لمواكبة متغيرات العصر، والعمل على حل (المنازعات بين الدول الإسلامية بالطرق السلمية)، بإنشاء محكمة عدل عربية ومحكمة عدل إسلامية، بالإضافة إلى ضرورة تفعيل اتفاق الدفاع العربي المشترك بين الدول العربية الموقع عليه سنة 1950م.