شعار الموقع

هنري كوربان: حواريات الروح والدين

قسم التحرير 2004-10-14
عدد القراءات « 633 »

هنري كوربان من المستشرقين الموسوعيين الذين أثروا حقول المعرفة الإنسانية والعربية الإسلامية بعدد كبير من الدراسات والبحوث (له أكثر من 300 مقال وبحث علمي، بالإضافة إلى عشرين كتاباً وتأليفاً وتحقيقاً) جزء كبير من هذه الكتابات خصصه للعلوم الإسلامية خصوصاً التصوف والفلسفة.

تكريماً لجهود هذا المستشرق واعترافاً بما قدمه للتراث العربي الإسلامي، نظم معهد الدراسات الإسلامي للمعارف الحكمية في بيروت، بالتعاون مع معهد الدراسات الإسلامية في جامعة القديس يوسف، ومعهد ephe للعلوم الدينية، ومؤسسة حكمة وفلسفة في طهران، ندوة تحت عنوان: (هنري كوربان: حواريات الروح والدين) وذلك في بيروت في الأول من أيار (مايو) 2003م.

انطلقت أعمال الندوة بكلمة رئيس المعهد الشيخ شفيق جرادي، الذي تحدث عن أهمية المفكر والفيلسوف الفرنسي هنري كوربان الذي كان له فضل السبق في خوض رحلة علمية روحية طويلة بين بلاد الأناضول وفارس، مستجلياً فيها (الأنوار الاسفهبدية) عند شيخ الإشراق السهروردي، كما عمل على إخراج الحكمة المتعالية والتعبير عنها بلغة أفادت كل من قرأها غرباً وشرقاً، بعدما كانت مطمورة بين طيات الأوراق الصفراء.

وقد كان لهنري كوربان – كما يقول الشيخ جرادة – في ذلك كله منهجه الذي يقرأ على أساسه، وإشكالاته التي أثارها، كما موضوعاته ونتائجها التي استخلصها، وعلى أساسها جاء من قال عنه أنه توفيقي بين اللاهوت المسيحي وفلسفة الدين الإسلامي، ومنهم من اعتبره مجرد ناقل، في قبال من ذهب للحديث عن إبداعه، وفيهم من صوره كحلقة في الاستشراق، في قبال من قال بإخلاصه وتحوله الروحي والعقيدي…

إن كل ذلك – يقول الشيخ جرادي – يدعونا أن نلتزم الحوار المعرفي العميق، في زمن بات فيه الحوار ضرورة للتعبير عن الموقف الإنساني في مواجهة العصبيات الفكرية والفلسفية، ولكل ذلك - يضيف الشيخ جرادي - جئنا إلى فلسفة كوربان لنرى مدى إمكانية التصافح والتصالح بين منهج الغرب وعقل الشرق، بين نفعية الرصد الفكري، وروح الضمير المنبسط بأجنحة النور والحكمة المتعالية…

في الجلسة الأولى تحدث د. بولس الخوري عن: (الإمام والمسيح عند هنري كوربان)، قبل أن يعرض الباحث أوجه الشبه والاختلاف بين الإمام والمسيح في الفكرين الإسلامي الشيعي والمسيحي، تحدث عن موقع الإمام في الفكر الإسلامي ووظيفته. فالشريعة التي جاء بها النبي تتميز بأن لها معنيي، معنىً ظاهري وآخر باطني، وبما أن النبي يرحل بعد فترة فإن الإمام يكون مؤتمناً على المعنى الباطني، فوظيفته إذن هي تأويل الكتاب وكشف معانيه الباطنية. أما كيفية تلقي المعرفة والقدرة على التفسير والتأويل، فالنبي يقوم بذلك من خلال الوحي ورؤية الملاك، بينما الإمام يقوم بذلك من خلال الإلهام والكشف المعنوي، والخلاصة التي يتوصل إليها الباحث أن كلاً من النبي والإمام يعتبر شكلاً من أشكال تجلي النور الواحد.

بعد ذلك شرع الباحث في عقد المقارنة بين الإمام والمسيح، فأكد في البداية عدم وجود كهنوت في الإسلام يمتلك (وسائل النعمة) وسلطة التعليم كما هو الحال في المسيحية، لكن هناك نقاط تلاقٍ تتوافق فيها المسيحية اليهودية مع الإمامية، كما في قضية الخلاص الذي لا يأتي من خلال موت المسيح، بل من خلال الانتظار والانتصار المَعادي.. ويرى كوربان أن الكائنات النورانية والذين هم النبي وابنته والأئمة الاثنا عشر هم تجليات إلهية وليسوا تجسيداً للألوهة، وهذا فرق أساسي بين التصور الشيعي للإمام والتصور المسيحي للمسيح… وإذا كانت وظيفة الإمام تشبه وظيفة المسيح، فذلك يصح في سياق مسيحانية ملائكية كما قالت بها المسيحية الأصلية.

وفي معرض حديثه عن الإمام الثاني عشر يقول كوربان: إن معنى عودته في آخر الزمان يقارب قول المسيحية المَعادية في جسد المسيح الروحي والخلاصة فما يقارب بين الإمام والمسيح قد يكون مفهوم التجلي، أما ما يباعد بينهما فهو مفهوم التجسد. وقد أثارت هذه الآراء ردود فعل قوية حيث قدمت إثرها مداخلات عدة للرد عليها، كما عقب على الورقة الشيخ حسن بدران والأستاذ جهاد سعد.

في الجلسة الثانية تحدث د. بيار لوري عن: (هنري كوربان والسيمياء الروحانية)، في البداية قام الباحث بتتبع مراحل تطور علم السيمياء، فأكد أنه ولد في مصر نحو سنة 200 ق.م، في المحيط المعرفي والفلسفي الناطق باللغة اليونانية، ثم استقبل العالم العربي - الإسلامي السيمياء في وقت مبكر منذ بداية القرن الأول الهجري (8 - 9 للميلاد) وكانت معظم الأعمال منسوبة إلى كتاب يونانيين، بالإضافة إلى الأعمال التي نسبت إلى متصوفة مسلمين، وشخصيات إسلامية لعبت دوراً محورياً مثل الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وتلميذه جابر بن حيان والأمير خالد بن يزيد، أما أوروبا اللاتينية فقد عرفت السيمياء ابتداءً من القرن 12 مع ترجمة النصوص العربية، ومن ثم انتشرت بشكل متسلسل كحقيقة بديهية.

والحديث عن السيمياء عند المفكرين المسلمين يعني ظاهرياً القيام بعدة عمليات مخبرية تؤدي إلى استخراج الذهب من المعادن الخسيسة كالزئبق، لكن الموضوع أكثر اتساعاً، لأنه يتحول عن طريق عدد من المعارف الباطنية إلى معرفة مجردة تمكن من معرفة الكون معرفة عميقة، أما بخصوص موقف كوربان من السيمياء فقد كتب: لدينا هنا علم للمعادن ودراسة الكريستال وعلم النبات، وهذه الأشياء وضعت للدراسة كمرايا.. والأشخاص التابعون للعناصر الثلاث (النبات والحيوان والجماد) هم مرايا حيث يتمظهر بشكل مرئي العالم الداخلي… ويضيف كوربان: من دون فائدة أن نكسر المرآة لنرى ما في داخلها..).

لقد اهتم كوربان بالجانب الباطني ودور المخيلة في عملياتها، والسيمياء لديه عملية وسيطة على كل المواد مثل التأويل العملي المتمثل رمزياً بتأويل النص. وإن السيمياء عمل تطبيقي، إنه تفسير وبامتياز من هذا التأويل الروحي.. ولشرح هذا الواقع اعتمد كوربان - حسب الباحث -ثلاثة مستويات: 1- السيمياء كوسيط تأملي. 2- السيمياء كعلم نبوي. 3- السيمياء كطريق لاكتشاف شخص.

وقد عقب على هذه الورقة د. طراد حمادة والأستاذ أحمد ماجد.

في الجلسة الأخيرة التي عقدت بعد العصر ألقى د. أحمد أعواني بحثاً بعنوان: (فلسفة التشيع) تحدث فيه عن مفهوم الإمامة وكيف عالجه هنري كوربان، فأشار في البداية إلى أن نظرية الوجود عند كوربان ترى أن الوجود يبدأ من الخالق تعالى ثم يتنزل أمر الوجود حتى ينتهي إلى الإنسان، ومن ثم تبدأ حلقات ومراتب الترقي حتى يصل الإنسان إلى قمة الكمال، فيصبح كاملاً. أما بخصوص الإمام فهو حامل الأمانة الإلهية المتمثلة بالولاية، والتي تحتضن الأسرار الإلهية والعلوم الباطنية للنبوة، وعلم الأئمة لم يحصلوه عن طريق الدراسة وإنما أخذوه عن الرسول (صلى الله عليه وآله) ولهذا كانوا أولياء الله وخلفاء رسوله، وقد بحث كوربان العلاقة بين النبوة والولاية، فتوصل إلى أن النبي التام هو من كانت لديه (الرسالة والنبوة والولاية) ويليه النبي الجامع بين النبوة والولاية، ثم الولي، وقد حلل كوربان مفهوم الولاية وقارنه ببعض المفاهيم في الفلسفة الفرنسية، ليصل في نهاية المطاف إلى أن الولي والنبي والرسول هم حجج الله سبحانه وتعالى على الأرض، وإذا كانت النبوة قد ختمت فحجة الله سبحانه وتعالى لم تختم، إنما بقيت فاعلة من خلال الولاية، وأخيراً يرى كوربان أنه: (من المستحيل أن تبقى الأرض خالية من الحجة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي هو ضمان الله في أرضه ومجيباً عنه تجاه الناس حتى يتقربوا إليه…).

وقد عقب على هذه الورقة د. حبيب فياض.


 

أنشطة وفعاليات حول التعليم في العالم العربي:

خلال الأشهر الثلاثة الماضية نظمت بعض الأنشطة والفعاليات حول التربية والتعليم في العالم العربي، كما صدر تقرير جديد عن اليونسكو يتحدث عن واقع التعليم في الدول العربية، فيما يلي متابعة لهذه الأنشطة.

مؤتمر: (أي تعليم للعالم العربي في القرن الحادي والعشرين).

بمشاركة مجموعة من المتخصصين في مجال التربية والتعليم في لبنان وسورية نظم المجلس الثقافي للبنان الشمالي في مدينة طرابلس مؤتمراً تحت عنوان: (أي تربية للعالم العربي في القرن الحادي والعشرين) وذلك بين 16 - 17 أيار (مايو) 2003م.

انطلقت فعاليات المؤتمر بكلمات كل من رئيس المجلس الثقافي د. نزيه كبارة ومدير عام التربية د. جورج نعمة ممثلاً وزير التربية سمير الجسر والأمين العام للجنة الوطنية للأونسكو سلوى بعاصيري، أما المشاركون فقد تحدث في البداية د. عبد الله عبد الدائم عن مجمل التحديات التي تواجهها التربية العربية مع مطلع القرن الحالي، وتحدث كل من د. محمد كاظم مكي ود. انطوان مسرة عن: (التجربة اللبنانية صناعة للمواطنة الحقة) وقد تناولت المداخلتان معاً قضية إعداد المناهج التربوية وخصوصاً كتاب التربية الموحد، وكذلك إصدار كتاب التاريخ الموحد الذي رأى د. كاظم مكي أنه بات جاهزاً وينتظر القرار السياسي فقط.

أما د. أحمد كنعان فقد تحدث عن استخدام الحاسوب والمعلوماتية في مناهج التعليم في سوريا معتبراً أن ذلك يساهم في ديموقراطية التعليم، من جهته أكد د. نزيه كبارة على أهمية دور المنظمات التربوية العربية والدولية في التطوير والمساعدة على قيام نهضة تربوية في العالم العربي.

أما د. عبد الفتاح خضر فقد دعا إلى الاهتمام بمراكز الأبحاث الجامعية ودعمها مادياً، ووضع أبحاثها وما تنجزه في خدمة القطاعات الإنتاجية، كذلك دعا د. هشام نشابة إلى العمل على معالجة القضايا العربية التي تشكل تحديات أمام التقدم العربي، والعمل على تفعيل دور المنظمات ودعمها مالياً وبشرياً لتحريك عجلة التنمية في الدول العربية.

وفي ختام المؤتمر انتقد د. عدنان الأمين مسيرة التعليم في العالم العربي، حيث ركزت الخطط على التوسع الكمي في التعليم العالي متكبدة خسائر كبيرة في الإنفاق، وأما النتائج فكانت مخيبة للآمال وجاءت عكسية، كما دعا د. الأمين إلى الاهتمام بالطاقات الفكرية في المجالات الاجتماعية والاختصاصات الإنسانية في التعليم العالي، لأن هذه المواد تعاني في نظره من التهميش.


 

ورشة عمل إقليمية حول: (تقويم المناهج التعليمية: نحو استخدام الأنشطة والمشروعات النموذجية في تعليم العلوم والتكنولوجيا):

وفي بيروت افتتح مكتبا بيروت والقاهرة في اليونسكو بالتعاون مع قسم تعليم العلوم والتكنولوجيا في باريس، ورشة عمل إقليمية حول: (تقويم المناهج التعليمية: نحو استخدام الأنشطة والمشروعات النموذجية في تعليم العلوم والتكنولوجيا) وذلك بين 20 - 22 أيار (مايو) 2003م، شارك في الورشة ممثلون في الحكومة اللبنانية، ومؤسسات تعليمية وجمعيات أهلية من سوريا والأردن والمملكة العربية السعودية والبحرين ومصر وسلطنة عمان والسلطة الفلسطينية ومكتب التربية العربي لدول الخليج والأنروا، وممثلين لمكتبي القاهرة وباريس في اليونسكو.

في البداية ألقى د. فكتور بلة مدير مكتب اليونسكو الإقليمي في بيروت كلمة قال فيها: (إن استراتيجية اليونسكو للأعوام 2002 - 2007م تبين الحاجة إلى جهد مشترك في تطوير تعليم العلوم والتكنولوجيا في مختلف دول العالم، لتشمل مجالات: تفصيل المبادرات الوطنية، وجعل البرامج أكثر استجابة للمتغيرات، وتكثيف التعاون الدولي والإقليمي، وتوفير مصادر بشرية ومالية جديدة لخطط برامج التطوير.. وأضاف د. بلة: إن اللجان الوطنية لليونسكو في الدول العربية حددت أهدافاً لورشة العمل هذه، أهمها تفعيل فرع الشبكة الدولية للموظفين الحكوميين، المسؤولين عن تعليم العلوم والتكنولوجيا في المنطقة العربية. وربط محتوى المناهج والمدفوعات الدراسية العلمية بالتوجهات الوطنية والإقليمية والدولية لإطار عمل المنتدى الدولي للتعليم للجميع.

تقرير اليونسكو حول التعليم في العالم العربي:

في النصف الثاني من شهر أيار (مايو) 2003م صدر عن منظمة الثقافة والتربية والعلوم (اليونسكو) تقرير جديد عن واقع التعليم في العالم العربي، أعده معهد الإحصاء التابع للمنظمة، وقد تناول التقرير أوضاع التعليم في 19 بلداً عربياً خضعت للمسح والدراسة هي: مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، السودان، سوريا، الأردن، السعودية، الكويت، لبنان، موريتانيا، عمان، قطر، الإمارات العربية، اليمن، البحرين، جيبوتي، وأراضي الحكم الذاتي الفلسطيني، حيث يبلغ مجموع سكان هذه الدول 270 مليون نسمة.

وقد كشف التقرير عن مجموعة من الإحصاءات المهمة، فهناك حوالي 8 ملايين طفل في سن الذهاب إلى المدارس الابتدائية، من بينهم 5 ملايين فتاة، لا يزالون خارج نظام التعليم في الدول العربية، وأشار التقرير إلى أن الفتيات اللواتي التحقن بالمدرسة أقل رسوباً من الصبيان، ويحاولن إتمام دراستهن الابتدائية والثانوية.

وقد نوه التقرير الذي يغطي العام الدراسي 1999 - 2000م بحجم الاستثمارات في قطاع التعليم خلال العقود الأربعة الماضية، واقتراب عدد من الدول العربية من تحقيق هدف التحاق جميع الأطفال بالمدرسة، لكن لا تزال نسب التحاق الفتيات أقل من نسب التحاق الفتيان، إلا في عدد من الدول مثل البحرين ولبنان والأردن والإمارات وأراضي الحكم الذاتي الفلسطيني. فحسب التقرير فقد التحق نحو 35 مليون طفل، 54% منهم من الصبيان بالمدرسة الابتدائية خلال العام الدراسي 1999 - 2000م، مما يعني أن نحو طفل واحد من أصل خمسة أطفال في سن المرحلة الابتدائية (فتاة واحدة من 4 فتيات) لا يزال خارج النظام المدرسي. وسجل التقرير نسبة 90% من التلاميذ ممن أكملوا مرحلة التعليم الابتدائي في المنطقة. كما أشار إلى معدلات الرسوب التي هي أقل بالنسبة للفتيات مقارنة مع الصبيان. وذكر التقرير أن حوالي 22,5 مليون طالب أي ما يعادل 60% من التلاميذ ممن هم في سن الالتحاق بالمرحلة الثانوية قد ارتادوا المدارس خلال هذا العام، وقد بلغت نسبة الفتيات 47% أي ما يقارب 10,6 مليون فتاة.