شعار الموقع

نحو حوار حضاري بين الثقافات

ذاكر آل حبيل 2004-10-14
عدد القراءات « 594 »

  منذ ارتفاع منسوب صيحات الحوار أو الصدام بين الحضارات والكتابات لما تهدأ بعد، في الكيفيات والنماذج الاتفاقية بين المهتمين من منظرين وباحثين وكتاب التي يكون عليها أنماط الحوار أو الصدام، أو مدى فاعلية التنظير لهما, خصوصاً في ظل عولمة لاغية ومبعثرة ولا عقلانية لتواصلية الغرب الأحدث، الذي بات مشبعاً بعقدة التفوق الحضاري تكنولوجيا، والإحساس المتضخم بالأنوية الثقافية، حداً جعل كثيراً من المنظرين الغربيين، مبتسرين لكل جهات الحضارات وثقافاتها، بل ومفضلين الدك في إسفين القطيعة الحضارية، وإشعال الحروب، والحفاظ على نقاوة العرق الأوروبي، وإخضاع الثقافات لمبدأ كليانية الغرب وإمبرياليته المهيمنة، ولكن ليس هذا هو كل الفكر الغربي، بل أن ضميره النقدي لا زال متفاعلاً مع الحراك الكوني التواصلي الذي يكاد لا تخلوا منه ثقافة مجتمع أو أمة.

 كما أن الغربلة الفعلية لزمنية العولمة وثورة تكنولوجيا المعلومات هي الدفع الإلزامي باتجاه التواصل الحضاري واحتكاك الثقافات، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى تصعيد دافعية المبدأ التطوري للمجتمعات الإنسانية حتى في أشد تلك المجتمعات برودة وتخلفاً، وإن سبق ذلك التغير الاجتماعي المنشود بعض من توترات التحول الاجتماعي الذي ربما حرك الفوضى، خصوصاً تلك تحصل نتيجة التدخل الإمبريالي الجديد، في المناطق المتأزمة من العالم، أو نتيجة للقسوة والعنف الثقافي الشرس الذي تمارسه بعض السياسات الغربية توكيداً لمحاولات بسط الهيمنة وتصعيد مهمات العولمة الاقتصادية التي يراد لها النمو، حتى لو كان على حساب سحق كرامة الشعوب والأمم، وإلغاء قيمها وخصوصيتها وحتى دولها..!!

    وبذلك تكون المفارقة الكبرى في حيثيات زمن العولمة، ما بين أرادة حضارة متفوقة اداتياً وتملك مبررات المعاصرة والتحضر، وبين ثقافات باردة لا تزال ترفل بمسوغات الجمود والتخلف، وإن كانت تضج بفاعلية مؤقتة من زمن إلى زمن آخر كلما همت حضارة متفوقة بمصادمتها، أوالهيمنة عليها جراء طموحات التمدد وخلق مجالات اقتصادية جديدة تجلب للمركز المهيمن حضارياً كل خيرات المناطق غير المستغلة بفعل ذلك الجمود والتخلف.

     وهنا يأتي التصعيد المر لمهمات تلك المفارقة، وفوق زمنية ضاجة بالمصادمة والتحول والاختراق، لتكون مسوغاً لدافعية كبرى باتجاه النظر وتخليق رؤى متعددة تظفر بمهمات الكسب المعرفي الذي يساجل بجسارة موضوعية كي تكون قضيتنا حافلة بتأمين المسلك الحي لحركة مجتمعاتنا العربية والإسلامية كي تخط طريقها نحو مزيد من المعاصرة والتحضر، وفق مباني خصوصيتها المتحركة، وهويتها المنفتحة على العصر، ومحاولة الأخذ بأسباب القوة التكنولوجية والاقتصادية المعاصرة.

    أن كل ذلك جعل مهمة المفكر ـ المثقف، في مجتمعاتنا لا تني عن الاستبسال في سبيل البحث الحثيث عن سبل التحفيز و التحريك و التفعيل، لكل المهارات الإنسانية، الكامنة والقارة منها، والظاهرة منها المتعلقة بالإرادة الفعلية وإبداعاتها، ومن أولئك المفكرين الجادين الباحث المغربي إدريس هاني الذي أصدر لحد الآن ثلاثة كتب متوالية: العرب والغرب أية علاقة.. أي رهان ؟ الصادر عن دار الإتحاد، الكتاب الثاني: المفارقة والمعانقة، رؤية نقدية في مسارات العولمة وحوار الحضارية، الصادر عن المركز الثقافي العربي، والكتاب الثالث: حوار الحضارات، الصادر عن المركز الثقافي العربي أيضاً، عالج في الكتب الثلاثة والتي بحق تعد بمثابة مشروعاً فكرياً، مسألتي العولمة وحوار الحضارات بتفصيل مشبع بنقدانية ذات حساسية عالية من الناحية المعرفية، وباستقصاء مناهجي يرتكز عل رؤية واضحة في التشريح والحفر والمساجلة، وتوكيد مهمات الكتابة صوب الإشكالات الحقيقية المتصلة بمسألتي العولمة وحوار الحضارات.

    لكننا وكي لا نسهب كثيراً في إطالة هذا العرض سنكتفي بالعرض لكتابه الأخير حوار الحضارات، والتي ركز فيه جهده حول مسألة حوار الحضارات، وأن كان لا يني في كتابه هذا يعاود الالتصاق بمهمات كتابيه السابقين من خلال المبنى والمعنى، الأسلوب والمنهج، مؤكداً على أن ما قدمه فيه إن هو إلا امتداد لسابقيه مؤكداً على أن مشروعه النقدي تدوالي البنية غير منفصل، إلا أن المداولات المقررة في الكتاب الأخير تشكلت في سياق موضوعي يعطي لمهمات الباحث إدريس هاني الإستغراض بهدفية عالية القصدية نحو من مزيد من الحفر في المعنى، حداً أوصله إلى كتابة مقدمة الكتاب بلغة بيانية ذات نبرة عالية، وكأنها تمثل شهادته على عصر العولمة، أو فلنقل في تماهي المفكر المنفعل مع إحداثات شهادات فكرية لمفكرين عالميين لما يجري في العالم من قسر عولمي متوحش ذو عنف بارد يتغيا (( خضوع الجمهور. سواء ذلك الذي يقوم به الاجتماع في الغرب أو تلك الأمواج من البشر الذين ينتشرون على باقي المعمورة. هذا العنف ليس ما يقتصر عليه من صور رسختها الحداثة، حيث صنعت من الاجتماع الحديث قطيعاً مازوخياً قابلاً للترويض؛ بل أن الحداثة في حد ذاتها مشروع قوة !.)) " ص9 "

    أن مرارة الباحث إدريس هاني تغدو مترقبة لما أحدثته العولمة (( من ثورة جديدة في سيرورة الحداثة، لتجعلها أكثر عنفاً وانفلاتاً وفظاعة. وأيضاً أكثر خداعاً ومكراً. إذ بقدر ما ترسخ من الاحتكارات فهي تفتح هامشاً من مظاهر الاستهلاك العام وتعميم المعرفة، مما يوحي بأن عصر الجماهير قد حل بالفعل.والحال، أن عولمة المعرفة أصبح عنصر إلهاء لقطعان استفحل وضعها أمام جلاد الاستثمارات العابرة للقارات. إن أتفه المعلومات هي في متناول أدنى الطبقات. لكنها معرفة أيضاً تحمل أختاماً طبقية. معلومات تدخل في الهامش في توتر سيكولوجي لا نهائي أمام هذا الموج العارم من التشويق، لكي ينتمي لسيرورة الحداثة ولو بالحلم والأوهام، ولكي تصنع منه الكادح المثل ذا الطموح العالي. لكنه طموح يتدحرج أبداً قبل أن يصل إلى مبتغاه. هذا الوضع السيزيفي لجمهور الحداثة يستدعي سؤالاً جدياً:

هل عولمة المعرفة يلازمه عولمة الرفاه..

أم أنه فصل آخر من عولمة الجوع والإحباط ؟!

العنف البارد الذي يولد الاحتقان الاجتماعي؛ وهو في الوقت نفسه عنف كارثي مؤجل !

السؤال المطروح الآن هو: لماذا هذه الممانعة ضد أشكال التثاقف الممكنه ؟

هل لأن الحداثة بعنفها اللانهائي هي المفصل الدرامي المعيق لحوار حضاري بين الثقافات ؟ أم أن ذالك راجع إلى سبب آخر ؟ " ص9،10 "

    بعد هذه المقدمة التي يذهب فيها الباحث إدريس هاني إلى أقصى درجات الإدانة لحداثة الغرب المنفلتة من زمامها الاعتباري المنفصل عن ذاتية الإنسان القادر على تخفيف عنفه بإجتراح (( أساليب ناجعة لسيطرة على عنفه )) ص10، وأن كان نصيبنا من هذا العنف لا يقل عن الآخرين؛ بعد هذه الكتابة التي تذهب إلى حافة السؤال، يؤثر الكاتب دعوته في المقدمة إلى (( أن يتشكل وعي تواصلي ينمو بالنقاش الحر، كما يسعى هابر ماز إلى طرح ومنح الشرعية لكل أشكال التعبير الممكنة ( عن ) أو الانخراط ( في ) أو الاستيعاب للحداثة. فإذا كانت الحداثة قدرنا؛ فإن كيفية الانخراط فيها وكيفية استيعابها وإبداعها، فهي بعدد أنفاس الثقافات. الأمر الذي يؤسس لمشروع عالم تواصلي في أفق فرادات متحاورة. عالم تتدمقرط فيه الكيانات الثقافية، وهو ما أسميه الحداثة بشرط لا ! . " ص11 "

 هكذا أذن الدخول إلى الحداثة بشرط الحرية ( لا )، (( وبإنشاء جبهة تاريخية بين دعاة الحوار والتواصل في الضفتين. والعمل على اكتشاف ما هو تواصلي ( = الغرب التواصلي ) خلف هذا الصخب الحداثوي. هذه الدعوة ناشئة عن قناعتي بوجود مساحة للحوار مع غرب تواصلي مقموع. البحث التواصلي عند الآخر لا يعفينا من البحث التواصلي عندنا." ص14 "

    ثم يدخل الكاتب إلى ثنايا كتابه بالقسم الأول، إلى مشكلة الحداثة في الثقافة العربية الإسلامية، والتي أعتبرها (( الإشكالية التقليدية التي حيرت مفكري الأنوار، ولا تزال تشكل مصدر حيرة للفكر الإنساني إلى يومنا هذا، هي مشكلة تاريخ الشعوب وتطور الثقافات ! فكلما ازدادت وثوقية فكرنا بحقيقة التطور وحيثيات التغيير، كلما ازددنا حيرة مفارقة.. )). " ص19 "

ويجلي ذلك برؤية نقدية مفادها المعالجة الجدلية لمفهوم الحديث والقديم.. والإنسان والمحيط والتقدم والتخلف وذلك على شتى الأنحاء التي تسيطر عليها هذه العلاقة الثنائية ـ الجدلية. " ص20 "

 ومن ذلك يدخل في ثنايا البحث النظري لمشكلة التراث كنموذج معالج، بالاستناد إلى آلية نظر (( لا تتقيد بالأسلوب الواحد في تحليل كافة مظاهر التراث، أي أنها تضع كل أسلوب أمام ظاهرته الخاصة، في ضوء استراتيجية أرائية تنحو إلى إرساء توازن ما بين أسلوب البحث وموضوعه. فهي تراعي تداخل الحقول والإبعاد كافة، كما تراعي نسيج التداخل الثقافي التاريخي لهذا التراث في كافة أبعاده،

سواء ما كان يتعلق بنظرية المعرفة أو نظام القيم أو ما يتصل بالتصور العام للنظام السياسي وتدبير المدينةً. " ص20 " بعد كل هذا يدعوا الباحث إدريس هاني الباحثين في مشكلة التراث إلى نوع من المصالحة بين المناهج. ويستدرك ربما اتهامه بالتوفيقية، بالقول: (( وهذا لا يعني بالضرورة السقوط في توليفة تلفيقية جديدة، وإنما من حيث أن المناهج مكملة لبعضها البعض، فالنظرة الشمولية لطبيعة العلاقة بين الإنسان ومحيطه وتاريخه.. تفرض علينا الخروج من تلك الدوائر الضيقة التي تفرضها المناهج.. هذه المصالحة تقوم على أساس رؤية نقيضة لما يمكن أن ننعته بديكتاتورية المناهج والأنساق الفكروية التي ابتليت بها العلوم الإنسانية، إذ حولت ساحة المعرفة إلى ساحة للتباري، ومن ثمة، التضحية بالمعرفة لمقاصد تقع خارج موضوعاتها. لقد أدركت جل المناهج، أهمية الإبعاد الأخرى، وقامت جهود كبيرة لردم الهوة مابين التيارات النقيضة، سعياً إلى المصالحة وتخفيفاً لحدة الاصطدام.)) " ص22 "

  وقد لا نتفق مع الأستاذ الباحث فيما وصل إليه من الدعوة الدمج أو المصالحة بحسب تعبيره، بين مناهج العلوم الإنسانية المختلفة، حداً ربما أفقرها إلى النمهجية ذاتها، وصيرها هذا الدمج القسري إلى اللامنهجية والالتباس واللامضوعية، وأضعاف التراكم والتخصصية، وكأننا بذلك نرجع القهقري إلى المربط الفلسفي الأم قبل الفصل الذي جرى بينها وبين أبنائها الشرعيين ( كل العلوم الإنسانية خرجت من رحم الفلسفة )، الذين شبوا عن الطوق بفعل رشدهم العلمي وطبيعية التراكم المعرفي لتلك العلوم من داخلها. كما أن هذا التداخل ربما أفضى إلى عدم الوضوح أثناء المباحثة والجدل العلمي، إذ كيف يمكن فك الارتباط عند قارئ ليس بالضرورة مطلع على جل المناهج التي أستخدمها الباحث أو الكاتب، فنكون قد أوقعنا القارئ في عدم القدرة على المماحكة والمساجلة الموضوعية، الأمر الذي يفقر التداول العلمي موضوعيته.

   بعد ذلك وفي معالجة موضوع قراءة موضوع القسم اللحضارات،نجد الباحث إدريس يدعوا إلى تطوير الرؤية في ضوء الثورة الاثنولوجية، خصوصاً الأثنولوجية الجديدة والتي طورها ليفي ستراوس، والذي نرى أن الكاتب متأثر بها أيما تأثر، فهو يرى أنها (( أحدثت ـ على شتى المستويات ـ ثورة معرفية هائلة، أعادت صياغة أخطر سؤال واجهته النظم المعرفية خلال تاريخ طويل، وهو الإشكالية الإنسانية.)) " ص26 " والذي انتهت إلى النسبية الثقافية للحضارات، وكذلك إلى أن مربط التخلف والضعف الحضاري، يكمن في سببية الانكماش والعزلة التي تتصف بعض المجتمعات والأمم.

 الفصل الثاني من القسم الأول خصصه للمعالجة الاثنولوجية في مهماتها القديمة، والذي ذهب وبفعل نقدي حاد، إلى نقضها ومهاجمة أطاريحها، وكشف مرامي أهدافها تجاه المجتمعات التي تقع خارج المركز الغربي، خصوصاً المجتمعات العربية والإسلامية، والتي تعد مجالاً خصباً للدراسة والتشابك المعرفي والحضاري، وكذلك من حيث ما وصلت من العودة إلى الوراء، إلى حافة التخلف والبؤس الحضاري، التي سببته مسيرة الدولة القهرية ومركزاتها الانعزالية، وعدم العناية بالعلم والإنتاجية، كما يساجل في هذا الفصل بعض المشاريع الفكرية العربية التي تأثرت بهذه المنهجية والتي أدت مناهجها إلى تعطيل مهمات الثقافة العربية والإسلامية عن الحركة إلى الأمام.

     وفي القسم الثاني سعى الباحث إدريس إلى تحرير ما أسماه نزاعاً فيما بين الحضارة والثقافة من اتصال أو انفصال ! وأرتكز في مقدمة هذا المبحث على ركيزة التعريف الحفري غير المباشر أو لكل من مفهوم الحضارة ومفهوم الثقافة كل على حدا، وراح بإسهاب معرفي، يفصل المنطلق غير القاموسي الجامد الذي ينطلق منه بحثه، والذي يرتكز على أن للمفاهيم معنىً تطوري تفرضه طبيعة تراكم العلائق المفهومية للمصطلح، أو من حيث كونه خضع إلى (( تطورات تداولية مختلفة. أن المفهوم بهذا المعنى هو كائن متطور ومخزون دلالي تاريخاني... وهذا يعني أن مفاهيمنا   تعبر عن لحظاتها التاريخية. وأنها بالنتيجة لا نهائية وغير مكتملة )) " ص 86 "

    أما في القسم الثالث فدخل في أفاق الحوار الحضاري، من خلال الفصل الأول الذي خصصه للأوهام المؤسسة لصدام الحضارات، والقائمة على مناقشة أطروحتي هنتغتون < صدام الحضارات > وفوكوياما < نهاية التاريخ > فند فيها الكاتب مزاعم الأول بالقول: بأنه داعية للانزواء الحضاري، وفق بارانويا ثقافية يتميز بها، وجاء على الآخر في مقولته بنهاية التاريخ وانتصار الغرب بوصفه مركزاً، بالقول بأن هذا الأمر نقضه هينتنغتون نفسه. بالقول أن الغرب غرب والحداثة عرض طارئ.

ثم عرض لتخر صات الغرب المتوحش إمبرياليا باتجاه شعوب العالم ومن خلال مفكريه النقديين أنفسهم كنعوم تشومسكي، أو من خلال البجاحة والغطرسة الذي تؤكدها بعض التصريحات الرسمية والتي تستخدم فزاعة الإرهاب والنتائج التي تريد الإدارة الأمريكية ترتيبها واستثمارها لنتائج أحداث 11 سبتمبر.

بعد ذلك وفي نهاية هذا الفصل يشدد الباحث إدريس على الدعوة إلى تطوير آلية الحوار من قبل الغرب نفسه، وذلك لا يكون إلا بتطوير (( رؤيته الإنسانية بالقدر المشهود له في تطوره التقني... كما ندعو إلى أن نتطور لكي نخلق حداثتنا التواصلية أيضا. إن حواراً بيننا وبين الغرب ممكن جداً. ولكن مع غرب ما بعد الحداثة أو تحديداً الحداثة التواصلية. غرب فريد وليس عالمياً كله. لأن لا وجود لثقافة محلية يمكن أن تكون عالمية مطلقاً. لأن ثمة فقط منطق طبيعي ثاوي في مختلف كل الثقافات, هو بمثابة العقل الهيولاني لمختلف هذه الثقافات وأساس الذوق المشترك والعقل التواصلي... أنني لا أحاور الغرب في صنائعه ومنتجاته، بل أحاوره في علاقته بهذا المنتج وبالكيفية أو الذهنية التي تربطه بهذه الأشياء... أننا مع الحوار حتى النخاع، ولكننا نرفض الاستباحة.)) " ص129 "

    في الفصل الثاني، من القسم الثالث، يجلي الباحث إدريس مشروع نظره في حوار الحضارات والإشكالات المتاخمة له، ضمن تنويعات لصيقة المعنى، ومسايرة لدعوته للحوار على نحو تواصلي، وضمن قسمات الوضوح المفاهيمي المتطور، وبعيداً عن حالات التأزم التاريخي، والسياسي الحدثي، كل ذلك في ثنايا حوارات أجريت معه، أو مداخلات له في مؤتمرات ذات صلة بموضوع حوار الحضارات.

     ويمكننا القول في نهاية المطاف، بأن الباحث إدريس هاني، أستطاع أن ينجز مشروع قراءته لهذه الإشكالية الكبرى على نحو تجاوزي، تداخل فيه مع المعطى الأكثر تقدماً من الناحية المعرفية، والتداولية، وتجنب بحذر شديد، المسوغات التبسيطية لمفهوم الحوار الحضاري، ومارس في بحوثه سجالاً موضوعياً مع المهتمين بهذا الشأن، بقصدية وعي عالية، وتمظهر الباحث على مستوى المغايرة والتجاوز، لما قيل وكتب في هذه الإشكالية، الأمر الذي يدفع باتجاه الإضافة الحقيقة في هذا المجال.