شعار الموقع

نحو رؤية اسلامية لتعارف الحضارات

محمد مراح 2004-10-14
عدد القراءات « 804 »

تمهيد

مرت التجمعات البشرية والحضارية عبر تقلباتها التاريخية المديدة بأحوال اتصلت فيها ببعضها، وأحوال أخرى لم يثبت حدوث الاتصالات بينها؛ إذ إن الحضارة عرفت مستقرات مبثوثة على البسيطة في أزمنة متباعدة أو متقاربة، لكنها لم تخضع بالضرورة إجمالاً للصلات والتأثيرات المتبادلة(1)، لكن غلب على كبرياتها مظاهر الاتصال والتأثير والتأثر.

وقد ميز هذه الاتصالات فترات صراع وتصادم وتفانٍ، وفترات أخرى عرفت فيها العلاقات بين الأمم والحضارات تواصلاً إيجابياً وتبادلاً للمنافع في جو من السلم. وقد أوحت هذه الثنائية (المسالمة والصراع) في الواقع التاريخي والحالي بطرح نظريات مختلفة ومتصادمة أحياناً حول العلاقات بين الحضارات - طبعاً إذا تجاوزنا صورة الدولة القومية ذات المقومات المحددة - من النواحي الواقعية والتوقعية والقيمية المبدئية، وأشهر الأطروحات في هذا المجال (صراع الحضارات) (وصدام الحضارات) و(التعايش السلمي) (وحوار الحضارات).

وانطلاقاً من مسلمة قدرة الإسلام الدائمة على تقديم البدائل والحلول من خلال أحكامه ومبادئه وتجربته الحضارية للمشكلات الإنسانية الكبرى، رأينا أن نسهم في ملاحقة ملامح الرؤية الإسلامية للعلاقات بين الحضارات، برسم الأهداف والمرتكزات، وتعرف البواعث والمؤيدات، وتتبع المعوقات وسبل تذليلها(*)، وقبل هذا كله نذكر أهم مبررات استهداف هذه الصيغة - صيغة الرؤية الإسلامية لتعارف الحضارات - بالتنظير والصياغة.

 

مبررات التنظير لتعارف الحضارات

أبرز المبررات التي دعتنا لهذا التنظير هي:

1ـ ما يمثله مبدأ التعارف والتعاون والتحاور بين الحضارات من كونه مبدأ استراتيجياً في الإسلام، ورد التعبير عنه في القرآن الكريم واضحاً قاطع الدلالة.

2ـ الحاجة إلى صياغة بديل إسلامي عن نظريات الصراع والصدام بين الحضارات التي طغت على الخطاب السياسي والفكري والفلسفي والإعلامي وحتى الشعبي، خاصة في الظروف الحالية التي يمر بها العالم. فرغم القطع الإسلامي بأن البديل عن ذلك هو الحوار بين الحضارات، إلا أن رسم ملامح الرؤية الإسلامية لهذا الحوار ووضعه في إطار جامع وصيغة متكاملة ما زالت في حاجة لجهود معتبرة حتى تصبح المسألة أقرب ما تكون لنظرية في (حوار الحضارات) أو (تعارف الحضارات) تبسط إلى جانب النظريات الدائرة في ساحات النقاش والرأي.

3ـ ما أشار إليه بعضهم من ازدهار نزعة اعتماد الحضارة وحْدَةً للبحث وتصاعدها في العلاقات العالمية(2)، مما لا يصح معه أن تعرض بدائلنا ورؤانا للقضايا منثورة عبر أفكار وسوانح؛ خاصة أن الحضارة التي ننتمي إليها ونعبر باسمها ازدهرت فيها الصيغ المذهبية والتنظير الفكري الجامع المتماسك.

4ـ إن الضمير الإنساني الذي كانت تكونه في القرن العشرين الحوادث العالمية وتلصق به تبعاتها ويتحملها، وتتحدد بعض مصائر كل جماعة من جماعاته خارج حدودها الجغرافية(3)، وفي القرن الحادي والعشرين يبدو أن كل مصائر جميع جماعاته (البشرية قاطبة) تتحدد داخل حيزها الجغرافي بعد أن يكون معنى الحدود قد رحل مع القرن العشرين، فهذا ما تعد به أطروحة العولمة وثورة الاتصالات، فمن الواجب (إذن) إسهامنا في تحديد هذه المصائر.

5ـ لقد جاءت أحداث التفجيرات الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية لتضعنا نحن المسلمين والحضارة الإسلامية في قلب الحدث العالمي في جميع تجلياته، فأصبح - مثلاً - >التعرف على الإسلام بمثابة ندوة أمريكية كبرى عن الإسلام، وتمثل ذلك أيضاً في الندوات الأكاديمية والمناقشات المتلفزة والإذاعية وكثير من المقالات في الصحف<(4)، فينبغي علينا استغلال هذا الجو العالمي وهذه المأساة >لبناء علاقة جديدة مع الآخر لا تنطلق من عداء تاريخي، وإنما تتبنى تعاوناً جدياً يعتمد على الاحترام المتبادل<(5). ولا بد لتحقيق هذا الهدف من ضبط مفاهيمنا وتصوراتنا للشكل الذي يسير عليه حوارنا وتعارفنا مع الحضارات الأخرى، فالحديث عن الإسلام وحضارته والمسلمين في العالم أصبح جده جداً وهزله جداً.

 

ضبط المفاهيم

الحوار هو المصطلح الشائع الاستعمال في ساحات التداول الفكري والديني والسياسي، فيقال (الحوار الإسلامي - المسيحي) و(الحوار العربي - الأوروبي) و(حوار الحضارات) وهو ميدان حديثنا، وقلما يستعمل مصطلح (التعارف) إلا معطوفاً على (الحوار) أو على اعتباره غايته وهدفه، مما قد يوحي بالترادف بين الكلمتين في الدلالة على المراد، وإن تمايزا فبقدر يضيق عن استقلال كل بدلالته. فهل هما كذلك في الدلالة اللغوية، وفي الوضع الاصطلاحي خاصة ضمن الرؤية الإسلامية، ومع ملاحقة الاستعمال القرآني (للتعارف) في الآية ذات الصلة بموضوعنا؟.

فالحوار ومنه التحاور يفيد تراجع الكلام والتجاوب، كما يقال قَلِقَتْ مَحَاوِرُهُ أي اضطرب أمره(6). وقد أورد الزمخشري وهو يشرح قوله تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ...} الآية(7) أن (يحاوره) بمعنى يراجعه الكلام من حار يَحُور إذا رجع، وسألته فما أحار كلمة(8)، فكأن الحوار هنا يفيد إلزام الحجة وقطع السبيل عن رد مقنع ذي بال وإن اتسع المعنى اللغوي للمشاركة والجواب (التجاوب) ورد الكلام وتداوله (مراجعته).

أما (التعارف) فمن المعرفة والعرفان، وهما يفيدان إدراك الشيء بتفكر وتدبر لأثره... والعارف والعريف والعروفة من يعرف الأمور ولا ينكر أحداً رآه مرة(9)، والتعارف مزيج من التعرف والتعريف.

فإن التقى اللفظان في معنى (المشاركة) إلا أن (التعارف)  أسد وأبلغ في القصد مما يُرتجى من موضوع (حوار الحضارات) والمفاهيم التي تعرض في سياقه. فما المقصود (بالحوار) في الوضع الاصطلاحي؟.

يميز حامد ربيع بين مفهومين للحوار أخذاً من الواقع التطبيقي، الأول: هو الأسلوب المنطقي للبحث عن الحقيقة التي تواجه الحجة فيه الحجة، من خلال معارضة منطقية تعبر عن النفي المؤدي إلى النفي نفسه، غايته المنهجية الكشف عن الحقيقة، ومجاله التعامل الفكري والجدل المنطقي المبدع. أما الثاني، فهو المسلك التفاوضي للتعامل الدولي، تسيطر عليه مفاهيم المصلحة القومية، ولغة الأخذ والعطاء بدافع تطويع الإرادات المتعاملة، ويصبح الحوار وسيلة للحصول على تنازلات(10)، لكن إذا استبعدنا المعنى الثاني في موضوع بحثنا، فلا تفوتنا ملاحظتان:

الأولى: أن دلالة استعمال (الحوار) للمعنيين، هي ملاحظة الأساليب الخفية المستترة الرغبة في تطويع واستيعاب الآخر.

والثانية: أن الحوار يفيد تبادل وجهات النظر بقصد الوصول إلى حد أدنى من التقابل حول مفاهيم مشتركة(11).

فرغبة الاحتواء (إذن) بادية في معنى (الحوار) وكذلك إلزام الحجة والغلبة المنطقية، وإن لزم أحياناً الكشف عن الحقيقة وسد مسالك المحاور إلى الباطل، إلا أن رغبة التطويع - وإن كانت للحق - تبقى دائماً حاضرة في جو الحوار.

أما (التعارف) فيأخذ من تعريفه منحيين، الأول، إن كان داخل الدائرة الإسلامية فيفيد >رجوع الكثرة من الأفراد على تعددهم العرقي والقبلي إلى وحدة متعاونة على ما يكون به قوام الحياة الجماعية، وما يكون به تحقيق أغراضها، متوجهة في ذلك توجهاً سباقياً للاقتراب من الله تعالى لتحقيق أوامره، وتلك هي التقوى... هدف التعارف<(12) وهذا المنحى مستبعد - بالطبع - من موضوعنا. أما المنحى الثاني، فتدور فيه فكرة (التعارف) حول التسليم ابتداء بإبعاد نزعة التفوق الحضاري أو الثقافي والإيمان بأن لكل ثقافة أو حضارة ما تقدمه للثقافات والحضارات الأخرى، وهي بدورها في حاجة للأخذ من غيرها(13)، ويتم تحصيل ذلك عبر عمل منهجي مستمر تحتضنه مؤسسات خاصة ومناسبة، تتلاشى لدى مؤطريه نزعة المركزية وروح الغلبة والمنة، ويتشوفون للتلاقي والتآلف والتعاون الإيجابي.

إننا إذ نختار مصطلح (التعارف) للتعبير عن رؤيتنا الإسلامية حول إنجاز هذا التوجه الحضاري الواعد، نقدم بين يدي اختيارنا الاعتبارات الآتية:

1ـ دلالة (التعارف) على عمق ارتباط الصلات الإنسانية أدق من دلالة (الحوار).

2ـ (الحوار) لا يقتضي - ضرورة - (التعارف)، بينما هذا يفيد حصول (الحوار) قطعاً.

3ـ (الحوار) باب و (التعارف) أداته.

4ـ (الحوار) لا يلزم معه المصير إلى غايات أعمق في العلاقات الإنسانية، إذ قد لا يجاوز المستويات السطحية في تلك العلاقات، بينما (التعارف) لملازمة معنى المشاركة له منفتح على جل أو كل مستويات العلاقات الإنسانية، فتنتج عنه مستلزمات كثيرة لعل أهمها: التعاون والتآلف والإرشاد والاسترشاد.

5ـ (التعارف) ومقتضياته دعوة للعودة إلى الفطرة البشرية واستجابة لمطلبها الأصيل، و(الحوار) أداة معبرة عن الحق والباطل، وعن تطلعات الفطرة والعقل وحاجات الغرائز.

6ـ (الحوار) قد ينقضي مع استنفاد أسبابه وملابساته، أما (التعارف) فتثبت معه آثار التعرف ولا تنكر بعده أبداً.

7ـ (الحوار) يحمل رغبة ما في الاحتواء، أما (التعارف) فيفيد حصول مستلزماته وإن بقي كل في ساحة قناعاته واختياراته.

8ـ >إن التعارف هو الذي يحدد مستويات الحوار والتعاون ويثريهما، ويثمرهما، كما أن للتعارف دوراً وقائياً في منع النزاع والصدام على مستوى الأمم والحضارات، لهذا فإن اختيار مفهوم التعارف الذي بني عليه مفهوم تعارف الحضارات، هو أكثر دقة وفاعلية<(14).

9ـ الانحياز للمصطلح القرآني (لتعارفوا).

 

مشروعية تعارف الحضارات

إن الآية التي شرَّعت لهذا التعارف والتي هي مدار الطرح في هذا البحث قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}(15) فاختيار الله تعالى في خطابه مصطلح (التعارف) دون غيره مقصود؛ فإضافة لما ذكرنا من قبل، فإنه أشد ملاءمة لطبيعة المجتمع الإنساني وارتقاء التعارف بين طبقاته شعوباً وقبائل وأمماً، إذ يحصل هذا التعارف >طبقة بعد طبقة متدرجاً إلى الأعلى... وهكذا تتعارف العشائر مع البطون والبطون مع العمائر، والعمائر مع القبائل، والقبائل مع الشعوب؛ لأن كل درجة تأتلف من مجموع الدرجات التي دونها<(16). وأنسب له أيضاً من جهة توزيع الأعمال وحصول المنافع، >فكان هذا التقسيم نظاماً محكماً لربط الأواصر دون مشقة ولا تعذر، فإن تسهيل حصول العمل بين عدد واسع الانتشار يكون بتجزئة تحصيله بين العدد القليل ثم يبث عمله بين طوائف من ذلك العدد القليل ثم بينه وبين جماعات أكثر. وهكذا حتى يعم أمة أو يعم الناس كلهم، وما انتشرت الحضارات المماثلة بين البشر إلا بهذا الناموس الحكيم<(17)، كما تتأكد لدينا أيضاً قصدية وخصوصية اختيار مصطلح (التعارف) لفعالية مفهومه - كما ألمحنا سابقاً - في إدراك الغاية من مستلزماته، كالتعاون وتبادل المنافع ونبذ حب الغلبة والاستئثار والأنانية والاستعلاء والتصادم والصراع. ثم إنه بالغ بِكُلٍّ إدراكَ ما لدى الآخر من خير يرغب أن يشاركه فيه، وما يتخبط فيه من مشكلات يقترح عليه حلولها، أو شرور تحيط به يرشده لمضارها ويدله على سبيل الخلاص منها. كل ذلك يتأتى بحسب مستويات الحوار ومنهجيته العلمية والفلسفية التي ينساب عبرها التعارف.

? مرتكزات تعارف الحضارات

لا تتحقق فعالية (التعارف) إلا إذا أسندته مرتكزات ومبادئ تتناسب مع سموه وحسن مقصده، والرؤية الإسلامية توفر لنا مجموعة من المرتكزات والمبادئ السامية هي:

1ـ وحدة الأصل الإنساني التي عبرت عنها آية الحجرات، وأكدتها الأحاديث الشريفة.

2ـ مبدأ وحدة الإنسانية الجامع؛ فالملاحظ أن خطاب الله تعالى في الآية الكريمة (آية الحجرات) توجه للنوع الإنساني في عمومه، فلم يخص جنساً بعينه، والمقرر لدى المفسرين >أن كل نص قرآني ابتدأ النداء فيه، يا أيها الناس، يكون الخطاب فيه للناس جميعاً، غير مختص بقبيل دون قبيل، لأن العنوان فيه للإنسانية كلها، فكل من يتصف بها داخل في الخطاب<(18). وغني عن البيان أن هذه النزعة الإنسانية ظلت مطمح البشرية في أغلب مراحل تاريخها، خاصة حين تظلها حضارة، فحامت حول هذا المقصد مذاهب فلسفية وديانات وفنون، لأنه تعبير عن حاجة فطرية في الإنسان ومحاولة ارتدادٍ إلى ما كان عليه الناس في مبتدأ الخلق، كما صرح بذلك القرآن الكريم: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(19)؛ فإن يكن اختلافهم وتفرقهم وتنازعهم حصل بعد تنازع الهداية والضلال لهم، فإن في التعارف الحضاري ما يهديهم - بإذنه تعالى - إلى شكل من أشكال التقارب الإنساني يذكرهم بأصلهم الأول ويرشدهم إلى دلائل الهداية وأسبابها.

3ـ الاختلاف في الألوان واللغات آية من آيات الله تعالى وسنة من سننه الكونية؛ قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ}(20)، ومما يتسق مع مقتضى هذه الآية والسنة الكونية الإلهية مُعْتَقَداً وسلوكاً وعملاً ألَّا ينقلب هذا الاختلاف إلى عوامل تفرق وعنصرية واستبعاد وتناحر؛ بل التسليم بالحقيقة الواقعية والبحث عما في جوهر الإنسان، روحه وإنسانيته مما يقربه من أخيه الإنسان، وينفع كل منهم أخاه بما قُدِّر له من خيرات يعيش عليها أو ابتكار أو علم اهتدى إليهما.

4ـ المحبة؛ التسليم بوحدة الرحم الأولى يفترض فيها أن تثير في الإنسان تجاه أخيه الإنسان مشاعر نبيلة سامية كالمحبة؛ فهي >أثمن ما في الوجود، وإن حاجة البشر إليها أعظم من حاجتهم إلى كل ضروريات الحياة، فإنهم إذا توفرت لهم ضرورة الحياة وحاجياتها وكمالياتها ثم حرموا من المحبة عاشوا عيشة التناكر والتقاطع، وكانوا على بعضهم شراً من الوحوش الكاسرة والحشرات السامة، وإذا رزقوا المحبة مع ما لا بد منه من لوازم الحياة عاشوا عيشة تواد وتعاون، وكانوا على بعضهم خيراً وبركة، فهم... لا توزن سعادتهم وشقاؤهم في هذه الحياة إلا بقدر ما بينهم من المحبة<(21).

5ـ حرية الاختيار، ذلك أن التعارف لا يستطيع أن يمضي أبعد من أشواطه الأولى وبداياته إن بدت نية فرض الاختيارات، ولهذا نلاحظ كيف أسس الإسلام قبول عقيدته على حرية الاختيار، فلا إكراه في الدين، فمن باب أولى لا إكراه في الرأي والاختيار، وقد علمنا الله تعالى من خلال كتابه الكريم الدرس البليغ في قبول الرأي الآخر حين >خلد الرأي الآخر وحكم بأن قراءته ذكر وبركة تُزكِّي قارئه وترفع شأنه عند خالقه<(22)، وهو ركيزة فكرية ذات أثر نفسي بعيد ينعكس إيجاباً على مسار تعارف الحضارات.

? بواعث تعارف الحضارات

تنبع هذه البواعث من طبيعة الرسالة الإسلامية في العالم، فالتعارف الحضاري يوفر الإطار الملائم لأداء واجبات شرعية، وإبراء الذمة، وتقديم العلاج، كما يساعد على تجسيد صفة عالمية الثقافة والحضارة الإسلامية. وأهم هذه البواعث هي:

1ـ باعث الدعوة والهداية، فإن كل خطابات البلاغ التي وجهها الله تعالى لرسوله ? انتقلت مقتضياتها إلى أمته من بعده، ولهذا لزم علينا >أن نسعى أبداً للآخرين نحاورهم ونجادلهم وندخل في عقولهم فنتفهَّم بعض ما فيها، ونطرد منها البعض، ونهدي لهم بعضاً من قيمنا ومبادئنا ومعانينا الرسالية<(23). ولو لا هذا البعد في الرسالة الإسلامية لما كان هناك شيء في التاريخ اسمه الحضارة الإسلامية.

2ـ باعث الشهادة على الناس، فقد أناط الله تعالى بهذه الأمة مسؤولية الشهادة على الناس، في قوله تعالى: {وَكَذَلكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}(24)، فإن يكن من البديهي أنها لا ترقى لمستوى هذا التكليف إلا بعد أداء واجب البلاغ، فإنها لا تحقق هذا ولا تستوعب مقتضيات ذاك إلا إذا انطلقت في >دورها المميز، من موقع الوعي والشمول لكل المساحات الأخرى على مستوى العالم، بحيث تتعرف اتجاهاتها وأوضاعها وحركاتها وأساليبها وأهدافها وعلاقاتها، لتستطيع رصد نقاط الضعف والقوة، والاستقامة والانحراف لديها، لتملك الحصول على المعرفة الشاملة، التي تجعلها في موقع الشاهد الحي الواعي، الذي يعيش الحضور الواسع لكل التطورات والمتغيرات في كل جيل؛ لأن ذلك وحده هو الذي يجعل للشهادة عمقاً وامتداداً وسعة على جميع المستويات... وعلى هذا الأساس سوف يفتح لها آفاق المعرفة الواسعة، ويقترب بها من كل حركة الأحداث، ويهيئ لها الثقافة الشاملة التي تلتقي بكل مفردات الواقع الإنساني<(25)، وهذه حقيقة واحدة من أعمق مستويات تعارف الحضارات وأدق مسالكها.

3ـ الانفتاح على العالمية، فالانغلاق والعزلة مجافيان لطبيعة الإسلام الحركية الاتصالية المتطلعة للقاء والتعارف، كما أن التقدير السليم للأمور والأفكار يتطلب أكبر قدر من الانفتاح على العالمية، >فالضمير الإنساني الذي لم يألف العمل على حدود الثقافات... تسيطر عليه عادات جذبية مزمنة تحمله على أن يرى الأشياء من زاوية ضيقة<(26) تحرمه من التواصل الحضاري وممارسة دوره الثقافي والحضاري في مسيرة التعارف الحضاري.

4ـ باعث تقديم العلاج لأزمات العالم الروحية والعلمية والأخلاقية والفكرية؛ فالاتجاه الفكري السليم القائل بأن الإسلام هو المنقذ للواقع الحضاري القائم في تصاعد مستمر.

? أهداف تعارف الحضارات

ضبطاً لمسار التعارف نرصد أهم الأهداف والغايات التي يسعى لتحقيقها وفق الرؤية الإسلامية:

1ـ التقارب والتسامح؛ فالتعارف الإيجابي هو الذي يبذل فيه كلُّ طرف أقصى جهوده للتعرف على ما يقرِّبه من الطرف أو الأطراف الأخرى التي تشاركه التطلع نفسه، فيبحث القائمون بالتعارف والتحاور في ثقافاتهم وحضاراتهم عما يقرب بينهم من الأشواق والآمال والانجذاب نحو كل ما هو إنساني معبر عن جوهر الإنسان وفطرته، فمن شأن البحث المخلص عن هذه الأسباب أن تمتد أرض الوفاق بين الحضارات وتتشبع الإرادات بقابلية التجاوز والتسامح. وقد ضرب الإسلام عبر تواصل حضارته مع الحضارات الكبرى في العالم المثل الرائع في تجسيد هذا الهدف النبيل. وبفضل الروح العالية من التسامح تجاوز عتبة التقارب إلى احتضان أكثر ما هو مفيد في الثقافات الأخرى، وتمثله بعدئذ حضارةً خالدةً أنارت العالم في قرون ظلامه.

2ـ التعايش السلمي، من شأن الهدف السابق توفير الأجواء المناسبة لتتعايش الحضارات في سلام وأمن. والحقيقة أن هذا الهدف يتطلب تعميقاً بالغاً لفلسفة وأفكار السلام، وتفكيراً جاداً للخروج بالمسألة من حسابات ومصالح السياسيين والعسكريين، وأصحاب المنفعة من صناعة التسليح، وخدام نظريات الحرب وتفجير بؤر التوتر في العالم، إلى ساحات التوعية العامة واصطناع جماعات الضغط من دعاة السلام العالمي العادل في كل حضارة بل في كل مجتمع، فتسود المجتمع الدولي ثقافة حضارية تمنح فكرة السلام صورتها الحقيقية؛ بأن تضمن وضعها في ذمة المبادئ(27)، لا المصالح وحسابات مروجي الدمار ليثروا ويطغوا.

3ـ فك عقدة الهيمنة وتجاوز عقيدة الصراع، حيث من العناصر المكينة التي انبنت عليها الحضارة الغربية الحديثة، الصراع والهيمنة، فأنتجا كل أشكال الإذلال والاستعباد والحركة الاستعمارية، وترسنة الأرض والبحر والفضاء بالأسلحة المهلكة للحياة والأحياء، والجشع، وخلق أسوأ معادلة في الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية الدولية، معادلة العالم الغني غنىً فاحشاً والعالم الفقير المتخلف، بل وتزويد المبادئ والآليات والتوجهات والممارسات الاقتصادية العالمية بما يحافظ على استقرار هذه المعادلة، فإن حدث أن تحركت نحو اتجاه التوازن الإيجابي فإما أن تتحرك باتجاه محسوب ومرصود لا يشرف على الغاية، أو أن تواجه بالعراقيل والمنع وحتى القمع المقنن عند الضرورة، حفاظاً على نظام التبعية العمود الفقري للنظام الاقتصادي الدولي، فلقد فرض التخلف واستمراره بالقوة على العالم لمصلحة تنمية الغرب وحده(28).

أما الصراع فما يزال المحرك الأساس لسياسة الغرب وكبرى اتجاهاته ومؤسساته في العلاقات الدولية، وأفضل نموذج له السياسة الأمريكية القائمة على ضرورة خلق العدو - وإن لم يوجد - >لشحذ الوجدان الجماعي المستمر... الذي يسمح للفرد بنعمة الحرية الشخصية والحركة الاقتصادية، والرفاه والعدل، مهدد دائماً بعدو ما يريد أن يقضي على ما يسمى (بنوعية حياتنا) our way of life أو أحياناً the American way<ـ(29) هذا الثابت في سياسة الغرب وكثير من أسس اتجاهاته الفلسفية والفكرية، يتطلب لتجاوزه - على المستوى الفكري ابتداء - لقاءات ومحاورات مستمرة بين النخب المفكرة لشتى الحضارات والمجتمعات المعاصرة، تراجع فيها الكثير من المفاهيم التي أصبحت من المسلمات في المنظومات الفكرية الغربية، والتخلي عن نزعة الاستئثار بتحديد المفاهيم، كالديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية والتطور والتنمية وغيرها.

4ـ معرفة الآخر على حقيقته وتصحيح الصورة المسبقة عنه، فكثيراً ما رسمت الحضارات صوراً نمطية لغيرها من الحضارات، فلا تنظر إليها إلا من خلال تلك الصور، وتخضع حسابات التعامل معها لمقتضاها. وكثيراً ما تكون تلك الصور مغلوطة لأسباب لا ينفسح المجال لبحثها، صحيح أن البحوث الجادة المنصفة والحيادية كثيراً - أيضاً - ما تكشف عن حقيقة الصورة الحضارية الصحيحة لحضارة ما، لكن تبقى سلطة تأثير وتوجيه الصور النمطية ومن ثمة تحديد السلوكات هي المهيمنة.

ونعتقد أن إقبالاً مخلصاً على الدفع بمشروع تعارف الحضارات سيؤدي خدمة جليلة للإنسانية فيتعرف كل على صورة الآخر كما هي. وهذا التوجه تعليم رباني كريم لنا نحن المسلمين، إذ نحب أن يتعرف علينا الناس ونتعرف على الناس، فلدينا الكثير الذي نحب أن نقوله(30)، وعلى هذا النحو يحمل الأمر بمجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن، والالتقاء بيننا وبينهم على كلمة سواء، وقولنا للناس حُسْناً، وغيرها من التوجيهات الربانية الحكيمة. ويجدر بنا ملاحظة أن ديننا الذي أذن لنا بهذا الحوار والتعارف والجدل في مسائل الاعتقاد وفي غيرها من القضايا أولى بمثل هذا التناول والمقاربة، خاصة وأن مصائر الناس في العاجلة تشترك في قضايا كثيرة تلح أكثر من أي وقت مضى على فك الاشتباك حولها.

ويعد خطاب الأمير (تشارلز) ولي العهد البريطاني في هذا المضمار من أرقى وأنضج الخطابات الصادرة من الغرب؛ فقد قال في كلمة ألقاها في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية عام 1993م: >إذا كان الغرب يسيء فهم طبيعة الإسلام، فما زال هناك جهل كبير حول ما تدين به حضارتنا وثقافتنا للعالم الإسلامي، إنه نقص نعانيه من دروس التاريخ الضيق الأفق الذي ورثناه. فالعالم الإسلامي في القرون الوسطى من آسيا الوسطى إلى شاطئ الأطلسي كان يعج بالعلماء ورجال العلم، ولكن بما أننا رأينا في الإسلام عدواً للغرب، وكثقافة غريبة بنظام حياتها ومجتمعها، فقد تجاهلنا تأثيره الكبير على تاريخنا. لم يعد باستطاعة العالمين الإسلامي والغربي البقاء بعيدين عن بعضهما بعضاً، وعدم الاشتراك في جهد مشترك لحل مشاكلهما المشتركة. إننا لا نستطيع العودة إلى الخلافات والتحديات الإقليمية والسياسية الماضية. يجب أن نساهم معاً في خبراتنا، وأن نشرح أمورنا كلٌّ للآخر، لنتفهم ونتسامح ونتحمل معاً<(31)، فهذه التوجهات في الغرب كثيرة وتعد نواة صالحة للتشجيع والتطوير والتعميم على أجواء خطوات واعدة لتعارف الحضارات.

ومن النتائج المنتظرة لهذا السلوك الحضاري، أن يدفع إلى الأمام وبشكل إيجابي معالجةَ عقد الاستعلاء والحقد والتخلف واللاإنسانية، فمن مهام وأهداف التعارف الحضاري - إذن - التي ينبغي أن تكون محل عناية شديدة من جانب النخب المتعارفة والمتحاورة؛ الارتفاع بمستوى مجتمعات ما بعد الاستعمار المتخلفة إلى مستوى الحضارة، والارتفاع بمستوى الرجل (المتحضر) الملطخ بإثم الاستعمار إلى مستوى الإنسانية(32).

فمن الملاحظ أنه حتى وإن زال الاستعمار القديم عن مختلف وأغلب مستعمراته فإن أشكاله الجديدة والمتجددة في تزايد، ممعناً في تحقيق مآرب الفئات القارونية العالمية تحت مظلة (العولمة) الرجراجة. فهذا الوضع العالمي الذي سيسمح باستمرار مأساة الإنسانية الاجتماعية والاقتصادية، لن يزيد سوى من تأجيج مشاعر حقد الصغار المستضعفين، واحتقار الكبار المستكبرين، وهي مشاعر تجافي استقرار الحضارة والسلم العالمي، وتنذر بالعنف والعنف المضاد.

5ـ تشجيع فكرة الانتفاع المتبادل من خيرات الأرض من خلال فكرة التعاون، فالرؤية الإسلامية لهذا الهدف تنطلق من عقيدة أن الله تعالى لم يخلق الأرض لنتهارش عليها ونسفك الدماء، بل خلقها لنرتفق خيره ونشكره عليه(33)، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}(34)، وقد عبر الفقه الإسلامي المعاصر عن هذه الغاية السامية الرشيدة وهو يعرض كنوز مبادئه وقيمه الإنسانية التي تقرب الإنسان من أخيه الإنسان، فالتعارف >يجعل كل فريق ينتفع بخير ما عند الفريق الآخر، وتكون خيرات الأرض كلها لابن هذه الأرض وهو الإنسان، فلا يختص فريق بخير إقليمه ويحرم منه غيره، فإذا كانت الأرض مختلفة فيما تنتجه فالإنتاج كله للإنسانية كلها، ولا سبيل لذلك إلا بالتعاون والتعارف الإنساني، فالتفرقة الإقليمية لتستغل الأرض في كل أجزائها وكلها للجميع<(35). وهذا التوجه يخالف -كما هو بَيِّن - سلوك الحضارة الغربية القائمة على أبشع صور الاستغلال، وتبريره بدعاوى التقدم والواقعية ورفاهية الإنسان الغربي بل والتعاون الإنساني، وتقديم المساعدات والمعونات الدولية وفرض صرامة القانون الدولي، وغيرها من الشعارات المسوقة بقوة الإعلام والسياسة والسلاح.

وإن مهام النخب المؤمنة بتعارف الحضارات أن تصب جهودها الفكرية والعلمية والإعلامية - وهي مجالات تحركاتها - في سبيل كشف هذه التزييفات للرأي العام الغربي الواقع تحت طائلة التضليل الإعلامي خاصة، واستغلال الأحداث التي تصنع الأوقات العالمية كحادث 11 سبتمبر 2001 لتمرير خطابها، مع جهود أخرى موازية تتيحها مثل هذه الظروف النادرة والحرجة في تاريخ الغرب المعاصر لضخ دم القيم الإنسانية الحقيقية في جسم العلاقات الدولية وعلاقات الحضارات فيما بينها.

6ـ احترام الخصوصيات الحضارية، ما يفرق حضارة عن أخرى خصوصيات ومميزات كلٍّ منها، فتشكل الحضارات تنوعاً فسيفسائياً من الثقافات يغني الحضارة العالمية ويصنع بهجتها الدنيوية. هذه الخصوصيات يجب أن يستهدفها تعارف الحضارات بصورة إيجابية؛ فتحتل في جدول أعمال المتعارفين مكانة متميزة، يعرض كل فريق بدقة وعمق خصائص ومميزات حضارته وفلسفتها في الحياة ورؤيتها للقضايا الكبرى، سواء ما شغل منها الإنسان منذ القدم أو ما تبع تعقيدات الحضارة المعاصرة، كقضايا حقوق الإنسان، والحرية والديمقراطية وحماية البيئة، والسلم العالمي، وقضايا العلاقات الاجتماعية، الأسرة ومشكلاتها، واستغلال الأرض بما يعود على الإنسانية كلها بالمنفعة.. الخ.

فتعمق مختلف الرؤى والتصورات حول هذه القضايا وغيرها التفاعل الثقافي والتقارب الإنساني، وتعطي علاجاً مفيداً مناسباً لها. ومن جهة أخرى تزداد مختلف الخصوصيات الحضارية وضوحاً لدى المتحاورين والمتعارفين، وتبين الوزن الثقافي والحضاري لكل ثقافة وحضارة من زاوية إنسانية، مما يُمَكِّن لقيمة أساسية في تعارف الحضارات وهي احترام الثقافات المختلفة، والتعامل معها على أساس اعتبارها اجتهاداً إنسانياً لتطوير الإنسان، وتبقى مسألة الأخذ والترك منها محل اختيارات إنسانية -أيضاً- تقديرية تكيفها كل حضارة مع ما تراه متناسباً مع أوضاعها وقيمها ومرحلتها الحضارية، فتستنفر قواها الإبداعية في هذا الجو المتفاعل حضارياً لتطوير نفسها داخل نسقها الحضاري، وبعيداً عن مضار العزلة والتقوقع، فتخرج الحضارة الإنسانية من الأحادية الحضارية وهيمنة (النموذج الأرقى) و(النمط المتطور الوحيد) للتحضر والتقدم، ويعرف العالم تجربة التعددية الحضارية تزدهر فيها قوى الإنسان وقدراته الإبداعية، وتتخاطب الحضارات والثقافات بلغة المنافسة الشريفة، يطوى معها منطق الصراع والصدام والغلبة المبيدة والتبعية الذليلة.

? مؤيدات تعارف الحضارات

نعنى بالمؤيدات تلك الاستعدادات الشعورية والفكرية والعملية التي يبديها القائمون على تعارف الحضارات، لإخراجه إلى دائرة الإمكان العملي في حياة شعوب وأمم الحضارات المتنوعة. وهي أيضاً عوامل موضوعية تدعونا نحن المسلمين للمبادرة والتشجيع وتصدُّر الدعوة لتعارف الحضارات.

أولاً: المؤيدات الموضوعية:

1ـ العامل الديمغرافي، فالمؤشرات الديموغرافية تذهب إلى تأكيد السيادة العددية للمسلمين في الأرض على مدى قرن؛ فالقرن الثاني والعشرون سيكون قرن الإسلام والمسلمين من هذه الناحية؛ إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن بداية القرن الثاني والعشرين سيسجل العدد الإجمالي للمسيحيين في العالم انخفاضاً، عما كان عليه في القرن الواحد والعشرين ليصبح 1,980 مليار نسمة (سيسجل مع نهاية القرن 21: 2,228 مليار نسمة)، أما عدد المسلمين في نهاية القرن 21 فسيصبح 4,412 مليار نسمة، وسيستمر تزايدهم في القرن 22 ليصبح عددهم 5,853 مليار نسمة أي نسبة 43,3% من سكان العالم أي نصف سكان العالم مع هذا القرن سيصبحون مسلمين، والصين ستصل في هذا القرن (القرن 22) إلى 1,975 مليار نسمة، وبقية العالم إلى 3,47 مليارات نسمة، بما يفيد أنه سيصبح على الكرة الأرضية بين كل فردين فرد مسلم على الأقل(36)، وربما عتمت الحالة المتردية للمسلمين اليوم على دلالة هذه الأرقام، فإن لم تبعث على التشاؤم المتزايد فلن ترى فيها سوى استمرار الحالة الغثائية للمسلمين، لكن دلالات كثيرة توحي بحدوث التغير في المستقبل، منها: قدرة الإسلام الذاتية على الانتشار ومد الإنسانية بالحلول الناجعة لمشكلاتها وأمراضها في الاجتماع والاقتصاد والنواحي الروحية والنفسية، في الوقت الذي لا تلبي فيه غيره من الديانات عدا بعض الحاجات الروحية.

كما أن الأرض الإسلامية ومنها العربية أراضٍ للثروة والمال، والقارة المستقبلية (إفريقيا) خزان الثروة العالمية تنفتح على الإسلام بشكل متزايد. كذلك يلاحظ التزايد الإسلامي في الغرب الذي يقدر وصول المسلمين فيه سنة 2020 إلى 200 مليون نسمة، وهو عدد مؤثر لا محالة، خاصة أن الكثير منه نوعي. يضاف إلى هذا عدة عناصر ذات صلة بمعدل السن فستزداد معدلات الشيخوخة في الشمال مما يضطره لمكافحتها واستقدام المهاجرين من الجنوب الذين سيغلب عليهم المسلمون خاصة ذوي الكفاءات العالية، ومن هذه العناصر التوزيع الجغرافي للمسلمين، فهذه المعطيات يمكنها أن تكون إيجابية في رسم صورة المستقبل الإسلامي العالمي، وهي موضع اهتمام كبير لدى الغربيين(*)، لسبب أساسي وجوهري، وهو أن العدد يمكن أن يتحول إلى نوعية في أي زمن من الأزمنة، أو تحوله النخبة إلى نوعية، في حين لا يستطيع مجتمع هرم أن يتحول إلى الفاعلية مهما فعل(37).

على ضوء هذه التوقعات التي تؤيدها حقائق ماثلة للعيان، كتزايد الاهتمام بالإسلام، فقد أشارت بعض التقديرات إلى وجود آلاف المواقع في شبكة الإنترنت المهتمة بالإسلام والتطلع لمعرفته، كذلك تزايد الإقبال على اعتناقه خاصة بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001م، فقد ذكرت بعض التقارير الإعلامية أنه بعد حوالي شهرين من الحدث الأليم دخل حوالي 24 ألفاً الإسلام في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، رغم تركيز الإعلام على الصور المرعبة للإسلام والأصولية والحملات العنصرية على المسلمين في الغرب. فلسنا نستبعد لجوء الدوائر المعادية خاصة الصهيونية تحت (رعب الإسلام) القادم الذي تنطق به الأرقام والوقائع إلى استغلال هذا الحدث وأمثاله في صد الناس عن الإسلام(38).

كما نرى في هذه المؤشرات الرقمية مؤيداً كبيراً للمسلمين كي يعرضوا حقائق دينهم العظيم في موكب تعارف الحضارات ويقودوا سفينته نحو النور.

2ـ الموقع الاستراتيجي للإسلام اليوم، إذ يمثل الإسلام اليوم مركز العالم الحديث، مما يؤهله للقيام بربط الصلة بين الشمال والجنوب، والإسهام في بناء عالمية جديدة بديلة عن العولمة العقيمة، فيتمكن الإنسان من استرجاع محوريته وبالتالي حريته ومساواته وسعادته. هذا الدور يسمح بتجاوز الحوار أو الصراع الحضاري إلى بناء حضارة عالمية تتبلور فيها القيم الأساسية المميزة للحضارة الإسلامية، وما أكثر القيم التي تحتاجها الإنسانية والحضارة المادية من الإسلام؛ فقسوة المادة فجرت أشواق الروح في إنسان المدنية المعاصرة التي لا يلبيها سوى الإسلام بتوازنيته العجيبة بين المادة والروح، فضلاً عن قيم العدالة الحقيقية، وأنظمته الاجتماعية والأسرية المتراحمة المتكافلة، ومد الاقتصاد بقيم ترحم الإنسانية من الجشع والابتزاز.

ثانياً: الاستعدادات الشعورية والفكرية:

1ـ عقلنة الإيمان، من خصائص الرسالة الإسلامية موافقتها لصحيح المعقول؛ كمان أن العصر هو عصر العقلانية المفرطة، فلا يُسلم لك الإنسان المعاصر ما لم تبلغ بعقله حد الاقتناع؛ لهذا وجب -للانخراط في تعارف الحضارات- بذل الوسع لتحصيل عقلنة حقيقية راشدة، مصحوبة بإيمان ويقين عميق، نستطيع تحريكهما في ساحة التعدد الديني والفكري والثقافي(39)، ولا شك أن العملية في حاجة إلى مضاعفة الجهود الفكرية والعلمية المضنية من جانبنا لضبط حدود العقل والعقلانية في ديننا، وحركته في ثنايا النص ودوره في تعرف الأحكام الشرعية وإثبات دلائل الإيمان وتثبيته في العقول والقلوب.

2ـ حسن النية، فيجب على الأطراف المتحاورة والمتعارفة إظهار أكبر قدر من حسن نية التعارف والتعاون والتآلف، فعائق المواريث التاريخية المؤلمة يقف بِحِدِّة في وجه التعارف، تزيده صلابة الأحداث والهجومات الفكرية والعقائدية، وحتى العسكرية خاصة من الغرب، تجاه عالم الإسلام وحضارته، وتشجيع المبادرات الشيطانية في هذا المضمار. وإلى جانب ذلك ظهرت اتجاهات مشجعة هنا وهناك تبعث على الإقدام نحو مزيد من بلورة ملامح مستقبل تعارف الحضارات.

3ـ عدم استغلال الدين في الصراع، فالمقرر في الإسلام أن الدين كما أنزله الله تعالى ليس سبباً في الصراع والصدام والتنافي، وإنما استغلال الدين لأغراض مصلحية ضيقة والهيمنة المستغلة البشعة، هو الذي يشجع على هذا الصدام والصراع(40). فنظرية صدام الحضارات - مثلاً - تبرز الدين باعتباره عامل التوتر والصدام المستقبلي على حدود الحضارات الكبرى، وتُنَبِّه الغرب المسيطر لأن يبقى يقظاً لنزعات الإسلام التحررية والتنموية التي لا تنسجم مع (حداثة الغرب)، وتوجهه لتقوية المؤسسات الدولية التي تعكس وتسوغ المصالح الغربية والقيم الغربية وتضفي عليها الشرعية... وعلى المدى الأطول فسيكون اتخاذ إجراءات أخرى أمراً مطلوباً... وعلى الغرب احتواء الحضارات الأخرى... التي تختلف قيمها إلى حد كبير مع قيم الغرب(41)، فنزعة السيطرة واضحة في هذا التنظير، لكن الخلفيات التي صيغت هذه النظرية لتعبر عنها وترسم غاياتها تؤكد مقولة: إن الدين في طبيعته ليس عامل تصادم وصراع، وإنما استغلاله وتوجيهه هو المؤدي لهذه الحالة المأساوية في تاريخ الإنسانية. ويتضح أكثر حين نقرأ خطاباً مغايراً في الحضارتين الإسلامية والمسيحية وربما غيرهما؛ يذهب عكس هذا الاتجاه، ويبدي الاستعداد الأصيل فيهما للتعارف والتقارب على غير الأسس التي تبنى عليها النظريات التصادمية.

? معوقات تعارف الحضارات

ليس من اليسير حصر هذه المعوقات؛ فبعضها ممتد عبر التاريخ من خلال أدوار الاتصالات بين الحضارات، وبعضها بلغت بها تعقيدات العلاقات الدولية المعاصرة درجة الطلاسم التي يصعب فكها. ولعل أخطر المعوقات تلك التي يشكلها الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة، إذ باتت تصنع الحرب والسلام والخوف والرعب والرغبة في الانتقام، والأنانية، والحب والكراهية، والتضحية >وهكذا فالتطورات التكنولوجية الكبيرة التي ميزت القرن العشرين أفضت إلى ضرورة تصنيع المعلومات، باعتبارها القوة البديلة للقوى المهيمنة السابقة، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية<(42)، وغني عن البيان أن هذه القوة البديلة يهيمن عليها أصحاب المصانع والإمبراطوريات المالية والصناعية والتجارية الكبرى، وأصحاب عقيدة معاداة تآخي الإنسانية.

ومع هذا؛ فما دام الذين ينخرطون في مسار تعارف الحضارات يفترض فيهم إيمانهم بجدية مسعاهم وجدواه على مستقبل الإنسانية فلا بد من بحث المعوقات المقدر أن تعترض سبيل التعارف وكيفية تذليلها.

1ـ العائق العقائدي، فالدين يمثل جوهر كل حضارة، والالتفاف حول المعتقد في حالات الشحن والتعبئة العاطفية أو المقابلة الفكرية بين المعتقدات حقيقة مشهودة، والملاحظ أن هذا الالتفاف هو عبارة عن ارتباط عاطفي في الغالب يولد الإحساس برغبة العزل عن الثوابت والانتماء الطائفي والخصوصية الثقافية، فيتولد بالتالي الشعور العاطفي بالصراع، وهذا الشعور الحميمي بالمقدس يسبق الفكر في المقدسات، فيضيق مساحة العقل لمواجهة المسائل بموضوعية(43)؛ فيجب أن نسلم في التعارف والتحاور بأمرين:

الأول: أن الغاية من التعارف ليست نقل أهل دين إلى دين آخر، فلكل شرعة ومنهاج، فضلاً عن محاولات توحيد دينين أو الأديان.

الثاني: أن حرية الدعوة بالوسائل الشريفة الواضحة هي من حق الجميع(*).

وينبني على هاتين المسلمتين التطلع إلى بحث القواسم المشتركة بين الحضارات كرفض الظلم وطلب الحرية والعدل ومحاربة الرذائل والتفسخ الخلقي والإبادة البشرية والظلم الاجتماعي والاستغلال الجسدي والجنسي وثروات الشعوب والاستبداد، وهي مما تلتقي القيم الحضارية السوية والعقول السليمة على نبذه وضرورة مقاومته، ومن جهة أخرى تجد فيها كل حضارة ما تسهم به في حلها على ضوء قيمها الحضارية، بل إن العقائد القائمة على عنصرية الجنس ستضطر تحت ضغط نقاء العقائد الأخرى من هذه الآفة إما إلى تكييف عقائدها مع غيرها أو تبريرها، أو الانكفاء عن ركب التعارف، فتتميز بخاصية انعدام الإنسانية وعداوة الجنس البشري، لا حضارة بعينها فقط.

2ـ تضخيم الذات الحضارية، فعلى الرغم من التفاوت بين الحضارات من حيث القيم والإبداع والثراء العلمي والمعرفي والتكنولوجي وسعة الانتشار؛ فمما يعيق بقوة مسار التعارف، الادعاء بتفوق حضارة ما، حين تتضخم الذات الحضارية لدى أصحابها فيشعرون بالتفوق الباهر والعظمة المفرطة، فالحضارة في مكوناتها المادية إنجاز بشري وهي كذلك في الكثير من مكوناتها المعنوية، والفعل البشري عموماً يتفاوت قوة وضعفاً، نفعاً وضرراً، خيراً وشراً. ولهذا فالأوفق التسليم بإيجابيات وسلبيات الحضارات كلها - من هذه الزاوية - وصرف الجهود المستقبلية نحو إفادة الحضارات من إيجابيات بعضها بعضاً لفائدة إنسان المستقبل، والتفكير في نظرية مستقبلية (للتكامل الحضاري) يتخلق المنظرون لها بخلق التواضع بوصفه خلقاً إنسانياً سامياً وعلمياً مطلوباً.

3ـ نظريات الصراع والصدام، صحيح أن الحضارات عرفت فترات كثيرة من الصراع والصدام سواء المادي أو المعنوي، إلا أن ذلك لم يكن اختياراً حراً لأبناء شعوب الحضارات دائماً، بل في أحيان كثيرة يأتي تلبية لرغبة طغيان سياسي أو عسكري أو مالي أو فئوي، أو اضطراراً لمواجهة هذا الطغيان، أما المبادئ والقيم الحضارية فأكثرها ينحو منحى المسالمة والتعايش واحترام الإنسان في نفسه وماله وعرضه.

فنظرية الصراع أو الصدام بين الحضارات تروج لها جهات عديدة خاصة الصهيونية في الغرب، التي يهمها أن تعطي الصراع صبغة دينية ليتواجه الإسلام مع المسيحية في الغرب(44)، (فهنتنغتون) بعد أن حدد بدقة وصرامة حدود وأشكال الصدام بين الحضارات، وزيَّن للغرب ضرورة (احتواء) وقمع الحضارات المخالفة لقيمه؛ على اعتبار ذلك ضماناً لاستمرار تفوقه الحضاري، أي بعد أن سلمت النظرية بحتمية الصدام، ينهي مقاله بهذه العبارة المضللة: >في المستقبل الوثيق الصلة بالقضية لن يكون ثمة حضارة عالمية، ولكن بدلاً من ذلك عالم من الحضارات المختلفة، وسيكون عليها أن تتعايش مع الحضارات معاً<(45).

فعلينا نحن المسلمين - أولاً - ألَّا ننساق وراء هذه النظريات، لاعتقادنا أن الصدام وإن وقع، فذلك بفعل عوامل مصلحية قد تستخدم الدين لا لذات الدين وقيمه.

وأننا - ثانياً - أصحاب نظرة إسلامية تؤمن بالتعايش والتعاون، وأصحاب حضارة شهدت تجربة ناجحة في هذا الصدد. وعلينا - ثالثاً - العمل في سياق التعارف على إنضاج أفكار حول نظرية في المسالمة والتعاون بين الحضارات تسندها مؤيدات: منها، أن فترات السلم بين الأمم والحضارات أطول من فترات الحرب، ونزوع البشر عموماً إلى المسالمة والموادعة، ودعوة الأديان إلى السلم والتآخي والقيم الإنسانية والإيجابية في الفكر العالمي.

4ـ هيمنة المفهوم السياسي على مجال العلاقات الدولية، هذا المجال الذي تحكمه مبادئ المصلحة القومية، والتفاوض السياسي للفوز بأكبر قدر من التنازلات، والمناورة السياسية، وفرض شروط الأقوى وأحادية النظرة في تحديد المفاهيم وتفسيرها. فاصطبغت علاقات الحضارات فيما بينها بهذه المبادئ والمفاهيم السياسية، على حساب القيم العليا الإنسانية، التي كان من المفترض أن تصاغ مبادئ العلاقات الدولية على ضوئها لا على مقتضى المصالح الضيقة والعاجلة والجشعة، فيتعين على رواد التعارف الحضاري صياغة مفهوم جديد للعلاقات بين الشعوب والأمم باعتبار أن الحضارة، وبتعبير آخر (العلاقات بين الحضارات) إلى جانب (العلاقات الدولية)، تتأسس على الأهداف والمبادئ المنوه بها سابقاً(46).

? الخاتمة

نقدم بعض الاقتراحات التي تعبر عن تصورنا حول الانتقال بفكرة (تعارف الحضارات) من الإمكان إلى الفعل، آخذين بعين الاعتبار أننا جميعاً في حاجة إلى عمل دؤوب متواصل متطلع إلى المستقبل:

1ـ التربية والتعليم مطالبان - عالمياً - بأداء دور كبير ومستقبلي في إنشاء أجيال المستقبل متشبعة بروح التعارف والتسامح والتآلف بين الحضارات، ولهذا على النخب المتعارفة والمتحاورة النزول إلى ساحات التربية والتعليم -بمختلف مستوياته وأنواعه- والاتصال بالمسؤولين عنه لتحسيس الجميع بهذا الطرح الحضاري، ومحاولة إقناعهم بضرورة إدراج برامج ومواد تُعَرِّف الأجيال بمختلف القيم الإيجابية والإنجازات المفيدة لدى الحضارات، بعيداً - طبعاً - عن أي بادرة استمالة ودعاية مغرضة لدين ما على حساب براءة الأطفال خاصة.

2ـ تفعيل المؤسسات الثقافية العالمية والإقليمية للعب دورها في تنشيط وتطوير التعارف بين الحضارات، وهذا من خلال برامجها الثقافية ومنشوراتها وهيئاتها.

3ـ إنشاء منتدى فكري عالمي لتعارف الحضارات، مكون من النخب المؤمنة بالتعارف والداعية والممارِسة لفعالياته، بعيداً عن تقلبات السياسة وأهوائها ومصالحها الضيقة، ينضم إليه - إلى جانب النخبة - المؤمنون بالمشروع من عامة الناس الذين يلتزمون بالتأييد العالمي له؛ كالإسهام في تمويل مؤتمرات المنتدى، وإحياء يوم عالمي (لتعارف الحضارات) بأنشطة إيجابية على المستوى العالمي.

4ـ يعقد المنتدى الفكري الدولي لتعارف الحضارات ملتقى دولياً دورياً ينتقل من قارة إلى أخرى تعبيراً عن التنوع الحضاري.

5ـ إنشاء موقع عبر شبكة الإنترنت يحمل عنواناً يعبر عن التعارف الحضاري، بلغات العالم، يتواصل عبره أبناء الحضارات المختلفة حول القضايا الكبرى التي تشغل بال الإنسان المعاصر.

6ـ إنشاء جوائز عالمية علمية وفكرية وأدبية وفنية وإعلامية، لأحسن الأعمال التي تعبر عن التعارف.

7ـ الاستفادة من التجارب السابقة في الميدان كتجربة المعهد الدولي لحوار الحضارات الذي أنشأه رجاء غارودي صاحب الدعوة الشجاعة لحوار الحضارات.

 

الهوامش:

?(*) أستاذ مساعد - بمعهد العلوم القانونية والإدارية - المركز الجامعي بن مهيدي - أم البواقي - الجزائر.

(1) مؤنس، حسين، الحضارة، (الكويت، جمادى الأولى 1419هـ - سبتمبر 1998)، (عالم المعرفة)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ص219.

(*) يجدر التنويه في هذا المقام بالجهد المعتبر الذي بذله الأستاذ زكي الميلاد في كونه أول من استعمل واختار مصطلح (تعارف الحضارات) بدلاً عن (حوار الحضارات)، ونظَّر للمسألة فلعمله - بعد الله تعالى - الفضل في محاولة مساهمتي المتواضعة هذه في صياغة رؤية في (تعارف الحضارات). انظر كتابه: (المسألة الحضارية).

(2) الدجاني، أحمد صدقي. آفاق التعاون بين العالم الإسلامي والمجتمعات الأخرى واستشرافها بالحوار، (الرباط، المغرب، مجلة (الإسلام اليوم) العدد 12، 1415هـ - 1994) ص35.

(3) ابن نبي، مالك. مشكلة الثقافة، ترجمة: عبد الصبور شاهين، (بيروت، دار الفكر، دون تاريخ ورقم الطبعة)، ص177.

(4) مقصود، كلوفيس. التطورات الأخيرة في الولايات المتحدة وانعكاساتها العربية (حلقة نقاشية)، (بيروت، لبنان، المستقبل العربي، العدد 272، 10 - 2001)، ص32.

(5) جرجس، فواز (حلقة نقاشية)، (المستقبل العربي)، العدد نفسه، ص21.

(6) الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب. القاموس المحيط.

(7) سورة الكهف، آية: 36.

(8) الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل (بيروت، لبنان، دار المعرفة، دون تاريخ ولا رقم الطبعة)، ج2، ص184.

(9) الزبيدي، السيد محمد مرتضى. تاج العروس.

(10) ربيع، حامد الحوار العربي الأوروبي، (بغداد العراق، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1403هـ - 1983)، ص19.

(11) المرجع نفسه، ص19.

(12) النجار، عبد المجيد. الاستخلاف في فقه التحضر، (ماليزيا، الجامعة الإسلامية العالمية، مجلة >التجديد<، يناير 1997 رمضان 1417هـ)، العدد الأول، السنة الأولى، ص103.

(13) نافعة، حسن. العرب واليونسكو (الكويت، رجب 1904هـ - مارس 1989، >عالم المعرفة<، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب) ص155.

(14) الميلاد زكي. المسألة الحضارية، (بيروت، لبنان، ط1، المركز الثقافي العربي، 1999)، ص76 - 77.

(15) سورة الحجرات، آية: 14.

(16) ابن عاشور، محمد الطاهر. التحرير والتنوير، (الجزائر، تونس، المؤسسة الوطنية للكتاب والدار التونسية للنشر، 1984)، ج26، ص259.

(17) المرجع نفسه، ص260.

(18) أبو زهرة، محمد. المجتمع الإنساني في ظل الإسلام، (الجزائر، ط2، ديوان المطبوعات الجامعية، 1401هـ - 1981)، ص48.

(19) سورة البقرة، آية: 211.

(20) سورة الروم، آية: 21.

(21) ابن باديس، عبد الحميد. آثار ابن باديس. (الجزائر، ط1، مطبوعات وزارة الشؤون الدينية، 1415هـ - 1994م)، ج6، ص216.

(22) نويري، إبراهيم. مركزية الحضارة الغربية ومستقبل الحضارة في القرن 21، محاضرة مخطوطة.

(23) الترابي، حسن عبد الله مرتكزات الحوار مع الغرب، (مجلة الإنسان)، (باريس، فرنسا، العدد 13، السنة 03، شوال 1415هـ - مارس 1995)، ص30.

(24) سورة البقرة، آية: 142.

(25) فضل الله، السيد محمد حسين. تأملات في كلمة الأمة في القرآن مجلة (المنطلق)، (الغبيري، لبنان، العدد 70، ربيع الأول 1411هـ - أيلول 1990م)، ص15 - 16.

(26) ابن نبي، مالك. مشكلة الثقافة، ص142.

(27) المرجع نفسه، ص187 - 188.

(28) غارودي، روجيه. حوار الحضارات، ترجمة الدكتور عادل العوا، (بيروت - باريس، ط2، منشورات عويدات، 1982)، ص89.

- لمزيد من التفصيل، انظر الفصل التحليلي الرائع (الغرب عرض)، في غارودي، المرجع نفسه، ص، ص37 - 94.

(29) شرف، ليلى. (حلقة نقاشية)، المستقبل العربي، العدد السابق، ص14.

(30) الغزالي، محمد. الإسلام والثقافة العربية في عالمنا المعاصر، مجلة (إسلامية المعرفة)، (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، العدد السابع، السنة الثانية، رمضان 1417هـ / يناير 1997)، ص151 - 152.

(31) انظر: الحرس الوطني، المملكة العربية السعودية، العدد 164/165، ص99.

(32) ابن نبي، مالك. مشكلة الثقافة، ص179.

(33) الغزالي، محمد. المرجع السابق، ص152.

(34) سورة الملك، آية: 15.

(35) أبو زهرة، محمد. العلاقات الدولية في الإسلام، (دون تاريخ ولا رقم، ولا بلد الطبع، دار الفكر العربي)، ص21.

(36) قلالة، سليم. المسلمون بعد قرن: نصف سكان العالم، مجلة (العصر)، (الجزائر، العدد 1، محرم 1422 - مارس - أفريل 2001)، ص5.

(*) نشير هنا إلى المغالطة المفضوحة لـ(صمويل هنتنغتون) صاحب النظرية المشهورة (صدام الحضارات) بشأن المسألة السكانية والديموغرافية باعتبارها - في نظره - سبب الحروب في المناطق التي يتعرض فيها المسلمون للمذابح، ففي مداخلته بمهرجان الجنادرية الحادي عشر (مهرجان الثقافة والتراث الذي تنظمه المملكة العربية السعودية) قال: >إن الصراعات والمذابح والحروب التي ترتكب ضد المسلمين في البوسنة وفي شمال القوقاز وفي فلسطين سببها الأزمة السكانية الاقتصادية وارتفاع نسبة السكان بين المسلمين. وإن الصحوة الإسلامية سوف تهدأ وتعود عندما يهبط عدد السكان في القرن القادم. وإن التطور السكاني سوف يقل بين شباب المسلمين<. - انظر: الحرس الوطني، العدد السابق، ص21.

(37) قلالة، سليم. المرجع السابق، ص39.

(38) مقصود، كلوفيس. المرجع السابق، ص58 - 59.

(39) الترابي، حسن. المرجع السابق، ص31.

(40) الترابي. المرجع نفسه، ص32.

(41) هنتنغتون صمويل، صدام الحضارات، ترجمة: عبد الغني محفوظ، مجلة الحرس الوطني، المرجع نفسه، ص90.

(42) حمدي، أحمد. من تصنيع المعلومات إلى تصنيع الإجماع، (الشروق اليومي)، (الجزائر، العدد - 344، 22/12/2001م - 07/09/1422هـ).

(43) الترابي، حسن. المرجع السابق، ص30 - 31.

(*) نثبت في هذا الصدد الكلمة الثمينة الآتية لباعث النهضة الإسلامية الحديث بالجزائر الإمام عبد الحميد بن باديس (1899 - 1940) رحمه الله تعالى: >نحن - كمسلمين - لا يضيق صدرنا بأن نرى أهل كل دين يحتفلون بطقوس دينهم، ويظهرون تمسكهم بعقيدتهم، ويدعون إليه بكل شيء شريف نزيه، بل نود أن يقع التفاهم على نشر أصول الخير والإحسان التي تتفق عليها جميع الملل، وعلى مقاومة الشر والظلم والإلحاد المحرمة عند الجميع<. - انظر: آثار ابن باديس، ج6، المرجع السابق، ص321.

(44) المصري، طاهر. (حلقة نقاشية)، المستقبل العربي، المرجع نفسه، ص16 - 17.

(45) هنتنغتون، صمويل. المرجع السابق، ص90.

(46) نويري، إبراهيم، المرجع السابق.