تأسيس الحداثة الإسلامية
عند زكي الميلاد
آمال بوقاية*
* باحثة من الجزائر.
- رسالة ماستر في فلسفة الحضارة
- إعداد الباحثة: آمال بوقاية
- جامعة عمار ثليجي، كلية العلوم الاجتماعية، قسم الفلسفة
- إشراف: الأستاذ مولاي ناجم
- تاريخ المناقشة: 11 مايو 2017م
واكب الفكر العربي الحديث والمعاصر مجموعة من التحوّلات المهمّة التي مسَّت المجتمع العربي في سياق تعرفه على نماذج الحضارة الغربية الحديثة، حيث ظلّ رهين البحث في إشكاليات مهمة، قد تحدّدت مسمّياتها واختلفت صياغة أسئلتها، وتفرّق بسببها المفكّرون كل حسب توجّهه ورؤيته، وحسب النموذج الذهني الذي يشكّل بنية فهمه.
ومن بين هذه الإشكاليات المهمّة، مشكلة الحداثة التي تشغل حيّزًا مهمًّا وفضاء واسعًا في الخطاب العربي المعاصر، حيث تختلف حولها وجهات النظر، وجرى التعبير عنها من خلال ثنائيات متقابلة كالأصالة والمعاصرة، التراث والتجديد، القديم والحديث، وامتدّت إلى الحديث عنها ضمن ثنائية الإسلام والحداثة.
وظهرت هذه الإشكالية مع صدمة الغرب الحضاري، الذي أيقظ المسلمين من سباتهم العميق ليتساءلوا مع شكيب أرسلان (1869 - 1946م) «لماذا تأخَّر المسلمون؟ ولماذا تقدَّم غيرهم؟» فكانت الإجابات عن هذا السؤال الإشكالي عديدة ومختلفة من مفكّر الى آخر.
ونتجت عن هذا السؤال العديد من الأطروحات، منها من يرى أن الوصول إلى الحداثة في مجتمعنا يكون عن طريق الأخذ من تجربة الغرب في الحداثة، واتجاه آخر يرى الوصول لها بالمزج بين الهوية الإسلامية والانفتاح على التجربة الغربية، أي عن طريق الانفتاح على الآخر.
وبين هذا وذاك جاءت أطروحة المفكّر زكي الميلاد الذي يرى أنه لا توجد حداثة واحدة في العالم بل هناك حداثات عديدة، وكل أمة لها حداثتها الخاصة بها التي تعبّر عن شخصيتها القومية والعقيدية والتاريخية، ولا نستطيع استنساخ الحداثة لنا من مجتمع آخر، فالمجتمع الاسلامي لا يمكن أن يعيش بحداثة غربية؛ بل من الضروري تأسيس حداثة إسلامية أصيلة ومستقلة.
1- إشكالية الدراسة
كثيرة هي القضايا التي باتت تشغل بال الإنسان المعاصر، لعل أهمّها هو مصير هذه الإنسانية، والذي يعبّر عنه بمستقبل الإنسان، ويتجلّى هذا الاهتمام في رواج الجدل حول كثير من القضايا التي تأخذ طابعًا مستقبليًّا كقضايا: صراع الحضارات، وحوار الحضارات، والعولمة وغيرها.
ومن بين هذه القضايا تبرز قضية الحداثة كونها الأكثر حضورًا وشمولًا، وإثارة للجدل، وتفرّق المفكرين أمامها بين متمسّك بها، وبين منتقد لفلسفتها، وبين منكر لوجودها بالكلية.
وقد شغل هذا النقاش المفكرين في المجال العربي المعاصر، ومن بين هؤلاء المفكّرين الباحث والكاتب السعودي في مجال الفكر الإسلامي والإسلاميات المعاصرة زكي الميلاد الذي سعى إلى تأسيس حداثة إسلامية تنهض بالأمة حضاريًّا في هذا العصر.
وعلى هذا الأساس أصبحت الضرورة الملزمة لطرح الإشكالية التي سنحاول البحث عنها في هذا العمل، ويمكن بلورتها أو صياغتها على الشكل التالي: ما هي السبل التي يراها زكي الميلاد كفيلة لتأسيس حداثة إسلامية؟
2- تساؤلات الدراسة
من جوهر إشكالية الدراسة تنبثق التساؤلات التالية:
- ما مفهوم لفظة الإسلام والحداثة؟
- ما هي الأسس الفلسفية لتأسيس حداثة إسلامية عند زكي الميلاد؟
- ما هي مجمل المواقف الفكرية المتشكّلة حول تأسيس الحداثة الإسلامية؟
- ما هي أطروحات زكي الميلاد وغيره حول الحداثة وما بعد الحداثة والإسلام.
3- أهمية الدراسة
من خلال طرح التساؤلات السابقة، نكتشف أن لهذه الدراسة أهمية كبيرة، تكمن في عمقها الفلسفي، وفي أطروحتها المنهجية والمعرفية، وكونها ترتبط بالبحث عن الحداثة الإسلامية بما يُلائم الراهن العربي اليوم عامة، والفكر الإسلامي خاصة، مرورًا بالبحث عن مراحل تطوّر النهضة العربية؛ مع التركيز على معرفة آليات وأسس تأسيس الحداثة الإسلامية عند زكي الميلاد، إلى جانب معرفة المواقف المختلفة حول الاسلام والحداثة وما بعد الحداثة.
4- أهداف الدراسة
بعد عرضنا لأهمية الموضوع، يمكن لنا أن نسطّر الهدف المرجو من اختيار موضوع البحث، ويتحدّد في الكشف عن الحداثة التي نحن بحاجة إليها لتلبية شروط ومقتضيات التقدّم والعمران، وتأسيس الحداثة الإسلامية التي تنير درب الأمة نحو النهوض الحضاري، والاطّلاع على أهم النقاط التي بنى عليها زكي الميلاد نقده للحداثة، والآليات التي يراها ضرورية لتحقيق الحداثة الإسلامية، وإبراز الرؤى الحداثية عند بعض المفكّرين المسلمين المعاصرين، وعرض بعض المواقف الفكرية التي دارت بين قبول ورفض للحداثة وما بعد الحداثة من جهة علاقتها بالإسلام.
5- المفاهيم المفتاحية الأساسية للدراسة
تعتبر المفاهيم في كل العلوم مفاتيح للفهم، ولا يتحقّق الفهم الصحيح والعميق إلّا بتحديد سليم دقيق للمفاهيم، وسيقف عدم التحديد للمفهوم حجرة عثرة أمام اكتمال التصوّر الصحيح للموضوع؛ لذا سنتطرق إلى أهم المصطلحات الأساسية التي تتمحور حولها الدراسة:
أولًا: مفهوم الإسلام والحداثة: ويجري الحديث عن مفهوم الإسلام لغة واصطلاحًا، ومفهوم الحداثة لغة واصطلاحًا، مع تكوين فكرة عن تاريخية الحداثة وأبرز مبادئها.
ثانيًا: مفهوم ما بعد الحداثة: تمتد فترة ما بعد الحداثة من سنة 1960 إلى سنة 1990، ويقصد بها النظريات والتيارات والمدارس الفلسفية والفكرية والأدبية والنقدية والفنية التي ظهرت فيما بعد الحداثة كالبنيوية والسيميائية واللسانية، وقد جاءت ما بعد الحداثة لتقويض الميتافيزيقا الغربية وتحطيم المقولات المركزية التي هيمنت قديماً وحديثًا على الفكر الغربي[1].
فتعتبر ما بعد الحداثة مرحلة جديدة في تاريخ الحضارة الغربية تتميّز بالشعور بالإحباط من الحداثة، ومحاولة نقد هذه المرحلة والبحث عن خيارات جديدة، تمثّلت في نظريات وتيارات في جميع المجالات الفلسفية والأدبية وغيرها.
6- المنهج المستخدم في الدراسة
جملة من المناهج جرى العمل بها لتحقيق الهدف المرجو من البحث، ولمعالجة التساؤلات الرئيسة والفرعية، فقد اعتمد البحث على المنهج الفيلولوجي لضبط المفاهيم كمفهوم الإسلام والحداثة لغويًّا واصطلاحيًّا، والمنهج التاريخي لتتبع جذور تاريخية الحداثة من ناحية الحداثة الأوروبية، والكشف عن تاريخية الحداثة الإسلامية.
أما المنهج التحليلي فقد جاء العمل به لتوضيح المضامين الكلية والجزئية المكونة لتصوّر زكي الميلاد في تأسيس الحداثة الإسلامية، ولعرض وتحليل آراء المفكّرين في المقاربات التأسيسية للحداثة الإسلامية في الفكر العربي المعاصر، والمنهج المقارن للوقوف على نقاط التشابه والاختلاف والتداخل في مسألة التأسيس للحداثة الإسلامية.
7- أسباب اختيار الموضوع
وقع اختيارُنا على هذا الموضوع لاعتبارات ذاتية، وأُخرى موضوعية:
أ- الأسباب الذاتية
- كون الاهتمام بموضوع الحداثة ينبع من داخل اهتماماتي المعرفية والفكرية، لما له من علاقة بالمواضيع المعاصرة التي تشغل اهتمام الفكر الفلسفي العربي المعاصر.
- أن موضوع البحث في اعتقادي بحاجة إلى مزيد من الدراسات كونه يعتبر من المواضيع الحديثة.
- لكونه موضوعًا يبحث في القضايا والإشكاليات التي تخصّ أُمتنا ويتوافق مع ديننا الإسلامي.
- توفر المادة العلمية.
ب- الأسباب الموضوعية
- ندرت البحوث حول هذا الموضوع في المكتبة الجامعية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعتي جامعة عمار ثليجي بالأغواط.
- إن إشكاليات الحداثة من الإشكاليات الفلسفية الراهنة التي استأثرت باهتمام الفكر العربي الإسلامي والفكر الغربي على حدٍّ السواء.
- أما عن اختيارنا لرؤية الحداثة عند زكي الميلاد دون مفكّر آخر، فلأنه جَارٍ لنا في تضاريس الفكر، ويعتبر طرحه يمثّل مسلكًا جديدًا في الساحة الفكرية العربية، ونلمس عنده تجديدًا وإبداعًا فكريًّا في الموضوع، نتج عن عنايته بقضايا التجديد والتحديث والتنوير في الفكر الإسلامي.
8- الدراسات السابقة
هناك عدة دراسات أكاديمية تناولت هذه الإشكالية من زوايا مختلفة في نطاق الفكرين العربي والغربي، ومن بين هذه الدراسات المناقشة في الجامعات الجزائرية والتي كانت عونًا لي في إعداد هذه الدراسة، منها:
الدراسة الأولى: للباحث فارح مسرحي وهي رسالة ماجستير بعنوان (الحداثة في فكر محمد أركون)، اعتمد الباحث في توضيحه لموقف أركون (1938 - 2010م) وتصوّره للحداثة على جملة من تساؤلات رئيسية وفرعية نذكر منها: ما هو المقصود بالحداثة؟ ما هي الآليات التي يراها أركون لتحقيق صيغة متكاملة تجمع ما بين الإسلام والحداثة على المستويين الفردي والاجتماعي؟. ومن خلال هذه الدراسة توصّل الباحث إلى عدد من النتائج منها: اعتبار أن الحداثة تمثّل نمطًا حياتيًّا، وطريقة في التفكير والتعبير، وقدّم في الأخير مجموعة من الآليات التي يرى فيها سبيلًا في الجمع بين الحداثة والإسلام[2].
الدراسة الثانية: للباحث تمير بولرباح، وهي رسالة ماجستير بعنوان (العقلانية العربية وإشكالية الحداثة.. الجابري نموذجًا)، اعتمد الباحث فيها على الإشكالية التالية: ما هو مفهوم الحداثة؟ وما هي تياراتها ومقوّماتها وإشكالياتها؟ وتوصّل الباحث إلى مجموعة من النتائج منها: أن الحديث عن العقلانية هو من متطلّبات النهضة العربية الحديثة، وأن المشروع النهضوي يتطلّب استعادة التراث العقلاني العربي على أسس معاصرة[3].
الدراسة الثالثة: للباحث سعد بوترعة وهي رسالة ماجستير كذلك بعنوان (إشكالية الحداثة عند عبد الله العروي)، اعتمد الباحث فيها على الإشكالية الرئيسة التالية: كيف تعاطى عبد الله العروي (1933م) مع سؤال الحداثة؟ مستخلصًا أن الحداثة عند العروي مفهوم تمَّ استنباطه عبر عقود ومراحل من التطوّر في الغرب الأوروبي، وانطلاقًا من إيمان العروي بأنها ضرورية فلا بد للعرب من مسايرتها والبناء عليها، وإدراكًا منه لصعوبة مهمة ولوج عالم الحداثة على الأصعدة والمستويات الفكرية، اقتضى منه توضيحًا للمنهج القويم في نظره الذي يمكن من استيعاب مفاهيم الحداثة وقيمها[4].
هذه الأطروحات والرسائل الجامعية كانت لنا عونًا في تحديد إشكالية هذا البحث، ومحاولة تحليله تحليلًا فلسفيًّا، وإذا كانت هذه الدراسات وغيرها قد خصَّت الحداثة في جانب من الجوانب، فإن هذا البحث ربط الحداثة بالعالم الإسلامي، من خلال ما ذهب إليه زكي الميلاد سعيًا منه لتحقيق حداثة إسلامية.
9- صعوبة الدراسة
في هذا البحث الأكاديمي واجهتنا بعض الصعوبات لكنها صعوبات قليلة، منها:
أ- ندرة الأعمال والأبحاث حول مشروع زكي الميلاد، خاصة في مسألة الإسلام والحداثة عنده، وما نجده كان مجرّد إشارات عابرة وغير معمّقة.
ب- عدم توفر كتابات كافية في المجال العربي حول فترة ما بعد الحداثة بسبب اعتبارها تخصّ الغرب.
ج- اتّساع نطاق البحث بشكل يصعب علينا حصره خاصة على مستوى المواقف الفكرية وتعدّد آراء المفكرين.
10- فصول الدراسة
تضمن بحثنا أربعة فصول، كل فصل مقسّم إلى ثلاثة مباحث، وهي بدورها مقسّمة إلى مطالب، الفصل الأول مثّل إطارًا منهجيًّا للدراسة، وتحدّث الفصل الثاني عن تأسيس الحداثة عند زكي الميلاد، أما الفصل الثالث فقد تحدّث عن مقاربات تأسيسية للحداثة في الفكر الإسلامي المعاصر، وتناول الفصل الرابع أهم التجاوزات لأطروحات زكي الميلاد حول الحداثة وما بعد الحداثة.
[1]جميل حمداوي ، الإسلام وما بعد الحداثة مواقف ومواقف مضادة ، الرباط: دار نشر المعرفة ، ص 94.
[2] فارح مسرحي، الحداثة في فكر محمد أركون، رسالة مقدمة لنيل درجة ماجستير في الفلسفة، جامعة الجزائر، كلية العلوم الإجتماعية والإنسانية، الجزائر، للسنة الدراسية 2002/ 2003م.
[3] تمير بولرباح، العقلانية العربية وإشكالية الحداثة.. الجابري نموذجًا، رسالة مقدمة لنيل درجة ماجستير في الفلسفة، جامعة الجزائر، كلية العلوم الإجتماعية والإنسانية، الجزائر، السنة الدراسية 2009/ 2010م.
[4] سعد بوترعة، إشكالية الحداثة عند عبد الله العروي، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في الفلسسفة، تخصّص فلسفة معاصرة عربية وغربية، للسنة الدراسية 2009/ 2010م.