شعار الموقع

معالم الإنسان الائتماني في المشروع الاخلاقي لطه عبدالرحمن

قويدري الأخضر 2019-05-20
عدد القراءات « 1569 »

 

معالم الإنسان الائتماني

في المشروع الأخلاقي لطه عبد الرحمن

الدكتور قويدري الأخضر*

 

*         أستاذ الفلسفة، ورئيس اللجنة العلمية لقسم الفلسفة، جامعة عمار ثليجي، مدينة الأغواط، الجزائر، البريد الإلكتروني: lakhdarzaouia@yahoo.fr

 

 

 

أهمية الدراسة

تأتي هذه الدراسة كمحاولة لعرض المشروع الأخلاقي الذي وضع أسسه الدكتور طه عبد الرحمن من أجل بناء مسلم معاصر فعّال ومحصّن من الآفات التي تولّدت عن تقليد المسلمين للحداثة الغربية في قيمها وثقافتها.

إن ما يلفت الانتباه في هذا المشروع أنه يتخذ من التجربة الروحية -التي عرفها تراثنا الإسلامي- مرجعية أساسية يقتبس منها الأفكار والتجارب، ويستهدي بها في الدعوة إلى منهج تزكوي قد لا نجد له نظيرًا في الفكر الإسلامي المعاصر، ذلك أن طه عبد الرحمن خاض التجربة الصوفية في جانبيها العلمي والسلوكي، واستخلص منها نتائج ذوقية حية، أكسبته إلى -جانب خبرته الفلسفية والمنطقية- قناعات بأن المخرج من الأزمات التي يعيشها الناس عامة، والمسلمون على وجه الخصوص، لا يكون إلَّا بالاعتماد بصناعة الإنسان الائتماني.

أهداف الدراسة

سنحاول من خلال هذه الدراسة تحقيق الأهداف الآتية:

1- إبراز فداحة ما تعانيه الحضارة الغربية من إفلاس أخلاقي، من خلال شهادة أهلها.

2- توضيح المخاطر الأخلاقية التي لحقت بالمسلمين جراء تقليدهم للمجتمعات الغربية.

3- إبراز خصائص المشروع الأخلاقي الطاهوي.

4- تبيين معالم الإنسان الائتماني ودوره في بناء الحداثة الإسلامية المرتقبة.

المنهجية المتبعة

اعتمدنا في هذه الدراسة على منهج العرض التاريخي، وعلى التحليل والنقد.

المصطلحات الرئيسية في الدراسة

تضمّنت هذه الدراسة مجموعة من المفاهيم والمصطلحات التي نحتها طه عبد الرحمن لتشييد مشروعه الأخلاقي وهي:

الاقتداء الحي، الاشتغال المباشر، الإيتوس، حضارة القول، حضارة اللوغوس، واقع الحداثة، روح الحداثة، الحداثة الإسلامية، الزمن الأخلاقي للإسلام، الإنسان الأبتر، الإنسان الكوثر، أخلاق السطح، أخلاق الميثاق، أخلاق شق الصدر، أخلاق القبلة، أخلاق الجذور، أخلاق القشور، أخلاق الموعظة، أخلاق الجدل، أخلاق الحكمة، الأخلاقية العميقة، التخلق العميق، العقل المجرد، العقل المسدد، العقل المؤيد، التدبير التعبدي الروحي، المقارب، القرباني، التخليق، اغتصاب النموذج، المتمنذج، التمنذج، التمنذج التعرفي، التمنذج التبرّكي، المعية الإلهية، مبدأ التظهير.

مدخل

لقد شُيدّت الفلسفات التربوية الغربية على أساس القطيعة مع الدين، وذلك إثر الصراع المرير الذي حدث منذ عصر الأنوار في أوروبا، بين رجال الدين والتنويريين على اختلاف الحقول المعرفية التي ينتسبون إليها. فكان أن أنتجت تلك الفلسفات -بمرور الزمن- نمطًا من البشر يشْكون من الهزال الروحي، ويعانون من الشرود الأخلاقي، ويتأوهون من القلق واليأس والتشظي واللاجدوى.

وبالرغم من أن المجتمعات الإسلامية تمتلك من القيم ما يجعلها بمنأى عن تلك الأمراض، إلَّا أنها فقدت -هي أيضًا- أجهزة المناعة، وذلك بسبب سطوة العنف الثقافي الذي مارسته عليها الحداثة الغربية، من جهة، وبسبب ولعها الجنوني بتقليد القيم الغربية الوافدة، من جهة ثانية.

وعليه فإنه من الخطأ الفادح أن نكتفي بالحديث عن الإفلاس الأخلاقي الذي يعاني منه الإنسان الغربي، ونغفل عنه في حديثنا عن حالة المسلم المعاصر، وكأن هذا الأخير يعيش حالة من الرقي الأخلاقي والصحة الروحية.

دليل ذلك أن المتتبع لراهن مجتمعاتنا الإسلامية يلاحظ بكل وضوح أن هناك حالة من الانفصام الشديد يعيشها أغلب المسلمين، بين ما يؤمنون به من قيم إسلامية، وبين ما يصدر منهم من معاملات، أي إنهم يعانون بدورهم من أزمة أخلاقية وإن لم تبلغ بعدُ حدّ الخطر الذي بلغته في المجتمعات الغربية.

إن هذا الوضع الصادم دفع ببعض المفكرين الإسلاميين المعاصرين إلى بناء مشاريع أخلاقية تربوية إسهامًا منهم في درء ما يتهدد المسلم المعاصر من مخاطر أخلاقية، وأزمات نفسية واجتماعية، قد تقوده إلى التيه والضياع كما قادت الإنسان الغربي قبله.

ومن أبرز هؤلاء نذكر الدكتور طه عبد الرحمن الذي اشتغل منذ أكثر من عقدين من الزمن على مشروع حضاري متعدد الجوانب قوامه سؤال الأخلاق، حيث توصّل بعد بحث وتأمّل، إلى أن الأزمات الكارثية التي تعيشها الإنسانية، إنما هي في الأصل أزمة أخلاق لا غير. وعليه فإن الثورة التي يتعين القيام بها ابتداءً إنما هي ثورة أخلاقية، تعيد الإنسان إلى وضعه الفطري، وتوقفه على أصله الروحي.

وفي هذا السياق وضع مشروعًا أخلاقيًّا، استلهمه من التجارب التزكوية الإسلامية، ومن قراءاته الفاحصة للواقع الأخلاقي العالمي، تغيَّا من خلاله بناء إنسان ائتماني يكون مستَنَد الأمة، ومحطّ آمالها في البناء الحضاري المنشود.

وتأسيسًا على ما سبق تأتي هذه المطالعة لتجيب عن التساؤلات الآتية:

ما هي مظاهر الإفلاس الأخلاقي في الحداثة الغربية؟

وإلى حد تلظّت المجتمعات الإسلامية المعاصرة بجحيمه؟

ثم ما سمات المشروع الأخلاقي الذي يقدمه طه عبد الرحمن كعلاج للأزمة الأخلاقية العالمية والمحلية؟

وما هي معالم الإنسان الائتماني المنبثق من هذا المشروع و الذي سيتولى مهمة التجديد الأخلاقي، واستئناف العمل الحضاري؟

أولًا: مظاهر الإفلاس الأخلاقي في الحداثة الغربية

حينما يتحدث الدكتور طه عبد الرحمن[1] عن الغرب لا يعني به مكانًا جغرافيًّا محددًا بأوروبا وأمريكا، ولا يقصد به سمات شكلية ولونية وعرقية، ولكنه الغرب في نظره نموذج خلُقي وذهني وسلوكي صنعته الحضارة الغربية، وغزا الناس جراء تأثرهم بها.

وعليه فإن الإنسان قد يكون مسلمًا أو بوذيًّا أو إفريقيًّا أو آسيويًّا أو ما إلى ذلك من الانتماءات الدينية والعرقية والجغرافية، ولكنه مع هذا يكون غربيًّا بفكره وسلوكه[2].

فالغرب -إذن- مفهوم مرتحل عبر شبكات الاتصال المختلفة، ووسائط الإعلام المتعددة، يتسلل إلى العقول حيثما كانت، ليحيلها إلى نماذج مستنسخة من الأصل، الذي هو المجتمع الغربي، بكل ما يحمل ذلك الأصل من مواصفات التيه والتخبط والضلال.

ولقد تفطن المفكر الفرنسي روني غينون (René Guénon 1954 -1886) إلى هذا الأمر، فصرّح منذ سنة 1927 وهو تاريخ صدور كتابة: «أزمة العالم المعاصر» بأن الحضارة الغربية، حضارة مادية متصلدة، بُنيت أساسًا على تغييب المبادئ الأخلاقية والروحية، وأن طبيعتها المادية كانت من قبلُ متمركزة في حدودها فقط، لكنها الآن تسعى جاهدة بكل ما أوتيت من دهاء ومكر، إلى تصدير هذه المخاطر المادية إلى الشعوب الأخرى وبكل الأشكال الممكنة[3].

والسؤال الذي يشخص أمامنا هو: ما هي مظاهر هذا التيه الأخلاقي التي تلظّى به الإنسان الغربي والذي طال شرره المجتمعات البشرية عامة بما فيها المجتمعات الإسلامية؟

من مظاهر هذا التيه الأخلاقي

1- جحيم التفكك الأسري: كان الفتيل الأول لهذا الجحيم، هو تلك الدعوات التي ارتفعت في الغرب منادية بتحرير النساء من خرافة الأسرة وخرافة الأمومة، وتشجيعهن على ترك أزواجهن، لأن الزواج –كما يزعمون- مجرد قيد أوجده الرجل للسيطرة على النساء[4].

لكن ما حدث واقعيًّا هو العكس تمامًا، فلا المرأة تحررت، ولا هي حققت ذاتها، وإنما كل ما تم تحقيقه هو فصلها كأمّ عن أبنائها وزوجها، وتحويل الأسرة التقليدية إلى كيان غريب أي إلى «لا أسرة»، وتغيير شخصية المرأة من كائن إنساني محترم إلى حيوان جميل[5]، وسلعة رخيصة تباع وتشترى مع أسهم الشركات، وترتفع قيمتها وتنخفض بحسب أسعار السوق.

وعندما تفككت الأسرة الغربية تحوّل الجنس –الذي كان من المفترض أن يُمارس في أطره المشروعة اجتماعيًّا- إلى ممارسات شاذة مناقضة للفطرة الإنسانية، وأصبحت المثلية الجنسية ضمن المألوف الاجتماعي، وظهرت أنماط غريبة من الزواج كتلك التي تحْدُثُ بين المثليين حين يتزوجون فيما بينهم ويتبنوْن أطفالًا، كبديل عن الأسرة التقليدية.

وإذا كان هذا الوضع الاجتماعي من البشاعة بمكان، فإن الأبشع منه هو تبريره والتشريع له قانونيًّا، بل وإحاطته بشيء من القداسة، كما حدث في أمريكا حين تمّ بناء كنائس يديرها وعّاظ شاذون جنسيًّا[6].

وفي ضوء هذا المناخ الموْبوء، أضحى من العسير على الإنسان الغربي أن يرمم منظومته القيمية، خاصة وأنه دخل مرحلة تاريخية خطيرة أطلق عليها مرحلة ما بعد الحداثة، والتي اتسمت بالاستخفاف بالمرجعيات الروحية والدينية وفتحِ المجال لكل فرد بأن يكون مرجعية نفسه، فتميعت الحياة، ودخل الناس في نفق مظلم نتن، لا تُعرف له نهاية، وأصبحت دعوات بعض عقلاء الغرب للعودة إلى الأخلاق، مجرد صيحة في واد، أو نفخة في رماد.

2- تشيّؤ الإنسان الغربي: ربما يعتقد البعض أن التقدم التكنولوجي الذي بلغه الإنسان الغربي، مؤشر كافٍ على سعادة يحياها، أو طمأنينة يعيشها، ولكن الواقع يثبت أن ذلك التقدم شيّأه أي جعله مجرد شيء، وزجّ به في أتون التعاسة، وصيّره إلى وحدة إنتاجية ورقم مرصوف بجوار جملة من الأرقام، يعيش توحّدا قاتلًا واغترابًا فضيعًا، لا يفكر إلَّا في الاستهلاك، ولا يهتم إلا بمتع وهمية ضمن فردوس أرضي منحط، فضاؤه الجسد، وحدوده الشهوات[7].

ولقد أصبح جليًّا أن العقل الذي بشرت به الحداثة الغربية فقد عقلانيته وضيّع رشاده، مما أحدث ردود فعل هجومية على تلك العقلانية الموهومة، تجلت في إعلان موت الإنسان[8]، وهي المهمة التي تبنتها فلسفة ما بعد الحداثة، كإنذار بانتهاء مقولة الحداثة.

ويمكننا في هذا الصدد أن نستحضر بعض المفكرين أمثال ألان تورين Alain Touraine (1925 - .......) وهربرت ماركيوز Herbert Marcuse (1898 - 1979) اللذين عبّرا عن تلك الوفاة بأصدق تعبير.

فألان تورين يرجع إخفاق الحداثة إلى اختفاء الغايات التي دمرتها الوسائل التكنولوجية[9].

أما هربرت ماركيوز فقد ذهب إلى أن التقنية لم تعد مجرد تطبيق عملي للعلم، وإنما صارت موقفًا أيديولوجيًّا يكرس منطق السيطرة، ويبرهن على أنه يستحيل أن يكون الإنسان سيد نفسه[10]. ذلك أن المجتمع الحداثي شيد حضارة رفعت من مستوى الرفاه، وحوّلت الكماليات إلى ضروريات، إلى حدّ أن أصبح الناس لا يجدون جوهر روحهم إلَّا في بضائعهم، وسياراتهم، وأجهزتهم التلفزيونية، وبيوتهم الأنيقة، وأدوات طبخهم الحديثة[11].

هكذا استحال الإنسان الغربي -جراء فراغه الروحي- إلى كائن نهم دائم البحث عن الاستهلاك. وعندما لا يُشبع نهمه -ولن يشبعه على الإطلاق- سيشعر بمزيد من التشظّي والتمزّق والضياع، فينغمس في مستنقع الجنس ووحل المخدرات ليهرب من ذاته ومن العالم بأكمله[12].

3- انتهاك قداسة الطبيعة: لقد تصور العقل الحداثي أن الطبيعةَ قوة ميكانيكية جبارة، معادية للإنسان فجاءت تطبيقات هذا المفهوم وانعكاساته جدّ مؤثرة على البيئة، حيث بادر مند فجر الثورة الصناعية في القرن 18 الميلادي إلى الاستغلال اللاعقلاني لثروات الطبيعة ما أدى إلى تشويه صورتها وانتهاك قداستها[13].

وقد شعر حكماء الغرب بهذا الخطر فجاءت الفلسفة البيئية لتضع مراسيم أخلاقيات جديدة لا تنحصر آفاقها في الدفاع عن حق الإنسان في العيش، فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى إدماج باقي الكائنات الأخرى، والتشديد على منحها حقوقًا واعتبارات أخلاقية[14].

وفي هذا الإطار يمكننا الإشارة إلى الأخلاقيات الإيكولوجية العميقة التي دعا إليها الفيلسوف الألماني هانس يوناس Hans Jonas (1903- 1993) في كتابه «مبدأ المسؤولية» والتي من شأنها أن تساهم في التراجع عن مركزية الإنسان، والتأسيس لقانونٍ طبيعيٍّ تحتل فيه الطبيعة مكان الصدارة، ويتمُّ من خلاله استصدار قانون أخلاقي يذيب كل الذوات ويدمجها في إطار بيئي واحد يعترف بحقوق كل العناصر الإيكولوجية على قدم المساواة[15].

وقد صاغ هانس يانس لذلك قانونًا أخلاقيًّا مفاده: «لِتأتِ فعلَك على الوجه الذي يجعل آثاره تصون الحياة الإنسانية الحقة على وجه الأرض». لكن عيب هانس يانس أنه ربط هذه المسؤولية بمستقبل دنيوي لا بمستقبل أخروي[16].

5- الشرود العلمي: لقد تأسست الحضارة الغربية الحديثة على تمجيد العلوم المادية، والاستفادة من جميع الطاقات الكونية، لخدمة الجسد فحسب، ومنحه وافر الرفاهية والمتعة واللذة، فكان أن أثمرت للإنسان المعاصر مجموعة ضخمة من المبتكرات والمخترعات، ولكنها سحقت جوانب مهمة من حياته الروحية والخلقية والسلوكية، لاستهانتها بمنظومة القيم المتصلة بمنشئه وجوهر وجوده.

ومن أمثلة ذلك الإجهاض، والإنجاب ضمن ما يسمى بالهندسة الوراثية، التي أفرزت إشكاليات أخلاقة ودينية مرعبة، دخلت مجال القانون وأروقة البرلمانات ومكاتب السياسيين، حيث وجدوا أنفسهم أمام معضلة أخلاقية حادة ترتبط بمفاهيم عديدة مثل الضمير، والمسؤولية، والوجود الإنساني، وقدسية الحياة، وكرامة الإنسان[17].

وهناك أمر آخر لا بد من الإشارة إليه، وهو تحالف العلم مع الرأسمال، حيث نُقلت العديد من مراكز البحث من الجامعات إلى مختبرات خاصة بالشركات، وما تبقَّى منها فهو أمام خيارين، إما أن يدخل معها في شراكة، وإما أن ينسحب تحت سطوة المنافسة وقلة الموارد المالية.

وهكذا تمّ التخلي عن أخلاقية البحث العلمي، فأصبحت العديد من التجارب تُجرى في مختبرات سرية، وأصبح العالِم راضخ لقيود يحددها رأس المال. فالشركة هي التي تحدد المجال الذي على العالِم أن يشتغل فيه، وهو مُجبر على تحصيل نتائج ترضي رب المال. وبهذا أصبح التنافس بين الشركات قويًّا، وأصبح الصراع بين الجماعات العلمية يعتمد مختلف طرق التغليط، خوفًا على سمعتها، وحفاظًا على منتوجها[18].

6- الضلال الديني: لقد أسس العقل الغربي منظوماته المعرفية ونظرياته العلمية على القطيعة مع الدين رافضًا فكرة الإله، بسبب صراعه المرير مع الكنيسة وخطابتها المظللة. وفي ضوء هذا المناخ الإلحادي، المستهتر بالدين، ماتت الشخصية الغيبية التقليدية ذات الولاء لمطلقٍ أخلاقيٍّ ثابت، وحلّت محلها الشخصية المتحررة من أية قيم أو غائية[19]، والتي عبر عنها الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشة Friedrich Nietzsche (1844 –1900) بأقبح تعبير حينما أعلن موت الإله.

لقد أصبح لاهوت موت الإله[20]، هو العقيدة الجديدة التي صار الإنسان الغربي يدين بها، ويرتّل آياتها في معبد الإله ديونيسيوس، إله الخمر والمتع والملذات، ليتحول إلى كائن مارق متعالٍ نحو الأسفل[21]، يخلع أحواله الظلمانية على كل ما يحيط به، وينفخ في الأشياء فحيح مشاعره المدنّسة، وينزع القداسة من كل شيء Désacralisation، حتى من النص الديني، وكل ما يتعلق به.

7- النفاق السياسي: لقد كان الغرب يقدم نفسه منذ عصر نهضته -وما يزال- على أنه الشعب المتفوق على الآخرين، وأن له الحق الكامل في توجيه الشعوب الأخرى إلى التحضر بحسب ما يشاء. فلا غرابة إذن أن نجده -حتى على مستوى مفكريه الكبار- يبرر دعوى المركزية بمجموعة من النظريات في مجال الفكر والأخلاق والحضارة، معتقدًا أن الغاية من الوجود في هذا الكون إنما هي استعباد البشر واستعمالهم كوسائل وأدوات، تحقيقًا لمصلحة الإنسان الأبيض لا غير.

ولذلك جاءت عمليات الغزو الاستعماري كتعبير عن تلك الحوسلة[22] للطبيعة وللمادة البشرية[23] أي لبقية شعوب العالم[24].

وبموجب هذا ظهرت مصانع الأفكار والتي تُسخّر لإنتاج التبريرات الأخلاقية والفلسفية للعديد من المواقف السياسية التي تتخذها بلدانها، سواء على مستوى السياسة أو العلم، مثل الحديث عن أخلاق الحرب، والمسؤولية الأخلاقية للقوى الكبرى في نشر الحرية وتحقيق العدالة، وغير ذلك من المواقف الخادعة والمعلَّلة بالرغبة في إسعاد الإنسان[25].

وإن أكبر دولة في الغرب تمثل هذا الوضع المخزي، هي الولايات المتحدة التي يعتبرها روجي غارودي Roger Garaudy (1913-2012) طليعة الانحطاط[26] والدولة الأكثر إرهابًا في العالم، والأشد انتهاكًا لحقوق الإنسان على امتداد التاريخ كلّه[27].

والنتيجة التي نصل إليها من هذا العرض، أن الإفلاس الأخلاقي الذي لحق بالمجتمعات الغربية -رغم ما هي عليه من تقدم مادي- دفع بالكثير من المفكرين الغربيين إلى التحذير من شر مستطير سيلحق بها وبالإنسانية جمعاء إن لم يُستدرك الأمر.

فهذا فيلسوف الحضارة الألماني ألبرت شفيتسر Albert Schweitzer (1875-1965) ظل يؤكد دومًا على أن الغرب يعيش في ظل انهيار الحضارة، وبالرغم من أنه احتفظ بقوته في معظم مرافق الحياة، إلَّا أنه روحيًّا مصاب بالهزال[28].

وكذلك فعل المفكر الفرنسي روجي غارودي حين أكد على أن الحضارة الغربية أنتجت ثقافة فرعونية ضيعت البعد الإنساني للبشر، وستؤدي إلى انتحار الكون بأكمله[29].

ولم يكن الطبيب الفرنسي ألكسيس كاريل Alexis Carrel (1873-1944) ببعيد عن هذا الطرح، عندما ذهب إلى أن الحضارة الغربية سحقت كل المعاني الإنسانية، وأن الإنسان فيها يعيش في جو من التعاسة والشقاء، لأنه ينحطّ أخلاقيًّا وعقليًّا[30].

إن هؤلاء المفكرين من العقلاء الغربيين قد توصلوا بعد تأمل حصيف، إلى أن الغرب وصل إلى حالة اغتراب رهيبة بعد أن اتّجه وجهة مادية بحتة، وصاغ عالم أفكاره على أساس ذلك. لا بل إنه يسعى عن قصد إلى نقل المجتمعات الأخرى خاصة الإسلامية منها، إلى حالة اغتراب مماثلة أو أشد تعقيدًا.

وهو يسخّر لتحقيق تلك لمهمة الفظيعة، منظومة عتيدة من مثقفيه وأدبائه وفنانيه ومفكريه ووسائله الإعلامية المختلفة، بالإضافة إلى أبواقه من بني جلدتنا من الذين يسميهم طه عبد الرحمن «مفكرة الحداثة»، والذين نتيجة لشعورهم بعقدة النقص «لا يجدون شناعة ولا حرجًا في محاكاة المفكرين الغربيين فيما استحدثوه من أنماط تفكيرهم، ولا يتورّعون في تسخير أقلامهم وأفهامهم للدعوة إلى صواب ذلك التقليد ووجوبه، وبثّ روحه في نفوس مواطنيهم، ظالمين لتاريخهم وتراثهم»[31].

و انطلاقًا من هذا، فإن المهمة الحضارية التي ندب طه عبد الرحمن نفسه لها كمفكر إسلامي، تهدف إلى تحقيق غايتين اثنتين هما:

1- كشف مخادع الحداثة الغربية وتبيين آفاتها الأخلاقية.

2- تقديم مشروع أخلاقي إسلامي من شأنه صياغة إنسان ائتماني محصّن من تلك الآفات.

ثانيًا: النقد الأخلاقي للحداثة الغربية

تركّز مؤلفات طه عبد الرحمن الأخيرة على أهمية التجربة الأخلاقية في التصدي للنزعات المادية الجاهلة، ويعتبر كتاباه «العمل الديني وتجديد العقل» و«سؤال الأخلاق» من أهم المفاتيح لقراءة مشروعه الفكري، وليست مؤلفاته اللاحقة إلَّا شروحًا وتوسيعًا لمجمل أطروحاته في هذين الكتابين.

فهو يصف الحضارة الغربية بأنها فتنت الناس بفتنتين هما: فتنة العقلانية، وفتنة التقنية، مستندة في ذلك إلى أصلين أساسيين هما: لا أخلاق في العلم، ولا غيب في العقل[32].

وعندما تجرد العلم من الأخلاق، نشأت أزمة الصدق فيها، ولما بُتر العقل عن كل ما هو غيبي تولدت أزمة القصد بها، وهاتان الأزمتان كافيتان وحدهما لجعلها حضارة متأزمة، على الرغم مما يبدو من تقدمها[33].

ومظاهر هذا التأزم -كما مرّ بنا- تتجلى في هوس الإنسان الغربي بالجانب الاقتصادي وولعه بالمنفعة المادية وجعلهما مقياسًا وحيدًا لكل تنمية وتطور، فطغى بذلك صوت التقنية والتجريب على كل صوت، وغلبت الآلية والتراكمية والإعلانية على عمليات الاتصال التي جاءت بها العولمة، وغابت الحكمة والمقصد عن كل نشاط علمي أو عملي[34].

فلا ترى إلَّا استخفافًا بالأيتوس (الأخلاق)، ولا تشاهد إلَّا افتتانًا باللوغوس (العقل)، وآية ذلك فيضان هذه السيول القولية التي ينشرها الإنسان الغربي ليغطي بها هول ما يخترع، ويخفي بها فداحة ما يصنع، فكانت تلك الحضارة، حضارة قول[35]. حيث إن جانبها العقلي قطع الإنسان عن أسباب الترقي في مراتب الأخلاق، كما أن شقها المعرفي فصله عن المعاني الروحية، أما وجهها القولي فقد ضيّق نطاقه وجمّد حركته، في حين عمل مظهرها التقني على أسره واستبعاده، فكانت بحق، حضارة ناقصة عقلًا، وظالمة قولًا، ومتأزمة معرفة، ومتسلطة تقنية[36]، أصابت الناس بآفات قاتلة من «التضييق» و«التجميد» و«التنقيص»[37].

فالتضييق فيها مردّه إلى أنها حاصرت العقل وقيدت المعرفة، بأن فصلتهما عن الأخلاق فلم يعد لهما متسع من التحرك إلَّا في حدود العالم المادي.

وأما التجميد فقد دخل عليها من كونها اكتفت بالقول القانوني الوضعي، وأماتت القول الأخلاقي النابع من الدين، إلى حد أنه لم يعد قادرًا على التأثير في الناس ولا تحريك العلاقات بينهم.

وفيما يتعلق بالتنقيص فسببه أنها جردت الحياة من الأخلاق واستبدلتها بالقول السياسي، إلى حد أن صار كل من يتحدث عن الأخلاق يُتهمّ باللامعقول وبالضعف والسذاجة في مقابل من يتحدث عن السياسة[38].

وليس من شك أن منشأ كل هذه الأزمات التي برزت في التطبيق الغربي للحداثة، هو الفقر الروحي الذي طبعها، فضيَّق أفقها، وأفقد الإنسان فيها الإحساس بالمعنى وبالأمان والاطمئنان، وولَّد لديه الشعور بالخوف واللاجدوى.

ذلك هو حال الحداثة في الغرب. أما حالها في مجتمعاتنا الإسلامية فإنَّها -مع الأسف– ليست إلَّا استنساخًا من الأصل، فهي حداثة مقلِّدة لا إبداع فيها، حيث انطلى على كثير من مثقفينا وعي باطل مفاده أن التطبيق الغربي للحداثة هو التطبيق الأمثل والأوحد والحتمي الذي لا فكاك منه. وهذا شطط ما بعده شطط؛ لأن هناك فرق بين واقع الحداثة، وروح الحداثة.

فالحداثة كروح ليست من صنع المجتمع الغربي، وإنَّما هي من صنع المجتمع الإنساني في مختلف أطواره، ولا يستنفدها تطبيق واحد، وهي قابلة للتحقق في مجتمعات أخرى غير المجتمع الغربي الحاضر ووفق سياقات وظروف خاصة.

بعبارة أكثر وضوحًا: إن الحداثة الغربية كما هي عليه الآن، ما هي إلَّا واحدة من التطبيقات الممكنة لروح الحداثة. ولا يدل تراكم المعارف، ولا حتى تأخر التطبيق، بالضرورة، على الأفضلية ومزيد التحقق بروح الحداثة. والدليل على ذلك أن التطبيق الغربي لها، وبالرغم من أنه جاء متأخرًا على كل التطبيقات السابقة، إلَّا أنه تضمن كثيرًا من المفاسد والآفات، مثل ظهور الإشعاع النووي، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، وتلوث البيئة، والاحتباس الحراري، والأزمات الأخلاقية المختلفة التي ذكرناها سابقا.

إن هذه الآفات جاءت مضادة لما وضعه أصحاب الحداثة أنفسهم من أهداف وتوقعات تتعلق بنشر القيم النبيلة وتحرير الإنسان وإسعاده، مما يُثبت، بما لا يدع مجالًا للريب، أن الاعوجاج الخلقي الذي أصاب أهل الغرب بما كسبت يد حداثتهم، بلغ تأثيره في النفوس حدًّا لا تنفع في تقويمه أخلاق السطح التي وضعها فلاسفتهم الأخلاقيون[39].

إن تلك الترميمات والتعديلات السطحية التي ما يفتؤون يدخلونها على هذا الجانب أو ذاك من معايب حضارتهم، لم تعد تملك من القوة ما تقدر به على درء ما لحقهم من سوءات أخلاقية، «ولا أدل على ذلك من أنهم لا يكادون يفرغون من إجراء هذه الإصلاحات أو تلك حتى تظهر لهم من تحتها إفسادات أتوها من حيث لا يشعرون، فيقومون إلى إصلاحها، فيجدون مرة أخرى من الإفساد ما وجدوا من قبل، وهكذا من غير انقطاع»[40].

إذن سيظل الغرب في انحدار وانتكاس أخلاقي لأنه ضد الفطرة[41]، ولأنه أسس خطاباته كلها على المطلب، فراح ينتج منذ عصر الأنوار، إنسانًا أبترَ مبتلى بالقلق الوجودي، واقفًا بفكره على الظواهر، محجوبًا بعلمه عن أسرار الملك والملكوت، محروم من النفوذ ببصيرته إلى ما وراء المادة[42].

وليست حالة المسلم المعاصر -مع الأسف- ببعيدة عن تلك الأحوال الدنيئة التي انحط إليها الإنسان الغربي، لأنه نشأ (أي المسلم) في بيئات اقتفت أثر الغرب في نظمه التربوية والمعرفية، شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، إلى حد أنها دخلت وراءه جحر الضب المشار إليه في الحديث النبوي الشريف[43] فصارت تناهض الدين، وتربّي أجيالًا بأكملها وفق مناهج مفصولة عنه، معادية لمبادئه، فغابت المفاهيم الأخلاقية المستندة للنصوص الدينية، في المناهج التربوية، وتاه الإنسان في شخص المسلم، وجوديًّا وشهوديًّا على حد سواء، حتى صرنا أمام إنسان أبتر تمامًا كالذي أنتجته الحداثة الغربية[44].

ولذا يتعيّن علينا -إن أردنا تجنب مخاطر التطبيق الغربي للحداثة- أن نسارع في ابتكار حداثة إسلامية خاصة بنا؛ لأن الحداثة لا تنقل من الخارج، وإنَّما هي إبداع مبتكر من الداخل. وكل من يدعو من مفكرينا باسم الحداثة «إلى القطيعة مع التراث، والأخذ بالمعرفة الحديثة كما جاء بها الغرب، فإن دعوته لا تعدو كونها تستبدل مكان الانشغال بالتراث الأصلي، الانشغال بتراث أجنبي»[45] وهي دعوة ارتدادية لا خير فيها.

إن تجديد التراث –خاصة التربوي منه والذي هو موضع دراستنا- لا يعني الاستنساخ وإنما يعني الاجتهاد والإبداع انطلاقًا من الجذور الثقافية للمسلمين، دون الانغلاق عليها.

وما يحفّزنا على هذا الإبداع الأخلاقي هو أننا نعيش في مرحلة الزمن الأخلاقي للإسلام، وهو زمن غنيٌّ بأبعاده الأخلاقية على مستوى الفعل، وسامٍ بمطالبه الروحية على مستوى العقائد والتصورات، وثري بمعانيه الإحسانية على مستوى المقاصد والنيَّات، وهذا عين ما افتقدته -وتفتقده- حداثة الغرب[46].

كما أن ما يسوّغ لنا التعجيل بإنشاء خطاب أخلاقي بديل، هو هذا الضرر الأخلاقي الذي لحقنا من حضارة اللوغوس، بالإضافة إلى التحول الأخلاقي المنتظر من الأخلاق العالمية، ثم حاجة المسلمين لإثبات وجودهم وقول كلمتهم في الحضارة العالمية المنتظرة انطلاقا مما يملكونه من رصيد أخلاقي[47].

ثالثًا: الأسس الروحية للمشروع الأخلاقي الطاهوي

إن تخليص الإنسان المسلم من دخَن الحضارة الحديثة، لا يكون إلَّا بتجديده من خلال نظرية تربوية إسلامية بديلة تتجاوز الخطاب التربوي الحداثي المتداول بيننا، وذلك بفحصه والكشف عن معاطبه، وتطهيره مما علق به من تصورات مناقضة للتصور الإسلامي[48].

ولن يتأتىّ ذلك التجديد المرتقب إلَّا إذا كان نابعًا من عمق تراثنا التربوي الإسلامي، بحيث نستفيد من أفضل ما عرفه أسلافنا من ممارسات تربوية وأنجعها، ونضيف إليه اجتهاداتنا الخاصة بما يتلاءم مع حاجتنا المعاصرة[49].

ويمكننا عرض معالم ذلك التجديد التربوي في النقاط الآتية:

1- التأصيل الإيماني: ينبغي أن تشتغل النظرية التربوية الإسلامية بالتأصيل الإيماني للخطاب التربوي، حتى تستأنف الأمة عطاءها الحضاري[50].

2- إحياء روح المسلم: يقتضي التجديد التربوي إحياء روح المسلم وإنسانيته بكليتها حتى يتحقق فيه الإنسان الائتماني أو الإنسان الكوثر الذي يمتاز بالإيمان الدفاق، والعمل التواق نحو الكمال[51].

3- توسيع عقل المسلم: وذلك بإخراجه من مبدأ التظهير[52] الذي ورثه عن الحداثة الغربية، إلى مبدأ أرقى منه وهو مبدأ ازدواج قوى الإدراك[53] والذي من خلاله يستعيد صلته بالقلب، فتتسع مداركه للنظر إلى الظواهر، ليس بصفتها أشياء تخضع لمقاييس ما، ولكن بصفتها آيات مرتبطة بالكون وخالقه، وتتضمن في طياتها معان سامية وآفاق ملكوتية لا قِبل للعقل المضيَّق بها[54].

ويمكننا لتحقيق هذه المطالب أن نستند إلى ثلاث حوادث روحية كبرى في تاريخنا الإسلامي وهي:

1- حادثة الميثاق: قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ المُبْطِلُونَ﴾[55].

فآية الميثاق هذه تعتبر من أقوى الآيات دلالة على أن البشر شهدوا لله بالربوبية، وأقروا له بالعبودية، قبل نزولهم إلى هذا العالم، لكنهم لما انفصلوا عن الدين، وغفلوا عن الله، نسوا الميثاق أو تناسوه، ونسبوا الأمر كله إلى أنفسهم.

بل إن العقل الغربي تمادى في غيّه حتى أغفل هذه الحادثة -التي لا يبعد أن تكون موجودة في ثقافته الدينية- واختلق نظرية هي أقرب إلى الوهم منها إلى الحقيقة، ألا وهي نظرية الميثاق الاجتماعي (العقد الاجتماعي) التي لا تحيل على أية لحظة حقيقية من تاريخ الإنسانية.

فإذا كان الفكر الاجتماعي الحداثي المتداول قد أُسّس على هذه النظرية (العقد الاجتماعي) على ما فيها من وهم وخيال، فلماذا لا تكون آية الميثاق القرآنية هي التي يحق أن نؤسس عليها الفكر الاجتماعي المنتظر؟

إن ما تمتاز به حادثة الميثاق، أنها حادثة تاريخية حقيقية، أخبرنا بها الله عزّ وجل في نص قرآني لم يثبت عليه التحريف إطلاقًا، بينما نظرية العقد الاجتماعي لم تكن سوى افتراض فلسفي، لا يدري أحد لا زمانه ولا مكانه.

ثم إن الأخلاق المستندة إلى حادثة الميثاق، ستكون أخلاقًا موحِّدة للبشر كلهم على عبودية الله الواحد، مما يجعلها أنسب أخلاق كونية لعالم منتظر[56].

2- حادثة شق الصدر: إن ما يستفاد من هذه الحادثة، أن كل قلب بشري يحمل في جوفه –بالخلقة- علقة سوء، ولابد له من عملية جراحية معنوية في غاية الدقة والمهارة لكي يتطهر ويتزكى.

ولا يستطيع صاحب القلب الحامل لهذه العلقة القيام بهذه العملية اللطيفة بمفرده، لأنه أصلًا لا يشعر بوجودها في باطنه وحتى لو شعر بوجودها فإنه لا يملك الوسائل الروحية لاستخراجها، وإنما الذي يقدر على ذلك هو المربي العارف الخبير بأمراض القلوب، المتمكن من شق الصدور وغسل ما بها من علقات.

لأجل هذا كانت أخلاق شق الصدر، أخلاق تجديد، وتغيير باطني. والإنسان الذي شُقّ صدره، وغُسل قلبه بماء طاهر مطهِّر بعد ما استخرجت منه الأدران والعلقات، هو الإنسان الائتماني، بعكس من رفض أن يُسلم نفسه لمثل هذه الجراحة، مكتفيًا بما لديه من معارف سطحية، وأخلاق ظاهرة فرعية. فالأول أخلاقه أخلاق جذور، وهذا أخلاقه أخلاق قشور، وشتان ما بين ذا وذاك[57].

3- حادثة تحويل القبلة: تتضمن حادثة تحويل القبلة في التاريخ الإسلامي دلالات روحية عميقة، أهمّها أنها أكسبت المسلمين أخلاق الوحدة والتجمع على وجهة واحدة، رغم ما بينهم من اختلافات. وهم مطالبين اليوم بالعودة إلى تلك الأخلاق والالتزام بها، إنقاذا لأنفسهم، كما أنهم مطالبون بدعوة غيرهم إليها، بصفتها وجهة ربانية حقة، في زمن تصدّعت فيه المرجعيات، وتاهت فيه الوجهات[58].

رابعًا: نموذج الإنسان الائتماني في المشروع الأخلاقي الطاهوي

ينطلق طه عبد الرحمن من مسلّمة مهمة تُعتبر الحجر الأساس في مشروعه الأخلاقي، وهي أنه لم يعد في الإمكان اليوم «ولادة إنسان جديد من هذا الإنسان القديم الذي أنتجته هذه الحضارة الغربية، إلَّا بتحول خُلُقي أشبه بالتحوّل الخلقي الذي تباشره التجربة الدينية في مرتبة التأييد»[59] أو ما سماها بالائتمانية[60].

إن ما تمتاز به هذه التجربة عن غيرها، أنها تُخرج صاحبها من طلب حظوظ السيادة على الكون إلى أداء حقوق العبودية لسيد الكون عزّ وجل، من خلال التحقق والتخلق بالصفات الحسنى، والاقتداء الحي بأخلاق الأنموذج الإنسانيِّ الأكمل سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) [61].

ومع أن هذا المنهج التربوي، نخبوي، طويل المدة، عسير المسلك، إلَّا أن نتائجه أكثر ضمانًا من غيره، لكونه يراهن على إنتاج الإنسان الكوثر[62] الكثير خيره، الطاهرِ قلبه، المترفعِ عن ظاهر الإثم وباطنه، المتشوفِ إلى تحقيق الكمالات في ذاته وفي محيطه.

إن هذا النوع من الناس لا يمكنه أن ينشأ إلَّا في رحاب أهل العقل المؤيد ممن تزكوا وفرغوا من تهذيب أنفسهم، فأصبحوا مؤهلين بدورهم لتربية غيرهم، وإصلاح مجتمعاتهم، لا بتعبئة النفوس واستنفار الجموع وقلب الأوضاع والمؤسسات، طمعًا في الحصول على نتائج عاجلة، وإنما بتحقيق الأنموذج الصادق في ذواتهم بدءًا، حتى يظهر من سنيِّ أفعالهم وزكيِّ أحوالهم ما يدعو غيرهم للاقتداء بهم في تغيير أنفسهم، والوصول إلى ما وصلوا هم إليه[63].

ولعل أفدح عيب اعترى مختلف المناهج التربوية في المجتمعات الإسلامية أنها لم تُولِ اهتمامًا يُذكر بهذا المنهج التزكوي، بل اكتفت بتعليم أخلاق السطح في مظاهرها العقلية والدينية، فخرّجت أجيالًا تشكو من فقر روحي وتعاني انحرافات نفسية واجتماعية لا حصر لها كحب الجاه، والتسلط، وحب التسيّد، والطمع، والأنانية، والرياء وغيرها من الأمراض، بالإضافة إلى التشوهات العقيدية التي وسَمتْها بسبب تقليد المنظومة المعرفية الغربية.

ولذلك نجد أنفسنا اليوم في حاجة ماسة إلى تصفية قلوبنا من تلك الأمراض، وتطهير مداركنا من تلك التشوهات المعرفية المترسبة فينا، واستئناف الصلة ما بيننا وبين أخلاقنا الإسلامية العميقة، وذلك بالتدريبات المنظمة والمكثفة على القيام بالأعمال الشرعية على خير وجه، والمواظبة عليها والزيادة فيها بالقدر الذي يكفل لنا الخروج من الطبقات النفسية والمعرفية المتراكمة؛ إذْ على قدر كثافة تلك الطبقات وغلظتها تكون الأعمال الشرعية الضرورية لإزالتها[64].

لكن يجب التنبيه إلى أن تحقيق هذا المبتغى، مهمة ثقيلة لا يستطيعها الفرد لوحده، بل عليه أن يستعين بمن نهجوا قبله هذا المنهج، وذاقوا نتائجه، وهم أهل العقل المؤيد.

هذا الأمر يحيلنا إلى الحديث عن مراتب العقلانية ومستويات أهلها في التعامل مع روح الدين، وهي كالآتي[65]:

1- مرتبة أهل العقل المجرد

وهم أهل الفكر الوضعي، ممن تجردوا عن الممارسة الدينية، أخلاقهم أخلاق جدل، وعقلانيتهم أدنى العقلانيات، وهؤلاء غير مؤتمنين في تحقيق المشروع الأخلاقي المنشود، لكثرة ما يعتريهم من الشبهات ومجافاة الدين.

2- مرتبة أهل العقل المسدد

وهم أرفع شأنًا من سابقيهم لاتصالهم بالدين والتماسهم السداد المعرفي منه، أخلاقهم أخلاق موعظة، لكنهم -على اختلاف فئاتهم- لا يشترطون العمل التزكوي في إقامة أحكام الدين، لذلك ظل تدبيرهم التعبدي تدبيرًا نفسيًّا لا تدبيرًا روحيًّا. وما لم يرقَ الفاعل الديني إلى التدبير التعبدي الروحي فإنه لا يأمن من السقوط في حب الجاه والتشوف إلى السلطة، خدمة لذاته ولمصالحه. وبالتالي فإن هؤلاء لا يقدرون -هم أيضًا- على إنتاج الإنسان الائتماني المرتجى؛ لانشغالهم بظاهر الأخلاق، وإهمالهم لمطالب التزكية الروحية.

3- مرتبة أهل العقل المؤيد

وهم أهل التجربة الأخلاقية العميقة، أخلاقهم أخلاق الحكمة، ومنهجهم التربوي منهج التزكية؛ لذا كانت عقلانيتهم أعلى العقلانيات وأسماها، حيث تجاوزوا مرتبة العقل المجرّد صارفين مفاسده، وارتقوا فوق مرتبة العقل المسدد مجتنبين عوائقه وعيوبه، وهؤلاء هم المعنيون بصناعة الإنسان الائتماني المرتقب.

فلْنُعرضْ صفحًا عن أهل العقل المجرد وأهل العقل المسدد، ونركّز حديثنا على أهل العقل المؤيد الذين يمتاز منهجهم التربوي بخصائص روحية نعرضها في النقاط الآتية[66]:

1- إنه منهج تربوي نابع من عمق الدين لا من خارجه.

2- إنه منهج مقيد بالتاريخ التربوي الإسلامي، وينهل من أفضل وأكمل ما ظهر فيه من الممارسات التربوية.

3- إنه منهج تطبيقي واقعي وليست مجرد تأمل نظري.

4- إنه منهج مأصول من التراث غير منقول عن الغير.

5- إنه منهج عمقي لا سطحي.

6- إنه منهج كلي لا جزئي.

7- إنه منهج تحويلي لا تغييري.

8- إنه منهج تثويري لا تطويري.

9- إنه منهج تدرجي لا طفري.

والسؤال الذي يشخص أمامنا هو: من سيتولى الإشراف على تطبيق هذا المنهج التربوي الروحي؟

إن من سيتولى تلك المسؤولية التربوية في بعدها التزكوي، والسهر على صناعة الإنسان الائتماني، ليسوا أولئك المفكرين المتجردين من الدين، الجامدين على ظواهر الأشياء، لا ولا حتى أولئك العلماء الواقفين على ظاهر الشريعة المحصورين في أخلاق السطح، بل هم أهل العقل المؤيد، الذين اتصلت عقولهم بالشرع، وسُدِّدت غاياتهم بمقاصده، المتلقفون للخطاب القرآني في عمق معانيه، المتجاوزون لرسومه، المشتغلون بالله، الموصولة أقوالهم بأفعالهم، المرتبطة أعمالهم بالله، المستمدون معارفهم من حقائق الملكوت[67].

ذلك أن المسافة التي تفصلنا عن منابعنا الأخلاقية الإسلامية طويلة جدًّا، ولا يكفي في التحقق بها، مجرد قراءة ما لدينا من نصوص دينية، لأن تلك النصوص -على علو قدرها- لن تنقل إلينا ما تكتنزه من أحوال أخلاقية نقلًا حيًّا مباشرًا، وإنما الذي يحقق لنا هذا المطلب هو القدوة أو النموذج، الذي يبث الحياة في تلك النصوص ويجعلها تتكلم بأفصح لغة من خلال أفعاله السديدة وأحواله الرشيدة، ولذا فإن حاجتنا إلى النموذج الحي تزداد في هذا العصر بقدر ازدياد تباعد الزمن بيننا وبين منابعنا الدينية الأولى[68].

وهذا الأمر يقودنا إلى الحديث بتفصيل عن النموذج القدوة، فما هي ميزاته يا ترى؟

1- المراقبة الحية للنموذج[69]: ومفادها أن هذا المربي يُشترط فيه أن يكون قد تلقى تربيته على يد نموذج قدوة وصحِبه وراقبه مراقبة حية بدون انقطاع، وهذا الأخير بدوره يكون قد سلك في تلقي تربيته المسلكَ نفسه، وهكذا صُعودًا حتى يتصل سند التربية بالنموذج الأعظم والإنسان الأكمل سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

2- الاشتغال المباشر: وذلك بأن يَخرج هذا المربي من النظر المجرد، ويدخل في العمل الحي المباشر، فلا يقف على ظاهر النصوص الشرعية، ولا يكتفي بما يثمره الفعل الخلقي في الحال، وإنما يتغيَّا الأبعاد الباطنية للنصوص محاولًا التلبس بها والتحقق منها ولو طال به الزمن في ذلك[70].

3- الجمع بين المقال والحال: ولا يتأتّى له هذا المطلب إلَّا إذا صار العمل الشرعي وصفًا راسخًا فيه، متخللًا كل حركاته قولًا وعملًا وحالًا وإشارةً، وبالتالي يكون قريبًا من الأصول الدينية، قرب عمل وحال، لا قرب نظر ومقال[71].

4- الفهم والاجتهاد: أن يكون مدركًا للدلالة العملية للنصوص، متحققًا بها تحقق عمل وحال لا تحقق نظر ومقال، فاهمًا إياها فهمًا بالحضرة لا فهمًا بالفكرة، فتتجدد مداركه العقلية والوجدانية، وتقوم بها أسباب الإنتاج والإبداع، ويكون إنتاجه نابع من داخل الظرف الذي يحتضنه أو من داخل النص الذي يتأمله، أو من داخلهما معًا[72].

5- الجمع بين العبارة والإشارة: بحيث تكون له القدرة على أن يستعمل في تربيته لتلامذته، لغة العبارة، إلى جانب لغة الإشارة كلما احتاج إلى ذلك، نظرًا للطابع الروحاني الذي يكتنف هذا النوع من التربية[73].

6- المحبوبية: فيكون مقبولًا لدى الناس محبوبًا عندهم، لما يرون فيه من سمو الخصال وجميل الأفعال، وطيِّبِ الأقوال؛ لأن الأخلاق الحسنة محبوبة عند الناس حتى ولو لم يتحلوا هم بها، فإذا رأوها ظاهرة على شخص ما، أحبوه ووقروه لأجلها[74].

بعدما عرفنا خصائص المربي القدوة، لا بد لنا التنبيه إلى خطورة التصدي للتربية والإصلاح دون مؤهلات كافية لذلك، وهذا ما أطلق عليه طه عبد الرحمن مصطلح «اغتصاب النموذج»، وهو أنواع نعرضها فيما يأتي:

1- اغتصاب المقارب (صاحب العقل المجرد): المقارب هو المتجرد من العمل الشرعي اعتقادًا وسلوكًا، يتصدر للتربية أو الإصلاح، فيكون ضرره أكثر من نفعه، ويكون «اقتحامه مجال الإصلاح ليس إلَّا خوضًا في تصرفات تغييرية لا يمكن أن يأتي منها التخليق»[75].

2- اغتصاب القرباني (صاحب العقل المسدد): القرباني نمط من المصلحين يؤمن بضرورة العلم الشرعي مع استغنائه عن الأعمال التزكوية، فهذا قد تُؤمَن مبادئه، ولكن لا تسلم عواقبه، ذلك أن وقوفه مع الصفة الظاهرية للعمل الشرعي يورثه الاغترار وينتهي به إلى القسوة والتعنيف والانغلاق[76].

3- اغتصاب المتمنذج: المتمنذج شخص مارس العمل التزكوي، وانتسب إلى الدوائر الصوفية، لكنه تعجل في الخروج إلى الإصلاح والتخليق قبل أن يحصل له الاستعداد لذلك، حبًّا في الدنيا وطمعًا في الشهرة أو الرياسة أو ما إلى ذلك من الحظوظ النفسانية. فيُلحِق بأتباعه من الآفات ما لا يقل خطورة عن تلك التي يحدثها المغتصبون من المقاربين والقربانيين.

إن الحديث عن هذا النوع من المربيين المزيفيين يقودنا إلى تقسيم طالبي التربية الروحية إلى قسمين:

1- أهل التمنذج التعرفي: وهم الذين انتهجوا طريق التربية الروحية قاصدين التخلق، والتعبد، والتعرف إلى الله ملتزمين بأبجديات العمل التزكوي، وشروط السلوك الروحي، من خلال صحبتهم الصادقة للنموذج الحي المتصل سنده برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) [77]، وهؤلاء هم الذين سيكونون نماذج يُعوّل عليهم في تربية غيرهم.

2- أهل التمنذج التبرّكي: وهم على قسمين، منهم انتسبوا إلى نموذج حي ولكن لم يلتزموا بشروط التربية الروحية معه، لقصور همتهم عن طلب المعالي واكتفائهم بمجرد التبرك. ومنهم من انتسبوا إلى نموذج انتقل إلى الدار الآخرة، فأحبوه حبهم لأهل التزكية، ولكن لم يحققوا شروط الصحبة الحية المباشرة، فظلت توجيهات ذلك النموذج تنتقل إليهم بطريق المقال وليس بطريق الحال، فكانت الاستفادة منه استفادة نظرية لا عملية لتعذر التوجه والمراقبة[78]. وهذا لا يفيدهم في شيء لأن طالب التربية الروحية، يتعين عليه أَلَّا يعتمد في تخلقه على نفسه، ولا على شخص ميّت أو غائب، بل عليه أن يتقيد بمتخلّق حي، وعلى شرط الحضور معه ومراقبته مراقبة مباشرة.

وقد يقع كلا الصنفين في انحرافات لا تُؤمن مبادئها ولا تُسلم عواقبها، فتتشعب بهم الدعاوي وتكثر بينهم البدع ويندس بينهم أدعياء ومغرضون يلبّسون على قاصدي التخليق في عقائدهم وأعمالهم[79].

وبناء على ما سبق نصل إلى أن التربية الروحية، ليست علومًا تدرس، ولا أقوالًا تُسمع، وإنما هي سريان أحوال من نموذج حي متخلق، إلى متمنذج راغب في التخلّق. ومن لم تسرِ فيه أحوال العارفين المتأدبين بالآداب العليّة، لا يمكنه أن يتحلى بها، ولا يمكنه أن ينقلها إلى غيره.

وحتى لو تربى هذا المتمنذج على يد قُدوات عارفين وأخذ منهم العلوم والأحوال الزكية، فإنه لا يجوز له أن يتصدر للدعوة والإرشاد إلَّا إذا أُذِن له في ذلك من جهة موثوقة مأمونة، تشهد له بأنه فرغ من تهذيب نفسه، وبأنه مؤهل لتهذيب غيره، أما «من خرج للخلق قبل حقيقة تدعوه إلى ذلك فهو مفتون»[80].

والفتنة التي تصيب هذا النوع من المدّعين، تتمثل في تعلق قلوبهم بالناس، وتشوّفهم الجنوني للشهرة والجاه، والعجيب أن هذه الفتنة التي أصيبوا بها، لا تبقى محصورة فيهم، بل إنها ستنتشر شيئًا فشيئًا في أتباعهم، ثم تسري في المجتمع بأكمله، فيكثر الخداع الديني، ويعم النفاق، ويصبح الدين موضع اتهام، فتموت ثقة الناس فيه وفي المتدينين، وكل ذلك بسب ظهور هذا الصنف من الدعاة المزيفين المغتصبين للتمنذج.

بعد أن تعرضنا لسمات الإنسان الائتماني في المشروع الأخلاقي الطاهوي، تأسيسًا نظريًّا، وتطبيقًا عمليًّا، نتساءل الآن: ما دور هذا الإنسان في بناء الحداثة الإسلامية المرتقبة؟

خامسًا: المهمة الحضارية للإنسان الائتماني

يعتقد طه عبد الرحمن جازما –كما مرّ بنا- أن حضارة اللوغوس (وهي حضارة الغرب) قد أفلست أخلاقيًّا، وعمّت آفاتها الكون بأجمعه، ولم يعد للبشرية من مخرج إلَّا بناء حضارة جديدة يكون فيها السلطان للأيتوس (الأخلاق) بحيث تتحدد فيها حقيقة الإنسان -لا بعقله أو بقوله- وإنما بخلقه وبفعله[81].

ولا يوجد أي دينٍ مرشحٌ اليوم للقيام بهذا الدور، وإمداد البشرية بمدد أخلاقي نقيّ كالدين الإسلامي، لأنه الدين الخاتم، والرسالة الجامعة، والمرجع الأقوم لكل العقول، آمنت بذلك أم أنكرت. وفي هذا الصدد يتوقع طه عبد الرحمن أن العالمَ سيشهد في المستقبل القريب حدثين كبيرين وهامين:

أحدهما: انهيار النظريات الأخلاقية وإفلاس الأنساق المعيارية التي توجه الحداثة الغربية، فيتسبب ذلك في فراغ أخلاقي رهيب.

وثانيهما: ازدياد هروب الناس إلى الحياة الفردية الخاصة، فتنشأ عن ذلك الحاجة إلى أخلاق الباطن (الأخلاق الروحية).

وفي ظل هذين الحدثين يتعين على المسلمين أن يتحملوا مسؤوليتهم التاريخية بتقديم البديل الأخلاقي الإسلامي الحقيقي وإنقاذ البشرية، بصفتهم شهداء على الناس كما ورد ذلك في القرآن الكريم حيث قال الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[82].

ولن يكون البديل الأخلاقي الأنجع، سوى الأخلاق المؤيدة التي تعتبر بحق أقدر الأخلاق على تقويم حضارة القول، وتخليص الإنسان من سوءاتها[83]. أو بعبارة أخرى: إن أخلاق التزكية هي المرشحة لأن تكون منهجًا لتجديد القلب الإنساني، وسببًا في ميلاد عقل جديد[84].

لكن أليس من الجدير بنا -نحن المسلمين- أن نتمثل هذه الأخلاق في حياتنا ونتخذها سببًا لحداثتنا المرتقبة أولًا، قبل أن نقدمها كبديل أخلاقي للآخرين؟

سؤال وجيه يُحيلنا على إجابة مريرة، وهي أن الحركات النهضوية في العالم العربي والإسلامي - على اختلاف مشاربها- لم تُعر إلى حد الآن اهتمامًا كبيرًا لهذا الجانب الروحي من الممارسة الإسلامية، بل راحت تتسابق نحو المجالات السياسية والاقتصادية مستعجلة تدارك التقدم الحضاري، معتقدة أن النهضة لا تتحقق إلَّا بمحاكاة الحداثة الغربية وأن «مآل التجديد الإسلامي رهين بإنشاء المؤسسات الصناعية والمراكز التقنية ووضع البرامج التحديثية وتجنيد الطاقات المادية»[85].

غير أن هذا الطرح خاطئ من أساسه حسب رأي طه عبد الرحمن، وذلك للأسباب الآتية:

1- إن انتهاجه سيؤدي بنا إلى مزيد من التبعية للغرب، فضلًا عن تعطيل الموروث الثقافي الإسلامي.

2- سيصحّ هذا الطرح لو كان الغرض من التجديد أن نجعل المجتمع المسلم نسخة مطابقة للمجتمع الغربي، وليس هذا هو القصد من التحديث.

3- إن مسالك الغرب في التحديث بُنيت أصلًا على أسس عَقدية تعارض الحقيقة الشرعية الإسلامية، ومتى أخذ بها المسلم أنشأت في قلبه -شاء أم أبى- توجهات تنزع عنه لباس الإيمان والتقوى، وأورثته -عاجلًا أو آجلًا- سلوكات تنسيه التعامل مع الله[86].

4- ثم إن انتهاج المجتمعات الإسلامية منهج التحديث على النمط الغربي سيحصرها داخل الأفق الذي ترسمه لها النماذج الغربية، فتقع في الانسلاخ عن هويتها[87].

5- وأخيرًا فإن الغرب لن يترك المجتمعات الإسلامية تلتحق بركبه، بل سيسعى إلى تعطيلها، حتى تظل تابعة له خاضعة لأوامره[88].

فإذا ثبت لدينا مما سبق، أن التحديث الغربي مقطوع عن الغيب، مبتور عن الأخلاق، وإذا تبين لنا أيضًا أن تقليده لن يجرنا إلَّا إلى التراجع والانسلاخ، تعيّن علينا أن نفكر –إذن- في نمط مغاير من التحديث لا يلحقنا منه الأذى، ولا يصيبنا منه عطب، وذلك لا يكون إلَّا باستعادة الصلتين المفقودتين معًا في الحداثة الغربية، وهما الصلة بين العقل والغيب، والصلة بين العلم والعمل، وذلك لا يكون إلَّا بشرطين: أحدهما تحقيق التخلق العميق، والثاني ترسيخ المعية الإلهية.

إن الحركات النهضوية العلمانية والإلحادية في العالم الإسلامي، ليست مؤهلة إطلاقًا لتحقيق هذين الشرطين؛ لأنها لا تؤمن أصلًا بضرورة الدين الإسلامي في الحياة حتى في خطوطه العريضة، فضلًا عن أن تهتم بتحقيق تلك المطالب الروحية الدقيقة منه، والتي لا ترى فيها سوى الانسحابية والرجعية والتخريف[89].

أما الحركات النهضوية الإسلامية، وهي التي من كان من المفترض أن تتولى تجسيد هذه المطالب، فقد وقعت في التسييس ولم تتمكن – رغم جهودها المعتبرة- من تربية رجال نماذج وقدوات ائتمانيين. ولذا فإنها مطالبة -إن أرادت أن تساهم في بناء حداثة إسلامية راسخة- أن تراجع منهجها الإصلاحي، وتتجنب الإفراط في التشييد الدنيوي والإدمان على العمل السياسي.

ولن يتأتَّى لها ذلك إلَّا إذا تبنت المشروع التزكوي الذي ينتج الإنسان النخبوي الائتماني المتحقق بالوحدة الأصلية بين التعبد والتدبير[90] الجامع بين التخلق الخارجي والتخلق الداخلي، المتعبد لله في كل شيء وفي كل وقت وفي كل أين[91].

فلا حداثة إسلامية إذن إلَّا بتربية الإنسان الائتماني، ولا منهج يصلح لتربيته إلَّا المنهج الأخلاقي التزكوي.

الخاتمة

ختامًا، نصل إلى أن الحداثة الغربية بلغت حالة من التأزم لم يعد يجدي في درء مفاسدها إلَّا الحل الأخلاقي، هذا الحل الذي تعالت أصوات الحكماء في العالم للرجوع إليه، في إطار ما يسمى بالأخلاق العالمية.

وعبثًا يحاولون؛ لأن تلك الأخلاق قد تكون بمثابة ترميمات وترقيعات آنية، ولكنها لن تجدي نفعًا ما لم تؤسَّس على الدين العالمي الخاتم الذي هو الإسلام، لأن الزمن الأخلاقي زمنه بلا منازع، ويستحيل أن يجعله الله دينًا عالميًّا خاتمًا صالحًا لكل الأزمنة، ولا يضمّنه من القيم ما ينفع البشرية ويخلصها من مصائبها، ومن هنا يبرز دور المسلمين في القيام بدورهم الشهادي على الناس، وتقديم البديل الأخلاقي لهم.

وحينما نتحدث عن أصحاب هذا الدور الريادي من المسلمين، لا نعني مقلدة الحداثة الغربية، المنبهرين بها، المتنكرين لدينهم، ولا حتى أولئك الذي وقفوا على ساحل الدين ولم يعرفوا منه إلَّا ظواهره ورسومه، بل إن المعنيين بهذه المهمة الحضارية هم أهل العقل المؤيد، الذين خاضوا التجربة الروحية بكل مقاماتها، وتلقوا تربيتهم من الأصفياء العارفين المتصلين اتصالًا حيًّا بالنموذج الحضاري الأكمل سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاستطاعوا بمنهجهم الروحي ذاك أن ينشئوا الإنسان الريادي الائتماني الكوثري.

وقد ظهر لنا أن المنهج التزكوي منهج نخبوي بطبيعته، نظرًا لأنه يشتغل على أخلاق العمق والتي تشترط نمطًا متميزًا من المربين، وهم أهل التمنذج التعرفي الحي المتصل، وتشترط نمطًا خاصًّا من المتعلمين وهم الائتمانيون، كما تتطلب فضاءات لطيفة طاهرة نقية، لا تحتمل النفاق وسوء الأخلاق، والتدليس والتسييس، والحظوظ النفسانية، والأحوال الظلمانية التي ينزلق إليها بعض المصلحين والمدّعين من المربين المزيفين، والذين لا يجرّون على الفرد والمجتمع سوى وبال الفتن والانتكاس.

وربما يعتقد البعض أن المنهج الروحي يصلح للخلوة والتعبد فحسب، ولا يصلح لممارسة العمل النهضوي التحديثي. وهذا اعتقاد فاسد، ما فتئ الأستاذ طه عبد الرحمن يدحضه، مبرهنًا في كل مؤلفاته على أنه المنهج الأرقى والأفضل والأنجع، لا لتخليص المسلمين مما هم فيه من تخلف وأزمات -فحسب- بل وأيضًا لتخليص غيرهم مما لحقهم من آفات بسبب الحداثة المادية.

وما ذلك إلَّا لأن هذا المنهج منهج رباني محمدي يأخذ بيد الإنسان فيزكي قلبه، ويوسع علقه، ويردّه إلى فطرته التي إن حققها كان بحق خليفة الله الأمين المؤتمن على نفسه وعلى غيره.

لكن ألم يبالغ طه عبد الرحمن في قصره التحديث الإسلامي على وجود الإنسان الائتماني دون غيره؟ أَوَليس من الخطأ أن نجعل الأخلاق الصوفية كافية وحدها لتحقيق هذا المقصد النهضوي في العالم العربي والإسلامي؟

في اعتقادنا أن هناك شيء من المبالغة في هذا الطرح، لأن منهج الأخلاق الصوفية -على علوّ شأنه- لا يمكنه أن يحقق هذا الهدف بمفرده، لسبب وجيه وواضح، وهو أنه منهج خاص، لا يطيقه كل الناس ولا يقدرون على شروطه.

ولم يثبت في التاريخ الإسلامي -منذ ظهور التصوف حتى هذه اللحظة- أن المسلمين، حتى في أوج ازدهارهم انتسبوا كلّهم إلى التصوف أو خضعوا لمنهجه الروحي الصارم، إنما الذي حدث بالفعل هو أنه كانت توجد دائمًا فئة قليلة من خوّاص المسلمين تتشوف إلى التروحن والاتصال بالعالم الأسنى، فتسلك -للارتقاء إليه- زكيَّ الأخلاق، وخالص العبادات، وتُلزم نفسها بأنواع من الرياضات والمجاهدات، مما لا يتحمله كل الناس، فكانت تحدث بوجودها، توازنات في المجتمع الإسلامي، وتشكّل بحضورها مرجعيات أخلاقية وروحية يعود إليها الناس حينما تخنقهم المادة، وتختطفهم الدنيا، وتأسرهم الشهوات.

فإذا تبين لنا أن هذا المنهج الأخلاقي خاص ومحدود، فإن تعميم ما بطبيعته خاصٌّ، وتوسيع ما بحقيقته محدودٌ، واشتراطه كعامل أساسي في الحداثة الإسلامية المنتظرة، يعتبر -بحسب رأينا- من المبالغات التي تعتور المشروع الأخلاقي الطاهوي، لا لأننا نرفض التجربة الأخلاقية الصوفية -كَلَّا- بل لأننا نريد أن ننظر إليها كما هي في حقيقتها، فلا نكلفها غير ما يخالف حقيقتها، ولا نكلف الناس بما لا يستطيعونه منها.

نعم إن وجود الإنسان الائتماني الذي يراهن عليه المشروع الأخلاقي الطاهوي، ضروري، لكن وجوده سيكون دائمًا عزيزًا ومحدودًا، وليس ذلك عيبًا؛ لأن هذا النوع البشري جوهرة نفيسة، ولن تكون الجواهر النفيسة إلَّا عزيزة ونادرة.

وعليه فإن التجديد الحضاري المنشود لا يمكن أن يقوم على جهود هذا الإنسان وحده، بل أيضًا على جهود غيره من الفاعلين الاجتماعيين من ذوي التوجهات الإسلامية الأوفياء لهويتهم، المخلصين لقضايا أمتهم.

أي إن العملية الحضارية ستكون تكاملية يقوم فيها كل نفر من المجتمع الإسلامي بدورهم الحضاري المنوط بهم، والملائم لاختصاصاتهم، ويكون فيها للإنسان الائتماني مسؤولية رئيسية تتمثل في إمداد غيره بما يعوزهم من قيم أخلاقية عميقة، تكون لهم بمثابة طاقة يتزودون بها كلما تعثرت بهم الخطى، وانحرف بهم المسار.

وأخيرًا لا بد من التنويه بالاستراتيجية المتميزة التي سلكها الأستاذ طه عبد الرحمن في نحته لمفاهيمه التربوية وإبداعه لمصطلحاته الأخلاقية، حيث نجده يأتي إلى المفهوم الصوفي التراثي فيعطيه مسميّات جديدة، ويكسبه دلالات معاصرة، ليصبح المفهوم التراثي مفهومًا جديدًا حيًّا منسجمًا وعقلانية المثقف المعاصر، وما ذلك إلَّا أنه يحاول رسم طريق الاستقلال الفكري والتحرر من سلطة المفاهيم سواء التراثية منها أو الوافدة.

ولذا فلا غرْو في أن يكون القارئ قد وجد في متن هذه الدراسة عديدًا من المفاهيم والمصطلحات الجديدة التي لا عهد له بها، والتي نعتقد أنها -على ما تكتسيه من غرابة وغموض- جديرة بأن تفتح له آفاقًا معرفية رحبة، وتدفعه إلى الإبداع، وتشجعه على فقه التجربة الروحية في أبعادها النظرية والعملية.

 

 



[1] طه عبد الرحمن فيلسوف مغربي، متخصص في المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق، يعد من أبرز الفلاسفة والمفكرين في مجال التداول الإسلامي العربي منذ بداية السبعينات من القرن العشرين، تتميز ممارسته الفلسفية بالجمع بين التحليل المنطقي والتجربة الصوفية.

[2] طه عبد الرحمن، دين الحياء من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني، بيروت: المؤسسة العربية للفكر والإبداع، ط 1، 2017،ج1، ص13 وما بعدها.

[3] René guenon-la crise du monde moderne. Alger: Ed bouchene، 1990-p p 69; 117;120.

 

[4] علي عزت بيجوفيتش، الإسلام بين الشرق والغرب، ميونيخ: مؤسسة بافاريا للنشر والأعلام والخدمات، 1994، ص258.

[5] المرجع نفسه، ص264.

[6] عبد الوهاب المسيري، الفردوس الأرضي، القاهرة: دار تنوير للنشر والطباعة، ط1، 2014، ص140.

[7] المرجع نفسه، ص131.

[8] ميشال فوكو، حفريات المعرفة، ترجمة: سالم يفوت، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1986، ص175.

[9] ألن تورين، نقد الحداثة، ترجمة: أنور غيث، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 1997، ص 145.

[10] هربرت ماركيز، الإنسان ذو البعد الواحد، ترجمة: جورج طرابيشي، بيروت: منشورات دار الآداب، ط3، 1977، ص ص171 - 172 

[11] J. Habermas.la technique et la science comme idéologie, trad. Franc. J. R, Paris: Ladmiral, 1973.

[12] عبد الوهاب المسيري، الفردوس الأرضي، مرجع سابق، ص132.

[13] G.Canguilhem, la connaissance de la vie, Paris: J.Vrin, 1992, P111.

[14] مايكل زيمرمان، الفلسفة البيئية من حقوق الحيوان إلى الإيكولوجيا الجذرية، ترجمة: معين شفيق رومية، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ط1، 2006. ضمن سلسلة «عالم المعرفة»، العدد (332) الجزء الأول.

[15] Jacqueline Russ, La pensée éthique contemporaine, que sais-je? Puf, 1995, P 190-121

[16] طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق، مرجع سابق، ص 124 بتصرف.

[17] ناهدة البقصمي، الهندسة الوراثية والأخلاق، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، يوليو 1993، عدد 174، ص56، 99. 

[18] سعيد اللاوندى، مافيا صناعة الدواء في العالم، الأهرام، السبت، 27 ديسمبر 2003، السنة 127، العدد 42754.

[19] عبد الوهاب المسيري، الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، بيروت: دار الفكر المعاصر، ط4، 2010، ص ص 36، 207.

[20] طه عبد الرحمن، بؤس الدهرانية، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، 2014، ص 85 بتصرف.

[21] طه عبد الرحمن، شرود ما بعد الدهرانية، بيروت: المؤسسة العربية للفكر والإبداع، ط1، 2016، الصفحات45، 49، 50.

[22] الحوسلة: مصطلح نحته عبد الوهاب المسيري مركب من كلمتين: تحويل + وسيلة، أي تحويل كل شيء إلى وسيلة.

[23] يستعمل المسيري المادة البشرية: كتعبير يوحي بأن الغرب في جانبه المتسلط ينظر للآخرين على أنهم مادة، يتعامل معهم كما يتعامل مع الطبيعة لتحقيق مصالحه.

[24] انظر: عبد الوهاب المسيري، الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، مرجع سايق، الصفحات180، 181، 185.

[25] http://bohothe.blogspot.com/2010/03/blog-post_30.html انظر: حسان الباهي، العلم بين الأخلاق والسياسة.

[26] روجيه غارودي، الولايات المتحدة طليعة الانحطاط، مرجع سابق، ص 118.

[27] Roger Garaudy, Les Fossoyeurs, Edition de L Archipel, Paris: N d édition 19, 1992, p72

[28] اشفيتسر ألبرت، فلسفة الحضارة، ترجمة: عبد الرحمن بدوي، بيروت: دار الأندلس، ط3، 1983، ص 11.

[29] من تعليق غارودي على مؤتمر السكان الذي عقد بالقاهرة أيام 5-13 سبتمبر سنة 1994. انظر: يوسف القرضاوي، الإسلام حضارة الغد، القاهرة: مكتبة وهبة، ط1، 1995م، ص ص106، 111.

[30] كاريل ألكسيس، الإنسان ذلك المجهول، تعريب: شفيق أسعد فريد، بيروت: مكتبة المعارف، 1998، ص355.

[31] انظر: طه عبد الرحمن، بؤس الدهرانية، مرجع سابق، ص 131 وما بعدها.مرجع سابق.

[32] طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق، مرجع سابق، ص ص91، 92.

[33] المرجع نفسه، ص113.

[34] المرجع نفسه، ص26.

[35] المرجع نفسه، ص ص77، 89.

[36] طه عبد الرحمن، روح الحداثة، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط 2، 2009، ص90. وكذا سؤال الأخلاق، ص145.

[37] طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق، مرجع سابق ص80.

[38] المرجع نفسه، ص ص78، 79 بتصرف.

[39] المرجع نفسه، ص26.

[40] المرجع نفسه، ص145.

[41] طه عبد الرحمن، دين الحياء من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني، مرجع سابق، ج1، ص 14.

[42] طه عبد الرحمن، من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر، جمع وتقديم: رضوان مرحوم، بيروت المؤسسة العربية للفكر والإبداع، ط1، 2016، ص48-49.

[43] «حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو غسان قال: حدثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه. قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟» انظر: العسقلاني أحمد بن علي بن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري. دار الريان للتراث: 1407هـ/ 1986م عدد الأجزاء: ثلاثة عشر جزء، كتاب الأنبياء، حديث رقم 3269.

[44] طه عبد الرحمن، من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر، مرجع سابق، الصفحات 35، 36، 38، 39، 44، 45 بتصرف.

[45] طه عبد الرحمن، حوارات حول المستقبل، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، 2011، ص 12.

[46] طه عبد الرحمن، روح الحداثة، مرجع سابق، ص 35 وما بعدها.

[47] طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق، مرجع سابق، ص 146.

[48] المرجع نفسه، الصفحات، 48، 49، 61، 62. 

[49] المرجع نفسه، ص ص35، 67. 

[50] طه عبد الرحمن، من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر، مرجع سابق، ص ص33، 34.

[51] المرجع نفسه، الصفحات،42، 44، 45، 46، 47.

[52] مبدأ التظهير: مفاده أن ما يظهر للحواس موجود وما لا يظهر لها معدوم. انظر: المرجع السابق ص 54.

[53] مبدأ ازدواج قوى الإدراك: مقتضاه أن القوى الإدراكية تمتلك قوتين إحداهما خارجية تدرك بها ظاهر الأشياء الخارجية، والثانية داخلية تدرك بواطن الأشياء وأسرارها. انظر: طه عبد الرحمن، من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر، مرجع سابق، الصفحات ص 52، 54، 55.

[54] المرجع نفسه.

[55] سورة الأعراف، الآية 172 - 173.

[56] طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق، مرجع سابق ص 159.

[57] المرجع نفسه، ص ص 161، 162، 163.

[58] المرجع نفسه، ص167.

[59] المرجع نفسه، ص 80.

[60] انظر: طه عبد الرحمن، روح الدين، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط 1، 2012، ص503 وما بعدها.

[61] طه عبد الرحمن، من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر، مرجع سابق، ص15.

[62] المرجع نفسه، ص ص44، 45.

[63] طه عبد الرحمن، روح الدين، مرجع سابق، ص503 بتصرف.

[64] طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق، مرجع سابق، ص 110 بتصرف.

[65] انظر: طه عبد الرحمن، بؤس الدهرانية، مرجع سابق، ص 13. وكذا سؤال الأخلاق، ص 69 وما بعدها. وكذا العمل الديني وتجديد العقل، الدار البيضاء، المغرب: المركز الثقافي العربي، ط2، 1997، ص40 وما بعدها. وكذا روح الدين، مرجع سابق، ص448.

[66] انظر: طه عبد الرحمن، من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر، مرجع سابق، ص25 وما بعدها. وكذا روح الدين، مرجع سابق، الصفحة 266 وما بعدها. 

[67] انظر: طه عبد الرحمن، بؤس الدهرانية النقد الائتماني، لفصل الأخلاق عن الدين، مرجع سابق، ص 13، وكذا: من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر، مرجع سابق، الصفحات16، 54، 55.

[68] طه عبد الرحمن، العمل الديني وتجديد العقل، مرجع سابق، ص196.

[69] النموذج: هو الشخص الذي يتوجه إليه من يرغب في التخلق والتطهير. انظر: طه عبد الرحمن، العمل الديني وتجديد العقل، مرجع سابق، ص193

[70] طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق، مرجع سابق، ص 80 بتصرف.

[71] ص ص100، 102.

[72] انظر: المرجع نفسه، ص ص102، 103. وكذا العمل الديني وتجديد العقل، ص ص194، 195.

[73] طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق، مرجع سابق، ص 99.

[74] طه عبد الرحمن، العمل الديني وتجديد العقل، مرجع سابق، ص195. وكذا سؤال الأخلاق، ص103.

[75] طه عبد الرحمن، العمل الديني وتجديد العقل، مرجع سابق، ص210.

[76] المرجع نفسه، ص212، 214 بتصرف.

[77] المرجع نفسه، ص215.

[78] المرجع نفسه، ص216.

[79] المرجع نفسه، ص ص 217، 218.

[80] العلاوي أحمد بن مصطفى، المواد الغيثية الناشئة عن الحكم الغوثية، مستغانم: المطبعة العلاوية، ط2، 1989، ج1، ص107.

[81] طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق، مرجع سابق، ص 146.

[82] سورة آل عمران، الآية 110.

[83] المرجع نفسه، ص ص 86، 90.

[84] المرجع نفسه، ص 164.

[85] المرجع نفسه، ص 188.

[86] المرجع نفسه، ص 196.

[87] المرجع نفسه، ص 195.

[88]المرجع نفسه، ص 196.

[89] انظر: قويدري الأخضر، العرفان بين الاستقالة والاستنارة، مجلة الكلمة، بيروت: منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث، العدد 89، (2015م)، ص 102 إلى 130.

[90] التعبد والتدبير: هما الدين والسياسة على الترتيب.

[91] انظر: طه عبد الرحمن، روح الدين، مرجع سابق، الصفحات 476، 501، 509.