شعار الموقع

من قضايا النحو والدلالة عند الجويني

عادل فتحي رياض 2019-05-20
عدد القراءات « 934 »

من قضايا النحو والدلالة عند الجويني

 

الدكتور عادل فتحي رياض*

 

* باحث من الجزائر، الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية، كلية الآداب والعلوم، جامعة قطر.

 

 

 

مقدمة

لا تزال القضايا المشتركة بين علمَيْ أصول الفقه والنحو مَعِينًا لا ينضب للدراسات المطولة أو البحوث المختصرة؛ لما للعربية من منزلة عُليا في علوم الشريعة، وبخاصة علم الأصول؛ ولتوقف الاجتهاد في الفقه على التضلع بعلومها، ومعرفة سَنن العرب في كلامها، وتوقف استنباط الأحكام على فهم قواعدها نحوا وصرفا ودلالة.

وإن الناظر في مصنفات علم الأصول ليجد مسائل العربية مبثوثة في أبواب عدة، كبحث أصل اللغات ونشأتها، وهل هي توقيفية أو اصطلاحية؟ ومباحث دلالات الألفاظ، والحقيقة والمجاز، ومباحث النص والظاهر، والمجمل والمبين، ومسائل أدوات المعاني، والدلالة على العموم والخصوص، والإطلاق والتقييد، وما اندرج تحت ذلك كله من توجيه نصوص الشرع الشريف والاستشهاد بها.

يقول الجويني: «ولن يستكمل المرء خلال الاستقلال بالنظر في الشرع ما لم يكن ريّانًا من النحو واللغة... واعتنوا (أي: الأصوليون) في فنهم بما أغفله أئمة العربية واشتد اعتناؤهم بذكر ما اجتمع فيه إغفال أئمة اللسان وظهور مقصد الشرع»[1].

ومن مصنفات الأصوليين كتبٌ هي أركان هذا العلم وعيونه، يستسقي منها مَن بعدهم ويبني ويُفرّع ويشرح، ومن أهمها: الرسالة للشافعي (ت 204هـ)، والفصول للجصاص (ت 370هـ)، والمعتمد لأبي الحسين البصري (ت 436هـ) والتقريب والإرشاد للباقلاني (ت 403هـ)...

ثم جاء إمام الحرمين الجويني (ت 478هـ) بكتابيه «البرهان» و«التلخيص» فأحدث نقلة في بحث مسائل الأصول ونقدها، يقول التاج السبكي عن كتاب البرهان: «اعلم أن هذا الكتاب وضعه الإمام في أصول الفقه على أسلوب غريب لم يقتد فيه بأحد، وأنا أسميه لغز الأمة لما فيه مصاعب الأمور، وأنه لا يخلي مسألة عن إشكال، ولا يخرج إلَّا عن اختيار يخترعه لنفسه وتحقيقات يستبد بها، وهذا الكتاب من مفتخرات الشافعية»[2].

وقال السبكي عن كتاب التلخيص: «إني على كثرة مطالعتي في الكتب الأصولية للمتقدمين والمتأخرين، وتنقيبي عنها على ثقة بأني لم أرَ كتابَا أجلَّ من هذا التلخيص، لا لمتقدم ولا لمتأخر، ومَن طالعه مع نظره إلى ما عداه من المصنفات علم قدر هذا الكتاب»[3].

ومن هذين النصين السابقين يتجلى سبب اختياري لإمام الحرمين لدراسة أهم مباحث النحو والدلالة في مصنفاته الأصولية وبخاصة كتابه البرهان:

أ- فهو مجتهد صاحب ابتكار واختيار.

ب- ومن متقدمي المصنفين، فليس بالمتأخر الذي يكثر النقل والعزو ويسرد في المسألة الواحدة الأسماء سردًا.

ج- وعلو منزلة كتبه في الفقه وأصوله؛ وتأثر من بعده به والإكثار من النقل عنه.

وهذا تعريف موجز بالإمام الجويني[4] هو: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني النيسابوري، أبو المعالي إمام الحرمين، ولد في الثامن عشر من محرم سنة 419هـ على الأرجح. قال عنه الخطيب البغدادي: «لم ترَ العيون مثله فضلًا، ولم تسمع الآذان كسيرته نقلًا، بلغ درجة الاجتهاد، وأجمع على فضله أعيان العباد...»[5].

وقال عنه الذهبي: «وكان من أذكياء العالم، وأحد أوعية العلم،... وكان له نحو من أربعمائة تلميذ»[6]. وقال التاج السبكي: «هو الإمام شيخ الإسلام البحر الحبر المدقق، المحقق النظار الأصولي المتكلم، البليغ الفصيح الأديب العلم الفرد زينة المحققين إمام الأئمة على الإطلاق عجمًا وعربًا...»[7].

تلقى العلم عن والده إمام الشافعية في عصره أبي محمد الجويني (ت 438هـ)، وأبي القاسم عبد الجبار بن علي الإسفراييني (ت 452هـ)، ومحمد بن علي الخبازي (ت 449هـ)، وفضل الله بن أحمد الميهني (ت 440هـ)، والقاضي حسين المروروذي (ت 462هـ) وغيرهم من أهل العلم.

وكانت له اليد الطولى في الفقه والأصول وعلم الكلام والجدل، وأشهر مؤلفاته: نهاية المطلب في دراية المذهب، والبرهان في أصول الفقه، والتلخيص في أصول الفقه، والإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، والشامل في أصول الدين، وغياث الأمم في التياث الظلم، والورقات، وكلها مطبوعة.

ومن تلاميذه: الإمام أبو حامد الغزالي (ت505هـ)، أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي (ت 529هـ)، عبد الكريم بن محمد الدامغاني (ت545هـ)، أبو الحسن علي بن محمد إلكياالهراسي (ت 504هـ)، أبو المظفر محمد بن أحمد الأبيوردي (ت 507هـ) وغيرهم من العلماء. وتوفي إمام الحرمين الجويني في الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة 478هـ، رحمه الله رحمة واسعة.

ولا تسع ورقات هذا البحث المختصر باستقصاء الجهود النحوية والدلالية والتأويلية لإمام الحرمين، وإنما اصطفيت نماذج من اختياراته؛ لتدل على نظائرها؛ لذا كان الهدف الرئيس: عرض نماذج للمسائل النحوية التي كان لإمام الحرمين اختيار فيها أو ترجيح أو حجاج، أو ما ظهر فيها فكره النحوي عند إعراب الشواهد التي يذكرها. وبذلك أكون قد أبرزت مظهرا من مظاهر التكامل بين علمَي الأصول والنحو.

ولعل أهم الأسئلة التي يجيب عنها هذا البحث: هل كان للأصوليين نحو خاص؟ وهل استقلوا باستنباط بعض أحكام العربية؟ أكان الجويني مجتهدًا في العربية كحاله في الأصول والفقه؟ إلى أي حد تابع الجويني النحاة تقليدًا أو اختيارًا؟ كيف أثرت العقلية الأصولية في دراسة مسائل العربية عندهم؟

ولم أقف على دراسة موسعة عن موضوع البحث، بل وجدت ورقات للدكتور فيصل الحفيان يشير فيها إلى شيء من مشتركات هذين العلمين عند الجويني في ورقته البحثية: «نحو الجويني.. نحو الفقه وفقه النحو»، وقد نُشرت في كتاب ندوة الذكرى الألفية لإمام الحرمين الجويني[8]. وهي إشاراتٌ موجزة إلى اهتمام الجويني بمباحث العربية دون تعرض لبحث ذلك وتفصيله في حدود خمس صفحات، والورقة البحثية كلها لا تتجاوز الصفحات العشر، وللدكتور فيصل فضل السبق والتنبيه فجزاه الله خيرًا.

وقد قسّمت البحث بعد هذه المقدمة إلى قسمين وخاتمة؛

القسم الأول: دلالات الحروف والتأويل. والقسم الثاني: العموم ومخصصاته، ثم تأتي الخاتمة مبرزة نتائج البحث وتوصياته.

القسم الأول: دلالات الحروف والتأويل

إن الأصل في المسائل النحوية الواردة في كتب الأصول قيامها على تحديد الدلالات وأثر هذه الدلالة في استنباط الحكم، دون السعي إلى تقعيد نحوي جديد أو الركون إلى محض الإعراب، فالغالب على نحو الأصوليين أنه «نحو دلالة» لا نحو تقعيد واستشهاد.

وإذا كان الأمر كذلك فإن مباحث حروف المعاني مما يجمع بين دقيق الفقه وبديع النحو. ولمّا كان الاستنباط هو عمل الأصولي على الحقيقة وثمرة نظره؛ كان التأويل هو وظيفته، تفسيرًا أو إعرابًا، فالكلام الظاهر عنده ظنٌّ راجح محتمل، وهذا ما حدا بي لأن أخص القسم الأول بدلالات الحروف والتأويل، ولن أتعرض لاختياراته جميعها بالبحث؛ فإن ذلك ينوء به كتاب مستقل.

أولًا: دلالات الحروف[9]

من أهم اختيارات إمام الحرمين المجملة في هذا الباب ولن تكون محلًّا للدراسة والتفصيل:

- حده (الحرف) بأنه «اللفظ المتصل بالأسماء والأفعال وجمل المقال؛ لتعتبر معانيها وفوائدها»[10].

- الباء لا تدل على التبعيض، وتخطئة من ذهب إلى هذا من فقهاء الشافعية[11].

- كلمة (هلّا) مركبة من (هل) و (لا)[12]. (مِنْ) تدخل على الزمان والمكان[13].

- مجيء (الواو) بمعنى (أو)[14].

- (أنْ) لا تخلص المضارع للاستقبال، ومخالفة إجماع النحاة[15].

- دلالة (لا) على التأكيد شرطٌ لزيادتها في الكلام[16].

وسوف أخص بالدراسة الحروف الآتية:

حرف (الواو): وهي من الحروف التي كثرت أنواعها تبعًا لدلالتها أو تناوبها مع غيرها، فبلغ عدد أقسامها خمسة عشر قسمًا[17]، وقد تابع الجويني الجمهور في أن أصل دلالة الواو: العطف والاشتراك، أي مطلق الجمع، فلا ترتيب في أصل معناها ولا معية أي: مقارنة. وجعل القول بالترتيب مما اشتهر من مذهب الشافعي، وأن مذهب أصحاب أبي حنيفة القول بدلالتها على الجمع.

قال الجويني: «خاض الفقهاء في الواو العاطفة، وأنها هل تقتضي ترتيبًا أو جمعًا؟ فاشتهر من مذهب الشافعي (رحمه الله) المصير إلى أنها للترتيب. وذهب أصحاب أبي حنيفة (رحمه الله) إلى أنها للجمع. وقد زل الفريقان...»[18] ونقل ابن هشام والمرادي كلام إمام الحرمين[19].

وقد بيّن وجه الزلل في القول بالترتيب بأنه معلوم بالاضطرار من لسان العرب أن قولنا: رأيت زيدًا وعمرًا؛ لا يقتضي تقدم رؤية أحدهما على الآخر. وأن العرب قد استعملت الواو في باب التفاعل، فتقول: تقاتل زيد وعمرو، ولا تقول: تقاتل زيد ثم عمرو. وأن من زعم من الفقهاء أنه يقتضي الترتيب فهو حَيد عن حقيقة معناه[20].

أما القول بدلالة الواو على الجمع -حسب لفظه[21]- فوصَمه بأنه «متحكِّم» فإنا على قطع نعلم أن من قال: رأيت زيدًا وعمرًا لم يقتضِ ذلك أنه رآهما معًا.

والحق أن الواو عند الشافعي نفسه لا تفيد الترتيب وضعًا، بل استعمالًا شرعيًّا، وأن الترتيب لم يفهم من الواو نفسها بل من دليل آخر[22]. وفي مذهبه فروع وقع فيها الخلاف بناء على القول بالترتيب[23].

ونُسب القول بالترتيب أيضًا للكوفيين، وشكك غير واحد من النحاة في هذه النسبة، بل هو قول بعضهم.

قال ابن مالك في الكافية الشافية:

فاعطف بواو لاحقًا أو سابقا

في الحكم أو مصاحبًا موافقا

وبعض أهل الكوفة الترتيبا

عزا لها ولم يكن مصيبا[24]

وأما نسبة القول بالجمع -بمعنى المعية والمقارنة- إلى الحنفية فغير صحيحة، فإن الجمع عندهم هو مطلق الاشتراك في الحكم، مثل الجمهور، لا المعية كما ظنه إمام الحرمين. قال البزدوي الحنفي: «وهي عندنا لمطلق العطف من غير تعرض لمقارنة ولا ترتيب وعلى هذا عامة أهل اللغة وأئمة الفتوى»[25].

وقد تعقب ابن السمعاني (ت 489هـ) ما توهمه الجويني، فقال معرّضًا به: «وقد رأيت بعض أصحابنا ادعى على أصحاب أبى حنيفة أنهم يدعون أن الواو للجمع على سبيل الإقران، وأخذ يرد عليه، كما يرد على مَن زعم أنها للترتيب والتوالي من أصحابنا.

وليس ما ادعاه مذهبَ أحد من أصحاب أبي حنيفة وإنما يدعون أن الواو للجمع من غير تعرض لإقران أو ترتيب فلا معنى للرد»[26].

حرف (الفاء): ذُكر للفاء أوجه رئيسة[27] وهي: العاطفة، ورابطة الجواب (الجوابية)، والزائدة. ويندرج تحت العاطفة دلالتها على الترتيب، والتعقيب، والسببية نحو: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾[28].

أما إمام الحرمين فجرى على عادته في إدراج الجزئي في كلياته ما أمكن؛ فلم يذكر مجيئها زائدة ولا سببية، وسمى مقتضى رابطة الجواب بالتسبيب، وكأنه حصر معانيها في العطف ورابطة الجواب كما فهم ذلك الأبياري شارح البرهان[29].

قال الجويني: «فأما الفاء فإن مقتضاها التعقيب والتسبيب والترتيب؛ ولذلك تستعمل جزاء تقول: إن تأتني فأنا أكرمك. وإذا جرى جزاء فهو الذي عنيناه بالتسبيب، ثم من ضرورة التسبيبِ الترتيبُ والتعقيبُ»[30].

وجعله التعقيب من ضرورة التسبيب في نظر؛ بل الخلاف واقع في المذهب وحكاه الإسنوي[31]؛ وفرعوا عليه وجوب استتابة المرتد؛ فلو جعلنا الفاء فيما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «من بدل دينه فاقتلوه» للتعقيب؛ فلا تجب استتابته، وإلَّا فيجب.

وخالف الجويني الجمهورَ واختار مذهب أبي عمر الجرمي (ت 225هـ) في أن الفاء لا تقتضي ترتيبا في البقاع ولا الأمطار، فهي حينئذٍ كالواو؛ وترد موردها للعطف والتشريك، كقول امرئ القيس:

قفا نبك من ذكر حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل[32]

حرف (أو): قال ابن مالك:

خيّر أبِحْ قسّم بـ(أو) وأبهمِ

واشكُك وإضرابٌ بها أيضا نُمِي[33]

ذهب الكوفيون والأخفش والجرمي[34] إلى جواز مجيء (أو) بمعنى الواو، واختاره ابن مالك إذا أُمِنَ اللبس وقال:

وربما عاقبت الواوَ إذا

لم يُلفِ ذو النطق للبسٍ مَنْفَذا[35]

وردّ الجويني هذا المذهب، ورآه زللًا وقريبًا من الظاهرية، وبعيدًا عن التحقيق، فقال: «وذهب بعض الحَشْوية[36] من نحوية الكوفة إلى أن (أو) قد ترد بمعنى الواو العاطفة، واستشهدوا بقوله سبحانه وتعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}[37]، وقوله: {عُذْرًا أَوْ نُذْرًا}[38]، وقوله: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا}[39]. وهذا زلل عظيم عند المحققين، فلا تكون (أو) بمعنى الواو قط»[40].

وشرع في الرد على ما ظاهره ذلك كقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}؛ فجعل تقديره: وأرسلناه إلى عصبة لو رأيتموهم لقلتم: مائة ألف أو يزيدون. فالكلام بذلك محمول على تنزيل الخطاب على قدر فهم المخاطب، ونقل الجويني هذا التوجيه عن الزجاج والفراء. وذكر أن مثله قوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}[41] فالمعنى: الإعادة أهون من الابتداء الذي أقررتم به فلم أنكرتم الإعادة؟![42].

ونقْلُ إمام الحرمين هذا التوجيه عن الفراء والزجاج غيرُ صحيح، فإنهما قد نصَّا في كتابيهما أن (أو) في هذه الآية بمعنى (بل). نعم، قد حكاه الزجاج، ولكن ليس اختياره، فقد قال: «قال غير واحد معناه: بل يزيدون، قال ذلك الفراء وَأَبُو عبيدة، وقال غيرهما معناهُ: أو يزيدون في تقديركم أنتم، إذا رآهم الرائي قال: هؤلاء مائة ألف أو يزيدون على المائة»[43].

أما الاستدلال بقوله تعالى: ﴿عُذْرًا أَوْ نُذْرًا﴾ فرأى الجويني أن (أو) تحتمل الدلالة على التخيير، كقول القائل: جالس الحسن أو ابن سيرين.. وأرى أن الفرق ظاهر بين الآية والقول، فالقول مبدوء بالطلب الذي تسبب في دلالة (أو) على التخيير أو الإباحة. أما الآية فإن المشهور عند المفسرين أن (أو) بمعنى الواو، أي: عذرًا ونذرًا، كما نقل عن قتادة: «عذرًا لله على خلقه، ونذرًا للمؤمنين ينتفعون به، ويأخذون به»[44].

حرف (مِنْ): إن (من) أصل معناه الابتداء[45]، وإن (عن) أصل معناها المجاوزة، وقد تقع إحداهما مع الأخرى في ظاهر النصوص، وكثير منها مؤول[46]، كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}[47] أي: من عباده. وقوله تعالى: {يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا}[48] أي: عن هذا.

إلَّا أن إمام الحرمين ذكر ما لـ(من) من خصائص ليست لـ(عن) بحيث لا يصح أن تحل (عن) محلها، فمِن تدل على الانفصال والتبعيض ولا تكون إلَّا حرفًا، بخلاف (عن) فإنها تقع اسمًا وتجر بـ(من)، ولا تقع (عن) موقعها بعد اسم التفضيل، قال: «وعن بمعنى من إلَّا في خصائص ثلاثة، منها: أن من للانفصال والتبعيض، وعن لا تقتضي الفصل. تقول: أخذت من مال زيد، لأنك فصلته عنه. وأخذت عن علمه، ولهذا اختصت الأسانيد بالعنعنة. ومن لا تكون إلَّا حرفًا، وعن قد تكون اسمًا تدخل من عليه تقول: أخذت من عن الفرس جُلّه»[49].

وفي النص السابق أثبت الجويني لـ(من) معنى الانفصال بالأصالة، ولم يجعله معنى تابعًا مفهومًا من الابتداء أو التبعيض، ولم أجد من نص على هذا المعنى لـ(من) بالأصالة غيره، إلا أن المرادي جعله مفهومًا من معانيها الأخرى تابعًا لها[50].

وما دلالة (من) مع اسم التفضيل في قولنا: «زيد أفضل من عمرو»؟

ذهب ابن مالك إلى أن معناها المجاوزة، أي: جاوز زيدٌ عمرًا في الفضل. ورأى أن هذا التأويل أولى من اختيار سيبويه: أنها للابتداء مع ملاحظة التبعيض[51].

وبيان مذهب سيبويه أن قولك: «هو أفضل من زيدٍ، إنما أراد أن يفضله على بعضٍ ولا يعم. وجعل زيدًا الموضع الذي ارتفع منه، أو سفل منه في قولك: شرٌّ من زيدٍ، وكذلك إذا قال: أخزى اللهُ الكاذبَ مني ومنك»[52]. وتابع الجويني سيبويه في دلالتها هنا على الابتداء من غير تعرض للتبعيض، فقولنا: «زيد أفضل من عمرو» معناه أن زيدًا ساوى عمرًا في الفضل، «وابتدأ زيد زيادة عليه في الفضل. كما تقول: سرت من البصرة إلى بغداد. ولهذا لا تستعمل عن في الباب»[53].

تحديد الغاية بمن مع إلى: (إلى) حرف لانتهاء الغاية. وفي دخول ما بعده فيما قبله أقوال، أهمها[54]:

الأول: لا يدخل مطلقا، وهو مذهب الجمهور.

الثاني: يدخل مطلقا.

الثالث: يدخل إذا كان من جنس ما قبلها، كبعتك التمر إلى هذه النخلة.

الرابع: إذا كان مفصولًا بحس معلوم فإنه لا يدخل نحو: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}، وإلا دخل.

الخامس: قال الجويني: «قال سيبويه: إن اقترن بمن اقتضى تحديدًا ولم يدخل الحد في المحدود فتقول بعتك من هذه الشجرة إلى تلك الشجرة فلا يدخلان في البيع. وإذا لم تقترن بمن فيجوز أن يكون تحديدا..»[55].

وقلد ابنُ السمعاني والإسنويُّ الجوينيَّ في عزو ذلك إلى سيبويه[56]. وهو غير صحيح، وقد أنكره أبو الحسن بن خروف، وقال: «لم يذكر سيبويه في كتابه من هذا ولا حرفًا، ولا هو مذهبه»[57].

ونصُّ سيبويه في باب عدة الكلم: «وأما (إلى) فمنتهى الابتداء تقول: من مكان كذا إلى كذا، وكذلك (حتى)»[58] وليس فيه ما ذكره الجويني آنفًا.

ثانيًا: تأويل النصوص[59]

إن استنباط الحكم هو ثمرة النظر الصحيح الناشئ عن مَلكة متمكنة للأصولي. وليس كل نص يتيسر استنباط أحكامه؛ لما في دلالته على الحكم من تفاوت، فمن النصوص قطعي الدلالة، ومنها الظني، والظني قد يكون ظاهرًا، وقد يكون مؤولًا.

ولولا قواعد الاستنباط وما بنيت عليه من قواعد اللغة؛ لأطلق الناظر عقلَه في غيابات الألفاظ، ولا مستند له من الشرع أو اللغة، فكانت عاقبته نظره القاصر اتباعَ الهوى والتقوّلَ على الشارع ما لم ينزل به سلطانًا. وشرط التأويل الصحيح: «موافقته لوضع اللغة، أو عرف الاستعمال، أو عادة صاحب الشرع. وكل تأويل خرج عن هذه الثلاثة فباطل»[60].

وقد عقد الجويني في البرهان بابًا للتأويلات، وكرر في مسائله ضابطًا لغويًّا واجبَ الاستصحاب؛ حتى لا يُفتح على مصراعيه، فيُحرف الكلم عن مواضعه، وهو أنه «لا يقبل التأويل الذي يحمل كلامَ الشارع على الركيك من الكلام»[61]، و«أن من حمل كلام الشارع على وجه ركيك من غير ضرورة محققه، ولا قافية مضيقة، جره ذلك إلى نسبة الشارع إلى الجهل باختيار فصيح الكلام، أو إلى ارتياد الركيك من غير غرض، وكلا الوجهين باطل»[62].

ومن نصوص الشرع التي تعرض لها إمام الحرمين بالتوجيه والتأويل قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}[63] بجر كلمة (وأرجلِكم) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحمزة[64]. فقد رفض الجويني حمل هذه القراءة على الجر بالجوار؛ لما فيه من «الخروج عن نظم الإعراب بالكلية، وإيثار ترك الأصول لإتباع لفظةٍ لفظةً في الحركة، وهذا ارتياد الأردأ من غير ضرورة»[65].

بل هو من ضرورات الشعر عنده، كقول امرئ القيس:

كأنَّ ثَبيرًا في عرانين وبلِهِ

كبيرُ أناسٍ في بجادٍ مزملِ[66]

والوجه (مزملُ) لوقوعه نعتًا لـ(كبير).

وحَمْلُ الآية على الجر بالجوار هو قول أبي عبيدة والأخفش، ورفضه كثير من المعربين، وقالوا: لا يكون في كتاب الله، ولا يجوز أن يحمل عليه القرآن، وهو غلط عظيم[67].

ورأى إمام الحرمين أن العرب تستعمل المسح بمعنى الغسل ففي كل منهما إمساس العضو بالماء، وقال: «فإذا جرى في الكلام عطفٌ مقتضاه التشريك، وتقارَبَ المعنيان؛ لم يبعد إتباع اللفظِ اللفظَ وهو كقول قائلهم[68]:

ولقد رأيتكَ في الوغى

متقلدًا سيفًا ورمحا

والرمح يعتقل ويتأبط ولا يتقلد، ولكن التقلد والاعتقال حملان قريبان وهو مسكوت عنه في المعطوف، فسهل احتماله. ومنه قول الآخر[69]:

فعلا فروعُ الأَيْهُقانِ وأطفلتْ

بالجلْهتين ظباؤها ونعامُها»[70]

أي: وأطفلت ظباؤها وباضت نعامها؛ لأن النعام تبيض ولا تلد الأطفال.

وما اختاره الجويني هو قول جمهور المعربين والمفسرين، ونقلوا عن أبي زيد الأنصاري –شيخ سيبويه– أن من معاني المسح عند العرب: خفيف الغسل، كما نقله ابن الأنباري عنه. وقد بينت السنة أن المراد بالمسح هنا هو الغسل، كما يقول الأزهري[71].

إلَّا أنه يجب التنبه إلى أن الجر على الجوار صحيح جائز عند الجمهور في باب النعت والتوكيد. بخلاف باب العطف؛ لأن حرف العطف فاصل يمنع الجوار، فالحمل عليه هنا من ركيك الكلام، والقرآن منزه عنه[72].

ومما أبطله إمام الحرمين من التأويلات ما ذهب إليه الحنفية من جواز إطعام مسكين واحد ستين يومًا في الكفارة، في قوله تعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}[73]؛ فالمعنى عندهم[74]: إطعامُ طعامِ ستين مسكينًا. فقدروا مضافًا. «فأسقط العدد رأسًا وقد وقع له البيان نصًّا»[75]وجعلوا «المعدوم مذكورًا والمذكور عدمًا، مع إمكان قصده»[76].

واعتمد الجويني على اللغة في نقضه التأويل السابق؛ إذ إن الإطعام من أطعم، وهو متعدٍّ إلى مفعولين لا ينتظم منهما المبتدأ والخبر، وهو باب يجوز فيه الاقتصار على المفعول الأول دون ذكر المفعول الثاني؛ لدلالة الفعل عليه. وقد وافق هذا التقدير نص الآية على العدد ستّين. وبالموافقة على تأويل الحنفية نكون قد استنبطنا من النص معنى يكرّ عليه بالبطلان؛ لذا صدر الجويني كلامه بجملة «ومن فاسد تصرفات أصحاب أبي حنيفة»[77].

ثم شرع في بيان أنواع تعدّي الفعل إلى مفعولين؛ فمنها ما ينتظم منهما المبتدأ والخبر ومنها مثل ما تقدم؛ ثم قال: «فإذا ثبت ما نبهنا عليه من هذه القاعدة رجع بنا الكلام بعد هذا إلى قوله تعالى: ﴿فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ والمساكين مُعْطَون، والطعام في هذا التقدير المفعول الثاني، فقد جرى الكلام على إظهار أحد المفعولين وترك الثاني لما في الكلام من الدليل عليه، وقد أوضحنا أن ذلك سائغ غير ممتنع، وإذا ظهر أحد المفعولين أشعر ظهوره بقصد المتكلم إلى تصديق الاعتناء به، والاكتفاء في الثاني بما في الكلام من الدلالة عليه، وطعام المسكين مشعر بقدر سداده وكفايته، فلم يجر للقدر المذكور ذكر ووقع الاعتناء بذكر عدد الآخذين.

هذا بيان الكلام فمَنْ عَذِيرُنا ممن يقدّر حذف المظهر المعتبر وإظهار المفعول المسكوت عنه!! وهذا عكس الحق، ونقيض الصدق، وتغيير قصد الكلام بوجه لا يسيغه ذو عقل»[78].

القسم الثاني: العموم ومخصصاته

إن مباحث العام والخاص تتجلى فيه آثار الفكر الأصولي واستقلاله بتفصيلات أشار إلى مجملها النحاة، بالإضافة إلى مباحث المطلق والمقيد وما تقدم من دلالات حروف المعاني. وتتكامل بحوث الأصوليين هنا مع النحاة في أساليب الاستثناء والشرط والتنكير والجموع... إلخ.

والعموم هو المصدر، والعام هو «اللفظ المستغرق لأفراده بلا حصر»، ويفهم من هذا الحد أن العموم من عوارض الألفاظ لا المعاني والأفعال، وأنه يفيد الشمول والاستغراق لما يصلح له، ولا يندرج تحته الأعداد لأنها محصورة، فالعشرة مثلا لفظ مستغرق للأعداد من 1 إلى 10 ولكنه محصور[79].

ومحاور النظر الأصولي في مبحث العموم والخصوص كثيرة؛ وثمرتها هي الإجابة عن هذه الأسئلة: هل يدل اللفظ على العموم؟ أو أنه لا يدل ولكن اقترن بما عمم دلالته؟ وهذا العام هل هو مخصوص؟ أو هو عام أريد به الخصوص، فلم يستعمل في دلالته الوضعية؟ وإذا أمكن تخصيص اللفظ فما أنواع مخصصاته؟ وهل يخصص العام باللفظ فقط أو يعد السياق والقرينة الحالية من المخصصات؟ وإذا ورد الحكم في اللفظ العام في حالة مخصوصة فهل يتعدى إلى غيرها... إلخ هذه جميعها من مباحث العام الرئيسة التي لا يكاد يخلو منها مصنف أصولي[80].

وقد اخترت من مسائل هذا الباب نماذج للعرض والدراسة؛ مكتفيًا بها لتدل على ما سواها من القواعد التي قررها الجويني كقوله: «كل اسم وقع شرطًا عمّ مقتضاه»[81]. أو المسائل التي اختار فيها ما يخالف غيره كعدم دلالة المصدر على العدد، وأنه ليس موضوعًا للعموم واستغراق الجنس ولا يصلح لذلك[82].

فمن مباحث هذا الفصل: النكرة في سياق النفي، فهي دالة على العموم عند جمهور الأصوليين، وهل تكون نصًّا في العموم لا تحتمل غيره؟ أو أنها ظاهرة في العموم محتملة لغيره؟

ذهب المبرد من النحويين والقرافي من الأصوليين إلى أن النكرة لا تعم إلَّا إذا اقترنت بـ(مِن)[83].

وهو مخالف لما ذهب إليه سيبويه والجمهور؛ فإن الصحيح عندهم أن النكرة في سياق النفي تدل على العموم دلالة ظاهرة؛ ولكن إذا اقترنت بـ(من) فهي نص في العموم، أي إن (من) أكدت العموم الحاصل قبل دخولها وأفادت الاستغراق.

فإذا قلتَ: ما رأيت رجلًا، احتمل أن تكون رأيت رجلين أو رجالًا، فإذا قلت: ما رأيت من رجلٍ. فإن النفي استغرق جنس الرجال[84].

وتابع الجوينيُّ سيبويه، فالحرف (من) وإن كان زائدًا في اللفظ إلَّا أنه أكد العموم السابق قبل وروده واستغرق جنس تلك النكرة، «فليس التنكير مع النفي نصًّا في اقتضاء العموم غير قابل للتأويل، ووجه تطرق الاحتمال إليه الذي نبهنا عليه. فإذا قال القائل: ما جاءني من رجل لم يتجه فيه غير التعميم، فإن من وإن جرت زائدة فهي مؤكدة للتعميم قاطعة للاحتمال الذي نبهت عليه»[85].

إلَّا أن إمام الحرمين نسب ألفاظًا إلى سيبويه لم يقلها، ولم أجدها في كتابه على النحو الذي ذكره، فإنه قال جازمًا: «قال سيبويه (رحمه الله): (إذا قلت: ما جاءني رجل) فاللفظ عام ولكن يحتمل أن يؤول. فيقال: ما جاءني رجل بل رجلان، أو رجال. فإذا قلت: ما جاءني من رجل اقتضى نفي جنس الرجال على العموم من غير تأويل»[86].

وهذا تسامح منه في العبارة، وفيه نقل بالمعنى؛ فلم أجد في كتاب سيبويه هذا النص، بل الذي وجدته: «معنى (ما أتاني أحد) و(ما أتاني من أحد) واحد، ولكن (مِنْ) دخلت هنا توكيدًا، كما تدخل الباء في قولك: كفى بالشيب والإسلام، وفيما أنت بفاعلٍ، ولست بفاعلٍ»[87].

دلالة جمع السلامة على العموم

نص سيبويه في كتابه على أن جمع السلامة المختوم بالألف والتاء «بناء أقل العدد»[88]، وعلى هذا اتفاق النحاة. والإشكال أن الأصوليين اتفقوا على دلالته على العموم، فكيف يستقيم الجمع بين دلالتي القلة والعموم؟

أدرك الجويني هذا الإشكالَ، ووقوعَ التعارض بين الإجماعين؛ ورأى أن الإذعان لاتفاق الأصوليين على عموم هذا الجمع يصادم أئمة النحو، و«مصادمة الأئمة في الصناعة والخروج عن رأيهم لا سبيل إليه، والرجوع في قضايا العربية إليهم والاستشهاد في مشكلات الكتاب والسنة بأقوالهم.

والأصوليون القائلون بالعموم مطبقون على حمل جمع السلامة إذا تجرد عن القرائن المخصصة على الاستغراق، وصائرون إلى تنزيله منزلة جمع الكثرة من أبنية التكسير، فأهم مقصود المسألة محاولة الجمع بين مسالك الأئمة»[89].

فكيف حل إمام الحرمين هذا الإشكال؟ مع إقراره بأن «جمع القلة لم يوضع للاستغراق قطعا، وإجماع أهل اللسان على ذلك كافٍ مغنٍ عن تكلف إيضاح»[90].

إذا كان نص سيبويه في المختوم بالألف والتاء فإن إمام الحرمين تكلم عن جمع السلامة مطلقًا؛ المذكر والمؤنث، وبدأ بمدخل يمثل فيه الانتقال من التعريف إلى التنكير، فاتخذ العلَم مثالًا على عدم دلالته على العموم مفردًا، واحتماله له جمعًا، فقولنا: (زيد) معرفة لما فيه من قصد المسمى، فإذا ثنينا أو جمعنا فقلنا: (زيدان) أو (زيود) فإنه وإن كان تحول من التعريف إلى التنكير لا يدل على الاستغراق؛ فكلمة (رجالًا) في قول الله تعالى: {مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ} (ص: 62) جمع لا يدل على الاستغراق والعموم.

أما حل هذا الإشكال؛ فإن الجويني يرى أن مقصود سيبويه دلالة الجمع على القلة حال تنكيره، فإذا اقترن بـ(أل) دل على العموم، لا من حيث صيغة جمع، بل من اقترانه بـ(أل)، «وقد ينتظم من ذلك أن كل جمع في عالم الله فإنه لا يقتضي الاستغراق بوضعه وإنما يتم اقتضاء الاستغراق بالألف واللام المعرفين، فليتأمل الناظر هذا السبر وليعلم أن الجمع من غير تقدير تعريف لأقل الجمع»[91].

عموم (مَنْ) الشرطية للمذكر والمؤنث

جزم إمام الحرمين بدلالة (مَن) الشرطية على العموم؛ وهذا يقتضي تناولها المذكرَ والمؤنثَ، وهو الصحيح بدليل قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى}[92]، فلولا اشتماله عليه لم يحسن التقسيم بعد ذلك.

واشتد نكير الجويني على بعض الحنفية، وسماهم: «شرذمة من أصحاب أبي حنيفة»[93]؛ لأنهم -حسب قوله– يرون أن (مَنْ) الشرطية لا تشمل الإناث، وأنهم بنوا على ذلك عدم قتل المرأة المرتدة[94]، وأنها لا تدخل في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَنْ بدل دينه فاقتلوه»[95]، وسألخص ما أورده من اعتراضات، ثم أتلو كلامه بالتعقيب.

ظن الجويني أن الحنفية قد غرهم تصرف بعض العرب في (مَن) فقالوا: مَنَة للمؤنث، ومَنانِ للمثنى، ومَنون لجمع المذكر، ومناتِ لجمع المؤنث. قال الشاعر[96]:

أتوا ناري فقلتُ مَنُونَ أنتم

فقالوا الجنُّ قلتُ عِمُوا ظلاما

ثم هاجم من استدل بذلك ووصم بأنه قول «الأغبياء الذين لم يعقلوا من حقائق اللسان والأصول شيئًا»[97].

وأن هذا من شواذ اللغة وليس من ظاهر كلام العرب، وإنما ذكره سيبويه في باب الحكاية، محاكاة للخطاب، فلو قال قائل: جاء الرجلان. قلت: منان؟... إلخ حتى وإن كان مذكورًا في الحكاية فليس من اللغة الغالبة. وأن شمول (من) للمذكر والمؤنث مستمر في ألفاظ الشريعة وكلام الناس وأوضاعهم اللغوية، فلو قال قائل: مَن دخل الدار من عبيدي فهو حر؛ شمل ذلك الذكور والإناث[98].

وأقول معقّبًا على كلام إمام الحرمين: لم يَبْنِ الحنفيةُ مذهبهم على هذه المسألة اللغوية، بل اعتمدوا على قول ابن عباس وغيره من الصحابة، وابن عباس هو راوي حديث «من بدل دينه فاقتلوه»، فعلى أصول الحنفية فإن فعل الراوي قد خصص عمومَ الحديث، وليس لأن (من) الشرطية لا تشمل الإناث[99]، أضف إلى ذلك أن مذهب الحنفية أنها تعم الجميع، كقول الجمهور[100].

الأمر الثاني: أن مسألتنا في (مَن) الشرطية، وما حكمَ عليه الجويني بالشذوذ في (مَن) الاستفهامية. إلَّا إذا أشركهما في الحكم، وهو احتمال بعيد لنصه في أول المسألة على الشرطية.

الأمر الثالث: حكمه على لغة بعض العرب بالشذوذ؛ غير صحيح، وقد خلط إمام الحرمين بين موضعين، الأول: إذا ابتدأنا: منون أنتم؟ منان أنتما؟... والموضع الآخر: إذا حاكينا في السؤال: حضر الرجال. فنسأل: منون؟ فالموضع الأول هو الشاذ ووصفه سيبويه بالبعد، والآخر فصيح لم يحكم بشذوذه[101].

بل إن إمام الحرمين نفسَه ختم بحثه بأن مذهب الحنفية قد يسوغ وأنه خلاف الأفصح، فقال: «والقول الجامع في هذا أن ما ذكروه -وإن ساغ- فالأفصح غيره، فليس شرطًا معتبرًا في تمييز الذكور والإناث، بل هو مما نطق به الناطقون والقانون المتفق عليه ما ذكرناه»[102].

أما مخصصات العموم فإن الاستثناء هو أصل هذا الباب، هو معيار العموم، فلا يُستثنى إلَّا من لفظ عام، وهو من القرائن اللفظية لتخصيص العام[103]، وتحته مسائل منها:

1- الاستثناء الوارد بعد الجمل المتعاطفة

أطال إمام الحرمين في هذه المسألة، وخلاصة ما ذهب إليه: أنه إذا ورد في الكلام جمل متعاطفة ثم ختمت باستثناء فإن العلماء اختلفوا: أيعود الاستثناء على الجمل المتقدمة كلها؟ أم يختص بالجملة الأخيرة؟ فمذهب الشافعي: عوده على الجمل المتقدمة جميعها ما أمكن حيث يكون مساق الكلام واحدًا. ومذهب أبي حنيفة: اختصاص الاستثناء بالجملة الأخيرة[104].

ومن فروع هذا الاختلاف: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}[105]، فذهب الشافعي إلى عود الاستثناء إلى جميع ما تقدم ومنه قوله: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} فتُقبل شهادة التائب من القذف.

وأبى ذلك أبو حنيفة، وخص الاستثناء بالجملة الأخيرة، فيرفع عن التائب اسم الفسق في قوله: {هُمُ الْفَاسِقُونَ}، ولا نُقبل شهادته.

ورفض الجويني المنقول عن بعض أصحاب الشافعي من أن الواو نسقت ما تدخل عليه فتكون مشرّكة ومصيّرة جميع ما عطفت كالجملة الواحدة، كرأيت زيدًا وعمرًا، فهذا اقتضى الاشتراك في الرؤية واسترسال الاستثناء.

قال الجويني معترضًا: «وهذا عندي خليٌّ عن التحصيل، مشعرٌ بجهل مورده بالعربية، والتشريك الذي ادعى هؤلاء إنما يجري في الأفراد التي لا تستقل بأنفسها، وليست جملًا معقودة بانفرادها كقول القائل: رأيت زيدًا وعمرًا. فأما إذا اشتمل الكلام على جمل، وكل جملة لو قدر السكوت عليها لاستقلت بالإفادة؛ فكيف يتخيل اقتضاء الواو التشريك فيها ولكل جملة معناها الخاص بها؟!»[106].

ثم ذكر أن بعض أصحاب الشافعي أراد أن يحتج بصحة مذهبه بتناقض أصحاب أبي حنيفة لأنهم يقولون: إذا قال الرجل: «نسوتي طالق، وعبيدي أحرار، ودُوري مُحبَّسة، إن شاء الله» فإن هذا الاستثناء[107]يعود على جميع ما تقدم.

وبعد أن نقل الجويني هذا الكلام ضرب أحسن المثل في التجرد لتحقيق البحث، وأنهم لو فرضنا أنهم قالوا بذلك وسلموا به، فليس تتبع تناقضات الخصم مما يقطع بصحة المذهب، فقال: «وما أراهم يسلمون ذلك إن عقلوا، وإن سلّموا فمَطالبُ القطع لا يغني فيها التعلقُ بمناقضات الخصم وهفواته، فليبعد طالب التحقيق عن مثل هذا»[108].

والراجح عند إمام الحرمين أنه إذا اختلفت المعاني وتباينت جهاتها وارتبط كل معنى بجملة ثم استعقبت الجملة الأخيرة مثنوية فالرأي الحق الحكم باختصاصه بالجملة الأخيرة... فكل جملة متعلقة بمعناها لا تعلق لها بما بعدها، والواو ليست لتغيير المعنى وإنما هي لاسترسال الكلام وحسن نظمه والجملة الأخيرة تفصل الاستثناء عن الجملة المتقدمة[109].

وأرى أن اختياره لم يخرج عن مذهب الشافعي؛ ومحل النزاع إذا كان الكلام في سياق واحد وجمل متتابعة على غرض واحد.

2- جواز استثناء الكثير: له عليّ عشرة إلَّا تسعة

اتفق النحاة والأصوليون على أنه لا يجوز الاستثناء المستغرِق للمستثنى منه، فلا نقول: له عليّ عشرة إلَّا عشرة. واختلفوا في استثناء الأكثر، فذهب الحنابلة والباقلاني[110] وابن درستويه[111] إلى أنه لا يجوز استثناء النصف فما زاد –على تفصيل- فلا يقال: له عليَّ عشرة إلَّا خمسة أو ستة أو تسعة، وتلزمه العشرة لعدم صحة استثنائه.

والكوفيون وأكثر الفقهاء على جوازه، فلو قال: له عليّ عشرة إلَّا تسعة. فإن عليه درهمًا واحدًا[112]. قال ابن مالك: «وهو الصحيح»[113]، وهو اختيار إمام الحرمين، فقال: «إذا استغرق الاستثناء الجميع كان باطلًا لغوًا، واستقر الكلام المتقدم عليه في جميع مقتضاه، كما يستقر كلام لا يستعقبه استثناء، وإن أبقى الاستثناء شيئًا -وإن قل- نفذ وبقي ما أبقاه الاستثناء».

يعني أننا لو قيل: له عليّ عشرة إلَّا عشرة؛ فإنه يلزمه العشرة كاملة، كَلَا استثناء. قال: «وذكر القاضي أن شرط صحة الاستثناء أن يكون مضمونه أقل من نصف المستثنى عنه، ولم يتمسك إلَّا باستبعادٍ لا يليق بمنصبه التعلق بمثله، فقال: إذا قال القائل: لفلان عندي عشرة إلَّا تسعة وخمسة أسداس وخمسة حبات؛ عدّ ذلك من الهزء وعد صاحبه ملغزًا، فالاستثناء لاستدراك قليل بالإضافة إلى المذكور أولًا».

ثم شرع في الرد عليه؛ بأن كلامه عري عن الدليل، وموصوف بالتهويل على المخالف من غير تقديم بينة، وأن من قال الكلام السابق لم يخطئ، نعم الأحسن له الاختصار، ولا إنكار على صحة ذلك لغةً[114].

3- حمل (إلَّا) على (غير) والعكس

المقرّر في علم العربية أن جملة الاستثناء إذا كانت موجبة تامة وجب نصب ما بعد (إلَّا) على الاستثناء. وأن (غير) تأخذ إعراب ما بعد (إلَّا)، فنقول: جاء القوم إلَّا زيدًا، وجاء القوم غيرَ زيدٍ.

واختار الجويني وجهًا آخر جائزًا، وهو النعت بـ(إلَّا) في قولنا: جاء القومُ إلَّا زيدٌ، وقال: «وهو فصيح منطوق به»، وحمل عليه قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[115]، وقول الشاعر[116]:

وكلُّ أخٍ مفارقُه أخوه

لعمرُ أبيك إلا الفرقدانِ

وهو في ذلك متابع لسيبويه، فقد بوب في كتابه: «باب ما يكون فيه إلَّا وما بعده وصفًا بمنزلة مثل وغير»[117].

وعلل الجويني صحة ذلك بقياس النظير، فكما أخذت (غير) –وأصلها النعت- إعرابَ ما بعد (إلَّا) -وأصلها الاستثناء– فإنه ما بعد (إلَّا) يجوز أن يأخذ إعراب (غير) فكلاهما أصل في بابه، فجاز أن يتعاقبا في المعنى والإعراب، قال: «وإنما يسوغ ذلك لأمر نحن ننبه عليه فنقول: من قولهم في اللغة الفصيحة: جاء القوم غيرَ زيد. فينصبون غير على الاستثناء، ويأخذون نصب (غير) مما ينتصب بـ(إلَّا) في قولهم: جاء القوم إلَّا زيدًا. فـ(غير) يدخل على ما يعمل فيه (إلَّا)، ويجوز أن يقال: جاء القومُ غيرُ زيد. أجروا (غير) نعتًا للقوم، والتقدير جاء القوم المغايرون لزيد، ثم لما أدخلوا (غير) على حكم (إلَّا) أدخلوا ما بعد (إلَّا) في لغةٍ على (غير) في مذهب الصفة، فقالوا: جاء القومُ إلَّا زيدٌ»[118].

فأصل معاني (إلَّا) الاستثناء، وقد يوصف بها وما بعدها، وهي غير متمكنة في الوصفية، وليس كل موضع تصلح فيه (غير) تصلح فيه (إلَّا). وكذلك (غير) الأصل فيها النعت، وقد يستثنى بها، وليس كل موضع تصلح فيه (إلَّا) تصلح فيه (غير)[119]. فجعل الجويني المسألة من باب حمل معنى النظيرين كلّ على الآخر فيما هو أصل فيه.

والفرق بين الاستثناء والنعت في «جاء القوم إلَّا زيدًا» أن الاستثناء ينفي عن زيد المجيء. أما «جاء القومُ غيرُ زيد» فالمعنى: القوم الذين هم غير زيد، أي: هذه صفتهم، مع السكوت عن مجيء زيد أو نفيه[120].

خاتمة

بعد هذه الدراسة الموجزة لبعض قضايا النحو والدلالة عند إمام الحرمين الجويني؛ فإنه يمكن عرض أبرز النتائج التي توصل إليها البحث في النقاط التالية:

أولًا: برزت شخصية الجويني الاجتهادية في الفقه والأصول في القضايا النحوية؛ من حيث التعليل وبيان الحكمة، وأثر الدلالة النحوية على مسائل الفقه والأصول.

ثانيًا: كان الجويني وقّافًا عند اتفاق أهل العربية، ويسميهم أهل اللسان في أكثر من موضع، ولم يمنعه ذلك من الاختيار من أقوالهم والرد على المخالفين.

ثالثًا: ظهر جليًّا تعظيم الجويني لسيبويه، ولكنه أخطأ في النقل عنه في بعض المسائل، وقد ذكرتُ بعضها في ثنايا البحث، وقد أشار الزركشي إلى أن أبا الحسن بن خروف صنف رسالة في أخطاء نقل الجويني عن سيبويه[121].

رابعًا: الفكر النحوي في كتابه البرهان أظهر منه في كتابه التلخيص، ولعل سبب ذلك أن البرهان كتابه المستقل، بخلاف (التلخيص) الملخص من كتاب التقريب والإرشاد للقاضي الباقلاني.

خامسًا: نقل كثير من الأصوليين بعده آراءه اللغوية، كالإسنوي والتاج السبكي، والزركشي. بل نقل عنه من النحويين: ابن الحاجب والمرادي وابن هشام والصفدي... وغيرهم.

سادسًا: لم يقتصر نظر الجويني النحوي على باب واحد في الأصول، بل إنه حرص على بيان اختياره في كل مسألة مشتركة بين العلمين.

سابعًا: إن أهم ما يوصي به البحث: أن يُسند إلى أحد طلاب الدراسات العليا تتبعُ المسائل النحوية واللغوية في كتاب الجويني الفقهي الكبير (نهاية المطلب في دراية المذهب)[122]؛ فيصنفها ويدرسها ويقارن بين تنظيره وتطبيقه اللغوي.

ويوصي أيضًا بالبحوث المقارنة بين أئمةِ الأصول مختلفي المذاهب الفقهية، ورصد الاجتهاد النحوي عندهم، من حيث المنهج والاستدلال وأثر ذلك في مذاهبهم.

 

 



[1] الجويني، البرهان، 1/ 169، ويقول السبكي في الإبهاج 1/ 7: «إن الأصوليين دققوا في فهم أشياء من كلام العرب لم يصل إليها النحاة ولا اللغويون فإن كلام العرب متسع جدا والنظر فيه متشعب». وانظر الزركشي، البحر المحيط 1/ 23.

[2] التاج السبكي، 5/ 192، طبقات الشافعية الكبرى، ويقول عن كتاب البرهان في موضع آخر 6/ 243: «وهو لغز الأمة الذي لا يحوم نحو حماه ولا يدندن حول مغزاه إلَّا غوّاص على المعاني ثاقب الذهن مبرز في العلم».

[3]الإبهاج شرح المنهاج، 2/ 109.

[4] ومن مصادر الترجمة المطولة: الخطيب، تاريخ بغداد، 16/ 43، الذهبي، سير أعلام النبلاء، 18/ 468، والعبر في خبر من غبر، 2/ 339، الصفدي، الوافي بالوفيات، 19/ 116، السبكي، طبقات الشافعية الكبرى، 5/ 165.. وأفرد لترجمته د. محمد الزحيلي كتابًا عنوانه: الإمام الجويني، إمام الحرمين، ط. دارالقلم بدمشق سنة 1986م.

[5]تاريخ بغداد، 16/ 43.

[6]العبر في خبر من غبر، 2/ 339.

[7]طبقات الشافعية الكبرى، 5/ 165.

[8] طبع الكتاب في كلية الشريعة بجامعة قطر، بعناية د.عبد العظيم الديب، وعقدت الندوة في 19 – 21 من ذي الحجة 1419هـ. 6 – 8 إبريل 1999م.

[9] انظر تفصيل حد الحرف في: المرادي، الجنى الداني 20، وفيه: «قد حد بحدود كثيرة. ومن أحسنها قول بعضهم: (الحرف كلمة تدل على معنى، في غيرها، فقط) فقوله: كلمة جنس يشمل الاسم والفعل والحرف. وعلم من تصدير الحد به أن ما ليس بكلمة فليس بحرف: كهمزتي النقل والوصل، وياء التصغير. فهذه من حروف الهجاء، لا من حروف المعاني...» إلخ.

[10] التلخيص، 1/ 222، وأنها تنقسم أربعة أقسام باعتبار اللفظ والمعنى والإعراب: «أحدها: ما لا يغير اللفظ والإعراب ويغير المعنى، كقولك: زيد منطلق. ثم تقول: هل زيد منطلق؟ فالإعراب على ما كان، وقد تغير المعنى من التحقيق إلى الاستفهام.

والثاني: ما يغير اللفظ والإعراب، ولا يغير المعنى تقول: زيد في الدار. ثم تقول: إن زيدًا في الدار، فقد تغير الإعراب والمعنى بحاله.

والثالث: ما يغير اللفظ والمعنى، تقول: زيد خارج، ثم تقول لعل زيدا خارج، فالإعراب قد تغير، وتغير المعنى من التحقيق إلى الترجي.

والرابع: ما لا يغير اللفظ ولا المعنى، وهي الزوائد، قال سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} (آل عمران 159) معناه: فبرحمة من الله».البرهان 1/ 179.

[11] البرهان، 1/ 180.

[12] البرهان، 1/ 189.

[13] البرهان، 1/ 192.

[14]التلخيص، 1/ 227، 228.

[15] نقله عنه الزركشي في البحر المحيط، 2/ 274، 275.

[16] البرهان، 1/ 189، وانظر: البحر المحيط للزركشي، 2/ 298.

[17] ابن هشام، مغني اللبيب، ص 463.

[18] الجويني، البرهان في أصول الفقه، 1/ 181.

[19] المرادي، الجنى الداني، ص 160، ابن هشام، مغني اللبيب، ص 464.

[20] المرجع السابق، 1/ 182، وانظر: الجويني، التلخيص، 1/ 227، الإسنوي، التمهيد، 208، المرادي، الجنى الداني، 1/ 160، السيوطي، الفصول المفيدة في الواو المزيدة، ص 70، وقال الجويني في نهاية المطلب، 8/ 364: «وهي أن الواو إذا لم يقترن بها، أو لم يستأخر عنها ما يقتضي ترتيبًا محمولةٌ على الجمع».

[21] ويبدو أن استعمال إمام الحرمين لمصطلح (الجمع) قد اضطرب، فإذا قصد به المعية أنكر على قائله، وإذا قصد به مطلق الاشتراك في الحكم أجازه؛ ثم قال في التلخيص 1/ 226، 227: «وأما الواو فإنه موضوع للجمع والنسق وتحقيق الاشتراك بين المذكورين نحو قولك ضربت زيدًا وعمرًا».

[22] انظر: الزركشي، البحر المحيط، 2/ 255، 256. وذكر أن نسبة القول بالترتيب إلى الشافعي غلط. تشنيف المسامع، 1/ 571.

[23] انظر: النووي، روضة الطالبين، 8/ 176، الإسنوي، التمهيد، 208.

[24] انظر: ابن مالك، شرح الكافية الشافية 3/ 1203، 1206 وقال: وأئمة الكوفيين برآء من هذا القول، لكنه مقول.

[25] البزدوي، أصول الفقه 2/ 109 (مع كشف الأسرار للعلاء البخاري)، وللمزيد عن المسألة ينظر: ارتشاف الضرب 2/ 633، همع الهوامع 2/ 129.

[26] ابن السمعاني، قواطع الأدلة 1/ 37، 38.

[27] المرادي، الجنى الداني، 61- 63، ابن هشام، المغني 213 -219.

[28] سورة القصص: 15.

[29] انظر الأبياري، التحقيق والبيان في شرح البرهان 1/ 549.

[30]البرهان 1/ 184، وذكر ابن هشام قولا بأن السببية لا تستلزم التعقيب. المغني 214

[31]الكوكب الدري 339

[32] انظر: البرهان 1/ 184، والبيت مطلع معلقة امرئ القيس ص 14 بشرح التبريزي.

[33] ألفية ابن مالك بشرح الأشموني 3/ 105

[34] انظر: الأنباري، الإنصاف 478، أبو حيان، ارتشاف الضرب 2/ 641، المرادي، الجنى الداني 230، ابن هشام، مغني اللبيب 88

[35]ألفية ابن مالك بشرح الأشموني 3/ 107

[36] محل استعمال كلمة الحشوية مباحث علم الكلم، وهو من فنون الجويني المبرز فيها، ويقصد بها هنا من يقف عند ظواهر النصوص. قال الكفوي في الكليات ص 766: «وأصل ضلالة الحشوية التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير بصيرة في العقل...»

[37] سورة الصافات: 147.

[38] سورة المرسلات: 6.

[39] سورة الإنسان: 24.

[40]البرهان 1/ 187.

[41] سورة الروم: 27.

[42]البرهان 1/ 187، 188.

[43] الزجاج، معاني القرآن وإعرابه، 4/ 314. وانظر الفراء، معاني القرآن 1/ 72، قال البغوي في تفسيره 4/ 48: «قال ابن عباس: معناه «ويزيدون» أو بمعنى الواو كقوله: عذرًا أو نذرًا».. وقال أيضًا: «والأكثرون على أن معناه ويزيدون».

[44] انظر: تفسير جامع البيان للطبري 24/ 128، وانظر: الوجيز للواحدي 1/ 1161، معالم التنزيل للبغوي 4/ 48.

[45]ولم يثبت كثير من النحويين لها إلَّا هذا المعنى، أما غيره من المعاني فعلى سبيل التضمين. انظر المرادي، الجنى الداني 315.

[46] انظر: ابن هشام، مغني اللبيب 198 - 423.

[47] سورة الشورى: 25.

[48] سورة الزمر: 22.

[49] البرهان 1/ 191، 193

[50] قال المرادي: «ألا ترى أن التبعيض من أشهر معانيها، وهو راجع إلى ابتداء الغاية. فإنك إذا قلت: أكلت من الرغيف، إنما أوقعت الأكل على أول أجزائه، فانفصل، فمآل الكلام إلى ابتداء الغاية» 315، 316.

[51] ابن مالك، شرح التسهيل 3/ 135، وتعقبه ابن هشام بقوله: وقد يقال: لو كانت للمجاوزة لصح في موضعها (عن). المغني 423.

[52] الكتاب 4/ 225، وانظر المبرد، المقتضب 1/ 44 ولم يذكر المبرد معنى التبعيض في هذا المثال واقتصر على ابتداء الغاية.

[53]البرهان 1/ 193.

[54] انظر: الإسنوي، التمهيد 221، 222، الكوكب الدري له 320، المرادي، الجنى الداني 385، ابن هشام، مغني اللبيب 104، الزركشي، البحر المحيط 2/ 312.

[55] الجويني، البرهان 192.

[56] ابن السمعاني، قواطع الأدلة 1/ 42، 43، الإسنوي، التمهيد 221، 222، الكوكب الدري له 320.

[57] الزركشي، البحر المحيط 3/ 220، 221.

[58] الكتاب 4/ 231.

[59] يقصد بالتأويل هنا: تفسير الكلام، أو: صرفه عن معناه الظاهر الراجح.

[60] الزركشي، البحر المحيط، 5/ 44، وقال ابن السمعاني: «وإنما يقبل التأويل إذا سوغه الفصحاء وأهل اللسان». قواطع الأدلة 1/ 411.

[61] البرهان 1/ 545.

[62] المرجع السابق 1/ 549، وقال 1/ 545، 546: «مما رده المحققون من طرق التأويل ما يتضمن حمل كلام الشارع من جهة ركيكة تنأى عن اللغة الفصحى فقد لا يتساهل فيه إلَّا في مضايق القوافي وأوزان الشعر، فإذا حمل حامل آية من كتاب الله أو لفظًا من ألفاظ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أمثال هذه المحامل وأزال الظاهر الممكن إجراؤه لمذهبٍ اعتقدَه؛ فهذا لا يقبل».. وقال 1/ 550: «ولسنا نلتزم الآن تتبع كل مشكلة في القرآن، وإنما غرضنا أن نبين أن الاحتكام بتأويل يتضمن صرف الكلام إلى وجه ركيك في محل الظن غير سائغ من غير غرض».

[63] سورة المائدة: 6.

[64]انظر: ابن الجزري، النشر في القراءات العشر 2/ 254.

[65]البرهان 1/ 545.

[66]معلقة امرئ القيس، بشرح التبريزي ص 82.

[67] انظر: الزجاج، معاني القرآن 2/ 153، مكي بن أبي طالب، مشكل إعراب القرآن 1/ 220، النحاس، إعراب القرآن، 1/ 259.

[68] البيت لعبد الله بن الزبعرى، ورواية البيت «يا ليت زوجك قد غدا...» المبرد، الكامل 1/ 291. أو «يا ليت بعلك...» المرزوقي، شرح الحماسة 1/ 805، أمالي ابن الشجري 3/ 82.

[69] من معلقة لبيد بن ربيعة، بشرح التبريزي، 187.

[70] البرهان 1/ 547، ثم نقل الجويني في آخر بحثه نصًّا زعم أنه من كلام سيبويه، ولم أجده في كتابه، ولم يشر أحد إليه، قال في البرهان 1/ 549: «قال سيبويه: وهذا الذي ذكرناه وجه لا يخرج الكلام عن أساليب البلاغة والجزالة وتبسط المتكلم واسْحِنْقاره وعدم انصرافه عن استرساله في التفاصيل أحسن وأبلغ من خرم اتساق الكلام لدقائق في المعاني لا تحتفل بها العرب».

[71] انظر: الأزهري، معاني القراءات 1/326، الزمخشري، الكشاف 1/ 611، البغوي، معالم التنزيل 2/ 23 ابن الأنباري، الإنصاف 2/ 498، ابن عطية، المحرر الوجيز 2/ 163، القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 6/ 92، أبو حيان، البحر المحيط 4/ 192.

[72] انظر: السيوطي، همع الهوامع 2/ 536.

[73] سورة المجادلة: 4.

[74] انظر: المرغيناني، الهداية في شرح البداية 2/ 269.

[75]ابن العربي، المحصول في أصول الفقه 93.

[76] الأصفهاني، بيان المختصر 2/ 419.

[77] البرهان للجويني 1/ 555.

[78] البرهان 1/ 557، ونقل غير واحد من الأصوليين فحوى اعتراض إمام الحرمين المتقدم وجعلوا تأويل الحنفية للآية مثالًا على التأويل البعيد المرفوض، فانظر: ابن السمعاني، قواطع الأدلة 1/ 413، الغزالي، المنخول 297، الآمدي، الإحكام 3/ 57، الزركشي، البحر المحيط 5/ 50، ابن أمير حاج، التقرير والتحبير 1/ 153، المرداوي، التحبير شرح التحرير 6/ 2853، المحلي، شرح جمع الجوامع 2/ 89 بحاشية العطار.

[79] انظر: الزركشي، البحر المحيط 4/ 5 وما بعدها.

[80] انظر: الجويني، البرهان 1/ 373 وما بعدها، وحاشية العطار على شرح المحلي لجمع الجوامع 1/ 505.

[81] الجويني، البرهان 1/ 323.

[82] المرجع السابق 1/ 330 - 333.

[83] المبرد، المقتضب 1/45، القرافي، شرح تنقيح الفصول ص 182.

[84] سيبويه، الكتاب 2/ 316، ابن يعيش، شرح المفصل 8/13، ابن مالك، شرح التسهيل 3/ 137، الرضي، شرح الكافية 2/ 323، المرادي، الجنى الداني 316، 317، ابن هشام، مغني اللبيب 425.

[85] البرهان 1/ 338، 339.

[86]البرهان 1/ 191.

[87] «الكتاب 2/ 316.

[88] الكتاب 3/ 491.ونظم بعضهم صيغ جموع القلة في قوله:

بأفْعُلٍ وبأفعالٍ وأفعِلَةٍ

وفِعْلةٍ يُعرَفُ الأدنى من العددِ

وسالمُ الجمعِ أيضًا داخلٌ معها

في ذلك الحكمِ فاحفظْها ولا تزدِ

نحو: أفلس وأحمال وأرغفة وصبية ومسلمين ومسلمات» انظر: الإسنوي، الكوكب الدري287، السبكي، الإبهاج 2/87.

[89] البرهان 1/.

[90]البرهان 1/ 327.

[91]البرهان 1/ 337، وانظر: الإسنوي، الكوكب الدري 287، ابن السبكي، الإبهاج 2/87، ورفع الحاجب 3/85.

[92] سورة النساء: 124.

[93]البرهان 1/ 360.

[94] والمسألة خلافية بين أهل العلم. انظر: ابن حجر، فتح الباري 12/ 268.

[95]صحيح البخاري، باب حكم المرتد والمرتدة، حديث رقم 6922.

[96] من الوافر، منسوب إلى شمير بن الحارث الضبي. انظر: البغدادي، خزانة الأدب 6/ 170.

[97] البرهان 1/ 360.

[98] البرهان 1/ 361، 362.

[99] قال الكاساني: «وأما المرأة فلا يباح دمها إذا ارتدت، ولا تقتل عندنا، ولكنها تجبر على الإسلام، وإجبارها على الإسلام أن تحبس وتخرج في كل يوم فتستتاب ويعرض عليها الإسلام، فإن أسلمت وإلَّا حبست ثانيًا، هكذا إلى أن تسلم أو تموت». بدائع الصنائع 7/135، وانظر: المرغيناني، الهداية شرح البداية 2/ 406، البلدحي الموصلي، الاختيار لتعليل المختار 4/ 149.

[100] العلاء البخاري الحنفي، كشف الأسرار 3/ 58، وقال: «كلمة مَنْ تتناول الذكر والأنثى، والصغير والكبير، لكن المراد منه محتمله وهو الخصوص؛ إذ الأنثى والصغير ليسا بمرادين منه». وانظر: الزركشي، البحر المحيط 4/ 241.

[101] انظر: سيبويه، الكتاب 2/ 410، 411.

[102] البرهان 1/ 362.

[103] الجويني، البرهان 1/ 380.

[104] أمير بادشاه، تيسير التحرير 1/ 306.

[105] سورة النور: 4.

[106] البرهان 1/ 390، 391. وانظر: التحصيل 1/ 380.

[107] أي: الشرط الذي معناه: إلَّا أن يشاء الله.

[108] البرهان 1/ 391، 392.

[109] انظر: البرهان 1/ 392، قال الإسنوي في الكوكب الدري 381 «إذا تقرر هذا فمن فروع المسألة ما ذكره الماوردي في الحاوي والروياني في البحر لو قال: عليَّ ألف درهم ومائة دينار إلَّا خمسين فإن أراد بالخمسين جنسًا غير الدراهم والدنانير فيقبل وكذلك إن أراد عوده إلى الجنسين معًا أو إلى أحدهما وإن مات قبل البيان عاد إليهما عندنا خلافًا لأبي حنيفة لنا أنه يحتمل ذلك والأصل براءة الذمة فإن عاد إليهما فهل يعود إلى كل منهما جميع الاستثناء فيسقط خمسون دينارًا وخمسون درهما أو يعود إليهما نصفين فيسقط خمسة وعشرون من كل جنس فيه؟ وجهان».

[110]قال إمام الحرمين في التلخيص 2/ 75، 76: «قال القاضي (رضي الله عنه): وكنا على تجويز ذلك دهرًا، والذي صح عندنا آنفًا منع ذلك وذلك أن العرب كما استبعدت الاستثناء المنفصل عن الكلام في زمن متطاول، وفصل متخلل، فكذلك استبعدوا واستقبحوا أن يقول القائل: لفلان علي ألف درهم إلَّا تسعمائة وتسعة وتسعين ونصف درهم. فيعدون ذلك من مستهجن الكلام، ولا ينطق به إلَّا هازل، وهذا ما لا سبيل إلى جحده، فبالطريق الذي أنكروا انفصال الاستثناء أنكروا ذلك».

[111] شرح التسهيل 2/ 293 قال ابن مالك: «واشترط بعض البصريين نقصان المخرج بالاستثناء عن الباقي، واشترط أكثرهم عدم الزيادة على الباقي فلا يجوز على القولين: عندي عشرة إلَّا ستة، ولا على الأول عندي عشرة إلَّا خمسة وهو على القول الثاني جائز، وكلاهما جائز عند الكوفيين، وهو الصحيح». وجعل السيوطي في الهمع 2/ 267 المنع هو قول الأكثرين، فقال: «فأكثر النحويين أنه لا يجوز كون المستثنى قدر المستثنى منه أو أكثر، بل يكون أقل من النصف، وهو مذهب البصريين، واختاره ابن عصفور والأبذي، وأكثر الكوفيين أجازوا ذلك، وهو مذهب أبي عبيدة والسيرافي، واختاره ابن خروف والشلوبين وابن مالك». وكذلك ابن الأثير في البديع 1/ 236، 237 قال: «أكثر النحاة لا يجيزون الاستثناء بأكثر من النّصف، وبعضهم يجيزه».

[112] انظر: تفصيل المسألة في الشيرازي، التبصرة 168، الغزالي، المستصفى 1/ 259، الرازي، المحصول 3/ 37، الآمدي، الإحكام 2/ 297، شرح تنقيح الفصول 245، الأصفهاني، بيان المختصر 2/ 272، السبكي، الإبهاج 2/ 148، الزركشي، البحر المحيط 4/ 387، ابن الهمام، شرح فتح القدير 4/ 142، وقال الشوكاني: «والحق أنه لا وجه للمنع، لا من جهة اللغة، ولا من جهة الشرع، ولا من جهة العقل». إرشاد الفحول 1/ 368.

[113] شرح التسهيل 2/ 293، وانظر: الرضي، شرح الكافية 2/ 114.

[114] البرهان 1/ 396، وانظر: الاستغناء 536 - 546.

[115] سورة الأنبياء: 22.

[116] من الوافر، لعمرو بن معدي كرب، انظر: سيبويه، الكتاب 2/ 334، واستشهد به الكوفيون على مجيء إلا بمعنى الواو. انظر: ابن الأنباري، الإنصاف، 1/ 216.

[117] 2/ 331.

[118] البرهان 1/ 381، 382.

[119] القرافي، الاستغناء في أحكام الاستثناء 331 – 334، ابن هشام، مغني اللبيب 98، 210.

[120] انظر: القرافي، الاستغناء 139.

[121] البحر المحيط 4/ 154.

[122] ويقع في تسعة عشر جزءًا بالإضافة إلى جزء الفهارس.