شعار الموقع

مؤتمر : العلاقات بين المشرق والمغرب العربيين

محمد تهامي دكير 2019-05-22
عدد القراءات « 1160 »

مؤتمر: العلاقات بين المشرق والمغرب العربييْن..

رؤى في إعادة كتابة التاريخ

الإسكندرية: عقد في 24 - 25 سبتمبر 2018م

محمد تهامي دكير

 

 

لإعادة فتح ملف العلاقات المشرقية – المغربية، ولتسليط الضوء على المسارات المختلفة التي اتّخذتها الثقافة والمجتمعات العربية عبر القرون، والدور الحيوي الذي لعبه التفاعل الاجتماعي والهجرات البشرية بين المشرق والمغرب مع ظهور الإسلام، ولأجل إعادة قراءة تاريخ هذه العلاقات ومعرفة واقعها واستشراف مستقبلها، بُغية بناء وعي تاريخي لدى النخب الثقافية والجماهير العربية، بعُمق العلاقات العربية التي تتجاوز الخلافات السياسية والأزمات القائمة، نظّمت مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع مركز جامعة الدول العربية بتونس، مؤتمرًا تحت عنوان: «العلاقات بين المشرق والمغرب العربيين.. ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا: رؤى في إعادة كتابة التاريخ»، وذلك في الإسكندرية، بين 24 و25 سبتمبر (أيلول) 2018م.

وقد شارك في المؤتمر ثلاثون باحثًا عربيًّا من تونس والمغرب والجزائر وسوريا وسلطنة عمان والسعودية بالإضافة إلى جمهورية مصر العربية.

الجلسة الافتتاحية

في الجلسة الافتتاحية، تحدّث مدير مكتبة الإسكندرية الدكتور مصطفى الفقي، فرحّب بالمشاركين في هذا الحوار الذي تقيمه المكتبة، ثم أشار إلى وجود تلازم تاريخي قوي بين مصر ودول المشرق، كما أن هناك العديد من الشواهد على الحضور المغاربي في مصر فقد استقبلت مصر الكثير من أولياء المغرب، وهناك عائلات تونسية تعيش في منطقة الحمَّام بمصر، كما أنّ اللغة الأمازيغية لا تزال مستخدمة إلى الآن في منطقة سيوة.

كما أكد د. الفقي على أهمية الحوار والتبادل الثقافي والمعرفي بين دول المشرق والمغرب العربي، والاستفادة من انفتاح المغرب على أوروبا والغرب، وفي الأخير، أكَّد الفقي أن الملتقى سيركّز على الجوانب الثقافية والحضارية والاجتماعية التي تجسّد عمق العلاقات المشرقية المغربية.

كذلك تحدّث في هذه الجلسة د. عبد اللطيف عبيد (الأمين العام المساعد – مدير مركز الجامعة العربية بتونس)، عن أهمية انعقاد هذا المؤتمر وخصوصًا في مدينة الإسكندرية، التي تُعتبر «باب المغرب» كما وصفها أحد الجغرافيين القدامى، كما اعتبرت مقصد ودار المغاربة والشوام على مدار التاريخ، كما جاء في كتاب (المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر) الصادر عن مكتبة الإسكندرية.. أما بالنسبة للمؤتمر فقد أكد د. عبيد أن البحوث ستركز على القواسم المشتركة بين المشرق والمغرب، كما قدّم كتاب «الذاكرة التاريخية المشتركة المغربية المصرية» الصادر من الرباط، للدكتور الفقي، وهو كتاب يقع في مجلدين ويضم مساهمة باحثين مصريين ومغاربة، يتناولون جوانب العلاقات التاريخية المشتركة بين مصر والمغرب، في جوانبها الدينية والسياسية والدبلوماسية والعلمية والثقافية والفكرية بشكل عام.

فعاليات اليوم الأول

في اليوم الأول عقدت جلسة أدارها د. مصطفى الكثيري، وتحدّث فيها في البداية: الدكتور علي حمريت (أستاذ جامعي وباحث تونسي)، عن: «علاقة الأخوة العربية الدائمة بين المشرق وبلاد المغرب: العراق وتونس نموذجًا»، أشار فيها في البداية إلى وجود أحاديث نبوية تحثّ المسلمين على الهجرة إلى بلاد المغرب، الأرض المفتوحة، قد يكون الهدف منها ترسيخ الفتح للبلاد المغاربية، وتحويل هذه المنطقة إلى بلاد هجرة لتصبح مركز إشعاع للحضارة الإسلامية التي مبدؤها المشرق، ومن هنا جاء تأسيس أول مدينة عربية لضمان هذا الاستقرار وهي القيروان كنواة أولى، منذ خلافة عثمان بن عفان (644 – 656). وبسبب هذه الهجرة واستقرار المهاجرين العرب وبعض القبائل العربية وقع مزج بين دم العرب ودم البربر الأمر الذي عمّق التواصل والتداخل، برز معه مجتمع جديد متّن روابط التقارب بين المشرق وبلاد المغرب، وأحكم جسور التواصل على مدى الأحقاب... وقد استمر هذا التواصل في العلاقات الاجتماعية إلى العصور الحديثة، حيث استمر التواصل بين تونس والعراق؛ حيث نجد الشيخ عبد العزيز الثعالبي التونسي يختار الإقامة ببغداد لسنوات عديدة كان فيها الزعيم العربي والإسلامي المحبوب والمؤثّر، تحقّق على إثرها تفاعل شعراء العراق مع الشيخ الثعالبي ومع القضية الوطنية التونسية، قبل حصول تونس على استقلالها في عام 1956م.

الدكتورة حسناء داوود (مديرة مكتبة تطوان بالمغرب)، تحدّثت عن الصحوة التي حدثت في المغرب حول أهمية العلاقات بين المشرق والمغرب، والتي بدأت في النصف الأول من القرن العشرين، بعدما شعر المفكّرون والمناهضون للاستعمار بالخطر الذي صاحب دخول الاستعمار الأجنبي، الذي سيطر على البلاد وفرض لغته، ولذلك دعا هؤلاء إلى ضرورة إحياء الروابط التي تجمع المغرب بأشقائه في المشرق العربي دفاعًا وحفاظًا على الهوية... وقد تجسّدت هذه الصحوة في أوائل القرن العشرين وتحديدًا في عام 1920م، مع أول بعثة تعليمية من مدينة تطوان المغربية إلى نابلس الفلسطينية، ومن هنا بدأت علاقة وطيدة مع فلسطين، وعقب ذلك تم إرسال بعثات إلى القاهرة التي كانت ومازالت تفتح أبوابها أمام العرب، وكانت مقصدًا لكثير من المغاربة الراغبين في التزوُّد من العلم والدراسة في جامع الأزهر الشريف أو جامعة القاهرة. ومن أهم آثار هذه البعثات التعليمية، تمتين الروابط بين المشرق والمغرب الأمر الذي انعكس إيجابًا على الروابط الاجتماعية بالإضافة إلى إحياء الثقافة العربية وترسيخ الهوية في المغرب. وقد حمل الطلاب المبتعثون عقب العودة، لواء الدفاع عن القضايا المشتركة من بينها الكفاح ضد الاستعمار، وهو ما تمخّض عنه إنشاء بيت المغرب بالقاهرة الذي كان له دور كبير في النشاط السياسي.

كما أشارت إلى أن أول مدرسة تأسّست في شمال المغرب، كانت المدرسة الأهلية (في نهاية عام 1924)، وقد استفاد صاحبها كثيرًا من المناهج العلمية في كل من مصر وسوريا، كما عمل على جلب المناهج والمقرّرات والكتب التي كانت تدرس في القاهرة، وقام باعتمادها بجميع المدارس في الإدارات المغربية وخاصة في الشمال.

أما الدكتورة إكرام عدنني (أستاذ العلوم السياسية بجامعة بن زهر بالمغرب)، فقد قدّمت ورقة بعنوان: «العلاقات المشرقية المغاربية: عوامل الدين والهوية واللغة»، أشارت فيها إلى البُعد التاريخي للعلاقات الروحية والدينية ببن المغرب الكبير والمشرق، رغم الجذور الأمازيغية للمغرب والقرب من الثقافة الأوروبية، مؤكّدة على عمق الهوية العربية في الجذور المغاربية، كما أشارت إلى أن: «الرحلات الدينية لزيارة بيت الله الحرام جعلت هناك تواصلًا بين المشرق والمغرب، كما أن العلاقات مع مصر كانت متأصِّلة والدليل على ذلك وجود عدد كبير من الأضرحة في مصر لأئمة مغاربة أو ذوي أصول مغاربية، مؤكدة أن هذه الروابط كان ومازال يتم الحديث عنها ليس على مستوى القيادات السياسية وحسب ولكن على مستوى الشعوب..».

من جهته تحدّث الدكتور عبد العزيز صلاح سالم (أستاذ بكلية الآثار جامعة القاهرة) عن: «مظاهر إشعاع التراث الحضاري الإسلامي بين مصر والمغرب»، فأشار إلى أهمية الموقع الجغرافي الذي كان بمثابة نقطة اتّصال بين مصر والمغرب، لأن كلا منهما اعتبر بوابة انفتاح على البلاد الأخرى بالقارات البعيدة، كما أشار إلى وجود قواسم مشتركة كثيرة بين مصر والمغرب، ظهر ذلك بوضوح في تخطيط مدينتي فاس والقاهرة وكذلك تخطيط مدينة الرباط، كما ظهر في بناء المساجد والجامعات وغيرها من المباني...

عقدت في هذا اليوم كذلك جلسة بعنوان: «الترحال الثقافي بين المشرق والمغرب»، أدارها الدكتور أشرف فراج (مدير إدارة مبادرة سفارة المعرفة بمكتبة الإسكندرية)، وتحدث فيها في البداية الدكتور محمد مرعي (باحث متخصّص في العلاقات الدولية من سوريا) عن «ارتحال ابن خلدون إلى مصر: الدوافع والتفاعلات مع الوسط الجديد، والمخرجات»، وفيها أكّد أن ابن خلدون لم يكن مجرّد مشاهد أو مؤرّخ بل فاعلًا وصانعًا للحدث، كما كان مشاركًا في أغلب الحوادث السياسية التي حدثت في عصره. أما الأسباب غير المباشرة لترحال ابن خلدون إلى مصر، فقد تكون بسبب الاضطرابات السياسية والإخفاقات التي مُني بها، ما جعله لا يشعر بالانتماء للوسط السياسي المغاربي، أو ربما لشعوره بأن الجو العام في المغرب لم يكن مناسبًا لأفكاره، كما أشار د. مرعي إلى تفاعل ابن خلدون مع البيئة المشرقية، كما ظهر في كتابة «التعريف»، ورحلته لدمشق مع السلطان لمواجهة الغزو المغولي، ما جعله في نظر الباحث سفيرًا للمغرب الإسلامي في مصر.

الدكتور مصطفى وجيه (باحث متخصّص في تاريخ العصور الوسطى) قدّم ورقة بعنوان: «مصر كما شاهدها الرحالة الأندلسيون المُدجّنون»، وفيها تحدّث عن رحلة عبدالله الصباح من الأندلس إلى بلاد المشرق، ابتداء من المغرب ثم طرابلس والإسكندرية والقاهرة والحجاز ثم بيت المقدس فدمشق ثم بغداد.. ومن خلال هذه الرحلة تمكّن من توثيق الأوضاع والأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية في مصر آنذاك. ومنها وصفه للنّيل، ونظام الزراعة، والإنتاج، والأسواق والدكاكين، وغيرها من الأوضاع العامة في مصر.

كما تحدّث الدكتور هاني حمزة (باحث من مصر) عن «رحلات المشارقة: رحلة ابن عبد الباسط الظاهري إلى المغرب»، وفيها وصف الكثير من الأحوال السياسية والاجتماعية في بلاد المغرب، ومنها الاضطرابات السياسية في تونس، وغارات القراصنة من الفرنجة على بلاد المغرب، والعادات الاجتماعية والاحتفالات في دول المغرب العربي.

وأما الدكتور أيمن فؤاد السيد (باحث من مصر)، فقد قدّم ورقة بعنوان: «القاهرة بين ابن جبير وابن خلدون»، قارن فيها بين وصف الرحالة المغاربة للقاهرة، وخصوصًا وصفهم لجامع عمرو بن العاص، وجامع الحاكم بأمر الله، وجامع أحمد بن طولون، ومساجد الإسكندرية، ووسائل الانتقال في القاهرة، وغيرها.

عقدت في اليوم الأول كذلك جلسة حوارية بعنوان: «ترحال العمارة والفنون» أدارها د. محمد سليمان، وتحدّث فيها الدكتور زكريا عناني (أستاذ بقسم اللغة العربية كلية الآداب جامعة الإسكندرية) عن: «الموشَّحات بين المشرق والمغرب»، أشار فيها في البداية إلى الأقوال في أصول الموشحات. فابن خلدون ذكر أن الموشَّح بعد أن انتشر تحوَّل إلى العامية وشاع استخدامه في الأغاني، ولكن البعض خالفه مؤكّدين أن الأهازيج هي أصل هذا الفن. كما أشار إلى أن مدينة الإسكندرية هي المكان الذي انطلق منه فن الموشَّحات بعد أن قدم إليها السيلفي، وهو أحد شعراء الموشَّحات الإيرانيين، وتتلمذ على يديه الكثيرون الذين نقلوا الموشَّحات إلى المغرب العربي.

من جهته تحدَّث الدكتور محمد الجمل (مدير مركز الحضارة الإسلامية في مكتبة الإسكندرية)، عن: «التأثيرات الفنية والمعمارية بين المشرق والمغرب»، وفيها أشار إلى وجود تشابه كبير في بناء المساجد بين المغرب ومصر وسوريا، وأضاف د. الجمل: أنّ هذا التشابه والتأثُّر الأندلسي بالمشرق لم يقتصر على المساجد، بل انتقل إلى المباني وتخطيط المدن.

كذلك تحدَّث الدكتور أسامة طلعت (وكيل كلية الآثار جامعة القاهرة) عن: «تنوُّع العناصر المعمارية بين مشرق العالم العربي ومغربه»، موضحًا أن الجوار الجغرافي لا يُؤثِّر فقط في الإنسان ولكن على الطراز المعماري، فالمباني ليست مجرّد حجر ولكنها تعبّر عن الإنسان الذي كونها وأنتجها. كما أكّد الباحث أن الفن الإسلامي مع بداية نشأته تأثَّر بالفنون الموجودة في ذلك الوقت، كما تأثَّرت بالفنون التي كانت موجودة في البلاد التي تمّ فتحها مرورًا بمصر والمغرب العربي وصولًا للأندلس، وقد ظهر التأثّر واضحًا في عمارة المساجد والمدارس على وجه الخصوص. وفي ختام هذه الجلسة تحدّث الدكتور إبراهيم سعيد عن: «المغرب والمشرق العربي في نظر الرحالة الأوروبيين»، استعرض فيه عدد من الرحلات التي قام بها الرحالة الأوروبيون إلى المشرق، حيث كانت زيارة المشرق حُلم كلَّ أوروبي.

فعاليات اليوم الثاني

عُقدت في اليوم الثاني، جلسة تحت عنوان: «العلاقة بين الحركات الإصلاحية في المشرق والمغرب العربيين». وقد أدار الجلسة الدكتور عبد الواحد زنون من العراق، تحدّث فيها السفير محمد إبراهيم الحصايري (من تونس) عن تأسيس مكتب المغرب العربي بالقاهرة، حيث اعتبره رمزًا للتضامن خلال زمن كفاح الدول المغربية في زمن التحرُّر من نير الاستعمار، وأن تأسيسه شكّل نقطة هامة في قضايا حركات التحرُّر الوطني رغم الصعوبات التي واجهها وأصبح الهيئة الرسمية لحركات التحرُّر الوطني، فضلًا عن دوره في إصدار سلسلة رسائل عرض فيها قضايا التحرُّر الوطني، كما أصدر مجموعة من المؤلّفات لكُتّاب تونسيين ومغاربة.

أما الدكتور عبد الوهاب خالد، فتحدَّث عن دور علماء المشرق العربي ومصر على وجه الخصوص في دعم الحركات الإصلاحية المغاربية بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك دعم الحركات الإصلاحية في المغرب العربي.

من جهته تحدث الدكتور فتحي القاسمي (أستاذ الحضارة بالجامعة التونسية)، عن تاريخ العلاقات الفكرية بين رجال الفكر والإصلاح في مصر وتونس في القرن التاسع عشر، مؤكدًا على عمق هذه العلاقات التي بدأت منذ الفتح الإسلامي، حيث ساهم ألف من الأقباط في تأسيس الأسطول في الغرب الإسلامي، وكذلك استمرارها في عصر النهضة في عهد محمد علي باشا الذي استعان بالتوانسة في تأليف القواميس والكتب الطبية.

كما عُقدت جلست بعنوان: «التجارة والاقتصاد في العلاقات المشرقية المغربية»، تحدّث فيها الدكتور مصطفى الكثيري عن «الأبعاد الاقتصادية في العلاقات المشرقية المغاربية»، فأشار إلى اتّسام هذه العلاقة عبر التاريخ بالحركية والاستمرارية والتواصل بأشكال متعدّدة، من هجرة وترحال وانتقال قوافل التجارة وقوافل الحجيج. كما تميّزت بتبادل اقتصادي مهم كانت له آثاره على المستويين الاجتماعي والثقافي، وقد استمرت هذه العلاقة عبر النضال والتآزر بين مصر والمغرب في فترة مواجهة الاستعمار، وكذلك لم تتوقّف الرحلات العلمية والتبادل العلمي والثقافي بين جامعات مصر والمغرب. وفي الأخير قال الكثيري: إن هذا التواصل والتبادل الثقافي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين مصر والمغرب تم توثيقه في كتاب «الذاكرة التاريخية المشتركة المغربية المصرية» الصادر من الرباط يوم السبت الماضي، وهو في مجلدين، و995 صفحة، ويضم 31 مساهمة، منها 11 مشاركة لباحثين مصريين و20 مساهمة لباحثين مغاربة.

من جانبه، تحدَّث الدكتور علي بن راشد المديلوي، عن: «دور عمان في التجارة البحرية القديمة» وكيف شكّلت مركزًا تجاريًّا مزدهرًا يربط بين المشرق والمغرب، ووسيطًا تجاريًّا ومركزًا للبضائع العابرة بين المشرق والمغرب، بالإضافة إلى كونها جسرًا انتقلت عبره تيارات ثقافية مختلفة ساهمت في دعم راكز الحضارة في منطقة الشرق الأدنى القديم.

أما الدكتور دارم البصام فتحدّث عن: «التكامل الاقتصادي العربي بين دول المشرق والمغرب»، حيث أشار إلى وجود خمسة مستويات للتكامل الاقتصادي الإقليمي، وهي: الاتّفاق على إقامة مناطق للتجارة الحرة، وقيام الاتّحاد الجمركية، وقيام السوق المشتركة وهي صيغة متقدّمة من التكامل الاقتصادي، ثم الوحدة الاقتصادية، يليها مستوى الاندماج الكامل والذي يعني وجود سلطة تفوق سلطة الحكومات ولها مكتب مسؤول عن تنفيذ سياسات الاندماج. وأوضح أن تجربة التكامل في فترة الستينات كانت مرتبطة بشكل ما بالأمن القومي العربي، وهو مفهوم مشرقي بالأساس، أما المغرب العربي فكان له منظوره الخاص وهو تفضيل الشراكة الأوروبية، مشيرًا إلى أن 78% من حجم التبادلات التجارية في بلدان المغرب العربي تستحوذ عليها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا. وفي الأخير أشار د. البصام إلى اختلاف الرؤى في التعاون الاقتصادي، أدّى إلى إيجاد نمط جديد للتكامل الاقتصادي بين المشرق والمغرب، متمثّلًا في اتّفاقية أغادير، التي تضم المغرب وتونس ومصر والأردن، والتي تعدّ الأنجح والأقدر على إقامة منطقة للتبادل الحر بصورة تدريجية.

وأخيرًا، قدّم الدكتور محمد عبد الشفيع عيسي ورقة بعنوان: «البُعد الاقتصادي في العلاقات المشرقية المغربية: نظرة في التاريخ العام»، ركّز فيها على أهمية وجود استراتيجية لإصلاح الوضع الاقتصادي العربي، تبدأ من الاهتمام بخيار التنمية وليس خيار حل المشكلات فقط، لضيق أفق هذه الرؤية، كما دعا إلى تفعيل الإرادة السياسية لتحقيق التكامل الاقتصادي، والانتقال من فكرة التجارة والتبادل التجاري، إلى فكرة التكامل الاقتصادي التنموي وتنفيذ مشروعات مشتركة ووضع سياسات متناغمة في مجالات مختلفة.

توصيات ختامية

وقد اختتم المؤتمر فعالياته بجلسة تحت عنوان: «آفاق العلاقات المشرقية المغربية»، أدارها الدكتور سامح فوزي، وشارك فيها كل من الدكتور سعود السرحان (الأمين العام لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية)، والدكتور خلف الميري، والدكتور جمال شقرة.. وفيها تحدّث د. سعود السرحان عن المشكلات والأزمات التي تعاني منها العلاقة بين المشرق والمغرب وبين دول المغرب بعضها مع بعض على المستوى السياسي، وأشار إلى وجود أزمة بين النُّخب والشعوب، وجهل هذا النُّخب سواء في المشرق أو المغرب بما يقع لدى الآخر، داعيًا إلى ضرورة استعادة النُّخب لإنتاج نفسها مرة أخرى، وخلق نوع من التعارف والتعامل بين المشرق والمغرب، عبر مشاريع عملية وليس مشاريع ضخمة.

أما الدكتور خلف الميري (أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس)، فقد دعا إلى ضرورة إعادة النظر في علاقة الدول العربية بين بعضها بعضًا، وأننا بحاجة إلى تأمّل علاقتنا العربية بوجه عام والعلاقات المشرقية المغربية بوجه خاص، لكن – كما يقول-: هل لدينا القُدرة على الفعل وتغيير الواقع؟

الدكتور جمال شقرة، تحدّث عن مستقبل العلاقات المشرقية المغربية ومرتكزات التقارب والمعوقات، مشيرًا إلى أنّ «النخبة المثقّفة العربية لم تقدّم استراتيجية واضحة وآليات محدّدة لتحقيق حلم الأمة العربية في الوحدة، حتى لو على المستويين الثقافي والاقتصادي». وأضاف: إننا حتى هذه اللحظة لدينا إشكالية في تحديد وتعريف مصطلح المشرق والمغرب، وما هي دول المشرق، وما هي دول المغرب، مستعرضًا فُرص التقارب العربي بين المشرق والمغرب وكذلك المعوّقات التي تواجه هذا التقارب.

وقد اختتمت فعاليات المؤتمر بمجموعة من التوصيات:

- بضرورة قيام الدول العربية باتّحاد تكاملي قائم على خيار التنمية من خلال المدخل التجاري، باعتباره الطريق الأفضل لتحقيق التكامل والتعاون العربي بين المشرق والمغرب.

- ضرورة مواصلة العمل عل توطين العلاقات بين المشرق والمغرب على مستوى النخب والشعوب.

- العمل على جعل المؤتمر حلقة أولى ضمن حلقات أخرى تكون في مصر وباقي الدول العربية لمناقشة الأوضاع العربية.