شعار الموقع

نقد العقل الفلسفي المحض

وائل أحمد الكردي 2019-05-26
عدد القراءات « 653 »

 

 

نقد العقل الفلسفي المحض

 

الدكتور وائل أحمد خليل الكردي*

 

* باحث من السودان، الأكاديمية العربية في الدنمارك، البريد الإلكتروني:

wailahkhkordi@gmail.com

 

 

مقدمة

من الصحيح أن تعتبر هذه المقالة معضدًا لتأييد الاتجاهات التحليلية المعاصرة الداعية إلى رفض الفلسفة، وذلك حيث إن المقصود ليس هو الرفض التام أو المطلق لمبدأ الفلسفة والفعل الفلسفي، وإنما رفض الأسس التي بنيت عليها الفلسفة المحضة أو المجردة، على نحوها التقليدي في بناء أنساق أيديولوجية شمولية لتفسير الكون والحياة، أو على نحوها النقدي الذي يمارس فعالية سلبية مستديمة بخلاف التحليل والبناء، فهذا مما أدى في خاتمة المطاف إلى جعلها دراسة أكاديمية مستقلة، الأمر الذي تمخضت عنه أزمات معرفية مستمرة تجلت في محورين أساسيين هما اللذين سيقوم عليهما جملة النقد لهذا العقل الفلسفي المحض:

المحور الأول: اصطناع الماورائية النسقية (Meta-System).

المحور الثاني: توليد المشكلات الزائفة (pseudo-problems).

وهنالك محور اتدائي في معرض التدعيم المنطقي في نقد العقل الفلسفي المحض بتحرير مفهومين متمايزين للعقل.

العقل الحسابي الأداتي (Reason) والعقل الانفعالي (Mind)

نشير أولًا إلى أن الفارق بين هذه المحاولة لنقد العقل الفلسفي المحض، ومحاولة إيمانويل كانط (E. Kant) في نقد العقل المحض، أن محاولة كانط كانت قائمة على ملكة العقل المجردة باعتباره أهلية أو إمكانية للتفكير أصلًا، أي العقل كميكانيزم لتلقي أيًّا مما يلائمه من معلومات ترد إليه عبر الحس ليحولها بفعل حساسيتي الزمان والمكان وتصنيفات المقولات الذهنية إلى مدركات مفهومة ومنتظمة.

أما المحاولة القائمة هنا فهي تتسم بأنها ليست على نقد أصل العقل كأداة وفاعلية على نحو ما ذهب إليه كانط، وإنما على العقل المتكون والحامل لنوع معين من أنواع المعارف، فالعقل الفلسفي عقل مختص وقائم وممتلئ بمعرفة معينة هي المعرفة الفلسفية، وهو المعنى المتقارب شيئًا ما نحو فكرة كانط في نقد العقل العملي ونقد ملكة الحكم، حيث خرج من مرحلة التجريد للعقل كآلية وملكة إلى عقل ذو مكون معرفي محدد بما يمكن تسميته بالعقل الأخلاقي أو العقل الجمالي.

وعلى النحو ذاته يتم معالجة العقل الفلسفي مع إلصاق كلمة (محض) له للدلالة على نوع مكونه المعرفي من جهة، ومن جهة أخرى للدلالة على كونه مقتصرًا على هذا المكون دون النزع أو القصد إلى موضوع غيره بصورة أصيلة، كأن يتساوى هذا المكون الفلسفي مع مكون الدين والعلم على سبيل المثال، في حين لا يمنع ذلك من أن يتناول قضايا الدين والعلم في ثناياه، وكبعض منه دون أن يفقد قائميته المستقلة كإطار أيديولوجي.

وعلى هذا الأساس يمكن وضع تصنيف منطقي للتمييز بين عقل حسابي (Reason) وعقل انفعالي (Mind). ذلك، مع الوضع في الاعتبار أن هذا التصنيف أو التقسيم هو أمر لغرض وظيفي في التفسير والإيضاح، وليس نتيجة قاطعة تبعًا لقانون علمي محض.

1- العقل الحسابي (Reason)

هو العقل القائم بعمليات الاستنباط (Deduction) والاستقراء (Induction)، ومن ثم يعمل على رسم الأنساق الرياضية والمنطقية الصورية (Formal systems)، لذا فهو يتسم بالموضوعية المجردة عن أي أبعاد ذاتية الأمر الذي يجعل اعتماداته المعرفية الأساسية مبنية على قوانين – دون النظريات - الفيزياء والرياضيات.

وعلى هذا النوع للعقل قام النقد الكانطي لإثبات حدوده ومنع تجاوزه نحو القضايا غير الخاضعة لقوالبه وتصنيفاته، حيث إن هذا التجاوز كان السبب في أكثر المشكلات التي واجهت الفكر الفلسفي دون أن تكون مشكلات حقيقية.

وأيضًا كان هذا العقل محل تأسيس اللغة المثالية الاصطناعية التي اجتهد فلاسفة الذرية المنطقية والوضعية المنطقية في بنائها على نسق رياضي، وتعميمها بصورة حاسمة على كافة أنماط التفكير اللغوي الموضوعي لتكون اللغة – الشارحة Meta-language وراءها (والتي ما زالت لم تتحقق).

إذن فالعقل الحسابي هو عقل جزئي أداتي وإجرائي محدود في أفعاله وتأثيراته ونطاق تنفيذه.

2- العقل الانفعالي (Mind)

هو العقل القائم على احتواء كافة عناصر وخصائص العقل الحسابي، وذلك في إطار المعالجات البنائية لهذا العقل الانفعالي على أساس الاحساس والشعور، وتكوين الأنظمة الصورية التداولية (Formal Pragmatic Systems) ثم ما يتبع ذلك من قواعد سيكولوجية وخصائص وصفات ذاتية (Subjective) بجانب المقتضيات الموضوعية (Objective).

وهو الذي يحول اللغة – الشارحة ليس نحو لغة اصطناعية مكتملة منطقية فوق اللغات الطبيعية والعادية (Natural/Ordinary Language) وإنما نحو كيفيات الاستخدام التداولي على هذه اللغات الطبيعية والعادية ذاتها بحسب طرق وأنماط الحياة لدى الشعوب والقبائل.

الأمر الذي يؤهل هذا العقل لرسم الرؤى الكلية الشاملة (World-Views) بناء على النماذج المعرفية (Paradigms) المختلفة والمتغيرة، وبذلك تنشأ الأنواع الفلسفية المحضة.

ويمكن القول بأن هذا العقل الانفعالي، هو عقل متصل بموضوعه المعرفي وممتلئ به على النحو الذي عناه إدموند هوسرل (E. Husserl) في بناء منهجه الفينومينولوجي الظاهراتي (Phenomenology)، أي الوعي القاصد حتمًا نحو موضوع ما.

وهذا التصنيف لعقل حسابي وعقل انفعالي، ليس هو من قبيل فصل كانط بين عقل محض وعقل عملي وملكة حكم، إذ إن هذا التصنيف في نقد العقل الفلسفي المحض إنما يحتوي فيه العقل الانفعالي للعقل الحسابي كدائرة أوسع وأعم، وكلاهما مسخر هنا لبناء مضامين العقل الفلسفي المحض، وهو ما يقوم عليه النقد.

اصطناع الماورائية النسقية (Meta-System)

ذلك أن من سمات العقل الفلسفي المحض أو المجرد، اعتبار أن الفلسفة هي ذات مضمون يجعل منها بناءً تركيبيًّا معرفيًّا مستقلًا بنحو كافة التخصصات الأكاديمية الأخرى، وهو ما يسمح لها بتداولها على هذا النحو التجريدي في فصول وملازم دراسية معتمدة بذاتها بغض النظر عن الارتباط التداخلي لها مع أصناف أكاديمية أخرى.

وقد أنتجت هذه التخصصية البنائية للاعتقاد الفلسفي المستقل لدى القائمين عليه نوعًا بارزًا من التقديس لتاريخ الفلسفة، والذي هو في نهاية الأمر عبارة عن مجموعة تجارب فكرية لأفراد وجماعات ذات صلات وارتباطات لأحوال حضارية متلازمة عبر مرور الزمن والتدوين، والتي أخذت تتلاشى شيئًا فشيئًا من حالة الصروح الأيديولوجية الكبرى إلى أن صارت اليوم عبارة عن رؤىً ومواقف منهجية.

وليس المقصود بمبدأ (الماورائية) – والذي هو المحور الأول الذي يقوم عليه نقد العقل الفلسفي المحض – فكرة (الميتا-فيزياء) (Meta-physics) التي يتم الاقتراح فيها لعوالم وكيانات عقلية مجردة وغيبيات اعتقاديه مثلما في الديانات غير السماوية، فتتميز تمامًا عن عوالم وكيانات طبيعية مادية تدخل إلى وعي الإنسان عبر منافذ الإدراك الحسي المعروفة.

وإنما المعني بالماورائية هنا ذاك الربط بين الحقائق وتصنيفها وجمعها في منظومة واحدة على اختلاف أنواعها، لتصب في نهاية الأمر نحو إنجاز غرض حياتي محدد. وذلك يتم عبر رسم التصورات الكلية التوجيهية المسماة بالرؤية الكونية الكلية الشاملة (World – view).

والتفسير لهذا هو أن العلم (Science) باستقراء المسيرة التاريخية لتطوره، إنما ينمو نحو التجزؤ والتفاصيل الأكثر دقة والأكثر حصرًا، مما يوفر لدى العالم نفسه إمكانية الربط الكلي لحصيلة النتائج العلمية البالغة التخصص والكثرة.

ومن ثم يحتاج الأمر بالضرورة إلى نشاط بحثي يرتد عكسيًّا، فينطلق إلى التعميم والرسم الكلي والأطر التوجيهية، وهو ما يسمى بالبحث الفلسفي.

ولكن السؤال الذي ينشأ هنا، على أي أساس ووفق أي مرجعية يتم رسم هذه الأطر التوجيهية للمعرفة؟

فتأتي الإجابة من العقل الفلسفي المحض، لتحيل الأمر إلى حالة من الاستنباط العلمي المنظم، ولكن دون أسس حاسمة ونهائية، مما يسمح بتعدّد أنواع واتجاهات هذه الأطر الكلية التوجيهية للنظم المعرفية (epistemological systems) في مذاهب مختلفة في آن واحد، ولكلٍّ شهودها، ولكلٍّ مؤيديها.

فالمنظومة الماركسية الاشتراكية التي قامت في بلاد آسيا وشرق أوروبا، وادّعت أنها قد قالت الكلمة الحاسمة والأخيرة في التوجيه المعرفي للعلم والحياة، لم تمنع أو تحدّ من قيام المنظومات الرأسمالية المضادة للرؤية الكونية الماركسية في بلاد غرب أوروبا ومستعمراتها والولايات المتحدة الأمريكية.

إذن، فليس هنالك كلمة حاسمة وأخيرة ونهائية، في الوقت الذي تحتاج فيه البشرية والمجتمعات الإنسانية إلى هذه الكلمة، حتى لا يضيع عمر الكون والإنسان في تجارب ناقصة ومتغيرة، تحتاج دائمًا إلى استكمال أو تحويل في رسم الرؤى الكونية الشاملة.

وحتى لا يدفع – على سبيل المثال - ضحايا الإنسانية ثمن حرب شاملة جراء الأيديولوجيا الهتلرية النازية، وكما دفع المتسللون عبر سور برلين الشرقية نحو الغرب حياتهم وهم يبحثون عن شيء من الحرية. فما المبرر المرجعي الكوني الحق والمطلق الذي يعطي الماركسية الحق في قلب الهرم الديالكتيكي الهيجلي، ثم يظل هذا الهرم مع هذا محتفظًا بأتباعه ومؤيديه في الوقت نفسه والمرحلة الحضارية نفسها.

إن الواقع المشاهد مباشرة هو أن العملية المعرفية للعلم تنقسم إلى شقين: شق هو الاكتشاف العلمي المختبري المعين كحقيقة جزئية قائمة بذاتها في ميدان بحثي معين، ثم يظل هذا الاكتشاف أو الكشف العلمي المختبري المعين محايدًا حتى تأتي ضرورة استخدامه على نحو ما، وهو الموضوع الآخر من العملية المعرفية للعلم الذي موضوعه الإدارة المنهجية والمعرفية والتوجيهية للكشف العلمي (إدارة العلم) وهو الشق الأكثر خطورة في العملية العلمية، لأنه يضع الحقيقة العلمية المكتشفة قيد العمل والاستخدام بصورة ضرورية في إطار منظومة فكرية توجيهية أيًّا كانت (روحية أو مادية) ليؤدي آخر الأمر هذا الاستخدام للحقيقة العلمية الواحدة ووفق منظومة ما من المنظومات الأيديولوجية، إلى آثار وبناءات وسياسات حياتية قد تختلف جذريًّا عن تلك الآثار والبناءات والسياسات الحياتية للحقيقة العلمية نفسها، تلك إذا ما تداولت في مستوى أيديولوجيا مغايرة.

إن العقل الفلسفي المحض، يضع كل هذه الأنساق الفكرية والأيديولوجيات التوجيهية جنبًا إلى جنب على نحو تراكمي أفقي منذ أفلاطون وحتى النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، دون قول الكلمة الحاسمة لأيٍّ منها حتى الوقت الراهن.

وليس المعني بالكلمة الحاسمة نهاية المطاف وختام الحقائق، وإنما المعني هو الطريق أو القناة الكلية التي يوضع عليها العلم بكل عناصره ومكوناته، فينطلق في تطوره الطبيعي صاحبًا معه حياة كافة الشعوب الإنسانية نحو استمرار في الترقي والتطور، من أجل تحقيق التكليف بتعمير الكون دون خلافات وارتدادات وانتكاسات فكرية عودًا على بدء.

وحتى تلك المذاهب والفلسفات النقدية منذ السفسطائية الإغريقية القديمة مرورًا بالكانطية، وحتى الفينومينولوجيا الهوسيرليانية وصولًا إلى النقدية الفرانكفورتية، وإنما هي أيضًا تنطلق من مواقف ومحددات فكرية، فهي وإن لم تفرض هذه المحددات الفكرية صراحة، إلَّا أنها وفق استراتيجية النقد تقوم بإغلاق بعض المنافذ والطرق، حتى لا يكون هناك سبيل أمام العقل والوعي إلَّا المرور عبر المنافذ والطرق الأخرى المفتوحة، وحتى دون أن تشير هذه الاتجاهات النقدية إليها قصدًا وتعيينًا بنحو مباشر.

فمثلًا عندما نقرر النتيجة النهائية لأعمال مدرسة فرانكفورت النقدية نجد لديها أن تطور واختلاف الشروط الحضارية يوجب فناء بعض نظم التفكير والمعرفة والإدارة، ويوجب توليد نظم بديلة وملائمة، فنظل هكذا ننتقل من تراث إلى معاصرة، ومن حداثة إلى ما بعد الحداثة، ويظل الإنسان هكذا دائمًا في انتظار ما سيأتي به المستقبل من شروط حضارية جديدة، تتغير معها حياته وهو كالريشة في مهب الريح تضيع معها هويته دومًا، وهنا يناسب في وصف الحال التعبير القرآني {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

هنا وعند هذا الحد، ينبغي أن يسلم العقل الفلسفي المحض الراية في قيادة ناصية العلم والحياة إلى الدين، حيث لا يصح في مقام الدين إلَّا الدين الإسلامي تحديدًا.

وينبغي أن ننتبه جيدًا أننا عندما نتكلّم عن الدين الإسلامي فإنه يختلف تمامًا عن أي ديانة أخرى، أي أن مفهوم الدين في الإسلام لا يتم الحكم به على مفهوم الدين في الإسلام، لا يتم الحكم عليه بمثل ما يحكم به على مفهوم الدين لدى الديانات الأخرى المعاصرة، سواء كانت سماوية أم غير سماوية.

فإن الخطأ الكبير الذي وقع فيه العقل الفلسفي المحض، أنه تناول الدين عمومًا – بما في ذلك الدين الإسلامي – باعتباره منظومة من ضمن نظم أخرى، وفعالية من بين جملة فعاليات أخرى، وجنبًا إلى جنب معها دون طغيان أو هيمنة لإحداها على غيرها، وهو الأمر الذي يجعل الدين الإسلامي مجرد موضوع يبحث الناس عن المكان المناسب الذي يضعونه فيه بين النظم.

والحق أن الدين الإسلامي تحديدًا، باعتباره الدعوة السماوية النهائية أو الخاتمة، يتجاوز تمامًا الظرفية التاريخية في التفسير، والتي مثّلت عنصرًا حاكمًا على الديانات السابقة عليه في الحدود الإقليمية لنزولها، ولارتباطها بمحددات مرحلية معينة للوعي الإنساني في أزمانها لا يمكن وهكذا، وصولًا بالضرورة إلى ما يمكن تسميته بحالة الوعي المفتوح، والذي هو خاصة الدين الإسلامي في مصدريه (القرآن والسنة)، منذ نزوله وإلى قيام الساعة، مما يجعله و الحلقة الكلية لاستيعاب كافة الظرفيات التاريخية لهذه الديانات ومن ثم رسم المستقبل.

لذا فالإسلام ليس مجرد معتقد تعبدي بالمعنى الشعائري فحسب، وإنما هو بطبيعة تكوينه العملي، ونصوصه الإطارية العامة الضابطة والموجهة لكافة فعاليات الحياة الإنسانية والمعرفة.

ويمكن صياغة الفرضية التفسيرية وراء ذلك، بأن كل ما يحدث في حاضرنا ومستقبلنا، يمكن أن ترد أصوله إلى الماضي إلى المرحلة التمهيدية أو التدريجية في تكون الحضارة المعرفية للإنسان، أو بالأحرى القالب العام للوعي الإنساني منذ بدء الخليقة وحتى ختام النبوة، فختام النبوة هو اكتمال اكتملت به رسالة السماء، وفي الوقت نفسه اكتملت به صياغة عقل الإنسان ووعيه ليصبح كل ما بعده نوع من الممارسة المتقدمة والمستدامة لهذا الأصل المكتمل، وحتى لو حسبناه أنه فكر جديد ووعي جديد، فهو ليس بفكر أو وعي جديد، وإنما ثياب وأنماط ومظاهر وأشكال مستحدثة لهذا الأصل الواحد للوعي.

والرد بهذا إلى ماضي ما وراء النبوة المحمدية، يوضح نماذج لأبرز جدليات وصراعات الإنسان مع الوجود في سبيل تكون الوعي، فأتى بذلك نقيًّا ومباشرًا ومجردًا من تعقيدات الأشكال المعاصرة والمتقدمة له، بحيث إذا أضعنا حقيقة ما في خضم هذه التعقيدات والتركيبات، ساعد كثيرًا في العثور عليها وفهمها بالرجوع لمثالها في الماضي إلى عهد النبوة وما قبلها لاكتشاف القلب الصلب، أو الشكل المركزي لها في مصدرها التاريخي عند ابتداء نشأتها في الوعي الإنساني، وتكون الخبرة المعرفية عليها، وذلك بما يكشف عن ماهيتها والمسوغات المنطقية والحجية في تطوراتها التداولية وصولًا إلى أشكالها في عصرنا الراهن.

إذن، يظل العصر القياسي في فهم الأزمات المعرفية، وتداولها هو ما امتد فيما قبل النبوة المحمدية وإلى أن ختم بها، هنالك تشكّلت الأنواع والأصناف والفئات لصور الوجود والحياة في وعي الإنسان، ومنها انطلقت وتعممت، ويمكن تحقيق ذلك من وجوه أهمها:

أولًا: أن حجة البرهان والإثبات على شرط صحة الحفظ والجمع بالنسبة للقرآن، وشرط صحة النقل والإسناد للحديث النبوي لا تقبل الدحض إلَّا بحجة بطلان أقوى من حجة الإثبات تلك أو على الأقل تكافئها، وهو وفق الشواهد التاريخية ما لم يحدث مطلقًا. كما أنه شرط لم يتوفر في الكتب الأخرى بحكم نوع التدوين عليها، والتي تثبت نصوصها أن الوسيط الإنساني عن الله وعن النبي بكونه المدون للأحداث والأفكار هو مصدر منطوق هذه النصوص وتأليفها بحسب قدراته الوصفية والتأويلية.

ثانيًا: أن الرسالة الإسلامية هي الرسالة التي صمّمت لتكون إطارًا كليًّا يدير وينظم كافة طرق الحياة على تعدّدها واختلافها وتباينها، مع الإبقاء عليها بنحو ما هي عليه باعتبارها سنة من السنن الكونية في خلق الإنسان، بدليل قول الله تعالى بالأمر الإلهي في تقسيم بني آدم شعوبًا وقبائل، وأجرى عليهم خاصة اختلاف الألوان والألسن، فكانت تلك معادلة جمع الثوابت والمتحولات والتي قصرت عنها الرسالات الأخرى.

بهذا يصبح القرآن والحديث هما الإطار الكلي الوحيد الحق الجامع لسائر المنظومات والفعاليات، بوظيفة توجيهية وإرشادية ضابطة، ودون أن يكون هو بذاته أحد هذه المنظومات والفعاليات ودون حذف أو إلغاء لحقائقها الجوهرية، بمعنى أنه القائم حقيقة بإدارة المعرفة العلمية.

وهذا يخرج رسالة الإسلام من دائرة أن الدين بالضرورة حكر على التدين فالإسلام تديّن وإدارة، وأن هذه الإدارة إدارة عالمية (International) أو عولمية (Global).

ولعل الشاهد على ذلك هو منطق الصدمة التاريخية (Historical chock)، التي نزل بها القرآن في جزيرة العرب، حيث إن تلك الإطارية العالمية الشاملة للقرآن زمانًا ومكانًا بلا انقطاع وبلا انتهاء، لم يُقدم لها بمقدمات معرفية حضارية في واقع جزيرة العرب أوان التنزيل، إلَّا بمستوى معين من التهيئة اللغوية متسعة العبارات مع ضيق الدلالات.

ولهذا أصبح من المستحيل أن يؤلف هذا القرآن بواسطة عقل عربي آنذاك، الأمر الذي جعل وصف القرآن بالغريب يكون وصفًا مناسبًا ومعبرًا عن دلالة خرق الاتساق التاريخي العام للعالم، بنزوله حيث نزل تحديدًا مما أحدث لفت الانتباه نحوه لدى كل مناطق وشعوب الأرض.

ولو أن هذا القرآن نزل وقتها على مناطق الحضارات اليونانية والرومانية المزدهرة والقائدة للوعي العالمي، لعدّ لدى كثير من شعوب الأرض النائية حلقةً منطقيةً من حلقات التطور المعرفي للعقل الغربي.

ويمكن الاستدلال على ذلك، القول برصد حكمة ما، في نزول القرآن منجمًا تبعًا لأسباب النزول، بأن أسباب النزول هذه ليست حالات احتكارية تصادر على تفسير النص القرآني لحدودها المعينة، وإنما هي فقط مناسبات تُشير إلى نمو الوعي الإنساني في أدنى مستوياته نحو بلوغ الدرجة التي يستوعب فيها العقل دلالة النص القرآني وأحكام ولو بحدها الظاهر البسيط.

فالقرآن مكتوب في الأزل جملة واحدة، ولا يصطنع الآيات بحسب الوقائع الاجتماعية والتاريخية عقب أو حال حدوثها، بل إن القرآن يكون قبليًّا (Apriori) ثم تأتي هذه الوقائع لاحقًا عليه، بكونها فقط العامل الضروري لتكون وتطور الخبرة المعرفية، فيكون ملائمًا إنزال الآيات المعينة حينها، لذا نزل القرآن منجمًا لمراعاة تنامي وعي الإنسان لبلوغ حد القرآن وليس العكس.

خلق وتوليد المشكلات الزائفة (pseudo-problems)

لقد كتب محمد إقبال في (تجديد التفكير الديني في الإسلام )، ما يلي «إن روح الفلسفة هي روح البحث الحر، تضع كل سند موضع الشك، ووظيفتها أن تتقصى فروض الفكر الإنساني، التي لم يمحصها النقد إلى أغوارها، وقد تنتهي من بحثها هذا إلى الإنكار أو إلى الإقرار في صراحة بعجز التفكير العقلي البحت عن اكتناه الحقيقة القصوى، أما جوهر الدين فهو الإيمان».

هذا يثبت لنا الاتفاق مع كانط، في حال أننا فصلنا فاعلية العقل المجرد عن التفاعلية التداولية للدين المتصدر في الآيات والنصوص، هذا الفصل الذي يجعل الفلسفة المطلقة ميدانًا للعقل والمنطق والاستدلال، وبه تتحدّد معالمها دون الإيمان الذي قال عنه إقبال أنه كالطائر يعرف طريقه الخالي من المعالم غير مسترشد بالعقل.

وهذا منشأ ما عرف في الأدبيات الفلسفية بـالمشكلات الزائفة -pseudo problems- فليست الجدوى بتمييز أنواع للعقل في جانب الماهية بين عقل نظري مجرد يختص بما لا يختص به عقل آخر عملي، وإنما الجدوى تكون بتوحيد حقيقة العقل على جانب الماهية والجوهر، مع إثبات تعدّد الاتجاهات الوظيفية له على جانب الفاعلية.

بناء على ذلك، وفيما يتعلّق بالأثر الوظيفي للعقل الفلسفي المحض المبني على اعتماده أنساقًا منطقيةً استنباطية في تحقيق الجدل الفلسفي، فإن هذا الأمر من شأنه أن ينشئ مذاهب اعتقادية قائمة فقط على استدلالات برهانية لفظية، مما يخلق صراعًا بين ما هو قائم في العالم وبين ما يعتقد فيه الإنسان، الأمر الذي يعني أن المشكلة التي قام بصددها الاستدلال هي مشكلة زائفة تنهض عن حكم يستوي فيه حجة الإثبات وحجة النفي، الرأي والرأي المعارض، الأطروحة ونقيضها.

ومن ذلك ما ذهب إليه بارمنيدس (Parmenides) المشهور في تاريخ الفلسفة ما قبل سقراط، والذي قد زعم بنفي الكثرة أو التعدّد والحركة المشهودة في الكون، وأن هذا وهم، وأن الحق هو الوحدة والسكون. ولم يكن ليصير لهذا الزعم قدر من الوجاهة إلَّا أن قام له الدليل البرهاني في الإثبات لدى تلميذه زينون (Zeno) بافتراضه لحجة سلحفاة أخيلوس وغيرها، وهي حجج محض لفظية قائمة على المستوى المنطقي في شرط السلامة الصورية للاستدلال.

إن المشكلات الزائفة تقع عندما يحاول العقل الفلسفي المحض أن يرسم تصورات كلية تتجاوز حصيلة مفردات الخبرة المحدودة لديه بصدد ما تحقق عنده من اكتشاف جزئي للعالم. ومثال ذلك ما قد عبر عنه زكي نجيب محمود -رحمه الله- في كتابه (موقف من الميتافيزيقا)، بأن الفارق بين موقف النبي وموقف الفيلسوف، هو أن الفلاسفة من قبيل أفلاطون وأرسطو مثلًا، يدعي الأول منهم بأن الحقائق والماهية الكلية للكائنات هي مجردة عنها وموجودة بصورة مستقلة في عالم المثل المفارق، ثم يأتي الثاني ليرفض ذلك ويدعي أن الحقائق والماهية الكلية للكائنات ليست موجودة كصور مجردة في عالم مفارق بل إنما هي محايثة ومباطنة في عين الكائنات بذواتها وشخوصها، وفي كلا الحالتين لا يتم إدراكها إلَّا عقليًّا فحسب.

الشاهد في هذا لدى زكي نجيب محمود أن كل قول من هذين القولين، لديه حجة برهانية منطقية مساوية لحجة القول الآخر، ويظل العقل الفلسفي المحض غير قادر على حسم الخلاف، بترجيح قول على آخر، إلَّا فقط بما تهوى الأنفس.

أما عن النبي فإنما هو فقط يبلغ رسالة أوحي إليه بها من ربه كما هي ولا يدَّعي أنه ابتدعها بعقله، ولا يحق له أن يغيّر فيها حرفًا واحدًا حسبما يرى هو أو يبدو له. لهذا فقد فطن فلاسفة التحليل المعاصرين أمثال: مور وفيتجنشتاين ورسل إلى هذه القضية، وعملوا على تحويل البحث الفلسفي إلى عمل إيضاحي وليس أنساقًا أيديولوجيه.

وإذا طلبنا مثلًا على نوع المشكلات الزائفة، فهي مشكلة العلاقة الجدلية بين العقل والنص، وبتعبير التراث الإسلامي مشكلة العلاقة بين العقل والنقل، والتي أفضت إلى أزمات فكرية ومذهبية أظهرت اختلافًا كبيرًا في قراءة وفهم الأصول النصية في ميدان الدين والأدب والسياسة والتاريخ وغيرها، وكذلك الاستنباط منها والقياس عليها مما ولد مشكلات بنحو القول بقدم العالم أو حدوثه، والقول بالجبر أو الاختيار، وجدل الوجود والعدم، وغير ذلك من مشكلات وكلها ناشئة عن المستوى اللفظي التداولي بالقراءة المجردة للنصوص بمحض الاستدلال العقلي.

وبرهان ذلك في جدلية (العقل – النص) أن العقل ليس هو نسق (System) يوضع بجانب أنساق أخرى ومنها (النص)، وإنما هو حصيلة من الأدوات (Tools) أي إنه محض فاعلية أو نشاط (Activity)، فلا مجال إذن للاشتراك الدلالي بين مفهوم العقل كفاعلية وأداة، ومفهوم النص كنسق وسياق (Context) إذ إن تصور الاشتراك الدلالي هو أحد مسببات طرح السؤال الزائف حول الحاكمية لأحد الطرفين على الآخر، في حين أن الأمر هنا هو تفاعل واتصال ومعياره صحة الفهم أو سوء الفهم.

وينسحب هذا البرهان أيضًا في الردّ على من يقيمون على مفهوم العدم أنساقًا معرفية بقاعدة مفهوم الوجود نفسها كما تفعل الفلسفة الوجودية، فالعدم لا يكون إلَّا مردودًا لغويًّا لكلمة الوجود، وليس لديه ماهية معرفية قائمة مستقلة بذاتها في علمنا إلَّا بكونه حالة السلب للوجود، فالوجود هو فقط ما يمكن أن نشير إليه كعيان متحقق مدلولًا عليه بلفظة يكون (To be) أما العدم فلا يمكن الإشارة إليه أصلًا بالعدم يكون.

إذن فالعدم هو مجرّد سحب لصفة وخاصة الكينونة لدى الكائنات ولا يكون هو بذاته كائنًا، وإلَّا فيكون هذا من قبيل اخراج العلامة (Sign) وعلاقاتها المنطقية عن حقلها الدلالي أي السقف الذي يحدها وتنتهي عنده ليصبح ما وراء هذا الحد مجرد سؤال مستمر دون أمل في إجابة قاطعة. فهذا إذ يسوغ القول بأن البقاء في حيز العقل الفلسفي المحض المستند إلى ذاته فحسب، من شأنه أن يجعل الإنسان والفكر عمومًا يدور في حلقة من الأزمات المستمرة والمشكلات الزائفة.

وقد ظهر هذا مع تحوّل الأنساق المنطقية، ففي الماضي كان التصور لليقين أنه تابع لاعتبار الحكم على أي قضية هو حكم بقيم ثنائية فقط (Two-valued logic) فإما بالصدق وإما بالكذب.

أما مع نتائج العلم المعاصر وتوسعاته المستمرة بما يفتح آفاقًا جديدة مرة تلو مرة، فقد تبيّن أن مساحة الفاقد المعرفي لدى الإنسان بالكون لا تقارن بمساحة البناء المعرفي به لديه، فالفاقد قد يبلغ مدى غير متصور من الاتساع.

وقد عبرت أنساق منطق القيم – المتعددة (Many-valued logics) عن هذا الفاقد المعرفي بوجود فراغات في عمليات البناء الاستدلالي، لا يمكن سدّها إلَّا بعد معرفة أصلها في الحقيقة الكونية، وهذا لا يتم دون أن يسبق عليه الاكتشاف العلمي أولًا.

إن اتّساع الفاقد المعرفي قد أدّى بالضرورة إلى افتراض قيم ثلاثية ورباعية إلى لا متناهية، مما يمثّل نوعًا من الحياد أو التوسط بين قيمتي الصدق والكذب.

ولمزيد من الإيضاح فإن العبارات أو القضايا لا بد أن توصف بأنها ذات قيمة توسطية، عندما لا نستطيع أن نقبلها أو نرفضها في الوقت الحاضر، أي إن القضية يمكن أن تقع في حالة ظرفية معينة من أحوال حدوثها ولا يكون في مقدورنا وقتها القطع بحكم الصدق أو الكذب بصددها.

ويمكن القول بأن منطق القيم المتعددة، يحاول أن يستمد الضرورة الشرعية من خلال تطور البحث العلمي عبر نتائج الفيزياء الحديثة، وذلك لما يبدو من أن هذه النتائج تتوافق مع الخروج من نطاق ما يسمى بأنماط المنطق المعياري (Standard logic) وتقرير الحاجة إلى نوع بديل من أنواع المنطق يطلق عليها المنطق اللامعياري.

وفي حين يوحي المنطق المعياري بتقرير الثابت المعرفي لحاصل الخبرة البشرية في استخدام اللغة من خلال الحكم القاطع بالصدق أو الكذب، أي الأحكام الإيجابية الناتجة عن مسلمة تقرير حدود الخبرة فيما أمكن معرفته على نحو مطلق، جاء المنطق اللامعياري (منطق القيم-المتعددة) للحكم على ظاهرة أفرزتها بحوث الفيزياء الحديثة عقب النظرية النسبية (Theory of relativity) وميكانيكا الكم (Quantum mechanics) وتتجاوز القياس الاستقرائي التقليدي اطلق عليها ظاهرة الشذوذ السببي، والتي لم يمكن تفسيرها تبعًا للتصورات التجريبية الوصفية في حدود المنطق المعياري (منطق القيم – الثنائية).

عند هذا الحد يتحرّر التأويل الفلسفي من القيود العقلية العامة، والأطر القواعدية الملزمة في إصدار الأحكام، ويجنح نحو التأويل المفتوح الذي يرد كل الأمر إلى الذات في فهم وتفسير أي ظاهرة دون الرد إلى الحقيقة الموضوعية لهذه الظاهرة على نحو ما هي عليه في الواقع بالفعل.

وعليه فقد تحوّل التحليل البنائي إلى تفكيك، كما تحوّل مبدأ المسؤولية الوجودي في التأليف إلى مبدأ موت المؤلف، وبالتالي فصل هوية العمل عن هوية مؤلفه، والحكم عليه ليس بحسب محدّدات فهم المؤلف المنتج له، وليس بحسب منطق عام يحكمه، ويضمن تماسك بنائه، وإنما بحسب محدّدات الذات الفاهمة المتلقية له، إذن تتحوّل على ذلك كل الثوابت إلى متغيرات.

والمفارقة هنا أنه سواءً ذهبنا نحو التقييم السليم للواقع مع الراهن والأوضاع الحالية في أي ميدان، أو لرسم خطط مستقبلية للإدارة العامة للنظم برؤية كلية، أو لمحض تحقيق رؤية كونية شاملة، فإن الأمر على كل الأصعدة يحتاج منا إلى سد ثغرات هذا الفاقد المعرفي، وفق مرجعية تفوق مجرد العقل الفلسفي المحض.

عليه، يجدر القول مع أصحاب فلسفات التحليل المعاصرة بتحويل البحث الفلسفي إلى محض منهج للتوضيح والفهم على نحو ما قام به فيتجنشتاين في فلسفة اللغة العادية، بتأليفه منهجية إيضاح العقول الأخرى Other) Minds) لتصبح الفلسفة بعده فاعلية أو نشاطًا وليست نسقًا.

وإذا قمنا بدورنا في توجيه هذه المنهجية لإيضاح البناء التركيبي والدلالي للنص القرآني على وجه التعيين لصدر لدينا نسق منطقي جديد يسد الثغرات الفراغية في الاستدلال لدى منطق القيم – المتعددة، المعبر عن الفاقد المعرفي الكبير للوعي الانساني بالوجود على إطلاقه.

ويكون ذلك بنقل أساس التركيز في الحكم المنطقي من مشكلة محاولة إيجاد القيم المكملة للصدق والكذب في الحالات غير المعروفة، إلى تعيين المستويات الدلالية المتعددة المحتملة في النص، والتي تستوعب كافة الأحكام بصدد الوجود العام على أساس قيم الصدق والكذب دون الحاجة إلى افتراض قيم زائدة.

خلاصة أساسية

الفكر الفلسفي على ثلاثة أنواع، اثنين منها يقعان ضمن العقل الفلسفي المحض وهما:

(أ) التيار الإيجابي في الفلسفة، وهو بناء الأنساق والمذاهب المعرفية الكلية الشمولية مثل الهيجلية والماركسية.

(ب) التيار السلبي في الفلسفة، وهو المواقف النقدية لرفض المذاهب الفلسفية والنسقية سواء بالدحض أو إثبات الثغرات ونقاط التفكيك على نحو مدرسة فرانكفورت النقدية والوضعية المنطقية.

أما النوع الثالث، فهو خارج إطار العقل الفلسفي المحض، وهو نوع الفلسفة التفاعلية، أي التفاعل وفق الوظيفة التحليلية على أي كيان موضوعي، بهدف الفهم والتطوير سواء على طرق الحياة الاجتماعية أو التطبيقات العلمية، وهو اتجاهات التحليلية اللغوية لدى فيتجنشتاين، وأصحاب مدرسة اكسفورد.

مراجع الدراسة

1- زكريا إبراهيم، دراسات في الفلسفة المعاصرة، القاهرة: مكتبة مصر.

2- عبد الرحمن بدوي، مناهج البحث العلمي، الكويت: وكالة المطبوعات، 1977م.

3- محمد إقبال، تجديد التفكير الديني في الإسلام، ترجمة: عباس محمود، القاهرة: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر.

4/ وائل أحمد خليل صالح الكردي، منطق المشكلات الزائفة، سلسلة ندوات التنوير، إصدارة 4، الخرطوم: مركز التنوير المعرفي، 2007م.

5- وائل أحمد خليل صالح الكردي، قاعدة خرق الاتساق، مجلة تفكر، معهد إسلام المعرفة، جامعة الجزيرة، السودان، مجلد 6، عدد 2، 2005م.

6- وائل أحمد خليل صالح الكردي، مسألة الحرية في الوعي الغربي، مجلة اسلامية المعرفة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، السنة الثامنة عدد 31-32، 2002 -2003م.

7- وائل أحمد خليل صالح الكردي، تحولات الأنساق المنطقية في بناء القواعد التشريعية، مجلة تفكر، معهد إسلام المعرفة، جامعة الجزيرة، السودان، مجلد 7، عدد 1، 2005م.

8- وائل أحمد خليل صالح الكردي، في منطق النقد القواعدي، مجلة العلوم الإنسانية، جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، الخرطوم، مجلد 15، عدد 1، 2014م.

9- Ludwig Wittgenstein – Philosophical Investigations – translated by: G. E. M. Anscombe, Basil Blakwell, Oxford, 1953.

10- Robert Ackermann – An Introduction to many-valued logics-  Routledge & Kegan Paul LTD, London, 1967.

11- Ray Monk – Wittgenstein and the two culture – BBC Radio 3, Prospect July 1999.

12- Hilary Staniland – Universals – London, The Macmillan press LTD, p. 54.