احتضنت العاصمة المغربية الرباط في الفترة ما بين 11 و 13 ديسمبر 2003 أشغال الندوة الدولية حول موضوع >حوار الثقافات:هل هو ممكن؟<، برعاية وزارة الثقافة المغربية في إطار فعاليات >الرباط عاصمة الثقافة العربية لعام 2003< الذي أعلنته منظمة اليونسكو. وقد شكلت هذه الندوة الهامة التي حضرها العديد من المثقفين والمفكرين من مختلف البلدان العربية والأجنبية فرصة لتلاقي الأفكار وتلاقح الأطاريح الفكرية والفلسفية حول قضية راهنة تشغل الدوائر الفكرية والسياسية العربية والغربية، وهي حوار الحضارات والثقافات.
فيما يلي عرض لأهم ما ورد في مداخلات المشاركين في الندوة التي نظمت بمقر أكاديمية المملكة المغربية في الرباط.
ضمن محور الجلسة الأولى من الندوة كانت ورقة حارث سيلاياجيتش، الوزير الأول ووزير الخارجية الأسبق في جمهورية البوسنة والهرسك بين 1993 و1996، تحت عنوان >هل محكوم على الحضارات أن تتصادم؟<، حيث انتقد السياسة الخارجية الأمريكية، وقال إن لديها إمكانيات لتقود إلى اتجاه عالمي جديد لأنها تملك كل المكونات المطلوبة للاضطلاع بهذا الدور، ولأن لها بالتالي مصلحة في الاستقرار العالمي. فالولايات المتحدة الأمريكية حسب سيلاياجيتش >طورت مجتمعاً متعدد الأعراق بشكل ناجح إلى حد ما، ويمكن أن يتبين من هذا أن هذه التجربة ثمينة من أجل خلق تعايش عالمي يقوم على الكرامة<، واعتبر الباحث أن العالم اليوم يسير نحو التقارب بشكل أكبر بغض النظر عن الثقافات والحدود والقارات، وأن ثمة عالماً أفقياً يبرز حالياً، يزداد فيه بالتدريج تهميش علاقات الهيمنة وعلاقات رئيس/ مرؤوس.
وتحدث فيديريكو مايور (إسبانيا)، المدير العام الأسبق لمنظمة اليونسكو، في ورقته المعنونة >التنوع الثقافي: حجر الزاوية في عالم آخر ممكن< عن التنوع غير المحدود الذي تتميز به الثقافات البشرية، وركز على التنوع باعتباره مفتاح التعايش الحضاري بين الشعوب، من موقع تجربته كمدير عام لمنظمة اليونسكو في الفترة ما بين 1978 و1982 >إن التنوع هو الثروة الكبرى المشتركة بين البشرية، والوحدة حول بعض القيم الكونية، هو قوتها<، داعياً إلى تعميق الروابط بين الثقافات والحضارات بالحوار والمعرفة المتبادلة >وإلا فإن الانتماءات مهما كانت طبيعتها ستتطرف<.
وفي ورقته التي كان عنوانها >الحوار الحضاري العالمي: رؤية ثقافية عربية< تطرق السيد ياسين (مصر) إلى نشأة موضوع حوار الحضارات في بداية التسعينات والملابسات التي صاحبت ظهوره بعد سقوط الكتلة الشيوعية والاتحاد السوفياتي وانهيار القطبية الثنائية العالمية، حيث أبرز بأن الصراع الفكري الذي أعقب تلك المرحلة سار في اتجاهين: الأول يزعم أن صراع الحضارات سيكون هو البديل للصراع الإيديولوجي لقطبي الأمس، والثاني يدعو إلى حوار الحضارات في ضوء العولمة التي غيرت من شروط هذا الحوار وطريقة تنفيذه، وقال السيد يسن في ورقته أن العالم يعيش في ظل حضارة واحدة في الوقت الذي يتميز فيه بتعدد الثقافات، ومن ثم ينبغي برأيه الحديث عن حوار بين الثقافات وليس حوار بين الحضارات، واقترح منهجية جديدة لإدارة هذا الحوار تقوم على ثلاثة محاور: تحديد الإشكاليات المعرفية التي تواجه الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، والمشكلات الواقعية التي تعيشها الإنسانية، ثم ضرورة صياغة نظام عالمي جديد.
في الجلسة الثانية من فعاليات الندوة، ألقى فرانسوا بورغات (فرنسا) المعروف في حقل الدراسات التي تهتم بالحركات الإسلامية في فرنسا مداخلة بعنوان >حوار الثقافات: مدى وحدود المفهوم<، حيث ذكر بأن تحليل ومعالجة التوترات والنزاعات الدولية من خلال مقاربة ثقافية أو دينية أو ذات طابع حضاري >تغطي غالبا رفضا أو عجزا عن استيعاب هذه النزاعات أو هذه المقاومات في جوهرها السياسي المبتذل<، وأكد على أن هذه المعالجات مهما تكن أهميتها فإن العالم في حاجة اليوم إلى آليات قادرة على تأمين >توزيع أفضل للموارد السياسية، وهذا يعني درجة عالية من العدالة الدولية<، وطالب بورغات بعدم الخلط بين حوار الثقافات وحوار الأديان >الذي أظهر التاريخ القريب مدى ضعف إنجازاته<، كما طالب بعدم الخلط أيضا بين قيم ثقافة معينة والممارسات التي تصدر عن أهلها، وانتقد كمال أتاتورك الذي وضع شروطا للولوج إلى الحداثة، مضيفاً بأن كل ثقافة لديها القدرة على التعبير عن مرجعية كونية.
وتطرقت ورقة مراد وهبة (مصر) التي كانت بعنوان >التراث والتنوير في الثقافتين الغربية والعربية< إلى أهم التعاريف التي أعطيت لهذين المفهومين من قبل المفكرين العرب والمسلمين والمفكرين الغربيين، وأهم الاختلافات بين الطرفين، وخلص إلى أن التنوير هو >إعلاء سلطان العقل بحيث يمكن القول بأنه لا سلطان على العقل إلا العقل نفسه<، ولاحظ أن التراث في الغرب شهد نوعاً من الكسر مع بزوغ الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر بدعوى أن الثورة تستند إلى التنوير، بينما لم يحدث هذا لدى العرب والمسلمين، حيث تم إجهاض التنوير الذي مثلته علوم اليونان.
وفي ورقته التي كانت بعنوان >صراع الحضارات أم حوار الثقافات؟< قال سعيد بنسعيد العلوي (عميد كلية الآداب بالرباط) أن مجريات الأحداث في العالم من حولنا اليوم تجعل من الحديث عن حوار الثقافات حديثا يقوم على تفاؤل كاذب >ذلك أن الواقع المؤلم الذي يحياه العالم يحمل على القول بأن الصراع سمة الوجود البشري<، لكن التعمق في التاريخ ومنطق الوجود البشري يوصلنا إلى الاعتقاد ببطلان دعوى >صراع الحضارات< والقول بالأحرى بأن حوار الحضارات والثقافات ممكن.
وكانت ورقة إدمون عمران المالح (يهودي من أصل مغربي) حول >محاولة لتقديم جواب<، انتقد فيها لجوء الولايات المتحدة الأمريكية إلى الهيمنة والعنف والتسلط، لكنه دعا إلى إزالة اللبس الذي يحاط بمفهوم الثقافة، متسنداً على مفهوم ميشيل ليريس الذي يرى بأن الثقافة هي مجموع أنواع السلوك والتفكير بشأن جميع الأمور على درجة تقليدية معينة خاصة بمجموعة بشرية على قدر من التعقيد والاتساع.
في الجلسة الثالثة التي حملت نفس عنوان الجلسة التي قبلها، ألقى إيف فارغاس (فرنسا) ورقة بعنوان >تأملات حول الحوار بين الثقافات< قال فيها بأن الثقافة المسيحية التي استحضت الديانة الإسلامية في العصر الوسيط في فلسفة الأنوار لم تسمح بقيام تحليل حقيقي لحمولاتها الفكرية لأنها اعتبرتها معادية للمسيحية، لكن هذا الجدل تحقق مرة أخرى على يد الاستشراق، غير أن ذلك تم في الغالب على حساب حوار حقيقي بين الضفتين، لأن الاستشراق اعتاد إسقاط مناهج التفكير الغربي على الوقائع المدروسة بدون الأخذ في الاعتبار الأنظمة الفكرية للفاعلين أنفسهم، وهكذا أصبح الاستشراق فكرا متحيزا يخلط بين وقائع تجريبية وتحليلات مشحونة بإطار مرجعي غريب.
وتطرق رضوان السيد (لبنان) في مداخلته التي حملت عنوان >الخطابات العربية حول الحضارات وصراع الثقافات< إلى نظرية >نهاية التاريخ< لفرانسيس فوكوياما ونظرية صدام الحضارات لصامويل هانتنغتون، وأشار إلى أن هذا الأخير لم يقل فقط بأن الصراعات العالمية ما عادت استراتيجية وسياسية وأنها أصبحت ثقافية، بل قال بأن الإسلام هو الخصم الأول للغرب اليهودي ـ المسيحي في العصر الجديد لأنه يملك >تخوما دموية<، وأكد رضوان السيد بأن العرب والمسلمين بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 تعاملوا مع هذه النظرية بنوع من الارتباك، لكنهم كانوا يدافعون عن الإسلام وينتقدون الغرب، أما بعد أحدث 11 سبتمبر 2001 وحرب العراق فقد عاد الخطاب >إلى أجوار هانتنغتون وزيادة<.
أما بنسالم حميش (المغرب) فقد جاءت ورقته بعنوان >حوار الثقافات وصعوبات التأسيس<، وتساءل فيها: ماذا تستطيع أخلاقية الحوار بين الثقافات فعله أمام اضطرام الحروب والصراعات التي تتعدد بؤرها وحلباتها منذ الحرب العالمية الكونية الأولى التي أمل العام أن تكون الآخرة؟، وقال: إن تلك الأخلاقية الداعية للحوار تخاطر بأن تؤول إلى سجل من الترجيات الطيبة والنوايا الحسنة، أو على الأكثر إلى خطابات تمكن كل طرف من إيجاد مبررات وشواهد من تراثه الروحي وأن يقدم ألف حجة وحجة، وذلك كله في خدمة هذه القضية، ودعا بداية إلى توفير شروط إنجاز الحوار بين الثقافات بدلا من البقاء عند مستوى الخطاب المرغب فيه.
وفي مداخلة بعنوان >شروط استراتيجية لحوار سلمي بين الثقافات< انتقد ألان جوكس (فرنسا) رغبة الولايات المتحدة في الهيمنة على مقدرات الشعوب الأخر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والاتجاه نحو العسكرة التي ميزت سياسة الولايات المتحدة ما بعد هذه الفترة، واعتبر بأن الحرب المعلنة على الإرهاب العالمي تهدد بحدوث تجاوزات خطيرة، قد تقود إلى صدام بين الحضارات والثقافات والديانات، مؤكداً على وجوب تجاوز الإقصاء على المستوى العالمي للوصول إلى حد أدنى ممكن من التعايش بين الشعوب.
في هذه الجلسة كانت ورقة مصطفى عبد الغني (مصر)حول >خطاب الآخر في الثقافة الغربية المعاصرة< التي عرض فيها لمواقف الباحثين الغربيين بخصوص الإسلام والمسلمين بعد 11 سبتمبر2001، وقد أوضح أن أهمية موقعي بيانات: >من أجل ماذا نحارب؟< و >هل يمكن أن نتعايش< و >ليس باسمنا< التي ظهرت بعد تلك الأحداث وأثارت سيلا من الردود، لا تنبع فقط مما ورد فيها، بل من المواقع التي يشغلها أصحابه في دوائر القرار السياسي والثقافي في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، ومن تأثير معنوي على أصحاب القرار، فأصحاب هذه المواقف هم أنفسهم من تبنوا الدعوة إلى صراع الحضارات في بداية التسعينات من القرن الماضي، وأوضح الباحث أن الثقافة بعد 11 سبتمبر عاملا في خدمة السياسة.
وأكدت فريال جبوري غزول (مصر) في مداخلتها >حوار الجنوب مع الجنوب< على واقع غياب الندية في الحوار بين العرب والغرب، أو بين المستعمر والمستعمر (بكسر الميم في الأولى وفتحها في الثانية)، أو بين الغالب والمغلوب، لأن شروط الحوار تكون غائبة على الرغم من أن هناك فئات في الشمال قد تتعامل بنوع من الندية مع ثقافات الجنوب، وطالبت بأن يكون الحوار في البداية بين الجنوب والجنوب وليس بين هذا والشمال الذي لا يتفهم حاجات الأول، كما أن الجنوب لا يمكنه أن يدخل في حوار مع الغرب قبل أن يوحد صفه الداخلي ويقيم حوارا ناجحا بين أطرافه.
وبنى محمد مصطفى القباج (المغرب) مداخلته التي كانت بعنوان >حوار الثقافات أم حوار المثقفين: جدل الحوار التجريدي والحوار التشخيصي< على فكرة اعتبرها أساسية وهي أن حوار الثقافات ممكن عبر نخب مستوعبة لماضيها وحاضرها الثقافي، بحيث أنه ينبغي عليها أن تتبادل التصورات والخبرات ليتحقق تفاعل الإيجابيات الثاوية في الثقافتين العربية والغربية، مما يتحقق معه قبول الآخر، وإقصاء السلبيات أو تهميشها، وقدم في مداخلته تعريفات متعددة لمفهوم الحوار لغة واصطلاحا، وشروط الحوار وقنواته الشرعية والرسمية، كما عرض لبعض النماذج الناجحة والفاشلة للحوار.
أما ألبيرتشت بيتز (ألمانيا) فقد قدم ورقة تحت عنوان >جذور الثقافة الأوروبية<، لاحظ فيها أن التقوقع الأوروبي حول الذات لفترة طويلة قد عمل على تجميد الحوار بين الثقافات والحضارات، على الرغم من أن كبار الشعراء الألمان مثل غوته وهاين تجاوزوا عن وعي هذا الحاجز الموضوع بين الثقافات منذ القرن التاسع عشر، وقال: إن الإرث الأوروبي في تفاعله مع غرث العالم العربي أعطى نتائج >باهرة< من قبيل >الديوان الشرقي< لغوته، داعياً في الوقت نفسه إلى إعادة إحياء هذا المسار في الفترة الراهنة عبر الأدب والفن اللذين لا يقدمان بالضرورة إجابات بقدر ما يطرحان تساؤلات.
في هذه الجلسة كانت لميشيل روكار (فرنسا) مداخلة بعنوان >حوار الثقافات< تحدث فيها عن الفروقات التي تميز كل تعاريف الثقافة التي تتبناها الثقافات المختلفة، مما يعيق أصلا الحديث عن حوار بين الثقافات، ودعا إلى ترك المجاملات التي تطبع غالباً لقاءاتٍ مثل هذه عن حوار الثقافات، والبحث عن الأمور المتجانسة لتقريب الشقة بين المتحاورين، انطلاقا من قيام كل طرف بمسعى لتعريف الذات >لأن ذلك هو وحده ما يمكن أن يؤسس في الواقع للبحث عن نقاط التلاقي الذي يعد همنا الأساسي<.
وألقى رفعت سيد أحمد(مصر) مداخلة بعنوان >الحوار الأمثل: تحديات عربية أمام حوار الثقافات< أكد فيها أن الحوار هو الفكرة النبيلة التي تتطلبها المرحلة الراهنة التي تتميز بكثرة التحديات على المستوى العالمي، وهو مطلب شرعي وثقافي من أجل الوصول إلى فهم مشترك لمجمل التحديات المشتركة.
وقدم جورج لابيكا (فرنسا) ورقة بعنوان >العولمة خطر على الثقافات< دافع فيها عن أطروحة تقول بأن مرحلة العولمة الليبرالية الجديدة التي وصلتها علاقات الإنتاج الرأسمالية تمثل خطراً على كل الثقافات الموجودة، ورأى أن موضع صراع الحضارات يتم استعماله اليوم في الغرب بشكل تعسفي لتسويغ المواجهة الحضارية مع العالم العربي والإسلامي، عبر إنتاج معادلة خطيرة هي معادلة عربي/ مسلم/ أصولي/ إرهابي.
أما جان زيغلر (فرنسا) فقد تطرق في ورقته التي حملت عنوان >المجتمع الكوني الجديد ودور الذاكرات الجمعية< إلى انتقاد توجه العولمة الوحشي نحو إقصاء الطبقات الاجتماعية الفقيرة وتركيز الثروة في يد نخبة قليلة من الأثرياء، مما يهدد السلام العالمي ويقضي على كل رغبة في التعايش بين الثقافات والحضارات، وقال: إن العولمة بدأت تفرض هوية جديدة بعناد، لتغذي من ثم الصراعات المستقبلية، وقدم إحصاءات عن التفاوت الاجتماعي بين الشمال والجنوب، مؤكداً أن ذلك يقرع ناقوس الإنذار بشأن المستقبل.
تحت هذا العنوان انعقدت الجلسة السادسة من الندوة، وانطلقت بورقة نصر حامد أبو زيد (مصر) حول >الجدل اللاهوتي الإسلامي المسيحي في فترة التكوين الثقافي العربي في القرنين السابع والثامن الميلاديين<، وقد اعتبر الباحث في مداخلته أن الجدل مثل دائماً شكلاً من أشكال الحوار والتفاعل بين أطرافه، وذلك بصرف النظر عن آليات الاستبعاد والإقصاء والرفض على مستوى ظاهر الخطاب، وتعرض لجدل القرآن الكريم مع النصارى، وفي القسم الثاني من المداخلة قدم نموذج يحيى الدمشقي في القرن الثامن للميلاد وما كتبه عن الإسلام بوصفه >هرطقة مسيحية<، وما أثاره ذلك على مستوى الجدل في الفكر الإسلامي وإغناء ساحة علم الكلام.
أما المستشرق الأمريكي برنارد لويس فقد قدم ورقة قصيرة بعنوان >اللقاء بين الإسلام والعالم المسيحي< قال فيها: إن الحضارتين المسيحية والإسلامية المحددتين من الناحية الدينية تتصفان بأوجه شبه أكثر من أوجه الاختلاف التي تفرق بينهما، ومن هنا تميز تاريخ اللقاء بينهما بالنزاع والتنافس >بسبب تطلعاتهما المشتركة في الماضي<، لكنه أشار إلى أن هذا الميراث يمكن اليوم أن ينهض عاملاً للتعايش والحوار وحتى للاتفاق على شرط أن يرغبا في ذلك.
وقال ألان شانلا (فرنسا) في مداخلة بعنوان >قبل أي حديث عن التنوع الثقافي ماذا يجمع بيننا بوصفنا بشراً؟< إن الرغبة المشروعة في فرض احترام الهويات الثقافية كان من تبعاتها تزايد حدة الخلافات الكامنة ما بين الحضارات، وتسببت في سلوكات تتسم بالحذر ورفض متبادل يسمه العنف في الغالب، وأكد على أن الحرص على إبراز الخلافات الثقافية لا ينبغي بالمرة أن ينسينا كل ما يتقاسمه الكائن البشري على المستويات البيولوجية والنفسية والاجتماعية من قيم ينبغي التأكيد على جدواها في تحقيق التقارب والسلم بين الشعوب والثقافات.
في هذه الجلسة ناقش جون دانييل (فرنسا) في مداخلة حملت عنوان >كونية القيم والتنوع الثقافي< قضية التعاون بين الثقافات، وقال إنه ليس هناك حوار دون أخلاق مشتركة لما هو كوني، وأن التقوقع داخل دائرة ضيقة من الجمود لدى مختلف الأطراف المشاركة في الحوار لن يؤدي إلى حوار مثمر بين ضفتي المتوسط، واعتبر أن الفروقات الثقافية لا توجد فقط بين ثقافة وأخرى بل أيضا داخل كل ثقافة على حدة، بين ماضيها وحاضرها.
وقدم المفكر الجزائري محمد أركون ورقة بعنوان >فيما وراء صدام وحوار الثقافات: نحو تاريخ للشعوب موسوم بالتضامن<، قال فيها بأن بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 ندد بالبعد الإيديولوجي والفراغ الثقافي لنظرية صدام الحضارات، وأكد على أنه منذ لقاء الفاتيكان الثاني حول الحوار بين الأديان عام 1965 ورغم كثرة المؤتمرات والندوات التي أقيمت حول قضية الحوار بين الحضارات والثقافات فإن الهوة ما فتأت تزداد اتساعا بين الإسلام والغرب، ودعا إلى القيام بما أسماه >إعادة تأسيس جذرية لما نطلق عليه القانون الدولي والأنظمة الدينية للاعتقادات واللااعتقادات والهيئات اللائكية والدينية<، وإعادة كتابة تاريخ للشعوب موسوم بالتضامن، والبحث عن إجابات ملائمة لتطلعات الشعوب في التحرر والتنمية من خلال الإفادة من الفوارق بين الثقافات.
وكانت الورقة الأخيرة لجمال الدين بن الشيخ(الجزائر) حول >فيما وراء الاختلافات: مسلك للأمل ضد مخاطر القرن الجديد<، حيث دعا المثقفين والكتاب والمفكرين إلى أن يفكروا في المبادلات الواضحة الموجودة خارج دائرة السلطة والربح التي لا ترمي إلى التماثل وإنما إلى الإغناء عن طريق الاختلاف، وإلى استيعاب الآخر والوعي بالمتعدد.
وعن أهمية الحوار بين الثقافات وأطراف الحوار قال الدكتور رفعت سيد أحمد الباحث المصري لـ>الكلمة<: >أعتقد أن حوار الثقافات ضرورة، وقد أصبح اليوم ضرورة ملحة، لما يحيط بنا من تحديات كبرى، وعلى رأسها نهب الثروات في بلداننا ومساندة إسرائيل وغير ذلك، فمن واجبنا أنه إذا فتحت أمامنا نافذة للحوار مع الآخر أن لا نغلقها، فقط علينا هنا أن نحدد ماذا نقصد بالآخر، وما هي ضوابط وحدود هذا الحوار، وحول أي قضايا. في هذا الإطار علينا أولا أن نخرج من الآخر الكيان الصهيوني، وأن نخرج من الآخر التسلط الأمريكي الرسمي، وأن ندخل في الآخر كل منظمات المجتمع المدني العالمية التي تساند حقوقنا العربية والإسلامية، وتقف بقوة ضد الهيمنة والغطرسة الأمريكية، ثانياً علينا أن نضع ضوابط للحوار، من بينها أن لا يكون حوارا في المطلق، بل أن يكون حواراً حول قضايا محددة، وفي تقديري القضيتان العادلتان اليوم المطروحتان على أمتنا هي قضية العدوان على العراق، والعدوان على فلسطين وامتصاص ثرواتنا وخيراتنا<.
ورداً على سؤال يتعلق بمدى إمكانية نجاح مثل هذا الحوار مع الغرب وعن حظوظه قال سيد أحمد في تصريحه لنا: >نعم، أعتقد أن هناك حظوظا لمثل هذا النجاح، ولكنها تحتاج إلى صبر طويل وأيضا إلى تنظيم صفوفنا نحن منظمات المجتمع المدني العربي والإسلامي، وأقصد بذلك المنظمات والأحزاب والصحافة والهيئات والمستقلين، نحتاج إلى تنظيم حوار أولا بيننا وبين أنفسنا، ثم تنظيم حوار بيننا لوضع أجندة للتحاور مع الآخر على أساسها، وأن لا نكون أصواتا متناثرة، ثانيا نحتاج أيضا لأن نقاوم نحن هنا الغرب الذي فينا، الغرب المتسلط، أن نقاوم الاستبداد والفساد والهيمنة الفردية من قبل كثير من الأنظمة العربية والإسلامية، فإذا قاومنا هذا الغرب القبيح الذي فينا، واتحدنا على برنامج حقيقي، بعد ذلك نستطيع أن ننطلق لحوار مع القوى الخيرة في الغرب وأن نوسع المساحات أمامها، وأن نجذبها إلينا عبر مشتركات نضالية وجهادية معا، إذا تم ذلك وفق هذا البرنامج فإن العالم في تقديري سيتغير وفي غضون عشر أو عشرين عاما إلى الأفضل<.
ـ الانطباع الذي ترسخ لدى جل المتابعين للندوة أن هذه الأخيرة خرجت عن موضوعها وافتقدت إلى الحوار الذي من أجله حضر كل المشاركين، وهو ما جعل المفكر المصري الدكتور السيد يسين يقول لنا خارج القاعة ساخرا بأن الندوة فيها >كل شيء إلا الحوار
ـ مستشار العاهل المغربي حسن أوريد نسي خلال إحدى الجلسات أنه مسير لا متدخل وأخذ يتكلم عن الروايات التي قرأها وعارض أحد المشاركين وصحح الفرق بين البربر والأمازيغ، مما جعل المتابعين يتبادلون النظرات في صمت يعبر عن الاستغراب.
ـ غاب المفكر المغربي علي أومليل الذي كان سيشارك ضمن أحد محاور الندوة، فقد تغيب عن الحضور ربما لانشغاله بتعيينه سفيرا في دمشق بعد أن شغل هذا المنصب في القاهرة.
ـ الباحث الفرنسي جورج لابيكا روى للحاضرين طرفة فرنسية، تقول أن الفرنسيين يعتقدون بأن أصل >الكسكس< المغربي من بلاد الغال، وأخذه المغاربة عنهم ثم عاد إلى فرنسا مجددا، ليقول بأن هناك جهلا بالاختلاف بين الثقافات.
ـ أثار حضور المستشرق الأمريكي برنارد لويس اهتمام الحاضرين لوجود اسمه على قائمة المشاركين في الندوة، ولكنه تغيب في اليوم الأول وقيل إنه لن يصل إلا في اليوم الثاني، وعندما حضر ألقى مداخلة غير تلك التي كانت مبرمجة لدى الجهة المنظمة للندوة وأعطى >أمره< بعدم توزيعها، مما غلب الظن بأنه جاء في >مهمة< عاجلة، خصوصا وأنه مباشرة بعد إلقاء مداخلته غادر القاعة هاربا من النقاش، ووقف لحظات قصيرة في انتظار السائق الخاص ثم رحل، الأمر الذي دفع الباحث المغربي بنسالم حميش في نفس الجلسة إلى الاحتجاج على هذا >الهروب< لمستشرق معروف بكتاباته المعادية للإسلام والمسلمين دون أن ينصت للآخرين أو يستمع لتعقيباتهم على ورقته، فقاطعه الجزائري الفرنسي مالك شبل الذي كان يسير الجلسة رافضاً إعطاء الكلمة للمعقبين، وبعد الجلسة غادر مالك نفسه القاعة ولم يحضر إلى الجلسات الأخرى، وتساءل حميش غاضباً في حديث إلى >الكلمة< كيف يحضر مالك شبل إلى المغرب على حساب وزارة الثقافة من تذكرة الطائرة إلى الإقامة في فندق خمسة نجوم ثم لا يتابع وقائع الندوة؟، مع أنه لم يكن مبرمجاً ضمن المشاركين ولكن جيء به فقط ليكون مسيراً لجلسة واحدة.
ـ المفكر الجزائري محمد أركون كان يعاني من نزلة برد وحاول رغم ذلك متابعة جميع الجلسات، وعندما جاء دوره خيم الصمت على القاعة وتحدث بفرنسية طليقة دون ورقة كما فعل أكثرية المشاركين العرب.
ـ كان مقرراً أن يحضر ناعوم تشومسكي المفكر الأمريكي وعبدالله العروي المفكر المغربي لكنهما اعتذرا.
ـ المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد كان مبرمجاً ضمن الحضور ولكنه رحل قبل الندوة، الأمر الذي دفع المشاركين إلى تنظيم ندوة تكريمية له في ختام يومها الثالث.