شعار الموقع

الفكر التربوي عند مالك بن نبي

عبدالحليم مهورباشة 2019-05-26
عدد القراءات « 5734 »

 

 

الفكر التربوي عند مالك بن نبي..

دراسة في الأسس والمنطلقات

عبدالحليم مهورباشة*

*          أستاذ محاضر بقسم علم الاجتماع، كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة محمد لمين دباغين سطيف2، الجزائر. البريد الإلكتروني: halimbacha680@yahoo.fr

 

 

 

مقدمة

تناول مالك بن نبي معظم موضوعاته الفكرية والاجتماعية والثقافية تحت مسمّى مشكلات الحضارة، وبمنهجية علمية رصينة يغلب عليه طابع التحليل المعرفي للقضايا، تمكّن من تفكيك المشكلة الحضارية في العالم الإسلامي إلى عناصرها الثلاثة: (التراب، الإنسان، الوقت).

اتّخذ مالك بن نبي من الحضارة وحدة للتحليل التاريخي، راسمًا شروط ميلادها وأسباب انحطاطها، ومقتربًا من فكرة دور الروح عند شبنجلر في بزوغ حضارة ما، وفكرة التحدّي والاستجابة عند توينبي في نشأة الحضارات عبر التاريخ، ومختلفًا معهما في رؤيته لأسباب النهضة الحضارية، حيث أرجعها إلى الفكرة الدينية، ومتّفقًا معهما في حتمية سقوط الحضارات. ولم يكن همّه المعرفي تقفي مسار التاريخ ودارسة حوادثه، بقدر ولعه بفكرة تحفيز الأمة الإسلامية للدخول في دورة حضارية جديدة.

من هذا المنطلق، أراد مالك بن نبي بناء مشروع فكري نهضوي تهتدي به الأجيال المسلمة في عملية البناء والتجديد الحضاري، وصاغ فرضية فكرية مفادها؛ أن المشكلات التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية ما هي إلَّا مشكلات حضارية بالأساس، فلا يمكن برأيه تحليل وتفسير المشكلات السياسة والاقتصادية والثقافية التي تعيشها الأمة الإسلامية بمعزل عن الرؤية الحضارية الشاملة التي تولّدت عنها.

لذلك، أردنا في هذه المقالة العلمية أن نسلّط الضوء على الفكر التربوي عند ابن نبي، ومبرّرنا في هذا التناول المعرفي مردّه الفشل الذريع الذي منيت به المشاريع الإصلاحية المتعدّدة المشارب والمختلفة الأيديولوجيات التي عرفتها الأمة العربية والإسلامية، والشواهد الواقعية خير دليل على ذلك، حيث فاقمت هذه المشاريع من حدّة المشكلات وزادت من معدلات الانحطاط والتردّي الحضاري، لأنها في تصوّرنا لم تُعنَ بمشكلة الإنسان المسلم بقدر عنايتها بالبيئات التي يحياها فيها هذا الإنسان، وغاب سؤال التربية في مدوناتها الفكرية.

أما المبرّر الثاني لاشتغالنا على هذا الموضوع، فنرى أن المسألة التربوية تكتسي أهمية بالغة في زمننا الراهن، نظرًا للضغوط التي أصبحت تفرضها ظاهرة العولمة على الأفراد والمجتمعات، حيث تعمل على تنميط للأفراد والجماعات وفق البراديغم الاستهلاكي، وتسعى إلى القضاء على الخصوصيات الثقافية للمجتمعات الإنسانية بحجة كونية النموذج الحضاري الغربي. لذلك، يصبح السعي إلى بناء الذات المسلمة لمواجهة التحديات الخارجية أكثر من مجرّد ترف فكري، والوسيلة المثلى تكون عن طريق بناء فلسفة تربوية جديدة تستهدي بها الأجيال المسلمة للدخول إلى دورة حضارية جديدة.

والقصد من التربية أنها رؤية فلسفية منطلقة من الذات الحضارية الإسلامية أكثر منها مشكلة مناهج ووسائل بيداغوجية كما تطلعنا به الدراسات التربوية، التي تفتقر إلى الإطار النظري والتصوّري للفعل التربوي في أبعاده الثقافية. فالتربية -من منظور مالك بن نبي- هي أداة معرفية وتطبيقية لتجسيد المشروع النهضوي للأمة الإسلامية.

لذلك جاءت هذه المقالة للوقوف على المعالم الرئيسية للفكر التربوي في المشروع الفكري النهضوي لمالك بن نبي، من خلال الكشف عن علاقة الرؤية الحضارية بالفكر التربوي، والصلة بين الثقافة والتربية في المجتمعات الإنسانية، وموضع العقل التطبيقي في الفكر التربوي عند مالك بن نبي.

أولًا: الأبعاد الحضارية للفكر التربوي عند مالك بن نبي

يشغل مفهوم الحضارة مكانة مركزية في المشروع الفكري عند مالك بن نبي، فأعطى لها بعدًا وظيفيًّا، يتمثّل في «مجموعة الشروط الأخلاقية والمادية التي تتيح لمجتمع معين، أن يقدّم لكل فرد من أفراده، في كل طور من أطوار وجوده، منذ الطفولة إلى الشيخوخة، المساعدة الضرورية له في هذا الطور أو ذاك من أطواره»[1].

وهي ذات جانبين؛ الجانب الذي يتضمّن شرطها المعنوي، في صورة إرادة تحرّك المجتمع نحو تحديد مهامّه الاجتماعية والاضطلاع بها، والجانب الذي يتضمّن الشروط المادية في صورة إمكانات، أي إنه يضع تحت تصرّف المجتمع الوسائل الضرورية للقيام بمهماته، أي وظيفته الحضارية؟

يوضح مالك بن نبي هنا الجدلية التي تربط الفرد بالحضارة، فتغذيه الحضارة بالقيم الأخلاقية من جهة، وتهيّئ له كل الظروف المادية للاندماج فيها من جهة أخرى.

ثم حلّل مالك بن نبي الحضارة إلى جملة عناصر رئيسية، من خلال عملية استقرائية لمنتجاتها، فتوصل إلى أن كل منتج حضاري يحتوي على العناصر التالية: الإنسان + تراب + وقت، والتأليف بين هذه العناصر يشكّل ما يعرف بالحضارة. وبتطبيق التحليل الكيمائي للعناصر الطبيعية على المنتجات الحضارية، توصّل بن نبي إلى أن المركب الكيمائي الذي يربط بين عناصر الحضارة يتمثّل في المركب الديني.

من هذا التحليل الكيميائي للمنتجات الحضارة، حصر مالك بن نبي مشكلات الحضارة في مشكلات العناصر التركيبية لها، وهي ثلاثة مشكلات جوهرية؛ مشكلة الإنسان ومشكلة الوقت ومشكلة التراب.

وبما أن الوقت والتراب معطيات أنطولوجية وجودية تمتلكها الإنسانية جمعاء، فتبقى المشكلة الجوهرية؛ مشكلة الإنسان، وكل تفكير في مشكلة الإنسان هو تفكير في مشكلة حضارته. انطلاقًا من هذا البعد رسم مالك بن نبي المخطط الحضارة المعروف بأطواره الثلاثة، ورأى أن كل حضارة تقع بين حدّين اثنين: «الميلاد والأفول، ونحن نملك نقطتين من دورتها، باعتبارهما ليستا محلّ نزاع، والمنحى البياني يبدأ بالضرورة من الأولى في خط صاعد، ليصل إلى النقطة الثانية في خط نازل... أما الطور الانتقالي الذي يتوسّط هذين الخطين في طور وسيط، هو طور الأوج ولو حاولنا ترجمة هذه الاعتبارات في صورة تخطيطية لحصلنا على المخطط التالي»[2].

في ضوء ما سبق، نستنبط أهم المعالم الحضارية للفكر التربوي عند مالك بن نبي في النقاط التالية:

1- المعلم الأول الذي ينبغي أن ينبني عليه الفكر التربوي في العالم العربي والإسلامي؛ النظر إلى الفكر التربوي وفق رؤية حضارية شمولية، ويعني بوضوح أن مشكلات التربية والتعليم في العامل العربي والإسلامي هي من طبيعة حضارية، وليست من طبيعة سياسية أو ثقافية أو اقتصادية.

وكما هو معلوم التربية تعنى بصناعة الإنسان، وعليه تعتبر مشكلة الإنسان المسلم مشكلة ذات أبعاد حضارية، وعليه، مشكلة التربية ليست من طبيعة فردانية، مثلما تذهب بعض المقاربات التربوية إلى اعتبار أن مهمة التربية تتمثّل بالأساس في تنمية القيم لدى الفرد ليندمج في المجتمع.

ومن جهة أخرى، بما أن الدين يعتبر بمثابة المركّب الكيميائي الذي يدمج العناصر التركيبية للحضارة، فهذا يعني أن أحد المعالم الرئيسية التي ينبني عليها الفكر التربوي تتمثّل في استيعاب الإنسان المسلم للمركّب الديني، وهذا لا يعني أن نكسبه تربية دينية، أو نحشو المناهج التعليمية بالخطاب الديني، بل القصد من الدين؛ رؤية إلى العالم، يتلقّفها عقل المسلم ليرتّب في ضوئها عناصر الوجود، ويموضع ذاته في هذا العالم، الأمر الذي يمكنه استعادة حيويته الحضارية، ويسهم في وتوليد العلوم والمعارف.

فالحاصل عند الأجيال المتعلّمة في العامل العربي أنها تعاني من ازدواجية الرؤية للعالم، والأثر السلبي الذي تتركه على نفسية وعقلية الإنسان المسلم، ممّا يحرمه من الفعالية والحيوية، لذلك الفكرة الدينية كعامل نهوض حضاري تحتاج إلى تجذير معرفي وفق المقاربات التربوية المعاصرة، فابن نبي لم يحدّد كيفيات تعليم الدين للناشئة، فهذا البعد الإجرائي متروك للخبراء التربويون.

تفيدنا هذه المعالم الفكرية التربوية في طرح إشكالية التربية في سياقها المعرفي السليم، أما من الناحية الوظيفية، فإن ربط الفكر التربوي بأطوار الحضارة فيساعدنا في عملية التجديد الحضاري في العالم العربي والإسلامي، فنتمكّن من تحديد الغايات والأهداف من العملية التربوية، فلكل لحظة تاريخية فكرها التربوي، وأي إخلال بين اللحظات التاريخية والأفكار التربوية تنعكس سلبيًّا على المجتمعات الإسلامية.

مثلًا في مرحلة الطور الروحي، يكون الفرد في هذه المرحلة «عند نقطة الصفر في الصورة التخطيطية أي في حالة الفطرة، وحيث تجيء الفكرة الدينية تتولّى إخضاع الغرائز بعملية شرطية ليس من شأنها القضاء على الغرائز، ولكنها تتولّى تنظيمها في علاقة وظيفية مع متطلّبات الفكرة الدينية، حيث يمارس الإنسان حياته حسب قانون الروح»[3].

نستنبط من هذا القول، أن وظيفة التربية الرئيسية عند ابن نبي تتمثّل في ضبط غرائز الإنسان وتهذيبها؛ لأن إنسان هذه المرحلة لا يصحّ من الناحية التربوية أن نلقّنه خطابًا تربويًّا عقلانيًّا، وهو لا يزال يخضع سلوكه إلى غرائزه الحيوانية، وبالتالي، سيوظف عقلانيته في إشباع غرائزه، وهو الأمر الواقع عندنا في العالم العربي، لذلك أحسن مقوّم للغرائز الإنسانية سيكون الدين لطابعه الروحي، وبعد أن تنطلق الحضارة يغيّر المجتمع من مناهجه التربوية تمشيًا مع وظائفه التاريخية.

2- يسهم البعد الوظيفي للتربية وفق الرؤية الحضارية من شحذ همم الناشئة، التي تقع عليها مهمة النهضة، وبتعبير السوسيولوجيين: تشكيل الكتلة التاريخية الفاعلة التي تحرّك المجتمع، وتخرجه من حالة الجمود والانغلاق، ويقع على هذا الجيل مهمة التأسيس والانطلاقة الحضارية، وليس هناك في الوجود من قوى محفّزة للإنسان المسلم مثل الدين، الذي يربط الإنسان بغايات تتجاوز وجوده الآني والظاهري.

ما نلاحظه اليوم في العالم العربي عمومًا هو التناقض بين مخرجات التربية وأسواق العمل، فتتمثّل الوظيفية الرئيسية للتربية والتعليم عندنا في إكساب الناشئة مهن مستقبلية، في حين تعاني مجتمعاتهم من تردّي على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، ممّا يجعل غالبية المتعلّمين محبطين، لأنهم لم يكتسبوا من التعليم والتربية سوى المهن التي تضمن لهم الحياة المادية في المستقبل، في حين لا تضمن لهم مجتمعاتهم أبسط الوظائف والمهنة التي تعلّموها.

مثلًا نلاحظ في المجتمع الجزائري ذلك التناقض بين الأعداد الكبيرة للمتعلّمين وبين استيراد المجتمع لكل المنتجات الاقتصادية من الدول الخارجية، وكأن المنظومة التربوية لا تقوم إلَّا بتنمية الضياع.

3- هناك نتيجة أخرى نستنبطها من ربط الفكر التربوي بالرؤية الحضارية؛ هو الاستحالة الكيفية لاستيراد المنظومات التربوية من المجتمعات الغربية، نظرًا للاختلاف في اللحظة التاريخية من جهة، وللاختلاف الرؤية الحضارية التي تأسّست عليه تلك المنظومات عبر صيرورة تاريخية امتدت لقرون من جهة أخرى.

في الأخير، إذا كان منظّرو علم الاجتماع التربوي الوظيفي يرون أن التربية عبارة نسق فرعي يقع في علاقة تساندية وتكاملية مع بقية أنساق المجتمع، «فإن هذا الاتجاه يرى أن النظام التربوي يكون بنية فرعية داخل البنية المجتمعية الشمولية العامة. وبما أن هذه البنية الشمولية منظمة ومحكومة بقوانين وقواعد ضابطة، فإن جميع البنى الفرعية –ومن ضمنها النظام العام أيضًا- لا يمكن إلَّا أن تخضع لقوانين البنية العامة، وإلَّا أن تقوم بوظائف وأدوار نسقية التحديد، ومنسجمة مع غايات وأهداف ووظائف النظام القائم»[4].

بالنسبة لمالك بن نبي الفكر التربوي هو النسق الفرعي المتولّد من الرؤية الحضارية الكلية، وهنا حلّ مشكلة الإنسان يتمّ عن طريق التربية ليتحوّل إلى إنسان لديه القابلية لصناعة الحضارة، والعمل على الزيادة من فعاليته، «التربية الإسلامية تغيير في السلوك وتنميته، إلى الدرجة التي تمكّن الإنسان من الإسهام الفعّال في تحقيق حاجات الحاضر، ومواجهة تحديات المستقبل، وتسخير موارد البيئة وخبرات الماضي، عبر رحلة النشأة والحياة والمصير»[5].

ومن زاوية أخرى، إذا كانت التربية أداة للهيمنة الاجتماعية بالنسبة لعلم الاجتماع التربوي الماركسي، فليست الغاية من التربية كنسق معرفي حضاري تحرير الإنسان من الاستبداد والقمع السياسي بل الزيادة من فاعلية الإنسان المسلم، ليتمكّن من ترميم شبكة علاقاته الاجتماعية ويحدّ من تضخّم أناه - ذاته، ويحوّل الفكر التربوي الإنسان المسلم من شخص إلى فرد، ويحوّل المجتمع من مرحلة المجتمع الطبيعي إلى مرحلة المجتمع التاريخي.

ثانيًا: دور القيم الدينية في تقويم السلوك الإنساني

لا توجد منظومة تربوية بدون مرجعية ثقافية وحضارية تؤطّرها وتوجّهها، وما تعدّد الثقافات الإنسانية إلَّا خير دليل على تعدّد المنظومات التربوية، فكل مجتمع إنساني ينسج منظومته التربوية بحسب رؤيته الحضارية، «فلكل منظومة حضارية رؤية كونية تخدمها وتفعّلها منهجية التفكير، كما أن لكل منهجية مبادئ تهتدي بها وتحدّد لها مخرجات الفكر، وكلمّا كانت هذه المنهجية على شاكلة رؤيتها الحضارية ورؤيتها الكونية، كانت هذه المنهجية فعّالة منتجة»[6].

وعلى هذا الأساس، تنبثق الفلسفات التربوية من مبادئ الرؤية الكونية لمجتمع ما، والفكر التربوي هو مجموعة الأفكار التي توجّه الفعل التربوي انطلاقًا من مبادئ الرؤية الكونية الحضارية (طبيعة الوجود، مفهوم الإنسان، نظرية المعرفة، نظرية القيم).

وفق هذا المنظور، يرى مالك بن نبي أن كل حضارة تنطلق من فكرة دينية، فالدين -كما ذكرنا في السابق- يعتبر المركب الكيميائي الذي يعمل على مزج عناصر الحضارة الثلاثة: (التراب والوقت والإنسان)، وبالتالي، «إن دور الدين الاجتماعي منحصر في أنه يقوم بتركيب يهدف إلى تشكيل قيم، تنقله من الحالة الطبيعية إلى وضع نفسي زمني، تنطبق على مرحلة معينة لحضارة، وهذا التشكيل يجعل من الإنسان العضوي وحدة اجتماعية ويجعل من الوقت اجتماعيًّا... ومن التراب الذي يقدّم بصورة فردية مطلقة غذاء الإنسان في صورة استهلاك... إذن فالدين هو مركب القيم الاجتماعية»[7].

ومن هذا التحليل الاجتماعي للدين، فإن الفكر التربوي المراد بناؤه تكون أحد معالمه الرئيسية القيم الدينية، بمعنى صياغة الفكرة الدينية في شكل قيم تربوية تعيد إلى الإنسان المسلم فعاليته الحضارية، «ومن وجه نظر تربوية يشير مالك بن نبي إلى دور الفكرة الدينية في عملية تتكيف التربوي لشخصية الإنسان وتنظيمه سلوكه وفقًا لنوعية العلاقة التي تربطه بالمجتمع»[8].

وفي عالمنا العربي والإسلامي، يظل الدين الإسلامي المرجعية الأساسية الخالدة التي توجّه الإنسان المسلم في الحياة الدنيوية، والنور الرباني الذي يستهدي به في هذا الوجود، وتزخر نصوص التراث الإسلامي بالعديد من المبادئ التربوية التوجيهية، التي تحتاج فقط إلى إعادة تثوريها لتتماشى مع متطلبات العصر.

والإسلام ليس مجموعة الطقوس والشعائر التعبديّة فقط، «بل الإسلام هو الدين الذي يتعالى على تأثيرات التطوّر الإنساني ولا تحكمه أوضاع التاريخ، وبما أن القيم التي ينطوي عليها قيم مطلقة، فإن ذلك يعني أن الإسلام نظرته المطلقة لله تعالى والكون وللحقيقة والإنسان، وأن له تفسيره الخاص لمفهوم الحقيقة في أبعادها الوجودية والكونية والنفسية، وأن له رؤيته الكلية للوجود»[9].

لذلك يؤكد مالك يؤكد أن العنصر الديني: «عامةً –فضلًا على أنه يغذي الجذور النفسية العامة فيما بيننا، فإنه يتدخل مباشرة في الشخصية التي تكوّن الأنا الواعية في الفرد، وفي تنظيم الطاقة الحيوية التي تضعها الغرائز في خدمة هذا الأنا»[10].

إن القيم الدينية المنبثقة عن الرؤية التوحيدية تكتسب موضوعيتها في ميدان العلاقات الاجتماعية، وتسهم في عملية التجديد الحضاري في العالم العربي والإسلامي، فتتأثر حركة الحضارة سلبًا أو إيجابًا «بثبات القيم الروحية والأخلاقية، وما كان لأي عامل آخر سواء كان العلم أو الفن أو العقل، إن يكون معوضًا للجانب الروحي ودوره في توطيد أركان البناء الحضاري»[11].

فتحويل القيم الدينية إلى منظومة قيم تربوية يضمن لنا أولًا؛ تكوين المرجعية القاعدية للشخصية الإسلامية، وثانيًا؛ العمل على الحد من الغرائز والحفاظ على الطاقة الحيوية للمسلم، ممّا يؤدّي إلى الزيادة من فعالية الفرد المسلم في المجتمع، ويسهم في ترميم شبكة العلاقات الاجتماعية على المستوى الاجتماعي والأخلاقي، فيتمكّن المجتمع من أداء دوره الحضاري في التاريخ.

يسهم الفكر التربوي الذي يكون الدين الإسلامي إطاره المرجعي في خلق التناغم والانسجام في البنية النفسية والعقلية للفرد المتعلم، حيث يكون هناك اتّساق بين الخطاب التربوي الذي يتلقّاه المتعلّم وبين الرؤية الكونية التي يحملها، وبالتالي، تؤدّي عملية التوافق في المرجعية بين الخطاب التربوي والخلفية الثقافية للإنسان المسلم إلى زيادة فعالية التعليم واكتساب المعارف والعلوم، حيث «إن التربية إذا وضعت بصورة منهجية صحيحة تمنع من دون ريب وقوع التشويش والاضطراب العام الذي يؤدّي إلى زيغ والانحراف في العقل والعمل»[12].

يؤدّي الوعي المعرفي بأن لكل فكر تربوي مرجعيته الحضارية إلى الكفّ عن استيراد المنظومات التربوية من المجتمعات الأخرى؛ لأنه عمليًّا وواقعيًّا وما هو موجود في كل المجتمعات الإنسانية؛ أن لكل منظومة تربوية مرجعيتها الحضارية والثقافية الخاصة بها، فإذا استوردنا المنظومات التربوية فإنها تُحدث تناقضًا في شخصية المتعلّم بين رؤيته الحضارية (الإسلامية) التي تلقّاها من مجتمع وأسرته، وبين الرؤية الحضارية المبثوثة في المنظومات المستوردة.

ممّا يؤدّي إلى تكوين شخصية متعلّمة تعاني من الازدواجية، تعمل طيلة حياتها العلمية والعملية على التوفيق بين الرؤيتين المتناقضتين، ممّا يحدّ من فعاليتها الحضارية والثقافية والاجتماعية، وهذا ما تعاني منه المجتمعات الإسلامية تحت مسمّى ثنائية التعليم (التعليم المدني - والتعليم الديني).

وهذا ما وقف عليه مالك بن نبي في دراسته حول المدرسة الحديثة التي أدخلها المستعمر بجوار المدرسة العربية التقليدية، ممّا أدّى إلى تكوين نخبتين متناقضتين على مستوى الفكر والرؤية والمنهج، فكان الصراع صفة حتمية بينهما ممّا أدّى إلى تبديد طاقات المجتمع في معارك هامشية، وامتدّت هذه الثنائية في التعليم إلى التعليم الجامعي في البلاد العربية والإسلامية، فتركت آثارًا سلبية على مختلف المستويات الفكرية والدينية والاجتماعية، وأدّت إلى عطالة فكرية وعقلية لدى الإنسان العربي والمسلم المعاصر.

وقد وصف ناصر الحوامدة هذه الثنائية قائلًا: «أدّى انشطار التعليم إلى تعليم ديني وآخر مدني إلى انفصال عميق في عقل المسلم تجاه المشكلات الخطيرة التي تعيشها المجتمعات الإسلامية على ضوء التقدّم الحضاري الهائل في المعرفة وتنوّع مصادرها وحرية الوصول إليها»[13].

وفي الأخير، يعمل الدين كمنظومة قيمية وأخلاقية على تنمية الجوانب الروحية للإنسان وتزكيتها، فيكون الفكر التربوي الذي يتأسّس على الرؤية الدينية متوافقًا مع مرحلة الروح في مخطط الأطوار الحضارية، ذلك الطور الذي يجب أن يسيطر فيه عالم الأفكار على عالم الأشياء والأشخاص؛ «لأن التاريخ يبدأ بالإنسان المتكامل الذي يطابق دائمًا بين جهده وبين مثله الأعلى وحاجاته الأساسية، والذي يؤدّي في المجتمع رسالته المزدوجة، بوصفه ممثلًا وشاهدًا»[14].

ثالثًا: مركزية الإنسان في الفكر التربوي عند مالك بن نبي

ليس كعادة الفلاسفة والمفكرين المولعين بتشييد المشاريع الفكرية المثالية وبناء الأفكار والتصوّرات والمفاهيم الطوباوية، وبعيدًا عن المماحكات الجدلية التي تستنفذ الجهد والطاقة وتصرف العقل إلى القضايا الهامشية، لم يحاجج مالك بن نبي في كتاباته المختلفة أصحاب المدارس الإنسانية التي تُعنى بمفهوم الإنسان، لتثبت قيمته ومركزيته عبر التاريخ البشري، بل راح الرجل متأثرًا ومستأنسًا بمنهجية العلوم الاجتماعية في تناوله للمشكلات الاجتماعية والثقافية التي يحياها الإنسان المسلم في بلورة رؤيته الفكرية لمفهوم الإنسان المسلم.

وتمثّلت أول خطوة منهجية في مقاربته الفكرية، تحليله للمشكلات الواقعية التي يحياها الإنسان المسلم، من خلال اتّصاله الدائم بالواقع الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع الجزائري المسلم، معتبرًا إياه عينةً جزئيةً تمثّل تمثيلًا كليًّا باقي المجتمعات العربية والإسلامية، ومبتدئًا بملاحظات منهجية غاية في الدقة حول شخصية الإنسان الجزائري، ومحلّلًا شبكة علاقاته الاجتماعية معتمدًا على التوصيف العلمي للإنسان المسلم المتحقّق في العالم الاجتماعي، فوسمه مالك بن نبي بإنسان ما بعد الموحدين، ذلك الإنسان الذي «تسيطر عليه الغرائز وهو يوافق المرحلة الأخيرة في النموذج الحضاري الذي شيّده، فيقول «إنسان ما بعد الموحدين في أي صورة كان: باشا معلمًا أو مزيفًا أو مثقّفًا مزيّفًا أو متسوّلًا يعدّ عمومًا عنصرًا جوهريًّا فيما يضمّ العالم الإسلامي من مشكلات منذ أفول حضارته»[15].

واعتبر أن أزمة العالم الإسلامي تتمثّل في أزمة الإنسان المسلم، أن أي تشخيص يبتعد عن الإنسان هو يضع القضية في شكلها الزائف، «فالشخص في ذاته ليس مجرّد فرد يكون النوع، وإنما هو الكائن المعقّد الذي ينتج حضارة»[16].

ولا تتعلّق مشكلة العالم الإسلامي في قلّة الموارد المالية والمادية كما ذهبت إلى ذلك العديد من المقاربات الاقتصادية، التي تناولت مشكلة التخلّف الذي تحياه المجتمعات المسلمة، ولا من طبيعة سياسية كما تدّعي المقاربات السياسية المعاصرة، التي تُرجع أزمات العالم العربي إلى غياب النموذج الديمقراطي السياسي، فجوهر الأزمة وعمقها يتعلّق بالإنسان المسلم، «المسلم هو الإنسان الذي خرج من الحضارة، وكابد مؤثرات هذا الخروج من وجهة النظر الذهنية، وهذا الإنسان لا يزال في الحالة النفسية المتطابقة مع الأشياء»[17].

وعليه، إن الفكر التربوي المراد تشييده يضع الإنسان المسلم في عمق أطروحاته، المسلم الذي خرج من حضارة وهو بصدد العودة إليها، المهمة الأساسية للتربية كيف نعيد الحيوية لهذا الإنسان، الذي فقد فعاليته، وأصبح يطابق بين ذاته وبين عالم الأشياء.

لاحظ مالك بن نبي أن الإنسان المسلم هو عاطل ومتبطّل، يعاني من مشكلتين: إحداهما سيكولوجية بمعنى نظرته لذاته، والأخرى اجتماعية أي العلاقة الاجتماعية التي تربطه ببقية أفراد المجتمع، ووفق هاتين المشكلتين؛ يفقد الإنسان المسلم الفعالية الحضارية المطلوبة، «إن الصفة الاجتماعية التي تغلب على هذا الإنسان وهي: الفردية التي يغلب عليها تضخّم الأنا ممّا يجعل العمل الاجتماعي المشترك أمرًا مستحيلًا، فالإنسان هو العنصر الأساسي في الحضارة يجب تحريره من عقدة النقص والانبهار بما في الحضارة الغربية، وتحريره من المواريث الثقافية لمجتمع ما بعد الموحدين: كالتواكل والكسل، وعدم العمل، وليس المهم -كما تتصوّر الفلسفات الاجتماعية الحداثية- أن نبدل لهذا الإنسان لبسه ونوع سيارته، بل يجب أن نحدّد له الرؤية الحضارية التي تمكّنه من الفعالية، والتي تعيد مجتمعه إلى التاريخ، لأن النهضة هي أن نجمع بين العلم والضمير، بين الخلق و الفن، وبين الطبيعة وما وراء الطبيعة، حتى يتسنّى له أن يشيّد عالمه طبًقا لقانون أسبابه ووسائله، وطبقًا لمقتضيات غاياته»[18].

وتأسيسًا على التحليل السابق، يتبيّن لنا أن الفكر التربوي عند مالك بن نبي يرتكز على مفهوم الإنسان المسلم، الذي ينبغي أن تليه المنظومات التربوية في المجتمعات العربية والإسلامية الأهمية البالغة، طبعًا بالإضافة إلى تطوير جملة الوسائل والمناهج والطرائق التعليمية.

ويتمّ توليد هذا الفكر التربوي من الرؤية الإسلامية الحضارية، عن طريق تحويل القيم الإسلامية إلى قيم أخلاقية تربوية تعيد للإنسان المسلم الثقة بذاته عن طريق تنمية جوانبه الروحية، وتعمل تلك القيم على جعل العلاقة الاجتماعية بين الأفراد عبارة عن علاقات روحية أكثر منها علاقات تعاقدية.

رابعًا: تأثير القيم الاجتماعية والثقافية
على القيم التربوية في الفكر التربوي عند مالك بن نبي

أشارت العديد من الدارسات التربوية في العالم العربي إلى أن إفلاس المنظومات التربوية يرجع إلى البعد المضموني لمحتوياتها التعليمية، التي عادة ما يتمّ استيرادها من المنظومات المجتمعية الخارجية التي تختلف رؤيتها الحضارية جذريًّا عن الرؤية الإسلامية الحضارية، ممّا يؤدّي إلى عدم الاتّساق بين الخطاب التربوي والواقع الاجتماعي والثقافي لهذه المجتمعات، ممّا يولّد تلك الثنائية التي تهيمن على عقلية المتعلّمين في العالم الإسلامي.

فيعمل الإنسان المسلم على التوفيق والربط بين الرؤيتين؛ الرؤية الحضارية المحلية والرؤية الحضارية المستوردة، ممّا يحدّ من نشاطه الفكري والعقلي والإبداعي ويزجّ به في متاهات هامشية؛ كإثبات صحة إحدى الرؤيتين، بدلًا من الاشتغال على القضايا المعرفية التي تساعد مجتمعاتنا في عملية التجديد الحضاري، «فالتربية العربية لم تمارس دورها الحضاري المنشود، بل كانت وما زالت تمارس دورًا أيديولوجيًّا سلبيًّا وُظّف، وما يزال يُوظّف، في خدمة مصالح الصفوة الاجتماعية والنخب السياسية، دون أن تمارس فعلًا حضاريًّا نهضويًّا أو حداثيًّا يدفع بالشعوب العربية إلى مسارات الحضارة والتقدّم»[19].

تتوالد عن هذه الثنائية التعليمية؛ ثنائية الأصالة - المعاصرة، التي يبدو أنها لن تنتهي في المنظور القريب، ومن جهة أخرى، هناك ثنائية لا تقلّ حدّة عن الثنائية الأولى، وتتجلّى في عدم التساوق ين الخطاب التربوي والواقع الثقافي للمجتمعات الإسلامية، ممّا يؤثّر سلبًا في المتعلّمين، الذين يجدون أنفسهم حائرين بين مثالية ما يتعلّمون من قيم أخلاقية سامية وبين واقع اجتماعي وسياسي يحتكم إلى منظمومة قيم مغايرة، «ففي الوقت الذي يلحّ فيه الخطاب التربوي على أهمية اكتساب العلم والمعرفة وضرورة النجاح في الدراسة لضمان المستقبل، تؤكّد الشواهد الواقعية أن قضاء سنوات طوال على مقاعد الدراسة، قد لا تحقّق لصاحبه المكانة الاجتماعية التي يحلم بها»[20].

تؤثر هذه العلاقة الجدلية بين التربية والثقافة في منظومة القيم لدى الإنسان المسلم، فإمّا يغلّب القيم الثقافية التي يكتسبها من المجتمع المحلي، والتي عادة ما يكون متنافية مع المضامين التربوية التي يتلقّاها في المدارس والجامعات، وإّما ما يكتسبه من قيم تربوية يعمل بها على تحطيم قيمه الثقافية والحضارية.

تنبَّه مالك بن نبي من ملاحظاته الميدانية إلى هذه العلاقة الجدلية بين البيئة الاجتماعية - الثقافية والبيئة التربوية، وتأثيراتها على الفعل التربوي، فاتّخذ من المدرسة نموذجًا للدراسة التحليلية الكاشفة لنمط هذه العلاقة، فعمل على ضبط مفهوم الثقافة، حيث تناول مفهومها في مختلف الفلسفات الإنسانية (الرأسمالية، الاشتراكية)، لكنه قصد من سرد هذه المفهومات أن تُسهم في توضيح الصلة بين الثقافة وروح المجتمع الذي أنتجها، «فالثقافة بصورة عملية مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي يتلقّاها الفرد من ولادته، كرأسمال أولي في الوسط الذي يولد فيه، والثقافة هي المحيط الذي يشكل فيه الفرد طباعه وشخصيته»[21].

إذن، مفهوم الثقافة عند مالك بن نبي يختلف عن مفهوم الثقافة التي يتمثّلها غالبية أفراد المجتمع الإسلامي، والذين عادة ما يركّزون على البعد المعياري في تمثّل مفهوم الثقافة، فيعرفونها على أنها جملة المعارف والعلوم التي يختزنها الفرد في ذاكرته، وله القدرة الذهنية على استحضارها في أية لحظة زمنية.

أما مفهوم مالك بن نبي للثقافة فهو مشتق من الواقع الإنساني المعيش، وبتعبير الباحثين في العلوم الاجتماعية: الرجل بلور مفهومًا إجرائيًّا للثقافة كممارسات سلوكية في المجتمعات الإنسانية.

من هذا المنطلق، عملية التأسيس للفكر التربوي في أي مجتمع لا تضع البعد الثقافي في قضاياه محكوم عليه بالفشل الذريع؛ لأن الثقافة تتقاطع مع الفكر التربوي في مجال القيم الأخلاقية، والأصل تبعية الثاني للأولى، ويهدف كليهما للتأثير في السلوك الإنساني، فالتربية الاجتماعية وسيلة «فعّالة لتغيير الإنسان، تعلّمه كيف يعيش مع أقرانه، وكيف يكون معهم مجموعة القوى التي تغيّر شرائط الوجود نحو الأفق دائمًا، وكيف يكون معهم شبكة العلاقات الاجتماعية التي تتيح للمجتمع أن تؤدي دوره في التاريخ»[22].

والحاصل في المجتمعات الإسلامية التي خرجت من الدورة الحضارية عدم التطابق بين القيم التربوية التي تتلقّاها الناشئة وبين القيم الثقافة التي تسود المجتمع، فتصبح التربية أداة للتغيير الاجتماعي المطلوب، ووسيلة لإحداث القطيعة مع الممارسات الثقافية المجتمعية، التي تكون في الغالب الأعم تأثيراتها سلبية على الفرد والجماعة والمجتمع.

فإذا نظرنا إلى إنسان ما بعد الموحّدين نجده يحتكم في سلوكه إلى غرائزه الطبيعة؛ لأنه يعيش في مرحلة التحلّل التاريخي لمجتمعه، ويصبح عالمه الثقافي مفرغًا من عالم الأفكار ومملوءًا بعالم الأشياء، فيتصوّر حل مشكلاته المختلفة من منظور الشيئية، ولا تسلم النخبة العارفة والمثقفون من هذه الشيئية، التي تختزل حلّ مشكلات الاجتماعية الإنسان المسلم في استيراد الأشياء (السلع والمنتجات الغربية) وتكديسها، سعيًا منه للحاق بالمجتمعات الغربية.

تسرّبت هذه الشيئية إلى الفكر التربوي في عالمنا العربي، فبدلًا من أن ننمّي لدى الإنسان المسلم الفكر وطرائق المعرفة في حلّ المشكلات، أعلت التربية العربية «من قيمة الشيء وجعلته أعلى من التربية ذاتها، إن التسليع التربوي هو عملية تؤدّي إلى تشييء التربية بعد تشييء الإنسان، حيث إنه يحوّل التربية إلى سلعة تباع وتشترى، فالثقافة المتشبعة بالاتجاه السلعي كثيرًا ما تتميّز تربيتها بالطابع السلعي»[23].

ويؤدّي حتمًا التشيّئ التربوي إلى الحد من فاعلية الإنسان المسلم، وأثبت مالك بن نبي هذه الفرضية من ملاحظاته للمدرسة الاستعمارية، فالجزائري الذي تعلّم فيها ليست له الفعالية نفسها التي لدى الأوروبي أو اليهودي الذي تعلّم معه في المدرسة نفسها، فتوصّل إلى نتيجتين، نحن اليوم وفي إطار التأسيس للفكر التربوي المستند إلى الرؤية الإسلامية الحضارية في أمس الحاجة للانتباه لهما، وهما:

1- يرى ابن نبي أن الفرد لا يدين بصفاته الاجتماعية لتشكيله المدرسي، ولكن بشروط خاصّة بوسطه الاجتماعي، وهو ما نلاحظه في المجتمع الجزائري؛ رغم زيادة عدد المتعلّمين إلَّا أن أنماط السلوك تبقى خاضعة لطبيعة البيئة الاجتماعية، فتنتقل السلوكيات السلبية من المجتمع إلى المؤسسات التربوية والتعليمية، كالعلاقات القرابية والقبلية ودورها في عمليات التقويم التربوي، والزبونية بين المعلّم والمتعلّم في منح العلامات والامتيازات للطلاب وغيرها.

2- ويرى ابن نبي أن سلبية الفرد المسلم إزاء المشكلات التي تواجهه، تنبع من وسطه الاجتماعية، فتفشل التربية في صنع الإنسان الفاعل في الحياة الإنسانية، وهو الملاحظ في المجتمع الجزائري؛ يزداد عدد المتعلّمين والحاملين للشهادات الجامعية لكن لا يُسهم هؤلاء في حلّ مشكلات مجتمعهم، بل أصبحوا عالة عليه من ناحية مطالبتهم إياه بتوفير مناصب عمل لهم في المؤسسات الحكومية.

ترتيبًا على هاتين النتيجتين، توصّل مالك إلى صياغة مفهوم للثقافة، «فالثقافة ليست ظاهرة صادرة عن المدرسة ولكنها ظاهرة صادرة عن البيئة»[24].

ومنطوق هذا المفهوم، أن جذور الثقافة تتعلّق بالممارسات الاجتماعية، ولا علاقة للمدرسة أو التربية في صناعتها؛ لذلك إذا لم يتنبَّه القائمون على شؤون التربية والتعليم إلى القيم الثقافية المتولّدة عن البيئات الاجتماعية، والتي تكون منظومتها القيمية أقوى من منظومة القيم التي تسعى المنظومات التربوية لترسيخها لدى المتعلّمين، فإن القيم التي تنميها التربية تعمل على تحطيمها القيم الثقافية المجتمعية السلبية، فالملاحظ في مختلف الأقطار العربية أنه كلّما زادت معدلات القراءة والكتابة زادت معدلات التفقير والسلوكيات العنيفة.

ويؤدّي الشرخ بين المنظومتين القيميتين إلى اغتراب خريجي التربية والتعليم عن واقعهم المجتمعي من جهة، والحدّ من فعالية القيم التربوية من جهة أخرى. يقترح مالك بن نبي حلًّا لهذه المشكلة، من خلال صياغة فكر تربوي ضمن إطار المشروع الثقافي للمجتمع، «فالمدرسة عامل مساعد من عوامل الثقافة، ولأنه يُخطئ في تقدير وظيفتها عندما نعتقد أن في إمكانها أن تحلّ مشكلة الثقافة وحدها، وهي لا يمكن أن تقوم بدور عامل مساعد إلَّا في حدود التي تندمج فيها وظيفيًّا ضمن الخطوط الكبرى للمشروع الثقافة»[25].

تأسيسًا على هذا الفرز المنهجي بين مفهومي الثقافة والتربية عند مالك بن نبي، نتوصّل إلى الخلاصات التالية:

1- الفكر التربوي الذي تتسامى مضامينه على الروح الثقافية للمجتمع العربي والإسلامي، لن يستطيع أن يولّد مشروعًا نهضويًّا عمليًّا، بل سيزيد من الشرخ بين التصوّرات والمفاهيم التي تقوم منظومات التربية بتلقينها للمتعلّمين وبين التصورات والمفاهيم التي تنسجها الثقافة المجتمعية، ممّا يؤدّي إلى عطالة فكرية على المستوى العلمي والعملي للمتعلّمين، ويعيق عملية التجديد الحضاري المنشودة.

2-إن الفكر التربوي الذي يتولّد عن الرؤية الحضارية الإسلامية ينبغي أن ترافقه بالضرورة عملية بناء لمشروع ثقافي متولّد من الرؤية نفسها، لضمان الاتّساق المطلوب بين البعد التربوي والبعد الثقافي، وهذا لحماية القيم التربوية من الانهيار تحت تأثير محدّدات البيئات الاجتماعية، وخلق أوساط اجتماعية تنمو وتربو فيها القيم التربوية الإيجابية، فالمقاصد الرئيسية للفكر التربوي تتمثّل في الزيادة من فعالية الإنسان المسلم، و ترميم شبكة العلاقات الاجتماعية في المجتمع.

3- ينمي الفكر التربوي القيم الفكرية والروحية على حساب القيم الشيئية، ويضع في قلب العالم الثقافي جدلية الفكرة والشيء، فليست مهمة المنظومات التربوية إعداد أفراد يتوافقون مع مهن المستقبل، بل إعداد أفراد حاملين لرسالة إسلامية حضارية، والدور المنوط بهذا الفكر في غاياته النهائية هو الحفاظ على الهوية الحضارية للمجتمع الإسلامي وتعزيزها.

خامسًا: محورية العقل العملي في الفكر التربوي عند مالك بن نبي

في الغالب الأعم، يُعنى الأفراد في العالم العربي والإسلامي بالمشاريع الفكرية التي تشرح مأساتهم الحضارية وتحلّل أسباب انحطاطهم، وكأنها تتحوّل إلى نوع من تلذّذ ذواتهم المهزومة المقهورة بآلامها الوجودية، فغالبًا ما يغيب عن العقل الإسلامي البعد العملي والجانب التطبيقي للأفكار والمشاريع الفكرية.

وتختصر الأزمة في الثرثرة الكلامية حول المشكلات، وتتوقّف العقول عند حدّ الوصف والتشخيص، وتفرّ العقول من طرح الحلول والبدائل، وكأنها تفتقد إلى الآليات والطرائق التي تمكّنها من تحويل الأفكار الإنسانية إلى مشاريع عملية، فيستغرق الباحث العربي كل جهده وطاقاته في الشرح والتحليل، «فيقف الفكر العربي على أعتاب قرن جديد وهو لا يزال مثقلًا بالتصوّرات الظنيّة والأوهام والأحلام، ومفتقرًا في المقابل إلى التأسيس المعرفي البحثي فيما يختصّ بمعرفة الذات والآخر والعالم المحيط»[26].

منذ عصر النهضة والعرب المسلمون يولّدون المشروع الفكري تلو الآخر، ما أن ينطفئ عقد زمني، حتى تنطفئ معه أحلام وأوهام تلك المشاريع الفكرية. ونحن بعد العقد الأول من القرن الواحد والعشرين نكاد نجزم أننا لا نزال في مرحلة الصفر الحضاري، إن لم ننزل مع ثورات الربيع العربي إلى ما دون ذلك.

تنبَّه مالك بن نبي لهذه الهوّة السحيقة التي تفصل بين الفكر والواقع، وهو ما حمله إلى نقد الحركة الإصلاحية في الجزائر، التي رأى أنها تُعنى بالجوانب اللفظية واللغوية والأبعاد المنطقية لمشاريعها الفكرية دون أن تفكّر في تنزيلها على أرض الواقع، ورأى أنها تعكس أزمة المسلم بصفة عامة، قائلًا: «إن الذي ينقص الإنسان المسلم ليس منطق الفكرة، ولكن منطق العمل والحركة، فهو لا يفكر ليعمل، بل ليقول كلامًا مجرّدًا بل الأكثر من ذلك فهو أحيانًا، يبغض أولئك الذين يفكّرون تفكيرًا مؤثّرًا، ويقولون كلامًا منطقيًّا من شأنه أن يتحوّل الفكر إلى نشاط وعمل»[27].

أما السؤال الذي يطرح بإلحاح عن الأسباب الفعلية التي أدّت إلى الهوّة الفاصلة بين الفكر والواقع في العالم العربي والإسلامي، فيرى ابن نبي أنها تتعلّق بجملة الشروط النفسية لإنسان ما بعد الموحّدين، التي جعلته مصابًا بالذّهان؛ «فيجعل للأمر أحد الاحتمالين: فهو إما سهل جدًّا، وإما صعب جدًّا، دون أن يعترف بينهما بوسط»[28].

تؤدّي هذه الحالة السيكولوجية الذّهانية إلى عدم قدرة الإنسان المسلم على بناء أفكار سليمة، فتشلّه على التفكير الصائب تجاه المشكلات التي تعترضه، ومن ثَمَّ يعاني من احتباس على المستوى الفكري، يضعه دائمًا في هوّة نفسية بين ما يفكر فيه وبين ما هو موجود على أرض الواقع.

والشق الثاني من الإجابة عن هذا السؤال، تتعلّق بالمحيط الثقافي الذي يعيش فيه الإنسان المسلم، فيعاني من فقر الأفكار كعَرَض طبيعي لحالة الانحطاط والجمود ممّا يضطرّه إلى استيراد الأفكار، دون الوعي المنهجي بأنها فقدت فعاليتها في أوساطها الثقافية الأصلية، «فيجد الفكرة التي فقدت إشعاعها الاجتماعي، وفي الجهة المقابلة الفكرة ذات الإشعاع القاتل، الفكرة الميتة: هي الفكرة التي خذلت الأصول، فكرة انحرفت عن مَثَلها الأعلى، والفكرة الميتة: هي الفكرة التي فقدت هويّتها وقيمتها الثقافية بعد أن فقدت جذورها التي بقيت في مكانها في عالمها الأصلي»[29].

والمحصلة النهائية؛ أن هذه الأفكار التي فقدت إشعاعها في الماضي أو في الحاضر تحدّ من فعالية المسلم، وتُسهم بطريقة خفيّة في توسيع الهوة بين الفكرة والواقع، «فالمسلم الذي تمّ تشكيله على مقاعد الدراسة، كان من الناحية الاجتماعية أقلّ فعالية من زميله الأوروبي أو اليهودي كما لو كان مصابًا بمعامل النقص»[30].

إن الفصل بين النظر والفعل في حياة الإنسان المسلم، ليس السبب الوحيد في جمود الفكر الإسلامي، إنما يعود في جزء منه إلى عدم قدرة العقل الإسلامي على توظيف الفكر العلمي في معالجة مشكلاته، بل تحوّل العلم لأحد مظاهر الزينة الاجتماعية، «فلم يكن العلم الذي نأخذه من جامعات الغرب وسيلة للإسعاد، بل كان طريق للمظهرية، لم يكن العلم استنباطًا لحاجة المجتمع يريد معرفة نفسه ليحدث تغييرها، بل لم يكن استظهارًا للبيئة يبحث عنها لتغييرها»[31].

وفق هذا التصوّر البراغماتي للمعرفة العلمية، تصبح الحاجة ملحّة إلى فكر تربوي تنمّي مناهجه التعليمية من قيمة العقل التطبيقي للإنسان المسلم، حتى يُدرك بعمق الجوانب العملية لكل فكرة إنسانية، ويؤسّس لمناهج دراسية وتربوية تعمل على تخليص ذهنية الإنسان المسلم من مرض الذّهان، الذي يكبحه عن العمل ويشلّ قدرته العقلية على التفكير، ومن جهة أخرى، ننمّي فيه ملكة البحث عن طرائق وأساليب تمكّنه من الرصد المنهجي للمشكلات والعمل على حلّها.

إذا أردنا بلورة فكر تربوي يُسهم في تنمية الملكة العملية لدى الناشئة، فإننا مطالبون بصياغته وفق مشروع ثقافي شامل، تكون من المهام الأساسية لهذا المشروع التجديدي العمل على تطهير ذهنية المسلم المعاصر من الأفكار الميتة؛ تلك الأفكار التي تنتمي إلى بيئته الثقافية والاجتماعية، لكنها فقدت بريقها وقدرتها على معالجة المشكلات.

وفي المقابل، تطهير ذهنيته من الأفكار القاتلة؛ التي تأتي من بيئات مغايرة للرؤية الحضارية الإسلامية، فاقدة لروحها وفاعليتها الحضارية، فمثلًا لا يمكن أن نستورد مناهج دراسية أو تعليمية من البيئات الغربية تحت حجة أنها حقّقت فعالية في تلك المجتمعات، لأننا نسقط هنا من أذهاننا الاختلاف الثقافي والحضاري والتاريخي بين المجتمعات.

في الأخير، يُسهم الفكر التربوي المتولّد عن الرؤية الإسلامية الحضارية في ميلاد حركة علمية في المجتمعات العربية والإسلامية، لأننا هنا نؤسّس لمبدأ مهم في أية نهضة وهو؛ الاتّساق بين الرؤية الكونية للإنسان المسلم والعلم المراد تشييده، فيرى مالك بن نبي أن العلم في الأعم الأغلب في العالم الإسلامي لم يكن آلة للنهضة بقدر ما كان زينةً وترفًا، وهو ما بدأ ينتبَّه إليه مؤخرًا الباحثون العرب، فيقول سمير أبو زيد: «أصبحت قضية التأسيس العلمي للنهضة العربية إعادة تأسيس مفهومنا العلمي لطبيعة علاقتنا المجتمعية والمادية، بحيث يقوم هذا المفهوم على أساس التصورات العليمة المعاصرة وعلى أساس الاتساق مع النظرة العربية –الإسلامية-إلى العالم، وبحيث يصبح مفهومنا العلمي بعد عملية التأسيس جزءًا من جوهريًّا من الأسس الفكرية التي يعتنقها أفراد المجتمعات العربية على وجه العموم»[32].

خاتمة

نخلص بعد هذا التحليل المعرفي لمعالم الفكر التربوي عند مالك بن نبي إلى جملة النقاط التالية:

أولًا: تتمثّل المعالم الرئيسية للفكر التربوي عند مالك بن نبي في علاقة التربية بمشكلات الحضارة، وتتشكّل الحضارة من ثلاثة عناصر رئيسية هي: التراب والوقت والإنسان، ويعدّ عنصر الإنسان المشكلة الرئيسية والمحورية. وعليه، كل تناول لمشكلة الإنسان بمعزل عن السياق الحضاري لا يُسهم في فهمها فهمًا عميقًا.

وكلّ فكر تربوي لا يضع في عين الاعتبار الطور التاريخي الحضاري يكون مآله الفشل الذريع، ويتعلّق الفكر التربوي عند مالك بن نبي بدور القيم الدينية في تربية الناشئة، حيث تُسهم القيم الدينية في كبح الغرائز النفسية، الأمر الذي يؤدّي إلى فاعلية الإنسان المسلم، والإسلام أعظم ديانة تُعلي من القيم الروحية، التي تُسهم في تنمية قيم التضحية والعمل.

ثانيًا: تعتبر معالم الفكر التربوي عند مالك بن نبي بمثابة بوصلة معرفية نسترشد بها في التأسيس لفكر تربوي إسلامي. ففي تصوّرنا المتواضع أننا في حاجة إلى القيام بجهد معرفي مضاعف، الأول؛ في اتجاه التراث الإسلامي لنستقرئ أهم معالم النموذج التربوي الإسلامي، لنعيد الوصل بأجزائه التربوية المضيئة، والثاني؛ في اتجاه النموذج التربوي الغربي، للاستفادة من جوانبه الإجرائية كالمناهج وطرائق التدريس، ويقع العبء على خبراء التربية في العالم العربي والإسلامي لتحويل هذه المنطلقات الفكرية التربوية إلى برامج تدريسية ومناهج تعليمية.

ثالثًا: لا يقصد من تأسيس فكر تربوي إسلامي معاصر إدخال بعض التحسينات الجمالية على المناهج التعليمية، كإدراج مفاهيم من قبيل مفهوم المجتمع المدني، مفهوم الديمقراطية،...إلخ في المناهج الدراسية، فمشكلة التربية أعمق من هذه التعديلات السطحية، التي تحاول أن تُوائم بين الإسلام كمنظومة قيمية وبين بعض قيم الحداثة الغربية، بل ينبغي التفكير في بلورة فكر تربوي إسلامي من خلال إشراك أكبر قدر ممكن من الباحثين، الذين ينتمون إلى تخصّصات معرفية مختلفة (علوم التربية، علم الاجتماع التربوي، العلوم الإسلامية، علوم الحديث...).

رابعًا: ولا يعني مطلقًا تأسيس الفكر التربوي الإسلامي إضافة بعض الآيات والأحاديث للمضامين التربوية، بل يعني التفكير من طرف خبراء تربويون في صياغة مشروع تربوي متكامل الجوانب، وليس كما يتوهّم بعض الباحثين والمتحمّسين للفكر التربوي الإسلامي، حين يقدّمون بعض المقترحات العملية لإصلاح التعليم والتربية في الأوطان العربية؛ اقترح إطالة الفسحة التي يأخذها التلاميذ حتى يتسنّى لهم أداء صلاة الظهر في المدرسة في موعدها، «هذه المطالب في غاية النبل، ولكنها لا علاقة لها بالمستوى المعرفي الكلي والنهائي؛ إذ يظل السؤال المطروح هو: ماذا عن مضمون الدراسة قبل الصلاة وبعدها؟ ماذا عن منهج الدراسة ككل، ومجموعة النماذج والقيم الكامنة فيها؟ وبعد أن يؤدّي الطلبة الصلاة، هل سيذهبون إلى أستاذهم يحدّثهم عن حتمية تقدّم العلوم، ويبيّن لهم أن العلم قد حقّق هذا التقدم، لأنه نشاط محايد مجرّد من الأخلاق ينظر العالم باعتباره كمًّا محضًا، أم أنه سيستخدم نموذجًا إسلاميًّا؟»[33].

 


 



[1] مالك بن نبي، شروط النهضة، دمشق: دار الفكر، 1987، ص 45.

[2] مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، دمشق: دار الفكر، 1959م، ص100.

[3] مالك بن نبي، شروط النهضة، مصدر سابق، ص 60.

[4] محسن مصطفى، في المسألة التربوية نحو منظور سوسيولوجي منفتح، الدار البيضاء - المغرب: المركز الثقافي العربي، 2000، ص43.

[5] ماجد عرسان الكيلاني، تطور مفهوم النظرية التربوية الإسلامية، دمشق: دار ابن كثير، 1987، ص12.

[6] عبدالحميد أبو سليمان، الرؤية الحضارية القرآنية، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 2009، ص19.

[7] مالك بن نبي، ميلاد مجتمع، دمشق: دار الفكر، 1986، ص35.

[8] عمر النقيب، مقومات مشروع بناء الإنسان الحضاري في فكر مالك بن نبي التربوي، الجزائر: الشركة الجزائرية اللبنانية، 2009، ص69.

[9] العطاس سيد محمد نقيب، مداخلات فلسفية في الإسلام والعلمانية، ترجمة: محمد طاهر الميساوي. ماليزيا: المعهد العالمي للحضارة الإسلامية، 2000، ص149.

[10] مالك بن نبي، ميلاد مجتمع، مصدر سابق، ص72.

[11] سليمان خطيب، فلسفة الحضارة عند مالك بن نبي، بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1993، ص142.

[12] العطاس سيد محمد نقيب، مداخلات فلسفية في الإسلام والعلمانية، مصدر سابق، ص149.

[13] الخوالدة ناصر حمد، ثنائية التعليم وآثارها في البلاد الإسلامية، بيروت: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2010، ص623.

[14] مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، دمشق: دار الفكر، 1986، ص32.

[15] مالك بن نبي، المصدر نفسه، ص38.

[16] مالك بن نبي، ميلاد مجتمع، ص29.

[17] مالك بن نبي، القضايا الكبرى، دمشق: دار الفكر، 1991، ص125.

[18] مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، ص29.

[19] علي أسعد الوطفة، معادلة التنوير في التربية العربية رؤية نقدية في إشكالية الحداثة التربوية، في كتاب: التربية والتنوير في تنمية المجتمع العربي، عبدالله عبدالدائم وآخرون، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2008، ص71.

[20] محمد بوقشور محمد، الخطاب التربوي وتنمية القيم في النظام التعليمي الجزائري، مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية، منشورات جامعة سطيف، 2009، ص266.

[21] مالك بن نبي، شروط النهضة، ص89.

[22] مالك بن نبي، المصدر نفسه، ص89.

[23] السورطي يزيد عيسى، السلطوية في التربية العربية، الكويت: المجلس الأعلى للعلوم والثقافة، 2009، ص133.

[24] مالك بن نبي، القضايا الكبرى، مصدر سابق، ص77.

[25] مالك بن نبي، المصدر نفسه، ص81.

[26] محمد جابر الأنصاري وآخرون، نحو مشروع نهضوي عربي، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2001، ص326.

[27] مالك بن نبي، شروط النهضة، ص103.

[28] مالك بن نبي، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي دمشق: دار الفكر، 1984، ص66.

[29] مالك بن نبي، المصدر نفسه، ص153.

[30] مالك بن نبي، القضايا الكبرى، ص74.

[31] مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، ص38.

[32] أبو زيد سمير، العلم والنظرة العربية للعالم، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2009، ص17.

[33] عبدالوهاب المسيري، في الدرس المعرفي، مجلة إسلامية المعرفة، بيروت: المعهد العالمي للفكر الإسلامي،2000، ص48.