شعار الموقع

مشكلات التأويل السوسيولوجي في المجتمع العربي ..

أنور مقراني 2019-05-26
عدد القراءات « 816 »

 

 

مشكلات التأويل السوسيولوجي

في المجتمع العربي في ظل المناهج الغربية المعاصرة

الدكتور أنور مقراني*

 

* جامعة سطيف 2، الجزائر. البريد الإلكتروني: anouar01dz@yahoo.fr

 

 

 

مقدمة

من المهمّ التنويه أن عصر التحديث الذي عرفه الإنسان المعاصر، كان حصيلة تطوّر المعارف العلمية منذ القرن السادس عشر الميلادي (عصر النهضة، التنوير، الثورة الصناعية). وأن مسار تشكّل العقل العلمي كان مليئًا بالعقبات والإنجازات على حدٍّ سواء.

لكن ما يحسب اليوم لهذا العقل قدرته على اصطناع أدواته المعرفية، التي قادته إلى تحقيق طفرة في تقدّم المعرفة الإنسانية بكل صورها المختلفة (الفيزياء، الطبيعيات، الإنسانيات والاجتماعيات،...).

إن مسار تشكّل هذه المعرفة العلمية تجاذبته في واقع الحال سيرورات زمنية وفكرية شدّته في كل مرة إلى القطائع والتراكمات، التي أفضت به إلى إنشاء الجديد الذي تترجم في شكل حقول علمية أو نظريات أو قوانين...

ولعل مقولة أنشتاين بليغة في تصويرها لما قلناه آنفًا: «إن تكوين نظرية جديدة لا يشبه هدم كوخ وبناء ناطحة سحاب بدلًا منه، بل هو أقرب شبهًا بحال رجل يتسلّق جبلًا فيتّسع أفق نظره، ويرى آفاقًا جديدة كلما ازداد ارتفاعًا، ويرى طرقًا ومسالك جديدة تصل بين البقاع الموجودة في سفح الجبل ممّا كان يتعذّر عليه رؤيتها لو لم يبرح هذا السفح».

الملاحظة الأخرى التي ينبغي الإشارة إليها، أن بناء المعرفة العلمية في مختلف العلوم نتاج عملية دياليكتيكية تتفاعل داخلها التصوّرات النظرية والمنهجية بالأساليب والإجراءات التجريبية والميدانية المتفاعلة، هي بدورها مع خصوصية كل موضوع علمي أو دراسي، فضلًا عن ذلك التداخل والتلاقح والتقاطع الذي تمّ فيما بين هذه العلوم على مستوى المفاهيم والمناهج والتقنيات والإجراءات والنظريات.

وهو ما أفضى إلى الصياغة الإيبستمولوجية الرائدة التي حدّدها غاستون باشلار لماهية التشكّل الموضوعي للحدث أو الظاهرة أو الواقعة أو الفعل العلمي المستشكل، وذلك عندما حدّد بشكل دقيق أن الموضوع العلمي يُستكشف ويُبنى ويُعاين. وهذه الأزمنة الثلاثة هي مراحل معرفية وإدراكية حاسمة في العلم من حيث:

- زمن استكشاف الموضوع (le conquérir) وما يفترضه من قطع مع التماثلات أو الحس المشترك.

- زمن البناء النظري للموضوع (le construire) اعتمادًا على المفهومات والعلاقات المنطقية والاحتمالات والتفسير.

- زمن المعاينة أو الملاحظة الإدراكية لأثر الموضوع العلمي (le constater)، وما ينجر عن ذلك من تجريب واستدلال وإثبات وتفنيد. ومثلما ما هو معلوم فإن الأزمنة الثلاثة ليست منفصلة في منظور الإيبتسمولوجيا المعاصرة، بقدر ما هي لحظات متداخلة ومتراكبة.

على أن تكامل هذه المعرفة مع الحقيقة العلمية يكون فقط باعتماد آليات الطريقة الصحيحة، بمعنى آخر أن المعرفة العلمية موجودة لا بموضوعها فحسب ولكن بالطريقة التي أوصلت إليها ومنحتها لازمة الوجاهة والتي تسميها الأدبيات بالمنهجية، والتي تحقّق ثلاثة أغراض: تقدّم قواعد للتواصل، تقدّم قواعد للاستدلال العقلي المنطقي الصادق، وقواعد للتداخل الذاتي (إمكانية التشارك بالمعرفة).

تسمح ثلاثية الأنظمة السالفة الذكر بفهم وتفسير ذواتنا والبيئة المحيطة بها، فيما تفشل الأنظمة الأخرى (السلطوي، الروحي، العقلاني)، المنتجة للمعلومات عن فعل ذلك.

عطفًا على ما سبق نسجّل أن المعرفة العلمية التي صاغها العقل الغربي أنتجت في واقعنا العربي مشكلة تشظي المجهودات العلمية، وتقوقعها في دائرة إعادة الإنتاج للأنساق الفكرية الغربية، ولم تستطع بالتالي مدّ العقل العربي بأدوات يصطنعها هو لأجل قراءة الواقع.

حتى أن استلابية هذا العقل العربي غفلت عن الكنه الموضوعي للمنهج الذي صاغه العقل الغربي، حيث يقول بيير بورديو: «لا يصح أن ندرس المنهج بمعزل عن الأبحاث التي يستخدم في سياقها، إذ ما نحصل عليه، في هذه الحال، لن يتعدى كونه دراسة ميتة تعجز عن تلقيح الذهن الذي ينكب عليها»[1].

هذه المشكلة لا تزال إلى اليوم يُشتغل عليها ضمن ثنائية التراث والحداثة أو الوافد والمحلي وإلى مسميات أخرى، لا تساهم إلَّا في تعزيز الانغلاق والدفاع عمَّا تنسبه مدارس الاستشراق عن حال المجتمع العربي.

مثل هكذا أزمة لا نسحبها على العلوم الإنسانية الغربية، وإنما نعزوها إلى نوعية تكوين النخب العربية التي انغمست في انبهار في هذا المنتج الغربي، وأعادت توريث هذا الإبهار للأجيال اللاحقة.

هذا الإبهار الذي كان نتاجًا طبيعيًّا لحالة التخلّف، لم يُمكّن من تحقيق قفزة نوعية في إنتاج أدوات الفهم والتحليل، ولكنه دعم أكثر سطوة الإنتاج الغربي وأدواته.

وبقراءة نقدية لمجموع المنتج العربي في ميدان علم الاجتماع، فإنه من المهم إجراء قراءة ذاتية تحدّد مكمن الخلل في عدم تحوّل الأبحاث والدراسات القطرية والمحلية والعربية إلى عمل تكاملي على مستوى الفرع المعرفي نفسه، وبين مختلف الفروع العلمية الأخرى المشكّلة للعلوم الإنسانية والاجتماعية.

وأيضًا نجد من اللازم من الناحية العملياتية أو التدخلية الاستفهام عن ماهية وحدود المعرفة السوسيولوجية التي أنتجت، وعن مصير هذا العلم في ظل عدم قدرته على تقديم رؤاه وتفسيراته لصالح النخب السياسية والاقتصادية والأهلية (الطلب الاجتماعي).

أولًا: العلوم الإنسانية والاجتماعية.. سؤال الكينونة

لن ندخل في التفريعات التاريخية التي أدّت إلى بزوغ العلوم الإنسانية والاجتماعية في القرن التاسع عشر، ولكن سنحاول البحث في الكيفيات التي جعلت المجتمع ينصت بتمعّن إلى هذه العلوم.

إن تسارع التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أنار التفكير الاجتماعي نحو وجاهة المشكلة التي يعاني منها النسق الاجتماعي العام. والذي كانت مظاهره الحداثية وما انجرّ عنها من تفصيلات على جميع المستويات (العمل، الإجارة، الفقر، المدينة، الريف، التحضّر، المدرسة،...) غامضة.

باختصار، إن المجتمع يعيش قلقًا ما، تترجمه حزمة من الغموض، هذا الأخير عبّر عنه علماء القرن التاسع عشر بمشكلة النظام (Ordre)، فثلاثة من هؤلاء العلماء: أوجست كونت وكارل ماركس وألكسي توكفيل، تبدو أفكارهم مختلفة بل ومتناقضة، غير أن اتّساقًا نظريًّا وتفكيريًّا يبرز عندما نحاول البحث في مشتركات هؤلاء. فحركة الفكر لديهم تشكّلت في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وموضوعهم الرئيس هو «وضعية المجتمعات الأوروبية بعد الثورة»، فصبّوا اهتمامهم نحو معاني المجتمع الجديد الذي نشأ بعد انجلاء الأزمة.

في الظاهر نلحظ تباينًا في رصد معالم هذا المجتمع، فبالنسبة إلى كونت المجتمع هو صناعي، ماركس هو رأسمالي، توكفيل هو ديمقراطي. وعليه فاختيار معلم الصفة أي صفة المجتمع كشف الزاوية التي تطلع بها كل واحد منهم لحال زمانه.

بالنسبة لكونت يتميّز المجتمع الصناعي باضمحلال البناءات الاقتصادية واللاهوتية، ويكمن الحلّ في تحقيق ما يسميه الإجماع الذي يستعيد التجانس للمعتقدات الدينية والأخلاقية.

في حين يحلّل ماركس المجتمع من خلال التناقضات الداخلية للمجتمع الرأسمالي، وفي خاصيات النظام الاجتماعي المرتبط بالرأسمالية. وعلى المنوال نفسه يرى توكفيل أن الحوارية والتطوعية والمعايشة الفردية للحياة التشاركية التي تميّز النظام الاجتماعي الأمريكي، ترسخ في واقع الحال تجذر الصفة الديمقراطية للنظام السياسي والاجتماعي.

أما بالنسبة لكل من دوركهايم وباريتو وفيبر، فهم تقريبًا مولودون في الفترة نفسها (1848، 1858، 1884)، كما أن اهتماماتهم العلمية انطلقت في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، فيما أن إنتاجهم العلمي الأكبر ظهر في بداية القرن العشرين.

الميزة المشتركة بين هؤلاء أنهم ملاحظون مستغرقون في معرفة وضعية المجتمع الأوروبي، على الرغم من تباين السياق القومي والثقافي والديني، إلَّا أن هذا الأخير هو من حدّد جوهر الرؤية التي انطلقوا منها، ومن ثَمَّ في تبنّي النمط المفهومي المعبّر عن معالم المجتمع.

وتباين السياق الثقافي نراه في الانتماء الديني لكل منهم، فالأول يهودي والثاني كاثوليكي والأخير بروتستانتي، كما أنّ الأول متفائل والثاني متشائم فيما الثالث ملاحظ.

إنّ هؤلاء العلماء ليسوا فقط ملاحظين عاديين، وليسوا في وارد جعلهم متضادين ومتصارعين، إنهم يقدّمون لنا صورة متكاملة عن قدرة الإبداع النظري والمنهجي المشتق من السياق الاجتماعي والثقافي والقومي، والذي سمح لهم بالتنبّه للحظة التاريخية الفارقة، التي اغتنموها بنجاح لأجل المساهمة في عملية التغيير الاجتماعي الذي طال النظام.

وعليه كان «إبداعهم يندرج في دياليكتيك الاستمرارية والقطيعة، فتحكّمهم الجيد في فضاء المسائل العلمية جعلهم قادرين على إعداد مسألتهم الخاصة القادرة على تحريك هذا الفضاء»[2].

والدرس الإبستيمولوجي والسوسيولوجي الذي ينبغي استخلاصه هو أن المذاهب السوسيولوجية ليست «مجهودًا لأجل الفهم العلمي فحسب، وإنما هي منطوقات هؤلاء... أو حتى حوار بين هؤلاء في وضعية تاريخية»[3].

وعلى هذه الرؤية برز في أفق الخطاب الاجتماعي تصور جديد لماهية المشكلة ووجهاتها، والقدرة التي أفصح عنها هؤلاء في تتبع آثار التغيّر التي عرفها المجتمع الأوروبي، والتي جعلت من علوم هؤلاء واجهة ومرآة يتكشّف بها النظام عن أوجهه المختلفة.

على هذا الأساس أصبح الهدف الذي تسعى إليه الإنسانيات والعلوم الاجتماعية هو الاهتمام بالقضايا الاجتماعية، وإنتاج معرفة تراكمية قابلة للتحقّق والإثبات، وتسمح بفهم وتفسير الظواهر والتنبؤ بها، وهو ما يتّضح فيما يلي:

1- التفسير: لقد ارتبط هذا المفهوم بالانشغال الفلسفي لديفيد هيوم (1711-1776) عندما عرض نظريته في التفكير العلمي، واستخدم منذ ذلك الوقت هذا المصطلح لربط ظاهرة ما يراد تفسيرها بظاهرة أخرى من خلال قوانين عامة.

وتعتبر هذه الأخيرة بمثابة الإطار العام الذي يشتق منه تفسير خاص، أما في العلوم الإنسانية والاجتماعية فإنها تسعى من خلال التفسير الإجابة عن أسئلة لماذا؟ من خلال تقديم تحليل نظامي وتجريبي للعوامل السابقة التي سبّبت هذا الحدث أو ذاك السلوك. وما يجدر التنويه به أن الأزمات المتعدّدة التي مرّت وتمرّ بها العلوم الإنسانية كانت مرتبطة دوما بمشكل التفسير.

ويلخص ريشارد براثوايت (Richard Braithwaite) التفسير بالقول: «وظيفة العلم هي إنشاء قوانين عامة تغطّي سلوك الأحداث التجريبية أو المواضيع التي تقع ضمن التساؤل العلمي، وهي بذلك تمكّننا من ربط معرفتنا بالأحداث المنفصلة المعروفة، وإنشاء نبوءات موثوقة لأحداث غير معروفة. إذا كان العلم في مرحلة متطوّرة جدًّا... فسوف تشكّل القوانين التي تمّ إنشاؤها هرمًا تندرج فيه القوانين الخاصة كنتيجة منطقية لعدد قليل من القوانين العامة... أما إذا كان العلم في مراحله المبكرة من التطوّر... ستكون هذه القوانين مجرّد تعميمات تتضمّن تصنيفات للأشياء ضمن فئات معينة»[4].

ويمثّل التفسير في العلوم الإنسانية أحد أهم المشكلات التي حاول العقل السوسيولوجي الغوص فيها، لكونه نقيصة طالما أظهرت عجز البحث الاجتماعي عن تحقيق نتائج تقترب ممّا يسميه فلاسفة العلم اليقين. وهو ما جعل بعض النقاد ينعتون العلوم الإنسانية بالتخلّف النسبي، وأن تقديرات الباحثين للظاهرات والأفعال الاجتماعية تتّسم بالتناقض والتنابز، ولم نشهد أبدًا اتّساق هذه النتائج مع مجريات تطوّر هذه الظاهرات.

ومن ثَمّ يصبح تجاوز التخلف هذا مقترنًا بقدرة السوسيولوجيين على تحقيق ما يسميه هومنز (G.Homans) التقنين المنطقي، الذي يؤطّر البحث بالصرامة المنهجية والإبستيمولوجية والإمبيريقية من جهة، ويأخذ في الحسبان من جهة ثانية كون سلوك الأفراد هو من يخلق الخصائص العامة للجماعات.

وبذلك يصبح التفسير ليس تحليلًا وضربًا من ضروب الكشف عن المبادئ التي تقوم عليها الظاهرة، ولكن التفسير هو في جوهره مسار للبحث في كيفية «اختلاط المبادئ العامة -كي تبدو في سلوك كثير من الأفراد والجماعات- على مدى الزمان لتعطي أكثر الظواهر الاجتماعية ثباتا وتحافظ عليها وتغيرها»[5].

ويميّز كارل هامبل (Karl Hampel) وأوبنهايم (P.Oppenheim) بين شكلين من التفسير في العلم اعتمادًا على نوع التعميم الذي يوظّفه التفسير، فنجد التفسيرات الاستنباطية والتفسيرات الاحتمالية[6].

أ- التفسير الاستنباطي: يستلزم توفّر الشروط الموالية: تعميم عام كلي، بيان الظروف التي يجب توافرها حتى يمكن الحكم على صحة التعميم، ظاهرة تحتاج إلى تفسير، قواعد المنطق الصوري المتبعة. ويقوم هذا الشكل من التفسير على مسلّمة أن ظاهرة ما يقع تعليلها من خلال استنباطها من قانون عام، وسمة هذا الأخير أنه يضع كل الحالات ضمن مجاله ولا توجد استثناءات.

ولأن التفسير الاستنباطي يعتمد على المنطق الصوري، فإنه أقوى أنواع التفسيرات العلمية، لأن النتيجة فيه تفترض الصحة لاعتمادها في البدء على المقدمات الصحيحة، كما أنه يفسر الأحداث الفريدة وكذلك السلوكيات الشائعة.

ب- التفسيرات الاحتمالية: نظرًا لخصوصية العلوم الإنسانية التي يتعذّر فيها تحصيل قانون علمي عام يمكن تعميمه على جميع الظواهر، لجأ الباحثون إلى التفسيرات الاحتمالية أو الاستقرائية التي تعبّر عن معدل رياضي بين الظواهر أو التي تعبّر عن النزعة أو الميل (أ تميل إلى أن تُسبب
ع).

2- التنبؤ: يعتبر إنشاء أجوبة توقعية صحيحة من ميزات العلم، ويتوقّف ذلك على كمية ونوعية المعرفة العلمية المتوفّرة عن موضوع معين قيد البحث. كما أن هذه العملية تمثّل من الناحية المنطقية معاكسة لعلمية التفسير، حيث يتمّ الاستعانة بالقوانين والتعميمات الاحتمالية للتنبؤ بحدوث ظاهرة ما إذا توفّرت الظروف المناسبة.

3- الفهم: تشير الأدبيات الاجتماعية إلى نوعين من الفهم، أحدهما عاطفي والآخر تنبّؤي، وهما منبثقان من كون الموضوع في العلوم الاجتماعية متمركز حول سلوك الفرد، وتدخّل العالم الاجتماعي يكون في شكل ملاحظ للظاهرة أو مشارك فيها.

ثانيًا: المنهج والمنهجية

يترادف استخدام مصطلح المنهجية في لسان الباحثين على ثلاثة كلمات وهي: النهج، المنهاج، والمنهج، ولكل منها استخدام محدّد يساهم في توضيح جانب معين من عملية تصميم البحث، فالنهج لغةً الطريق المستقيم الواضح، والمنهاج هو الخطة المرسومة، والمنهج هو جملة من المبادئ التي توجّه كل بحث منظم، جملة من المعايير التي تتيح اختيار التقنيات وتنسيقها»[7].

وينبغي الإشارة هنا إلى كلمة (Méthode) تحمل معاني اصطلاحية مختلفة: الإجراء، عملية لإحراز شيء أو لتحقيق هدف، كما تعني إجراءً نظاميًّا.

وتاريخ هذا المصطلح يرجع إلى القرن السابع عشر مع فرانسيس بيكون وديكارت وجون ستيوارت ميل، ومن بعدهم دوركهايم، وجون ديوي،... حيث تحدّد تعريفه بأنه «الطريق المؤدّي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير العقل وتحديد عملياته، حتى يصل إلى نتيجة معلومة»[8].

قد تقودنا التعريفات المتوفّرة عن المنهج إلى الاستسهال في فهم آلي لعمله، لكن من المفيد التذكير أن المعرفة بالمنهج مبنية على فلسفة التساؤل الاستشكالي لدواعي الاختيار والنجاعة التي يقدّمها كل المنهج أو بعض من خطواته الكلية أو الجزئية، وهو ما بيّنه جون كلود كومبيسي (J.C.Combessie) من أن اختيار منهج ما يندرج في استراتيجية بحث (قيم، أيديولوجيا، تساؤلات، نظريات) توجّه أهداف الباحث، أي إن «المنهج يرشد إلى الطريق، إنه يبيّن ولا يقرر الطريق»[9].

كما يقول عنه بنوا قوتيه (B.Gauthier): إنه «يشتمل على بنية الفكر وشكل البحث والتقنيات المستخدمة لكي تمرّس هذا الفكر وهذا الشكل في الواقع»[10].

ونخلص بذلك إلى القول: إن المنهجية العلمية هي نظام من القواعد الصارمة والصريحة والواضحة، كما تتضمّن إجراءات يُبنى البحث عليها، وتقيّم خلالها جودة المعرفة العلمية المنتجة أو التي يجري البحث عنها.

ما يسجل على منهجية العلوم الإنسانية أنها عرفت تطورًا بطيئًا، قابله نزعة كبيرة لدى الباحثين والعلماء لتبادل الأفكار والانتقادات، التي قادت خلال قرون من الزمن إلى تأسيس مجموعة من القواعد والإجراءات ساهمت في تطوير ما يقابلها من طرائق وأساليب، مكّنت من التواصل والنقد البنّاء والتقدّم العلمي.

ومن بين أهم أدوار المنهجية يمكن أن نعدّد ما يلي:

1- المنهجية تقدم قواعد التواصل: ما بين الباحثين الذين يشتركون أو يرغبون الاشتراك في خبرة علمية ما، بمعنى أن وضوح وعمومية الخطوات المنهجية يؤسّس لإطار علمي للتكرار والنقد والبناء، ويضمن كشف الأخطاء والتضليل والأسلوب المنطقي الذي اتّبع في تفسير الافتراضات.

2- المنهجية تقدم قواعد للاستدلال العقلي: لا يعني أولوية الملاحظات التجريبية في المدخل العلمي، حضور اليقين المطلق، وبالعكس فإن ترتيب الملاحظات وربط الوقائع بعضها ببعض في بنية نظامية منطقية هو من يؤسّس لصدقية ووجاهة المعرفة العلمية المحصلة (المنطق: نظام الاستنتاج العقلي الصادق الذي يسمح بالوصول إلى استدلالات موثوقة من الملاحظات التجريبية).

وبذلك فإن المنهجية العلمية هي ليست في وارد تقديم أجوبة منطقية للخطوات والأساليب العلمية، بل هي مستوجبة لكفاءة عالية في الاستنتاج العقلي المنطقي والتحليل (مبادئ المنطق، قواعد التعريف، التصنيف، أشكال الاستدلالات الاستنباطية والاحتمالية (الاستقرائية)، نظريات الاحتمال، إجراءات المعاينة، نظم التفاضل، قواعد القياس).

3- المنهجية تقدم قواعد للتداخل الذاتي: في الواقع تقدّم المنهجية شرحًا للمعايير «المقبولة للموضوعية التجريبية (الحقيقة) وطرائق وأساليب الصدق». فالموضوعية والصدق متداخلان بدرجة عالية، بمعنى أن موضوعية نتائج معينة (الصدق) يحدّدها مشاركة (التحقّق) العلماء الآخرين في الملاحظات والوقائع.

وعليه فإن أهمية التداخل الذاتي ودلالته تظهر في إمكانية فهم وتقييم الطرائق والأساليب التي يستخدمها الباحثون الآخرون، وإمكانية إجراء ومعاودة البحث (التكرار) وتحصيل ملاحظات مشابهة، لأجل الوصول إلى صدق الوقائع التجريبية والاستنتاجات.

إذن يمكن أن نوجز أن المنهجية هي طريقة تناول الباحث لموضوع دراسته، وحلقة الربط بين الإطار النظري العام وما نريد فهمه، وتشتمل على بنية الفكر، وشكل البحث والتقنيات المستعملة لإسقاط البحث على الواقع.

باختصار، إن المنهجية هي الزمن الذي يتوقّف عليه تأكيد أو رفض الأفكار المبدئية الملاحظة، انطلاقًا من مجابهتها بالأفكار المستخلصة من التجربة والخيال مع ما يقابلها من معطيات ملموسة ونتائج ملاحظة.

ثالثًا: فن التأويل السوسويولوجي

قبل مناقشة مفهوم التأويل السوسيولوجي، نعتقد أنه من الملائم التعريف بالتأويل من حيث بُعديه التاريخي والنظري. فكلمة «هيرمنيوتيك» تعود في أصولها الأولى إلى الإله اليوناني هرمس الذي كان رسول الآلهة إلى البشر الفانين لأجل تلقينهم المعرفة الإلهية (حقيقة العالم) وتأويلها لهم، والتي كانوا عاجزين عن فهمها.

وتميّزت هذه المعرفة الهارميسية بالضمنية والحذاقة والتجزُّؤ بأن تكشف للبشر طريق المعرفة دون أن تكون كاملة، وهذه المقاومة للكمال تعني أن احتجاب الحقيقة في نص أو في شيء أو فعل يبقى مطلقًا في الزمن كي تتجدّد المعرفة وتخلد عند كل الأجيال اللاحقة.

وقد برز التأويل كوسيلة تخليص للمؤمنين المسيحيين، الذي قدّموا قراءة جديدة للتوراة والإنجيل كي يتخلّصوا من سطوة السلطة الكنسية، التي وقفت -حسب اعتقادهم- في وجه التقدّم الذي سعى إليه مفكرو عصر الأنوار؛ ولذلك يشير عدد من الباحثين أن «فهم النص الديني المسيحي أساسًا هو ما أدّى إلى نشأة التأويل أو علم التأويل»[11].

أما العقل الإسلامي فقد عرف فن التأويل منذ اللحظة التي بدأ فيها استنباط الأحكام الشرعية، وحيث إن مدرسة الاجتهاد عرفت توسّعًا كبيرًا في دولة الإسلام منذ اللحظة التي زاد فيها شغف المجتمع الإسلامي على توخّي تحقيق وتمحيص كثير من القضايا التي بدأت تدخل على الفضاء الفكري خصوصًا مع حركة الترجمة وتعدّد المدارس الفقهية والدينية.

لهذا نجد مواقف متباينة حول التأويل بين من يؤيّده وبين من يتحفّظ بشدّة لخطورته على تعنيف النص الديني وتطويعه للمراد المرتجى منه. والتنابز الحاصل حول هذا المفهوم ساهم في تغذية تطرّف كل مدرسة وتحميل التأويل معاني تصوغ بها طريقتها في التعامل مع النص بين الاقتراب العقلي الصرف، وبين الاكتفاء عند الحدود الظاهرة التي يعرضها التفسير.

هذا التهيّب من مفهوم التأويل نجده عند ابن تيمية الذي رأى انقلابًا في استخدام التأويل بين الزمن الأول للسلف وبين ما هو واقع في زمانه، فهذا اللفظ له معنيان عند السلف الأول «(أحدهما) تفسير الكلام وبيان معناه، سواء وافق ظاهره أو خالفه فيكون التأويل والتفسير عند هؤلاء متقاربًا أو مترادفًا... و(المعنى الثاني) في لفظ السلف... من سمّى التأويل مطلقًا هو نفسه المراد بالكلام»[12].

في حين حمله من جاء بعد هذا السلف بمعنى آخر حيث يصرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح، وتوجّس ابن تيمية من التأويل له ما يبرّره، إذا علمنا أن زمن الفتن الذي كان قبله أو عاش فيه، وحال الأمة التي تشرذمت إلى دويلات وممالك، يعتقد أن مردّه بالأساس تسلّط الهوى التأويلي، الذي أعطى شرعية الفعل والفكرة لكل أولئك الذين اعتمدوا النص الديني حجة للمرافعة والغلو السياسي.

من ناحية ثانية يمكن لنا أن نستخلص فكرة في غاية الأهمية وهي أن التأويل يلبس الحكم المستنبط هالة كبيرة لدى المتلقي خصوصًا إذا كان من العوام، بما يجعل الفكرة الجديدة أقرب إلى الكشف غير المسبوق، ووسيلة قوية لأجل كسر الإجماع في شأن المقدّس واختلاق أحكام وأفكار توازيه أو تدحضه.

ومرد ذلك كله أن الحرية الفكرية والمندفعة التي يحويها التأويل تجعل من التدبّر والتقدير خاصتين لأجل «الميل به عن مقصده الذاتي نحو فهم خاص يأتي منسجمًا مع تقديرات المتدبر والمقدر»[13].

أما في السوسيولوجيا فقد أخذ مفكروه روافدهم المعرفية والمحاججية من الفلسفة والإيبستمولوجيا لأجل الخروج بمنهج يتجاوز أزمة المناهج الوضعية التي عرقلت حسبهم تطوّر هذا العلم، ولم تقدّم إلَّا صورة إدراكية ومجتزأة عن الواقع الاجتماعي.

وعليه كانت المحاولة هادفة إلى تحديد موضوع هذا العلم مثلما بيّنها ماكس فيبر (Weber Max)، ومن ثمّ الانتقال إلى كيفيات التوطين للتقنيات والمحمولات التي ستدرس الواقعة الاجتماعية باعتبارها نصًّا يحمل في ذاته الغموض -رموزًا، سماتٍ، معانيَ- الذي ينبغي إيجاد تأويل له.

والنص هنا لا يشير فقط إلى الكلمات والجمل، ولكنه يحيل إلى ثراء وعاطفية وفاعلية الحياة الاجتماعية التي تعبّر عنها الكلمات، ويشير على نحو تام إلى «كل بناء للمعنى يرتبط بعلامة أو إشارة (أو بناء المعنى السميوطيقي)، كاللغة والموسيقى وفنون العمارة والتصوير والأحداث والأفعال الاجتماعية»[14].

إن التوجّه الذي اعتمدته السوسيولوجيا الغربية في وقتنا الراهن لا يخلو من مخاطرة كبيرة؛ لأن ألفة الباحثين على الاستعارة يبدو أنها لا زالت قائمة إلى اليوم برغم ما تدَّعيه الأوساط والنُّخب السوسيولوجية من استقلالية هذا العلم.

فالمطابقة بين المجتمع والنص، وبين المجتمع والنسيج هي أقرب إلى محاولة اصطناعية أخرى، تقوم على نقد المنجز الوضعي السابق وتنتج في الوقت نفسه تيارًا بحثيًّا يقع في شراك التبعية المعرفية والذي لا يتعلّم من الدرس الفلسفي الذي يقول بنقد الأيديولوجيا وبنقد أوهام الكهف.

بالنسبة لغدامير العالم الاجتماعي مبني بصفة قبلية بشكل رمزي، وأن «الموضوعات الاجتماعية منطمرة في معقدات من المعنى لدى عالم الاجتماع... والطريقة الأفضل لكي نصوغ في مفاهيم ما ينبغي أن يقع، وما يقع،... هي القول بأن ثمة (التحام آفاق)»[15].

فأفق فهم عالم الاجتماع يجب أن ينصهر بأفق النص التاريخي أو الممارسات الاجتماعية لثقافة غريبة، وعبر متتالية استشكالية ومراجعة بين ثنائية السؤال والجواب تنتج وحدة معنى جديدة منفصلة ومتّصلة في آن واحد مع المعرفة السابقة، لكن وجاهتها تجعل العقل الباحث وكأنه استيقظ على فهم آخر ولدته الفطنة والتنبّه والشك والتحيّز.

هذا الأخير الذي يتمّ إدراكه بالذات الفاعلة التي تعي وجوده ليس من باب انتقاصه من المعرفة، ولكن من باب إدراك التحيّز على أنه حامل لمعرفة تبحث هي ذاتها عمَّن يكتشف مكنونها.

وعطفًا على ما سبق، فإن المظاهر الغريبة والممارسات الاجتماعية التي تقضّ مضاجع السوسيولوجيين المشتغلين عليها ستكفّ عن البروز بسلبيتها ومقاومتها لكي تغدو مصادر فهم الذات.

من جانب آخر، يُمكّن فن التأويل من تناول الظاهرات الاجتماعية على أنها موجّهة ومبنية من خلال قواعد سلوكية ومقاصدية تتبدى للملاحظ السوسيولوجي بوهم الشفافية الذي يقدّم هالة الموقف الأوّلي الذي يتغذّى على التفسير الساذج وعلى سطوة الحسّ المشترك. وبتفكيك البنيات الداخلية والنسقية للمفهومات الاجتماعية المشبعة بالتأويلات اعتمادًا على الذات الفاعلة التي تفكّك الجوانب غير المقصودة في الأفعال الاجتماعية.

هذه الرؤوية المنهجية تبنّاها أنتوني غيدنز، الذي اعتبر النظرية الاجتماعية «نظرية مشبعة بالتأويل»، وعليها أن تساير الاهتمامات المعاصرة، وبذلك تصبح حرفة عالم الاجتماع حرفة تأويلية، كما يصبح الموضوع الخاضع للتفسير مشكّلًا على تأويل للأفعال اليومية في الحياة الاجتماعية، وهذا ما يطلق عليه غيدنز التأويل المزدوج، الذي يعني «التأويل من قبل الباحث، وفهم التأويلات التي تبنى عليها الحياة الاجتماعية ذاتها. ويؤدّي ذلك بالتالي إلى خلق علاقة بين لغة الحياة العادية ولغة العلم»[16].

وتفهّم المعنى بهذه الطريقة يفتح المجال واسعًا لاكتشاف الجوانب غير المقصودة في الأفعال الاجتماعية. وتكمن أهمية الظروف غير المقصودة للفعل في أنها تلفت الانتباه إلى عالم اللاوعي وعالم المسكوت عنه في السلوك. فمفهوم الظروف غير المقصودة هو «مفهوم تفسيري له قدرة استكشافية، حيث يفتح إمكانيات للتعرف على الأبنية العميقة للاوعي البشري، وللمسكوت عنه في التفاعل الإنساني»[17].

مشكلات التأويل في علم الاجتماع

1- تحوّل هذا العلم إلى الدرس الأكاديمي

أي إنتاج الإطارات فقط على حساب نوعية البحث العلمي التي كان من المفترض أن تدعم نوعية هذا التكوين الإمبيريقي للطلبة والباحثين على حدٍّ سواء.

وهذا النقد يتطابق مع ما قاله جيدنز: «فعلم الاجتماع لا يمكن أن يظل موضوعًا أكاديميًّا خالصًا، هذا إذا كانت ‹الأكاديمية› تعني الدراسة العلمية غير الملتزمة والتي تنأى بنفسها عن الناس، وتتمّ داخل جدران القاعات الجامعية المغلقة»[18].

لا تخلو جامعة في العالم العربي إلَّا وفيها أقسام لعلم الاجتماع، ولكن السؤال الذي يظلّ يطرحه نفسه على النخب السياسية، هي ما الفائدة التي يمكن أن تجنيها الدولة من شيوع هذا العلم؟، وهل الأبحاث التي تجري والموضوعات التي يجري العمل عليها هي في صلب اهتمامات المجتمع؟.

بالتأكيد، إن الدوائر الحكومية هي بحاجة إلى عمالة كفوءة خصوصًا في المهام ذات الطابع الاجتماعي والخدمي. ولكن لا ننسى أن التنمية في كل مفاصلها مربوطة أيضًا بالقرار الاجتماعي الذي يتمّ التعرّف عليه ومن ثمّ تهيئته لأجل إسناد المشروعات التنموية.

من هنا تبرز نقطة أخرى وهي نوعية البحوث التي تجري بمسمّى البحوث الأكاديمية وتلك التي يجري العمل فيها بمسمّى بحوث التدخّل.

على مستوى نوعية البحوث الاجتماعية، نجد أنها تقع في ازدواجية معرفية تخصّ في إحداها أن الموضوعات تتميّز بالتكرار والابتذال، ومن ثمّ الوقوع في الجمود الموضوعاتي، ولم نشاهد تخليقًا جديدًا لنوعية من الموضوعات الجديدة.

أما الثانية فهي أن هذه الموضوعات يجري اختيارها اعتمادًا على لوائح برؤوس الموضوعات التي أعدتها السوسيولوجيا الغربية، فالباحث لا يكون همّه البحثي هو وجاهة الظاهرة وإنما يجاهد لأجل توطين موضوعه مع هذه اللوائح. وكأن الشرعية العلمية للموضوع تتأتّى من السياق المعرفي المعدّ له سلفًا.

وعلى ذلك تمكّن هذه الطريقة من احتماء الموضوع بالسند النظري والمنهجي من جهة، ومن جهة ثانية تكتسب فكرة (اللائحة برؤوس الموضوعات) مبرّر وجودها من حيث كونها الإجابة العلمية الوحيدة الممكنة والمتاحة عن السؤال: ما هو موضوع علم الاجتماع»[19].

2- مشكل التأويل المتسرّع للحدث

هذه الحالة تعرفها اليوم الكتابات المتسرّعة التي تقع في وهم شفافية الظاهرات الاجتماعية، وينبغي التأكيد هنا أن هناك فرقًا بين إبداء الرأي أو التفسير الأوّلي لمعطى معين وبين الإدخال المتعسّف للظاهرة داخل النموذج التأويلي، حيث إن اجتهاد الباحث ينصب على اصطياد المفهومات من النظرية، ومطابقتها على الحالات والأفعال، سعيًا منه لأجل الاستدلال على قوة النظرية، دونما تحسّب للظرف الزماني والمكاني والثقافي الذي تشكّل فيه الحدث.

وقد سبق لبورديو أن نبّه إلى قضية غاية في الأهمية، تتعلّق بصعوبة الفصل بين الرأي الشائع والخطاب العلمي والناتج عن «الألفة التي تربط الإنسان بمداره الاجتماعي تشكّل العائق المنهجي الأول أمام عالم الاجتماع، كونها تنتج باستمرار موهومات من المفهومات والنظم وشروط كافية لإعطاء هذه الموهومات مصداقية ما»[20].

ولا بد من الإشارة إلى أن علم الاجتماع موجود اليوم في صراع مع الأيديولوجيا التي هيمنت على الفضاء الاجتماعي بكل أبعاده الصورية والتواصلية والتداولية واللغوية...، وهو صراع تحجيم واختزال لمنهجيتها وأنظمتها المعرفية، حتى تبدو السوسيولوجيا وكأنها عقيمة ومن دون مهمة مجتمعية.

والواقع أن الأيديولوجيا تلعب دور التثبيت لما هو متحرّك، إنها شكل مباشر للتفكير بواسطة النموذج، حيث تقدّم حلولّا جاهزة سريعة متّسقة مع المعتقدات اللاشعورية الجمعية. فتميل الجماعة إلى تصديق ما يتفق مع معتقداتها.

لذا فإن قولبة وتنميط المعطيات وفق النموذج المعرفي الذي تطرحه الأيديولوجيا يعني ممارسة عملية اختيارات اعتباطية بين هذه المعطيات كي تؤكّد النسق المعفي القديم فحسب. وفي المقابل تعجز السوسيولوجيا عن مواجهة النموذج الأيديولوجي وتفقد قدرتها على «تبديد سلطة الفكر المعياري الثبوتي للأيديولوجيا وتجاوز تحديداتها الجامدة»[21].

3- مشكلة الهوية الافتراضية لعلم الاجتماع

هي حالة القطع التي مرّت بها العلوم الاجتماعية والإنسانية وعلم اجتماع بالخصوص في عالمنا العربي، ونقصد بالقطع الحلقة الحضارية والمعرفية التي توقّف فيها العقل العربي عن إنتاج العلم والمعرفة من منطلقه الذاتي الخصوصي.

وهذه اللحظة التاريخية التي امتدت من القرن الرابع عشر ميلادي إلى اليوم، استلب فيها التفكير والعقل والتراث، الذي صُدم بتوالي الخيبات والتفككات العمرانية والنظامية نتيجة الحالة الاستعمارية.

فالانكشاف المعرفي الذي سمح بدخول وافد الحضارة الغربية إلى تراثنا العربي، لا نعزوه كله للمنظومة المعرفية الغربية؛ لأن النخب الوطنية التي تعلمت ودرست ودرّست في الغرب، تتحمّل هي أيضًا مسؤولية انخراطها في المشروع النهضوي الغربي الذي كان يعني إشاعة المفهوم والنظرية والرُّؤوية المركزية للكون وللعالم، كي تقبل كمسلّمات غير قابلة للنقد، وأيقونة تستوحي بها النُّخب الوطنية منجزات الحضارة الغربية.

والملاحظ على «الكثير من الإسهامات التي أفرزتها هذه الجهود هو ضعف تأصيلها النظري الذي لم يسمح لها بالانطلاقة الحقيقية والذهاب بعيدًا عن النقد في قطيعتها المعرفية»[22].

لقد تكشّف للفكر العربي النهضوي في هذه اللحظة التاريخية للعلم من القرن العشرين أن عالمًا جديدًا تمّت صياغته في غيابه، وتحدّدت صورته وفق مرجعية حضارية كونية، لذلك شرّعوا لأنفسهم سلطة المساءلة التي اندفعت بشكل كبير دونما وقوف عند الحواجز الأخلاقية والمعتقدية، بحيث أصبحت كل الموضوعات والمعرفة قابلة للبحث، وهو ما جرّ النُّخب العربية إلى الوقوع في التنابز النظري، والجلد التراثي، ومقابلته بالكوني.

وهذه الحالة ماثلة في أعمال محمد أركون، حامد أبو زيد، ونعتقد أنها أفقدت سيرورة التشكّل للعقل العربي، الذي بدل أن ينخرط في الاستمراية نجده يهيم في البحث عن الانطلاقة. والتي تكون بحسب نوعية التكوين الذي تلقّته النُّخب العلمية إما فرنسيًّا أو أنجلوسكسونيًّا أو أمريكيًّا،... وعليه شقّت المعرفة في حقل العلوم الإنسانية طريقها بسؤال الاستعارة والاستخدام وسقط من الحسبان سؤال أين نحن من هاته العلوم؟

ولا تنقطع صلة هذا الاستفهام عن دور المثقف، الذي هو منوط بمهمة التفكير، فيقول إدوارد سعيد الذي قضى زمنًا كبيرًا في مناقشة وتحليل الاستشراق: إن دور المثقف هو ضبط الاختلاف وإثارة التغيير، وإن عليه «مضاعفة الوعي، وأن يقلق بسبب التوترات والتعقيدات، وأن يتحمّل كفرد مسؤولية مجتمعه، هذا دور ليس تخصصيًّا بل له علاقة بالقضايا التي تتقاطع مع قواعد السلوك الاحترافية المهنية»[23].

4- مشكلة الأحادية البنيوية

هو الجمود الذي يلاحظ على الباحثين الذين ركنوا إلى النموذج التجريبي، كي يعيدوا ترديد مقولة كونية العلوم. وهذا الإلحاق لعلم الاجتماع ومن ثمّ العلوم الاجتماعية خاض فيه هؤلاء من باب الترديد للمقولات الغربية في هذا الخصوص، ومن باب جاهزية النمذجة التي تسمح بقولبة الواقع الاجتماعي العربي.

لكي نقرب صورة هذه الحالة الأحادية، نعرض للكيفية التي تناول فيها الفكر الغربي والفرنسي بالخصوص، لحالة التكوين الاجتماعي في الجزائر. إذ كان الموضوع الهدف لهذه الكتابات تأكيد الأصالة المسيحية للمجتمع الجزائري، فيما ذهب آخرون إلى وصف مظاهر التخلّف في المجتمع بناء على التفرقة الإثنية (عربي/ بربري) من جهة، ومن جهة أخرى على التفوّق العرقي للمجتمعات الأوروبية التي تبرر الاستعمار.

ولم تدّخر الاتجاهات الماركسية جهدًا في تدعيم هذه الأفكار، ولم تكلّف نفسها عناء إعادة قراءة علمية لمرتكزات التوصيفات التي جاءت في تقارير الضباط الفرنسيين خلال عمليات تغلغل الاحتلال في داخل الأراضي الجزائرية، أو خلال عمل هؤلاء في الإدارة والمكاتب الفرنسية في المدن والقرى.

فجلّ هؤلاء كانوا مبهورين بنظريات التقدّم التي كانت قد لاقت رواجًا في فرنسا في ظلّ الثورة الصناعية، ومنجزات مجتمع ما بعد الثورة. وعليه لم تقدّم كتاباتهم سوى مقارنات غير متكافئة وتوصيفات غير حيادية عن واقعين مختلفين.

لكل هذا عنيت هذه النمذجة بالبحث ليس في إنتاج المفهومات الملائمة لقراءة الواقع السوسيولوجي والأنثروبولوجي كما هو، وإنما تحليل الظواهر الاجتماعية بناء على مطابقة عناصره التحليلية مع المفهومات الجاهزة والمعدة سلفًا من النظريات.

إذا كان هذا حال البحث الغربي، فهو بالتأكيد منسحب على البحث العربي والجزائري، بالخصوص ذلك أن هؤلاء الباحثين يقعون في دائرة إعادة قراءة للتراث السوسيواقتصادي استنادا إلى المفهومات التي أنجزتها العلوم الاجتماعية الغربية التي تدّعي الصدق والتكيّف والموضوعية، وهو ما لا يفي بحق المجتمع من المعرفة المضمونة، وتفسير الوقائع بصدق وفق مقتضيات الحال الاجتماعي المحلي.

وفي هذا الشأن يوجّه السوسيولوجي الجزائري العياشي عنصر نداء إلى جميع الباحثين في حقل العلوم الاجتماعية «للمساهمة في بعث نقاش فكري حول مكانة ودور هذه العلوم في ضوء الخصوصية التي تطبع مجتمعاتنا باعتبارها نتاجًا لسيرورة تاريخية وثقافية متميزة»[24].

5- مشكلة الازدواجية البنيوية

هذه الوضعية متأتّية من اللاموقف الذي يوجد عليه باحث العلوم الاجتماعية، من جهة هو يؤكّد الخصوصية أو التوحّد، ومن جهة أخرى هو يقرأ هذا التفرّد بقضايا فلسفية ومعرفية تقوم أساسًا على الكونية. وعليه يصبح الباحث منجرًّا إلى البحث عن الثنائيات التمييزية: تقليد/ حداثة، تحضر/ بربرية، المواطن/ الإنسان،... وهكذا.

هذا التقوقع أو اللاموقف معرفيًّا للباحث نحو الموضوعات البحثية، يدفعه إلى التواصل والتماهي مع الأنا الخاص، وأيضًا يجعله يقرأ الحدث بالطريقة المنهجية التي حدّدتها المعرفة الغربية. هذه الأخيرة هي ليست وليدة التلاقي المعرفي مع المجتمع العربي بمناسبة الاستعمار، ولكنها وليدة التجربة الاستقلالية التي تولدت بفعل الهجرة، البعثات العلمية.

وقد استطاع محمد عابد الجابري أن يعبّر عن هذه الفكرة بطريقة إبداعية، بالقول: إن طموح النُّخب العربية نحو التقدّم ينهل من شدة حاجتهم إلى النهضة وبتضخّم الواقع الحاضر عليهم. هذا الوعي ليس في وارد إنماء الشعور بوجاهة النموذج العربي الإسلامي أو الغربي، ولكنه وعي نهضة يقوم على ما يسميه الإحساس بالفارق: الفارق بين واقع التخلّف والانحطاط الذي يوجدون عليه، وبين حالة النهضة التي يعرضها عليهم أحد النموذجين.

«إن غياب تحليل الواقع (واقع الانحطاط)، وعدم الانطلاق من هذا التحليل لبناء نموذج مطابق... هو السبب في ذلك التضخّم في الطموح النهضوي العربي، التضخّم الذي يقفز على الواقع ويُلغي الزمان والمكان ويجعل بالتالي علاقتهم مع أحد النموذجين تتحوّل إلى الحلول محلّه، إلى تقمّصه والاحتماء به»[25].

إن التمعّن في مضمون الإنتاج المعرفي العربي يبين حالة التخبّط والتيهان والتنازع بين الأنا التراثي والأنا الوافد، فالأول يشدّ نحو الانكفاء على البنى المعرفية المنغلقة، والتي تتداعى على البحث إما لقراءتها على المنطوق المنبهر للماضي واجتراره كما هو، أو التمسّك به للدفاع عن الخطر الزائف الذي صاغته وصورته مخيالية العقلية العربية في تعريفها لمفهوم التحدّي الذي يواجه المجتمع العربي.

أما الوجه الثاني في ثنائية الممارسة الفكرية فهو متعلّق بالأنا الوافد أو المستقطب المعرفي، الذي يفيد فقط تكرار في حال من الانبهار منجزات النظرية السوسيولوجية الغربية، ويعمل على خبوت الأنا التاريخي الخصوصي الذي يُسلم الواقع الاجتماعي العربي لأدوات النظرية الاجتماعية الغربية.

وحلّ هذه المشكلة حدّده علي حرب من خلال تبنّي قاعدة إيبستمولوجية تقوم على «فتح نار الأسئلة على المقولات المتحجّرة والمناهج القاصرة والثنائيات العقيمة... فالأحرى أن تخضع للمساءلة والفحص مقولاتنا وممارساتنا لإجراء تغيير مثّلث، يطال أولًا مفهومنا للتغيير ذاته... صورتنا عن أنفسنا... شبكة المفاهيم»[26].

وقياسًا على ما ذكر آنفًا تصبح السوسيولوجيا الغربية هي ما يتحكّم في رُؤَوِيَّة العقل العربي للواقع الاجتماعي، وتمنعه من أن يبدع أدواته وطرائقه التفكيرية، بل إنها تجعله يعيش الواقع المجتمعي لا على المستوى الفعلي وإنما على مستوى أفكار صيغت سلفًا، وتقرير هذا الواقع «يعكس حالة انشطار الفكر العربي، وإشكالية الهوية، وغياب التنظير الذاتي المستقل، ونظرًا إلى أن الأطر المعرفية، التي يتعامل بها السوسيولوجي العربي، مستوردة من ثقافة (الآخر)، وبناء على أنها تأتي دائمًا محمّلة بمضامين أيديولوجية موجهة، فمن الطبيعي أن يقع السوسيولوجي العربي في شباك الوعي الزائف»[27].

خاتمة

إن الأزمة التي يعرفها علم الاجتماع اليوم تتمظهر في كثير من جوانبها، في المحاولات الحثيثة التي يسعى إليها كثير من المنظرين والباحثين لأجل تصنيع نمذجات تحاكي التطوّر التاريخي والاجتماعي العام للظاهرات الاجتماعية مهما اختلف سياقها الزماني والمكاني، وهم بذلك يُلغون من الناحية الموضوعية المضمون العلائقي والكيفي والثقافي الذي تتضمنه هاته الظواهر، التي هي قبل كل شيء منتج تاريخي - اجتماعي وخالص وخاص لمجتمع محدّد.

وانطلاقًا من هذا العائق المنهجي والإبستمولوجي يُقدّم التأويل باعتباره منهجًا وطريقة تفكيرية يستشكل ويُسائل ما لا تقوله الظواهر، لأجل بناء النسيج (عالم الخبرة المعاشة) الذي تتحرّر فيه الذات الفاعلة من اشتراطات المداخل النظرية والمنهجية المحافظة، وتُنتج لنفسها موجّهات الاختيار المعرفي والتفسيري التي تسمح بصياغة المفهومات التحليلية المتولّدة من المعاني التي يصبغ بها الفاعلون أوجه نشاطاتهم الاجتماعية.

إن الإشكالية التي حاولنا استعراضها، والتي تخصّ في جانب منها غاية السوسويولوجيا في المجتمع العربي، تبيّن بوضوح أن هناك عملًا طويلًا لا يزال ينتظر السوسيولوجيين العرب لأجل إعادة تحديد مواقع الانطلاق لعلم اجتماع عربي دونما وقوع في ارتهان الموضوع والطرائق للمنطلق الغربي نفسه.

إن فهم الظواهر الاجتماعية التي تعرضها اليوم التغيّرات التي يعرفها المجتمع العربي لما بعد الدولنة والشمولية الاقتصادية والثقافية، يستدعي اليوم من السوسيولوجيين العرب، تقييم المنتوج الفكري التجزيئي سواء كان محليًّا أو قطريًّا، للخروج بمحصلة معرفية تأخذ بالنجاحات والتجارب النظرية والمنهجية لأجل موضعة جديدة ونقطة انطلاق نحو تفكير يأخذ في الحسبان التغيرات التي حصلت في النظام الاجتماعي العام.

 

 



[1] بيير بورديو، وآخرون، حرفة عالم الاجتماع، ترجمة: نظير جاهل، بيروت: دار الحقيقة، ، ط1، 1993، ص5.

[2] Compenhoudt, Luc-Van: Introduction à l’analyse des phénomènes sociaux, Paris: Dunod, 2001, p240.

[3] Aron, Raymond: Les étapes de la pensée sociologique. Tome2, Tunis: Cérès Editions. 2002, p391.

[4] Richard B.Braithwaite, Scientific explanation, (New York: Harper and Row, 1960) p1. In:

شاقا فرانكفورت ناشيماز، ودافيد ناشيماز، طرائق البحث في العلوم الاجتماعية، ترجمة: ليلى الطويل، دمشق: بيترا للنشر والتوزيع، ط1، 2004، ص ص 20-21.

[5] G.Homans, The nature of social science,New York, Harcourt Brace and World 1967, p. 28 - 31 In:

مصطفى أنور علا، التفسير في العلوم الاجتماعية. دراسة في فلسفة العلم، القاهرة: دار الثقافة والنشر والتوزيع، 1988، ص77.

[6] C. G. Hampel, P.Oppenheim: The logic of explanation. In:

علا مصطفى أنور، المرجع السابق، ص ص 78-94.

[7] مادلين غراويتز، مناهج العلوم الاجتماعية، الكتاب الثاني: منطق البحث في العلوم الاجتماعية، ترجمة: سام عمار، دمشق: المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر، ط1، 1993، ص ص10 - 11.

[8] عبد الرحمن بدوي، مناهج البحث العلمي، الكويت: وكالة المطبوعات، ط3، 1977، ص5.

[9] Combessie, Jean-Claude: La méthode en sociologie, Alger: CASBAH éditions, 1998, p9.

[10] Gauthier, Benoit: Recherche sociale. De la problématique à la collecte des données. Canada: Presse de l’université du Québec, 1984, p09.

[11] محمد المتقن، في مفهومي القراءة والتأويل، مجلة عالم الفكر، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أكتوبر/ ديسمبر 2004، المجلد 33، العدد 02، ص25.

[12] تقي الدين أحمد ابن تيمية، الإكليل في المتشابه والتأويل، خرّج أحاديثه وعلّق عليه: محمد الشيمي شحاتة، الإسكندرية دار الإيمان للطبع والنشر والتوزيع، 2002، ص28.

[13] عبد القادر الرباعي، التأويل: «دراسة في آفاق المصطلح»، مجلة عالم الفكر، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، المجلد 31، العدد 02، أكتوبر/ ديسمبر، 2002، ص155.

[14] أحمد زايد، الهرمينوطيقا وإشكاليات التأويل والفهم في العلوم الاجتماعية، حولية كلية الإنسانيات والعلوم الاجتماعية، الدوحة: جامعة قطر، العدد 14، 1991، ص251.

[15] آلن هاو، النظرية النقدية.. مدرسة فرانكفورت، ترجمة: ثائر ديب، القاهرة: دار العين للنشر/ المركز القومي للترجمة، ط 1، 2010، ص177.

[16] أحمد زايد، آفاق جديدة في نظرية علم الاجتماع.. نظرية تشكيل البنية (نظرية البنينة)، المجلة الاجتماعية القومية، القاهرة: المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، المجلد 33، العدد الأول والثاني، 1996، ص66.

[17] أحمد زايد، المرجع نفسه، ص68.

[18] أنتوني غيدنز، مقدمة نقدية في علم الاجتماع، ترجمة: أحمد زايد وآخرون، القاهرة: مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، كلية الآداب، الطبعة الثانية، 2006، ص18.

[19] عبد الله إبراهيم، علم الاجتماع (السوسيولوجيا)، بيروت/ الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط3، 2010، ص53.

[20] بيير بورديو، وآخرون، مرجع سبق ذكره، ص19.

[21] مطاع صفدي، النمذجة بين التأويل والتغيير، مجلة الفكر العربي المعاصر، بيروت: مركز الإنماء القومي، العدد 40، تموز/ أب 1986، ص13.

[22] فضيل دليو، علم الاجتماع المعاصر. ثنائياته النظرية والمنهجية، الجزائر: مخبر علم اجتماع الاتصال، جامعة منتوري - قسنطينة، 2004، ص20.

[23] إدواد سعيد، أوروبا وأغيارها، منظور عربي، تحرير: ريتشارد كيرني: جدل العقل. حوارات آخر القرن، ترجمة: إلياس فركوح، حنان شرايخة، بيروت/ الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، ط1، 2005، ص30.

[24] العياشي عنصر، نحو علم اجتماع نقدي.. دراسات نظرية وتطبيقية، الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الثانية، 2003، ص07.

[25] محمد عابد الجابري، الخطاب العربي المعاصر.. دراسة تحليلية نقدية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط5، 1994، ص24.

[26] علي حرب، أوهام النخبة أو نقد المثقف، بيروت: المركز الثقافي العربي، ط5، 2012، ص20.

[27] أحمد مجدي حجازي، «الفكر السوسيولوجي وأزمة التنظير.. رؤية نقدية لمنهجية الفكر الغربي»، مجلة المستقبل العربي، السنة الثامنة عشرة، العدد 195، مركز دراسات الوحدة العربية، أيار (مايو) 1995، ص71.