الحراك العربي
وتحديات التعددية ومواجهة الكراهية
محمد محفوظ
* الموجز
تحاول هذه الورقة تحليل ظاهرة الكراهية بين المواطنين في المنطقة العربية لاعتبارات دينية ومذهبية، وسبل تفكيك هذه الظاهرة الخطرة، والحد من تأثيرها في النسيج الاجتماعي والسياسي للأوطان العربية.
وترى الورقة أن ظاهرة الكراهية ليست ملازمة لظاهرة التعدد والتنوع الديني والمذهبي، بل هي نتاج الخيارات السياسية والأمنية المتبعة في التعامل مع التعبيرات الدينية والمذهبية الموجودة في البلدان العربية.
وبالتالي فإن هذه الظاهرة هي ظاهرة مركبة، وتتغذى من عوامل وروافد عديدة، وإن جوهرها العميق بفعل السياسي وخياراته ونهجه في إدارة هذه التعددية الدينية والمذهبية.
وإن المنطقة العربية لن تتمكن من تجفيف منابع وروافد هذه الظاهرة، إلا بإعادة صياغة وضع المنطقة السياسي والدستوري والحقوقي. بحيث ينعتق العرب من نمط الأنظمة الشمولية المستأثرة بكل شيء، لصالح أنظمة ذات قاعدة اجتماعية واسعة، وتلتزم بالديمقراطية وآلياتها في شؤونها المختلفة.
* الخطيئة التاريخية
ثمة خطايا سياسية كبرى ارتكبت في تاريخ العرب والمسلمين، ولعل من أبرزها تشريع ولاية القهر والغلبة، وتكييف نصوص الشورى والحرية مع متواليات ولاية القهر والغلبة. ومن جرّاء هذه الخطيئة التاريخية تراكم الفعل الاستبدادي، وتراجع مستوى الحساسية لدى المسلمين تجاه ظاهرة الاستبداد السياسي والاستئثار بالقرار والسلطة والثروة. ومن جراء هذه الممارسة تشكّلت مرجعيات عصبوية وعشائرية لظاهرة الدولة في التجربة العربية – الإسلامية المعاصرة، بعيداً عن مقتضيات الشريعة وأخلاق الإسلام. ولكي تتأبد ظاهرة الاستبداد في مؤسسة الدولة تم التعامل مع هذه التجربة التاريخية بوصفها مقدساً، مما أفضى إلى تضخّم الانحراف في الدولة، دون وجود قدرة مجتمعية مستديمة لمواجهة هذا الانحراف أو فضحه أو رفع الغطاء الديني عنه. والمحاولات التي بذلت في هذا السياق جوبهت باستئصال وقمع وقتل وتنكيل من قبل الحاكم ومؤسسته المستبدة. ولاعتبارات عديدة -لسنا في وارد ذكرها أو تحليلها- كان للمؤسسة الدينية وخطابها التسويغي والتبريري دوره الأساس في تغطية فعل الاستبداد وتسويغه دينيًّا واجتماعيًّا.
وبفعل هذه الممارسات ومتوالياتها أصبح الواقع الإسلامي برمته يعيش -على الصعيد السياسي- تحت ضغط النمذجة الذي شكّله الحاكم المستبد في مراحل تاريخية عديدة؛ لهذا فإننا نعتقد أن الفكر السياسي للمسلمين المعاصرين يحتاج اليوم إلى العديد من الخطوات المنهجية والتحليلية والنقدية، من أبرزها:
1- ممارسة النقد العميق للتجربة السياسية للمسلمين، وتفكيك ظاهرة النمذجة السياسية، التي حاولت العديد من الأقلام ترسيخها وتأبيدها في العقل الإسلامي.
2- التعامل مع ظاهرة بناء الدول وممارسة السلطة والسياسة بوصفها عملاً بشريًّا لا يمكن أن يتحول إلى فعل مقدس، لا يمكن نقده أو مخالفته.
3- استنهاض قوى الأمة الحية لصياغة حالة سياسية مستقلة عن الدولة، وتعمل على تجاوز حالة العجز المزمنة التي تعانيها الدولة العربية – الإسلامية المعاصرة. وتكون هذه الحالة هي النواة الأولى لتأسيس تقاليد وثقافة المحاسبة والمراقبة السياسية. بحيث يتحول المجال العام وعلى رأسه مؤسسة الدولة، إلى فضاء مفتوح لجميع الكفاءات والطاقات.
ومن يتحمل المسؤولية في هذا السياق ينبغي ألَّا يتم الرهان على مناقبياته الأخلاقية، وإنما يجب أن يراقب ويحاسب على أدائه وممارسته العامة.
من خلال ثقافة المراقبة والمحاسبة وتقاليدها يمكن التقليل من الكثير من الأخطاء والخطايا، والمساهمة المباشرة في تصويب بعض الممارسات.
4- ظاهرة الاستبداد في التجربة العربية – الإسلامية المعاصرة، ظاهرة مركبة، وتدخلت عوامل وروافد عديدة في بنائها وحمايتها في الاجتماع العربي – الإسلامي المعاصر.
لهذا فإن إسقاط الحاكم أو تغييره لا يعني على المستوى الواقعي انتهاء بنية الاستبداد في الدولة والمجتمع، وإنما هو الخطوة الأولى في مشروع تفكيك ظاهرة الاستبداد وبناء حقائق التداول والديمقراطية في السياسة والمجتمع. وهذا بطبيعة الحال يتطلب العمل على تغيير النمط الثقافي – الاجتماعي الحاضن لظاهرة الاستبداد، وتفكيك شبكة المصالح الحامية لها (أي لظاهرة الاستبداد وتغول الدولة)، وبناء نظام سياسي – اجتماعي يستند إلى الشورى والتداول لإدارة الشؤون العامة.
فلا يمكن أن تُنهي فعل الغطرسة والهيمنة والإكراه الذي يمارسه المستبد إلَّا بإنهاء فعل الرضوخ والتبرير والانصياع الأعمى لدى المستبد بهم.
ولعل هذه الحقيقة العميقة، هي أحد المعاني التي تشير إليها الآية القرآنية الكريمة {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[1].
فحينما تتغير نظرة الإنسان إلى نفسه، وتتبدل عناصر ثقافته ومعاييرها، فإن هذا التغيير الذاتي يقود -بطبيعة الحال- إلى تغيير اجتماعي – سياسي خارجي. فحينما يتحرر الإنسان من الاستبداد فإن قدرته على إسقاط الاستبداد من الحياة السياسية والاجتماعية تُضحي حقيقة قائمة وشاخصة.
5- على المستوى التاريخي لا يوجد في تراث المسلمين السياسي تجارباً وأفكاراً منظمة لبناء شرعية الدولة على قاعدة الرضا الشعبي وبناء نظام مدني في ممارسة الحكم. بل إننا نستطيع القول وبفعل تراكم عصور الانحطاط والتخلف في حياة المسلمين: إنه قد تشكّلت موروثات اجتماعية وثقافية مضادة للشرعية الشعبية، وبُني عقد سياسي جديد يحدد حقوق وواجبات الحاكم والمحكومين، ومسوغة لفعل الطاعة والخضوع، ومتعايشة مع ظاهرة الاستبداد والاستئثار.
لهذا فإننا نعتقد أن الجهد في الفترات الانتقالية ينبغي أن يتَّجه صوب استلهام التجارب الإنسانية في بناء السلطة والدولة؛ لأن قيم الإسلام الأساسية لا تشرع بناء دولة دينية – ثيوقراطية، وأنه لا توجد صيغة محددة لشكل الدولة ومؤسساتها، كما أنه لا آليات محددة وفق التجربة التاريخية للمسلمين لاختيار الحاكم ومؤسسات الحكم. ثمة مبادئ وقيم ينبغي أن تتجسد، والإطار الذي تتجسد فيه هذه القيم هو من صناعة الإنسان ومدى تطوره الفكري والقانوني.
لهذا فإننا ندعو بشكل مباشر إلى التفاعل التام مع منجزات الإنسان والحضارة الحديثة على هذا الصعيد، وبناء مؤسسة الدولة والحكم انطلاقاً مما وصل إليه إنجاز الأمم المعاصرة.
وهذا بطبيعة الحال لا يعني أن ديمقراطيتنا ستكون ومنذ اللحظة الأولى كديمقراطية الدول المتقدمة، وإنما نقول: إن البنية الأساسية التي شكلت النظام الديمقراطي المعاصر، ينبغي استيعابها بشكل تام، حتى يتسنى لنا الاستفادة منها بعيداً عن مركّب النقص أو نزعات الانسلاخ والذوبان.
ودون ذلك سيبقى الواقع العربي – الإسلامي أسير أزماته المتتالية، وأية محاولة للخروج منها بعيداً عن مشروع إصلاح الدولة وإنهاء استبدادها وتغولها سيفضي إلى المزيد من الضعف والتشظي؛ لأن «الدول العربية الراهنة مشروعات حروب أهلية. فالأفراد والجماعات في كل دولة عربية هي مجرد تجمع بشري لم يبلغ بعدُ مرتبة المجتمع، وليس بينها عقد اجتماعي، ولا هي قادرة على التوافق على ثوابت وطنية وهوية جامعة مشتركة ترفع مستوى تلك التجمعات البشرية إلى مستوى مجتمع بالمعنى العلمي للمجتمع.
فالأفراد والجماعات والمجتمعات الفرعية في حد ذاتها لا تبلغ مرتبة المجتمع الواحد، إلَّا عندما يكون ما يربط بين تلك الجماعات هو أكثر وأكبر مما يربط بين أي جماعة منها مع جماعات خارج حدود الدولة، ويتولد شعور بالمصير المشترك، وتؤمن بالتالي معظم جماعات المجتمع وأفراده بضرورة توفير متطلبات تأمين المستقبل المشترك»[2].
فلا جوهر للأنظمة الشمولية إلَّا الاستبداد والديكتاتورية، وإن تجلببت بجلباب ديني – تقليدي أو جلباب مدني – حداثي. والأنظمة السياسية التي ابتليت بها المنطقة العربية هي أنظمة استئثارية ذات قاعدة اجتماعية ضيقة، وتأسست واستمرت على نزعة عصبوية محدودة، واستخدامها لشعارات دينية أو مدنية، لا يلغي جوهرها الاستئصالي – الديكتاتوري.
وهذا الجوهر لاعتبارات سلطوية وبرغماتية يتغطى إما بغطاء الدين وشعاراته، أو الحداثة والعلمانية وشعاراتها، ولكن هذه الأنظمة في حقيقتها بعيدة عن قيم الدين كما هي بعيدة عن قيم العلمانية والمدنية، فهي مارست العنف السياسي والاستئثار بالقرار ومصادر القوة، تارة باسم الدين وتارة أخرى باسم العلمانية، إلَّا أن جوهرها الاستبدادي لم يتغير ولم يتبدل. فقيم الإسلام الكبرى لا تسوغ الاستبداد والاستئثار، كما أن المدنية لا تبرر نزعات الاستفراد والديكتاتورية. ومن جراء هذا الالتباس الذي خلقته الأنظمة الشمولية في الواقع العربي المعاصر، لم نتمكن كشعوب عربية من الاستفادة من بركات الإسلام الحضارية، كما إننا لم نتنعم بمقتضيات المدنية والعلمانية على مستوى السياسة وإدارتها والحقوق وصيانتها.
والديمقراطية كممارسة مؤسسية مستديمة مطلوبة بصرف النظر عن طبيعة النظام السياسي سواء كانت دينية أم مدنية، ولا قيمة لأي نظام سياسي إذا لم يكن ديمقراطيًّا ويفسح المجال القانوني لكل مكونات شعبه للمشاركة في الحياة العامة بكل مستوياتها؛ لأن الأنظمة الشمولية – الاستبدادية، دائماً تعمل على تحصين نفسها إما بأيديولوجية دينية أو مدنية – حداثية.
ومن الضروري أن تدرك الأطراف السياسية، وبالذات الإسلامية لكونها تتصدر المشهد السياسي، أن الديمقراطية لا تعني فقط الوصول إلى السلطة بالانتخابات الشعبية، وإنما إدارة الحياة السياسية بعقلية دستورية – توافقية؛ لأن «من الأخطاء الشائعة الاعتقاد أن انتخاب هيئة ما بالأكثرية يعطيها حق الانفراد بالقرار والاستئثار بالسلطة، وهو في الواقع لا يعطيها سوى حق تصريف الشؤون العامة، بموجب القوانين الدستورية؛ لذلك تقتضي الديمقراطية أن تقوم الأكثرية الحاكمة بالتداول مع الأقلية ومع الفئات المعنية في المجتمع للاستئناس بآرائها وموافقتها ما أمكن، والنظر في الطرق التي يمكن مراعاتها بها. فالحكم الديمقراطي هو الذي يحاول تخفيف قساوة القرار على الجماعة الخاسرة. إن العقيدة الإسلامية التي تعتمد مبادئ التيسير على العباد، وتنهى عن التعسير، تمثل الفلسفة الإنسانية الديمقراطية خير تمثيل»[3].
* التعددية والممارسة العربية الحديثة
لو درسنا الممارسة والخبرة العربية المعاصرة في التعامل مع حقائق التنوع والتعدد الأفقي والعمودي الموجودة في البلدان العربية لرأينا أن هذه الممارسة لا تخرج من الخيارات التالية:
1- إن المختلفين معنا هم فضاء للتذويب والدمج القسري؛ لأنهم من الناحية الدينية ليسوا مثالاً صالحاً ومتكاملاً، لأن لديهم هرطقات دينية وانحرافات عقدية، كما أنهم من الناحية السياسية يشكلون بطريقة أو بأخرى طابوراً خامساً لقوى أجنبية، تحاول هذه القوى أن تعبث بأمننا واستقرارنا من خلال هذا الطابور الخامس، وبالتالي وحفاظاً على الأمن الوطني أو القومي، نحن بحاجة إلى أن تمارس الدولة كل جبروتها ودهاءها ومقدرات السلطة من أجل تعميم عقيدتها، وتذويب وتفكيك -بوسائل عديدة- المجموعات البشرية الأخرى المختلفة مع الأكثرية سواء في الدين أو المذهب أو القومية أو العرق.
ولا شك في أن هذا الخيار بمتوالياته الأمنية والسياسية والاجتماعية، كلّف المنطقة العربية الكثير. حيث الأزمات وغياب الاستقرار السياسي العميق، وشعور فئات عديدة في المجتمع أنه يتم التعامل معها بتمييز وبعيداً عن مقتضيات المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات.
2- خيار النبذ والطرد والقمع والتهميش والإبعاد عن كل المسؤوليات الوطنية سواء الكبرى أو المتوسطة.
فالأنظمة الشمولية والمستبدة، وهي السمة الغالبة على أنظمة وحكومات العالم العربي، لكونها تعتمد على قاعدة اجتماعية ضيقة، وتحتكر القرار ومصادر القوة، فإنها تمارس عملية النبذ والطرد للعديد من مكونات الشعب والمجتمع تحت دعاوى ويافطات عديدة.
وبطبيعة الحال سيكون نصيب الأقليات الدينية والمذهبية والقومية والعرقية من عملية الطرد والنبذ كبيراً وقاسياً.
ويتم في سياق تغطية خيار النبذ والتهميش خطابات دينية متطرفة أو قومية شوفينية، تبرر وتسوغ للسلطات السياسية فعل النبذ والطرد والتهميش؛ لذلك نستطيع القول على صعيد الواقع العربي المعاصر: إن جميع الدول العربية بتفاوت محدود بينها، سقطت في امتحان التعددية؛ لأنها في كل خياراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هي منحازة ضد الأقليات، ولا يتسع صدرها وقلبها وعقلها إلى احترام خصوصية هذه الأقليات، والتعامل مع أهلها بوصفهم مواطنين لهم ما لبقية المواطنين وعليهم ما على بقية المواطنين.
ومن جراء هذا السلوك المشين في التعامل مع الأقليات في العالم العربي، تعمقت مشكلات سياسية واجتماعية وأمنية عويصة ومركبة، وتشكل خاصرة رخوة في كل المشهد العربي المعاصر.
3- ويبقى الخيار الذي ندعو إليه، ونعتبره هو الخيار الذي ينسجم مع قيم الأديان التوحيدية ومواثيق حقوق الإنسان والمنظومات الدستورية الحديثة، ألا وهو خيار المواطنة المتساوية، الذي لا يفرق بين مواطن أو آخر لأي اعتبار من الاعتبارات.
ولا شك في أن تحقيق هذا الخيار وسيادته في العالم العربي، يتطلب تفكيك الأنظمة السياسية الشمولية التي تتغطى بمقولات دينية طاردة للمختلف والمغاير الديني أو المذهبي، أو مقولات قومية شوفينية طاردة للمختلف والمغاير القومي.
لأننا نعتقد أن بنية الأنظمة الشمولية – الاستبدادية، هي تنتج باستمرار خيار تنمية الفوارق والاختلافات بين المواطنين؛ لأنها في جوهرها ليست دولة لجميع المواطنين، وإنما هي دولة لبعض المواطنين، ولا فرق في هذا السياق بين الدولة العربية التقدمية، التي باسم العرب والقومية العربية تطرد تعبيرات ومكونات عديدة من الاجتماع العربي المعاصر، أو باسم الدين ومشروع الإسلام السياسي؛ لأنها أيضاً تمارس التفرقة بين المواطنين، وليست قادرة بنيويًّا على أن تكون كمؤسسة التعبير الدقيق والشامل لكل حساسيات مواطنيها.
إننا نعتقد أن الدول الأيديولوجية سواء كانت قومية أو دينية في التجربة العربية المعاصرة، هي دول غير قادرة على بناء دولة مواطنة، بل هي دولة القوم أو الطائفة أو القبيلة أو العشيرة أو العائلة.
لذلك هي دول بالضرورة تمارس التمييز بين المواطنين. ولا خيار أمام العرب في اللحظة الراهنة لإدارة حقائق التعدد والتنوع، إلَّا ببناء دولة مدنية حاضنة لجميع المواطنين، وتتعامل مع جميع المواطنين بوصفهم مواطنين بصرف النظر عن أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم وأعراقهم.
وإننا نعتقد أن مشكلة الكراهية السائدة لاعتبارات دينية أو مذهبية أو قومية في المشهد العربي المعاصر، هي في جوهرها مشكلة سياسية، وإن وظفت الخطابات الدينية المتطرفة والمقولات القومية الشوفينية. ولا قدرة فعلية لمعالجة ظاهرة الكراهية في المنطقة العربية، إلَّا بتفكيك الأنظمة الشمولية – الاستبدادية وبناء أنظمة سياسية – ديمقراطية – تعددية – مدنية.
وندرك وفق المعطيات السياسية والاجتماعية والثقافية القائمة في المنطقة العربية اليوم، أن الوصول إلى هذا الهدف، لا زال بعيد المنال، ولا زالت هناك عقبات وصعوبات جوهرية تعترض العرب جميعاً للوصول إلى بناء الدولة المدنية – الديمقراطية. ولكن صعوبة الطريق لا تلغي صوابية الفكرة والمقصد؛ لأن التجربة الغربية مع اختلافات على مستوى السياقات التاريخية والشروط الثقافية والتحولات السياسية، لم تتمكن من إنهاء وتفكيك ظاهرة الكراهية التي أنتجت مع عوامل أخرى حروب المائة عام، إلَّا بتفكيك الدولة الشمولية – الاستبدادية، القامعة لشعبها، والناهبة لخيراته، وبناء دولة مدنية جديدة. وحدها الدولة المدنية التي استطاعت في التجربة الغربية من إنهاء التطاحن الأهلي والحروب الدينية – المذهبية.
ونحن نعتقد أن الواقع العربي المعاصر لن يخرج من دوامة الاقتتال والعنف العبثي ومقولات التحريض وبث الكراهية، إلَّا ببناء دولة المواطنة.
* ظاهرة الكراهية: دينية أم سياسية
ثمة أفكار وقناعات عديدة حين التفكير في الإجابة عن هذا السؤال المركزي؛ لأن الإجابة السريعة تقول: إن الكراهية بين الناس تتم لأسباب دينية أو مذهبية أو قومية، لذلك فهي ظاهرة دينية – ثقافية، ولا دخل للسياسي في إنتاج ظاهرة الكراهية.
ولكن حين التأمل في هذه الظاهرة المعقدة والمركبة، نجد أن جوهرها العميق جوهر سياسي. بمعنى أن فعل التمييز والتهميش بين المواطنين يتم بإرادة سياسية ولأغراض سياسية متعلقة بطبيعة الدولة الشمولية وخياراتها السياسية والأمنية في التعامل مع مكونات شعبها، ولأن النخب السياسية السائدة تعتمد باستمرار في إدارة شعبها على قوتين أساسيتين وهما: القوة الخشنة – الصلبة عبر القمع الأمني والطرد الممنهج للكثير من مكونات الشعب، والقوة الناعمة التي تستدعي خطابات دينية وثقافية وإعلامية، تغطي ممارسة الدولة، وتبرر لها نهجها الفئوي والعصبوي. ومن المؤكد في هذا السياق أن الدين كمؤسسة ومقولات أيديولوجية، يستخدم في تبرير عملية النبذ والطرد، الذي من متوالياته ومقتضياته بث الكراهية بين المواطنين لأسباب دينية أو قومية.
ولكن لو غاب الانحياز الديني أو القومي الذي تمارسه الدولة الشمولية، لما برزت حالة الكراهية بين المواطنين لعناوين دينية أو قومية.
ولكن الإرادة السياسية والخيار السياسي هو الذي يوقظ الخصوصيات على نحو سلبي، فينتج من جراء ذلك التباغض والكراهية بين المواطنين؛ لأن جميع المواطنين بدأت تتلمس حقيقة أن انتماءها الديني أو المذهبي أو القومي له مدخلية أساسية في نيل حقوق المواطنة الكاملة أو منعها عنه، فلذلك تنمو الحساسيات بين المواطنين، والتي تنتهي بحالة من الجفاء المستحكم؛ لأن الطرف أو المكون الغالب، والذي ينعم بكل الخيرات لاعتبارات غير كسبية لا دخل له فيها.. لأنه فقط من دين الأكثرية أو من القومية الغالبة، لذلك سيستميت هذا الإنسان إلَّا ما نذر لإبقاء هذه الامتيازات القائمة في جوهرها لأسباب سياسية والطاردة لبعض شركاء الوطن.
وفي المقابل فإن الطرف أو المكون المطرود من نيل حقوقه لاعتبارات لا دخل له فيها في الغالب سيندفع من الناحية السيولوجية للتشبث بخصوصياته وسيرفع مظلوميته وسيطالب بإنصافه وجماعته الدينية أو المذهبية أو القومية.
لذلك فإننا نعتقد أن ظاهرة الكراهية هي ظاهرة في جوهرها سياسية، ولا يمكن أن تعالج إلَّا بإرادة سياسية وتحول سياسي عميق في بنية الدولة وإدارة الحكم والسلطة. ولعل العامل الأساسي الذي يثير الالتباس لتحديد طبيعة مشكلة الكراهية هي عملية التخادم المتبادل في العديد من دول المنطقة بين الديني والسياسي، ولكن لو تعمقنا في طبيعة التخادم سنكتشف أن السياسي بأدواته وقدراته، هو اللاعب الأساس والمستفيد الأول والمتحكم في آن في عملية التخادم المتبادل.
* العدالة سبيل الاستقرار
ثمة علاقة عميقة، وعلى أكثر من مستوى، تربط قيمة الاستقرار السياسي والاجتماعي في أي تجربة إنسانية وقيمة العدالة. بمعنى أن كل المجتمعات الإنسانية تنشد الاستقرار، وتعمل إليه، وتطمح إلى حقائقه في واقعها، إلَّا أن هذه المجتمعات الإنسانية تتباين وتختلف في الطرق التي تسلكها، والسبل التي تنتهجها للوصول إلى حقيقة الاستقرار السياسي والاجتماعي.
فالمجتمعات الإنسانية المتقدمة حضاريًّا تعتمد في بناء استقرارها الداخلي السياسي والاجتماعي على وسائل الرضا والمشاركة والديمقراطية، والعلاقة الإيجابية والمفتوحة بين مؤسسات الدولة والسلطة والمجتمع بكل مؤسساته المدنية والأهلية وشرائحه الاجتماعية وفئاته الشعبية؛ لذلك يكون الاستقرار هو بمثابة النتاج الطبيعي لعملية الانسجام والتناغم بين خيارات الدولة وخيارات المجتمع.
بحيث يصبح الجميع في مركب واحد، ويعمل وفق أجندة مشتركة لصالح أهداف وغايات واحدة ومشتركة.
لذلك غالباً ما تغيب القلاقل السياسية والاضطرابات الاجتماعية في هذه الدول والتجارب الإنسانية، وإن وجدت اضطرابات اجتماعية أو مشاكل سياسية وأمنية فإن حيوية نظامها السياسي، ومرونة إجراءاتها الأمنية، وفعالية مؤسساتها وأطرها المدنية، هي العناصر القادرة على إيجاد معالجات حقيقية وواعية للأسباب الموجبة لتلك الاضطرابات أو المشاكل.
وإذا تحقق الاستقرار العميق المبني على أسس صلبة في أي تجربة إنسانية، فإنه يوفر الأرضية المناسبة لانطلاق هذا المجتمع أو تلك التجربة في مشروع البناء والعمران والتقدم.
فالتقدم لا يحصل في مجتمعات تعيش الفوضى والاضطرابات المتنقلة، وإنما يحصل في المجتمعات المستقرة، التي لا تعاني من مشكلات بنيوية في طبيعة خياراتها، أو شكل العلاقة التي تربط الدولة بالمجتمع والعكس.
فالمقدمة الضرورية لعمليات التقدم الاقتصادي والعلمي والصناعي هي الاستقرار السياسي والاجتماعي. وكل التجارب الإنسانية تثبت هذه الحقيقة. ومن يبحث عن التقدم بعيداً عن مقدمته الحقيقية والضرورية فإنه لن يحصل إلَّا على المزيد من المشاكل والمآزق، التي تعقد العلاقة بين الدولة والمجتمع وتربكها وتدخلها في دهاليز اللاتفاهم واللاثقة.
وفي مقابل هذه المجتمعات الحضارية – المتقدمة، التي تحصل على استقرارها السياسي والاجتماعي من خلال وسائل المشاركة والديمقراطية والتوسيع الدائم للقاعدة الاجتماعية للسلطة، هناك مجتمعات إنسانية تتبنى وسائل قسرية وتنتهج سبل قهرية للحصول على استقرارها السياسي والاجتماعي.
فالقوة المادية الغاشمة هي وسيلة العديد من الأمم والشعوب لنيل استقرارها، ومنع أي اضطراب أو فوضى اجتماعية وسياسية، وهي وسيلة على المستوى الحضاري والتاريخي، تثبت عدم جدوائيتها وعدم قدرتها على إنجاز مفهوم الاستقرار السياسي والاجتماعي بمتطلباته الحقيقية وعناصره الجوهرية.
لأن استخدام وسائل القهر والعنف يفضي، اجتماعيًّا وسياسيًّا، إلى تأسيس عميق لكل الأسباب المفضية إلى التباعد بين الدولة والمجتمع، وإلى بناء الاستقرار السياسي على أسس هشة وضعيفة، سرعان ما تزول عند أية محنة اجتماعية أو سياسية.
وتجارب الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا والعراق كلها تثبت -بشكل لا مجال فيه للشك- أن العنف لا يبني استقراراً، وإن القوة الغاشمة لا توفر الأرضية المناسبة لبناء منجزات حضارية وتقدمية لدى أي شعب أو أمة.
فلا استقرار بلا عدالة، ومن يبحث عن الاستقرار بعيداً عن قيمة العدالة ومتطلباتها الأخلاقية والمؤسسية فإنه لن يحصد إلَّا المزيد من الضعف والهوان.
فتجارب الأمم والشعوب جميعها تثبت أن العلاقة بين الاستقرار والعدالة هي علاقة عميقة وحيوية، بحيث إن الاستقرار العميق هو الوليد الشرعي للعدالة بكل مستوياتها. وحين يتأسس الاستقرار السياسي والاجتماعي على أسس صلبة وعميقة تتوفر الإمكانية اللازمة لمواجهة أي تحدٍّ داخلي أو خطر خارجي.
فالتحديات الداخلية لا يمكن مواجهتها على نحو فعال دون انسجام عميق بين الدولة والمجتمع، كما أن المخاطر الخارجية لا يمكن إفشالها دون التناغم العميق بين خيارات الدولة والمجتمع. وكل هذا لن يتأتَّى دون بناء الاستقرار السياسي والاجتماعي على أسس العدالة الأخلاقية والمؤسسية.
وإن الإنسان أو المجتمع، حينما يشعر بالرضا عن أحواله وأوضاعه، فإنه يدافع عنها بكل ما يملك، ويضحي في سبيل ذلك حتى بنفسه. وأي مجتمع يصل إلى هذه الحالة فإن أكبر قوة مادية لن تتمكن من النيل منه أو هزيمته.
فالاستقرار السياسي والاجتماعي المبني على العدالة هو الذي يصنع القوة الحقيقية لدى أي شعب أو مجتمع.
لهذا فإن المجتمعات التي تعيش الاستقرار وفق هذه الرؤية والنمط هي مجتمعات قوية وقادرة على مواجهة كل التحديات الداخلية والخارجية.
ونحن كمجتمعات عربية وإسلامية اليوم، وفي ظل التحديات الكثيرة التي تواجهنا على أكثر من صعيد ومستوى، بحاجة إلى هذه النوعية من الاستقرار، حتى نتمكن من مجابهة تحدياتنا، والتغلب على مشاكلنا، والتخلص من كل الثغرات الداخلية التي لا تنسجم ومقتضيات الاستقرار العميق.
* بناء المواطنة الجامعة
لعل من الطبيعي القول ووفق التسلسل المنطقي: إن المسؤول الأول عن تفجر الأوضاع السياسية والأمنية في أكثر من بلد عربي، هو غياب المواطن، وبما يحمل هذا المفهوم من حمولة قانونية وحقوقية. فالمجتمعات العربية التي تفجرت فيها الأوضاع على نحو غير مسبوق، هي المجتمعات التي يغيب فيها مفهوم وحقائق المواطن، أو يتم الانتقاص اليومي من حقوقه وامتهان كرامته. فأبناء المجتمع وفق الرؤية القانونية والحقوقية ليسوا سديماً بشريًّا، وإنما هم كيان اجتماعي متضامن ومتكامل وفق رؤية أو منظومة قانونية وحقوقية متكاملة. وإن استمرار هذا الكيان يعود إلى استمرار هذه المنظومة القانونية التي تعطي لنمط العلاقة القائم بين مجموع أفراد المجتمع صفة مواطن بكل مضمونها الحقوقي على المستويين المعنوي والمادي.
وإن الإنسان حينما يفقد هذه الصفة أو الحقيقة، فهو يخسر كل شيء، ويصبح ريشة في مهب الريح. فحينما يفقد ابن المجتمع والوطن صفة وحقيقة أنه مواطن، فهو يفقد في حقيقة الأمر كل شيء، وحينما يفقد الإنسان كل شيء فهو يعمل على مخاصمة واقعه ومعاندة الأسباب التي أوصلته إلى هذا الحضيض. وحينما تكون هذه العملية (أي عملية افتقاد الإنسان صفة أنه مواطن) عامة ويشعر بها غالبية الشعب، فإن موجبات الفعل المعارض والمطالب بتغيير كل المعادلات القائمة هي الحاكمة والمسيطرة.
وأعتقد أن الشعوب العربية التي خرجت إلى الشوارع تطالب بحقوقها، وتعمل بوسائلها السلمية والحضارية لرفع الظلم والحيف عنها، هي شعوب عانت إما من غياب حالة المواطنة في علاقتها وحقوقها مع مؤسسة الدولة، أو كانت تعاني بشكل يومي من انتقاص حقوقها وامتهان كرامتها، وأنه لا نصيب حقيقي لها من قيمة المواطنة. لهذا فهي تتحرك في الشارع وتطالب بإصلاح أوضاعها، لكي تعود إلى مواطنتها، وحتى تنتقل من حالة السديم البشري إلى الكيان الاجتماعي المسيج بحقوق وواجبات المواطنة.
من هنا فإن الشعوب العربية التي خرجت في بعض الدول العربية بالملايين للمطالبة بحقوقها وكرامتها، فهي لم تخرج من أجل تدمير اقتصاد بلدها، ولم تخرج من أجل الاقتتال الداخلي بين مكوناتها وتعبيراتها، ولم تطالب بحقوقها من أجل إفشال دولتها أو لتوفير المناخ الإقليمي والدولي لمضاعفة الضغوط على دولتها، وإنما خرجت لكي تقبض على حقيقة المواطنة التي انتزعت منها، وتطالب بحقوقها من أجل أن تكون العلاقة بين كل الشعب ودولته قائمة على المواطنة المرتكزة على منظومة متكاملة من الحقوق والواجبات، وتحرّك الشعب وقدّم التضحيات الجسام من أجل أن لا تستمر علاقة الاستزلام، لأنها علاقة تدمر الأوطان والمجتمعات.
وعليه فإن المجتمع الذي تتوافر فيها كل حقائق ومتطلبات المواطنة، فهو يعيش الاستقرار العميق، ويشعر بانسجام كامل في خياراته بينه وبين الدولة التي ينتمي إليها.
أما المجتمع الذي لم تتوافر فيه -لأي سبب من الأسباب- حقائق ومتطلبات المواطنة فإنه يعيش القلق والاضطراب، وتتراكم فيه عناصر ومقتضيات الفجوة بينه وبين الدولة بكل مؤسساتها وهياكلها.
لهذا فإن طريق الاستقرار الحقيقي والعميق لكل مجتمعاتنا ودولنا، هو الذي يمر عبر تحقيق وإنجاز مفهوم المواطنة، في نمط العلاقة، وفي تحديد منظومة الحقوق والواجبات، ودون ذلك ستبقى الأمور معرضة للاهتزاز والاضطراب، وإن انجاز مفهوم المواطنة هو الذي يعطي الهيبة والعزة للدولة، دون اضطرار لاستخدم آليات القهر والقمع.
وحينما ينجز مفهوم المواطن تتمكن مجتمعاتنا من إنجاز وتحقيق مجتمع المواطنين، الذي يحترم كل الخصوصيات الفرعية، دون أن يوصله هذا الاحترام إلى الانغلاق والانكفاء والانحباس. وحينما تكون العلاقة بين المجموعات البشرية التي يتشكل منها المجتمع قائمة ومستندة إلى مفهوم المواطنة دون افتئات على دوائر الانتماء الأخرى، حينذاك نستطيع القول: إن هذا المجتمع تمكن من التغلب وقهر كل نقاط ضعفه الداخلية، وأنه خطا الخطوة الأولى في مشروع بناء تقدمه وازدهاره على أسس صلبة ومتينة.
وعلى هذا الأساس -كما يقرر المفكر الفرنسي (جورج بوردو)- تفترق الديمقراطية المحكومة عن الديمقراطية الحاكمة، الأولى قائمة على أساس شعب من المواطنين فتكون غايتها أن تحكمه حكماً مناسباً للمجتمع القائم فعلاً بصرف النظر عما يريده الشعب الحقيقي، أما الديمقراطية القائمة على أساس الشعب الحقيقي فتكون غايتها خلق عالم جديد، عالم متحرر بديل عن الواقع تشبع فيه الاحتياجات الفعلية للشعب، ديمقراطية تكون القرارات فيها خاضعة لتلك الاحتياجات.
لهذا فإننا نرى أن الأولوية في كل بلدان العالم العربي في هذه اللحظة الزمنية، هي في بناء المواطنة، بحيث تكون هي أساس الحقوق والواجبات.
فهي خط الدفاع وهي مصدر الاستقرار الحقيقي في كل المجتمعات والأوطان، ودونها لن تتمكن كل الأسلحة العسكرية من حماية الأمن والاستقرار. وإن مفارقات المواطنة في واقعنا العربي العام كالاستبداد والتعصب والتطرف، هي المسؤولة بشكل أو بآخر عن الأوضاع الحالية التي يعيشها العرب وتشهدها العديد من الدول العربية، ولا خيار أمامنا إذا أردنا الأمن والاستقرار إلَّا الالتزام بمقتضيات المواطنة، وصيانة كل الحقوق المترتبة على ذلك. فإعادة الاعتبار إلى إنساننا، عبر الاعتراف بمواطنيته الكاملة دون نقيصة، هي البداية الحقيقية لإصلاح الأوضاع في العالم العربي.
وإن بناء المواطنة وصياغة العلاقات الداخلية للمجتمع والوطن الواحد، على أسس المساواة والعدالة، هو الذي يساهم بشكل كبير في ضبط الاختلافات والتباينات، وفي جعل الحوار والتواصل متجهاً صوب القضايا الحيوية والنوعية.
وإن المواطنة ليست هوية جامدة، وإنما هي حيوية ومفتوحة على جميع الروافد، وتستفيد من كل الاجتهادات والآراء وذلك لإثراء مضمونها وتوسيع قاعدتها الاجتماعية والإنسانية. وإن المواطنة بقيمها وحقوقها وواجباتها ومسؤولياتها، هي حجر الأساس لتطوير الأوضاع السياسية والقانونية وتجديد الحياة السياسية والثقافية، وتنمية مقومات وعوامل السلم الاجتماعي وتعزيز الوحدة الداخلية.
ومن الضروري في هذا السياق، أن نولي جميعاً اهتماماً فائقاً بنظام العلاقات والتواصل بين مكونات المجتمع، والعمل على تنقيته من كل عناصر الإقصاء والتهميش وسوء الظن وغياب أشكال الاحترام المتبادل. فالمجتمع القادر على بناء مواطنة حقيقية، هو ذلك المجتمع الذي يتكون من مواطنين يحترم كل فرد منهم الفرد الآخر، ويتحلون بقيم التسامح واحترام التعدد والتنوع وحقوق الإنسان، ويعملون معاً لتوطيد أركان الفهم والتفاهم، والتلاقي والتعاون، والأمن والاستقرار.