شعار الموقع

الوجه الجديد للاستعراب الاسباني

عيسى الدودي 2019-05-27
عدد القراءات « 1030 »

الوجه الجديد للاستعراب الإسباني

 

الدكتور عيسى الدودي*

* كاتب وباحث من المغرب - البريد الإلكتروني: aissa.daoudi1@yahoo.com

 

 

 

شهدت الألفية الثالثة تَبَلْوُرَ اتجاه جديد في الاستعراب[1] الإسباني، يعتمد بالأساس على التعامل مع القضايا والتطورات الجديدة والطارئة التي عرفها العالم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما نتج عن ذلك من تطورات وأحداث، وما طرأ على العلاقات بين العالمين العربي والغربي من تغيرات، فانتقلت بذلك اهتمامات المستعربين الجدد إلى البحث في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والإسلام السياسي والإرهاب والتنمية ومشاكل الهجرة في العالم العربي، بالإضافة إلى التركيز على الحوار الثقافي والتواصل الحضاري بين الغرب والشرق، كما استقطبتهم -بشكل ملفت للنظر- القضية الفلسطينية وحرب العراق باعتبارهما من أبرز محددات نوعية التعامل الغربي مع العالم العربي، ولِمَا لهما كذلك من ارتدادات على الدول الغربية خاصة على المستويين السياسي والاقتصادي، دون أن ننسى الاهتمام الخاص الذي حظى به المغرب عند هؤلاء المستعربين باعتباره الجار العربي والإفريقي القريب الذي تربطه بإسبانيا علاقات تاريخية تمتد لقرون من الزمن.

بالرغم من الزخم الفكري الذي تطرحه هذه المدرسة الجديدة في الاستعراب الإسباني، وحضورها المتزايد في الأوساط الثقافية والسياسية، فإن محاولة رصدها، وتتبع خطواتها، تضعنا أمام تحديات وصعوبات جمة لفهم ملامحها وتوجهاتها ونظْرتِها لمستقبل العلاقات بين الشرق والغرب، وفي مقدمتها أن الحيز الزمني لهذه المدرسة ضيق للغاية لا يكاد يتجاوز عقداً واحداً، وهي فترة قصيرة بالمقارنة مع فترة اشتغال الاستعراب الإسباني التقليدي الذي يمتد لقرون من الزمن، بحيث إن هذا الأمر يؤكد -بما لا يدع مجالاً للشك- أن هذه المدرسة حديثة وفي بداية تَشَكُّلِ معالمها، وهذا ما يفسر كذلك العدد القليل من المستعربين الجدد الذين لا يمكن مقارنتهم بحال من الأحوال مع الجيش العَرَمْرَمِ من المستعربين التقليديين.

وهكذا، فهذه التحديات وغيرها لا يجب أن تكون عائقاً للبحث في هذا الموضوع، بل يجب أن تكون مبرراً ودافعاً لإعطاء صورة عن الاستعراب الجديد في إسبانيا، وتحديد توجهاته واهتماماته. لهذا فإننا في هذه السطور سنحاول أن نرصد المنعطف الذي عرفه مسار الاستعراب الإسباني في الآونة الأخيرة، والوقوف عند بعض القضايا العربية التي نالتْ اهتمامه، والتعريف ببعض أهم رموزه وشخصياته.

-1-
تحولات في مسار الاستعراب الإسباني

انتقل الاستعراب الإسباني في الألفية الثالثة، من الاستعراب التقليدي الذي كان يرتكز على التحقيق والتوثيق والتصنيف والدراسة والترجمة، إلى استعراب من نوع جديد، تَوَخَّى تغيير مجالات اشتغاله واهتمامه بما يتماشى مع المستجدات والأحداث التي عرفها القرن الواحد والعشرون، وفي مقدمتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ثم أحداث الحادي عشر من مارس بمدريد، إذ يعتبر الحدثان الأرضيةَ الصلبةَ التي انطلق منها الاستشراقُ الجديد عموماً والاستعراب الإسباني بالخصوص، والرافدَ الأساس الذي غَذَّى التوجهات الجديدة في التعامل مع العالمين العربي والإسلامي، لهذا كانت هذه الأحداث مفصلية في التمييز بين مرحلتين من الاستعراب الإسباني.

وهكذا فقد اتجه المستعربون الإسبان للتعاطي المباشر مع القضايا السياسية الراهنة في العالمين العربي والإسلامي، فتناولوا بالتحليل والدراسة مسائل الديمقراطية، والإرهاب، والإسلام السياسي، وقضية فلسطين، والشرق الأوسط، وحرب العراق، والحوار الثقافي والحضاري بين العالمين العربي والغربي.

وقد عمل كثير منهم على أن يكونوا صدىً لآراء وتصورات الشارع الإسباني حول القضايا العربية، والاتكاء عليها في تحليل القضايا الشائكة والمعقدة بين العالمين العربي والغربي، يقول إلوي مارتين كوريل (Eloy Martín Corrales) متحدثاً عن تفاعل المجتمع الإسباني مع القضايا العربية: «انقسام المجتمع الإسباني حول موضوع التعامل مع المهاجرين، بموازاة ذلك يحضر هذا الانقسام في الصراعات الأخرى المتعلقة بالعالم العربي - الإسلامي كما وضحنا سلفاً، فمن البديهي أن هناك إحساساً مهمًّا من التعاطف بسبب فلسطين (وُجِدَ بالتحديد بسبب الفظاعة التي أظهرها الجيش الإسرائيلي الذي ينفذ بشكل واضح إرهاب الدولة)، وكذلك حرب الخليج في سنة 1991، التي لم يُرَحِّبْ بها المجتمع الإسباني. وأخيراً، الدعم غير المشروط الذي قدمته الحكومة الإسبانية في الحرب التي أعلنها الجيش الأنجلو - أمريكي على العراق سنة 2003»[2].

ومن المعروف فإن مركز الثقل بعد الحرب العالمية الثانية انتقل من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتَعَزَّزَ هذا المعطى في بداية القرن الواحد والعشرين عندما اصطفت الدول الأوروبية وراء الولايات المتحدة الأمريكية التي قادت حملات على العراق وأفغانستان في إطار ما يسمى بالحرب على الإرهاب. وفي الوقت نفسه فقد عملت هذه الأخيرة على استقطاب النخبة المثقفة في العالم، وبالتحديد مثقفو أوروبا الذين قصدوها لخدمة العلم والمعرفة والبحث العلمي من جهة، أو الارتباط بالدوائر السياسية والأمنية من جهة أخرى، ومن ضمنهم المستعربون الإسبان الذين رَأوْا نوعاً من التوافق بين الحادي عشر من سبتمبر والحادي عشر من مارس (11M-11S)، وما يعنيه ذلك من وحدة الخطر الذي يهددهما معاً، وهو الخطر القادم من الشرق، وبالتحديد كل ما هو عربي ومسلم. وقد استوْجَبَ عليهما ذلك خوض الحروب الفكرية والحضارية معاً، وهذا ما يفسر انتقال كثير من المستعربين الإسبان إلى الولايات المتحدة الأمريكية والاستقرار فيها، وقضاء فترات مختلفة من حياتهم فيها.

ومِمَّا لا يخفى في هذا المجال، هو أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وما تبعها من الأحداث الأخرى التي عرفتها بعض العواصم الغربية كمدريد ولندن وباريس، كانت من الدواعي الأساسية التي جعلت القضايا السياسية تطفو إلى سطح اهتمامات المستشرقين والمستعربين، الذين انبروا لتحليلها وإبداء آرائهم فيها. وحَفَّزَ ذلك الدوائر السياسية والأمنية الغربية كي تتدخل على الخط، وتعمل على استقطاب وتجنيد بعض هؤلاء، ليغدو المثقف الغربي المهتم بالآخر العربي والمسلم جزءاً من الترسانة الموجهة للمواجهة والصراع، وإقحامه في الحروب السياسية والحضارية التي انطلقت مع صمويل هانتنغتون (Samuel Huntington) صاحب نظرية «صدام الحضارات»، وفرانسيس فكوياما (Francis Fukuyama) صاحب فكرة «نهاية التاريخ»، وامتدت الآن إلى بيرنارد لويس (Bernard Lewis) وتري دجونيس (Terry Jones)، وغيرهما من المستشرقين والمسيحيين المتطرفين الجدد.

يقول الدكتور مصطفى عبد الغني عن هذا التيار الجديد في الاستشراق: «لا يمكن فهم ما آل إليه حال (الآخر) الآن دون أن نشير إلى ما انتهت إليه دورة الاستشراق الغربي من غبن للشرق الإسلامي عبر مستشرقي الغرب، وغبن أعنف عبر تحول الاستشراق التقليدي إلى استشراق جديد من نوع آخر، يمكن أن يسمى في الولايات المتحدة الأمريكية (بالاستشراق الجديد).

إنه الاستشراق الجديد الذي يغاير الاستشراق التقليدي، إذ تحول المستشرق التقليدي الآن إلى (خبير) و(متخصص) عبر معاهد ومؤسسات بحثية حديثة تابعة للإدارة الأمريكية.

والواقع أن هذا التحول كان قد بدأ تصاعده قبل 11 من سبتمبر بفترة طويلة، غير أنه كشف عن وجهه بعنف شديد إبان تأكيد (الخطاب) الغربي الجديد»[3].

وبالرغم من السطوة التي امتلكها هذا التوجه الجديد في الاستشراق، والحظوة التي حظي بها في الغرب، والإمكانات الهائلة التي تم توفيرها له، والمحاولات الحثيثة لإقحامه في الحروب السياسية والحضارية، فإنه لم يَخْلُ من الباحثين المعتدلين الذين وضعوا في قائمة أولوياتهم الانتصار للحوار الحضاري، والتواصل بين الثقافات والحضارات، ومد جسور التواصل بين الشرق والغرب، والحد من الحروب والصراعات التي أهلكت الحرث والنسل. إذ أصبح من المسؤوليات الجسيمة الملقاة على عاتق المثقفين في الشرق والغرب، وعلى رأسهم المستشرقين والمستعربين، العمل على الحد من التصورات المتطرفة في الثقافة والسياسة سواء في الشرق أو في الغرب، والتي تعمل على تغذية الإرهاب والعنصرية وتسعي للهيمنة والسيطرة واحتقار الآخر.

وهكذا فالمستعرب باعتباره ذلك المثقف الذي يملك مستوى معرفيًّا يجمع بين ثقافتي الشرق والغرب، فهو مَدْعُوٌّ بقوة للقيام بمَهامِّ التقارب بين الحضارتين العربية والغربية، وتشجيع فرص الحوار والتواصل.

لكن الإشكال الذي يطرح نفسه بقوة، والعائق الأكبر المطروح بهذا الصدد، هو العلاقة بين المثاقفة والأيديولوجيا، أو بعبارة أخرى هل يمكن الحديث عن سقوط المثاقفة في براثن السياسة والأيديولوجيا؟ أو ما سماه إدوارد سعيد في أحد فصول كتابه الاستشراق: «الاستشراق الكامن والظاهر»، حيث يقول مؤكداً هذه الحقيقة: «وإذا كان هذا التحديد للاستشراق يبدو سياسيًّا أكثر منه أي شيء آخر، فذلك ببساطة لأني أؤمن بأن الاستشراق كان هو نفسه نتاجاً لقوى ونشاطات سياسية معينة»[4].

هذا مِمَّا لا يمكن إنكاره من خلال التعاطي السياسي للمستعربين كما رأينا آنفاً وسنرى لاحقاً، لكن الذي يشجع على التفاؤل هو أن المثاقفة في حد ذاتها وفي كثير من أدوارها هي تحجيم للأيديولوجيا، وهذا ما يفسر اكتساح أدبيات المثاقفة والحوار والتعايش المشهد المعرفي في العقود الأخيرة، وفي المقابل تراجعت الأيديولوجيا إلى الوراء إلى درجة الحديث عن موت الأيديولوجيا، يقول عبد الرزاق الدواي: «وفي سياق ما يمكن اعتباره صراعاً صامتاً بين هذين المفهومين: الثقافة والأيديولوجيا، لا يفوت المتتبع أن يلاحظ عن كثب، مدى انخفاض أسهم مفهوم الأيديولوجيا، وفي مقابل ذلك مدى تنامي الاهتمام لدى المفكرين والمحللين السياسيين، بإشكالية مفهوم الثقافة، وبالمفاهيم المرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً، مثل: الهوية الثقافية، المثاقفة، الهيمنة الثقافية، الحقوق الثقافية، والحوار بين الثقافات، الاستراتيجيات والسياسات الثقافية»[5].

ومن البشائر التي عززتْ هذا التوجه الجديد لإحلال السلام والتعايش بين الشرق والغرب، الدعوات التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي دَعَتْ بشكل صريح إلى نبذ التوجهات المتطرفة في الشرق والغرب، وإبراز دورها التخريبي للسلم العالمي، من ذلك أن إدوارد سعيد بعد حوالي شهر من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أطلق على التطاحن بين القوى المتطرفة في الشرق والغرب في مقال له نشر بيومية إلبيس (El paίs) الإسبانية يوم (16-10-2001)، «صدام الجاهليات El choque de ignorancias»، والذي سَفَّهَ فيه نَظَرِيَتَيْ «صراع الحضارات» و«نهاية التاريخ»، لكل من صمويل هانتنغتون وفرانسيس فكوياما، وآراء المستشرق برنارد لويس (Bernard Lewis)، وكذلك توجهات بعض السياسيين المساهمين أو المغذين لهذا الصراع، سيلفيو بيرلوسكوني (Silvio Berlusconi)، وأسامة بن لادن (Osama Bin Laden)، ومما قاله بهذا الصدد: «حسب افتراضي، فإن المصدر الأساس للصراع في العالم حاليًّا، ليس بالأساس أيديولوجيًّا أو اقتصاديًّا. فالانقسامات الكبيرة التي تعرفها البشرية، وسيادة الصراعات والنزاعات، كلها ستغدو ذات طابع ثقافي. تسعى الدول في العالم أن تكون لها أدوار قوية في السياسة العالمية، لكن من الأمور التي تروق السياسة أن الصراعات الأساسية ناجمة عن الصراع بين البلدان والحضارات المختلفة. صراع الحضارات هو المهيمن على السياسة العالمية، والحدود الفاصلة بين الحضارات ستصبح جبهات لحروب المستقبل»[6].

ومن الآراء كذلك التي يمكن الاعتماد عليها في هذا الاتجاه هذه القولة لماريا لورديس فلوريس (María Lourdes Flores): «الذي يتجنبه في الحقيقة هؤلاء المستشرقون مثل برنارد لويس (Bernard Lewis)، أو آخرون الذين هم أكثر شباباً مثل فؤاد عجمي (Fouad Ajami)، هو الحديث عن المسؤولية العالمية وعلاقتها بالاستراتيجية الجيوسياسية الإمبريالية التي تفسر ارتباط رد الفعل العنيف بمجموعة متخصصة من الإرهابيين، وليس بدوائر السلطة بأمريكا التي ترتبط بمافيا بيع السلاح والتحكم بالبترول»[7].

وما قلناه عن الاستشراق وتوجهاته السياسية التي تتسم بالغُلُوِّ، لا يمكن تعميمه على الاستعراب الإسباني الذي لا يمكن أن نطلق عليه الأحكام الجزافية ونضعه في قفص الاتهام، خاصة وأنه يملك من الخصوصيات ما يميزه عن توجهات الاستشراق عموما، من ذلك أن إسبانيا تُعَدُّ أقرب الدول الغربية إلى العالمين العربي والإسلامي، نظرا للوجود العربي والمسلم الذي دام حوالي ثمانية قرون في الجزيرة الإيبيرية، والذي خلف إرثاً تاريخيًّا وحضاريًّا ما زال يخترق الوجدان الإسباني ويلقي بظلاله على الوعي الجمعي لدى الإسبان.

لهذا يعتبر الإسبان أقرب الشعوب الغربية لفهم عقلية العرب والمسلمين، والتجاوب مع تصوراتهم للحياة والوجود وتقبلها والتعاطي الإيجابي معها. أضف إلى ذلك أن المغرب باعتباره جاراً لإسبانيا، تربطه بها علاقات تمتد لقرون من الزمن، حَتَّمَتْ على السياسيين والمثقفين على حد سواء في إسبانيا، إمساك العصا من الوسط، نظراً لوجود شبكة كبيرة من العلاقات والمصالح المتبادلة بين البلدين، لهذا اتجه المستعربون الإسبان إلى تعزيز هذه الروابط ومجاراة الخطاب السياسي الإسباني الذي يتبنى هذا التوجه في تعامله مع المغرب والعالم العربي.

بهذا الصدد يقول عبد الكريم أحمد أطخايش عن تأثر الاستعراب الإسباني بالبيئة والتاريخ، وتقاطعه مع المؤثرات العربية والإسلامية: «إلَّا أنني أعتقد أن هذه التفرقة قد تساعدنا في رصد الفروق النفسية والفكرية لمواقف المستعربين من كثير من القضايا سواء كانت فكرية معرفية أو سلوكية حضارية اجتماعية. ذلك بأن البيئة عامل حاسم في صقل ملكة التقييم والصور والأحكام على الآخر، على أنَّا لا نجزم باطراد ما يقبل الاحتمال والاستثناءات في حالات بعض الأقوام والأمم يختلط بالأجناس الأخرى ويرتبط بثقافتها وحضارتها ارتباطاً عقليًّا وعاطفيًّا قد يجعلها أقرب إلى النزاهة والموضوعية عند المقاربة»[8].

-2-
قضايا في صُلْبِ اهتمامات الاستعراب الجديد

عرفت إسبانيا في السنوات الأخيرة فئة من المستعربين آثروا المزاوجة بين ما هو سياسي وما هو ثقافي، إذ بالرغم من اهتماماتهم الثقافية والعلمية، فإنهم لم يستطيعوا التخلص من الهموم السياسية، فجندوا أنفسهم للتفكير في طريقة التعامل مع الآخر/ العربي والمسلم، ووَضْع المخططات والاستراتيجيات لضبط طموحاته واندفاعاته نحو المستقبل بعد قرون من التخلف والتبعية المُزْمِنَيْنِ. فبعد سقوط المعسكر الشرقي أصبح الغرب بنخبه العسكرية والثقافية في مواجهة مباشرة مع العالم الإسلامي الذي عاد من جديد إلى الواجهة كقطب حضاري يبحث عن موقعه المفقود بين الأمم والحضارات العظمى.

وهكذا فقد تناولوا باهتمام بالغ عدة قضايا تتعلق بالعالمين العربي والإسلامي، نذكر منها:

2. 1- الإسلام والإسلام السياسي

غدا موضوع الإسلام وارتباطاته السياسية من المواضيع الشائكة التي فرضت نفسها على المستعربين الإسبان، خاصة بعد صعود التيارات الإسلامية في بلدان العالم الإسلامي في التسعينات من القرن الماضي، واجتياح موجة من العنف كثيراً من هذه الأقطار، وامتداد بعض ارتدادات هذه الأحداث العنيفة إلى الغرب، الذي طرح مجدداً وبإلحاح مسألة الاندماج، وكيفية التعامل مع الوافدين إليه من العرب والمسلمين.

وعليه فقد أصبح موضوع الإسلام وعلاقته بالإسلام السياسي دَسِمًا إلى أبعد الحدود، إلى جانب ما يتعلق بالتطرف والإرهاب، نظراً لما لهذه المواضيع من حضور في المشهدين السياسي والثقافي في العقود الأخيرة. فمن الكتابات التي انصبت على هذا الموضوع، ما كتبه المستعرب الإسباني ذو الأصول العراقية وليد صالح الخليفة (Waleed Saleh Alkhalifa)، الذي له كتاب بعنوان: «الجناح المتطرف في الإسلام، الإسلام السياسي: حقيقة أو وهم El ala radical del islam. El islam político: realidad y ficción» 2007م. كما تناولت المستعربة الإسبانية «غيما مارتين مونيوث (Gema Martín Muñoz) الموضوع نفسه في كتاب سَمَّتْهُ: «الوطن العربي، أزمة الشرعية وردود الإسلام السياسي El Estado Árabe. Crisis de legitimidad y contestación islamista» 2000م، بالإضافة إلى كتاب آخر هو بمثابة مرشد ودليل لرجال التعليم الإسبان في تعاملهم مع الإسلام والمسلمين، هو: «الإسلام والعالم العربي: الدليل الديداكتيكي للأساتذة والمكونين El Islam y el Mundo Árabe. Guía didáctica para profesores y formadores» 1996م ولها كذلك كتاب آخر بالإنجليزية معنون بـ: «الإسلام والحداثة والغرب: علاقة الثقافي بالسياسي في نهاية الألفية Islam, Modernism and the West: Cultural and Political Relations at the End of the Millennium» 1999م.

ودائماً في إطار هذا الموضوع، نجد من المستعربين من ناقش إشكالية العلاقة بين الإسلام والمذاهب السياسية الأخرى مثل الماركسية، كما فعل لوث غوميس غارسيا (Luz Gómez Garcίa) الذي ألَّف كتاباً بعنوان: «الماركسية، الإسلام والإسلام السياسي: مشروع عادل حسين Marxismo, islam e islamismo: el proyecto de Adil Huséin» 1996م، وهو عبارة عن دراسة في التصورات السياسية لعادل حسين حول الماركسية وعلاقتها بالظاهرة الإسلامية.

إلَّا أنه من الملاحظ عموماً على تصورات المستعربين تجاه الظاهرة الإسلامية، أنهم في كثير من أحكامهم كانوا منصفين ومتوازنين في تفسير ما حدث أثناء وبعد الحادي عشر من سبتمبر، إذ اعتبروا ذلك صراعاً بين النظريات المتطرفة في العالم الإسلامي والعالم الغربي، متفقين في ذلك تمام الاتفاق مع الحكم الذي أطلقه إدوارد سعيد على ذلك الصراع عندما وَسَمَهُ بأنه صدام الجاهليات (El choque de ignorancias).

2. 2- الحوار الثقافي والتواصل الحضاري

نتيجة للحروب والصراعات التي حدثت في العقود الأخيرة، والاصطدام المتكرر بين الشرق والغرب، وصعود بعض قوى التطرف وإنكار الآخر في كل من العالمين العربي والغربي على حد سواء، كان لزاماً على المثقفين خوض حرب من نوع آخر، حرب حوار الحضارات، والتقارب بين الثقافات، والتعايش بين الشعوب والأمم، والاعتراف بحق الآخر في الوجود، واحترام ما لديه من خصوصيات، بغية الحد من الأفكار المتطرفة التي أصبحت تهدد التعايش والاستقرار في العالم، والآتية سواء من الشمال أو الجنوب.

ومنذ حوالي عقدين من الزمن تنبأ رضوان السيد بأن الاستشراق (ومن ضمنه الاستعراب) سينتهي إلى التقارب والتفاهم مع العالم الإسلامي، والرضوخ للحقائق العلمية، والركون للتعايش والتواصل الإيجابي والفعّال، بقوله: «والحق أن مسائل علاقة المسيحية بالإسلام، والحضارة الغربية بالحضارة الإسلامية، ومستقبل الحياة على هذه الأرض في ظل صراعات الشرق والغرب، هذه المسائل كلها تشغل منذ أكثر من قرن أناساً بالغرب ليس منهم السياسيون الاستعماريون أو الانتهازيون أو المبشرون. هذه المسائل حاضرة في تاريخ الفكر، والرؤية الإنسانية للعالم، والتطلع لشرق وغرب متقاربين بعد أن أعطى هذا الشرقُ الغربَ دينه وأساس حضارته الحالية. ويتزايد الاتصال اليوم على المستويات كافة، فهناك نقاشات حوار الحضارات التي أثارتها رؤية روجيه جارودي في كتيبه بالعنوان نفسه.. لكن العقدين الأخيرين شهدا مؤتمرات وندوات بلغت درجة «عالية» من التَّفَهُّمِ والصراحة والعلمية، وجرت فيها دراسة قضايا مصيرية من مثل: حقوق الإنسان في المسيحية والإسلام، والعلاقات التاريخية بين المسلمين والمسيحيين، والتعايش الإسلامي المسيحي اليوم، وإمكانيات الأديان في الإسهام في السلم العالمي ونزع السلاح»[9].

وتماشياً مع هذه الضرورة الملحة التي أصبحت تفرض نفسها على المثقفين ومن بينهم المستعربين ثم الرأي العام عموماً، أصبحت الساحة الثقافية الإسبانية تتلقف كَمًّا لا يستهان به من الكتب والمؤلفات في هذا الاتجاه، بحيث إنها من الكثرة لا يتسع المجال لذكر الكثير منها، وسنكتفي هنا بذكر مؤلفين فقط -في الحوار بين العرب وأوروبا- لإميليو غونزاليس فرين (Emilio González Ferrín)، هما:

- «ملفات الحوار الأوروبي العربي Documentos del Diálogo Euro-Árabe».

- «الحوار العربي الأوروبي El Diálogo Euro-Árabe».

أما المقالات والدراسات فنجد أغلبها منشورة في مَجَلات متخصصة في العالم العربي مثل: «Awraq أوراق»، و«Al-qantara القنطرة»، و«Revista de occidente مجلة الغرب»، و«Al-andalus–Magreb الأندلس– المغرب»، و«Miscelanea de Estudios Árabe y Hebraicos منتخبات للدراسات العربية والعبرية»..، إلى جانب المحاضرات والندوات التي تنظمها الجامعات والمعاهد والمؤسسات، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مؤسسة: «Casa Arabe بيت العرب»، التي تُعَدُّ مؤسسة نشيطة ورائدة في هذا الباب.

2. 3- الهجرة ومسألة الاندماج

تعتبر مسألة الهجرة من القضايا المطروحة بإلحاح في الغرب في أواخر القرن الماضي وبداية القرن الحالي، لما تطرحه من أمور تتعلق بالاندماج والتواصل مع الجاليات المسلمة، فالغرب الذي استفاد من العمالة القادمة من العالم الثالث وبالخصوص من العالم الإسلامي بعد الحرب العالمية الثانية، والتي ساهمت بشكل كبير في تشييد البنية التحتية لأوروبا، أصبح الآن يرغب في لفظها والحد من الأفواج البشرية القادمة إليه من الجنوب، والتي -حسب رأيه- تعمل على خلخلة بنيته الاجتماعية، وتفكيك أسسه الحضارية ذات الطابع الروماني/ اليوناني، وتهديد السلم الاجتماعي خاصة بعد الأحداث الإرهابية التي مست مختلف الدول الغربية، وفي مقدمتها أحداث 11 مارس 2004م بمدريد.

وبحكم الموقع الجغرافي لإسبانيا في جنوب أوروبا، وقربها الشديد من الضفة الجنوبية التي لا يفصلها عنها سوى مضيق جبل طارق الذي لا يتعدى طوله 15 كيلومتراً، فإنها كانت أكثر الدول الأوروبية تأثراً بالهجرة، وبالإضافة للقادمين من دول المغرب العربي خاصة المغرب، فإن هناك أفواجاً أخرى تأتي من إفريقيا ومن جنوب الصحراء تحديداً، تزيد مشكل الهجرة تعقيداً، وهذا ما جعل أحد الباحثين الإسبان يقول في موضوع الهجرة: «بالرغم من ذلك، بدأ يتبين بوضوح، بأن الاستراتيجية الأوروبية الوحيدة بخصوص الهجرة، تَمُرُّ عبر جنوبنا، من هذه الباب التي يمكن أن تَحُدَّ من هذا الاجتياح الجديد -الذي هو طبعاً «خطر» من الصعوبة تحديده- الذي يأتي بدافع التخلف والتعصب»[10].

لهذا لم يجد المستعربون الإسبان بُدًّا من دراسة ظاهرة الهجرة، بدءاً بتحديد أسبابها، ومروراً بجرد انعكاساتها، وانتهاء باقتراح الحلول لها. وكذلك إحصاء أعداد المهاجرين -الشرعيين وغير الشرعيين- وتطور أعدادهم من سنة إلى أخرى، وتطور نسبتهم بالمقارنة مع ساكنة البلد المُضيف[11]، وكل ما يتعلق بأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، وتحديد المناطق التي يأتون منها ودراسة أوضاعها دراسة معمقة.

ومن الدراسات المهمة حول وضعية المهاجرين في إسبانيا، كتاب: «الإسلام والمسلمون في إسبانيا: من خلال دراسات ميدانية Marroquίes en España: Estudios sobre su integración»، لخيما مارتين مونيوث (Gema Martín Muñoz) الذي ترجمته الدكتورة كنزة الغالي إلى العربية، نقتطف منه هذا المقطع الذي توضح فيه دواعي تناولها لهذا الموضوع: «وبدل المقاربة الأمنية التي روجت لها وسائل الإعلام بشكل مستفز، بدأنا نسمع عن سياسة إدماج بعض المهاجرين الذين جاؤوا للاستقرار بصفة نهائية فوق ترابنا، وطرحت بعض المفاهيم كالهوية الثقافية في إطار الاختلاف والتنوع..

وهكذا فبدل الخوض في المفهوم الحقيقي لإدماج المهاجرين ورفع التحدي الذي تفرضه الهجرة يتم التطرق لجوانب هامشية لا تمت للواقع بصلة. وقد سقطت وسائل إعلام عديدة في مغالطات كبيرة بإسقاط كل الأوصاف المشينة على المغاربة في إسبانيا وترويج أفكار وهمية وصور مغلوطة ضد هذه المجموعة من المهاجرين.

وحينما تنبهنا لذلك، ارتأينا أنه من واجبنا القيام بهذه الدراسة لإظهار حقيقة هذه المجموعة وأن الأفكار المروجة ضدها إنما تدخل في إطار الجهل والمزايدات، وكذلك لتمكين هؤلاء المهاجرين من الاندماج الفعلي المبني على حقائق ومعطيات منطقية وصحيحة»[12].

ودائماً في إطار الهجرة يبقى موضوع الاندماج من المفاهيم العائمة والمؤرقة للغربيين والمهاجرين من العرب والمسلمين على حد سواء، فبالرغم من مساعي الأوروبيين ومن ضمنهم الإسبان لإدماج المهاجرين، وجعلهم أكثر انخراطاً في المجتمعات الأوروبية، فإن ذلك لم يُحَقِّقْ غايته لسبب وجيه، هو تعدد التفسيرات والتأويلات لهذا المفهوم بما يتماشى مع المصالح السياسية والاقتصادية والثقافية للغرب، وقد عبَّرَ التجاني بولعوالي بصراحة عن هذه المخاوف بقوله: «وهكذا فقد صار مصطلح الاندماج ينطوي على مفهوم ملتبس ومخادع، ولو أن دلالته اللغوية الأصلية واضحة ومستوعبة، والمرجع في ذلك الالتباس، أو تلك المخادعة، إلى ذلك الاستهلاك المتنوع والمستمر له، مما شحنه بشتى الأفكار والحمولات والتأويلات الفكرية والسياسية والأيديولوجية، التي حَرَّفَتْ معناه الأصلي، فراح كل تيار وحزب أو توجه يؤول اندماج المسلمين في المجتمعات الغربية والأوربية، وفق المرجعية التي ينتسب إليها»[13].

وما يمكن أن يقال عن أوروبا في هذا المجال ينطبق كذلك على إسبانيا، التي تختلف الأحزاب الحاكمة فيها في تعاملها مع المهاجرين، خاصة الحزبين الكبيرين: الحزب الشعبي، والحزب الاشتراكي، فالمهاجرون في إسبانيا يَتَمَلَّكُهُمْ خوف شديد على مستقبلهم مع أي انتخابات جديدة، وأي حكومة منبثقة عنها.

2. 4- القضية الفلسطينية

حظيت بمساحة لا يستهان بها في كتابات المستعربين الإسبان، لأن استمرارها وعدم التوصل لحل لهذا النزاع، هو في حد ذاته استمرار لمجموعة من الأزمات التي ستظل تُوَتِّرُ العلاقات بين الشرق والغرب، لهذا نجد لـ«لوث غوميس غارسيا Luz Gómez García» كتاباً إبداعيًّا يجمع بين دفتيه حكايات فلسطينية تحت الاحتلال هو: «تحت الاحتلال، حكايات فلسطينية Bajo la Ocupación. Relatos palestinos» 2003م، من تقديم «خوسي سراماغو José Saramago»، وله كذلك أربع مؤلفات حول محمود درويش شاعر القضية الفلسطينية (ستذكر لاحقاً في محور: الاتجاه للإبداع).

2. 5- حرب العـراق

ما أحدثته هذه الحرب من انقسام في الرأي العام العالمي حول شرعيتها، وما خلفته من تكلفة باهظة في الأرواح والأموال، كانت مدعاة للمستعربين الإسبان كي يدلوا بدلوهم فيها، فلوليد صالح الخليفة كتابان في الموضوع العراقي، الأول صدر سنة 2005م معنون بـ: «العراق: الغزو والاحتلال والفوضى Irak: invasión, ocupación y caos»، والثاني صدر سنة 2004م، تحت عنوان: «الشرق الأوسط: متاهة بغداد Oriente Medio: el laberinto de Bagdad». أما «غيما مارتين مونيوث Gema Martín Muñoz» فكتبت عن العراق مؤلفا بعنوان: «فشل الغرب في العراق Irak. Un fracaso de Occidente 1920-2003».

2. 6- المغـــرب

باعتباره الجار القريب لإسبانيا في الضفة الجنوبية، والذي تربطه بها شبكة من العلاقات التاريخية والثقافية والحضارية التي تمتد لقرون من الزمن، فقد حظي باهتمام بالغ في دراسات المستعربين الإسبان، الذين عاش كثير منهم فترات مختلفة من حياتهم في المغرب. لهذا انكبوا على دراسة هموم المغرب وقضاياه، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية والمرأة والهجرة والإدماج، من ذلك كتاب «غيما مارتين مونيوث Gema Martín Muñoz» المعنون بـ: «المرأة، التنمية والديمقراطية في المغرب Mujeres, desarrollo y democracia en el Magreb»1995م، وكذلك كتاب: «تعلم ومعرفة الشعور الاجتماعي والثقافي بين إسبانيا والمغرب Aprender a conocerse. Percepciones sociales y culturales entre España y Marruecos»، وقد صدر سنة 2001م عن مؤسسة ريبسول Repsol ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج.

-3-
الاتجـاه للإبـداع

من الأمور التي ألفناها عند المستشرقين والمستعربين في القرنين الماضيين -التاسع عشر والعشرين-، محاولة تجنب ما أمكن ولوج عالم الإبداع والمساهمة فيه، وترك مساحة مفصلية بينهم وبينه، إذ كانت جهودهم تكاد تقتصر على التحقيق والتوثيق والدراسة والترجمة، وهي مجالات معرفية تتطلب الصرامة العلمية والدقة والأمانة في البحث العلمي، بعيداً عن الإبداع وركوب أجنحة الخيال.

لكن الملاحظ عليهم في القرن الواحد والعشرين وما قبله بقليل، التوجه باندفاع نحو الإبداع، وبالتحديد الإبداع في مجال السرد خاصة ما يتعلق بالرواية. ومِمَّا يعنيه توسيع مجال الاشتغال بهذا الشكل عند المستعربين الإسبان، التخلص من القيود والضوابط العلمية الصارمة، وفي المقابل الاستفادة من حرية الإبداع التي تسمح بتصريف الأفكار والآراء والتصورات حول قضايا مختلفة، وتوظيف الترسانة الهائلة من العلاقات السياسية والحضارية والثقافية واللغوية مع العالمين العربي والإسلامي في المتن الحكائي لنصوصهم السردية، وكذلك توظيف المخزون الفكري واللغوي والحضاري المشترك في الإبداع الشعري، والتطرق لقضايا العالم العربي وهمومه، ومحاولة مقاسمته المعاناة والألم، ولِمَا التعاطف معه والوقوف إلى جانبه ومساندته.

3. 1- الإبداع الروائي

من هؤلاء المستعربين الإسبان الذين مزجوا بين الدراسات العربية والإبداع، نجد فليب مايو سلغاضو (Felipe Maίllo Salgado)، وهو أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة سلامنكا (Sallamanca)، وله دراسات عديدة حول اللغة العربية والقانون الإسلامي، لكنه في السنوات الأخيرة، وبالضبط منذ سنة ألفين، أخرج إلى الوجود حوالي أربع روايات، هي:

- «الهزائم المشكوك فيها» (Incertas derrotas) سنة 2000م، و«عديم الإحساس سكوت الآلهة» (El impasible mutismo de los dioses) سنة 2004م، و«النسيان الخرافي» (El fabuloso olvido) سنة 2006م، و«صباحات سمندر» (Las mañanas de la Salamandra) سنة 2010م، وكلها طبعت في العاصمة الأرجنتينية «بوينوس أيرس Buenas aires».

3. 2- الإبداع الشعري

نستحضر في هذا الجانب ما كتبه المستعرب الإسباني: لوث غوميس غارسيا (Luz Gómez García) حول القضية الفلسطينية، إذ له أربع مؤلفات إبداعية حول محمود درويش شاعر القضية الفلسطينية، هي:

1- محمود درويش: أشعار منتقاة Mahmud Darwix: Poesía escogida (1966 -2005)، 2008م.

2- محمود درويش: دولة المكان Mahmud Darwix: Estado de sitio، 2002م.

3- محمود درويش: العنقاء القاتلة Mahmud Darwix: El fénix mortal، 2000م.

4- محمود درويش: مثل أزهار شجر اللوز Mahmud Darwix: Como la flor del almendro، 2009م.

-4-
نماذج من المستعربين الجـدد

قام هذا التوجه الجديد في الاستعراب الإسباني على يد نخبة من المستعربين الذين غَذَّوْا بكتاباتهم وأبحاثهم هذا المسار الجديد في الاستعراب، إلَّا أنه بالنظر إلى ضيق الحيز الزمني لهذا الاستعراب الذي يمتد فقط لعقد من الزمن، فإنه من البديهي أن يكون عدد هؤلاء المستعربين الذين شقوا طريقهم بوضوح في هذا النوع من الاستعراب قليلاً يكاد لا يتعدى أصابع اليد، وفي الوقت نفسه فإنه يسجل عليهم أنهم يتميزون بالحيوية والنشاط والعمل الدؤوب، واستطاعوا أن يفرضوا أنفسهم في ساحة الاستعراب بالكَمِّ الغزير من الكتابات والمساهمات حول الدراسات العربية، سنحاول هنا أن نركز فقط على ثلاثة منهم، ونُعَرِّفَ ولو باختصار بجهودهم في مجال الاستعراب الجديد:

4. 1- غيما مارتين مونيوث Gema Martín Muñoz

مستعربة إسبانية، من مواليد مدريد سنة 1955م، متخصصة في الشؤون العربية والشرق الأوسط والإسلام والصراع العربي الإسرائيلي، ولها كذلك أبحاث حول الحرب التي خاضها النظام الجزائري ضد الإسلاميين. نشرَتْ عدة كتب حول الديمقراطية وأزمة الحكم وحقوق الإنسان في العالم العربي، والإسلام والحداثة، والعلاقات السياسية والثقافية بين إسبانيا والمغرب. ولها عدة مقالات منشورة في مجلات وجرائد مختلفة منها يومية «الباييس El país». منذ سنة 1998م وهي تشغل أستاذة علم الاجتماع الخاص بالعالمين العربي والإسلامي في جامعة مدريد، وكذلك أستاذة زائرة بجامعة «هارفارد Harvard»، ومشاركة في مشاريع بحث في جامعة السربون بباريس.

منذ سنة 2006م شغلت منصب المدير العام لمؤسسة «دار العرب Casa Άrabe»، كما كانت مستشارة في رئاسة الوزراء في عهدي كل من «فليبي غونزالي Felipe González» و«خوسي ماريا أزنار José María Aznar». وتجدر الإشارة أنها شاركت كمتخصصة وخبيرة في لجنة التحقيق في الأحداث الإرهابية التي وقعت في مدريد في 11 مارس 2004م، بالإضافة إلى أنه نتيجة لأبحاثها واهتماماتها بالعالم العربي، فقد تسلمت من الحكومة المصرية، وبإذن من الرئيس المصري السابق حسني مبارك أعْلى وِسام في العلوم والآداب.

4. 2- رودولفو خيل غريمو Rodolfo Gil Grimau

مستعرب إسباني عاش بين (1931م، 2008م)، بالرغم من أن اسمه العائلي هو Gil Grimau، فإنه يفضل أن يضيف إليه «Benumeya» أي «بنو أمية»، لأنه سليل أسرة موريسكية Moriscos، ففي السنوات الأخيرة من حياته كان يؤثر أن يوقع أعماله بهذا الاسم: Rodolfo Gil Benumeya Grimau.

ينتمي لأسرة عُرفت بتعاطي الثقافة والصحافة والهَمِّ السياسي، فهو ابن المستشرق الإسباني Rodolfo Gil Benumeya Grimau المهتم بقضايا الأندلس، ويتضح هنا مدى التطابق بين اسمه واسم أبيه، إلى درجة يصعب معها التمييز بينهما، إذ يقع الباحثون والمهتمون بالاستعراب الإسباني في خلط كبير بينهما، بخصوص سيرتهما الذاتية وأعمالهما.

أما أمه فهي «إميليا غريمو Emilia Grimau»، أخت السياسي والزعيم الشيوعي خوليان غريمو Julián Grimau. نقل عنه «أنخليس إسبينوزا Ángeles Espinosa قوله متحدثاً عن أسرته العريقة، وطفولته التي عاش معظمها في العالم العربي: «أنا رابع رودولف خيل، أبي كان مستعرباً، وسياسيًّا، وصحفيًّا، قضيت طفولتي في مصر والمغرب والجزائر. وكما هو الشأن بالنسبة لجميع الذين عاشوا خارج إسبانيا، لًدَيَّ نظرة مختلفة عن نظيرتها داخل البلد»[14].

وهكذا فقد قضى رودولفو خيل غريمو طفولته خارج إسبانيا رفقة أبيه الذي كان باستمرار في بعثات علمية إلى بلدان عربية مختلفة، وعاش بالضبط فترات من حياته في مصر والمغرب والجزائر، فبين سنتي (1932م، 1936م) استقرت أسرته بتطوان عاصمة المنطقة التي احتلتها إسبانيا من المغرب، وكذلك بمدينة طنجة التي كانت تحظى بطابع دولي، وفي سنة 1936م انتقل مع أبيه إلى القاهرة حيث سيشغل هناك رودولف خيل الأب مدرساً في مقر الطلبة المغاربة، وكذلك سيدخل في علاقة تعاون مع جامعة الأزهر.

وفي سنة 1940 انتقل مجدداً مع أبيه الذي عيّن مدرساً للغة الإسبانية بالجزائر، وظل هناك مع أسرته إلى أن عاد معها إلى إسبانيا سنة 1942. هذه الجولة المكوكية مع أسرته، مكنته من التعرف عن قرب عن العالم العربي، وتكونت لديه نظرة عن الآخر تختلف عن أبناء جيله من الإسبان.

في الفترة التي تَلَتْ عودته إلى إسبانيا عمل على تكوين نفسه على المستويين العلمي والمعرفي، بالضبط حاول أن يُرَسِّخَ أبحاثه في الدراسات العربية خاصة الفلسفية والأدبية منها في الجامعة المركزية بمدريد، إلى أن جاءت سنة 1963م، حيث انتقل إلى القاهرة، وتعاقد مع جامعة عين شمس كأستاذ للغة الإسبانية، واستغل وجوده بمصر لينهي إنجاز أطروحته في موضوع: «التفكير الساحر في المصادر اللغوية الشرقية El pensamiento mágico en las fuentes lingüisticas orientales»، وفي القاهرة عين مديراً للمركز الثقافي الإسباني خلفاً للمستعرب الإسباني «فديريكو كورينتي Federico Corriente»، إلَّا أنه تعرض لضغوطات جمة حول هذا المنصب الجديد الذي تقلده، ويرجع ذلك بالأساس إلى النشاط السياسي لأفراد عائلته، وفي مقدمتهم خَالُهُ «خوليان غريمو Julián Grimau» زعيم الحزب الشيوعي الإسباني، بحيث خضع للمراقبة وتَتَبُّعِ خطواته من طرف سلطات الديكتاتور فرانكو وأعوانها في السفارة الإسبانية بالقاهرة، الذين كانوا يشكون في ولائه لإسبانيا وسلطاتها القائمة، فألصقت به تهمة الشيوعية والإلحاد واعتناق الدين الإسلامي، وفي هذا الجو المشحون بالدسائس والمؤامرات والتعامل الأمني الصِّرْفِ، قرر ترك القاهرة والانتقال إلى الرباط.

في العاصمة المغربية الرباط شغل منصب أستاذ بجامعة محمد الخامس، ومديراً للمركز الثقافي الإسباني، وملحقاً بالسفارة الإسبانية هناك. وفي سنة 1984م انتقل إلى مدينة تطوان بشمال المغرب عاصمة الاحتلال الإسباني إبان الفترة الاستعمارية، وهناك عمل على تحويل المكتبة القديمة إلى المركز الثقافي الإسباني، ويحسب له كذلك أنه يعتبر من الفاعلين الأساسيين الذين دَشَّنُوا الخطوات الأولى لانطلاقة «مؤسسة سرفانتيس Instituto Cervantes» التي أخذت على عاتقها منذ تأسيسها الدفاع عن اللغة والثقافة الإسبانيتين. كما أنه استغل تواجده بهذه المدينة ليعمق الروابط الثقافية والحضارية بين هذه المنطقة والأندلس، ويؤكد على ارتباطاتها التاريخية بها، وأنها من أكثر المدن المغربية التي يتجلى فيها الطابع الأندلسي. لهذا السبب كَرَّسَ أبحاثه في هذه الفترة حول الموريسكيين والظواهر الحدودية الزاخرة بعوامل التأثير والتأثر.

4. 3- فليب مايو سلقاضو Felipe Maíllo Salgado

هو من مواليد مدينة سلامنكا (Salamanca) سنة 1954م، عاش منذ صغره خارج إسبانيا في عدة بلدان كفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وسنغافورة. بعودته إلى إسبانيا بدأ اهتمامه يتزايد في مجال الدراسات الإسبانية، فحصل على الإجازة في اللغة الإسبانية وفي الجغرافيا والتاريخ سنة 1978م، وكذلك في اللغة السامية سنة 1979م، وفي سنة 1981 سيحصل على الدكتوراه في اللغة الإسبانية.

بعد ذلك طرأ تغيير على اهتماماته في مجال البحث، إذ انتقل إلى القاهرة للانكباب على البحث في الدراسات العربية خاصة ما يتعلق باللغة العربية والقانون الإسلامي، وذلك بين سنوات (1983م - 1986م)، دون أن ننسى كذلك مَيْلَه للترجمة والإبداع الروائي بأربع روايات. وعلى العموم فله عدة مؤلفات حول العلاقات العربية الإسبانية في مجالات التاريخ والأدب والقانون، نقتصر هنا على ذكر بعض ما ألفه في الألفية الثالثة:

- اختفاء الأندلس (De la desaparición de al-Andalus) سنة 2004م.

- معجم القانون الإسلامي (Diccionario de Derecho Islámico) سنة 2005.

- تدوين التاريخ العربي (De Historiografía Árabe) سنة 2008م.

- انطلاقاً من الشرق: رحلة ابن جبير A través del Oriente (Rihla de [Ibn Yubayr])، سنة 2007م.

- بلد ملكة سبأ: كنوز اليمن القديم El País de la Reina de Saba. Tesoros del Antiguo Yemen سنة 2003م.

- العلاقات الثنائية بين الملوك الإسبان في غرب شبه الجزيرة والمغرب في القرون الوسطى Relaciones de los reinos hispánicos del occidente peninsular y el Magreb en la edad media سنة 2009م.

ونخلص في الأخير، أن الاستعراب الإسباني في الألفية الثالثة قفز قفزة نوعية بانتقاله من هموم النخبة إلى هموم الشارع. فبتناوله القضايا التي يتقاطع فيها الثقافي والاجتماعي والسياسي، وتركيزه على الهموم الواقعية التي تلامس الراهن والآني في الصميم والجوهر، أصبح على مسافة قريبة من شرائح واسعة من المجتمعات الشرقية والغربية. وبذلك فهو يسعى لطرح القضايا المعقدة للنقاش، ويقترح الحلول للمشكلات والمعضلات، مع النظر إلى الطرف الآخر -أي العربي- بأكثر من عين، ورصده من أكثر من واجهة، لمعرفته معرفة حقيقية، وترتيب العلاقات المستقبلية معه.

 

 

 

 



[1] سيلاحظ القارئ في هذه الدراسة استعمال الاستعراب تارة والاستشراق تارة أخرى، وللتمييز بينهما فالاستعراب يذكر عندما يتعلق بالمدرسة الإسبانية التي انصب اهتمامها على الدراسات العربية، والتي يؤثر المستعربون الإسبان أنفسهم هذا المصطلح دون غيره، لأن الحضارة العربية الإسلامية تشكل جزء أساسيا من تاريخهم وتراثهم الحضاري، ولأنهم نذروا أنفسهم لدراسة تاريخ وحضارة وأدب العرب خاصة الأندلسي منه، وعلى العموم، فهي التي ينحصر اشتغالها فيما هو عربي فقط. أما مصطلح الاستشراق فسيحصر عندما يتعلق الأمر بالباحثين الغربيين عموما الذين استهواهم الشرق، والذين يهتمون بالثقافات الشرقية من عربية وعبرية وتركية وفارسية ومصرية وآشورية، لهذا يمكن أن نتحدث في هذا الجانب عن الاستتراك والاستفراس والاستمصار..

[2] Eloy Martίn Corrales, Maurophobie/Islamophobie et Maurophilie/Islamophilie dans l-’Espagne du XXI siécle, revista CIDOB d’Afers Internacionals, núm. 66 - 67,Octobre 2004, P. 249 - 250.

[3] الدكتور مصطفى عبد الغني، خطاب الآخر في الثقافة الغربية (دراسة في وثائق وبيانات الاستشراق الجديد بعد 11 سبتمبر)، ضمن أعمال ندوة: حوار الثقافات هل هو ممكن؟، نظمتها وزارة الثقافة بأكاديمية المملكة المغربية أيام 11- 13 دجنبر 2003 بالرباط احتفاء بها عاصمة للثقافة العربية، منشورات وزارة الثقافة المغربية، سلسلة ندوات، مطبعة الكرامة/ الرباط، الطبعة الأولى 2005، ص: 149.

[4] إدوارد سعيد، الاستشراق: المعرفة. السلطة. الإنشاء، نقله إلى العربية: كمال أبو ديب، بيروت/ لبنان: مؤسسة الأبحاث العربية، الطبعة العربية السادسة 2003، ص: 214.

[5] عبد الرزاق الدواي، الهوية الثقافية: جدلية الثقافة والمثاقفة، المناهل: مجلة فصلية تصدرها وزارة الثقافة المغربية، عدد مزدوج: 71- 72، سبتمبر 2004، ص: 76.

[6] EDWARD W.SAID- El choque de ignorancias- EL PAĪS - 16 /10 /2001. 

[7] María Lourdes Flores, La renovación de los discursos orientalistas en la sociedad americana tras el 11 S. El debate por la instalación de Casa Córdoba en Nueva York, CAEI: Centro Argentino de estudios internacionales, p.2.

[8] عبد الكريم أحمد أطخايش، السياق اللغوي والتاريخي للاستعراب، المجلة العربية، العدد: 419، عدد خاص حول «الاستعراب الإسباني»، ص: 53.

[9] رضوان السيد، ثقافة الاستشراق ومصائره وعلاقات الشرق بالغرب، الفكر العربي، العدد الحادي والثلاثون (عدد خاص بالاستشراق، معنون بـ: «الاستشراق: التاريخ والمنهج والصورة»، كانون الثاني/ يناير، آذار/ مارس 1983، السنة الخامسة، ص: 22.

[10] Bernabé López García: universidad Autónoma de Madrid, España: puerta Europea del Magreb, AL-ANDALUS-MAGREB, I (1993), p.123,124.

[11] اعتبر بعضهم ازدياد نسبة هؤلاء المهاجرين، خاصة المغاربة منهم، بمثابة استعمار جديد من المغرب لإسبانيا، هذه الهواجس نجدها مثلاً في كتاب «La emigración Marroquí en España: significación e económica y sociocultural de su procedencia geográfica (1991)»، الذي ألفه كل من: aíBernabé López Garc و María Teresa Páez Granado.

[12] خيما مارتين مونيوث، الإسلام والمسلمون في إسبانيا: من خلال دراسات ميدانية، ترجمة: الدكتورة كنزة الغالي، سلسلة ضفاف، منشورات الزمن 2008، ص: 10 - 11.

[13] التجاني بولعوالي، المسلمون في الغرب: بين تناقضات الواقع وتحديات المستقبل، القاهرة: مركز الحضارة العربية، الطبعة العربية الأولى 2006، ص: 66 - 67.

[14] Ángeles Espinosa, «Rodolfo Gil Grimau, Más de 20 años defendiendo la cultura hispana en el mundo árabe», El País 1 de julio de 1987.