الحقيقة وطرق التفكير
في الفكر الغربي الحديث
نادية بوذراع*
* أستاذة بقسم اللغة العربية وآدابها، كلية الآداب واللغات، جامعة سطيف 2 - الجزائر.
ﷺ مقدمة إشكالية
يكاد يتراوح القول في الدِّراسات المابعد حداثية Post-modernité بين الاعتقاد بزوال وفناء القيم والمبادئ لوصولها مرحلة لم يعد يجدي الأخذ بها، وبين ضرورة مباعدتها بهدف استبدالها بأخرى تبتعد عن فكرة الثّبات وترتبط بالتّغير، وهذا لإعادة بعثها كل مرة بما يتناسب والوضع الرّاهن، فكان الانطلاق من فكرة الاكتمال والتّعالي هو السّبب الذي أدّى إلى إيجاد مسافات بين الذّات sujet والموضوع objet وبين الموضوعات بعضها ببعض، فاتّسعت الهوة بين الدّال signifié والمدلول signifiant وتلك هي الثّغرات والفجوات التي يؤدي تجاهلها إلى انهيار مملكة القيمة، بمجرد محاولة التّطابق معها ومقاربتها حدًّا تتعيّن فيه الحدود التي تدعي امتلاك الحقيقة واستيعاب المدلول بما هو فيض لا ينضب واتّساع لا يكتمل ومباعدة يظل فيها المدلول مؤجلاً. ورغم الهوة التي تقيمها الدِّراسات المابعد حداثية مع الدِّراسات الحداثية modernité إلَّا أنّ مشروع التّجاوز لم يستقم إلَّا بالانطلاق من الرّكيزة الأولى التي قامت عليها اللِّسانيات linguistiques إذ أكّدت على التّمحور حول اللّغة langue دون اللّجوء إلى العوامل الخارجية التي ارتبطت بالمناهج السِّياقية، وكانت الاعتباطية بين الدّال signifié والمدلول signifiant أحد أهم العلاقات التي تأسّست عليها اللّسانيات مع فردناند دي سوسير f. desaussure، سبب الرِّيبة والشّك doute في مصداقية العلاقة التي تربط بينهما، وهو ما أوجد طرقًا جديدة تتعدّى النّظرة السّطحية مع علم اللّغة إلى البحث في عالم المعنى le sens بما هو مجموعة إمكانات يصعب حصرها ويتعذر التّحكم في أطرافها لاختلافها وتباينها.
وهذا ما قالت به الدِّراسات التّأويلية hermeneutique إذ اعتبرت أن النّص texte le يخضع للفهم الذّاتي في حين يباعد التّفسير أو الفهم الموضوعي، فيكون البحث عن المعنى، بوصفه صورة للحقيقة أهم عامل ساعد على التجاوز الذي طال المناهج فامتنع معه الوصول إلى مقاربة تتحدّد بها معالم الحقيقة la vérité، فالتّدرج الذي سار على إثره التّفكير تنوّع وتعدّد بتعدّد الطرق التي يؤدي اتِّباعها إلى مقاربة أبعاد الحقيقة، وهذا ما أكّدته الآراء التي حيكت حول الحقيقة، من اعتبارها كل ارتباط بوضوح وتجلٍّ كما أقرّه العقل المنطقي logique، إلى التّحجب والتّستر وضرورة الكشف الذي قالت به الدّراسات القبلية apriori مع اليونانيين وكذلك مع مفاهيم الحقيقة كما أوردها هايدغر M. Heideiger.
والرّغبة في مقاربة أبعاد الحقيقة تمحورت حول التّفكير الإنساني الذي هو مركز تعود إليه أسباب الوعي بالوجود، كان نتيجة العجز الذي أكّد عليه الاعتقاد الغيبي والماورائي meta-physique الذي ارتبطت على أيامه الحقيقة بالوهم والخرافة، وكل المفاهيم التي تبتعد عن العقل الذي يتصل بالإدراك البشري وفي المقابل تتعلّق بالقوى الغيبية. والقول بتدرج الفكر على هذا المنوال قد صاحب العالم الغربي دون غيره لارتباطه بأهم المنعرجات التي وجهت التّفكير البشري من طور السّذاجة إلى اليقين، ثم خرق هذا الأخير للبحث عن الأبعاد المحتملة والممكنة وكذا الغائبة والمؤجلة. وهذا ما صاحب تجاوز العقل بما هو صورة للوعي وإرادة الكشف عن مناطقه الخفية والمهمشة، التي أحال إليها اللاّشعور من خلال انفتاحه على العوالم المجهولة والمهمشة في الإنسان، هذا الكائن الذي سبق وأكّد ريادته ديكارت R. Descartes بقوله: «أنا أفكر إذن أنا موجود»، فكانت الذّات المفكرة طريق الوصول إلى الحقيقة من خلال اقتدائها بنظام العقل المنطقي، الذي هو عبارة عن مجموعة قواعد ونظم تجمع الأسباب فتؤدي إلى نتائج مضبوطة حتماً، ولهذا ارتبط التّفكير العلمي بالعقل لاستناده إلى المحسوس والملموس وكذا العمليات العقلية التي تتّخذ من العيّنة ركيزة بهدف الوصول إلى الحقيقة.
ومنه كان التّفكير مقسماً حسب التّعاقب الزّمني إلى تفكير مرتبط بالعصور القديمة وقد سمي بالتّفكير الكلاسيكي أو التّقليدي classique، والتّفكير الذي ارتبط بعصر النّهضة وهو ما اصطلح على تسميته بالتّفكير الحداثي[1] modernité، وبعدها يتجاوز الإنسان هذه المراحل إلى التّفكير الما بعد حداثي[2] pot-modernité وهو التّفكير الذي يحاول ضرب المراكز التي انبنى عليها الفكر سابقًا.
ﷺ أولاً: التّفكيـر المـاورائي (Pensée Meta-physique)
إنّ الإنسان البدائي ارتبط منذ عهده الأوّل بالتّفكير الأسطوري myth والغيبي، ومبعث هذا هو التّهميش الذي طال العقل الإنساني، فكانت الخرافة هي أنجع الأجوبة التي يمكن أن تملأ الفراغ الذي يعم ذهن الإنسان فيشكل الفجوة بينه وبين محيطه، ومن هذا المنطلق «في وسع المخيلة إفراز هذيان كثير حين هي ليست تحت سلطة العقل والمنطق»[3]، فكان الوهم في التّفكير أسبق من العقل ومرحلة أولى يتكئ عليها التّفكير في تفسير الكون حوله، وابتكار العلاقة التي تجمعه بمحيطه.
وهذا ما يفسّر تعلّق الإنسان دائماً بشيء غائب أو مؤجل، يشعر معه أنّه مرتبط بقوة أعلى وأعظم منه، يخافها فيرتدع ويطيعها فتؤمنه من مخاوفه وتلك هي مبررات الوجود الغيبي والتّفكير الماورائي عند الإنسان، وعلى هذا الأساس كثيراً ما تنسج الأساطير حول أصل الكون ووضعه، فتكون المرجع référence الذي ينبغي العودة إليه من أجل الحصول على الحقيقة la vérité التي يحتويها هذا العالم الخرافي الذي لا يخضع لقوانين معيّنة كما يتعذّر العودة فيها إلى مرجع غير المعتقد أو الأساطير التي تتعالى بطبيعتها عن التّفسير، ببعدها عن الإدراك البشري. غير أنّها تجمع بين القوى الخارقة التي تتعالى على القدرة البشرية فتتّخذ منها ركيزة لتفسير الكون، فـ«الأساطير غالباً تدخل فيها قوى وكائنات أقوى وأرفع من البشر تدخل في نطاق الدين فتبدو عندها نظاماً شبه متماسك لتفسير الكون»[4]، إذ تكون المخيلة البشرية هي مصدر التّصور الذي يسير على إثره الكون، فيقوم الوهم بالموازاة مع العقل بنسج الأساطير التي تتلاءم ومعتقداً معيناً، أو مسايرًا للرّوح البشرية، وهذا ما يسد الفراغ الذي يشعر به إزاء العالم، ولا بد أن التّفكير الغيبي لم يكن حكراً على أمة بعينها لأنّه ارتبط منذ الأزل بكـل المجتمعات البشرية على اختلافها لارتباطها بالتّفسير الروحي ومحاولة إيجاد علاقة تجمع بين الإنسان بوصفه جسداً والرّوح التي لا يستقيم لها وجود دونها.
وتلك هي الأسباب التي أوجدت تفكيراً غيبيًّا ماورائيًّا، وأولى الفلسفات التي تمحورت حول هذا الاعتقاد هي البدايات الأولى للفلسفة philosophie والتي ارتبطت بكل من أرسطو Aristote وأفلاطون Platon، وقد دارت حول البحث في أصل الوجود الإنساني.
ولهذا ارتبطت الفلسفة في بدايتها بالبحث في الحيّز الغيبي والماورائي للكون، وتجلى هذا البحث في العالم المثالي الذي وضع معالمه أفلاطون Platon عندما أكّد الزيِّف الذي يلحق الواقع، والتّشويه الذي تم على مستوى الأخلاق morale والفضيلة virtu أو الحقيقة بوصفها منتهى كل بحث فلسفي، فحدثت المباعدة بين الواقع والعالم المتعالي وانتسبت الحقيقة لهذا الأخير.
فتمحور البحث الوجودي حول الماورائيات meta-physique فـ«تعتبر الماورائيات والأنطولوجيا انطلاقاً من أرسطو بمثابة الفلسفة الأولى وذلك بقدر ما تبحث في أسس وفي أصول الوجود بما هو وجود، أما مدى موضوعاتها فهي: الوجود نفسه (أنطولوجيا)، الوجود الإلهي (فلسفة لاهوتية، النفس (علم النفس) وعلاقة الموجودات بالكل (كوسمولوجيا)»[5].
هذا عن التّفكير الفلسفي في اليونان وقبل الميلاد، وعلى هامش هذه الحضارة لا يبرأ التّفكير من المعتقد الماورائي والغيبي وخاصة في الحضارات التي اتّكأت على المعتقد والدِّيانة، فيتخلّل الاعتقاد عندهم سيطرة الآلهة ووهم التّفسير الخرافي.
إذ كان التّفكير الدِّيني عندهم باعثاً على التّفكير الأسطوري الذي ظلّ يؤكِّد كل طرف منهم على الآخر «تعود بدايات الفلسفة في الهند إلى الفيدا (العلوم) التي لا يمكن أن نُحدِّد بدقة ظهورها من الناحية الزمنية، فالأجزاء الأقدم يمكن أن تعود إلى حوالي 1500 سنة قبل المسيح في هذه الأسفار من الكتابات نجد جمعاً بين العالم الديني والعلم الأسطوري السائد في العصور السحيقة، وهي كتابات وضعت لتكون العدة الثقافية في يد الكاهن»[6].
فكانت الدّيانة religion عندهم باعثةً على التّفكير الأسطوري ومسوِّغةً لاستحضار الآلهة، والسّيطرة التي تولاها رجال الدّين، في غير مكان، ورغم الإشارات التي أحال عليها استحداث اللّوغوس[7] logos عند أرسطو Aristote بما هو إشارة للعقل إلا أنّ استخدامه كان بعيدًا عن القدرات الإنسانية، فالتّفكير السّائد كان متمركزاً حول هذا العالم الغيبي الذي يكون التّعلق به أمراً طبيعيًّا ما دام الإنسان يستشعر بداخله النّقص ومردّه غموض العالم الذي يعيش فيه، إذ يخضع لإرادة غريبة تنأى بطبيعتها عن كل حضور حسّي أو مادي مصدره الواقع.
ولعل التّفكير الأسطوري والخرافي بما يفتحه من إمكانات قادراً على استيعاب واحتواء الأسئلة التي يطرحها حول نفسه والكون، وذلك هو سبب التّهميش الذي طال الإنسان في بداية عهده بالعالم، إذ كان يعجز عن استيعاب واقعه إلا من خلال الاستعانة بالعالم الماورائي، فمهمّة الإنسان هي التّساؤل حول هذا الواقع وتترك الإجابة لتلك الأفكار الغريبة التي تطرحها الاعتقادات faiths الخرافية، فـ«تطال المسائل الفلسفية كل إنسان، إن التفلسف من المهمات الأولية التي تقع على عاتق كل إنسان مسؤول، والفلسفة هي بالتالي عمل تنويري بالمعنى الشهير الذي وضعه كانط، التنوير هو خروج الإنسان من قصوره الذاتي، والقصور هو عجز الإنسان عن أن يكون لنفسه عقلاً دون أن يستعين بسواه»[8].
ولهذا تمحورت بدايات التّفكير أو الفلسفة حول محاولة استدراك العجز الذي يستشعره الإنسان والفجوة التي تفصله عن واقعه، فيلجأ إلى التّساؤل، وليس مطلقاً هو ارتباط الفلسفة بالعقل كما يعتقد البعض ولكنها تبحث عن إجابات، من منطلق الخرق الذي تم على مستوى العالم الواقعي وعدم الاقتناع بصيرورة الكون، دون البحث عن تفسيرات لهذه الظواهر، ولعل التّفكير بهذه الطريقة ظل سائدًا حتى قرون مديدة في العالم الغربي.
وأبرز الصّور التي تجلى من خلالها هذا التّفكير هي فترة القرون الوسطى أو العصور الظّلامية التي كانت المسيحية فيها سبب التّمركز حول العالم الماورائي أو الميتافيزيقي الذي تفسره الآلهة، وقد عبّر عن ذلك آباء الكنيسة، إذ المتفحص لهذه المرحلة التي امتدت خمسة عشر قرناً في تاريخ العالم الغربي، يجد أنّها أكبر شاهد على التّفكير بمقتضى العالم الغيبي، وما الأساطير التي حملها التّاريخ سوى دليل على سذاجة الفكر الغربي، وتمحوره حول القصص التي تحاول تفسير الكون والظواهر التي تبقى بانفصالها عن الذّات البشرية مصدر العديد من التّساؤلات التي تحتاج مخيّلة بارعة في التّصوير. يحاول الإنسان الجمع فيها بين الكون والقوى الغيبية التي تمثّلها الآلهة، وهذا من خلال رسم الأساطير «فقد كانت الأسطورة فيما قبل حكاية ولم تكن حلًّا لإشكال، إنها كانت تروي مجموعة الأعمال المنظمة التي كان يقوم بها الملك أو الإله، تلك الأعمال التي كانت الطقوس تحاول تشخيصها، فكأنما تعطي الأسطورة حلًّا لسؤال ما يوضع، ولكن عند اليونان، حيث ازدهرت في المدينة أشكال جديدة للتنظيم السياسي، لم يتبق من التنظيم السابق إلا بقايا فقدت كل دلالة ومعنى، وعندما استقل النظام الطبيعي والحوادث الجوية (من أمطار ورياح وعواصف وصواعق) عن الوظيفة الملكية، فإنه لم يعد يفهم عن طريق ما تحكيه الأسطورة كما كان فيما قبل، بل أصبح يعرض نفسه في صيغة أسئلة، أصبح الجدال حولها مفتوحاً، وهاته الأسئلة (نشأة النظام الكوني وتفسير الظواهر الجوية) هي التي أصبحت تشكل في صياغتها الجديدة مادة التفكير الفلسفي في بدايته[9].
فكانت الأسطورة myth هي المفسّر الوحيد للظّواهر الكونية المتغيرّة، والسّبب الذي إليه يعزى الاطمئنان الذي كان يعيشه الإنسان في ضوء قوى الطبيعة القادرة على سحق الإنسان والتّغلب عليه، فكان الوهم هو أولى الصّور التي قاربت الحقيقة vérité la فحاولت القضاء بانتمائها إلى عالم الغيب بما هو عالم متعالٍ عن الإدراك البشري وكذا امتداد أبعاده بطريقة تشعر الإنسان بالقوة نتيجة تعلّقه بقوة أكبر من الكون كلّه.
ورغم هذا الانجاز الذي أحدثه التّعلق بالعالم الغيبي، إلا أنّ العقل raison بما هو صفة لا تنفك عن الذّات البشرية، لم يستسغ كثيراً من هذه الأساطير، لأنّها لم تستوعب كل مخاوف الإنسان ولم تجب على كل أسئلته التي يمليها التّغير الدائم في نظام الكون، ولعلّ هذا الفراغ الذي توسّط الأساطير ومظاهر الكون هو ما أرجأ الأسئلة وفق التّفكير الفلسفي، وأزاح التّمركز حول العالم الغيبي والماورائي لعدم اقتناع الإنسان بهذه التّفسيرات التي أصبح يرفضها العقل ولا يستسيغها أسباباً يسير وفقها الكون والطبيعة.
ورغم عدم جدوى الأساطير في تفسير الكون، إلا أنّ الأسئلة التي كان يؤجّل البحث عنها تظل مرتبطة بالعالم الماورائي، ومن هذا المنطلق لم يبرح التّفكير القديم عالم الميتافيزيقا على امتداد الحضارات واختلافها، وفي كل الحالات كان البحث في هذا العالم متجها إلى كشف أبعاد الحقيقة والتي كانت أداتها الفلسفة على اختلاف الأسئلة التي طرحتها والأجوبة التي تعلّقت بعالم الميتافيزيقا.
إلا أنّ هناك بعض الآراء التي تتحدّث عن تفكير بدائي وقبلي، أي متعلّق بالمرحلة السّابقة للفلسفة، وهي المرحلة التي ارتبطت بالخطاب، بما هو إشارة على الوجود الأوّل، ففي البدء كانت الكلمة «في اليونان وفي أعقاب الحرب اليونانية الفارسية ظهرت حالة من الرخاء المتصاعد، كما برزت حاجة كبرى إلى تحصيل العلوم، وفي الوقت نفسه وبسبب من شكل الدولة الآخذ بالديمقراطية تنامت لدى المواطنين الإرادة على اكتساب ملكة التخاطب بشكل منمق»[10]، فترتبط الحقيقة بالكلام parole أو الخطاب discours، وهذا التّفكير ارتبط بالنّظرة إلى العالم الواقعي، الذي طرح في ذاته الدّهشة والاغتراب لدى الإنسان الأوّل، وكان التّعود على هذه الصّور باعثًا على التّفكير الفلسفي الذي لا يقيم مع العالم نظرة سطحية، ولكن متسائلة غير مرتاحة، بهذا النّظام الذي يعجز عن تفسيره إذا اكتفى بمعطيات العالم المحسوس، فبين الطريقة الأولى في البحث عن الحقيقة والثانية فجوة يفسّرها البحث عن الظّاهر وأسباب هذا التّجلي والظهور للحقيقة في الواقع.
وفي كل حالات التّفكير هو ينشد الوصول إلى حقيقة مطلقة ترتاح إليها فتتحرّر من الشّعور بالاغتراب والخوف من الذي تحمله الظواهر الكونية لقوتها وتجاوزها لحدود القدرة البشرية، وقد أشار أرسطو Aristote إلى هذه الفكرة من خلال محاولة إعطاء تفسير للحركة الدّائمة التي تصحب الكون.
وقد وظّف القدرة الإلهية «ثمة صفة أخرى لا بد أن تبرز، طالما أن العالم، في تغيره الدائم، بحاجة إلى الحركة، وبما أن الدافع إلى الحركة لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، فلا بد من وجوب وجود محرك أول يكون هو ذاته غير متحرك، هذا المحرك الذي لا يتحرك هو الله بالمعنى الأرسطي، بشكل عام تتطابق العلاقة الحركية بين الله والعالم مع العلة الغائية لكل العلل»[11].
ولعل القول عند أرسطو Aristote يتفق مع أفلاطون Platon، إذ يتمحور الكلام عندهما حول وجود قوى ماورائية غيبية، غير أنّ أفلاطون Platon يرى انفصالًا تامًّا بين العالم المثالي الذي يحوي الحقيقة المطلقة والواقع المشوّه الذي يخضع التّفسير فيه إلى المحاكاة التي يقارب من خلالها عالم الحقائق. بينما الأمر عند أرسطو يختلف، إذ يتحدّث عن اتّصال بين الواقع بوصفه ظواهر متحركة والذّات الإلهية التي تتميّز بالثّبات كما بيّن أرسطو Aristote ذلك من قبل، فالتّفسير عنده يربط الحركة في الكون بالغاية التي توافق الغاية الإلهية، فلا شيء يصعب تفسيره إذا كان لكل شيء علة معينة، هذه العلّة تعطي لكل شيء حيّزه في الوجود. فدار الفكر الأرسطي Aristote في بدايته، وانطلاقاً من تبعيته للفكر الأفلاطوني Platon حول ربط العالم الواقعي بالعالم الغيبي والماورائي، إلى حين تحوّله إلى مناقشة اللّوغوس logos بما هو الصّورة التي عبّرت عن العقل raison في بداية توسّطه بين الذّات الإنسانية والظواهر الطبيعية، وهو السّبب الذي ربط اللّوغوس logos بالمنطق logique الذي يحمل في أحد أبعاده تفسير الظّواهر الحسّية «إن اللوغوس هو العقل الكلي الذي يسري بوصفه نفسا في المادة الخالية من الصفات، وهو بذلك يؤثر في تطورها، إننا نجد بذور اللوغوس في الموجودات جميعها، وهذه البذور هي التي تؤدي إلى تطور الموجودات تبعاً لنظام الموضوع»[12].
فكان اللّوغوس logos في بدايته النّفس التي تسري في الكائنات فتوجّه تطوّرها وتحوّلها ويفسّر نظامها، وفي كل الحالات كان تصوّر اللّوغوس logos لا يبتعد عن عالم الميتافيزيقا، إذ هذه النّفس soul ورغم انفصالها عن الأساطير، فهي ترافق الاعتقاد بوجود قوة غير مرئية تتحكّم في تسيير الكون، فتبتعد عن كل إدراك وهذا ما يؤكّد تمحور الفكر القديم حول العالم الماورائي بما هو الوسيلة الوحيدة التي يتّكئ عليها الفكر في طور سذاجته، وعلى العموم كان المركز الذي دارت حوله الحضارات القديمة هي جملة الاعتقادات والأساطير، وكذا الخرافات التي حاولت أن تفسّر العالم والكون.
فكان الوهم أسبق من العقل raison في الظّهور، وحتى مع ظهور العقل ظلّ الوهم هو الذي يشغل الفراغ الذي يعجز عن تفسيره العقل، ويتعذّر معه الوصول إلى حقيقة la vérité معيّنة، فظلّ على اختلاف العصور الفراغ الذي شوّش على الإنسان اتّزانه ووقوفه عند حدود معيّنة للحقيقة la vérité، ورغم هذا فالتّمركز الذي أصبح مع عصر النّهضة في العالم الغربي هو الاعتقاد بوجود حقيقة مطلقة مصدرها العلم والعقل، فقامت الفلسفة المثالية في مقابل فلسفة المثل[13]، التي قال بها أفلاطون Platon فاستبدل الإنسان عالماً بعالم آخر في سبيل إدراك أبعاد الحقيقة، بوصفها الهدف الذي يصبو الإنسان إلى بلوغه والالتحام به لتحقيق التّوازن مع عالمه الواقعي realité.
ﷺ ثانياً: التّفكير الحداثي (Pensée modernité)
في الفترة التي عرفت بعصر النّهضة، زال فيها التّفكير الظّلامي والماورائي الذي سيطر على العالم الغربي قرابة خمسة عشر قرناً، امتنع فيه الإنسان عن مراوحة مكانه كونه يؤمن بالأساطيرmyths التي يسير بمقتضاها الكون، فالإنسان آمن يقيناً بقدرة الآلهة والأساطير التي كبّلت عقله فألزمته مكانه دون أن يبرحه وفي اعتقاده أنّ التّحرر يعني حدوث الكارثة، ولهذا تصدّر عصر النّهضة آباء الكنيسة pères l de eglise أحد أهم الأطراف التي ساعدت على انتشار الأوهام والخرافات التي سيطرت مدة من الزّمن.
فكانت الحداثة modernité دعوة للانفصال عن الماضي الذي كان سبب التّخلف والتّبعية التي عاشها الأولون، فكان المركز الذي ركزت على ضربه الحداثة modernité هي التّفكير الماورائي أو الدّيني، الذي كان يُسيِّر الإنسان بمقتضى الخوف من اللّعنة والرّغبة في الرّضا عن طريق الطّاعة، إلى التّمحور حول الذّات الإنسانية، بوصفها مركز الكون، عن طريق تبني المقولات المثالية «كذلك الخير الأسمى، إنه ينتشر في كل الأمكنة، يبعث اللطف في كل الأشياء ويجلبها إليه، وهو إذ يفعل ذلك لا يجذبها إليه كرها بل يستميلها إليه بالحب الذي يشيعه فيها مثلما يشيع الدفء الحرارة من النور، يجذب هذا الحب كل الموضوعات إليه جذبا يجعلها في شوق فينقاد إلى الخير الأسمى طوعاً، ولعل النور هو ذاته الحاسة الإلهية العلوية لحياة الروح»[14].
فتكون الأخلاق morale الخيّرة أو المثالية التي ترتبط بالإنسان هي باعث النّور الذي خلّص البشرية من ظلامها، وهو ما مهّد لميلاد مصطلح الإنسانية إذ يمثّل استعادة الإنسان الذي كان في العصور السّابقة مهمشاً عبدًا للآلهة والأساطير، فيتجّلى التّميز في هذه المرحلة من خلال اعتبارها «الحداثة في واقع الأمر لم تصل بعد إلى نهاية مسيرتها، ولن تكون نهاية لهذه المسيرة، الحداثة هي انقلاب أيديولوجي وفكري وجوهري، حدث عندما اعتبر المجتمع نفسه مسؤولاً عن مصيره، عندما أعلن الإنسان أنه صانع تاريخه علماً أن جميع الأيديولوجيات القديمة السابقة على الحداثة في الشرق وفي الغرب قد قامت على مبدأ آخر ألا وهو ثمة قوى ميتا اجتماعية (فوق اجتماعية) تحكم مصير المجتمع كما تحكم الكون»[15].
فاعتبر الإنسان homme l صانعًا للتّاريخ histoire متحرراً من الإرادة الماورائية التي سبق وتحكّمت في مصيره وأملت عليه الأوامر، فانقلب التّفكير من النّقيض إلى النّقيض، أي من التّعلق بعالم آخر إلى التّمركز حول الذّات sujet التي تقرّرت من خلال سيادة العقل raison وتحكّمه في أبعاد الحقيقة كما قرّر ذلك فلاسفة العقل raison.
ولعل ارتباط الحداثة modernité بطريقة التّفكير pensée هو الأمر الذي جعلها لا تنحصر في اتّجاه دون آخر، ولكن شملت كل المجالات على اختلافها «ليست الحداثة مفهوماً سوسيولوجيًّا ولا مفهوماً سياسيًّا، وليست بالتمام مفهوماً تاريخيًّا، بل هي نمط حضاري خاص يتعارض مع النمط التقليدي، أي مع الثقافات السابقة عليه أو التقليدية، فمقابل التنوع الجغرافي والرمزي لهذه الأخيرة تفرض الحداثة نفسها على أنها شيء واحد متجانس رائع عالميا انطلاقا من الغرب»[16].
والتّخلص من الرّكيزة الماورائية mita-physique أدّى إلى استبدالها بمركز آخر تجلّى من خلال العقل raison بوصفه الصّورة الجديدة للوّغوس logos الذي أصبح مرتبطاً بالمنطق الصّوري formale logique الذي انتهت إليه مراحل البحث عند أرسطو Aristote، وهذا ما جعل من الحداثة modernité رغم نبذها للقديم تتراوح في بعض مواطنها.
إذ تعيد استثمار مبادئ المنطق الصّوري logiqque formal الذي جاء به أرسطو، فكانت الحداثة modernité رغم ادِّعائها الانفصال عن الماضي استعادة لهذا الماضي، فالعقل raison وفق المنطق logique يسير وفق نظام systéme ومنهج معين فـ«يتعيَّن بالنسبة لديكارت، أن ينظر إلى البناء المعرفي المؤكد واليقيني والتأكد منه من زاوية المنهج، فالمعرفة القائمة على الأحكام المسبقة وعلى التقاليد المنحدرة من التراث أصبحت محل تشكٍّ؛ لأن أسسها النهائية لا تحظى بأي يقين مطلق عند تعريضها لأي تشك ممكن، إنّ ديكارت يعثر على أساس نموذج هذا النوع من اليقين في بداهة الكوجيتو في (أنا أفكر) الذي هو واقعة حقيقية كلما رددتها على نفسي وحتى عندما أعرضها للشك، وحتى عندما افترض أن روحاً رفيعة وعبقرية تحاول خداعي عندما أكون في حالة يقين كامل بها بداهة الكوجيتو»[17].
فكانت الذّات المفكرة هي المرجع référence الذي يعتمده الإنسان من أجل الوصول إلى اليقين الذي يقابل مفهوم الحقيقة vérité la، والطريقة التي اعتمدها العقل raison والتي تجلّت من خلال المنطق logique، إذ جعلت من النّتائج التي يصل إليها الإنسان أكثر وثوقاً كونها تنطلق من التّجربة الحسّية، ولعل الواقع بالنّسبة للإنسان أكثر الأمور معقولية لأنّه مرئي مدرك، وهذا ما يجعله أكثر موضوعية وقابلية للتّصديق.
فكان العقل raison هو معيار الخطأ والصّواب وإليه فقط يلتجئ الإنسان في الحكم والتّفريق بين الأعمال، وهو ما أدّى إلى استبدال مثالية بأخرى، فمدينة أفلاطون Platon تحتوي على الحقائق المطلقة والأفكار الصّافية في حين يحتوي الواقع في نظره على التّشويه والتّزييف الذي يؤكّد عليه ارتباط الأحداث في الواقع بكل النّقائص ومعالم العجز، وهذه أدوات التّفريق بين الأعمال في الأخلاق morale وقوامه انتساب كل الأعمال المثالية إلى عالم الماوراء والميتافيزيقا meta-Physique.
أما العقل المنطقي فيحتوي بداخله حدّين تتجلّى من خلالهما الأخلاق morale في الإنسان، فيتعلّق الإنسان من خلالها بكلّ ما يحقّق له ولغيره الخير، ذلك أنّ العقل raison ينفي الرّغبة والهوى ويجعل القيمة الخلقية مدى التّدرج في سلم المثالية، ولذلك لا تختلف الأخلاق morale في عصر النّهضة عن الأخلاق القديمة كونها تجاوز الرّغبة والهوى وتتمركز حول الفضيلة بوصفها منتهى القيم المثالية لدى الإنسان وصورة للتّحرر من القيم التي تتعلّق بالرّغبة ولا تنطلق من العقل، هذا المركز الذي تدور حوله معايير العدل وتنعدم فيه معالم المصلحة، كما صوّرته النّظريات العقلية في عصر النّهضة.
هذا، ولعل ارتباط الحداثة بالفلسفة العقلية أدّى إلى إيجاد العلم التّجريبي بوصفه الطريقة التي تنطلق من العالم الحسّي والمادي في سبيل الحصول على أطراف الحقيقة vérité la، ولهذا بات ينظر للعالم على أساس أنه مجموعة قواعد وقوانين عليها يستقيم الكون وتحدِّد أبعاده، «لقد بات العالم منظوراً إليه كعلاقات رياضية، وكجملة من الظواهر الموضوعية التي تنتظمها علل وأسباب عقلية وتُحدِّدها حتميات فيزيائية لا دخل فيها لقوى متعالية»[18].
وقد نبغ عديد من العلماء في مرحلة التأسيس هذه، من بينهم، يمكن اعتبار نيقولا كوبرنيك ( 1473-1543) رمز التحوُّل في العصور الحديثة، ففي كتابه (في الحركات السماوية revolutionibus orbium coelestium) قام بإبدال صورة العالم القديمة، الصورة المتوارثة عن بطليموس والتي تجعل الأرض محور الكون، بصورة أخرى تجعل الشمس مركزاً وحول هذا المركز تدور الأرض»[19].
فكانت هذه الملاحظة هي ما دحض الأفكار الخرافية حول الأرض والشمس، وتراجع دور الأساطير والآلهة في تحديد مسار الشّمس والأرض، على عكس ما كان يؤمن به الإنسان في القرون الوسطى، وما أكّد التّفكير الذي ينطلق من الميتافيزيقا meta-physique في تفسير الكون وظواهره.
وفي مجال الرّياضيات، كان «غاليليو غاليلي (1564-1642)، فقد نال شهرته بنظريته عن الحركة والسقوط وبانحيازه إلى نظرية كوبرنيك، وبالنسبة إليه يتحدَّد جوهر الحقيقة عبر علاقات عددية، وحده الذي يتمكن من قراءة العلامات الرياضية والذي يتمكن من تحويلها إلى قوانين هو الذي يتوصل إلى معرفة موضوعية»[20].
وهذا ما أكّد على الانفصال بين الحقيقة vérité والعالم الماورائي meta-physique التي كان يعتقد سابقاً أنّها موطن الحقيقة وكل أنواع الاكتمال بينما يحمل الواقع الزِّيف والنّقص والعجز، وأنه لا مجال لرسم علاقـة صحيحة، أما الجديد في هذا الرّأي هو أنّ الحقيقة موضوعية تدركها القدرة على التّحكم في الأعداد الرياضية، والحقيقة تحصيل مجموعة أعداد حسابية دقيقة ونهائية.
أما هدف العلم بالنسبة إلى «فرنسيس بيكون f. bacon (1561-1626) هو السيطرة على الطبيعة خدمةً للمجتمع، إن العلم بالنسبة إلى بيكون يعني القوة، من هنا رأى بيكون أن من واجبه تقديم عرض منهجي لأسس كل العلوم ولرؤيته لها، أما تصنيف العلوم فيتبع تقسيم القدرات الإنسانية تبعاً لما يلي: الذاكرة (memoria) وموضوعها التاريخ والخيال (phantasia) وموضوعه الشعر، العقل (ratio) وموضوعه الفلسفة»[21].
ولعل الهدف الذي يصبو إليه العلم من خلال هذه الآراء حول الكون والطبيعة هو إيجاد نظام systeme معيّن، وفقه يمكن للإنسان أن يفهم ما يحدث في الكون من تغيّر دون إرجاع الأسباب إلى العالم الماورائي meta-physique، فكان المنهج أهم خطوات التّفكير العلمي، لأنّ العلم يؤمن بنظام معيّن، «ولهذا نبهنا إلى ضرورة البحث في هذه الأشياء حسب المنهج، وليس المنهج فيها سوى مراعاة مستمرة للنظام القائم في الشيء ذاته أو ذلك الذي نبتكره ببراعتنا، فمثلاً لو أننا طالعنا صيغة ما مكتوبة في رموز مجهولة لنا، فلا شك في أننا لن نجد فيها أي نظام، وبالرغم من ذلك، علينا أن نتخيل فيها نظاماً»[22].
فقام التّكامل بين العلم والعقل على أساس وجود نظام يقتضيه السّير من أجل الوصول إلى نتيجة بعينها، فكان الطريق إلى الحقيقة في عصر النّهضة منظوراً إليه من خلال طريقين اثنين هما العقلانية والتّجريبية، فأمّا العقلانية «فيزعم أبرز ممثلي هذا التيار أن بإمكانهم معرفة بناء الحقيقة انطلاقاً من مبادئ الفكر المجردة، إن انتظام العالم بشكل منطقي يتيح لهم معرفته بشكل استنباطي، نموذج ذلك نجده في الرياضيات حيث يمكن الوصول إلى النتائج انطلاقاً من مسلمات قليلة ولكنها أكيدة، فالحقيقة تقوم على جوهرين (ديكارت) أو جوهر واحد (سبينوزا) أو على عدة جواهر (ليبتنز)»[23].
والوجه الآخر للحقيقة في هذه الفترة هو التّجريبية «من فرانسيس بيكون f.bacon عبر هوبس hobbes، لوك بيركلي berkeley وصولاً إلى هيوم hume، تجعل هذه المدرسة أسس المعرفة قائمة على الإدراك (الحسي) ما هو حقيقي لا يقال إلَّا على بعض الموضوعات والظواهر التي يُمكن تنظيمها بالاستخدام الصحيح للعقل واستخلاص النتائج منها بطريقة استقرائية»[24].
ولكن رغم الصّور التي ظهرت للحداثة في بدايتها والتي يمكن إجمالها في العقل والعلم والحرية وحتى الإنسانية، فالمشروع يحمل في أحد أبعاده عدم التّقيّد بصور محدّدة، وهذا الهدف الذي سعت إلى تحقيقه مردُّه إلى زوال الفترة اللّاهوتية، وسبب ذلك هو تمركزها حول عالم بعينه إليه يرد اليقين بوجود الحقيقة la vérité.
فتعلّقت هذه المقولات بالحداثة modernité إلى حين، والسّبب في ذلك هو التّعريف الذي لزم مفهومها، وهو كونها مشروعاً لما يكتمل، بعكس التّطابق الذي يقرّه العلم والعقل حول مفهوم الحقيقة والذي يجعلها ثابتة وأكيدة، وهنا تكمن المفارقة، فاعتبرت الحداثة «مفهوم عائم، لا يقبل التحديد، ولا ينصاع للاختزال لأنه يشير إلى صيرورة، ويدل على تحوُّل دائم، كما أن مفهوم الحداثة ليس مقترناً بحقل معرفي بعينه، إنه كما يقول جان بودريار في مقالة له (بالموسوعة الجامعة): ليس مفهوماً تاريخيًّا ولا مفهوماً سوسيولوجيًّا أو سيكولوجيا، إن الحداثة هي، بالأولى نمط حضاري مخصوص يتنافى ونمط التقليد أيًّا كان وحيثما وجد، الحداثة هي نمط خاص في مقابل كل صنوف التقليد وضروب الثقافة الإرثية التي تتمسك بنقطة زمانية أصلية وتتشبث بمرجعية متعالية وأصل مقدس»[25].
ولهذا يحمل التّفكير الحداثي pensée modernité في أحد أبعاده القول بالانفصال عن كل ثبات أو تحديد من شأنه أن يحكم بالتّراجع أو التّخلف على مفاهيمها.
فيحمل مفهوم الحداثة modernité في ذاته إمكانية الارتداد على مقولاتها، ورغم هذا ظلّ العقل المنطقي والعلم التّجريبي الصّور التي تجلّت من خلالها الحداثة modernité إلى حين التّجاوز الذي خرق مبادئها من طرف التّيارات المابعد حداثية post-modernité، وقد تجلّى هذا التّجاوز من خلال تصحيح مسارها عن طريق الطّعن في صحّة العقل المنطقي، سبيلاً من أجل بلوغ الحقيقة la vérité، وما بعد الحداثة post-modernité بعملها هذا قد طالت بالتّجاوز الفكر الأرسطي بوصفه معلّم البشرية والصّانع لطريقة التّفكير التي تعاقبت عليها كل الحضارات بتنوّعها واختلافها، فتجلَّى التّفكير الحداثي pensée modernité من خلال التّمركز حول الذّات الإنسانية بوصفها ذاتاً مفكرة عاقلة بإمكانها إدراك الحقيقة vérité.
لأنّ الحقيقة la vérité ليست متعالية بل تحصيل حاصل المعادلات الرِّياضية والمناهج العقلية التي تقوم على مبادئ العقل raison، ولكن الأمر اختلف فيما بعد، إذ أصبحت القيم الإنسانية التي نادى بها عصر النّهضة معايير غير صالحة في سياسة المجتمع، ومنه بدأ القول بمبدأ التّجاوز dépassement والبعدية أو ما يسمى بحديث النّهايات discours le fins des ultimes.
وأولى المقولات التي قضت بنهايتها كانت الإنسانية hummanité «إن الحديث عن الأخوة والمساواة والجمال والكرامة يدفع المواطن إلى العنف»[26]، وأصبحت بدورها مقولات الحداثة ماضياً لا ينبغي الوقوف عنده، لأن ضرورة الاستمرار تستدعي التّجاوز الذي من شأنه تجديد الأفكار والموضوعات والمقولات، «أما دعوة زولا إلى الإنسانية وحقها في السعادة فهي تنتمي إلى ماضٍ منبوذ»[27]، فأصبحت الحداثة modernité بصورتها الأولى أفكاراً مغلقةً وجامدةً، ولم يَعُد يجدي الأخذ بها، حتى مفهوم الحقيقة la vérité أصبح يختلف عن الصّورة التي قال بها العقل raison والعلم science من قبل، فأصبحت تنأى عن هذه التّصورات.
ﷺ ثالثاً: التّفكير التّجاوزي (Pensée dépassé)
إنّ التّيارات المابعد حداثية post-modernité قد بدأت في الظّهور نتيجة النّقص الذي أصبح يعتري المقولات ويقضي بعدم جدواها، إذ أصبح العقل raison يعجز عن تفسير بعض الأسئلة وصار العلم science محدودًا وقاصراً عن استيعاب حدود الكون، ووصل التّاريخ histoire إلى الاكتمال، وهذا ما أشار إليه فوكوياما، وتجلّت ما بعد الحداثة في النّقد critique من خلال أولى النّظريات التي حاولت الوصول إلى المعنى sens le أو المدلول signifiant الذي لم يعد يقبل العلاقة الاعتباطية والعشوائية القائمة على التّفسير التي كانت تؤمن به النّظرية البنيوية[28] structualism وتتبناه سبيلاً في مقاربة الدّلالة، التي أصبحت من فرط عشوائيتها متشابهة في كل حالاتها.
ففي حين قضت الحداثة modernité على التّفكير الماورائي تجاوزت ما بعد الحداثة post-modernité هذا التّفكير إلى غيره «فإن البادئة (ما بعد) post تشير إلى التجاوز والبعدية، أي إن مرحلة ستنبثق من قلب المرحلة السابقة، وحتى تستقيم اتجاهاً له شرعية الوجود عليها أن تُلغي بظهورها ما كان سبباً في ميلادها، جرياً على سنن الطبيعة، وما دام أن هناك مرحلة سابقة للحداثة (ما قبل الحداثة) فمن المنطقي أن تكون مرحلة تالية للحداثة (ما بعد الحداثة) والتي بدورها سيتم تجاوزها»[29].
فظلّ التّفكير عبر مراحله المختلفة ينقض بعضه الآخر، وتستبدل فيها المراكز إلى الحكم بتجاوز فكرة المركز، كونها السّبب الذي يُؤدي اعتماده إلى الانغلاق والتّحجُّر وكذا التّخلُّف والعودة دائماً إلى المركز الذي يزعم حيازته على الحقيقة المطلقة والنّهائية.
وكانت الاتّجاهات المابعد حداثية postmodernité بديلاً عن النّظرة السّطحية التي كانت تُسيِّر قانون الطبيعة، إذ «سادت عصر النهضة لحظة معرفية كان ينظر فيها للأشياء على أنها تكتب نثراً أو تحمل نثراً أو أنها هي والنثر شيء واحد، فالعالم نثر، أشياؤه كلمات ونظام أشيائه خطاب، وكل خطاب في الأشياء ليس خطاباً بخصوص الأشياء بل هو خطاب على خطاب الأشياء، الأشياء تحمل في ذاتها وعلى سطحها دلالتها والعلم مضطر إلى أن يكون قراءة لتلك الدلالة، أي للأشياء ككلمات، وهي قراءة تقوم على كشف روابط التشابه الثاوية خلف الأشياء أي كشف شتى ألوان التوافق المؤدية إلى ارتباط الأشياء، وألوان التنافس المؤدية إلى تنافرها، ألوان التماثل المؤدية إلى تقاربها وأخيراً ألوان التعاطف المؤدية إلى تجاذبها وتحابها»[30].
فالتّحديد الذي تم على مستوى الحقيقة أدّى إلى تسطيحها وتبسيطها ومن ثمة تأكّد العقل raison من عدم جدوى الأخذ بها، ومنطلق الدِّراسات المابعد حداثية post-modernité هو الشّك doute الذي أصبح من ميزة العقل الذي أدّى به إلى الاختلاف عن منطقه، ويكون الانفصال عن المركز centre هو ما ميّز الاتّجاهات التّجاوزية، «هذه الحالة البينية هي حالة طويلة الأمد؛ إذ إنها لا تحسم بتحويل إرادي للمؤسسات وللمنظومات القانونية بل عبر تحولات ثقافية بعيدة المدى، وانتقال منظومة ثقافية تقليدية إلى الحداثة هو في الغالب انتقال عسير مليء بالصدمات الكوسمولوجية، والجراح البيولوجية أو الخدوش السيكولوجية للإنسان، وكذا التمزُّقات العقدية لأنه يمر عبر (قناة النار) أي عبر مطهر العقل الحديث والنقد الحديث»[31].
ويدخل التّجاوز dépassement في إطار الكارثة، إذ يكون التّحوُّل بعدها ضرورة لا بد منها، إذ تنفجر كل النّظريات المختلفة علمية وعقلية وإنسانية وتكشف عن زيفها ومفارقتها لأهدافها، ولعلّ كسر الثّنائية من خلال تشتيتها أدّى إلى زوال الثّنائية القديمة التي كانت تؤمن بوجود حدّين متعارضين ومتناقضين، وهذه كانت أولى الضّربات التي وجهت للمنطق الصّوري logique formal فقضت على طريقة التّفكير السّابقة.
وتجلّت ما بعد الحداثة «باعتبارها معرفة متجاوزة، فالمعرفة الحقة هي المعرفة العملية الاختبارية لا النظرية التأملية؛ إذ إن الممارسة تحوز الأولوية القيمية والإبستيمولوجية على النظرية، وهذه المعرفة العلمية – التقنية لا تكتفي بالحط من قيمة الأنماط المعرفية الأخرى، بل تطال الفضاء الثقافي كله، وتتحوَّل إلى ثقافة وأيديولوجيا بل إلى ميتافيزيقا أيضاً، يصبح العلم – التقني ثقافة تحل محل الثقافة التقليدية وتكيفها بالتدريج، مؤطرة المجتمع العصري، مزودة إياه بمشاعر الهوية والانتماء وبمعرفة وأخلاق، كما يتخذ العلم التقني مصدراً للشرعية السياسية أي نواة لأيديولوجيا سياسية، والديمقراطية كتكنولوجيا سياسية هي في أحد أوجهها تعبير عن هذا النوع الجديد، الدنيوي، من المشروعية القائمة على العلم كتقنية، بل إن هذا المركب المعرفي الجديد ينتزع بالتدريج صورة ميتافيزيقا أي تبشيراً بالأمل ووعداً بالخلاص، ومصدراً واهباً للمعنى»[32].
وتلك هي المفارقة التي وقعت فيها ما بعد الحداثة post-modernité، فدعوتها للتّخلص من مركزية العقل raison والعلم science أوقعتها ثانية في هاجس البحث عن المعنى sens بعيدًا عن مبدأ اليقين أو المطلق، والسّبب في ذلك هو تأكيدها على الانفصال الذي يكون بين الحقيقة والواقع realité أو عالم الحس، وهدفها من ذلك الحكم بتعقيد الحقيقة وعدم وضوحها وتجلِّيها الذي ارتبطت به أيام منطق العقل، لأنّها ليست بالسّهولة التي يعتقدها أصحاب النّظريات العقلية والعلمية، فانفصلت الحقيقة عن كل فكر يقيني أو وثوقي، «فما بعد الحداثة هي أسلوب في الفكر يُبدي ارتياباً بالأفكار والتصورات الكلاسيكية كفكرة الحقيقة، والعقل والهوية والموضوعية، والتقدُّم والانعتاق الكوني، والأطر الأحادية والسرديات الكبرى أو الأسس النهائية للتفسير»[33].
والهدف من التّفكير المابعد حداثي pensée post-modernité يتجلَّى من خلال محاولة كسر الأقانيم الفكرية والأصول التي تعمل على إعاقة التّفكير بحيث تُحدِّد له طريقاً وحيداً ومنهجاً بعينه ينبغي المشي على أثره، في حين هذه الطريقة عدّت في الدّراسات التّجاوزية دليلاً على أحادية النّظرة وقصر يعتري الذّات فيمنع من إدراكها لأبعاد الحقيقة المختلفة والمتعدّدة، وكذلك الأبعاد الخفّية التي أشارت إليها الدِّراسات فيما بعد. ولعلّ أهمّ صفة قضت بهذا التّجاوز الذي فرضته على باقي مراحلها السّابقة هو ارتباطها بكل ما هو مُتغيِّر وغير ثابت، وكذلك الابتعاد عن فكرة المركزية «أما ما بعد الحداثية فهي أسلوب في الثقافة يعكس شيئاً من هذا التغير التاريخي، وذلك في فن بلا عمق، ولا مركز ولا أساس، فن استنباطي متأمل لذاته، ولعوب، واشتقاقي وانتقائي، وتعددي، يميع الحدود بين الثقافة الرفيعة والثقافة الشعبية»[34].
وكسر المراكز الذي دعت إليه الدِّراسات التّجاوزية أدّت إلى الاهتمام بالهامش marge أو المستبعد من الكلام أو بعبارة أخرى الغائب الذي ينعكس من خلال أصداء وظلال المقولات، وهذا ما جعل من الصّمت ذا دلالة رغم تهميشه من طرف الدِّراسات البنيوية structualism لابتعاده عن الظُّهور والتّجلِّي ومجانبته لكل الطرق القبلية في إدراك الحقيقة la vérité، فيكمن المركز centre حسب هذه الدِّراسات في كل مغيّب يقابله مفهوم الصّمت، «إن جماليات الصمت تهدف إلى الكشف عمًّا هو مُغيَّب ومطموس، في النص المسموح بتداوله، وعمَّا هو موجود في التاريخ، من خلال نصوصه العديدة حيث يمارس حوله صمت وتصميت لئلا تنكشف طوباوية السلطة، وغيبيتها المفتعلة، وتمثيليتها الشعبوية، وتهدف أيضاً إلى استنطاق ما تم الصمت حوله، وتصميته، وليكتب تاريخه الحقيقي، تاريخ الناس في تعددية روافده»[35].
فتبتعد الحقيقة vérité عن المركز le centre لترتبط بالخفيّ والمستبعد والغائب، ولعل تهميش المركز هنا نابع من الفشل والإخفاق الذي جعله يصطدم بالواقع، فيعكس التّقصير والعجز، فإذا كانت بداية التّفكير عند الإنسان ارتبطت بالخطاب discour والكلام parole، فالدِّراسات هنا تنبذ هذه الفكرة عندما تركز على الصّمت والسّكوت وتُحمِّله معاني معينة «فالصمت ليس عدماً كلاميًّا، إنما هو عدم صوتي إنه كلام يمارس (واجباته) في العمق، وربما يُهيئ نفسه لما يعبر عن حقيقته الساطعة وحضوره المهيب لاحقاً، ويعلن عن وجوده بما هو أبلغ من الكلام نفسه، إنه لا يمتنع عن الوجود كموجود معاش، ويشعر به، بقدر ما يمتنع عن الإفصاح عن مبتغاه، بإخفاء الصمت إذا ليس انسحاباً من الوجود، بقدر ما يعني احتجاجاً من نوع ما، رفضاً له، محاربة لوجوده بطريقته»[36].
ومن هذا المنطلق ترتبط الحقيقة بأبعاد لا حدود لها، فيمنح المحتمل والممكن الحق في التّجلِّي والظُّهور، ولعل الالتفات إلى الصّمت silence بما هو هامش الكلام la marge de parole، أولى الأهداف التي سعت التَّيارات المابعد حداثية post-modernité إلى ولوج عالمها والكشف عن جمالية تجلّي المعنى sens بداخلها.
فهي تمارس التّضليل والتّمويه من خلال إظهار دالها الذي يبقى صورة مزيّفة عن الأصل في المعنى، والإشارة إلى الصّمت ليست قولاً جديداً، إذ تحدّث القدماء في البلاغة عن الصّمت بما هو حامل للمعنى بداخله بالطّريقة التي يتعذّر فيها الكلام عن بلوغ هذا المستوى من الإيضاح الذي تحاول بلوغه الصّور والمحسنات بمجازاتها وتشبيهاتها التي تحاول ضبط حدود المعنى عن طريق مقاربته.
والفجوة التي يتركها الصّمت في الكلام parole هو بدوره حامل لإمكانية التّناقض مع المعنى sens ونفيه وكذا إمكانية الإتفاق معه ومسايرته، فتأجل العثور على الحقيقة vérité في الدِّراسات المابعد حداثية post-modernité بحصر إمكانات هذا البياض الذي يتوسّط الخطاب، ومنه تصبح الحقيقة vérité مختلفة ومتناقضة ومتعدّدة ومؤجلة إلى حين إدراك أبعاد هذا الفراغ.
ومن هذا المنطلق تنفصل الحقيقة vérité عن كل تمركز سبق وأن ارتبطت به التَّيارات القبلية، والقول بهذه الطرق في التّفكير لم يبقَ حكراً على العقل الغربي بل طال العقل العربي، وتسرّبت إليه هذه الطرق كما تسربت قبله منجزات التّطور العلمي والتّكنولوجي فيما بعد، وصارت المشاريع العربية كغيرها من المشاريع تضع القيم والمبادئ والمقدّسات للمناقشة والتّحليل، والبحث في طرق المعالجة هذه يطول بقدر اتّساع البحوث التي حاولت نقل التّفكير الحداثي pensée modernité والبعدي إلى الدّول العربية، واستثمار هذه الأفكار من أجل الكشف عن نقاط الضّعف في حضارتنا، والوصول من خلالها إلى رصد بعض الثّغرات التي حالت دون الوصول إلى النّتائج التي لطالما انتظرتها المبادئ المثالية والأخلاق التي ينادي بها الدّعاة والمبشرون.
[1] الحداثة: «رأت الحداثة أنّ مثل هذا المشروع لا يتم ما لم يقطع الإنسان صلته بالماضي ويهتم باللّحظة الرّاهنة العابرة، أي بالتّجربة الإنسانية كما هي في لحظتها الآنية، وهكذا احتفت الحداثة بالصّيرورة المستمرة المتشكلة أبداً وغير المستقرة على كل حال، لكنّها أيضاً كانت تسعى في المقابل إلى إرساء الثّوابت القارة التي تحكم الإنسان وتحكم تجربته كما تحكم الصّيرورة الثّقافية فتفسّر المتغّيرات العابرة وتمنح مشروعية تبريرية عقلانية لحالة الفوضى التي تتسم بها التّجربة الآنية، ومن هنا جاء التّقابل الضّدي بين الثّابت والمتحوّل كإمكانية تفسير التّناقض الواضح بين اللّحظة العابرة والقانون الثّابت الذي يتحكّم بها ويمنحها نظاماً مستقراً أبديًّا» نقلاً عن: ميجان الرويلي وسعد البازعي: دليل الناقد الأدبي، الدار البيضاء المغرب: المركز الثقافي العربي، ط: 3، 2002، ص 225.
[2] ما بعد الحداثة: «جاءت ما بعد الحداثة لتقلب مقولات الحداثة وفرضياتها تماماً، ليس هنالك ثمة ثابت يحكم المتحوّل وليس ثمة عقل يفسر تفسيراً غير متحيّز أوجه النّشاط الثّقافي البشري، كما لا وجود لثقافة عالية نخبوية وأخرى دنيوية جماهيرية، بل كل ما هنالك هو تشكيل مستمر لا يمكن تبريره أو تفسيره بالإحالة على أنموذج متعال، وإنما يقبل التّفسير فقط من داخله مما يجعل التّفسير نفسه محكوما بأشكال مادته الخاصة وليس نتيجة ثوابت لا تتحوّل أو تتبدّل» ميجان الرويلي وسعد البازعي: دليل الناقد الأدبي، ص 226، وإن اختلف التفسير في كل من الحداثة وما بعد الحداثة إلا أن الأصل في المصطلح أنّه يحوي كل المفاهيم التي لا تقبل التحديد كما تتجاوز كل المفاهيم التّقليدية.
[3] بيار غريمال: الميثولوجيا اليونانية، ترجمة: زغيب هنري، بيروت / باريس: منشورات العويدات، ط 1، 1982، ص108.
[4] المرجع نفسه، ص 154.
[5] بيتر كونزمان، فرانز – بيتر بوركارد، فرانز فيدمان: الفلسفة أطلس – dtv، ترجمة: جورج كتورة، بيروت - لبنان: المكتبة الشرقية، ط 1، 1991، ص 13.
[6] المرجع نفسه، ص 15.
[7] اللوغوس logos: «أحد المفردات المعقدة متشعبة الدلالات والإيحاءات وتعود إلى الموروث الإغريقي فلسفة ولغة، بل إن اللفظ الإغريقي واللفظ العربي للمفردة يكاد يتوحد في كلمة لغة، وقد شاعت حديثاً مع تركيز جاك دريدا على ربطها بالتمركز» نقلاً عن: ميجان الرويلي وسعد البازعي: دليل الناقد الأدبي، ص 218.
[8] بيتر كونزمان، فرانز – بيتر بوركارد، فرانز فيدمان: الفلسفة أطلس – dtv، ترجمة: جورج كتورة، ص 11.
[9] محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي: الفلسفة الحديثة.. نصوص مختارة، الدار البيضاء: إفريقيا شرق 2000، ط 2، 2010، ص 25.
[10] بيتركونزمان، فرانز-بيتربوركارد، فرانز فيدمان: الفلسفة أطلس DTV، ص 35.
[11] بيتر كونزمان، فرانز – بيتر بوركارد، فرانز فيدمان: الفلسفة أطلس – dtv، ترجمة: جورج كتورة، ص49.
[12] المرجع نفسه، ص 55.
[13] فلسفة المثل: «يقوم مضمون نظرية أفلاطون في المثل على فرضية وجود عالم ماهيات لا مادية أزلي ولا يخضع للتغير، عالم المثل من اليونانية (eidos;idéa)، والمثل بالمعنى الأفلاطوني هي نماذج للواقع، تبعاً لهذا تتشكل الأشياء في العالم المرئي» نقلاً عن أطلس الفلسفة أطلس – DTV، ص 39.
[14] سالم يفوت: إبستيمولوجيا العلم الحديث، الدار البيضاء: دار توبقال للنشر، ط 2، 2008، ص 34.
[15] سمير أمين: الحداثة كانقلاب جوهري، ضمن كتاب: محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي: الحداثة وانتقاداتها (2)، - نقد الحداثة من منظور عربي – إسلامي – العدد 12، الدار البيضاء: دار توبقال للنشر، ط 1، 2006، ص 71.
[16] جان بودريار: الحداثة أنسكلوبيديا أو نيفرساليس، ترجمة: محمد سبيلا، ضمن كتاب: محمد سبيلا وعبدالسلام بنعبد العالي: الحداثة وانتقاداتها (1)، نقد الحداثة من منظور غربي، العدد 11، الدار البيضاء: دار توبقال، ط 1، 2006، ص7.
[17] جون غروندين: مدخل إلى غادامير، ضمن كتاب: محمد سبيلا وعبدالسلام بنعبد العالي: الحداثة وانتقاداتها (في نقد الحداثة من منظور غربي)، ص 23.
[18] محمد الشيكر: هايدغر وسؤال الحداثة، المغرب: إفريقيا شرق، ص 14.
[19] بيتر كونزمان، فرانز – بيتر بوركارد، فرانز فيدمان: أطلس – dtv، ترجمة: جورج كتورة، ص95.
[20] المرجع نفسه، والصفحة نفسها.
[21] بيتر كونزمان، فرانز – بيتر بوركارد، فرانز فيدمان: أطلس الفلسفة، ترجمة: جورج كتورة، ص 95.
[22] محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي: الفلسفة الحديثة نصوص مختارة، الدار البيضاء: إفريقيا شرق 2000، ط 2، 2010، ص 162.
[23] بيتر كونزمان، فرانز – بيتر بوركارد، فرانز فيدمان: أطلس الفلسفة، ترجمة: جورج كتورة، ص 103.
[24] المرجع نفسه، ص 103.
[25] محمد الشيكر: هايدغر وسؤال الحداثة، ص 11.
[26] راسل جاكوبي: نهاية اليوتوبيا.. السياسة والثقافة في زمن اللامبالاة، ترجمة: فاروق عبد القادر، عالم المعرفة (269)، الكويت: مطابع الوطن، مايو 2001، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ص50.
[27] المرجع نفسه، ص 139.
[28] النظرية البنيوية: «نمط من التفكير حول الظواهر الإنسانية ينطلق من فرضية أساسية وهي انتظام الظواهر في بنى كامنة وانحكام الدلالة بالعلاقات القائمة ضمن تلك البنى أو ما بين البنية والأخرى، وكان من الطبيعي أن يتم تبني ذلك النمط في التفكير ضمن الإطار الأكبر لأحد طرائق التفكير النقدية القائمة أو من تزاوج إحدى تلك الطرائق مع الأخرى، فتتبلور بنيوية شكلانية وبنيوية نفسانية وأخرى واقعية ماركسية تكوينية أو توليدية» نقلاً عن كتاب: ميجان الرويلي وسعد البازعي: دليل الناقد الأدبي، ص 386.
[29] عبد الغني بارة: إشكالية تأصيل الحداثة في الخطاب النقدي العربي المعاصر مقاربة حوارية في الأصول المعرفية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2005، ص 27.
[30] سالم يفوت: ابستمولوجيا العلم الحديث، ص 76.
[31] محمد سبيلا: الحداثة وما بعد الحداثة، الدار البيضاء: دار توبقال للنشر، ط 1، 2006، ص 21.
[32] محمد سبيلا: الحداثة وما بعد الحداثة، ص 9.
[33] تيري إيغلتون: أوهام ما بعد الحداثة، ترجمة: ثائر ديب، سورية: دار الحوار للنشر والتوزيع، ط 1، 2000، ص7.
[34] تيري إيغلتون: أوهام ما بعد الحداثة، ص 8.
[35] إبراهيم محمود: جماليات الصمت في أصل المخفي والمكبوت، دمشق: مركز الإنماء الحضاري، ط 1، 2002، ص 12.
[36] إبراهيم محمود: جماليات الصّمت في أصل المخفي والمكبوت، ص 37.