إعلان الإسكندرية حول
(حقوق المرأة في الإسلام)
مقدمة
تدارس المشاركون في مؤتمر «قضايا المرأة: نحو اجتهاد إسلامي معاصر» الذي نظمته مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع عدد من مؤسسات العمل الأهلي في الفترة من 10-11 مارس 2014؛ أهمية إصدار إعلان، ينبع من الأرضية المعرفية والثقافية، يؤكد الحقوق المشروعة للنساء، ويلبي تطلعاتهن نحو العدالة والمساواة، ويقر بعقائدهن وتنوع ثقافتهن.
ويستند هذا الإعلان إلى مبادئ الشريعة الإسلامية السامية وبعض اجتهاداتها الأصلية، وهو ثمرة مشتركة لتلك النقاشات التي دارت في رحاب الأزهر الشريف خلال عامي 2012 و2013م، وضمت عدداً من الرموز النسائية المصرية، وممثلي الجمعيات الأهلية المعنية بحقوق النساء، والجلسات الثرية التي شهدها مؤتمر قضايا المرأة، والتعليقات الضافية التي أضافها عدد من كبار علماء الشريعة في العالم الإسلامي.
ويضم هذا الإعلان المبادئ الأساسية والقواسم المشتركة للحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على نحو يلائم المجتمعات الإسلامية على اختلافها، ويسمح لها بأن تتعامل مع قضايا النساء وفقًا لثقافتها وأوضاعها السياسية والاقتصادية المختلفة.
وهذا الإعلان قابل للتطوير عبر حوار ممتد يدعم مساحة الاجتهاد الإسلامي حول حقوق النساء.
المنطلقات
1. الرفض التام لتسييس القضايا المجتمعية، أو استغلال قضايا المرأة في الصراع السياسي بين القوى المجتمعية المختلفة؛ لذا يدعو الإعلان إلى ضرورة الانطلاق في معالجة قضايا المرأة من الاحتياجات الحقيقية للشعوب والمجتمعات، والمعارف العلمية والدينية الموثقة والدراسات الميدانية الاجتماعية.
2. التأكيد على قيم الوسطية المعتدلة المميّزة للثقافة الإسلامية والثقافة الأسرية المنبثقة منها، البعيدة عن التشدد والانغلاق.
3. الإيمان بأن المساواة في النفس والروح والكرامة والمكانة الإنسانية، والشراكة في المسؤولية عن الكون وإعماره؛ مفاهيم جوهرية في علاقة الرجل والمرأة في الإسلام.
4. الحرص على أن تكون التشريعات الخاصة بالمرأة ذات طبيعة اجتماعية توافقية تراحمية لا صراعية، من أجل حماية حقوق أفراد المجتمع كافة؛ وفي مقدمتهم أفراد الأسرة دون تمييز، على أن تراعى مصلحة الطفل، فهو صاحب أولوية في وضع تلك التشريعات.
5. الاتجاه إلى مشاركة المرأة في المجالات العامة، ومساواتها في الكرامة والقدرات الإنسانية، وعدم اختزالها في الوظائف الجسدية والأسرية وحدها.
حقوق المرأة ومسؤولياتها
أولاً: قيمة المرأة الإنسانية والاجتماعية
* يتأسس وضع المرأة في الإسلام على المساواة مع الرجل، سواء في مكانتها الإنسانية أم من حيث عضويتها في الأمة والمجتمع.
* العلاقة بين المرأة والرجل تقوم على المسؤولية المشتركة، ومعيار التفاضل والأفضلية فيها كلمة الحق والعدل؛ مصداقاً لقوله تعالى: {وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].
* إن مبدأي المساواة والمسؤولية المشتركة -كأساس لفهم العلاقة بين الجنسين وتأسيسها في الأمة- قد قررتهما آيات واضحة، ولا يجوز التحيف على هذين المبدأين ولا تحجيمهما.
* إن العلاقة بين المرأة والرجل في الإسلام هي علاقة اقتران وشراكة لا مجال إلى فصمها، وليس أدل على ذلك من اصطلاح القرآن الكريم على وصف النوعين بمصطلح ثابت لم يحِد عنه هو «الزوجان»؛ فهي زوجٌ وهو أيضاً زوج، وهو اصطلاح يقر التنوع، لكنه يؤسس لعلاقة التكافؤ والتوازن في الوقت نفسه، فهو تنوع غير قابل للانفصام أو التنافر أو السيطرة، بل أساسه الارتباط والتعاون؛ لذا ينبغي ألَّا يكون سبيلاً لحرمان الطفل ذكرًا أو أنثى من الفرص المتساوية في التنشئة.
* وإذا كانت المساواة في النفس والروح والكرامة الإنسانية، والمشاركة في المسؤولية عن الكون وإعماره، مفاهيم جوهرية لعلاقة الرجل والمرأة في الإسلام، فإن مفهوم القوامة يؤكد على المسؤولية الحكيمة، ويعني «الالتزام المالي نحو الأسرة»، وأن يأخذ الزوج على عاتقه توفير حاجات الزوجة والأسرة المادية والمعنوية، بصورة تكفل لها توفير حاجتها وتشعرها بالطمأنينة والسكن، بما يحقق المسؤولية المشتركة بين الرجل والمرأة، ولا تعني القوامة في الإسلام سلطة الرجل -سواء كان زوجاً أو أباً- في التصرف المطلق والهيمنة على الزوجة والأبناء.
* للمرأة الحق في الحياة والكرامة والاختيار والمعاملة العادلة، ولها -بل عليها أيضاً- كإنسان أن تحسن توظيف ما منحها الله من قدرات إنسانية مادية ومعنوية هي مسؤولة عنها وعمَّا فعلت بها يوم القيامة. وعلى الدولة بوصفها تجسيداً لإرادة الأمة تيسير ذلك وتوفيره للنساء والرجال على السواء.
* المرأة المسلمة فاعل مؤسس في «العقد الاجتماعي» الذي تأسست بموجبه الأمة الإسلامية من خلال ما يعرف بـ«بيعة النساء» التي حدثت في صدر الدعوة الإسلامية التي تم تعميمها، فصارت أساسًا للبيعة العامة بين الرسول (صلى الله عليه وسلم) وسائر المسلمين؛ مصداقاً لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة الممتحنة: آية 12].
* وأخيراً فإن للمرأة حقوقًا سياسية واقتصادية مساوية للرجل باعتبار أن تطور المجالات والوظائف والأنظمة والأدوار السياسية والاقتصادية في المجتمعات المعاصرة يقع أغلبه في دائرة المصلحة المرسلة التي لم يشهد لها الشرع بالاعتبار أو الإلغاء. وما قد يختلف عليه منها فسبيله الاجتهاد من علماء الأمة تفسيرًا وتأويلاً واستنباطاً. وهذه عملية تاريخية وثقافية مستمرة، للمرأة الحق في المشاركة فيها متى توافرت لها الكفاية والمقدرة.
ثانياً: الشخصية القانونية للمرأة
* تتمتع المرأة بالأهلية الكاملة، ولها ذمتها المالية المستقلة، ومسؤوليتها القانونية، وحق التصرف الكامل المستقل فيما تملك.
* للمرأة حق شرعي غير منازع في الميراث. وعلى الدولة ضمان حصول المرأة على حقها. وعلى أهل العلم وحكماء الأمة وقيادات الرأي العام بذل الجهد لوضع حد للأعراف والتقاليد الظالمة التي تعطل إعمال النصوص الشرعية لميراث المرأة الذي وصفه الله تعالى بكونه (نصيبًا مفروضًا) ووضع الضمانات القانونية لحمايته.
* إن الجدل المثار حول نصيب المرأة في الإرث ومحاولة الاستدلال به على ضعف مكانة المرأة في الإسلام هو جدل مفتعل من المعارضين والمؤيدين على السواء؛ وذلك لأمرين: أولهما: أنه لا يجوز استنباط تعميمات تتعلق بشخصية المرأة ومكانتها من أحكام جزئية كالميراث بعد أن حسم الشارع سبحانه وتعالى قضية مساواة المرأة ومكانتها بالنصوص الواضحة الأخرى التي لا جدال حولها. وثانيهما: أن حكمة التشريع لا تنبني على الحقوق وحدها بل على منظومة الحقوق والالتزامات جميعاً، وعليه فإن منظومة تقوم على نصيب مضاعف للرجل في بعض حالات الميراث؛ إنما هي قسمة مقرونة بفرضية الإنفاق الكامل على الأسرة والأقربين المعوزين. ويقابل ذلك نصيب أقل للمرأة معفى من أية مسؤولية للإنفاق. وهذا كله تجسيد لقيمتي المساواة والعدالة؛ إذ إن المساواةَ لا تعني بالضرورة التشابه والتماثل في الدقائق والتفاصيل بل في التوازن بين الحقوق والالتزامات، كما هو معروف في المبادئ القانونية.
ومن المعلوم أنه مما استقر في الفقه الإسلامي أن الأنثى ترث مثل الذكر، أو أكثر منه، أو ترث ولا يرث في أكثر من ثلاثين حالة من حالات الميراث، بينما ترث الأنثى على النصف من الذكر في أربع حالات فقط.
* المرأة من أهل الشهادات، أما تفاصيل الأحكام المتعلقة بها فإن من القصور أن يُقال إنها دائماً على النصف من الرجل، والقول بأن شهادتها نصف شهادة الرجل تعسفٌ في التأويل والاستدلال من الكتاب؛ خاصة أن هناك اجتهادات معتبرة تميز بين الشهادة والإشهاد، فالشهادة بينة تثبت بشهادة رجل واحد أو امرأة واحدة أو رجلين أو امرأتين أو رجل وامرأة، بينما الاستشهاد هو رخصة لصاحب الدين إذا أراد أن يستوثق لدينه أعلى درجات الاستيثاق.
كما أن الحكمة والأصل في الشهادات عامة هو التعدد لضمان النزاهة وعدم التواطؤ أو الانحياز أو الضلال-أي النسيان- المفسد للشهادات، وعلى هذا فإن الشهادة في حالات الجنايات، واجب على الأفراد أكثر من كونها حقًّا من الحقوق، وقد يلجأ القاضي إلى شهادة المرأة أو الطفل في أمور تتعلق بالأسرة.
ثالثًا: المرأة والأسرة
* الأسرة هي أساس المجتمع ووحدته الأولى. وهي كيان تعاقدي ومادي ومعنوي، وينبغي على الدولة والمجتمع اتخاذ كل الإجراءات والتيسيرات التي تدعم هذا الكيان وتصون حقوق كل أفراده.
* فالأسرة كيان تعاقدي لكونها علاقة إرادية تنشأ بالاتفاق، وللرجل والمرأة في ذلك كله الإرادة في إنشاء الأسرة وإنهائها، فتتم حسب ما يقرره الشرع في محكم آياته، وحسب ما تنص عليه شروط العقد، وأساسه الأول هو التراضي والقبول المتبادل، ومسألة التوثيق إنما هي لحماية الطرفين والتوثيق، وهو حفظ لحقوق الطرفين وحماية للمرأة على وجه الخصوص.
* تقوم الأسرة على المشاركة والشورى والعدل والمودة والرحمة. وقد كتب الله تعالى على الرجل الإنفاق على الأسرة فريضة عليه؛ نظراً لقيام المرأة بدورها الطبيعي في الإنجاب ورعاية الأبناء.. فالإنفاق حق للمرأة والطفل، وهو واجب على الرجل. ولا يعني ذلك حبس كيان المرأة والرجل في تلك الأدوار فقط؛ لأن لكل منهما أدوارًا أخرى متعددة.
* والأسرة «أيضًا» كيان معنوي عظّمه الله سبحانه وتعالى حين وصف الرابطة بين الزوجين بكونها «ميثاقًا غليظًا»؛ ومن ثم فإن الحفاظ على كيان الأسرة هو من المهام الجسيمة التي يتعيَّن على الزوجين والأهل والمجتمع وعلماء الدين والثقافة والإعلام وكافة مؤسسات المجتمع والدولة تأكيده والحرص عليه.
* لا تزال تشريعات الأسرة المستندة إلى مرجعية إسلامية تحتاج إلى مزيد من الجهد لاستيعاب المفاهيم والقيم الإسلامية الصحيحة للأسرة، والتي أصبحت الظروف ملحة لتأكيدها -من جديد- من خلال التشريعات ووسائل التربية والتوجيه. وأهم تلك المفاهيم المودة والرحمة كأساس لقيام الأسرة واستمرارها.
* شرع الله تعالى الطلاق وأنواع الفراق الأخرى سُبلاً لإنهاء العلاقة الزوجية عند استحالة العشرة بين الزوجين على القاعدة الشرعية {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} – [الآية 229 البقرة] - ويقوم الأمر على أساس الاتفاق والتفاهم بين الطرفين لإنهاء العلاقة الزوجية. ولا يجوز تعسف الرجال في استخدام الحق في الطلاق، ولا سبيل للافتئات على حقوق المرأة المقررة شرعاً، كما يجب تقنين التحكيم في حل المشكلات الزوجية، والأخذ بالاجتهادات الفقهية التي تحد من فوضى الطلاق.
* إن رعاية الأبناء ماديًّا ومعنويًّا هي أولى مسؤوليات الأسر، وهي حق وواجب على الأبوين والمجتمع بأسره. وواجب مشترك بين الأبوين لا يجوز التنازل عنه أو التفريط فيه، ويتم تنظيم هذا الحق قانونًا وفق قواعد الشرع، وعلى رأسها إيثار مصلحة الطفل قبل أي اعتبار آخر.
* إن تأكيد البعد الأخلاقي والمعنوي وإبرازه في تكوين الأسرة، من خلال التشريعات والثقافة معًا، كفيل بتقريب المجتمع أكثر فأكثر إلى مقاصد الشريعة؛ حيث أحاط الله سبحانه وتعالى هذه المعاني والأبعاد المعنوية بسياج مشدد من الحفظ بوصفه لها سبحانه وتعالى -غير مرة- في كتابه بأنها حدود الله.
* التأكيد على الأهمية الاجتماعية للأمومة، وتكاملية الأبوة والأمومة في تنشئة الأطفال ورعاية الأسرة، وأن دور المرأة في الإنجاب ينبغي ألَّا يكون سببًا في التمييز الاجتماعي، وأن تنشئة الطفل بشكل متوازن تتطلب تقاسم المسؤولية بين الأم والأب.
رابعاً: المرأة والتعليم
* التعليم حق من حقوق المرأة أكدته النصوص الإسلامية وكرسته الممارسة عبر العصور، ومن ثَمَّ لا مجال للزعم بأن الإسلام يفرض على المرأة مجالات تعليمية معينة بحجة أنها تلائم طبيعتها الأنثوية ومهمتها الأمومية، أو أنه يحظر التحاقها ببعض الكليات المتخصصة، فهذه كلها أعراف وعادات محلية لا علاقة لها بالإسلام.
* يجب أن تسعى الدولة والمجتمع لتوفير ودعم فرص المرأة في التعليم دون تمييز، وهذا الحق يمنع الأسرة من التمييز بين الولد والبنت في تلقي التعليم اللازم؛ للارتقاء بهما ماديًّا ومعنويًّا.
* للجهات الإسلامية المختصة دور مهم في بيان الموقف الإسلامي الصحيح من تعليم المرأة ومقاومة الأعراف والتقاليد المقيدة لحق المرأة في التعليم؛ ومن جهة ثانية فإن عليها مسؤولية كبرى في درء الفجوة القائمة بين الرجال والنساء في مجالات العلوم الشرعية وخاصة علمي الفقه والتفسير، عبر تبني مشروعات معرفية لإعداد المرأة المفسرة والمرأة الفقيهة.
خامساً: المرأة والعمل
* إن الواقع المعاصر في متطلباته الاقتصادية -ونتيجة للتعليم- قد فرض على النساء العمل؛ حيث إنه نهج شريف لتحصيل الرزق، لا يرفضه الدين بما يتناسب مع ظروف الزوجين وأبنائهما طالما اقترن بالحفاظ على الفروض والآداب الإسلامية.
* إن عمل المرأة بهذا المعنى يرتب على الدولة والمجتمع مجموعة من الالتزامات: أولها أن يقوم على قاعدة تكافؤ الفرص والعدالة، وبخاصة المحتاجة والفقيرة والمعيلة؛ إعمالاً لمبدأ الرعاية والتيسير لا مجرد المساواة فحسب حفظاً للأسر من الانهيار؛ ولذلك ينبغي تيسير قواعد العمل بالنسبة للنساء العاملات، وتحقيق التوافق الأسرى على التعاون والتضافر في حمل الأعباء المادية وغير المادية كرعاية الأبناء والآباء.
* وثانيها أنه يجب على الدولة نحو المرأة والطفل -كما هو الحال بالنسبة للرجل عند تعذر سبل العيش والبطالة أو العجز عن توفير حدود الكفاية في التعليم والمعيشة الكريمة والسكن- واجب متساوٍ وضروري يتأسس على حقوق المواطنة لا الإغاثة.
سادساً: المرأة والأمن الشخصي
* يتبنى الإسلام رؤية متكاملة بالنسبة لجسد الإنسان (وشتى جوارحه) باعتباره أمانة ومسؤولية أمام الله عز وجل، وقد كان ولا يزال -للأسف الشديد- الاستغلال والعدوان بكل صوره، ومنه التحرش وسائر صور الاعتداء الجنسي –خاصة على المرأة- أحد المآسي والآفات الإنسانية الكبرى على مدى التاريخ. وإذا كان تحمل مسؤولية حفظ الجسد الإنساني من الفواحش هو مسؤولية الفرد، فإنها على الجانب المقابل مسؤولية الجماعة أيضاً وبخاصة في الظروف المستجدة بل هي من الضرورات الشرعية: (حفظ النفس والدين والعرض والعقل والمال) خاصة إذا ما اقترن العدوان على الحدود باستخدام القوة أو أية ظروف خاصة مشددة. وهي كذلك وظيفة من الوظائف الأساسية للدولة (الحفاظ على الحرمات الإنسانية).
* إن موضوع زي المرأة في الإسلام أمرٌ حسمته الشريعة، وجرى عليه جمهور فقهاء المسلمين وعلمائهم، وفحواه أن الاحتشام في الزي وستر العورات مطلوبٌ شرعيٌّ.
* إن على الدولة أن تقوم بدورها المهم من خلال التشريعات القانونية مدعومة بالمنظومة الثقافية؛ وعليها تجريم كل أشكال الانتهاك الجنسي والجسدي للمرأة؛ بدءًا من التحرش القولي والمادي ومرورًا بالاغتصاب وانتهاء بتجارة الأعراض والأطفال بكل أشكالها. كما أن عليها إيجاد الوسائل اللازمة لذلك، وضمان تحققها على أرض الواقع.
وعلى الرجال أن يدركوا أن الله تعالى لم يخلق الأرض لهم وحدهم، بل لبني الإنسان بشقيهم معاً. فمن حق المرأة أن تأمن على نفسها في حلها وترحالها، فهذا هو حقها الإنساني والديني والوطني.
سابعاً: المرأة والعمل العام
* للمرأة الحق في تولي الوظائف العامة متى اكتسبت المؤهلات التي تقتضيها تلك الوظائف، وعلى الدولة أن تحافظ على تكافؤ الفرص إزاء المرأة والرجل، ومن المعلوم أن النساء المؤهّلات قد تولين في صدر الإسلام وظائف عامة في التعليم وفي الأسواق وفي العلاج وغيرها.
* هذا وللمرأة الحق في العمل التطوعي الخدمي والعمل العام حسبما تهيِّئُه لها ظروفها الخاصة وإمكاناتها ومواهبها وحوافزها الشخصية؛ فإن العمل التطوعي والخدمة العامة هما في الوقت ذاته حقٌّ وواجب الإنسان رجلاً كان أو امرأة من فضل ماله وعلمه وجهده، وهو فرض كفاية على المجتمع كله.
وأخيراً فإن المرأة صاحبة حق أصيل في الجماعة الوطنية ولها حق -وواجب- النصيحة والشورى والقيام بالقسط، وهي محملة بالأمانة مستخلفة كالرجل سواء بسواء، وهو ما يفرض عليها المشاركة في العمل العام ناخبة ومنتخبة، لإيصال ما تراه صحيحًا من آراء وحقوق ومصالح عامة إلى القائمين على صنع القرار في الجماعة الوطنية التي تتشكل على أسس من التعاون والتوافق بين مختلف مكوناتها.
الإسكندرية في 9-10 جمادى الأولى 1435هـ، الموافق 10-11 مارس 2014م.