شعار الموقع

غابت الرؤية الإعلامية .. !!

أحمد الهلال 2019-05-31
عدد القراءات « 518 »

غابت الرؤية الإعلامية..!!

 

أحمد الهلال*

 

*  كاتب وإعلامي سعودي.

 

 

في ظني عشرون عاماً من عمر مجلة الكلمة ليس بالأمر السهل الذي يمر مروراً عابراً دون أن يكون حوله نقاش فعَّال وحقيقي ليقف القائمون على المجلة على مواطن النجاح ليُعزِّزوها ومواطن الإخفاق ليتلافوها.

والحديث عن مشروع فكري وحضاري عمره عقدين من الزمن حديث يجب أن يكون صريحاً وشفافاً، والعصف الذهني والتأمل العميق في التجربة عنوانه الرئيس؛ لهذا آمل من الكُتَّاب الذين سوف يُدلون بشهاداتهم أن يكونوا أمينين على هذه الشهادة، وأن يبتعدوا عن المجاملات والإنشائية والعبارات التي ربما رغب فيها القائمين على المجلة أو استحسنوها.

لهذا ومن خلال تجربتي المتواضعة بالعمل في الصفحات الثقافية في المجلات والصحف اليومية؛ إن تجربة المثقف على أقل تقدير في البيئة الخليجية وربما حتى العربية هي تجربة يوضع ويضع لها المعني وهو المثقف الكثير من الحواجز من حيث لا يدري حيناً، ومن حيث يدري حيناً آخر، من خلال المبالغة بمسألة النخبة وشعلة التنوير التي يجب أن تكون لها محيطها ولغتها الذي يذهب إليها المجتمع، دون أن تذهب هي إليه إلَّا بمقدار وضمن قنوات ولغة محكومة بطقس النخبة.

من هذه المقدمة أحببت أن أطرح وجهة نظري في تجربة مجلة الكلمة، وفي ظني هي لا تختلف عن حال المثقف وحضوره في ساحة الإعلام، فالقائمين على هذه المجلة من رئيس التحرير ومديره هم أصحاب فكر وثقافة، فالأول زكي الميلاد مثقف وباحث في الفكر الإسلامي، والثاني وهو محمد محفوظ يحمل الصفة نفسها، وهو مفكر إسلامي له العديد من الكتب والبحوث المنشورة، من هذه الإشارة ربما لاحظ معي القارئ أي الجانب الذي يغيب أو مغيب أو ضعيف إلى درجة عدم التفعيل الحقيقي والفعَّال، أو هناك عقبات تقف في طريقه تمنعه أن يؤدي دوره الموازي للمحتوى الفكري في مجلة الكلمة، وهو الجانب الإعلامي، ونحن نعرف ما للجانب الإعلامي من تأثير ساحق نجحت في استخدامه وسائل إعلامية سواء كانت قنوات فضائية أو صحف ودوريات، وأخفق غيرها ممن يتعاطى مع القنوات نفسه، بمعنى آخر دون أن ينظر القائمين على المجلة بعين الإعلام وكيفية توظيفه ليكون للمجلة حضورها و تأثيرها وتحقيق الهدف المنوط بها، إضافة يجب أن يعرف القائمون على المجلة أن «نخبوية» المادة المعروضة فيها لا يمنع من تسويقها والبحث عن فضاء جديد لحضورها، فمقولة يكفينا البقاء والاستمرار دون الانفتاح على آفاق جديدة والتعاطي مع لغة الإعلام الجديد لم تعد تُجدي في ساحة إعلام اليوم، فالحضور اليوم لمن يبحث عن فرصة الإعلام ويستثمرها، لا لمن ينطوي على ذاته مكتفياً بمقولة: «يكفينا البقاء» حتى وإن كان ذلك البقاء هو أشبه بالصوري (إذا نظرنا بعين الإعلام الجديد)، قياساً بالبقاء الحقيقي والفعَّال، فبقاؤك يُقاس اليوم بمدى مساحة تأثيرك وليس لمجرد الحضور.

وهنا يجب أن يعرف أصحاب المشروع (مجلة الكلمة) أن مفردة الإعلام الجديد هي الأكثر تحدياً لهم، خصوصاً إذا عرفنا أن مفهوم هذا الإعلام لم يعد حكراً بيد مختصين له أو قادة يقودونه، وإنما أصبحت مشاركة الكثير من عناصر المجتمع في صياغته أمراً حتميًّا وحاضراً بشكل كبير، ومن هذه النقطة يجب أن يُعمل لصياغة الرؤية الإعلامية وتفعيلها من خلال خطة تقرأ الواقع الإعلامي بصورة تتجه وإن بمراحل نحو تحقيق هذه الرؤية، ولكي تتضح للقارئ العزيز ما نعنيه بالرؤية الإعلامية أدعو القائمين على المجلة أن يطرحوا هذا السؤال على أنفسهم:

إلى أي مدى نجحنا في إيصال رسالة المجلة وما تحتويه من مادة إلى الشريحة المستهدفه من المجلة؟ وما هي درجة تأثيرنا في الساحة الإعلامية اليوم؟

ليتضح بعد ذلك إلى أي مدى حققت المجلة نجاحاً، فالمجلة قبل أن تكون محتوى فكريًّا وثقافيًّا هي وسيلة إعلامية، وهذه النقطة التي يجب أن تُوضع موازية للمحتوى الفكري الذي تقوم عليه المجلة، وهي النقطة التي أزعم بأنها غائبة أو ضعيفة في مشروع المجلة (الإعلامي - الفكري )

ومن هنا يجب أن تُحلِّق المجلة بجناحين: جناح الفكر والمعرفة والحضور المتجدّد للشباب، وجناح الإعلام بقنواته الحاضرة والمتجدّدة. دون هذا -في ظني- سوف تتقلَّص فرص الحضور، وربما في المستقبل تغيب عن الساحة حضوراً (حتى الشكلي منه) وتأثيراً.

وأنا هنا حتى لا أُساءَ فهماً لست متشائماً أو ممن يرسم صورة قاتمة للمجلة، فالمجلة مليئة بالمحتوي الفكري القيِّم والقيِّم جدًّا، ولكنه محصور بعقلية نخبوية تسير بالمجلة دون رؤية إعلامية واضحة أو ملاحظة من المتابع على أقل تقدير، ولدينا أمثلة كثيرة لمجلات تحمل محتوى مجلة الكلمة نفسه غابت فيها الرؤية الإعلامية، أين هي الآن؟!

وهنا أرغب أن أضرب مثالاً للتدليل على قيمة الرؤية الإعلامية المدعومة بخطة العمل في أي مشروع فكري، فهناك مشروع فكري يُشابه إلى حدٍّ كبير مشروع مجلة الكلمة وحقق حضوراً إعلاميًّا كبيراً قياساً بالمجتمع العربي، والمثال قبل أن أطرحه، رغم فارق ما يُلاقيه من دعم مادي كبير وسخي، كون الدعم يأتيه من دولة وهي القائمة عليه، وهذا بالطبع ليس مجالاً للمقارنة، ولكن المقارنة يمكن أن تحدث بجانب الرؤية الإعلامية، فلو اكتفى المنفذون لهذا المشروع بالطباعة فقط دون وضع خطة إعلامية لتسويقه وحضوره إلى القارئ لما حقق له الحضور على طول الوطن العربي وعرضه، وهي مجلة «عالم الفكر» التي يُصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت، ومن المعروف أن المجلس يُصدر العديد من الدوريات والكتب التي لها حضور جدير بالإعجاب.

وهنا قد يخرج متابع ويقول: إن الرؤية الإعلامية في مجلة «عالم الفكر» كانت نتاج الدعم المادي السخي، وأنا من جانبي أقول: وهل تتوقعون أن يكون الحديث عن رؤية إعلامية دون مال.

ومع هذا هناك الكثير من القنوات الإعلامية التي نسبة تكلفتها قليلة ويكمن أن تستخدمها المجلة وتوظفها في وضع خطة إعلامية تسويقية، مع التأكيد على أن الرؤية الإعلامية المدعمة بخطة العمل أصبحت أمراً ليس منه مفر، وبقاء أي منشورة ثقافية مرتبط بهذه الخطة.

وفي الختام أود أطرح بعض النقاط التي وجدت أنها من المفيد أن تساهم في تعزيز الرؤية الإعلامية من خلال وضع خطة إعلامية تسويقية تحقق على غراره الهدف الذي قامت من أجله المجلة:

1- وضع زاوية خاصة في المجلة للشباب الجامعي المثقف ليعرض فيها أفكاره مع محاولة استقطابه، مع التذكير بأن ما حدث في العالم العربي من تغيرات سياسية «الربيع العربي» أدى فيه الشباب دور صاحب المبادرة، متقدماً على المنظرين والسياسيين.

2- تنظيم ملتقى سنوي على الأقل يعرض من خلاله أبرز ما ناقشته المجلة عبر أعدادها، ويُدعى له الإعلاميون والمثقفون.

3- الاستعانة ببعض الخبرات الإعلامية من كوادر وأفكار.

4- تأسيس جائزة لأفضل بحث فكري دون تحديد الفئة العمرية.

5- تنظيم (أو طرح هذه الفكرة على المجلات الفصلية) ملتقي سنوي لدوريات والمجلات العربية الفصلية تناقش فيه واقع هذه الدوريات ومدى حضورها و تأثيرها.

6- السعي للبحث على شراكات مع الجامعات العربية.

وفي نهاية المطاف إن لم توضع لمجلة الكلمة خطة إعلامية في كيفية تسويقها مواكبة لثورة الإعلام اليوم لتنقل المجلة من حيزها التقليدي الممثل في نقاط البيع التقليدية وبعض الاجتهادات التسويقية المتواضعة البعيدة عن النفس الاحترافي، فالقنوات الإعلامية (المجلات والدوريات الفصلية أحداها) تقوم اليوم على العمل الاحترافي في تسويقها وليس الاجتهادات الفردية المفتقرة للرؤية والتخطيط.