شعار الموقع

كلمة في مجلة ( الكلمة )

صايم عبدالحكيم 2019-05-31
عدد القراءات « 610 »

كلمة في مجلة «الكلمة»

 

الدكتور صايم عبدالحكيم*

* مدير مخبر التراث والفكر المعاصر: (الفلسفة والفنون والممارسات الاجتماعية) جامعة وهران - الجزائر. البريد الإلكتروني: saimabdelhakim@yahoo.fr

 

 

 

من فضائل العولمة أنني اكتشفت مجلة «الكلمة»، ونشرت فيها بعض المساهمات بالرغم من أنها لا تُوزَّع في الجزائر، ولكن إرسال رئيس تحريرها لصاحب المقال نسخة مصوَّرة جعلها عنواناً حضاريًّا بامتياز، لأن بعض أدعياء الحداثة لا يسرقون جهد الباحث بل لا يبلغوا صاحب الموضوع بنشر بحثه.

ومن عجائب الزمان أن البعض يضطر لشراء تلك المجلة لأنها تحتوي على مساهمته، في حين وجدنا المفكر زكي الميلاد يُسلِّم النسخة الورقية بكل سرور كلما سنحت له فرصة اللقاء بصاحب المقال.

ومؤخراً كنت سعيداً، وبالتحديد في الصالون العاشر للكتاب بوهران من 1 إلى 10 أبريل 2013م عندما وجدت مجلة «الكلمة» مع أخواتها من المجلات مثل: عالم الفكر والغدير والمنهاج.

لقد وجدت الكلمة منذ البدء، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما جاء في إنجيل يوحنا، أو انتصرنا لموقف مالك بن نبي القائل: «إن الكلمة من روح القدس، إنها تُساهم إلى حد بعيد في خلق الظاهرة الاجتماعية، فهي ذات وقع في ضمير الفرد شديد.. لتحوِّله إلى إنسان ذي مبدأ ورسالة».

وهذا دليل على أن اختيار عنوان المجلة جعل منها «كلمة ليست كالكلمات» التي تنتهي إلى قصر من الوهم، يزول في لحظات كما ذكر الشاعر نزار قباني، أو مثل «كلمات» الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر التي تروي سيرته الذاتية في حدود معينة، لأن مجلة «الكلمة» مرجعيتها الرسالة الخالدة التي تُوضِّحها سورة إبراهيم في الآية الكريمة {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}.

وفي عقدها الثاني تُورق شجرة الكلمة الفرع العشرون لأنها حسب لسان العرب، هي لفظة حجازية، «وجمعها كلم، تُذكَّر وتُؤنَّث، يقال هو الكلم وهي الكلم، التهذيب». فكانت وما تزال مجلة مفتوحة لجميع الكفاءات من الجنسين، والكلمة «تقع على الحرف الواحد من حروف الهجاء، وتقع على لفظة مؤلفة من جماعة حروف ذات معنى».

وفي ضوء ذلك اختارت المجلة المعاني التي تبحث فيها، وهي (الفكر الإسلامي وقضايا العصر والتجدد الحضاري)، وهذه الثلاثية الفكرية يُمكن اختزالها في عبارة «الاجتهاد»، لأن مسؤولية الذات الإسلامية تكمن في واجب التكيُّف مع قيم العصر لبناء وجودها الحضاري المستقبلي.

وإذا ما أردنا تفسير قيمتها نقول مع الأستاذ فتحي العشري بأن «الإنسان.. كلمة»، ومع الثقافة الشعبية الجزائرية «الكلمة رصاصة»، ليعبر صاحبها بأنها وعد لا يمكن نكوثه، ومع الأديب البرازيلي باولو كويلو بأن «الإنسان أنتج ما هو أصعب من القنبلة النووية، أنتج الكلمة».

وفي هذا السياق وجدنا الأستاذ عبدالكريم بن أعراب في كتاب «مناهج إعداد الرسائل الجامعية» الصادر عن جامعة الأمير عبدالقادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة عام 2009 يذكر عنواناً «من الكلمة إلى الكلمة، المغامرة الإنسانية الجميلة»، مُحلِّلاً مستوياتها الاصطلاحية والاشتقاقية أو الإتيمولوجية والسيميائية والنقدية - الفلسفية، ليخلص إلى أن الكلمة مسؤولية.

إن مجلة الكلمة منذ البداية تبدو منفعلة بمثل هذه القيم الجميلة، لأنها تنتصر للكليات على حساب الجزئيات، وتحتضن الرسالة قبل المذهب، وثقافة الرد الجميل وليس خطاب الفرق بين الفرق، لأن الأهداف التي أعلنتها تُراعي مصالح الأمة لعلَّها تحقق المشروع الحضاري المرتقب.

فهي من المشاريع الفكرية النادرة في العالم الإسلامي، التي تسمو على الأقاليم المحدودة، وعلى أطروحات الصراع، لأن رؤيتها تشتغل في ضوء محور طنجة - جاكرتا، الغني بعالمي الأشياء والأشخاص، والفقير في عالم الأفكار، لعلَّها تسهم في تجاوز ثقافة جلد الذات إلى بنائها، وتُحقِّق الفعالية العلمية في مسارها الملتزم بقواعد المنهج القرآني القائم على الحكمة والموعظة والجدل بالتي هي أحسن.

إنها تنوير فكري لصناعة «فريضة التفكير» كما كتب الأديب محمود عباس العقاد، ورواق حضاري لبناء الإنسان لأنه «ذلك المعلوم» كما كتب الفيلسوف عادل العوا، أو لأنه هو «الكامل» كما أشارت دراسة مرتضى المطهري، لعل تلك الصناعة وذاك الرواق يعملان على «منع تسرب عقدنا وأزماتنا التاريخية إلى واقعنا المعاصر، بحاجة منا إلى الوعي العميق بمبدأ الوحدة والتعاون على البر والتقوى، وتجاوز كل الإحن النفسية التي تحول دون تنمية المشتركات والاستجابة الفعَّالة لكل التحديات»، كما جاء في كلمة المجلة في عددها 74 (السنة التاسعة عشرة) شتاء 2012م/ 1433هـ.