مجلة الكلمة..
الفكرة والتجربة والتطور
زكي الميلاد
- 1 -
مرحلة ما قبل الكلمة
كنا نعلم سلفاً، أن قبل الإقدام على النهوض بعمل فكري من نمط ووزن مجلة فكرية دورية مثل الكلمة، لا بد أن نُعرِّف عن حالنا إلى الوسط الثقافي العربي الذي نروم التواصل معه لاحقاً، نُعرِّف عن حالنا بوصفنا كُتَّاباً لنا كتاباتنا ومشاركاتنا في هذا الشأن، بقصد الانخراط في هذا الوسط الثقافي، والانطلاق منه نحو عمل فكري له قابلية التواصل والتفاعل.
نقول هذا الكلام لأن بدايتنا مع مجلة الكلمة، كانت بداية مبكرة، وتعد من بواكير مناشطنا الفكرية، وحينما صدرت كنت والزملاء معي في مرحلة العشرينات من العمر، وهي مرحلة مبكرة كما يعلم الجميع، بالنسبة إلى إدارة وتوجيه مجلة فكرية.
وفي ذلك الوقت كنت مقيماً في دمشق، فكانت بيروت الساحة الفكرية الأقرب لنا للتواصل معها، بوصفها واحدة من أهم الساحات الثقافية التي تستقطب تواصلاً حيويًّا من العالم العربي بِرُمَّته، فهي -كما توصف- مطبعة العالم العربي على مستوى صناعة الكتاب وطباعته ونشره، ويصدر فيها عدد كبير من المجلات والدوريات الفكرية والثقافية، ويوجد فيها عدد من مراكز الدراسات التي تُعنى بهذا الشأن، كما أن فيها من الحريات ما لا يوجد في أي بلد عربي آخر.
وتحقيقاً لهذا الغرض، رتَّبت لنفسي برنامج زيارات عمل إلى بيروت بصورة دورية، كان ذلك في مطلع سنة 1992م، وقبل الذهاب كنت أحضِّر بعض المقالات لتكون من جهة مدخلاً للتعارف مع المجالات والمراكز هناك، ولبقاء التواصل مع هذه المجلات والمراكز من جهة أخرى، ومن جهة ثالثة لخلق حالة من التثاقف مع الوسط الفكري الذي يتواصل مع هذه المجلات والمراكز في العالم العربي.
وفي أول زيارة إلى بيروت قمت بزيارة بعض المراكز والمجلات هناك، منها مركز دراسات الوحدة العربية، والتقيت بالدكتور خير الدين حسيب مدير المركز ورئيس تحرير مجلة المستقبل العربي، ووجدت منه ترحيباً واستقبالاً طيبين، وفتحت معه نقاشاً فكريًّا حول قضايا عدة، وسلَّمته مقالة للنشر في المستقبل العربي، التي تعد من المجلات الجادة والمتابعة، وتستقطب شريحة مهمة من الكُتَّاب المعروفين في العالم العربي.
وتكرَّرت هذه اللقاءات مع الدكتور حسيب في زيارات أخرى، فكنت أزور المركز في كل مرة أصل إلى بيروت، وأحمل معي في العادة مقالات للنشر في مجلة المركز المستقبل العربي.
وجميع هذه المقالات قد نشرت في المجلة، وهي ثلاثة مقالات، المقالة الأولى بعنوان: (النظام العالمي الجديد في تصوُّر الإسلاميين العرب) نشرت في العدد 157، مارس 1992م، والمقالة الثانية بعنوان: (الديمقراطية في الخطاب الإسلامي الحديث والمعاصر) نشرت في العدد 164، أكتوبر 1992م، والمقالة الثالثة بعنوان (تحوُّلات ومُتغيِّرات الحركة الإسلامية المعاصرة في الوطن العربي في العقد الأخير) نشرت في العدد 188، أكتوبر 1994م.
وفي أول زيارة إلى بيروت أيضاً، التقيت بالدكتور وجيه كوثراني أستاذ التاريخ الحديث بالجامعة اللبنانية، ورئيس تحرير مجلة منبر الحوار، واستقبلني بترحاب في منزله، وبعد نقاش فكري عام، سلمته مقالة للنشر في مجلة منبر الحوار، وهي كما تُعرِّف عن نفسها: مجلة فصلية لحوار الأفكار والثقافات، وقد نشرت هذه المقالة في العدد 28، ربيع 1993، وكانت بعنوان: (مقاربات في الفكر والمنهج بين محمد إقبال ومالك بن نبي)، وتكرَّرت هذه اللقاءات أيضاً وتواصلت مع الدكتور كوثراني، وكنت أزوره في مكتبة الواقع بمنطقة مار لياس.
كما تواصلت في بيروت آنذاك، مع الدكتور رضوان السيد أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية، ورئيس التحرير المشارك لمجلة الاجتهاد، والتقيت به مرات كثيرة في مكتب المجلة، وفي المعهد العالي للدراسات الإسلامية التابع لجمعية المقاصد الإسلامية في بيروت، حينما كان مديراً له، ونشرت عنده مقالتين في مجلة الاجتهاد، المجلة التي اكتسبت شهرة كبيرة في ساحة الكُتَّاب والباحثين العرب.
إلى جانب هؤلاء تواصلت مع آخرين أيضاً، ومع عدد من دور النشر المعنية بطباعة الكتاب ونشره.
وحينما عزمنا على إصدار مجلة الكلمة، وقبل الصدور أخبرت هؤلاء الذين كنت على تواصل معهم بهذا المشروع، وطلبت منهم المشورة الثقافية، وبقينا على تواصل، وكانت الكلمة تصلهم بانتظام عن طريق شركة التوزيع، وسعيت باستمرار إلى الاستماع لوجهات نظرهم، والتعرُّف إلى انطباعاتهم عن المجلة.
ويتَّصل بهذه المرحلة أيضاً، مرحلة ما قبل الكلمة، العمل على استئناف صدور مجلة البصائر، وهي مجلة فكرية إسلامية فصلية، صدر منها في أول الأمر ستة أعداد وتوقفت، وكُلِّفت بمهام رئيس التحرير لهذه المجلة، التي استأنفت الصدور في ربيع 1992م، وتوليت هذه المهمة لمدة سنة، وأصدرت منها أربعة أعداد بالتعاون مع ثلاثة من الزملاء هم: الشيخ عبد اللطيف الشبيب (رحمه الله)، والشيخ محمد العليوات، والأستاذ محمد محفوظ.
هذه التجربة القصيرة مع مجلة البصائر كانت بمثابة اختبار، وجدنا فيها قدرتنا على إمكانية إنجاز عمل فكري من نوع مجلة فكرية فصلية، هذا الشعور شجَّعنا بقوة، وبقي معنا، وأصبح شعوراً صادقاً مع صدور مجلة الكلمة.
- 2 -
الكلمة.. الفكرة والخلفيات
الفلسفة والرؤية التي كانت في إدراكنا، عند الإقدام على خطوة النهوض بمجلة الكلمة، تحدَّدت في العناصر والخلفيات الآتية:
أولاً: الإحساس بالثقة والشعور بالقدرة على إنجاز هذا النمط من الفعل الثقافي، وبالمستوى الذي يكون لائقاً ومقبولاً في الوسط الثقافي العام، هذا الإحساس وهذا الشعور هما اللذان ألهمانا القدرة على الانتقال من مرحلة القوة إلى مرحلة الفعل خلال فترة وجيزة، تحدَّدت في أشهر قليلة، ونحن في تلك المرحلة العمرية الشبابية التي كُنَّا عليها آنذاك، إذ ما زلنا في مرحلة العشرينات، وقد وجدنا أن هذه الثقة جاءت في مكانها، وحقَّقت الغرض المأمول منها.
وتعزَّز هذا الإحساس وترسَّخ هذا الشعور مع خروج المجلة إلى النور، وبقي هذا الإحساس وهذا الشعور يتنامى ويتراكم مع صدور كل عدد، ومن ثم أصبح يلازمنا على طول الخط.
ويتأكد الاهتمام بهذا العنصر عند معرفة أننا ننتمي إلى بيئة اجتماعية وثقافية لم يكن معروفاً فيها وليس معهوداً عنها الاهتمام والاشتغال بهذا النمط من الفعل الثقافي، وأعني به إصدار مجلات ودوريات لها طابع العمل الفكري النخبوي.
ثانياً: العمل على أن نُمثِّل طرفاً حاضراً ومشاركاً في ساحة الفعل الثقافي العربي والإسلامي، فبعد فترة من التواصل والتشارك مع الآخرين في منابرهم ومشروعاتهم الفكرية والثقافية، وجدنا من الضرورة التحوُّل والانتقال من الوضعية التي كُنَّا عليها من قبلُ، إلى أن نكون طرفاً نُمثِّل ذاتنا، ونُعبِّر عن ذاتيتنا التي نعرف ونعرف بها.
وهذا الخطوة كان لا بد من الإقدام عليها، وهي تتصل بسياق البحث عن التطور، والسعي إلى التقدم، والحاجة إلى الشعور بالاستقلال، وضرورة تحول العلاقة من نمط التماهي مع الآخرين، إلى نمط حفظ الذات، وتحقيق التوازن الذاتي، لأجل أن تكون لنا خريطة طريق نستقل ونتميز ونتحكم بها.
ثالثاً: التحوُّل والانتقال إلى حالة العطاء الثقافي، وذلك شعوراً منَّا بهذه القدرة، وبهذه الإرادة، والتقدم بهذه الحالة مع توالي الأيام قدر الإمكان، بالشكل الذي نجعل مسيرتنا الثقافية تحافظ على طريق الصعود المستمر، الصعود التدريجي المتوازن، وليس الصعود السريع، أو الصعود بطريقة الطفرات أو القفزات السريعة والبعيدة.
وكنت أقول للزملاء في المجلة آنذاك: إننا نريد أن نتقدم خطوة فخطوة، على طريقة صعود السُّلم عتبة عتبة، لا أن نتقدم خطوة ونتراجع خطوة، نريد مسيرة هادئة ومتوازنة ومتدرجة في الصعود، وأن نتخذ من التقدم وجهة لنا، ومن إرادة التقدم دافعاً ومحركاً.
كما كنت أقول أيضاً: إننا حينما بدأنا لم نقدم أفضل ما لدينا، وما كنا نريد أن نقدم أفضل ما لدينا في بواكير تجربتنا، لكن علينا أن نستمر حتى نُقدِّم أفضل ما لدينا لاحقاً ومستقبلاً، وعلينا أن نُطوِّر من قدراتنا الفكرية بصورة مستمرة، وهذا هو الشرط الأساس حتى نجعل مسيرتنا وتجربتنا تحافظ على صعودها وتقدمها المستمر.
ولإعطاء الصدقية لهذا الموقف، عملنا على أن نعتمد على أنفسنا وعلى أسمائنا بدرجة أساسية، لا على أسماء الآخرين، وأردنا من الكلمة أن تُعرِّف وتُعْرف بهذه الأسماء أولاً وابتداءً، وهذا ما حصل وتحقّق وثبت عند الآخرين، الذين تابعوا هذا العمل، وتعرَّفوا إليه.
رابعاً: أردنا لفت الانتباه إلى حالة ثقافية جديدة، آخذة في التبلور والانبعاث، قادمة هذه المرة وعلى غير العادة من الجزيرة العربية، ومن شرق الجزيرة تحديداً، على غير العادة بحكم أن هذه المنطقة وأعني بها منطقة الخليج والجزيرة العربية، لم يكن معروفاً عنها اشتغالها الواسع والكبير بالهم والاهتمام الفكري والثقافي، على وزن ما هو حاصل في مصر والعراق وبلاد الشام ومنطقة المغرب العربي.
فالمنطقة التي ننتسب إليها، عرفت بشكل أساس باهتمامها بالأدب والشعر تحديداً، إلى جانب الاهتمام بالتراث الديني، ولم يُعرف عنها الاهتمام الواسع والكبير بالثقافة والفكر، ومن هذه الجهة فإن البيئة التي نرتبط بها لم تُمثِّل لنا سنداً قويًّا في هذا الجانب، ولم تُزودنا بتراكمات ثقافية وفكرية ننطلق منها، ونبني عليها، ونتواصل معها، وهذا كان بمثابة تحدٍّ أمامنا، وتعاملنا معه بهذه الصفة حتى نُحوِّله إلى حافز ندعم به تجربتنا.
وبقدر ما أسهمت الكلمة في لفت الانتباه إلى هذه الحالة الثقافية الجديدة، وأخذ بعض الكُتَّاب والباحثين في المجال العربي ينظرون إلى الكلمة بهذه الصفة، فحين توقف عندها الكاتب البحريني الأستاذ نادر المتروك، اعتبر أن مجلة الكلمة تُمثِّل إحدى علامات الحالة الإسلامية الجديدة[1].
وحين حاول الباحث الأردني الدكتور محمد أبو رمان رصد السياق الفكري من جهة ظهور نخب من الباحثين والمفكرين الإسلاميين الذين قاموا بمراجعة الخطاب الإسلامي، وتقديم معالم خطاب إسلامي جديد، أشار إلى عدد من الأسماء المعروفة، وحين وصل إلى أسماء زكي الميلاد ومحمد محفوظ وتوفيق السيف، عقَّب عليها بقوله: «وتمثل مجلة الكلمة نموذجاً على هذا الاتجاه»[2].
كما أسهمت الكلمة أيضاً في تغيير النظرة الثقافية إلى البيئة الاجتماعية التي نتَّصل بها، وأصبح البعض يُميِّز هذه البيئة بسمة النشاط الثقافي، والعطاء الثقافي، مستدلاً على ذلك بمجلة الكلمة.
- 3 -
الكلمة.. والمجال الحيوي
عند صدور الكلمة، كثيراً ما كنت أتحدث عن فكرة المجال الحيوي، وكثيرون الذين سمعوا مني الحديث عن هذه الفكرة، في نقاشات وحوارات حصلت في أوقات مختلفة ومتتالية، وطالما قلت للزملاء في الكلمة إننا نريد أن نُنجز عملاً بإمكانه أن يُقرأ ويُتابع في دول مثل مصر والمغرب، في مصر باعتبارها الدولة الأكثر تعبيراً عن الروح الثقافية للعالم العربي، وفي المغرب باعتبارها الدولة الصاعدة ثقافيًّا في العالم العربي، بهذا الأفق، وبهذا الطموح كُنَّا نفكر وكُنَّا نعمل ونسعى، حتى ننخرط في المجال الحيوي.
وأعني بالمجال الحيوي، المجال الذي تتهيَّأ فيه عناصر الحركة، ويتَّسم بشبكة من العلاقات التفاعلية، وتتشكَّل فيه فرص الصعود والتقدم، وعلى الضد منه تبرز عناصر السكون، وتتقطع فيه شبكة العلاقات التفاعلية، وتغيب عنه فرص الصعود والتقدم.
والمجال الحيوي يتَّصل بالمجالات كافة، فهناك مجال حيوي في عالم السياسة، ومجال حيوي في عالم الاقتصاد، ومجال حيوي في عالم الاجتماع، ومجال حيوي في عالم الإعلام، وهناك أيضا مجال حيوي في عالم الفكر الثقافة، وهكذا في باقي المجالات الأخرى.
هذا الإدراك المبكر بفكرة المجال الحيوي، حفَّزنا بقوة نحو بذل الجهد طلباً للانخراط في هذا المجال الحيوي، وسعياً لتسجيل الحضور فيه، وكسب التواصل معه، حتى نوفر إلى الكلمة عناصر الحركة، ونربطها بشكبة من العلاقات التفاعلية، ونضمن لها فرص الصعود والتقدم، وما كنا نقبل لأنفسنا أن نكون خارج المجال الحيوي، أو على هامشه، ولا حتى على مسافة بعيدة منه.
وكنا نرى أمامنا الفارق الواضح بين المجلات التي تتَّصل بالمجال الحيوي ثقافيًّا، وما تتَّسم به هذه المجلات من تفاعل وحيوية وصعود وتقدُّم، وبين المجلات التي لا تتَّصل بهذا المجال الحيوي، وكيف أنها تظهر بصورة أخرى مغايرة، يغلب عليها حالة السكون، وتكون معرَّضة لحالة التعب، ومن ثم الإصابة بحالة الجمود والتراجع، وقد ينتهي بها المطاف إلى التوقف.
وما نجزم به في هذا النطاق، أن الكلمة ما إن صدرت حتى أخذت وبسرعة تلفت انتباه الآخرين، وبدأ التفاعل معها والتواصل يتنامى ويتراكم بسرعة ومنذ وقت مبكر، وأخذت الرسائل والمشاركات تترى علينا تباعاً دون توقف، بما في ذلك المشاركات العلمية والأكاديمية المميزة التي وصلتنا من معظم أقطار العالم العربي، ووجدنا فرص التواصل والتعاون مع الآخرين مشرعة أمامنا على مستوى الأفراد، وعلى مستوى المؤسسات، وتطرق أبوابنا.
وخلال فترة وجيزة تمكَّنت الكلمة من أن تُعرِّف عن نفسها في المجال الثقافي العام، وتُوسِّع من دائرة هذه المعرفة بصورة متتالية ومتصاعدة، وهذا ما لمسناه وأحسسنا به عن قرب، خاصة وأننا كُنَّا نراقب أنفسنا من هذه الجهة، واعتبرنا أن هذه أول خطوة لا بد من اجتيازها، وعليها تتوقف جميع الخطوات اللاحقة.
وكنا نرى أن هذه المعرفة هي التي تنقلنا من حالة الخفاء إلى حالة الظهور، ومن العتمة إلى الضوء، ومن النسيان إلى التذكر، ومن السكون إلى الحركة، ومن الأفق الضيق إلى الأفق الواسع، بهذا الإدراك تعاملنا مع هذه الخطوة، وبهذا الإدراك أيضاً تم اجتياز هذه الخطوة، فتسلك لنا طريق الاتصال والانخراط في المجال الحيوي.
وهناك العديد من الدلائل والحقائق الشاهدة على اجتيازها هذه الخطوة، والاتصال بالمجال الحيوي، الذي تجلَّى في التواصل والتشارك مع العديد من المؤسسات والمراكز والمجلات والدوريات الفكرية والثقافية، ومن هذه المؤسسات المعهد العالمي للفكر الإسلامي الذي يُعدًّ واحداً من أهم المؤسسات الفكرية والبحثية في العالمين العربي والإسلامي، فقد حصل تواصل وتعاون معه منذ وقت مبكر يرجع إلى سنة 1993م، والبداية كانت حين تلقيت دعوة من المعهد للمشاركة في ندوة فكرية دولية ناقشت موضوع (التعددية الحزبية والطائفية والعرقية في العالم العربي)، عقدت في المقر الرئيس للمعهد بالعاصمة الأمريكية واشنطن، في الفترة ما بين 26 - 29 نوفمبر 1993م.
وجاء انعقاد هذه الندوة بعد صدور العدد الأول من الكلمة في خريف 1993م، وكانت بمثابة فرصة حيوية للتعريف بالكلمة، ومدّ الجسور وتشبيك التواصل معها، ووجدت فيها فعلاً فرصة ثمينة لا تُعوَّض، أجريت فيها العديد من لقاءات التعارف مع شخصيات المعهد، مثل الدكتور طه جابر العلواني رئيس المعهد آنذاك، والدكتور عبدالحميد أبو سليمان مدير الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا آنذاك، بالإضافة إلى الدكتور جمال البرزنجي والدكتور هشام الطالب والأستاذ محي الدين عطية.
وفي اللقاء مع الدكتور الشيخ طه جابر العلواني، أبديت له الرغبة في التواصل والتعاون مع المعهد، ووجدت ترحيباً وتجاوباً مع هذه الرغبة، فحصلت على إذن بنشر بعض أوراق ندوة التعددية في أعداد الكلمة، التي نشرت ابتداء من العدد الثالث ربيع 1994م، ومع العدد الثاني نزلت في الكلمة أول صفحة إعلانية حول آخر إصدارات المعهد، كما أن أول حوار فكري نشر في المجلة، كان مع الدكتور العلواني أجريته معه بعد أيام الندوة، ونشر في العدد الثاني شتاء 1994م.
وبقي هذا التواصل والتعاون مع المعهد قائماً ومستمراً ومثمراً منذ ذلك الوقت إلى اليوم، متخطياً عقدين من الزمن، فما زلنا نتبادل الصفحات الإعلانية مع مجلة المعهد إسلامية المعرفة، التي تُعدُّ واحدة من أهم المجلات الفكرية الفصلية في العالم العربي.
وفي واشنطن وخلال فترة الندوة، التقيت بالدكتور أحمد يوسف مدير المؤسسة المتحدة للدراسات والبحوث في واشنطن، وحصل تداول ونقاش حول الكلمة وخطابها الثقافي، وعلى أثر ذلك نشر صفحة كاملة عن الكلمة في مجلة المؤسسة شؤون الشرق الأوسط، وزودنا بمشاركة له نشرت في العدد الثاني من الكلمة شتاء 1994م.
وبعد الندوة التقيت في واشنطن بالأكاديمي الإماراتي الدكتور عبدالخالق عبدالله، رئيس تحرير مجلة شؤون اجتماعية آنذاك، وعرفته بالكلمة وخطابها الثقافي وزوَّدته بالعدد الأول، وبعد عودته إلى بلده الإمارات، بعث لنا برسالة يطلب فيها التعاون معنا، بتبادل الصفحات الإعلانية بين المجلتين، فرحبنا بهذه الخطوة، وشرعنا بتنفيذها، ونشرنا صفحة كاملة وثابتة في الكلمة ابتداء من العدد السادس شتاء 1995م، ونشرت في المقابل صفحة كاملة وثابتة عن الكلمة في مجلة شؤون اجتماعية، وهي كما تعرف عن نفسها: مجلة فصلية علمية محكمة تُعنى بالدراسات الاجتماعية، تصدر عن جمعية الاجتماعيين في دولة الإمارات المتحدة.
وفي بيروت جرى اعتماد الكلمة بتكشيف مواضيعها في قسم التوثيق بمركز دراسات الوحدة العربية، الذي ينشر في مجلة المستقبل العربي، زاوية ببليوغرافيا.
ومن هذه الدلائل أيضاً، الخطوة الكريمة التي أقدم عليها الدكتور رضوان السيد بنشر صفحة إعلانية كاملة عن الكلمة، تكررت مرتين في مجلة الاجتهاد، التي كانت تُعدُّ واحدة من أهم المجلات الفكرية في العالم العربي.
ومن المؤسسات التي تواصلت معنا، مركز عالم المعرفة في الأردن، وهو كما يُعرِّف عن نفسه: مؤسسة عربية أردنية تُعنى بالمحتوى الرقمي في العالم العربي ومقرُّه عمان - الأردن، ويعمل على تأسيس قاعدة بيانات عربية إلكترونية، على غرار قاعدة البيانات العالمية (EBSCO)، والتي تضم الدوريات العلمية المحكمة والبحثية المتخصصة الصادرة في العالم العربي، مع تصنيف هذه الدوريات وفهرستها وتكشيفها إلكترونيا، وتوصيفها وفق النظام العالمي، نظام مارك (Marc21).
وتجاوبنا مع هذه الدعوة، وزودنا المركز بما توفر لدينا من مواد وأعداد إلكترونية، وجرى فهرسة وتكشيف الكلمة في برنامج مركز عالم المعرفة.
كما جرى التواصل والتعاون مع مراكز ومؤسسات أخرى، ومع العديد من المجلات والدوريات الفكرية والثقافية الصادرة في العالم العربي.
يضاف إلى ذلك الكتابات الكثيرة والمطولة التي نشرت حول الكلمة في صحف ومجلات عربية، وأشادت بها وبتطورها وتقدمها، من هذه الصحف والمجلات صحيفة الرياض السعودية، وصحيفة القبس الكويتية، وصحيفة الوقت البحرينية، وصحيفة اللواء الأردنية، وغيرها من الصحف والمجلات أخرى.
- 4 -
الكلمة.. المسار والتطور
صدر العدد الأول من الكلمة في خريف 1993م، وعرَّفت عن نفسها آنذاك بأنها مجلة فكرية ثقافية إسلامية، تصدر فصليًّا عن منتدى الكلمة للدراسات والأبحاث، وحملت اسمين فقط، اسمي، واسم الزميل الأستاذ محمد محفوظ مديراً للتحرير.
ومنذ البدء اعتمدنا تخطيطاً داخليًّا في هندسة أبواب المجلة، يبرز لها قدر الإمكان شخصية مستقلة تُعْرف وتُعرِّف بها، وتحدّدت هذه الهندسة في نمطين من الأبواب، الأبواب الثابتة وهي: (هذا العدد، الكلمة الأولى، الدراسات والمقالات، رأي ونقاش، منتدى الكلمة، من الذاكرة، كتب، ندوات، إصدارات حديثة، تقارير ومتابعات)، والأبواب المتغيرة وهي: (ترجمات، حوارات، رسائل جامعية، وثائق).
وتراوحت صفحات المجلة في أول الأمر، ما بين 192 إلى ما يزيد على 200 صفحة، ثم انتظمت وبصورة نهائية وثابتة في 200 صفحة، من القياس العادي، قياس: 17×24.
ومع بداية السنة الثانية بصدور العدد السادس شتاء 1995م، نزلت في صفحة التعريف بالكلمة، قائمة بأسماء غير مكتملة لأعضاء هيئة التحرير، وقائمة أخرى لأسماء غير مكتملة لأعضاء الهيئة الاستشارية، كما نزل اسم شركة التوزيع في لبنان، وهي مؤسسة الفلاح للنشر والتوزيع.
وفي السنة الخامسة مع صدور العدد 19 ربيع 1998م، حصلت الكلمة على ترخيص رسمي في قبرص، وسجلت باسم (شركة الكلمة للإعلام والنشر المحدودة)، بتاريخ 23/1/1998م، بموجب قرار رقم 113.
وذهبنا إلى قبرص، بحكم أن نظام المطبوعات في لبنان يلزم بأن يكون صاحب الامتياز والمدير المسؤول لبنانيًّا، ما دامت المطبوعة تصدر في لبنان، ووجدنا الخيار الأنسب لنا هو الذهاب إلى قبرص، التي كانت تقدم تسهيلات في هذا الجانب، وسبقتنا إليها العديد من المطبوعات العربية.
ومع بداية السنة السابعة بصدور العدد 26 شتاء 2000م، بدأت الكلمة تُعرِّف عن نفسها بصيغة جديدة، هي أكثر تعبيراً عن هويتها الذاتية والثقافية، وتحدَّد التعريف الجديد على هذا النحو أن الكلمة هي: مجلة فصلية تُعنى بشؤون الفكر الإسلامي وقضايا العصر والتجدُّد الحضاري.
ومع العدد 36 صيف 2002م، السنة التاسعة أعلنت الكلمة عن موقعها الإلكتروني على شبكة الإنترنت، ومع العدد 42 شتاء 2004م، السنة الحادية عشرة تخلَّت الكلمة عن شكلها الفني القديم إلى شكل فني جديد.
ومع العدد 56 صيف 2007م، السنة الرابعة عشرة تحددت قائمة أسماء الهيئة الاستشارية، وكانت حسب ترتيبها الهجائي: الشيخ حسن الصفار من السعودية، السيد حسن العوامي من السعودية، الدكتور رضوان السيد من لبنان، الدكتور طه جابر العلواني من العراق، الدكتور طه عبدالرحمن من المغرب، الدكتور عبدالحميد أبو سليمان من السعودية، الدكتور عبدالهادي الفضلي من السعودية، الشيخ محمد علي التسخيري من إيران، الدكتور محمد فتحي عثمان من مصر.
كما تحدّدت أسماء هيئة التحرير، وضمت بحسب ترتيبها الهجائي: الأستاذ أحمد شهاب من الكويت، الأستاذ إدريس هاني من المغرب، الأستاذ حسن آل حمادة من السعودية، الأستاذ ذاكر آل حبيل من السعودية، الأستاذ محمد دكير من المغرب.
وفي سنة 2010م فقدنا الدكتور محمد فتحي عثمان عضو الهيئة الاستشارية، وفي سنة 2013م فقد الدكتور عبدالهادي الفضلي عضو الهيئة الاستشارية، ممتنين لهما حسن ثقتهما، وتعاونهما معنا، ومقدرين لهما عطائهما الفكري والثقافي المميز، وداعين لهما بالمغفرة والرحمة والرضوان.
هذه لمحة موجزة عن المحطات التي حصلت فيها تغيرات وتطورات في مسيرة الكلمة خلال العقدين الماضيين، وقد أظهرت فيها الكلمة التزاماً وانضباطاً، وتخطَّت فيها جميع العثرات والصعوبات، وحافظت على ثباتها واستمراريتها، وعلى عطائها الفكري والثقافي الدائم والمستمر.
وما هو جدير بالإشارة، أن الكلمة خلال العشرين سنة الماضية، لم تتخلَّف قط عن موعد صدورها، ولم يصدر عنها أي عدد مزدوج يضم عددين في عدد واحد تخلُّفاً عن موعد الصدور، وهذا الأمر نادر الحدوث في مسيرة المجلات الفكرية العربية، فمعظم المجلات الفكرية التي أعرفها وأتابعها، وبعضها مجلات تصدر عن مؤسسات فكرية كبيرة، سبق لها وأن تخلَّفت عن موعدها في الصدور مرات، وأصدرت أعداداً مزدوجة.
كما أن الكلمة خلال العشرين سنة الماضية، لم تتخلَّف أبداً عن تغطية أبوابها الثابتة، وهي: (دراسات، رأي ونقاش، كتب، ندوات، إصدارات حديثة)، وحافظت على ثباتها وتوازنها من هذه الجهة، في دلالة على التزامها وجديتها.
وخلال العشرين سنة الماضية كذلك، مرَّت علينا الكثير من المجلات الفكرية والثقافية، ما قبل الكلمة وما بعدها، التي صدرت لفترة وتوقفت، وقد أحصيت في هذا الشأن أكثر من عشرين مجلة فكرية نعرفها، وكنا نتواصل مع الكثير منها، لكنها توقفت لأسباب وصعوبات مختلفة.
- 5 -
الكلمة.. والمشروع الثقافي
جاءت الكلمة على خلفية الوعي بفكرة المشروع الثقافي، الفكرة التي وردت وتواترت كثيراً في خطاب الكلمة منذ العدد الأول، وتجلَّى التعبير عنها بوضوح في الكلمات الافتتاحية التي ظلت تشرح وترسم معالم الخطاب الفكري الذي تنتسب إليه الكلمة، وتُعبر عنه، وتتواصل معه.
وفكرة المشروع الثقافي في وعينا، تحدَّدت في ثلاثة عناصر متصلة ومترابطة، وهي:
أولاً: الحاجة إلى مثل هذا المشروع الثقافي، الذي يُعبِّر عن ذاته بهذه الصفة، وبهذا الوعي والإدراك.
ثانياً: أن نكون جزءاً من هذا المشروع الثقافي، وطرفاً حاضراً وفاعلاً فيه، من خلال الفعل الثقافي الذي يُكسبنا هذه الصفة، الفعل الذي يُقرِّبنا من هذا المشروع الثقافي، ويُقرِّبه منَّا.
ثالثاً: الإسهام في صياغة هذا المشروع الثقافي وتجدُّده، وبلورة عناصره وملامحه ومكوناته.
وحين العودة إلى الكلمات الافتتاحية للكلمة خلال سنواتها الأولى، يتكشَّف الوعي بفكرة المشروع الثقافي ويتأكَّد، ولإجلاء هذه الصورة نُشير إلى قائمة عناوين الكلمات الافتتاحية خلال السنوات الخمس الأولى، وهي:
1- الكلمة وآفاق المشروع الثقافي الإسلامي المعاصر، السنة الأولى، العدد الأول، خريف 1993م - 1414هـ.
2- نحو نهضة ثقافية جديدة، السنة الأولى، العدد الثاني، شتاء 1994م - 1414هـ.
3- من أين تبدأ النهضة؟ ضرورة تجديد مشروعات النهضة على ضوء متغيرات العصر، السنة الأولى، العدد الثالث، ربيع 1994م - 1414هـ.
4- من ثقافة الهدم إلى ثقافة البناء، السنة الأولى، العدد الرابع، صيف 1994م - 1415هـ.
5- بناء الإنسان أولاً، إنسان الحضارة قبل الحضارة، السنة الأولى، العدد الخامس، خريف 1994م - 1415هـ.
6- الكلمة في عامها الثاني.. خطوات على طريق المشروع الإسلامي الحضاري المعاصر، السنة الثانية، العدد السادس، شتاء 1995م - 1415هـ.
7- من أولويات المشروع الثقافي الإسلامي المعاصر على ضوء متغيرات العصر، السنة الثانية، العدد السابع، ربيع 1995م - 1415هـ.
8- لتعارفوا.. من القطيعة إلى الحوار، السنة الثانية، العدد التاسع، خريف 1995م - 1416هـ.
9- مع الكلمة في عامها الثالث.. المشروع الثقافي الإسلامي المعاصر وضرورات التجديد والتطوير، السنة الثالثة، العدد 10، شتاء 1996م - 1416هـ.
10- مع رحيل الشيخ محمد الغزالي.. إلى الذين يعملون لأمتهم، السنة الثالثة، العدد 11، ربيع 1996م - 1416هـ.
11- أسئلة العصر من يجيب عليها؟ السنة الثالثة، العدد 12، صيف 1996م - 1417هـ.
12- ونحن على مشارف قرن جديد.. فهل من وقفة مع الذات؟ السنة الثالثة، العدد 13، خريف 1996م - 1417هـ.
13- والكلمة في عامها الرابع.. المشروع الثقافي الإسلامي المعاصر على مشارف القرن الحادي والعشرين، السنة الرابعة، العدد 14، شتاء 1997م - 1417هـ.
14- خطوط الانقسام في الساحة الإسلامية.. واقع مأزوم يُغذِّي التجزئة والإحباط والصدام، السنة الرابعة، العدد 15، ربيع 1997م - 1418هـ.
15- المطلوب أن يعمل الجميع من أجل مستقبل الجميع، السنة الرابعة، العدد 16، صيف 1997م - 1418هـ.
16- سؤال الثقافة في المملكة العربية السعودية، السنة الرابعة، العدد 17، خريف 1997م - 1418هـ.
17- والكلمة في عامها الخامس.. إحياء كل ما هو جامع في الأمة، السنة الخامسة، العدد 18، شتاء 1998م - 1418هـ.
18- كيف نقرأ العولمة؟ قبل أن يبدأ الحديث عن ما بعد العولمة أو نهاية العولمة! السنة الخامسة، العدد 19، ربيع 1998م - 1419هـ.
وعلى ضوء هذه العناوين، وطبيعة القضايا والموضوعات التي تكشَّفت عنها، تتحدَّد ملامح المشروع الثقافي الذي عبَّرت عنه الكلمة وإليه تنتسب، ومن أبرز هذه الملامح:
أولاً: الإسلامية، فالمشروع الثقافي الذي نحاول أن نعبر عنه وندعو إليه، هو مشروع يتأطَّر بالإسلامية شكلاً ومضموناً، صورة ومادة، ظاهراً وباطناً، فالكلمة كما تُعرِّف عن نفسها هي مجلة تُعنى بشؤون الفكر الإسلامي، بمعنى أن الكلمة تنتمي وتنتسب إلى المشروع الثقافي الإسلامي المعاصر، وفي إطار هذا المشروع نحاول أن نُبدع ونجتهد قدر استطاعتنا.
ثانياً: الحضارية، فالمشروع الثقافي الذي نُحاول أن نُعبِّر عنه وندعو إليه، هو مشروع يحاول أن يتَّخذ من الحضارية وجهةً ومساراً، درباً وطريقاً، نحو بناء المستقبل الحضاري المشترك لأمتنا.
والحضارية نعني بها الانشغال الكامل بالهم الحضاري لأمتنا، والعناية بالقضايا والمشكلات التي تتَّصل بهذا الهم، الذي لا نريد أن يُفارقنا ولا أن نفارقه، كما أنه الهم الذي نُريد أن نُحوِّله إلى هَمِّ الأمة كلها، حتى تتَّخذ من الهم الحضاري شاغلاً لها عن كل شواغلها الأخرى، على أمل أن نسلك طريق التقدّم الحضاري.
وهذا الهم الحضاري يتجلَّى بوضوح كبير، في كثير من المقالات والدراسات المنشورة في الكلمة، بل يمكن القول: إن جميع ما يُنشر في الكلمة يُلامس هذا الهم، ويقترب منه بصورة من الصور.
ثالثاً: الجامعية، فالمشروع الثقافي الذي نُحاول أن نُعبِّر عنه وندعو إليه، هو مشروع يتَّسم بالجامعية، ونعني بها الانتماء والتمسُّك والدفاع عن فكرة الأمة الجامعة، الجامعة لكل أوطانها وشعوبها ومذاهبها ولغاتها وقومياتها على امتداد مساحة الأمة، من طنجة غرباً إلى جاكرتا شرقاً.
وتتأكد هذه السمة والحاجة إليها، في ظل ما تشهده الأمة اليوم من تمزُّق وانقسام هو الأخطر من نوعه في تاريخها الحديث، وقد تحوَّلنا إلى فِرَق ومذاهب متصادمة، وكأننا لا ننتمي إلى أمة جامعة، الفكرة التي تكاد تغيب عن الوعي والإدراك.
وفي هذا النطاق، دعونا وبكل وضوح وبصورة دائمة، إلى إحياء كل ما هو جامع في الأمة، وضرورة أن يعمل الجميع من أجل الجميع لمستقبل الجميع، وحذَّرنا من خطوط الانقسام التي تبعث على اليأس والإحباط، واعتبرنا مشكلتنا أننا نتصادم مع أنفسنا.
رابعاً: التجديدية، فالمشروع الثقافي الذي نحاول أن نُعبِّر عنه وندعو إليه، هو مشروع يتَّسم بالتجديدية، ونعني بها امتلاك القدرة الفكرية على مواكبة قضايا العصر والتجدُّد الحضاري، وتخطِّي حالة الانشغال والاستغراق بالتراث، والانحباس في الماضي، والارتداد إلى الوراء، والتخلص من الذهينات القديمة التي لا تستطيع التفكير إلَّا فيما هو قديم، والانتقال من حالة السكون إلى حالة الحركة، ومن حالة الجمود إلى حالة الفاعلية، ومن حالة التبعية إلى حالة الاستقلالية، ومن حالة التقليد إلى حالة الإبداع.
خامساً: التواصلية، فالمشروع الثقافي الذي نحاول أن نُعبِّر عنه وندعو إليه، هو مشروع يتَّسم بالتواصلية، ونعني بها امتلاك القدرة الفكرية في التواصل مع الآخرين على تنوُّع وتعدُّد خطاباتهم الفكرية، وخلق حالة من التفاعل والتشارك معهم، وذلك من خلال خطاب فكري ينبذ القطيعة ويذمها، وينبذ الانغلاق ويذمه، وينبذ التعصب ويذمه، وينبذ كافة أشكال الإلغاء والإقصاء، وكافة أشكال الحذف والتنكُّر، والنظر إلى الآخر بوصفه يمثل حاجة، وشريكاً إنسانيًّا.
وقد حاولنا قدر الإمكان أن نجعل خطاب الكلمة نابضاً بحس التواصلية، ونجحنا في ذلك بدرجة كبيرة، وكل من تعرَّف إلينا وتواصل معنا، وجد هذا الحس ولمسه عن قرب، وبشكل فاعل وحقيقي.
وخلال العقدين الماضيين تمكَّنت الكلمة من أن تكوّن لنفسها شبكة واسعة من التواصل، مع شرائح كثيرة من النخب الفكرية، على امتداد مساحة العالم العربي في مشرقه ومغربه.
هذه هي ملامح مشروعنا الثقافي، الذي نحاول أن نُعبِّر عنه وندعو إليه، وهو مشروع لم يكتمل.