شعار الموقع

الإسلام وبصائر الوعي ..

عبدالهادي الفضلي 2019-06-02
عدد القراءات « 584 »

الإسلام وبصائر  الوعي

الدين في دعوته الإنسان إلى تبصّر  قيم ومبادئ الفطرة

الدكتور عبد الهادي الفضلي*

* عضو الهيئة الاستشارية للمجلة.

 

 

مـفـتـتـح

يؤمن المُتديّنون بأن الله تعالى عندما خلق الإنسان أودع في نفسه تلكم الفطرة السليمة الميّالة للخير والصلاح والمحبّة للآخرين. وهي تعيش -بجانب هذه الفطرة السليمة- في داخلها نوازع وميولاً شرّيرة قد توقدها بعض الظروف البيئية المحيطة ومعها الوسوسات الشيطانية التي تسوّل للإنسان ظلم أخيه الإنسان والاعتداء على حقوقه بدلاً من مشاركته خيرات هذه الأرض والمساهمة في إعمارها. وقد مرّت المجتمعات الإنسانية بنوعٍ من الانحراف التدريجي عن فطرتها السليمة إلى أن تمكّن القويّ فيها، فدفعته قواه الشريرة إلى ظلم أخيه الضعيف، فنهب وسلب حقوقه فأقام سلطته على الظلم والاستبداد والاستيلاء على حقوق الآخرين.

والآيات القرآنية -في وصفها لحال المجتمع الإنساني في بداياته على هذه الأرض- تؤكّد انتقاله من حالة الاندماج الفطري الواحد إلى أن بدأت فيه بوادر الخلاف والانشقاق بما عاشته من نوازع شيطانية عزّزت روحية الطمع والاستيلاء على حقوق الآخرين. يقول تعالى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ}[1]، إذ تشير هذه الآية إلى أن الوحدة التي خلقهم الله عليها هي الوحدة الفطرية التي «تقودهم إلى التوحيد وتبعدهم عن خطّ الانحراف، إذا انطلقت في خطها المستقيم بعيدًا عن التلوّث والتشويه الذي يبعدها عن وضوح الرؤية للأشياء، ولكنهم أخذوا من دنياهم شيئًا من هنا وشيئًا من هناك، فيما يتّصل بالأطماع والشهوات»[2]. وفي آية أخرى تشير إلى أن الغاية من بعث الأنبياء إلى أقوامهم إنما لتخليصهم مما يعانون من آفات الظلم والبغي التي وصلت إليها هذه المجتمعات، يقول تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ}[3]، إذ تصرّح هذه الآية بأن الناس كانوا «على ملّة واحدة، أو جماعة واحدة مرتبطة بالفطرة التي لا تنطلق في خط التفاصيل الفكرية المنفتحة على المنهج العملي في الخط الواحد، بل كانت تتحرّك من خلال العفوية الطبيعية في حركة الفعل وردّ الفعل، فلم يكونوا مهتدين أو ضالّين في مصطلح الهدى والضلال في الرسالات؛ لأنهم لم يكونوا قد التقوا بها»[4].

يشرح السيد محمد باقر الصدر هذه النقطة في تعليقه على الآية الكريمة بقوله: «نلاحظ من خلال هذا النصّ أن الناس كانوا أمة واحدة في مرحلة تسودها الفطرة، وتوحّد بينها تصوّرات بدائية للحياة، وهموم محدودة، وحاجات بسيطة. ثمّ نمت -من خلال الممارسة الاجتماعية للحياة- المواهب والقابليات وبرزت الإمكانات المتفاوتة واتّسعت آفاق النظر وتنوّعت التطلّعات وتعقّدت الحاجات. فنشأ الاختلاف، بدأ التناقض بين القوي والضعيف، وأصبحت الحياة الاجتماعية بحاجة إلى موازين تحدّد الحق وتجسّد العدل، وتضمن استمرار وحدة الناس في إطارٍ سليم، وتصبّ كل تلك القابليات والإمكانات التي نمّتها التجربة الاجتماعية في محور إيجابي يعود على الجميع بالخير والرخاء والاستقرار، بدلاً عن أن يكون مصدرًا للتناقض وأساسًا للصراع والاستغلال. وفي هذه المرحلة ظهرت فكرة الدولة على يد الأنبياء. وقام الأنبياء بدورهم في بناء الدولة السليمة. ووضع الله للدولة أسسها وقواعدها»[5].

وهو ما يعني أن الله حينما بعث الأنبياء مبشرين ومنذرين إنما بعثهم ليغيّروا من واقع المجتمعات البشرية ويُرجعونها إلى ما كانت عليه من التعايش الواحد القائم على القيم الفطرية، ولكنّها في هذه الحال لن تكون مجتمعات فطريّة تعيش حالاً من السذاجة والبساطة في فهم الأمور، وإنما ترجع إلى قيم الفطرة الإنسانية على بصيرة ووعي عميق لموقعية الإنسان في هذه الحياة، ذلك أن هذه الديانات والرسالات التي تعاقبت على مجتمعات عدّة وأزمنة متباعدة وصل معها الإنسان إلى مرحلة من النضج ووعي الذات بدرجة أعلى من تلكم الحال الأولى التي كانوا فيها للتوّ قد سلكوا الطريق على هذه البسيطة دونما تجربة سابقة كافية.

والعالم اليوم الذي تتقاذفه حرب الأيديولوجيات والأفكار، يحاول كلٌّ تسويق فكره بأنه الأعلى قيمةً مقارنةً ببقية المنظومات الفكرية الأخرى. ومما يؤسف عليه أن يقدّم الفكر الديني على أنه يتعارض والقيم الإنسانية التي يوضع في مقدمتها الحرّيات الفكرية والشخصية، وأن الرؤى التي يعرضها الدين -وبخاصّة حول الإنسان- لا تزال رؤى متخلّفة منحصرة في الطقوس العبادية دون وجود رؤية متقدّمة للذات الإنسانية وموقعيتها ضمن النظام الكوني العامّ. وهذا بخلاف ما تعرضه الآيات القرآنية الكريمة، إذ تصوّر لنا الكثير منها مشاهد من مسيرة الدعوات النبوية، يمكننا من خلالها استيضاح الرؤية الدينية لمكانة الإنسان في المنظومة الكونية العامّة، وهي مكانة عالية جدًّا بالمقارنة مع بقية الرؤى والتصورات الفكرية الأخرى المعاصرة. وقبل بيان هذه الرؤية، من المناسب الحديث عن طبيعة الدعوة الدينية، مقدّمةً للحديث عن النظرة الدينية للإنسان من حيث المكانة والدور.

الدين والدعوة إلى الفطرة الواعية

يبعث الله تعالى أنبياءه بالرسالة الجديدة متى ما استدعت الحاجة. وغالبًا ما يكون الداعي هو وصول المجتمعات الإنسانية إلى حالٍ من الضلال والضياع بحيث لا يمكن معها أن تصل هذه المجتمعات إلى طريق الهدى والصلاح دون تدخّل إلهي. ولهذا، فإن الدعوة إلى الدين غالبًا ما تكون دعوةً إلى منهجٍ وأسلوبٍ جديد غير مألوف تظهر معها العديد من الظواهر الاجتماعية المخالفة للسائد والمتعارف عليه. ولذلك تواجه الدعوات النبوية معارضةً، وبخاصّة من كبار السنّ وعليّة القوم الذين ألفوا عاداتهم وتقاليدهم لفترة زمنية أطول، ومن الصعب عليهم -نفسيًّا- ترك ما اعتادوا عليه ولو كان باطلاً.

ولإنجاح الدعوة، يحتاج الأنبياء إلى بيان طبيعة وهدف دعواتهم؛ فالجمهور يحتاج إلى فهم واستيعاب الدعوة الجديدة وأصولها العامّة؛ إذ إنها تدعوهم إلى تبديل عقائدهم السابقة بعقيدة وفكر جديدين، وكذلك نمطٍ جديد في الحياة. وليس من السهل على الإنسان أن يتخذ قرارًا حاسمًا في مثل هذه القضايا ما لم تكن الأمور قد وصلت لديه إلى القناعة التامّة بالدين والمعتقد الجديد، وهو ما يحتاج من النبي إلى بيان واضح وشرح مستمرّ لأسس الدعوة. ولذلك فإن طبيعة الدعوات النبوية تفهم من خلال ما يصرّح به الأنبياء من خطابات عامّة موجهة إلى الجمهور المدعوّ للإيمان بتلكم الدعوة. وستكون الوقفة هنا مع أحد هذه الخطابات، وذلك ما ورد في الآية الكريمة من خطابٍ إلهي موجه لنبينا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}[6]. ففي هذه الآية الكريمة يخاطب الله تعالى نبيه الكريم محمدًا (صلى الله عليه وآله وسلم) ويأمره بأن يخبر قومه أن ما صدع به من دين هو سبيله التي اختار أن يدعو فيها إلى الله، وأن دعوته هذه قائمة على بصيرة ووعي كامل لهذه السبيل، وأن من يتّبعه إنما يتّبعه -كذلك- عن وعي وبصيرة. ولمزيد من استيضاح الآية، نقف مع مفرداتها المهمّة، على النحو التالي:

(السبيل)

يُراد بالسبيل - لغةً: الطريق وما وَضُحَ منه. ويصحّ أن يذكّر، فيقال: هذا هو السبيل، وأن يؤنّث، فيقال: هذه السبيل[7]. ويعرّفه الكفوي في كليّاته فيقول: «كل مَأْتيٍّ إلى الشيء، فهو: سبيله»[8]. كما يشير في موضع آخر إلى أن السبيل غالبًا ما يقصد منه طريق الخير[9].

والمراد بالسبيل في الآية: النظام أو الاتجاه الفكري الذي يعتمده الإنسان في سلوكه. ذلك أن الإنسان في هذه الحياة يتصرّف ضمن سلوكيات محدّدة، وهذه السلوكيات تنطلق مما يؤمن به نظامًا أو منهجًا أو فكرًا يوجّه سلوكه العامّ. والسلوك الإنساني كما يمكن أن يكون سلوكًا بدنيًّا فيزيائيًّا يمكن ملاحظته، تعدّ الممارسة الذهنية نوعًا من السلوك أيضًا. إذ يُعَدُّ المنهج الفكري لدى أي إنسان سلوكًا فكريًّا غالبًا ما ينطلق من نظام أو منهج يعتمده في التفكير، وذلك لتأتي النتائج سليمة ومتوافقة فيما بينها. وفيما يرتبط بالسلوك البدني، فإنه أيضًا يحتاج إلى ناظم ينظم تلكم التصرّفات والممارسات البدنية لتكون منضبطة وسليمة وفق ما يؤمن به الإنسان من قيم ومبادئ.

إن الله سبحانه وتعالى في الآية الكريمة يوجّه نبينا الكريم محمدًا (صلى الله عليه وآله وسلم) للإفصاح بأن ما يصدع به من أمرٍ هو طريق ومنهج عامّ يوجّه كامل حركته في هذه الحياة. ومن أساسيات هذا المنهج الدعوة إلى الإيمان بالله تعالى والامتثال له ربًّا لا معبود سواه. وهو طريق يتخذه عن بصيرة ووعي هو ومن معه من المؤمنين بهذه السبيل الإلهية.

(الدعوة إلى الله)

غاية الطريق التي اتخذها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هي الدعوة إلى الله. ذلك أن الدعوة إليه سبحانه هو العنوان العريض التي يضمّ جميع حركات الرسالات الإلهية، إذ إن جميع الأنبياء (عليهم السلام) يدعون إلى الله في حركاتهم الدينية، فماذا يراد بالدعوة إليه سبحانه؟

يمكننا تعرّف حقيقة هذه الظاهرة من خلال استقراء مفرداتها الأساس، فالنبي في حركته هذه يدعو الناس إلى:

1. الإيمان بالله تعالى، حيث يذكرهم (عليه السلام) بحقيقة وجود خالق لهذا الكون، وذلك من خلال ما يستثيره فيهم من تساؤلات حول طبيعة النظام الكوني العامّ الذي يخضعون له. يقول تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ * اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}[10]. وبعد هذه الإثارات العقلية يتدرّج معهم النبي لبيان صفات الإله كما يصف هو ذاته بعيدًا عن تلكم الأوصاف والأوهام والأساطير المرتسمة في أذهان البعض منهم. يقول تعالى مخاطبًا نبيّه الكريم: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}. وبعد الإيمان بوحدانية الله تعالى يدعوهم إلى فهم حقيقة الإله بأنه إله خالق لهذا الكون ومتّصف بجميع صفات الكمال، وأنّه لا نقص في ساحته، سبحانه وتعالى عمّا يصفون. يقول تعالى: {وَللهِ الأَسْمَاء الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[11]. فـ«الناس في موقفهم من الله تعالى -على ما لهم من الاتفاق على أصل وجود الذات الإلهية- ثلاثة أصناف:

1- صنف يسمونه بما لا يشتمل من المعنى إلَّا بما يليق أن يُنسب إلى ساحته من الصفات المبيّنة للكمال، أو النافية لكلِّ نقص في ساحته.

2- وصنف يُلحدون في أسمائه، ويعدلون بالصفات الخاصّة به [كالألوهية والخالقية] إلى غيره.

3- وصنف يؤمنون به تعالى، ولكنهم ينسبون إليه بعض صفات النقص مما هو منزَّه عنه تعالى، كالاعتقاد بأن له جسمًا أو مكانًا أو حواسّ مادّية.

وقوله تعالى: {فَادْعُوهُ بِهَا}، أي اعبدوه مذعنين أنه متّصف بما تدلّ عليه هذه الأسماء من الصفات الحسنة والمعاني الجميلة»[12].

2. التسليم لله تعالى بالطاعة. يمثّل الإيمان بالله تعالى القاعدة الفكرية التي ينطلق منها النبي لدعوة قومه إلى وجوب التسليم له بالطاعة والخضوع التامّ في جميع التصرّفات وامتثال جميع الأوامر والنواهي الإلهية، بحيث تكون الناظم الأساس لسلوكياتهم.

(الدعوة المعتمدة على البصيرة)

تصف الآية الكريمة هذه الدعوة بأنها حركة مرتكزة {عَلَى بَصِيرَةٍ}. والبصيرة الواردة في الآية بمعنى: المعرفة اليقينية، ومعرفة السبيل الحقّ يقينًا لا مجال فيه للشكّ والريبة أو التردّد أو الاشتباه. وكما ورد في معجم ألفاظ القرآن الكريم: «البصيرة، هي: الحجّة الواضحة»[13].

وعند المقارنة بين هذه الآية والآية الكريمة: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ[14] تَتَّقُونَ}[15]، نجد إصرارًا نبويًّا بأن ما يدعو إليه الأنبياء من سبيل وطريق هو طريق يرتكز على بصيرة واعية ونافذة لا اعوجاج فيها أو انحراف، وأن هذه الطريق لا تتعدّد، واتّباعها مُنجٍ للمجتمع الإنساني من التفرقة المقيتة والمَهْلَكة. وأن اتّباع هذه السبيل الدينية هي وصيته تعالى إلى عباده، لعلهم بذلك يقون أنفسهم شرور وعواقب اتّباع السبل الأخرى. وهو معنًى يؤكّده السيد الطباطبائي في ميزانه، إذ يقول هناك: «مما حرّم ربكم عليكم ووصّاكم به ألَّا تتبعوا السبل التي دون هذا الصراط المستقيم الذي لا يقبل التخلّف والاختلاف، وهي غير سبيل الله. فإن اتّباع السبل دونه يفرّقكم عن سبيله فتختلفون فيه فتخرجون عن الصراط المستقيم، إذ الصراط المستقيم لا اختلاف بين أجزائه ولا بين سالكيه»[16].

بين الدين سبيلاً وبقية السُّبُل

خلق الله الإنسان وجعل بيده حرية الاختيار، فهو غير مجبر على اتّباع الدين أو الابتعاد عنه. وحينما يصدع الأنبياء برسالاتهم إلى أقوامهم فإنهم يدعونهم إلى الإيمان بالله، {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}[17]. وهذا لا يعني أن عرض الأنبياء لدعوتهم كانت مجرّدةً عن عوامل القبول، ذلك أن الغرض من بعث الأنبياء ليس لمجرّد عرض التشريع الإلهي فقط، وإنما هم مبعوثون مبشّرين من يتّبعهم بالجنّة، ومنذرين من يخالف الدعوة بالنار يوم لقاء الناس لربهم يوم الحشر الأكبر. لذلك فإن الإنسان يوم يبعث للقاء ربّه لن يقبل من عمله إلا ما كان متوافقًا وما دُعِيَ للإيمان به. وهذا ما نفهمه من الآيات القرآنية الكريمة التي تشير إلى أنه بعد الرسالة الإسلامية لن يكون مقبولاً من الإنسان يوم القيامة غير الدين الإسلامي. يقول تعالى في محكم كتابه الكريم: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ}[18]. وفي آية أخرى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ}[19].

ومما يثار بخصوص هذه المسألة هو الموقف الحازم لعدم تعدّد السبل، سواءً الإلهية أو المدنية، والاقتصار على النظام الإسلامي سبيلاً وحيدًا ضمن الرؤية الإسلامية. ولبيان هذه المسألة من المهمّ الإشارة إلى أن ذلك ينطلق من خلفية نظرية ومن واقع تاريخي يفرضان الأخذ بالرسالة الإسلامية سبيلاً وحيدةً نحو الخلاص الإنساني الواعي، وهو ما نبيّنه أدناه، وكالتالي:

أ- مرحلية الرسالات الإلهية

الدين الإلهي -في واقعه- نظام تشريعي يهدف إلى تنظيم المجتمع الإنساني وصولاً به إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بين أفراده والعيش بكرامة ورفاهية يتمتّع بها الجميع. وهو تشريع يرتكز -في وضع أحكامه- على مبادئ وقيم وعقيدة قوامها الإيمان بالله تعالى خالقًا ومدبِّرًا ومعبودًا وحيدًا دون ما سواه. وهي عقيدة وخلفية مبدئية تشترك فيها جميع الرسالات الإلهية، ولا تختلف فيما بينها إلا فيما يرتبط بالجانب التشريعي. ذلك أن التشريعات الإلهية روعي في وضعها -كما يؤمن به المسلمون- المرحلية والتدرّج في بيان الأحكام، فالأديان السابقة على الإسلام كانت تشريعات مرحلية معدّة لمرحلة معينة من الزمن، فلكلّ تشريع دواعيه المرحلية التي تنتهي بانتهاء المرحلة الزمنية المخصصة له.

وهذه المرحلية نابعة من طبيعة الإنسان. ذلك أنه (أي الإنسان) يمرّ بمراحل يتطوّر فيها إدراكه ووضعه الإنساني والحياتي الاجتماعي بصورة عامّة، إلى أن يصل إلى مرحلة الكمال والرشد الإنسانيين اللذين لا يكون الإنسان -معهما- بحاجة إلى تطوير في التشريع، ويمكننا أن نفهم أن المرحلة الحالية التي خُتمت بها الأديان بالدين الإسلامي هي المرحلة التي وصل فيها الإنسان إلى الاستقرار في النضج الفكري والإنساني، فلم يعد هناك حاجة لدين جديد يحمل تشريعًا جديدًا.

إن الشرائع السابقة -كشريعة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام)- كانت شرائع مرحلية متمشِّية مع المرحلة الإنسانية التي وصل بها المجتمع إلى مرحلة معينة من النضج الفكري والاجتماعي والثقافي والعلمي والحضاري. وهذا ما نفهمه من حركة تعدّد الأديان وتعاقبها، حيث يكون نسخ الدين اللاحق للدين السابق نوعًا من التدرّج في التشريع، كما هي الحال بصورة مصغّرة لظاهرة نسخ الأحكام في الشريعة الإسلامية التي تعدّ نوعًا من التدرُّج في إعطاء الأحكام الشرعية للمجتمع الإسلامي الوليد.

هذا من الناحية النظرية التي نعدّها أساسًا ننطلق منه لفهم الرؤية الإسلامية في عدم القبول بتعدّد الديانات إسلاميًّا، وإن كانت هذه الديانات إلهية المصدر. إذ من أساسيات العقيدة الإسلامية هو الإيمان بجميع النبوات السابقة. وكذلك الإيمان بأنَّ لأنبياء الله جميعًا المكانة السامية، وأنهم (عليهم السلام) أدَّوا ما أسند إليهم من وظائف، فقاموا بها خير قيام، كما يؤمن المسلمون بذلك تجاه نبيهم الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) دونما فارق في هذه الناحية. وأن الإسلام ما هو إلا امتداد لتلكم الرسالات الإلهية، وأنه خاتمتها.

ب- انحراف الأتباع عن خطّ الدعوة

بجانب الخلفية المبدئية، نجد أن الواقع الخارجي لظاهرة الدعوة إلى الله -كما مارسها أنبياء الله وما حصل لهذه الدعوات- فيما يرتبط بالنصوص الشرعية يشير إلى أن أتباع تلكم الشرائع لم يكونوا على درجة من الأهلية لنقل تلكم الشرائع نقية صافية، وإن ما وصل إلينا من بعضها وصل مشوَّهًا. وما يوجد بين أيدينا اليوم منه قليل جدًّا، فشريعتا نبيي الله نوح وإبراهيم (عليهما السلام) مثلاً لا نعرف من نصوصهما إلا ما ذكر لنا القرآن الكريم بعضًا من تلكما التشريعات. ولا يوجد أي حساسية تجاه هذه التشريعات القليلة المذكورة في القرآن. أما فيما يرتبط بالتوراة والإنجيل المتداولتين ضمن الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، فإن ما يمنع من الأخذ بهما هو عدم الوثاقة بنقائهما.

ذلك أن القرآن الكريم يصرّح بأن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم بعد فترة من زمن الدعوة، وقد أدّى ذلك إلى أن يحرّفوا في نصوص الكتب الإلهية، ولوقوع هذا التحريف لا نستطيع -من ناحية شرعية وعقلية- أن نأخذ به أو أن نعتمده دستورًا وشريعةً نتبعها. وهذا أمرٌ يمارسه المسلمون تجاه نصوص السنّة النبوية، فما ثبت تحريفه ووضعه على أنه حديث للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يأخذ به علماء المسلمين، ولا يعتمدونه نصًّا شرعيًّا يستندون إليه في التشريع واستنباط الأحكام الشرعية. وما يجعل المسلمين متمسّكين بالنصوص القرآنية هو الدقّة العالية التي اعتمدت في نقل نصّ القرآن على مدياته التاريخية، إذ يُجمع المسلمون على تواتر القرآن في جميع طبقات سند القراءات القرآنية. وهو ما يحقق نسبةً عاليةً من الوثاقة في صحة نسبة النص القرآني وعدم تحريفه.

يقول تعالى في محكم كتابه حاكيًا عن أهل الكتاب: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[20]. وفي موضع آخر يقول جلّ شأنه: {يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ}[21]. وما يذكره القرآن الكريم عن وقوع تحريف في التوراة والإنجيل تؤيّده الدراسات الحديثة لكثير من العلماء الغربيين الذين تناولوا علم اللاهوت فدرسوا التوراة والإنجيل من الناحية التاريخية. فها هو «جيمس هنري برستد يقول في كتابه (فجر الضمير): «إن التوراة الحالية تضمّ اقتباسات من الأدب الفرعوني القديم، وأن مزامير داود أخذت الكثير من نشيد أخناتون، كما ورد في سفر الأمثال الكثير من مما كتبه الحكيم المصري أمينمنوبي في وصاياه. وقد أورد جيمس هنري في كتابه العديد من المقابلات بين الكتابين.

ويختلف اليهود والسامريون بشأن التوراة، فالسامريون لا يعترفون إلا بالأسفار الخمسة الأولى من التوراة من آدم إلى موسى وينكرون الباقي بحجّة وجيهة، حيث يعدونها أسفارًا تاريخيةً ومذكّراتٍ تروي أحداثًا وقعت لبني إسرائيل بعد رحيل نبي الله موسى لمئات السنين، ولا يد لموسى فيها. وإنما هي كتابات كتبها أصحابها ولا يصحّ تضمينها الكتاب المقدّس.

ويختلف المسيحيون في أمر التوراة: بروتستانت وكاثوليك، ذلك أن البروتستانت قد حذفوا من التوراة أسفار ياروخ وطوبيا ويهوديت والمقابيين الأول والثاني وبعض أستير وبعض دانيال. إذ لا تعترف الكنيسة البروتستانتية بهذه الأسفار. ويضاف إلى المسيحيين ما يعتقده المسلمون من تحريف وتبديل فيه. فنحن أمام كتاب هو محلّ شكّ من جميع الطوائف، وكل طائفة قد تحفّظت بشأنه على طريقتها.

كما إن القراءة المتأنّية للتوراة المتداولة لا يخرج منها القارئ بأنه أمام كتاب أوحي به من قبل الله تعالى. فالأنبياء الذين تعارفنا على إجلالهم واحترامهم نراهم في التوراة عُصبة من الأشرار، سكيرين ولصوصًا وزناة وكذابين ومخادعين وقتلة. والله نراه يفعل الفعل ثمّ يندم عليه، ويختار رسوله ثم يكتشف أنه قد أخطأ الاختيار»[22].

ج- التوازن في النظام التشريعي الإسلامي

ما تهدف إليه التشريعات الدينية -ومنها التشريع الإسلامي- هو الوصول بالمجتمع الإنساني إلى ما كان عليه من التعامل الفطري، بين الإنسان وخالقه، وبين الإنسان وأخيه الإنسان. وهي الحال التي تكفل الخير والصلاح للجميع على حدٍّ سواء. ولذلك فإن ما تدّعيه الأديان الإلهية لنفسها أنها تدعو الإنسان إلى الالتزام بما تحتويه من تشريعات؛ لأنها السبيل الوحيد الموصل إلى هذه النتيجة.

وهذه الدعوى تؤيّدها الدراسات المقارنة الحديثة، حيث يُقرَن التشريع الإسلامي -مثالاً للتشريعات الدينية الإلهية- مع الأنظمة والقوانين المدنية الحديثة، وذلك بغرض إبراز أوجه التشابه والاختلاف بينها، وكذلك أوجه القوّة والضعف في كل تشريع ونظام. وتمثيلاً لذلك يمكننا المقارنة بين المذاهب الاقتصادية: الاشتراكي والرأسمالي والإسلامي فيما يتعلّق بمفردة الملكية، وذلك كالتالي:

إذا أخذنا موضوع (الملكية/ التملُّك) في المذهب الاشتراكي، نجد أن الملكية العامّة تعدّ أساسًا وأصلاً في المجتمع الإنساني، وفي مقابلها تعدّ الملكية الفردية أمرًا وحالةً استثنائية. وبناءً على هذه النظرة الاشتراكية تكون الملكية الفردية أمرًا محدودًا، وأن الثروة في أيّ مجتمع يؤمن بالمذهب الاشتراكي هي الملكيات العامّة، فيما الملكية الفردية حالةٌ استثنائية شاذّة وغير مرغوب فيها أو مشجّع عليها.

وعلى النقيض من هذه الحال فيما يتعلّق بموضوع الملكية في المذهب الرأسمالي، إذ يقوم هذا المذهب الاقتصادي على مبدأ الملكية الخاصّة (الفردية) أساسًا وأصلاً في المجتمع الإنساني، ولذلك تطلق الحركة الاقتصادية لذوي الأموال حتّى تتحوّل إلى رؤوس أموال ضخمة، ولذلك يسمّى هذا النظام نظامًا رأسماليًّا. ولكنّ هذا لا يعني عدم وجود للمالية العامّة في المجتمعات الرأسمالية، ذلك أننا نجد أن من أبرز سمات هذه المجتمعات هو تمويل المشروعات الخدمية العامّة من أموال دافعي الضرائب. إذ تجبى من أفراد المجتمع لتكوين مالية عامّة تُنشَأ العديد من المشروعات بتمويل منها.

وخلافًا لهذين المذهبين، تتنوّع الملكيات في الإسلام إلى مِلْكِيَّاتٍ ثلاثٍ لا يوجد بينها ما هو أساس أو أصل أو فرع، فجميعها على مستوى واحد من الأهمية والدرجة، وهي: الملكية الفردية، وملكية الأمّة، وملكية الدولة. بحيث لكلٍّ منها وظيفته الخاصّة التي تحقّق الهدف منها في التكوين الاجتماعي. فالأفراد يملكون ما يحتاجونه لمعاشهم وتدبير شؤونهم الحياتية، والدولة تملك من الأموال ما تسيِّر به شؤون الدولة ومؤسساتها. والأمة (أو المجتمع) يملك ما يتدبّر به شؤونه التي ينوب فيها عن الدولة فيما يعرف بالضمان أو التكافل الاجتماعي بما يحقّق مستوى من التراحم والتوادّ بين أفراد المجتمع، يعين فيه القويّ الضعيف فيما يشكّل لُحمة بشرية واحدة، تعزّز الانتماء إلى المجتمع وتصون وحدته ضمن أطرها الإنسانية. وعن طريق العدالة الاجتماعية، يوجِد الإسلامُ التوازنَ بين هذه الملكيات الثلاث، فلا تطغى ملكية على أخرى.

وعند الموازنة بين المذاهب الاقتصادية الثلاثة، نجد تفوُّقًا للنظرة الإسلامية على نظيرتيها: الاشتراكية والرأسمالية، اللتين لا تراعيان العدالة في توزيع الثروة بين طبقات المجتمع من جانب، وتحقيق الرغبة الإنسانية في التملُّك والسيطرة من جانب آخر. وهذا النوع من التوازن المطلوب لا يمكن تحقيقه إلا بما يعرضه الإسلام الحنيف من توزيع عادل للثروة الاقتصادية في المجتمع. وهي نقطة كتب حولها العديد من المسلمين، نقرأ للدكتور أحمد زكي يماني تناوله لهذه النقطة، إذ يقول: «نجم عن الصراع بين أولوية الفرد أو الجماعة داخل المجتمع معسكران أيديولوجيان دوليان، يتنازعان فيما بينهما سياسيًّا واقتصاديًّا، باسم الحرية الفردية تارة، وباسم جماعة الكادحين تارةً أخرى، ويشتدّ بريق الشعارات المستخدمة في ذلك الصراع، حتى تصعب رؤية بعض حقائقه. ومع ذلك فمن الممكن إبراز جزءٍ منها، فالمعسكر الاشتراكي الذي ركّز جهده لمصلحة الجماعة أغفل الفرد وأوشك ألَّا يعترف بوجوده، وحرمه من ثمرات جهوده الكاملة وجرّده من كرامته الذاتية ومن معظم حقوقه.

ومعسكر ما يسمّى بالعالم الحرّ [النظام الرأسمالي]، يشتطّ في الدفاع عن حرية الفرد وحقوقه وكرامته، حتّى إنه يغضّ الطرف عن مغالاة بعض الأفراد في ممارسة حقوقهم بشكل تُضارّ معه الجماعة،... وقد تضيق الفجوة بين هذين النظامين ليسود العالم مستقبلاً نظام واحد يبقى فيه للفرد كرامته وحقوقه التي يستخدمها لمصلحة المجموع، دون أن تتجاوز حقوقه حدود تلك المصلحة العامّة التي تبقى دائمًا هي الهدف الأساس. وهذا النظام العالمي الذي أتوقّع قيامه يومًا هو النظام الإسلامي الذي جاء قبل أربعة عشر قرنًا ليجعل الجماعة سياجًا ينطلق الأفراد داخله بكل كرامة»[23].

وإلى جانب مسألة الملكية، هناك العديد من المسائل الاقتصادية الأخرى التي يمكن المقارنة فيها بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي من جهة، والنظام الإسلامي من جهة مقابلة. وهو أمر كان قد سلّط الضوء عليه أستاذنا الشهيد الصدر في كتابه: اقتصادنا، ويعاضده في ذلك كتابه الآخر: البنك اللاربوي في الإسلام، حيث يعالج في الأول المذهب الاقتصادي الإسلامي مقارَنًا مع المذهبين الرأسمالي والاشتراكي، فيما يعالج في الآخر المسائل المصرفية ضمن الرؤية الإسلامية.

من وظائف الدين في الواقع الاجتماعي

لا ينحصر الدين الإلهي في تشريع بعض الطقوس العبادية وفرضها على معتنقيه فقط، وإنما يتولّى الدين وظائف أساسية في الواقع الاجتماعي الإنساني، يمكن استعراض ثلاثٍ رئيسة منها، وكالتالي:

الوظيفة الأولى: توضيح العقيدة

قد يصل الإنسان بتفكيره الخاص إلى نظريات حول الكون والحياة والإنسان. وما يوصله إليه فكره قد يكون صوابًا يلتقي والحقيقة التاريخية وقد يكون خطأً. وما يقوم به الدين في هذا الاتجاه هو بيان النظرة الواقعية لحقيقة النظام الكوني العامّ، وهي الحقيقة التي تشكّل في صورتها العامّة روح العقيدة الدينية. فالدين يعطي فلسفته الخاصّة للكون في نشأته وتطوّره ومنتهاه، وهي الفلسفة التي تسمّى في كتب العقيدة الإسلامية بأصول الدين، وفي أحيان أخرى بأصول المبدأ والمعاد؛ وذلك لأنها ترتكز على بيان مفهوم الكون في مبتدئه وتطوّره (الحياة وعلاقات الإنسان مع خالقه، ومع أخيه الإنسان، ومع محيطه)، ومنتهى هذه الحياة (المعاد). وما يوضحه الدين الإسلامي حول الكون والإنسان والحياة قد يصل إليه الإنسان بفكره الخاص (وهو نادرًا ما يحدث)، وقد يخطئ الإنسان طريقه في الإجابة عن تساؤلاته حول هذه الموضوعات المهمّة والحسّاسة، فتأتي الديانات موضّحة لهذه التساؤلات.

إن بيان الفلسفة الإلهية للنظام الكوني الذي يشكّل فيه الإنسان محورًا من أهم محاوره الأساس له درجة كبيرة من الأهمية؛ وذلك لأن العقيدة تمثّل القاعدة التي يبني عليها الإنسان حياته وسلوكه الحياتيّ العام. ولتوضيح أهمية العقيدة في سلوك الإنسان نمثّل لذلك بإنسانٍ وجد مالاً سقط من أحد المارّة، وكان بإمكانه أن يأخذ المال دون علمٍ أو انتباهٍ من أحد، إذ لا يوجد سواه في الطريق، كما أنه يستطيع مناداة من سقط منه المال وتسليمه له. فكيف سيتّخذ هذا الإنسان قراره بشأن ما وجد من مال؟

في هذه الحال يتّبع الإنسان ما يوحي إليه فكره وعقيدته التي يتبنّاها، فلا يوجد في البين ما يجبره على فعلٍ أو تحرُّك معيّن. إذ يختلي الإنسان وفكره في مثل هذه الحالات. فإن كان صاحب عقيدة وفكر موجَّه يلتزم به، فإنه سيتّبع فكره، وبخاصّة إن كان هذا الفكر أو العقيدة إلهية، حيث يؤمن الإنسان معها بوجود يومٍ يحاسب فيه الإنسان على جميع أفعاله في هذه الحياة، الخيرة منها والسيئة. فالإيمان بيوم المعاد يدفع الإنسان أكثر نحو الالتزام بما يؤمن به من عقيدة.

وما سبق هو مثال بسيط في نتائجه وعواقبه واتخاذ الموقف المناسب تجاهه. فالإنسان -في حياته- معرّض لمواقف أكثر تعقيدًا ولقرارات أصعب وأكثر حساسية وأهمية، فعلى أيّ فكر أو عقيدة يرتكز ليتّخذ قراره وفقها؟

إن أيّ إنسان بحاجة إلى مبدأ يوجه سلوكه في هذه الحياة. والدين أنزله الله تعالى لعباده ليكون المرشد والموجّه الناصح لهؤلاء العباد ليكوّنوا مجتمعات سليمة وصالحة. وليبنوا شخصياتهم وفق مبادئ صحيحة وخيرة تنسجم وفطرهم السليمة.

ويمكن ملاحظة أثر العقيدة الدينية في ظاهرة أداء الزكاة من قبل عموم المسلمين، وأداء حقّ الخمس الشرعي لدى الشيعة الإمامية، حيث يلتزم الجميع بدفع هذه الحقوق الشرعية بكلّ طواعية والتزام ذاتي. وما يدفع الإنسان نحو أداء مثل هذه الحقوق هو ما يستشعره المسلم من وجوب أداء ما فرضه الله عليه من واجبات وحقوق، وذلك انطلاقًا من الإيمان بربوبية الله تعالى التي يستشعرها الإنسان المؤمن نتيجة ما يعتقد به من فكر يوجهه نحو هذا النوع من السلوكيات.

وانطلاقًا من هذا الدور الذي تقوم به العقيدة في توجيه السلوك الإنساني، تكون مسألة تصحيح وتوضيح العقيدة من أساسيات وظائف الدين تجاه الإنسان.

الوظيفة الثانية: وضع النظام (التشريع)

لا يمكن تسيير شؤون المجتمعات الإنسانية بمجرّد بيان الأصول العقائدية التي يتحتّم على أفرادها الإيمان بها، ذلك أن هذه المجتمعات بحاجة إلى نظم وقوانين تشريعية واضحة يسيرون وفقها ويحتكمون إليها تنسجم والرؤية العقائدية الدينية. وبدون هذه النظم تعيش المجتمعات نوعًا من الفوضى الاجتماعية. يقول الشيخ محمود شلتوت موضحًا هذه الفكرة: «عُرِف من القرآن الكريم أن الإسلام له شعبتان أساسيتان، لا توجد حقيقته ولا يتحقّق معناه إلا إذا أخذت الشعبتان حظهما من التحقُّق والوجود في عقل الإنسان وقلبه وحياته، وهاتان الشعبتان هما: العقيدة والشريعة.

حيث تمثّل العقيدة الجانب النظري الذي يُطلَب الإيمان به أولاً وقبل كل شيء إيمانًا لا يرقى إليه أيّ شك ولا تشوبه أيّ ريبة. فيما تمثّل الشريعة النظم التي شرعها الله أو شرّع أصولها ليأخذ الإنسان بها نفسه في علاقته بربه، وعلاقته بأخيه المسلم، وعلاقته بأخيه الإنسان، وعلاقته بالكون والحياة»[24].

وإداركًا لأهمية التشريع، تحتلّ هذه المسألة جزءًا مهمًّا من الديانات الإلهية وغير الإلهية أيضًا. ولكنّها في الجانب الديني الإلهي غالبًا ما تكون أكثر سعةً وشمولية، إذ تشمل معظم الجوانب الحياتية الإنسانية، سواءً الخاصّة منها أو العامّة. وذلك بخلاف التشريعات المدنية التي غالبًا ما تشمل قوانين المعاملات البينية فقط، ولمرحلة عمرية محدّدة.

ويتّضح هذا من خلال التعليمات الشرعية للإنسان عندما يريد أن يتزوّج مثلاً، إذ يضع الإسلام مواصفات محدّدة في المرأة التي يريد أن يختارها الرجل زوجةً له، ومعها تعليمات مقابلة يضعها للرجل الذي تقبل به المرأة زوجًا لها. وهذه المواصفات تدرس غالبًا في علم الفقه. وعندما نحاول تحليل هذه الناحية في التشريع الإسلامي، نرى أن الإسلام يرى أن اختيار المرأة أو الرجل له تأثير مستقبلي على البيئة العائلية التي تحتضن الأبناء. فبالإضافة إلى التأثيرات الفسيولوجية، هناك البيئة التربوية التي ينشأ في ظلالها أبناء هذه العائلة. يقول نبينا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): «اختاروا لنطفكم، فإن الخال أحد الضجيعين»[25]. كما ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «إياكم وخضراء الدمن»، قيل: «يا رسول الله، وما هي خضراء الدمن؟»، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «المرأة الحسناء في منبت السوء»[26].

وهذه النصوص تؤكّد مسألة انتقال الصفات الخُلُقية من جيلٍ إلى جيلٍ عن طريق المخالطة والمعاشرة، وما يريده الإسلام للإنسان أن يولد وينشأ سويًّا. إذ ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضًا: «كلّ مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه»[27]. وهو حديث واضح الدلالة في تأثير البيئة الأسرية على مسيرة الإنسان العقائدية. وهي نقطة يشير إليها الأستاذ علي أبو زريق، فيقول: «حرص القرآن الكريم على إيجاد بيئة ممتازة للإنسان منذ مولده. كما أورد أحكامًا تفصيلية لاستمرار البيئة العائلية سليمة محمية من الفساد، بحيث تضمن للإنسان الاستمرار في الحياة والتكاثر والعيش في جوٍّ من السعادة والحرية والسواء بعيدًا عن كلّ ما يعكّر صفوه أو يدنّس نفسه أو يجلب له العُقَد والانحرافات النفسية. ومن ذلك ما حرص عليه القرآن الكريم من قيام علاقة ودّية بين الزوجين ورعايتها بأحكام صالحة لكلا الطرفين وأن تكون العلاقة بينهما مبنية على الودّ والتراحم والسكن النفسي بينهما. وكذلك احترام حقّ الأمومة والأبوة من قبل الأبناء وغيرها من الأحكام التفصيلية لصيانة الأسرة وبنائها بناءً سليمًا»[28].

وحرصًا من الدين الإسلامي على كرامة ومكانة الإنسان، تستمرّ الأحكام الشرعية تتولّى مسؤولية الإشراف على سلامة طريقه في هذه الحياة، وهو الإشراف الذي لا ينتهي بموت الإنسان، بل يستمرّ ذلك لما بعد رحيله عن هذه الحياة. إذ يحثّ الإسلام أولياء المتوفّى على الإحسان إليه وأداء بعض الصدقات والصلوات وقراءة القرآن نيابةً عنه، وأداء ما فاته من فروض واجبة. وذلك تكريمًا له وحفظًا لسيرته ووفاءً لحقّه من قبل أهله وذويه.

الوظيفة الثالثة: تحديد مركز الإنسان وموقعيته في الحياة

يعيش الإنسان في هذه الحياة ضمن مجموعة كبيرة من الموجودات، بما فيها من الأحياء والجمادات، الظاهر منها والخفيّ، الحيّ منها والجامد. وللإنسان موقعيته الخاصّة والمتميّزة بين هذه الموجودات، ومن وظائف الدين تحديد هذه الموقعية وطبيعة الدور الذي عليه أن يؤديه انطلاقًا من موقعيته في هذا النظام الكوني العام.

وعند دراستنا للنصوص القرآنية الشريفة، نجد أنها تعطي للإنسان دورًا محوريًّا في هذه الحياة، وذلك ما نفهمه من الآية الكريمة: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}[29].

فالآية -أعلاه- تضع الإنسان مخلوقًا في مقابل جميع المخلوقات الأخرى، إذ يقابل الإنسان: السماوات وما فيها والأرض وما عليها، والجبال بما تمثّله من جبروت ورمز للعظمة والقوة. وقد أبت جميع هذه المخلوقات تحمّل الأمانة التي قبل الإنسان تحمل عبئها ومسؤولية أدائها. وفي هذا دلالة واضحة على مركزية الإنسان بين جميع هذه المخلوقات.

الخضوعان التكويني والتشريعي

ولفهم طبيعة الدور المنوط بالإنسان ضمن الرؤية القرآنية، من المهم بيان مفهوم (الأمانة) الوارد في الآية الكريمة. ذلك أن جميع الموجودات في هذا الكون خاضعة لله تعالى خضوعًا تامًّا. فهي جميعًا ممتثلة لأوامره ونواهيه فيما يمثّل النظام الكوني العام. والخضوع الذي نعنيه هنا هو الخضوع التكويني الذي يمارسه الكائن الحي دون إرادة فعلية لديه. فالنبتة التي تنمو من البذرة إلى أن تظهر أوراقها ويقوى ساقها، ثم تصبح -بعد ذلك- شجرة مثمرة، إن جميع هذه المراحل التي تطويها هذه النبتة وأمثالها من الكائنات الحية فيما يعرف بالدورة الحياتية، إنما تمارسها خضوعًا لتكوينها الذاتي. وهي الحال التي يمرّ بها الإنسان أيضًا من النطفة إلى أن يكون جنينًا، ثم طفلاً، وصبيًّا ثمّ شابًّا، إلى أن تنتهي مراحله الحياتية بالموت. فهو يمرّ بجميع هذه المراحل خضوعًا وامتثالاً لتكوينه الذاتي. فلا اختيار له في هذا النوع من الخضوع.

وهذا الخضوع لله تعالى هو المقصود في قوله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}[30]. فالتسبيح يقصد منه هنا الخضوع والامتثال للنظام الذي وضعه الله لهذه المخلوقات، حيث تؤدّيه جميعًا مسلوبةَ الإرادة والقدرة على المخالفة.

وفي مقابل الخضوع التكويني، هناك الخضوع التشريعي الذي يُقصد به القوانين والتشريعات الموضوعة ليطبقها الإنسان بكامل إرادته واختياره. فما فُرِضَ على الإنسان من أداء الصلوات والزكوات والصيام إنما يؤديه الإنسان المسلم بكامل إرادته. وحينما يلتزم المسلم بالابتعاد عن ارتكاب فاحشة الزنا أو شرب الخمر -مثلاً-، فإن التزامه ذاك صادر عن إرادته الكاملة ودونما أيّ درجة من درجات الجبر. والإنسان في خضوعه والتزامه للأحكام الشرعية الصادرة عن الله تعالى يكون خاضعًا لها خضوعًا تشريعيًّا. وهو -أي الإنسان- في خضوعه هذا يختلف عن بقية المخلوقات الأخرى، إذ لا يُتَصَوَّر وجود تشريعات خاصّة بها فتقوم إراديًّا بالالتزام بها أو عصيانها، وإنما خضوعها ينحصر في الخضوع التكويني الصِّرْف.

وما يجعل الإنسان قابلاً للخضوع التشريعي هو امتلاك الإنسان للإدراك والمعرفة والإرادة، فهو بهذه الأمور الثلاثة -مجتمعةً- يستطيع أن يميِّز بين الحقّ والباطل والصواب والخطأ، ومن ثمَّ له أن يقرِّر الالتزام من عدمه. وامتلاك الإنسان لهذه الصفات الثلاث لعله هو المقصود بالأمانة التي ذكرتها الآية أعلاه. إذ يبدو -من مفاد ومضمون الآية- أن الله تعالى اختار الإنسان -من بين بقية المخلوقات- ليهبه هذا النوع من القدرة الذهنية التي تمكّنه من تحمّل مسؤوليات التكليف والوفاء بها، فيما لا تمتلك بقية المخلوقات هذا النوع من القدرات الذهنية العالية.

الخضوع التشريعي يعزّز الكرامة الإنسانية

وهذا الإنسان الذي حمّله الله -دون بقية المخلوقات- هذا النوع من المسؤولية، يقول عنه تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}[31]. وهو ما يعني أن هذا المسؤول هو في محلّ تكريم وتشريف، ولا يُتصوَّر بحال أن خضوع الإنسان لخالقه فيما فرضه الله عليه من تشريعات يتنافى والكرامة التي وهبها الله له. وهذه الآية الكريمة يمكن عدّها حاكمةً على التشريعات الإسلامية من حيث عدم وجود تشريعات في الفقه الإسلامي تؤدّي إلى هدر كرامة الإنسان أو تحطّ من مكانته. فكرامة الإنسان محفوظة في جميع أحكام التشريع الإسلامي بموجب هذه الآية الكريمة. ولذلك يمكننا -ملخَّصًا- أن نقول بأن الإنسان -في موقعيته في هذه الحياة- هو: مسؤول كريم.

والقرآن الكريم -بعد ذلك- ينوّع الإنسان تبعًا لالتزامه بما فُرِضَ عليه من تشريعات إلى أقسامٍ ثلاثة: مؤمن، ومشرك، ومنافق. فذلكم الملتزم بالتشريع الإلهي هو الإنسان المؤمن. فيما المعارض أو المخالف للالتزام بها من موقع عدم الإيمان بالذات الإلهية، هو المشرك. والمنافق هو ذلكم الذي أخفى حقيقة كفره بالله تعالى، وقام بأداء بعض الممارسات الشرعية اكتسابًا لمصالح دنيوية وليس انطلاقًا من الإيمان بالعقيدة الإسلامية.

لوازم المسؤولية الإنسانية انطلاقًا من الموقعية

يملك الإنسان من المؤهلات الذاتية ما أهّله أن يحتلّ تلكم الموقعية المتميّزة في تحمّل المسؤولية الخاصّة التي جعلته يكون مخلوقًا مركزيًّا في النظام الكوني الذي ينتمي إليه. وتطبيقًا لهذه المسؤولية تعطي النصوص القرآنية صورةً عن الشخصية الإنسانية تنسجم -في تفصيلاتها- مع تلكم المسؤولية الملقاة على عاتقه، ويمكن استعراض بعضٍ من جوانب تلكم الصورة، وكالتالي:

أ- الإنسان خليفة الله على الأرض

لا يملك الإنسان صورةً واضحةً عن الكون ما قبل الوجود الإنساني، بل إنه لا يملك صورة بيّنةَ المعالم عن بدايات وجوده على الأرض. وقد تكفّلت النصوص الدينية ببيان جوانب من تلكم الصورة. فأبرز القرآن الكريم صورًا منها، وذلك فيما يصوّره من حديث دار بين الخالق جلّ وعلا والملائكة، كما في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}[32]. حيث تشير هذه الآية إلى أن الله أوجد الإنسان على هذه البسيطة ليكون ممثّله وخليفته عليها. وهو معنًى يمكن فهمه أيضًا من الآية الكريمة: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}[33]. إذ هي إشارة واضحة في بيان المعنى ذاته في خلافة الإنسان على الأرض، وما على الإنسان من أمانة تجاه ذلك.

وعندما يكون وجود الإنسان على هذه الأرض خلافة ووكالة عن البارئ جلّ وعلا، فهو يقوم بدور ووظيفة منوطَين به، ولا يكون وجوده -حينها- عبثًا أو مماثلاً لبقية العجماوات. وهو ما يفهم من النصوص الإسلامية التي تؤكّد وجود دور ومسؤولية وعمل للإنسان على هذه الأرض. يقول تعالى: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ}[34]، فوجود الإنسان على الأرض هو لغرض إعمارها واستثمار خيراتها. ولذلك فإن الإسلام يفترض أن يستثمر الإنسان وجوده على هذه الأرض، فيستخرج خيراتها على أن يكون هذا الاستثمار لصالح خير الجميع، لا أن يكون وسيلة للتسلّط وظلم الآخرين. إن الوجود الإنساني -وفقًا للنظرة القرآنية- هو بدافع العمل والجدّ، يقول تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[35]. لقد جعل الله الأرض مذللة ومسخّرة للإنسان ليستطيع الاستفادة من خيراتها (رزق الله). ولأن وجودَ الإنسان وجودُ نيابة، فإن ما يحصل عليه نتيجة عمله لا يعدو أن يكون أمانة استخلفه الله عليها. والعمل من أجل الحفاظ على هذه الأمانة يمثّل جانبًا مهمًّا من أداء الأمانة والمسؤولية الملقاة على عاتقه.

ب- القيام بالعدل في تنفيذ الخلافة

ما يقوم به الإنسان من أداء الأمانة هو طريق ذات الشوكة، وسيلاقي ذلكم الإنسان الذي يسعى لتحقيق واجب الأمانة خير أداء الكثير من الأعداء والعقبات التي تقف في طريقه. ولكنّ هذه العقبات لا يجب أن تدفعه لأن ينحرف عن الطريق. ولذلك نجد أن من أبرز ما تدعو إليه الرسالات الإلهية هو الدعوة إلى إقامة العدل بين الناس، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء للهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}[36]. وفي آية أخرى يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[37].

وصفة العدل تعدّ من أبرز لوازم القيام الحقّ بالمسؤولية المنوطة بالإنسان. ذلك أن الإنسان يعيش ضمن بيئته الاجتماعية التي لا بدّ لها أن تنتظم ضمن نظام عامّ، غالبًا ما يتسلّط فيه القويّ فيسلب حقّ الضعيف، وهي الحال التي تعدّ من أهمّ معوّقات وصول المجتمعات الإنسانية إلى حالٍ من السعادة والعيش برفاهية وكرامة مكفولة للجميع. وما يدعو هذه المجتمعات إلى الإيمان بالدين إنما ليكون هو النظام الحاكم الذي يمنع هذا النوع من الظلم أن يقع على المستضعف منهم.

ولذلك حينما تقارن الآيات الكريمة بين الإنسان المسلم في تعامله مع الآخرين وبين الإنسان المشرك مع نظيره وأخيه الإنسان، نجد أنها تظهر ذلكم المشرك وقد وضع معايير الحميّة الجاهلية المبتنية على الولاء القومي والعرقي غير القائم على مبدأ العدالة والقيم الإنسانية السامية، يقول تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}[38]. ولذلك فإنه من الظلم الذي منعته الشريعة الإسلامية التعصّب الأعمى للقبيلة والقومية إن كان على الباطل، فهو خلاف العدل والقيام الحقّ بالمسؤولية الملقاة على الإنسان.

وفي مقابل تلكم الحمية والعصبية، أنزل الله على رسوله وعلى المؤمنين به السكينة في قلوبهم، ليقوموا بين الناس ويحكموا على ما يواجههم من قضايا بروح عقلية هادئة، لا تشوبها العصبيات المقيتة التي تحول دون تحقّق العدالة الاجتماعية في المجتمعات الإنسانية. وذلك بما ألزمهم به من صفة التقوى التي تمنعهم من مخالفة الأحكام الشرعية التي يتحقّق بالتزامها تحقيق العدالة المنشودة. والمسلمون -حسب الآية الكريمة- أحقّ بهذه الصفة من غيرهم، إذ بدونها لن تسود العدالة الاجتماعية التي يمكن في ظلها تحقيق بقية الأهداف، وبدونها لا بدّ أن تتعثّر تلكم المسيرة الإنسانية نحو تحقيق السعادة المنشودة.

ج- الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين

أعطى الله لكل إنسان عقلاً يميّز به الحق من الباطل والخير من الشرّ، ويستطيع أن يهتدي به في سُبُل هذه الحياة. ولكنّ قدرات الإنسان الذهنية والعقلية لا تتساوى، فلكلٍّ مستواه الذهني والعقلي الذي يختلف فيه عن الآخرين. فقد يهتدي أناس إلى طريق الحق، فيما يضلّ آخرون، وقد يصل بعضٌ إلى وسيلة فُضلى يجهلها آخرون. ولذلك فإن من مهام ولوازم المسؤولية التي أودعها الله في النفس البشرية أن يشعر الإنسان بأخيه الإنسان، فيسعى لأن يكون الناس جميعًا على هدًى ورشد. وهذا النوع من الشعور بالمسؤولية يصل عند بعضٍ من خواصّ الناس إلى درجة عالية، فيكون شعورهم تجاه هداية الآخرين قويًّا فيشعرون بألم ومرارة حينما يصبح مجتمعٌ مّا على ضلالة، وهؤلاء هم من يختار الله تعالى من بينهم من يجد فيه مؤهلات النبوة، ليكونوا رسل الله إلى أقوامهم.

وهذا النوع من الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين تركّزه الآيات القرآنية في المجتمع المسلم، يقول تعالى -واصفًا المسلمين-: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالمَرْحَمَةِ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ}[39]. حيث تشير الآية إلى أن المؤمنين الحقّ هم من يوصي بعضهم بعضًا بالصبر على أداء الواجبات الشرعية وبالتراحم فيما بينهم، فيتبادلون نصيحة بعضهم بعضًا للدلالة على طريق الحق والهداية. وهو المعنى الذي يؤدّيه الحديث الشريف: «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته»[40]. إذ إن من صفات المجتمع المسلم أن يشعر بالحسّ العالي بالمسؤولية تجاه الآخرين.

د- الشهادة على الناس

صدع رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بالدين الإسلامي ليكون خاتمة الديانات الإلهية. ولكنّ انتشار هذه الديانة -كما هو حال أيّ عقيدة وفكر وأيديولوجيا- لن يكون يومًا بالإرغام والإكراه، فالله تعالى يقول في كتابه الكريم: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}[41]. وهذا إعلان صريح بأن الدين والإيمان بالله لا يكونان بالإكراه والإجبار. وما دام الأمر كذلك، فمن الطبيعي أن تتنازع المجتمعات الإنسانية مجموعة من الاعتقادات والاتجاهات الفكرية المتنوّعة. ومن يؤمن بالله تعالى ويتحمّل ما أنيط به من مسؤوليات فيقوم بأدائها خير قيام، سيكون هو الشاهد على مجريات الأمور ويستطيع تحديد الصحيح من الخطأ، فيكون كما الحكَم بين التيارات والاتجاهات الأخرى. وانطلاقًا من هذا المعنى، يكون رسولنا الكريم شاهدًا وحكمًا بين الحقّ والباطل في الأمة الإسلامية، وتكون هذه الأمة التي قبلت بهذا الدين الحنيف شاهدًا وحكمًا على بقية الاتجاهات الأخرى. يقول تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[42].

يشرح السيد محمد حسين الطباطبائي معنى الشهادة الوارد في الآية الكريمة، فيقول حول ذلك: «المراد بجعلهم أمة وسطًا شهداء على الناس: الوسط هو المتخلل بين طرفين، لا إلى هذا الطرف ولا إلى ذاك. وهذه الأمة هي كذلك من حيث موقعيتها بين الأمم والاتجاهات والديانات الأخرى، حيث تقع على مسافة واحدة بينها جميعًا، فيقاس كل طرف من طرفي الإفراط والتفريط بها، فهي الشهيدة على سائر الواقعين في الأطراف. والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) -وهو المثال الأكمل من المسلمين- شهيد على الأمة الإسلامية، والأمة شهيدة على بقية الأمم يرجع إليها لقياس الحقّ من الباطل. وقد يكون المعنى -وهو الأقرب-: أن المراد بالشهادة هنا: شهادة المسلمين يوم القيامة على أعمال الأمم الأخرى. ولا يراد بالأمة جميع المسلمين، وإنما فيهم من يقوم بهذا الدور، وذلك لاتصاف المسلم -دون بقية الأديان والاعتقادات الأخرى- ما يجعله شهيدًا على بقية الناس»[43].

ﻫ- الوحدة بين أطياف المجتمع المسلم

خلق الله الناس وفطرهم على الإيمان به، ولكن الشيطان نزغ بينهم، ففرّقهم إلى جماعات وأحزاب يحارب بعضهم بعضًا. وقد أرسل الله رسله إليهم ليوحّدوهم ويحيوا فيهم فِطَرَهم من جديد، فتكون وحدتهم بعد ذلك مبنية على التعاليم المنسجمة مع الفطرة الإنسانية الصافية، ويعاضد هذه الروحَ الفطريةَ السليمةَ الوعيُ العميقُ بالدور الذي على الإنسان أن يؤدّيه في هذه الحياة، وذلك بما تحتويه الديانات الإلهية من تعاليم وقيم وأحكام تكفل تحقّق هذه الغاية النبيلة. ولذلك فإن من أبرز لوازم الرسالات الإلهية هو العودة بالمجتمع الإنساني إلى التوحّد حول مبادئ وقيم الدعوات النبوية، وأن يشكلوا مجتمعًا إنسانيًّا واحدًا تجمعه هذه القيم التي يحكمون ويتحاكمون وفقها.

يقول تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}[44]. وفي آية أخرى، يقول سبحانه: {أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[45]. إن الوحدة هو عنوان مهمّ من عناوين القيام بالمسؤولية، فالمجموع الإنساني متى ما كان متفرّقًا كان أبعد عن القيام بمسؤولياته، ومتى كان متوحِّدًا كان أقرب إلى القيام بأداء الأمانة وإلى تحقيق الأهداف السامية من وجوده. كما أن الوحدة عنوان من عناوين القوّة، فيما التفرقة هي أبرز عوامل الضعف والاستكانة والتمزّق والتشرذم والتشتّت والهوان. وعلى الإنسان الفرد أن يدرك أهمية هذه المسألة ويعيها جيدًا إذا كان يطمح للقيام بدوره المنوط به في هذه الحياة.

الاختلاف في الفروع لا يسبّب الفرقة

دعا نبينا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس إلى اتباع سبيله الإسلامية، وهي عنوان عريض يضمّ العديد من الفِرَق والمذاهب والمدارس، وهذه التعددية داخل البيئة الإسلامية يجب أن تظلّ حالة صحية وإيجابية. ذلك أن التشريع الإسلامي تنقسم فيه الأحكام إلى ثوابت ومتغيرات. فالثابت منها ما ينطبق عليه الحديث الشريف: «حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة»[46]. وهي ما يتوحّد حولها جميع المسلمين، ويجب أن تكون طريقًا وعنوانًا جامعًا لوحدتهم دائمًا. وما يقع فيه الاختلاف هي المتغيرات من الأحكام، وهي ما تعمّ الوسائل والأساليب وموضوعات الأحكام، إذ تختلف فيها اجتهادات الفقهاء والعلماء من جيل إلى جيل ومن منطقة إلى أخرى، ومن رؤية إلى رؤية مغايرة.

فقد يمتلك فقيه دليلاً يغيب عن آخر، فيما يعتمد فقيه قاعدة أو مبنًى علميًّا يستند عليه في إعطاء حكم لا يتفق معه فقيه آخر فيه. وقد يرجّح فقيه نصًّا لما يرى فيه من قوّة، فيما يرى فقيه نصًّا آخر أكثر قوّة، وغير ذلك من الأسباب العلمية الوجيهة. وهي اختلافات علمية تحدث في أيّ فرعٍ علمي، وهي عامل إغناء وتكامل في جميع الحقول العلمية، وهي في الوقت ذاته لا تجعل من العلم الواحد علمين.

وحول هذا المعنى نقرأ للشيخ شلتوت يقول: «وقد اتصلت بالقرآن -بعد أن التحق نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بربه- أفهام العلماء والأئمة فيما لم يكن من آياته نصًّا في معنًى واحد، ومن هذا الجانب اتّسع ميدان الفكر الإنساني، وكثرت الآراء والمذاهب في النظريات والعمليات، لا على أنها دين يُلتزم، وإنما هي آراء وأفهام فيما هو من القرآن محتمل للآراء والأفهام، يَرُدُّ كلُّ ذي رأي منها رأيَه إلى الدلالة التي فهمها هو من النصّ القرآني، بمعونة ما صحّ عنده من أقوال الرسول أو أفعاله، أو من القواعد العامّة التي ترمي إليها روح الدين عامّة. وهذا الصنيع لم يكن من هؤلاء العلماء إلا اجتهادًا فرديًّا لا يوجب واحد منهم على الآخر أن يتبعه، بل تركوا لغيرهم ممن له أهلية الفهم حرية التفكير والنظر.

أما العقائد الأصلية -كالإيمان بالله واليوم الآخر- وأصول الشريعة -كوجوب الصلاة والزكاة وحرمة النفس والعرض والمال- فإن نصوصها جاءت في القرآن بيّنةً واضحة، لا تحتمل اجتهادًا ولا أفهامًا. ومن هنا كَثُرَت المذاهب والآراء فيما يتّصل بالفروع التابعة لأصول الشرائع والأحكام»[47].

الدراسات الإسلامية المقارِنة

وتتميمًا لهذه الفكرة، أجد من المهمّ الإشارة إلى أهمية جمع التراث التشريعي الإسلامي فيما يعرف اليوم بالدراسات المقارنة، وأن يكون هذا النوع من الدراسات جزءًا مهمًّا من المقررات الدراسية في كليات الشريعة في الجامعات الإسلامية، وذلك لتحقيق أمرين من شأنهما أن يذيبا الكثير من مواطن الخلاف والاختلاف بين الاتجاهات الفكرية الإسلامية. ذلك أن الدراسات المقارِنة من شأنها أن تغني البحث العلمي من خلال جمع الآراء الفقهية حول المسألة الواحدة في مكان محدّد، كما أن ذلك يساهم بدرجة كبيرة في إزالة الكثير من الغبش والغموض المتبادل بين أصحاب هذه التيارات والاتجاهات الفكرية وتجلية الصورة لدى كل طرف من قِبل الآخر، وهي مسألة من شأنها لاحقًا أن تسهم في التقريب الذهني والنفسي بين القيادات ومن ثمّ بين الأتباع أيضًا.

وكم كانت بادرة طيبة من السيد محمد تقي الحكيم (رحمه الله) عندما وضع كتابه (أصول الفقه المقارن) ليكون مقرّرًا دراسيًّا في كلية الفقه في النجف الأشرف، ومن ثمّ في جامعة بغداد كأحد المقرّرات الأساسية في دراسة الشريعة الإسلامية فيها. وهو توجُّه نجد له صدًى طيبًا في إيران التي أخذت بالاتجاه نحو هذا النوع من المقرّرات وتشاطرها جامعة الأزهر أيضًا في مصر، حيث يُدرس فيها دراسات فقهية تشمل المذاهب الفقهية الثمانية: الحنبلي والحنفي والمالكي والشافعي والجعفري والإباضي والزيدي والإسماعيلي.

إن ما نراه اليوم من اختلاف وتشرذم لا ينبع -عادةً- من الاختلافات في الفروع الفقهية، وإنما هو نابع من النزعات الذاتية والمصالح الفئوية الضيّقة التي لا تضع أمام أعينها ما يمكن أن تحققه الوحدة بين أبناء الأمة من مصالح أكبر للجميع، وما تجلبه من قوّة اقتدار لمجتمعاتنا من شأنها أن تنهض بواقعنا مما نحن فيه من تخلّف وتأخُّرٍ حضاريٍّ وفكريٍّ ومدنيٍّ وثقافيٍّ وعلميٍّ.

 

 

 


 



[1] سورة يونس، الآية: 19.

[2] من وحي القرآن، السيد محمد حسين فضل الله، دار الملاك - بيروت، ط2، 1419ﻫ - 1998م، ج11/ 288.

[3] سورة البقرة، الآية: 213.

[4] من وحي القرآن، السيد محمد حسين فضل الله، مصدر سابق، ج4/ 143.

[5] الإسلام يقود الحياة، السيد محمد باقر الصدر، وزارة الإرشاد الإسلامي - طهران، ط2، 1403ﻫ - 1983م، ص 4 - 5.

[6] سورة يوسف، الآية: 108.

[7] انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، دار الشروق الدولية، ط4، 1425ﻫ - 2004م، مادة: سبل، ص 415.

[8] الكليات: معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، أبو البقاء الكفوي (ت 1094ﻫ)، تحقيق: الدكتور عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة - بيروت، ط2، 1419ﻫ - 1998م، ص 494.

[9] انظر: المصدر السابق، ص 512.

[10] سورة العنكبوت، الآيات: 61 - 63.

[11] سورة الأعراف، الآية: 180.

[12] الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد حسين الطباطبائي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت، ط1، 1417ﻫ - 1997م، ج8/ 345 - 349، مختصرًا.

[13] معجم ألفاظ القرآن الكريم، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ط2، 1409ﻫ - 1989م، ج1/ 138، مادة: بصر.

[14] كلمة (لعلّ) من الكلمات التي تتردّد كثيرًا في الآيات القرآنية، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة، الآية: 183]، ومما يذكره النحاة حول كلمة (لعلّ) أنها تأتي بمعنى: الترجّي أو الرجاء في مقابل (ليت) التي تفيد -حسب الصناعة النحوية- التمني. وهذا خلاف الاستعمال القرآني لهذه المفردة، ذلك أنها لا تأتي -قرآنيًّا- بمعنى الترجّي، وإنما تفيد التعليل، إذ يكون معناها في الآية أعلاه: إنكم -أيها المتبعون لصراطي- إذا التزمتم ما وصاكم الله باتّباعه سيكون ذلك سببًا لتقواكم. وهي نقطة يشير إليها أبو البقاء الكفوي في كتابه الكليات، فيقول: «كل ما في القرآن الكريم من (لعل) فإنها للتعليل، إلا }لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [سورة الشعراء، الآية: 129]، فإنها للتشبيه. وهذا غريب لم يذكره النحاة». انظر: الكليات، أبو البقاء الكفوي، مصدر سابق، ص 778 و793 - 794. (ف)

[15] سورة الأنعام، الآية: 153.

[16] الميزان في تفسير القرآن، السيد الطباطبائي، مصدر سابق، ج7/ 390.

[17] سورة الكهف، الآية: 29.

[18] سورة آل عمران، الآية: 19.

[19] سورة آل عمران، الآية: 85.

[20] سورة البقرة، الآية: 75.

[21] سورة البقرة، الآية: 79.

[22] التوراة، الدكتور مصطفى محمود، دار المعارف - القاهرة، ط7، 1999م، ص 13 - 15، مختصرًا. وممن تناول عدم صحّة الأناجيل المتداولة الدكتور عبد الشكور محمد أمان العروسي في كتابه: التصريح بإثبات الأناجيل الأربعة الاعتقاد الصحيح في المسيح، بدون ناشر ولا تاريخ نشر.

[23] الشريعة الخالدة ومشكلات العصر، الدكتور أحمد زكي يماني، الدار السعودية للنشر والتوزيع - جدّة، ط4، 1403ﻫ - 1983م، ص 54 - 56، مختصرًا.

[24] الإسلام عقيدة وشريعة، الشيخ محمود شلتوت، دار الشروق - القاهرة، ط18، 142ﻫ - 2001م، ص 9 - 10.

[25] الكافي، الشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني (ت 329ﻫ)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة - طهران، ط5، 1363ﻫ. ش، ج5/ 332.

[26] المصدر السابق، ج5/ 332.

[27] تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي (ت 726ﻫ)، تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم، ط1، 1414ﻫ، ج9/ 170.

[28] الإنسان والبيئة، علي راضي أبو زريق، رابطة العالم الإسلامي - مكة المكرّمة، سلسلة (دعوة الحق)، العدد 159، السنة 14، ط1، ربيع الأول 1416ﻫ، ص 57 - 63.

[29] سورة الأحزاب، الآية: 72.

[30] سورة الإسراء، الآية: 44.

[31] سورة الإسراء، الآية: 70.

[32] سورة البقرة، الآية: 30.

[33] سورة الحديد، الآية: 7.

[34] سورة هود، الآية: 61.

[35] سورة الملك، الآية: 15.

[36] سورة النساء، الآية: 135.

[37] سورة المائدة، الآية: 8.

[38] سورة الفتح، الآية: 26.

[39] سورة البلد، الآيتان: 17 - 18.

[40] عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية، ابن أبي جمهور الأحسائي (ت 880ﻫ)، تقديم: السيد شهاب الدين المرعشي النجفي، تحقيق: الحاج آقا مجتبى العراقي، مطبعة سيد الشهداء - قم، ط 1405ﻫ - 1985م، ج1/ 129.

[41] سورة البقرة، الآية: 256.

[42] سورة البقرة، الآية: 143.

[43] الميزان في تفسير القرآن، السيد محمد حسين الطباطبائي، مصدر سابق، ج1/ 314 - 317، بتصرّف واختصار.

[44] سورة آل عمران، الآية: 103.

[45] سورة الشورى، الآية: 13.

[46] شرح أصول الكافي، المولى محمد صالح المازندراني (ت 1081ﻫ)، تعليقات: الميرزا أبو الحسن الشعراني، ضبط وتصحيح: السيد علي عاشور، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط1، 1421ﻫ - 2000م، ج2/ 270.

[47] الإسلام عقيدة وشريعة، الشيخ محمود شلتوت، مصدر سابق، ص 8 - 9.