شعار الموقع

المناهج المقارنة في استنباط أحكام المستجدات

محمد تهامي دكير 2019-06-02
عدد القراءات « 604 »

المناهج المقارنة في استنباط أحكام المستجدات

طهران: بين 13-14 فبراير 2014م

محمد تهامي ذكير

للتعرف إلى المناهج المقارنة في استنباط أحكام المسائل والقضايا المستجدة، والنوازل المعاصرة، عبر القواعد اللفظية والمناطات والمقاصد، ودور المنهج المقاصدي في استنباط أحكام المستجدات، وضوابط التوصيف الفقهي ودور الاجتهاد الجماعي في معالجتها، وللكشف عن دور خصائص التشريع في إعادة النظر في منهجية الاستنباط، لتفعيل عقلية التركيز على خصائص التشريع والاستفادة منها..

لأجل ذلك كله، نظمت جامعة المذاهب الإسلامية في طهران بالجمهورية الإسلامية الإيرانية ورشة علمية تحت عنوان: «عمل المناهج المقارنة في استنباط أحكام المستجدات» وذلك بين 13-14 فبراير 2014م.

شارك في الندوة عدد من العلماء وأساتذة الجامعات وفقهاء المذاهب الإسلامية من الجمهورية الإسلامية ومصر ولبنان وعمان وتونس والمغرب، بالإضافة الى طلبة الجامعة ولفيف من المهتمين بقضايا الفقه الإسلامي..

ﷺ أعمال اليوم الأول: الجلسة الافتتاحية

انطلقت أعمال الورشة بتلاوة مباركة لآيات من الذكر الحكيم، ثم تحدث كل من الشيخ الدكتور أحمد مبلغي (رئيس جامعة المذاهب الإسلامية)، والشيخ إسحاق مدني مستشار رئيس الجمهورية الإسلامية لشؤون أهل السنة، والشيخ الدكتور بي آزر شيرازي الرئيس السابق للجامعة، والدكتور الأستاذ إسماعيل بن صالح الأغبري من سلطنة عمان.

في بداية كلمته وبعد الترحيب بالمشاركين في الورشة من جامعة الزيتونة بتونس وأم درمان ولبنان وعمان، وكذلك بالحضور العام من السادة والمشايخ والطلبة ووسائل الإعلام.. أكد الشيخ مبلغي أهمية موضوع الورشة الذي لم يسبق أن تم التطرق إليه، وهو العرض والمقارنة بين المذاهب الإسلامية في منهجية استنباط الأحكام الفقهية، مع التركيز على المسائل المستجدة والنوازل المعاصرة، لأن المسائل القديمة قد بحثت وانتهى الأمر فيها إلى اختيارات المذاهب المعروفة والمثبتة في الموسوعات الفقهية المذهبية.

بعدها أشار إلى أهمية الأوراق المشاركة والموضوعات التي سيتم تناولها بالمناقشة والنقد، والتي يفترض فيها أن تنطلق من مفهوم الأمة وترسخه من خلال الكشف عن وجهة نظر المذاهب الإسلامية في معالجة القضايا المشتركة والمسائل المحدثة والمبتلى بها من مستجدات ونوازل.

وهذا –كما يضيف– ما سيجعل جامعة المذاهب الإسلامية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومن خلال تنظيم هذه الورشة تدخل في دراسة فقه المناهج المقارنة، وهذا الاختصاص مهم وجديد على الجامعات الإسلامية.

تحدث بعده الشيخ إسحاق مدني فجدد الترحيب بالمشاركين، ثم أشار إلى أهمية الاجتهاد في الإسلام، وكيف أن الفقهاء قد اهتموا منذ البداية بكشف واستنباط أحكام الشريعة من مصدريها (الكتاب والسنة) والكليات والقواعد التي تساعد على استنباط واكتشاف كل ما يحتاجه المسلم من معرفة للقضايا المستحدثة والمستجدة.. وهذا إن دل فإنما يدل على قدرة الفقه الإسلامي على مسايرة العصر والاستجابة للواقع والحاضر والمستقبل، وقدرته على مواجهة المشكلات الواقعية، ما يجعل الشريعة الإسلامية صالحة لكل مكان وزمان.

ثم ألقى الشيخ الدكتور بي آزر الشيرازي (الرئيس السابق للجامعة) كلمة أشار فيها إلى تطور الفقه الإسلامي وظهور علم الخلاف، واهتمام الفقهاء بهذا العلم وتوسعته، كما أشار إلى تطور الفقه الإمامي بعد الثورة الإسلامية الذي فتح الآفاق أمام الفقه والاجتهاد في القضايا المعاصرة خصوصاً فقه الدولة وقضاياها، مما فتح المجال للاهتمام بفقه المقاصد أو الاجتهاد المقاصدي.. وفي الأخير أكد الشيخ الشيرازي أهمية عمل الورشة، وتمنى للمشاركين التوفيق والسداد.

ألقى بعده الدكتور إسماعيل بن صالح الأغبري (من سلطنة عمان) كلمة أشار فيها إلى أهمية الورشة التي ستكون مناسبة للقاء والتواصل العلمي بين جميع المذاهب الإسلامية، ما ينعكس إيجاباٌ على العلاقة بينها، وهذا ما سيقف في وجه الدعوات التكفيرية التي تجتاح المنطقة، كما أشار إلى الأهمية العلمية لجميع المذاهب الإسلامية، وأن كل مذهب قد ساهم في نشر وخدمة الإسلام والدفاع عنه، ثم انتقد بشدة ظاهرة التنابز بالألقاب في إطار الصراع المذهبي الذي يعمق الفجوة بين مكونات الأمة المذهبية.

وفي الأخير أكد الدكتور الأغبري على نهج الوسطية والاعتدال الذي تنتهجه سلطنة عمان، وهذا ما يجعلها حريصة على إقامة علاقة ودية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية رغم ما تتعرض له من ضغوط.

ﷺ الجلسة الأولى

بعد الجلسة الافتتاحية، انطلقت أعمال الجلسة الأولى تحت عنوان: تغطية الفقه للمستحدثات عبر القواعد اللفظية، وقد ترأسها الشيخ نذير أحمد سلامي (إيران)، وقدم فيها الدكتور أحمد بابكر خليل عيسى (من جامعة أم درمان بالسودان) ورقة بعنوان: «التدرج في الأوامر والنواهي: دلالة ألفاظ خطاب الشارع على وقوعه في العصر».

في البداية أكد الباحث أن التدرج سنة إلهية ومنهج دعوي يتبع عند الحاجة وفق ضوابط وأسس معينة، ثم استعرض كيف انتهج الأنبياء وخلفاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا النهج، بعدها شرع في الحديث عن التدرج فعرفه لغة واصطلاحاً قائلاً: والمقصود بالتدرج في الاصطلاح: الانتقال بالمخاطب من السهل إلى الأصعب، ومن كلية إلى أخرى، ومن الكليات إلى الجزئيات، ومن الالتزام النظري إلى الالتزام العملي التطبيقي، ومن الإيمان إلى الأعمال، ومن التوحيد إلى العبادات..

ثم بعد ذلك تحدث بالتفصيل عن دلالة خطاب الشارع على التدرج في المأمورات، ودلالة خطاب الشارع على التدرج في المأمور نفسه، ودلالة خطاب الشارع على التدرج في المحرمات وفي المحرم نفسه وارتباط التدرج بالزمان والمكان، مع إعطاء الأمثلة على كل مطلب لتأكيد المنحى الذي يريده الباحث.

وفي الأخير خلص الباحث إلى «أن منهجية التدرج في الدعوة إلى الله ما تزال قائمة لم تنسخ، يعمل بها حسب الأحوال، وأن فيها من الحكمة الشيء الكثير، وأن غياب هذه القاعدة من منهج الداعية فضلاً عما فيه من مخالفة لسنن الله الكونية وسننه الشرعية، فإن فيه اصطداماً مع واقع ليس من ورائه إلا الفشل، والنفور.. فشل الداعية ونفور المدعوين.. وبذلك فمراعاة التدرج في الأوامر والنواهي يساهم في كيفية التعاطي اليوم مع الكثير من المستجدات والنوازل وخصوصاً في مجال الدعوة إلى الله أو الالتزام بالشريعة بالنسبة للمسلمين.

بعده قدَّم الناقد الأول د. علي العلوي (من جامعة الزيتونة بتونس) مجموعة من الملاحظات حول الورقة، أهمها الإشارة إلى وجود خلل منهجي في الورقة التي لم تهتم بتاريخية التدرج، حيث قدمت الحديث عن عمل الصحابة بالتدرج قبل الحديث عن ممارسة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) له، كذلك سجل الناقد غياب النماذج من السيرة عن التدرج، بالإضافة لعدم تطبيق التدرج على الواقع المعاصر، وكيفية الاستفادة من قاعدة التدرج في القضايا المستجدة، وعدم القيام بمقارنة بين مواقف العلماء من التدرج.

الناقد الثاني للورقة الشيخ على أكبريان (إيران) أشار في نقده لورقة الباحث أحمد بابكر إلى مسألتين مهمتين تواجهان تطبيق قاعدة التدرج في عصرنا الحالي، الأولى تربوية وتتعلق بتحكم العادة في سلوك من يمكن أن يعتنق الإسلام ويجد صعوبة في التخلص من عاداته فكيف يعمل؟ والثانية عندما يرفض مجتمع ما حكماً إسلاميًّا وهذه مشكلة حكومية؟

ولمعالجة المسألتين اقترح الشيخ أكبريان بدل القول بالتدرج قاعدتان معروفتان ومنضبطتان في الفقه ومتفق عليهما، وهما قاعدتا الأهم والمهم عند التزاحم، ورفع العسر والحرج.

ثم فتح النقاش لمشاركة الحضور من العلماء والطلبة، ومن الملاحظات المهمة التي قدمت، أن العمل بالتدرج يقتضي القول بنسخ الأحكام، لذلك فمن يرفض القول بالنسخ لا يعتقد بمشروعية التدرج، وبالتالي فالتدرج لم يقع في الحكم مثلاً في مسألة تحريم الخمر وإنما وقع في التطبيق.

مداخلة أخرى مهمة تساءلت عن ارتباط التدرج بواقعنا الحالي ومستجداته الكثيرة، مثل المطالبة بتطبيق الشريعة وإقامة الدولة الإسلامية، كيف نستفيد من نظرية أو قاعدة التدرج في هاتين المسألتين المعاصرتين والمبتلى بهما؟

كذلك أشارت مداخلة أخرى إلى أهمية التدرج في قضية الإفتاء وما علاقة التدرج بالفقه المقارن؟

وفي الأخير رد صاحب الورقة الباحث أحمد بابكر على تساؤلات الحضور، معتبراً إياها أسئلة مشروعة ومكملة للنقص في الورقة.. كما أعاد التأكيد على أهمية قاعدة رفع الحرج، ولكن هل رفع الحرج يسقط الحكم أم أن الأمر مرتبط برفع الحرج فقط؟

ﷺ أعمال اليوم الثاني: الجلسة الأولى

في اليوم الثاني عقدت الجلسة الأولى تحت عنوان: تغطية الفقه للمستجدات عبر تقوية الذهنيات المحيطة بالاستنباط.. وترأسها الدكتور الشيخ أحمد مبلغي (رئيس جامعة المذاهب الإسلامية)، وقد قدم فيها الشيخ محمد زراقط (من الحوزة العلمية في لبنان) ورقة بعنوان: «القتل الرحيم: دراسة فقهية قانونية مقارنة».

في البداية تحدث الباحث عن المصطلح وتحديده لأن رد المستحدثات إلى أمهاتها القديمة يسهل الرجوع إلى حكم الفقه فيها، فإذا استطاع الفقيه تحديد أي ظاهرة سهل عليه الوصول إلى حكمها، وهكذا الأمر بالنسبة لمسألة القتل الرحيم موضوع الورقة.

وفي إطار التحديد أشار الباحث إلى الفرق بين القتل المعلوم حكمه في الشريعة وما يسمى اليوم القتل الرحيم أو بدافع الشفقة أو الرحمة أو لاعتبارات أخرى تتعلق بحقوق الآخرين أو التكاليف المادية. ثم تحدث عن أقسام القتل الرحيم وأنواعه، ومن يقرر هذا القتل، هل الطبيب أم المريض أو بطلب من أسرته..؟

وإذا كان بعض الفقهاء يعتبرون مسألة القتل الرحيم من المستجدات فإن الباحث وبعد التأمل والتدقيق يرى أنها مسألة قديمة لوقوع بعض الحالات التي تشبه القتل الرحيم في حروب المسلمين..، لكن لم يكن للفقهاء رأي فيها ربما لإيمانهم بحرمة القتل مطلقاً.

لكن هناك ضرورة لإعادة بحثها اليوم مع ظهور معطيات جديدة تتعلق بمعيار احترام الحياة. كما تحدث الباحث بالتفصيل عن أدلة حرمة القتل الواضحة في الكتاب والسنة، وكون الحفاظ على الحياة من أهم مقاصد الشريعة المتفق عليها، كما أشار إلى أهمية بعض الأسئلة حول هذا الموضوع والتي من خلال الأجوبة عليها يمكن الحكم بالإباحة أو التحريم لما يسمى القتل الرحيم، كما استعرض آراء ومواقف عدد من علماء المذاهب من القتل الرحيم.

بعد العرض انطلقت المناقشة والتعليق، ومما جاء فيها أن الناقد الدكتور علي أكبريان لاحظ أن الباحث قد حل المسألة بإرجاعها وردها إلى الفقه القديم والاستعانة بأدلة حرمة القتل، وكذلك إمكانية تحليل بعض حالات القتل الرحيم في حالة الألم الشديد الذي لا يحتمل وبالتالي يكون القتل من باب الإحسان إليه. كما أشار الأستاذ سلامي إلى إمكانية تحليل بعض أنواع ما يسمى بالقتل الرحيم إذا تحققت بعض الشروط مثل المرض المزمن الذي لا شفاء منه، أو وجود عدم تكافؤ بين الحياة وبين تكاليف هذه الحياة بالنسبة له، أو من يقوم على علاجه.

ثم فتح النقاش العام حيث أشار المشاركون إلى مجموعة من الملاحظات حول هذه المسألة، فالدكتور مبلغي تساءل عن نوعية الاستجداء في الموضوع وعملية الانطلاق من شرح المصطلح لفهم ماهية الموضوع، كما تساءل عن الوجدان الذي يمتلكه المريض الذي يريد الراحة من الألم بالقتل.. وغيرها من الملاحظات الكثيرة حول هذا الموضوع.

وبعد رد الشيخ على ملاحظات النقاد والحضور انتهت أعمال هذه الجلسة.

ﷺ الجلسة الثانية

وتحت عنوان: تغطية الفقه للمستجدات عبر المناطات والمقاصد، عقدت الجلسة الثانية التي ترأسها الشيخ الدكتور بي آزر الشيرازي، وقدم فيها الدكتور منير بن جمور (من جامعة الزيتونة – تونس) ورقة بعنوان: «دور المنهج المقاصدي في استنباط أحكام الاستفادة من أعضاء الإنسان للعلاج والبحث العلمي».

في البداية تحدث الباحث عن الأسس النظرية لمقاصد الشريعة التي تعني أهدافها وغاياتها التي تحمل الانسان على تحصيلها جلباً للمنفعة ودرءاً للمفسدة بوسائل مشروعة، ولا عبرة بالصور والألفاظ في تحصيل هذه المقاصد. كما تحدث عن أهمية علم المقاصد في التشريع، ودور المنهج المقاصدي في استنباط أحكام المستحدثات الطبية على وجه الخصوص.

ثم شرع في عرض مسألة نقل أو الانتفاع بأعضاء إنسان لإحياء نفس بشرية محتاجة لها، أو الانتفاع بها في التجارب العلمية، حيث قدم مجموعة من الصور والمصاديق ورأي عدد من فقهاء أهل السنة فيها من خلال المنهج المقاصدي، وكيف ميزوا بين الاستفادة باعتبار المصلحة سواء أكانت ضرورية أو حاجية أو تحسينية، وكذلك الأمر تعلّق الاستفادة من خلال الموازنة بين مصالح الأمة أو الجماعة والأفراد، وكذلك تحقق جلب المصلحة او دفع المفسدة.

وفي إطار المقارنة بين المذاهب الإسلامية، أشار الباحث إلى رأي بعض علماء الشيعة في تعليقه على رفض العمل القياس.

بعد العرض انطلقت المناقشة بما قدمه الناقدان الأستاذ أحمد بابكر من السودان والشيخ محمد زراقط من لبنان.. الباحث بابكر أشاد بالورقة وما احتوته من معلومات قيمة ومناقشة مستفيضة في عرض أقوال الفقهاء وتأصيلها مقاصديًّا، لكن البحث في نظره يحتاج إلى منهج تقسيمي واضح، وكذلك عدم التعريف الكافي ببعض الأسماء الواردة في البحث، وكذلك عدم التعرض لمعنى المقاصد، وإهمال شرح القواعد الواردة في البحث، وعدم مناقشة بعض الأمثلة، بالإضافة إلى الإشكال الحقوقي الوارد على الاستفادة من أعضاء الميت سواء بإذن الورثة أم لا؟

الناقد الثاني للورقة الشيخ زراقط ناقش الباحث فيما نسبه لأحد علماء الشيعة بخصوص رفض القياس، فقدم رأي الشيعة في القياس وأوجه الشبه بين المصالح المرسلة والأحكام الولائية، منتقداً التعميم الذي سقط فيه الباحث، كما أشار إلى وجود مدارس لا تؤمن بالمقاصد لكن لها معايير تشبه المقاصد.

ثم فتح باب النقاش العام، حيث وردت على الورقة مجموعة من الملاحظات والانتقادات خصوصاً ما يتعلق برأي علماء الشيعة في القياس. الشيخ علي أكبريان تساءل عن الأحكام التي يقوم عليها دليل لفظي مرتبط بالمقاصد، لكنها لا تتطابق مع المقاصد تطابقاً تامًّا، وكذلك وجود أحكام لا يلاحظ الشارع المقاصد في موضوعاتها.

الأستاذ ذو الفقار انتقد التعريف الوارد في الورقة للمقاصد واعتبره غير دقيق، كما انتقد غياب الحديث بالتفصيل عن الأسس النظرية للمقاصد والقواعد والضوابط الحاكمة لهذا المنهج في الاستنباط. الشيخ أحمد مبلغي (رئيس جامعة المذاهب) علق على موضوع القياس عند الشيعة، فأكد على وجود تطور لدى علماء الشيعة في الموقف من القياس، بحيث انتهى بهم المطاف إلى قبول القياس المنصوص العلة، كما عملوا بتنقيح المناط، وهي قواعد أساسية في فقه الشيعة.

كذلك كانت هناك مداخلة طالبت بضرورة البحث في ضوابط المنهج المقاصدي إذا ما تم اعتماده كأساس ومنطلق للحكم والاستنباط.

وفي الأخير قام الباحث بالرد على بعض الانتقادات والملاحظات الواردة على الورقة.

ﷺ الجلسة الثالثة

بعد الظهر انطلقت أعمال الجلسة الثالثة تحت عنوان: تغطية الفقه للمستجدات عبر المناطات والمقاصد، وترأسها الشيخ الدكتور بي آزر شيرازي، وقدم فيها الدكتور علي العلوي ورقة بعنوان: «المنهج الأصولي والمقاصدي لشيوخ الزيتونة في كتاباتهم حول القضايا المعاصرة من خلال أبحاثهم المتعلقة باستنباط أحكام المستجدات».

في عرضه لورقته تحدث الباحث العلوي باختصار عن منهج شيوخ جامعة الزيتونة من خلال فتاواهم والأدلة التي اعتمدوها في موقفهم الشرعي من زراعة الأعضاء والاستنساخ كمسألتين مستحدثتين، مثل الشيخ محمد المختار السلامي، والشيخ السلامي، والشيخ محمد العزيز جعيط، والشيخ الطيب سلامة، وغيرهم.. وكيف أنهم استدلوا بالكتاب والسنة وبعض القواعد الفقهية كما استدلوا بالمقاصد الشرعية.

ثم عرض في إطار المقارنة رأى الشيخ محمد علي التسخيري من علماء الشيعة في الاستنساخ وأدلته على رفض الاستنساخ من خلال القرآن والسنة والقواعد الفقهية، ليخلص في الأخير إلى وجود تشابه وتطابق بين شيوخ الزيتونة والشيخ التسخيري في منهجهم الفقهي والأصولي، ووحدة الأدلة المعتمدة في رفض الاستنساخ والتحذير من مخاطره.

بعد العرض انطلقت المناقشات والانتقادات أولاً من طرف الناقدين الرئيسين في الجلسة ثم من طرف الحضور العلمائي.

الشيخ أحمد مبلغي (رئيس الجامعة) أشاد بالإيجابيات التي تميزت بها الورقة وخصوصاً الروح التقريبية واعتماد المنهج المقارن بين آراء علماء السنة والشيعة في هذه المسألة، وهذا ما تطالب به الورشة وتدعو إليه.

كما قدمت الورقة دليلاً ملموساً على اعتبار المسائل المستجدة أرضاً خصبة للتعاون بين المذاهب في معالجة المشاكل والأزمات والقضايا التي تهم الأمة والعالم، لكن الباحث في نظر الشيخ مبلغي لم يتناول ولم يتحدث عن لونين يميزان الاستدلال بالمقاصد الشرعية، وهذا مبحث دقيق يتطلب جهداً علميًّا أكثر لإثبات الحكم بالمقاصد، وكذلك أهمية الرجوع إلى قواعد أخرى غير منصوص عليها للاستنباط في هذا المجال.

الدكتور إسماعيل بن صالح الأصغري أشار إلى اهتمام المؤتمرات بالمسائل والمستجدات المعنوية، كالموقف من حرية التعبير والديموقراطية، وقضايا القذف عبر الإنترنت والرسائل التلفونية، واعتماد الصور والأفلام في إثبات الزنا مثلاً؟

ملاحظات أخرى وجهت للورقة من طرف الحضور العلمائي وتتعلق مثلاً بغياب كيفية الاستدلال ببعض الآيات ووجه هذا الاستدلال، وكيف استدل شيوخ الزيتونة بقواعد فقهية يعمل بها في المعاملات، كما انتقد البعض الآخر ضعف الحديث عن المنهج الأصولي والمقاصدي عند علماء الزيتونة.

وفي الأخير قام الباحث بالرد على بعض الملاحظات والانتقادات، ثم انتهت وقائع هذه الجلسة.

ﷺ أعمال اليوم الأخير

في هذا اليوم قدمت ثلاث أوراق، الأستاذ والباحث إسماعيل بن صالح الأغبري (من سلطنة عمان) تحدث عن «مستجدات التكفير وطرق معالجته»، حيث أشار في البداية إلى خطورة ظاهرة التشدد والتكفير، وما يترتب عليها من استحلال للدم المحرم وانتهاك للأعراض المصونة، بالإضافة إلى تشويه الإسلام، وإشغال أبناء الأمة بأنفسهم بدل التنبه للأخطار المحدقة بهم، ثم شرع في استعراض منهج المذهب الإباضي في معالجة ظاهرة التكفير، مثل تمسكهم بكلمة التوحيد العاصمة من قاصمة التكفير، ومناقشة ومحاورة المتشددين و التكفيريين أو التبرؤ منهم وهجرهم. كذلك من أساليب الإباضية في مواجهة التكفير ترك التنابز بالألقاب وتطبيق منهج (ما يسع من كان قبلنا فهو يسعنا)، والاعتقاد بأن المضادة والاختلاف لا ترفع الولاية، وكذلك الكف عما مضى وعدم إحياء قضايا وقعت في القرون الغابرة، ثم الاعتدال في الفتوى والاهتمام بالفقه المقارن.

وأخيراً أكد الباحث على أن ظاهرة التكفير المستجدة والقديمة لا يمكن دفعها إلا بمزيد من تقوية الصلات والروابط، مقترحاً لذلك عقد الندوات والمؤتمرات المشتركة، والعمل على إغلاق قنوات التكفير والتحريض المذهبي، وأهمية سعي الدول العربية والإسلامية لتجريم التكفير ومعاقبة التكفيريين.

أثارت هذه الورقة بدورها الكثير من النقاشات، فقد تساءل البعض عن ظاهرة التكفير هل هي من المستجدات أم لا؟ أم أنها قديمة لكن تجدد ظهورها اليوم؟ كما أشارت بعض المداخلات إلى أن السبب الحقيقي وراء التكفير ليس الاختلافات العلمية وتعدد الرأي الاجتهادي والمذهبي، وإنما هناك أهداف سياسية ومشاريع سياسية داخلية وخارجية تستغل هذا التعدد لتقسيم الأمة وإشعال نار الحروب بين مكوناتها المذهبية والطائفية عن طريق التكفير.

وفي الأخير تساءل البعض عن مسؤولية العلماء في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة..

الشيخ الدكتور أحمد مبلغي تحدث عن «دور خصائص التشريع في إعادة النظر في المنهجية أو إعادة تطبيقها»، والهدف من تناول هذا الموضوع -كما يقول الباحث- هو إعادة النظر في منهجية الاستنباط (لا سيما استنباط أحكام المستجدات)، أو إعادة تطبيقها عبر تفعيل عقلية التركيز على خصائص التشريع والاستفادة منها، وقد شرح المقصود من عقلية التركيز على خصائص التشريع، أي: هو عبارة عن تحرك عقلي يتمحور حول الشريعة بهدف الحصول على المعرفة المعمقة بخصائص الشريعة وبناء الوعي الفقهي بها. كما شرح المقصود من الاستفادة من هذه الخصائص في ترشيد منهجية الاستنباط، كما قدم بعض النماذج التطبيقية من خلال الحديث عن موافقة النظام التشريعي للنظام التكويني، وكون الشريعة موحدة للمجتمع.

وفي الأخير أكد الباحث أن العملية التي تقترحها هذه الورقة هي أن ينطلق الفقيه من معرفة خصائص الشريعة لتقييم الفتاوى، ومن عملية تقييم الفتاوى إلى عملية الرجوع إلى المنهجية للاستنباط وإعادة النظر في المنهجية، حتى يكتشف النقائص الخافية في هذه المنهجية وأن يقومها.

وقد أثارت هذه الورقة الكثير من النقاشات سواء من طرف الناقدين الشيخ الأغبري أو الباحث مولى نظير أحمد، فالأول أشار إلى لزوم التفريق بين الشريعة الإلهية المعصومة وفقه أو فهم البشر المختلف والمتغير، وبالتالي فبعض الفتاوى تتحكم فيها ذهنية الفقيه والمجتهد، كما أن عاملي المكان والزمان لهما مدخلية في العمل بهذه الفتاوى.

المشاركون طرحوا عدة أسئلة على الورقة مثل: كيف نكيّف مواجهة هذه الخصوصية مع النص، وهل التعرف إلى الخصائص يكون من داخل الفقه أومن خارجه؟ وما هي القواعد التي من خلالها نتمكن من استنباط خصائص الشريعة بشكل منضبط؟. كما دار النقاش عن خصيصة كون الشريعة موحدة للأمة كما أكد الباحث في ورقته.

الورقة الأخيرة وبها ختمت أعمال الورشة قدمها الشيخ محمد علي التسخيري (الأمين العام السابق للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب) عن «الاجتهاد الجماعي في معالجة المستجدات من الناحية الشرعية وسبل تطويرها»، في البداية أكد الباحث أهمية الاجتهاد الجماعي في التشريع الاسلامي اليوم، وكيف أنه يحقق مبدأ الشورى وهو أكثر دقة وعمقاً وإحاطة من الاجتهاد الفردي، كما أنه يعوض عما يتعذر علينا من قيام الإجماع في مسائل الأمة وقضاياها المشتركة، بالإضافة إلى دوره في استمرارية الاجتهاد ومعالجة المستجدات، وكونه أنجع السبل إلى توحيد الأمة.

بعدها تحدث عن حجية الاجتهاد الجماعي وسبل تطويره، مثل ضرورة التنسيق بين مجاميع الإفتاء لمعالجة القضايا المعاصرة والمستجدة وبحثها وكشف أهميتها وآثارها.

وعلى هامش هذه الورشة العلمية، قامت جامعة المذاهب الإسلامية بافتتاح كرسي لتدريس الفقه المالكي بعد أن كانت قد افتتحت السنة الماضية كرسيًّا للفقه الإباضي.