شعار الموقع

اللغة العربية .. أسباب التعثر ومحاولات النهوض

محمد تهامي دكير 2019-06-02
عدد القراءات « 1249 »

اللغة العربية

أسباب التعثر ومحاولات النهوض

محمد تهامي ذكير

مع ما تمتلكه اللغة العربية من ثراث ضخم ومتنوّع ومتجذّر في أعماق التاريخ، إلَّا أنها اليوم تتعرَّض لتحديات كبيرة، تُهدِّد مكانتها في خريطة العالم اللغوية، وتدفع بها للتقهقر والتراجع، ما قد يجعلها لغة هامشية بعيدة عن مواكبة التطور العلمي والمعرفي العالمي بعدما كانت لغة الدين والحضارة لفترات طويلة من الزمن.

هذه التحديات وضعت الباحثين اللغويين والمهتمين باللغة العربية أمام مسؤولية المبادرة للنهوض بهذه اللغة لتسترجع مكانتها بين اللغات الحضارية في العالم، وتفادي القصور الذي تعاني منه في مواكبة التطور العلمي والحضاري المتسارع.

وللمساهمة في تحقيق هذه الأهداف، ولمواجهة هذه التحديات، ولتأكيد دور اللغة العربية وقدرتها على المساهمة في نهضة الأمة العلمية والثقافية والحضارية بشكل عام، ولمعالجة أسباب التعثر الحالية وكيف تتمكَّن لغة الضاد من تجاوزها، نظَّم المجلس العالمي للغة العربية التابع لكلية الدعوة الإسلامية في بيروت، مؤتمره التاسع تحت عنوان «اللغة العربية: أسباب التعثر ومحاولات النهوض»، وذلك بين 1-2 رجب 1435هـ الموافق لـ 30/ 4 و1/ 5 أبريل 2014م.

شارك في المؤتمر عدد كبير من المختصين في اللغة العربية والأكاديمين والكتَّاب والمفكرين من العالمين العربي والإسلامي، بالإضافة إلى بعض الفعاليات السياسية والحزبية اللبنانية.

البحوث والأوراق المشاركة تقاسمتها المحاور التالية:

- المحور الأول: اللغة العربية ومشكلات مناهج التعليم.

- المحور الثاني: اللغة العربية والإعلام (العربية والصحافة، العربية والإعلام المرئي والمسموع).

- المحور الثالث: محاولات النهوض (دور المجامع اللغوية والمجالس والمؤسسات المدنية).

بالإضافة إلى عقد ندوة خاصة عن: النهوض باللغة العربية عند الدكتور عبد الرحمن عطبة رحمه الله.

الجلسة الافتتاحية

في الجلسة الافتتاحية تحدَّث وزير البيئة الأستاذ محمد المشنوق، ومما قاله: نحن مثلكم جميعاً نتمسك بلغتنا العربية وبالوطن. واللغة وعاء الفكر والوسيلة التي بواسطتها تنتقل المعرفة وتتناقل الحضارات، فلكلّ شعب لغته، واللغة القوية هي ثمرة الأمّة القوية،.. وأضاف: إن العرب يمتلكون إرثاً عريقاً بواسطة لغة غنية، وما من عربي إلَّا ويفتخر باللغة العربية.

كما أكَّد في كلمته على أن اللغة العربية بألف خير ولا تشكو ضعفاً، بل هي حسب قوله: لغة حيّة تستطيع مواكبة كلّ شيء... وإن كنتم تريدون لغة قوية وناهضة فابنوا دولة قوية وناهضة فتنهض الدولة وتنهض اللغة.

كلمة المشاركين ألقتها رئيسة تحرير مجلة العربي والأستاذة في جامعة الكويت الدكتورة ليلى خلف السبعان. ومما جاء فيها: برغم كلّ المعوقات وبرغم كلّ الظروف فإن الملتقى يُعقد سنويًّا في لبنان العزيز، ويحضره الكثير، والنقطة الثانية عندي هي حرص المجلس العالميّ للغة العربيّة على التواصل مع كلّ المؤسّسات الثقافية في العالم العربي، فلدينا من الوطن العربي أكثر من اثنتي عشرة دولة عربية يسهم باحثوها في أعمال المؤتمر.. أما بالنسبة للتحديات التي تواجه اللغة العربية فقد أكدت الأستاذة السبعان على أن: التعثر أمر واضح، وأنا ألمس هذا في طلابي في جامعة الكويت، والاعتراف بالواقع هو أولى الخطوات الجيدة لمواجهة هذا التعثُّر وإيجاد الحلول الناجعة له.

ثم ألقى الدكتور صابر عبد الدايم يونس من مصر، كلمة الضيوف، وممَّا جاء فيها: إنّ موضوع المؤتمر يأتي مواكباً لطقس القلق والصراع الذي تعيش فيه أمّتنا، حيث نحاول النهوض من التعثر.. إن واقعنا اللغوي جزء من هذا الطقس، وحين نستحضر سبل النهوض فإنها تستعصي على الزوال، فاللغة قاومت كلّ المحاولات، وما زالت محتفظة بتنسيقها وجمالها، متجددة وناشطة... كما دعا إلى ضرورة حشد الجهود لاستعاده مجد اللغة، والتكاتف للنهوض بلغة الحياة والسياسة والعلم والشريعة، فمصير الشعوب قد أصبح رهناً بمصير لغتها القومية.

وفي الأخير ألقى رئيس المجلس العالميّ للغة العربية الشيخ الدكتور عبد الناصر جبري كلمة المجلس، وممَّا قاله: يسعدنا أن نلتقي في مؤتمرنا التاسع ذكرى رجل قد رحل، كان مع كبر سنه لا ينقطع عن مجالسنا، ويحثنا على متابعة المسير، هو واحد من مؤسسي المجلس العالميّ، نسأل الله أن يعيننا على تربية جيل يحمل هذه المعاني الكبيرة... مؤتمرنا ينعقد بمشاركة خمس عشرة دولة عربية وأوروبية، وسنناقش موضوعاً مهمًّا، تُعقد فيه ندوات علمية، ونحن في وقت نشعر فيه أكثر من أي وقت مضى بالخطر الذي يُهدِّد أمننا ووطننا.

وأضاف: لا يمكن أن نسمح بالذوبان في ثقافة وهويّة الآخر؛ لأن اللغة العربية هويّة الأمّة وحضارتها، ورمز تراثها وعنوان وجودها. كما أشار إلى أنّ هدف الصهيوأمريكي هو بث الفوضى ونشر الفساد في أمّتنا، فهم يريدون سحق الإنسان لأجل انتصار الثقافة المادية التي تعتمد على غطرسة القوة، وتحكم الثروة والوفرة في عمل الإنسان، وقد نجح أعداؤنا في أن يضعوا أمّتنا في موضع التبعية والتأثر، وتسريب جملة من الرؤى والمفاهيم التي تغزونا فكريًّا، وتجرّنا للفتنة والاقتتال الداخلي، الموقف دقيق ويحتاج إلى وقفة جادة لإعداد العدة لابتكار الخطط والوسائل لتأكيد هويتنا. ولن نسمح للغتنا بأن تذوب أو تضعف. وفي الأخير توجَّه بالشكر للجنة المنظمة للمؤتمر، ولكلّ من حضره وشارك في نجاحه.

أعمال اليوم الأول

الجلسة الأولى

رأس هذه الجلسة الدكتور رفيق عطوي (رئيس لجنة المؤتمر)، وقدَّم فيها في البداية الدكتور حسين يتيم (رئيس مؤسسات المعهد العربي في لبنان) ورقة بعنوان: «بحثاً عن الأمّة في اللغة الأمّ»، ومما جاء فيها: أنا أجيد لغة أمّتي وأحسن معها لغات أخرى ولكني أحاول البحث عن حال الأمّة في زمن التيه والضياع، وذلك لما يسَّر لي من معرفةٍ لمفاصل اللغة الأمّ... وأضاف: يقول علماء الاجتماع، بمن فيهم ابن خلدون، أنّ اللغة الأمّ هي في أصل الأمّة وفي عقلها وروحها ولسانها وكيانها، فالعربية هي ملح الجماعة في الجزيرة العربية والبلاد العربية...كما أكد أن المجلس العالميّ للغة العربيّة يؤدي رسالة الأمّة لأنه يقوم مقام الجامعة العربيّة النائمة، كما بيَّن الأخطار المحدقة باللغة الأمّ داعياً إلى مواجهتها وعلاجها.

ثم قدَّم الدكتور بشير فرج (رئيس قسم اللغة العربية في جامعة بيروت العربية) بحثاً بعنوان: «أسباب تعثر اللغة العربية» أشار فيه إلى أهم هذه الأسباب داعياً في الأخير إلى ضرورة إنشاء قنوات فضائية خاصّة بالأطفال والكبار لتعريفهم بلغتنا العربيّة، فهم أمل الأمّة وقادة المستقبل، ويجب غرس حب اللغة العربيّة في أنفسهم.

أما الدكتور علي عون (من جامعة طرابلس في ليبيا) فقد قدَّم ورقة بعنوان: « كتاب في رحاب اللغة العربية للدكتور عبد الرحمن عطبة مثال للنهوض باللغة العربية».

حيث خصَّص هذه الورقة للحديث عن حياة المرحوم الدكتور عبد الرحمن عطبة من ولادته وإلى الوفاة، كما تحدَّث عن الجهود التي بذلها الدكتور عطبة في خدمة اللغة العربيّة، مقدماً شرحاً مفصلاً لكتابه عن اللغة العربية ومواضيعه والآراء التي تضمنها.

الجلسة الثانية

ترأسها الأستاذ محمد بركات (رئيس الشّرف في المجلس الوطني للخدمة الاجتماعية - لبنان)، وتحدّث فيها في البداية الدكتور عبد الغني زهرة (من مصر) عن: «دور جامعة الأزهر فى النهوض باللغة العربيّة والحفاظ عليها»، حيث استعرض تاريخ الأزهر منذ نشأته قبل أكثر من ألف عام وكيف اهتم باللغة العربيّة، بفروعها وألوانها كافة، وتخصيصه لكلّيات مستقلة في اللغة العربيّة بعد تطور التعليم في جامعة الأزهر. وكان من نتائج هذا الاهتمام الحفاظ على التدريس بها في أغلب الفروع العلمية وجهوده في التعريب، كي تواكب اللغة العربية التطورات، وهذا ما يجعل من الأزهر المؤسسة العلمية والدينية الأهم والأولى في العالم الإسلام حفاظاً على اللغة العربيّة.

تحدَّث بعده الدكتور عبد الكريم الأرناؤوط (رئيس جمعية صوت الأرناؤوط العالميّ للثقافة)، الذي شكر باسم صوت الأرناؤوط المجلس العالميّ للغة العربيّة لسماحهم بالتحدث عن الحضارة الألبانية... كما أوضح أنه كان للألبان ثقافة خاصة، ولكن لم تكن لهم أبجدية خاصة ومع دخول الأتراك انتشرت اللغة التركية كلغة إدارة، واللغة العربية والفارسية لغتين للكتب والمعرفة الإسلامية والأدب، لكن وبعد سيطرة الشيوعية حاولوا طمس الهويّة العربيّة لبلاد الآرناؤوط (ألبانيا والبلقان)، وفي الأخير أكَّد الباحث الأرناؤوط أن الألبان اليوم متمسكون باللغة العربيّة ويعملون على نشرها لأنها لغة دينهم وتمثل حضارتهم.

الدكتور أرمال باجا من ألبانيا تحدث بدوره عن: «كتابة اللغة الألبانية بالأبجدية العربيّة».

أما الدكتور محمد يوسف إبراهيم القريشي والدكتورة أمل مهدي من العراق فقد قدَّما بحثاً مشتركاً بعنوان: «اللغة العربيّة السليمة وأثرها في الارتقاء بالأداء الجامعي»، ومما جاء في هذه الورقة: هناك أصوات ترتفع للتخلي عن اللغة الفصحى وإعلاء اللهجات العامّية، كما أن التقليل من شأن اللغة العربيّة وامتهانها هو من أهم أسباب ضعفها، وكذلك الجهل بقواعد النحو والصرف، والكثير يردد أن اللغات العالميّة مهمة وحتى لو كانت على حساب اللغة العربيّة، وهذا لغط كبير. كما أكدت الورقة على: أنه من الضروري جدًّا أن تستعمل اللغة العربيّة بشكل سليم في الخطب والمراسلات وفي الجامعات وفي المنظمات الدولية، وأن تنال الاهتمام المطلوب في اليونسكو.

ومن الأوراق التي كانت مقرّرة في هذه الجلسة ورقة الدكتور محمد خليفة الأسود (من ليبيا) بعنوان: «نحو منهج موحد في تعليم اللغة العربيّة لغير الناطقين بها». لكنها لم تُقرأ لغياب الباحث.

الجلسة الثالثة

ترأسها الدكتور جوزيف إلياس (أمين سرّ المجلس العالميّ للغة العربيّة)، وتحدث فيها الدكتور محمد عبد السلام العجمي (من مصر) عن «دور المدرسة الابتدائية في النهوض باللغة العربيّة»، حيث أشار في البداية إلى التحديات التي تواجه اللغة العربية والمحاولات التي تحاول النيل من قدراتها ومقوماتها وتهدف الى تهوينها وإضعاف قيمتها في نفوس أبناء الأمة. ثم تحدث عن أهمية المرحلة الابتدائية في تعلم اللغة والتنشئة على أساليبها والتفكير بها، مؤكِّداً أن الاهتمام باللغة في هذه المرحلة يؤدي إلى الارتقاء بها، ما يساعد الأمة كذلك على النهوض لاحتلال المكانة الحضارية اللائقة بها.

أما الدكتورة مريم حمزة من الجامعة اللبنانية فقد تحدثت عن: «العربيّة ومناهج التعليم الجامعي»، حيث أشارت إلى ما تعانيه الجامعة اللبنانية كغيرها من الجامعات في لبنان وسائر الجامعات في العالم العربي، من تدني مستوى طلبتهم في اللغة العربية، معللة ذلك بتكاسل الطلبة واستخفافهم باللغة العربية وانصرافهم إلى غيرها من اللغات الأجنبية، لكن السبب في هذا الضعف لا ينحصر في هذا الواقع، وإنما يعود إلى مستويات التعليم الأولى، بل إلى البيت، لذلك طالبت الباحثة بضرورة تشخيص الأسباب كي نتمكن من وضع العلاج المناسب لهذه التحديات التي تواجه اللغة العربية في العصر الراهن...

تحدثت في هذه الجلسة كذلك الدكتورة فوزية ديراني (من جامعة العلوم الإسلامية العالميّة في الأردن) عن «الأداء اللغويّ في المواقع الإلكترونيّة العربيّة بين الواقع والمأمول»، فأشارت إلى تراجع الكتابة في معظم المواقع الإلكترونية العربية الرسمية، الأمر الذي يُشكِّل خطراً على حرمة اللغة العربيّة، ثمّ أوضحت أن وسائل الإعلام الحديثة، ومنها الصحافة، تحظى بمتابعة يومية، ما يجعلها من أبرز الوسائل التي تؤثر في الوعي والثقافة؛ لذلك يجب الاستفادة منها في خدمة اللغة وانتشارها وترسيخها في الوعي والممارسة، كما حذرت من التأثيرات السلبية للعولمة التي تعمل على إضعاف اللغة العربيّة بشكل قصدي، وهناك اتجاه للكتابة بالأحرف اللاتينية في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الأخير قالت الباحثة: إن علينا الاعتراف بضعف الناطقين باللغة العربيّة بشكل عامّ، بل هناك دعوات لنشر العامية عوضاً عن الفصحى، وهذه تحديات يجب أن يواجهها المهتمون باللغة العربية ويجدون لها الحلول الناجعة.

أعمال اليوم الثاني

الجلسة الأولى

ترأسها الدكتور مصطفى الجوزو (الأستاذ السابق في الجامعة اللبنانية)، وتحدَّثت فيها في البداية الدكتورة ليلى خلف السبعان (رئيسة تحرير مجلة العربي من الكويت) عن «اللغة العربيّة والإعلام في المؤسسات الثقافية».

في البداية أشارت الدكتور السبعان إلى أنّ معظم وسائل الإعلام العربيّة لا تلتزم بقواعد اللغة العربيّة الفصحى، وهناك مشكلة كبيرة في نقل المعلومات والمفاهيم حتى البسيطة منها، أما عندما ننتقل –كما تقول الباحثة– إلى مجال التصورات الثقافية الأوسع بخصوص الأصالة والنهضة والتنوير والتجديد والحرية تصبح المشكلة أعمق، وذلك لأن هذه المصطلحات يكون لها دلالات محدَّدة قد علقت بها وتراكمت عليها بفعل تواتر الاستخدام اللغوي عبر مرور الزمن. وفي الأخير طالبت الباحثة بضرورة أن تحرص المؤسسات الثقافية في توظيفها للغة على أن تجمع بين أصالة الماضي وحداثة الحاضر وتنفتح على طرافة المستقبل.

ثم تحدَّث الدكتور جوزيف إلياس (الأستاذ السابق في الجامعة اللبنانية) عن: «لغة الإعلام المرئي والمسموع»، فأشار إلى تنامي السقطات والأخطاء اللغوية الفاحشة التي تنتشر في وسائل الإعلام وبخاصة المرئي والمسموع. وهذا ما يضع اللغة العربية أمام تحديات كبيرة؛ لذلك طالب الباحث بدعمها وخصوصاً الفصحى كي تصمد أمام إغراءات الحداثة المعاصرة، كما رأى أنّ العربيّة الفصحى ليست صعبة ولا معقدة، وهي لغة معربة، والإعراب سر جمالها. وضرب بعض الأمثلة عن أخطاء المذيعين في التذكير والتأنيث والإضافة، وأوضح أن سبب الضعف هو عدم الرجوع إلى مصادر اللغة العربيّة.

تحدث بعده الدكتور محمد ضيف الله الشماري (من جامعة صنعاء في اليمن) بدوره عن: «واقع اللغة العربيّة في الإعلام المرئي اليمني: القنوات الفضائية اليمنية»، فأشار إلى بعض المميزات التي تميز الإعلام اليمني المرئي، وضرب الأمثلة التي تبين أصالة اللغة وأهميتها في اليمن.. ثم أكد في الأخير على أن التحرر الإعلامي لا يناقض الالتزام بأصالة اللغة العربيّة شرط أن يكون الهدف أن تبقى اللغة العربيّة لغة الإعلام الأولى.

الجلسة الثانية

ترأستها الدكتورة ليلى خلف السبعان، وتحدث فيها الدكتور محمد عادل عبد العزيز (الأستاذ في جامعة الأزهر - مصر) عن «استخراج المعاني الحقيقية لألفاظ القرآن من القرآن الكريم ذاته»، فأوضح أن القرآن الكريم يشرح ألفاظه بنفسه، وضرب أمثلة على ذلك. واعتبر أنه لا ترادف في ألفاظ القرآن الكريم وكلّ لفظ يشرح بكلمة أو بجملة أو أكثر. ثم أشار في الأخير إلى أهمية القرآن الكريم، فهو أساس اللغة العربيّة وحاميها، والاهتمام به هو اهتمامٌ بلغتنا وتراثنا..

بدوره تحدَّث الدكتور مصطفى الجوزو (الأستاذ السابق في الجامعة اللبنانية – لبنان) عن «النهوض باللغة العربيّة رهين القرار السياسيّ»، حيث أكد أنّ التطوير اللغويّ العربيّ بدأ منذ أن أعلنت الآيات الكريمة ذلك القرار السياسيّ الأيديولوجيّ، وهو أنّ القرآن نزل بلسان عربي مبين. وكان تدوينُ المصاحف وبعضِ الحديث، في ظلّ الأميّة العربيّة، ثورة حضاريّة حقيقيّة، وصارت العربيّة لغة مقدّسة، وصار لها علم، وكان المصحف أوّل كتاب عربي مجلّد، كما أن نشر نسخه اعتبر أوّل حركة نشر للكتب العربيّة، ثم نشأت حركة التدوين والتأليف، واستعرب الأعاجم، وأنتجوا فكراً لغويًّا غير مسبوق، أفسده عصر الانحطاط من بعد. أما النهوض باللغة اليوم فيتطلب قراراً سياسيًّا أيديولوجيًّا مشابهاً، للخروج من عصر الانحطاط، والإفادة من وسائل البحث والإحصاء الحديثة والمكتبات والفهارس العلميّة، وذلك على يد علماء مبدعين يعرفون القديم والحديث. وشرط ذلك، عنده، حصول تغيير سياسيّ، واستقلال فكريّ وحريّة، لأنّ هذا يسهّل تنظيم المجامع اللغوية ومراكز البحث، وينتج لغة صحيحة وقواعد سلسلة مفهومة، تأتي عفو التجربة...

أما الدكتور يحيى المهدي (الأستاذ في جامعات اليمن) فقد قدَّم بحثاً بعنوان: «تعريب لغة التعليم الجامعي بين معطيات الواقع ومستلزمات الضرورة»، أشار فيه في البداية إلى أهمية تعريب لغة التعليم الجامعي، ورأى أنه في العصر الذهبي استطاعت اللغة العربيّة استيعاب كلّ اللغات والثقافات، وأبدى استياءه من حال الحكومات العربيّة قائلاً: لا يوجد قرار سياسي حازم يدعم اللغة العربيّة، ولا يوجد اهتمام بتراثنا العربي، وهذا ما انعكس خللاً واضحاً في المناهج الدراسية... وفي الأخير دعا إلى التنبه لضرورة التعليم بالعربي للحفاظ على قومية الأمّة وتراثها، وأهمية تأليف المعاجم في جميع مجالات اللغة العربيّة.

الدكتور رياض عثمان (الأستاذ في الجامعة اللبنانية وجامعة الجنان في لبنان) تحدَّث عن «الأمن اللغوي: مسؤولية الأفراد أم السلطات؟»، فأكد أنّ الأمن اللغوي مصطلح ينطلق من مخاوف عالمية، وهناك ما يقارب نصف لغات العالم مهدد أمنها. لذلك حذَّر الباحث من دعوة بعض الشبكات الاجتماعية لنشر اللغة البيضاء والتي تهدف لدمج اللهجات بالفصحى، وهذا يضر باللغة ويضيّعها.

الجلسة الثالثة

ترأستها الدكتورة مها خير بك (الأستاذة في الجامعة اللبنانية)، وتحدث فيها في البداية الدكتور يعقوب جيولك (عميد كلّية اللغة العربيّة في جامعة أنقرة في تركيا) عن «مستقبل اللغة العربيّة في تركيا الجديدة ومناهج التعليم في العهد الجديد»، حيث استعرض تاريخ تركيا بشكل مختصر وحالها مع اللغة العربيّة، مبيناً نقاط التواصل بين العرب والأتراك، وذلك بسبب انتشار الإسلام؛ حيث إنّ اللغة العربيّة هي لغة القراّن. ومما قاله: تركيا تهتم باللغة العربيّة لأنها الوسيلة للتواصل بين الأتراك والعرب. كما أشاد بدور الدولة التركية التي تشجّع اللغة العربيّة، وتقدّم منحاً وجوائز للمبدعين في اللغة العربيّة.

ثم تحدّث الدكتور عماد غنوم (الأستاذ في الجامعة اللبنانية) عن «اللغة العربيّة ذات اتجاهات ثقافية»، فأشار في البداية إلى أن اللغة العربيّة تتراجع في حياتنا أمام اللغات الأخرى، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك منها أن واجهات محالّنا بأسماء أجنبية، وعلامات طلابنا متدنية في اللغة العربيّة. وفي الأخير شدَّد الباحث على خطر تدريس اللغات الأخرى في مراحل رياض الأطفال، وعرج على النحو العربي وما يُشاع عن تعقيده، نافياً ذلك، مشيراً إلى أن النحو درسه الأقدمون وأبدعوا فيه رغم بساطة الأدوات المتاحة بين أيديهم.

الدكتور فهد سالم الراشد من الكويت (مدير الثقافة في المنظمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) من الكويت) قدَّم ورقة بعنوان: «أزمة اللغة العربيّة بين الحقيقة والوهم»، أكَّد فيها في البداية حقيقة أن اللغة العربيّة هي حاضنة اللغات، حيث تعاملت مع اللهجات العامية واللهجات الدارجة، واستطاعت احتواء بعض كلمات اللغات الأجنبية وضرب بعض الأمثلة. كما أشار إلى وجوب فتح المجال للطلبة للتعبير عن آرائهم وطرح مشاكلهم مع اللغة العربية.

وأخيراً تحدَّث الدكتور أحمد مبلغي (رئيس جامعة المذاهب في طهران) عن «اللغة العربيّة بين التعثُّر والنهوض عند غير الناطقين بها»، فأكَّد أنّ اللغة العربيّة تتميَّز بكثير من الميزات، فهي لغة تأثير وتأثُّر، ولغة أصالة وتفاعل. كما شدَّد على أهمية اتِّباع المنهج الأكاديمي في التعامل مع اللغة، داعياً إلى وجوب عصرنة اللغة العربيّة مع المحافظة على تراثنا السامي، والاهتمام بأن تدخل اللغة في العلوم كافة كي تستوعب المجالات المعرفية كافة.

الجلسة الختامية

في هذه الجلسة ومع اختتام أعمال المؤتمر اتَّفق المشاركون على مجموعة من التوصيات، جاءت على الشكل التالي:

-       الدعوة إلى وضع تشريعات صارمة لحماية اللغة العربيّة.

-       الدعوة إلى وضع برامج وعقد دورات لرفع الكفاءة اللغوية لجميع العاملين باللغة العربيّة.

-       دعوة المجمعات والمراكز التي تُعنى باللغة العربية إلى توليد مصطلحات عربية حديثة تساعد على فهم الاقتصاد العالميّ.

-       المحافظة على اللغة العربيّة عند استخدام اللغات الأجنبية.

-       وضع برنامج سنوي لندوات شهرية موضوعها خدمة اللغة العربيّة.

-       تسليط الضوء على مصطلح الأمن اللغوي والتحذير من استخدام الإعلان بالعاميّة في الشوارع.

-       الدعوة إلى توحيد جهود المجامع اللغوية العربيّة.

-       وضع جوائز للأجانب الذين يهتمون باللغة العربيّة.

-       تبنّي اتحاد الجامعات العربيّة ميثاق شرف لجعل اللغة هي لغة المخاطبات والبحث.

-       أن تقوم أقسام اللغة العربيّة في الجامعات بإصدار نشرات دورية تتضمن الألفاظ الدخيلة على العربيّة وتوزيع هذه النشرات على الأقسام العلمية.

-       التشديد على تعزيز اللغة العربيّة في كليات ومعاهد الإعلام العربيّة.

-       تنشيط حركة الترجمة من العربيّة إلى اللغات الأجنبية.

-       دعم الاعتماد على المؤسسات الرسمية العربيّة في تنفيذ التوصيات وسواها..