إشكالية العلاقة بين الحضارات..
صدام أم حوار أم تعارف؟
سعاد نزاري*
* باحثة وطالبة دكتوراه في قسم علم الاجتماع، جامعة 8 ماي، الجزائر - البريد الإلكتروني:
snezzari@ymail.com
ﷺ مقدمة
عرفت التجمعات البشرية منذ نشأتها العديد من التقلبات التاريخية في علاقتها ببعضها البعض، إذ يؤكد المؤرخون أن هناك من الحضارات ما أثبت حصول اتصالات إيجابية وتبادلًا للمنافع في جو من السلم، عرفت من خلالها استقرار في أزمنة متقاربة أو متباعدة.
وقد ميز أحيانًا هذه الاتصالات فترات صراع وتصادم، وقد أدى بهذه الثنائية «السلم، الصراع» في الواقع التاريخي والحالي إلى طرح نظريات مختلفة ومتصادمة أحيانًا حول العلاقات بين الحضارات، وخاصة في المرحلة الراهنة، إذ يشهد العالمان الغربي والعربي تحولات في البنى الثقافية والفكرية.
وما يزيد هذا الأمر أهمية هي الثورة التكنولوجية التي حولت العالم إلى قرية كونية صغيرة، اختزلت فيها الحدود الجغرافية والسياسية وهكذا الزمن، وتتعرض فيها الهويات الثقافية والحضارية لتحديات كبرى تهدد وجودها.
في ظل هذه المتغيرات الجديدة برزت أطروحات مختلفة حاولت رسم صورة العلاقة بين الحضارات، خاصة بعد أن حسم الصراع الأيديولوجي بين الشيوعية والليبرالية لصالح هذه الأخيرة، وأشهر هذه الأطروحات في هذا المجال أطروحة (صراع الحضارات)، أو (صدام الحضارات)، وأطروحة (حوار الحضارات).
وفي هذا الإطار قدم المفكر والباحث السعودي المعاصر زكي الميلاد مساهمة فكرية يوضح فيها طبيعة العلاقة بين الحضارات، عرفت بنظرية (تعارف الحضارات)، إذ حاول من خلالها بناء تصور مستقبلي يسمح بتجاوز إشكالية الصدام الحضاري مع الآخر، وبات يعد أحد أكثر الكتّاب مساهمة في العالم العربي بنشر كتابات ومقالات ودراسات جادة حول فكرة الحضارة، تخطى بها مفهومي حوار الحضارات وصدام الحضارات.
إن من أبرز المبررات التي دعت إلى هذا التنظير، ما يمثله هذا التعارف والتعاون والتحاور بين الحضارات من كونه مبدأ استراتيجيًّا في الإسلام، وكذلك الحاجة إلى صياغة بديل إسلامي عن نظريات الصراع والصدام بين الحضارات، التي طبعت الخطاب السياسي والفكري والفلسفي والإعلامي العالمي.
من هنا انطلقت فكرة هذه الورقة التي ترمي إلى محاولة كشف طبيعة العلاقة القائمة اليوم بين الحضارات؛ هل هي قائمة فعلًا على التضاد والتعارض والصراع؟ أم أن هناك مساحات كافية، وفرصاً وافرة للحوار وبناء جسور التعارف والقبول المتبادل؟
وعليه، تسعى هذه الورقة إلى معالجة هذا الموضوع من خلال الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المركزية:
* ما هي طبيعة العلاقة بين الحضارات كما تصفها الإسهامات الفكرية الغربية والعربية؟
* ما هو مضمون فكرة الصراع الحضاري وما هي عوامله؟ وإلى أي حد ساهمت أطروحة الحوار الحضاري في الرد على فكرة الصراع أو الصدام الحضاري؟ وهل أصبح الحوار ضرورة تفرضها المتغيرات العالمية الراهنة لتحقيق التعايش السلمي بين المجتمعات؟
* هل توجد لدى دعاة الحوار رؤية واضحة حول ماهية الحوار ومضمونه؟ وهل هو حوار حضارات ؟ أم حوار ثقافات؟ أم حوار أديان؟
* هل يمكن اعتبار نظرية تعارف الحضارات -حسب طرح المفكر زكي الميلاد- البديل الأمثل في توصيف طبيعة العلاقة بين الحضارات؟
* هل يمكن لمكتسبات الحضارة الإسلامية وتراثها القيمي أن يتفاعل مع الحضارة الغربية رغم اختلاف مقوماتها الثقافية، السياسية، الاقتصادية، والدينية؟ وما هي الأسس التي ينبغي توفرها لتحقيق مثل ذلك التفاعل الإيجابي؟
ﷺ أولًا: الحضارات بين الصدام والحوار
كانت الحضارات متباعدة جغرافيًّا حتى عام 1500م، فحضارات الأنديز في أمريكا الوسطى لم تكن تمتلك علاقات مع حضارات أخرى، أو فيما بينها، وكذلك الحضارات المبكرة في وادي النيل ودجلة والفرات، وأحواض أنهار الصين، والهند هي الأخرى لم تتفاعل كذلك بسبب بعد المسافات الفاصلة بين الحضارات، وفي ظل وسائل المواصلات البسيطة، ومع مرور الزمن انتقلت الأفكار والتقنية من حضارة إلى حضارة، لكن ذلك كان يستغرق وقتًا طويلًا.
إن أكثر الصلات أهمية وخطورة بين الحضارات القديمة، كان عندما يقوم شعب من حضارة ما، بغزو وإذلال وإخضاع شعب من حضارة أخرى، فهذه الخطوة كانت عنيفة وقصيرة، وحدثت بشكل متقطع مع مطلع القرن السابع ق.م، مع ذلك بدأت الصلات الحضارية القوية بين الحضارات فيما بعد، واستمرت باقية لفترات، كما حصل بين الإسلام والغرب، والإسلام والهند.
بدأ العالم الغربي المسيحي في الظهور كحضارة متميزة في القرنين الثامن والتاسع، وإن المواجهات المتقطعة أو المحدودة والمتعددة الاتجاهات بين الحضارات مهّدت الطريق لتأثير غربي مستمر ومتفوق في القوة على الحضارات الأخرى.
إن الأسباب التي أدّت إلى هذا التطور المنفرد والخطير تكمن في طبيعة التركيبة الاجتماعية والعلاقات الطبقية في الغرب، مع ظهور المدن، وتوسع التجارة، والتوزيع النسبي للسلطة داخل المجتمعات الغربية بين الطبقات الاجتماعية والملوك، وبين السلطات الدينية والدنيوية، ونمو الشعور القومي بين الشعوب الأوروبية، وتطور بيروقراطيات الدولة هناك.
والمصدر الأساسي لهذا التوسع حصل مع اكتشاف وسائل النقل البحري العابرة للمحيط، الذي ساعد على الوصول إلى شعوب بعيدة، ومع تطور القدرات العسكرية لإخضاع تلك الشعوب، وبين الكتّاب من يرى «أن تغلب الغرب على العالم ليس من خلال تفوقه في الأفكار أو القيم أو الديانة التي تحولت إليها أعداد قليلة من حضارات أخرى، لكن بسبب تفوقه في تطبيق العنف المنظم، والغربيون غالبًا ما ينسون هذه الحقيقة، أما غير الغربيين فلا».
مع سنة 1900م كان العالم موحدًا سياسيًّا واقتصاديًّا أكثر من أي وقت مضى، فقد كانت التجارة الدولية جزء من الإنتاج العالمي الإجمالي أعلى مما كانت عليه في الماضي، والحضارة في هذه الفترة كانت تعني الحضارة الغربية، والقانون الدولي كان قانونًا دوليًّا غربيًّا ناجمًا عن تقاليد «جروشيوس».
ولمدة 150 سنة، كانت السياسة الحضارية للغرب تسيطر عليها الانقسامات الدينية الضخمة والحروب الدينية، ولمدة قرن ونصف كان الصراع في العالم العربي يدور أساسًا بين أمراء أباطرة، وملوك مستبدين، وملوك مقيدين دستوريًّا، محاولين أن يُوسِّعوا إدارتهم وجيوشهم وقوتهم الاقتصادية والتجارية، والأكثر أهمية الإقليم الذي يحكمونه، وفي خلال تأسيس الدولة القومية، ومع بداية الثورة الفرنسية فإن الخطوط الرئيسية للحرب كانت بين شعوب وليس بين أمراء.
وفي سنة 1917م ونتيجة للثورة الروسية، كان الصراع بين الدول القومية قد حل محل صراع الأيديولوجيات، بين الفاشية والشيوعية والديمقراطية الليبرالية، هاتان الأيديولوجيتان كانتا قد تجسدتا في قوتين عظيمتين.
وفي القرن العشرين تحولت العلاقات بين الحضارات من شكل يهيمن عليه تأثير أحادي الاتجاه، حضارة واحدة على كل الحضارات الأخرى، إلى شكل من التفاعلات الحادة المستمرة والمتعددة الأقطاب بين كل الحضارات، كلتا الخاصيتين الرئيسيتين للعلاقات الحضاراتية للمرحلة السابقة بدأتا في الاختفاء.
يناقش بعض الباحثين المعاصرين أن هذا العصر يشهد انبثاق ما يطلق عليه بظهور «حضارة عالمية» أو «حضارة كونية» فماذا يعني هذا الاصطلاح؟ فهو يعني عمومًا الالتقاء الثقافي للبشرية، وحالة القبول المتزايد للقيم والعقائد والاتجاهات والممارسات، وتقبل المؤسسات المشتركة للشعوب في جميع العالم.
وقد يشير مفهوم «الحضارة الكونية» إلى أن البشر في كل المجتمعات أخذت تتقاسم قيمًا معينة، وقد يستعمل ليشير إلى ما تشترك فيه المجتمعات المتحضرة، مثل المدن والتعليم والرفاه الذي يميزهم عن المجتمعات الأخرى الموصوفة بالبدائية والبربرية.
وربما يشير أيضًا إلى القيم والمذاهب التي تتمسك بها حاليًّا العديد من الشعوب في الحضارة الغربية، وبعض الشعوب من الحضارات الأخرى[1].
في سنة 1996م أصدر صاموئيل هنتنغتون كتابه «صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي» مناقشًا فيه العديد من القضايا والأفكار المثيرة للجدل، من هذه القضايا والأفكار فكرة الحضارات وإشكاليتها، وفكرة حضارة إنسانية أو كونية، العلاقة بين القوة والثقافة، توازن القوة المتغيرة بين الحضارات، التركيب السياسي للحضارات، الصراعات التي ولدتها الحضارة العالمية الغربية، وإن الأطروحة الأساسية لهذا الكتاب، هي أن الثقافة أو الهوية الثقافية وفي أوسع معانيها الهوية الحضارية هي سبب صدام الحضارات[2].
1– الأطروحات الفكرية حول صدام الحضارات
أ- فرانسيس فوكوياما ونهاية التاريخ:
من الناحية التاريخية تعتبر مقولة: «نهاية التاريخ» لصاحبها فرانسيس فوكوياما أسبق من مقولة صدام الحضارات لهنتنغتون، لقد أرجع فوكوياما الأصول البعيدة لأطروحة نهاية التاريخ إلى مقالة له بعنوان: هل هي نهاية التاريخ؟ حيث ذهب في تلك المقالة إلى أن إجماعًا ملحوظًا قد ظهر في السنوات القليلة الماضية في جميع أنحاء العالم، حول شرعية الديمقراطية الليبرالية كنظام للحكم، وذلك بعد أن ألحقت الهزيمة بالأيديولوجيات المنافسة مثل الملكية الوراثية والفاشية، والشيوعية في الفترة الأخيرة، غير أنه أضاف إلى ذلك، اعتبار أن الديمقراطية الليبرالية قد تشكل نقطة النهاية في التطور الأيديولوجي للإنسانية، وتقدم الصورة النهائية لنظام الحكم البشري، ومن ثم فهي تمثل نهاية التاريخ لأنه من غير المستطاع أن نجد ما هو أفضل من الديمقراطية الليبرالية مثلًا أعلى.
إلَّا أن هذه المقالة تلقت صورًا متنوعة من النقد، وبرّر فوكوياما ذلك إلى أن الأمر اختلط على الكثيرين للوهلة الأولى بسبب استخدامه لكلمة التاريخ، فهم إذ يفهمون التاريخ بمعناه التقليدي باعتباره سلسلة من الأحداث، وهذا الفهم فيه إثبات خطئه على نحو قاطع، بل يقصد بالتاريخ من حيث هو عملية مفردة متلاحمة وتطورية متى أخذنا بعين الاعتبار تجارب كافة الشعوب في جميع العصور.
وقد ارتبط هذا الفهم للتاريخ بكل من هيجل وكارل ماركس، فقد كان في اعتقاد كل من هيجل وماركس، إن تطور المجتمعات البشرية ليس إلى ما نهاية، بل إنه سيتوقف حين تصل البشرية إلى شكل من أشكال المجتمع يشبع احتياجاتها الأساسية.
وهكذا افترض الاثنان أن للتاريخ نهاية هي عند هيجل الدولة الليبرالية، وعند ماركس المجتمع الشيوعي، وليس معنى هذا أن تنتهي دورة الحياة الطبيعية من الولادة والحياة والموت، وأن الأحداث المهمة سوف يتوقف حدوثها، وإنما يعني هذا أنه لن يكون ثمة مجال لمزيد من التقدم في تطور المبادئ والأنظمة الأساسية، لأن كافة المسائل الكبيرة قد حلت حسب هذه النظرية.
لهذا فإن كتاب «نهاية التاريخ وخاتم البشر» لفوكوياما جاء ليتحدث عن تاريخ للبشرية يكون واضح المعالم والأهداف، ويتجه بالشطر الأعظم من البشرية صوب الديمقراطية الليبرالية، وذلك لسببين مستقلين: الأول يتصل بالاقتصاد، والثاني يتصل بما يسمى الصراع من أجل نيل التقدير والاحترام.
ومن هنا يمكن اعتبار مساهمة فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ، أنها جاءت أكثر كشفًا للأهداف التي يفضي إليها منهج الوحدة والاستمرارية، ذلك أن فوكوياما استثمر جملة من التغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية التي وقعت في العهد الأخير من القرن العشرين، ليدلي بوجهة نظره القائلة بأن الإنسان الغربي قد حقق غاية الحياة، وانتزع اعتراف الآخرين، وبذلك قد انتهى التاريخ وحقق غايته، في الليبرالية أو الديمقراطية الرأسمالية الحرة[3].
وفي الجانب الآخر، يرى منتقدو فرانسيس فوكوياما أن مقولة نهاية التاريخ كانت متسرعة في أحكامها وتحليلها، وهذا التسرع أفقدها العمق والنضج، فليس بهذه السهولة يختزل التاريخ، ويعلن عن نهايته في جانب الأفكار والفلسفات بالذات.
وتشترك هذه المقولة مع مقولة صدام الحضارات، في أنها جاءت تفسيرًا لتحولات السياسات العالمية، واستشرافًا لعالم ما بعد الحرب الباردة، وكانت هي الأسبق في هذا التحليل، واكتسبت في حينها شهرة واسعة من المجادلات والمطارحات، إلى أن تراجعت وتركت مكانها لمقولة صدام الحضارات، المقولة التي جاءت على خلاف المقولة الأولى، وعدت نقدًا لها في أحد جوانبها المفصلية[4].
ب- برنارد لويس وصدام الغرب مع الإسلام
ينظر برنارد لويس للإسلام على أنه واحد من أعظم ديانات العالم، الذي منح الراحة والطمأنينة لملايين لا تحصى من الرجال والنساء، ولكن على شاكلة غيره، عرف الإسلام فترات نفخ فيها روح الكراهية والعنف في أتباعه.
ومن سوء حظنا -حسب قول لويس- أن هذه الكراهية والعنف عند الغالبية وليس الكل، موجهة ضدنا في الغرب، كما أكد أن القرآن بالطبع توحيدي بشكل راسخ، ويؤمن بإله واحد، وهناك صراع في قلوب البشر بين الخير والشر، أي بين أوامر الله والإغراءات، لكن صراع الخير والشر في الإسلام اكتسب بسرعة أبعادًا سياسية وعسكرية.
ويرى برنارد لويس أن الشيء السيئ فعلًا وغير المقبول هو هيمنة الكفرة على المؤمنين الحقيقيين، فمن المناسب والطبيعي أن يحكموا هم الكفرة، لأن ذلك إفساد للدين والأخلاق في المجتمع، واستهتار بالشريعة الإسلامية وتعطيلها، وهذا يساعدنا على تفهم الاضطرابات الراهنة في بقاع متعددة حيث يخضع المسلمون لحكومات غير مسلمة.
وحين يتمم لويس رأيه يقول: في بداية الأمر كانت استجابة المسلمين للحضارة الغربية نوعًا من الإعجاب والمحاكاة، أما في الوقت الراهن تحولت إلى نوع من الرفض والعدائية، نتجت عن الشعور بالإذلال والإدراك المتنامي بين وراثي حضارة عريقة وفخورة طالما كانت مهيمنة، وبأنهم سحقوا من قبل أولئك الذين طالما اعتبروهم مرؤوسيهم، وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي القبلة التي توجه ضدها تلك الكراهية والعداء، باعتبارها الوريث الشرعي للحضارة الغربية، والقائد الأوحد والمميز للغرب.
يقر برنارد لويس أنه يجب أن يكون واضحًا أن نواجه تيارًا وحركة تتجاوزان بكثير مستوى القضايا والسياسات والحكومات التي تلاحقهما ليس بشيء أقل من صراع الحضارات، إنه رد فعل غير عقلاني لكنه تاريخي لمنافس قديم موجه ضد ميراثنا اليهودي المسيحي، وضد حاضرنا الراهن، وضد امتدادهما العالمي.
ويضيف لويس: من جانبنا ينبغي علينا أن نتخذ كل الاحتياطات، لنتجنب خطر عهد جديد من الحروب الدينية مترفعين عن إثارة الخلافات أو الأحقاد القديمة[5].
ج- مهدي المنجرة وحرب الحضارات
قبل صدور مقال صامويل هنتنغتون حول صدام الحضارات بسنتين، أطلق مهدي المنجرة مفهوم صراع الحضارات في حوار أجرته معه مجلة المرآة الألمانية (دير شبيجل) في 11 يناير 1991م، واعتبر أن حرب الخليج الأولى كانت بمثابة الحرب الحضارية الأولى، وفي السنة ذاتها أصدر كتابًا بالعنوان نفسه نشر باللغات الإنجليزية واليابانية والفرنسية.
مقاربة المنجرة للصراع، تتأسس عنده على تقسيم ثلاثي للمراحل التي تركت بصماتها على مدى تاريخ العالم خلال القرون الأخيرة، وهي على النحو التالي:
المرحلة الاستعمارية التي حددتها الرهانات الاقتصادية، ومرحلة الاستعمار الجديد المتأثرة بالرهانات السياسية، وأخيرًا مرحلة ما بعد الاستعمار الجديد وتبدأ بعد نهاية الحرب الباردة، والتي عرفت صراعًا ثقافيًّا نتج عن صراع المصالح بين دول الشمال والجنوب، وبداية هذا الصراع الجديد بدأ مع حرب الخليج الأولى التي كشفت عن التعارض الثقافي بين الشرق والغرب.
وقد رسم المنجرة لعالم اليوم، ثلاث تخوفات أساسية زعجت الغرب، وهي: الخوف من النمو الديموغرافي لأن الغرب لا يمثل إلَّا 20% من سكان العالم، التخوف الثاني يتجسد في الإسلام لأن عدد المسلمين في تكاثر وهذا ما جعلهم يصلون إلى قرابة 40% من سكان العالم، وأخير الخوف من تطور آسيا وخاصة اليابان.
والملاحظ أن أدلة المنجرة في التحليل، تستند إلى ما هو ثقافي بالدرجة الأولى، فهو يعتبر أن الغرب يجهل تاريخ وقيم الشرق بسبب نزعته المركزية[6].
د- صاموئيل هنتنغتون وصدام الحضارات
يتمثل الافتراض الرئيسي في خطاب صدام الحضارات عند هنتنغتون هو أن «الثقافة أو الهوية الثقافية، وفي أوسع معانيها الهوية الحضارية، هي التي تشكل نماذج التماسك والصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة».
ويضيف هنتنغتون في عالم ما بعد الحرب الباردة، فإن أكثر الاختلافات أهمية بين الشعوب ليست أيديولوجية ولا سياسية أو اقتصادية، إنما ثقافية أو تراثية.
وأن مجموعة الدول الأكثر أهمية، لم تعد مكونة من ثلاث معسكرات كما في الحرب الباردة، لكن من سبع أو ثمان حضارات رئيسية، إن الصراع بين القوى العظمى قد حل محله صدام الحضارات.
ويؤكد هنتنغتون أن هذا العالم الجديد أكثر الصراعات انتشارًا وخطورة، لن تكون بين طبقات اجتماعية غنية وفقيرة، أو جماعات أخرى محددة على أسس اقتصادية، ولكن بين شعوب تنتمي إلى هويات ثقافية مختلفة، الحروب القبائلية والصراعات العرقية سوف تقوم داخل حضارات.
ويضيف هنتنغتون في عالم ما بعد الحرب الباردة، تحدد الدول بشكل متزايد مصالحها في شكل حضاري، فهي تتعاون وتوحد نفسها مع الدول التي تشاطرها ثقافة متشابهة أو مشتركة، وهي في الأغلب تدخل في صراع أكثر مع الدول التي تختلف عنها في الثقافة.
ومن القضايا التي أثارها هنتنغتون:
1- طبيعة الحضارة، عند السؤال عن: ماذا نعني عندما نتحدث عن الحضارة؟ أجاب هنتنغتون بالقول: بأن الحضارة هي أرفع تجمع ثقافي للبشر، وهي أشمل مستوى للهوية الثقافية، ويمكن تعريفها بكل العناصر الموضوعية مثل اللغة والتاريخ والدين والعادات والمؤسسة والتمايز الذاتي للبشر، ولدى البشر عدة مستويات للهوية: فمواطن روما ربما يعرف نفسه بدرجات متباينة الشدة كروماني وإيطالي وكاثوليكي وغربي، والحضارة التي ينتمي إليها هي المستوى الأشمل للتمايز والذي يعرف به بشدة.
2- تقسيم الحضارات، يقسم هنتنغتون الحضارات إلى سبع أو ثمان حضارات وهي: الحضارة الصينية، اليابانية، الهندوسية، الإسلامية، الأرثوذوكسية، الحضارة الغربية، الحضارة الأمريكية اللاتينية، الحضارة الإفريقية.
3- رفض الحضارة الواحدة العالمية، يرفض هنتنغتون فكرة الحضارة الغربية العالمية، إذ أكد أن استعمال الأدوات الغربية من لباس وشراب الكوكاكولا وموسيقى الراب، لا يعني بأي حال من الأحوال اندماج الحضارات الأخرى في الحضارة الغربية.
4- خصائص الحضارة الغربية، حدد هنتنغتون جملة من الخصائص التي تشمل الحضارة الغربية، وبها تفوقت على غيرها وتمثلت في الميراث الكلاسيكي المتمثل في الفلسفة اليونانية والعقلانية والقانون الروماني واللاتينية والمسيحية والكاثوليكية والبروتستانتية (المسيحية الغربية)، واللغات الأوروبية بصورها المتباينة، والفصل بين الكنيسة وسلطة الدولة، وسيادة القانون والتعددية الاجتماعية، والهيئات العامة النيابية، والنزعة الفردية.
5- الخوف من انبعاث الحضارات، يؤكد هنتنغتون أن القوة تتجه بشكل سريع إلى شرق آسيا نتيجة القوة الاقتصادية، كما أن القوة العسكرية والنفوذ السياسي بدآ يتبعان الاتجاه نفسه، ويرى أن العالم الإسلامي صار بشكل متزايد عدوانيًّا نحو الغرب، وكذلك الحال بالنسبة لثقة الغرب في نفسه وإرادته في الهيمنة.
ويرى هنتنغتون أن أهم وأكبر زيادة في القوة ستكون للحضارات الآسيوية، ومع بزوغ الصين التدريجي كمجتمع والذي يتحدى على الأرجح الغرب من أجل النفوذ العالمي، هذه التحولات في القوة بين الحضارات تؤدي الآن إلى إحياء وتأكيد الذات الثقافي المتزايد للمجتمعات غير الغربية، ورفضهم المتزايد للثقافة الغربية.
ويضيف هنتنغتون قائلًا: بينما كان نهوض شرق آسيا قد غذّته معدلات النمو الاقتصادية المذهلة، فإن الانبعاث الإسلامي قد غذته بشكل متساوٍ معدلات نمو سكاني مذهلة، وحذر هنتنغتون من الأسباب التي تجعل العلاقة بين الحضارتين الإسلامية والصينية تتوسع وتتعمق وتستمر وتتحدى الحضارة الغربية، وتعارضها حول منع انتشار الأسلحة النووية، وحقوق الإنسان، وقضايا أخرى، ولذلك يلح هنتنغتون على أن يتخذ الغرب جميع التدابير على المستوى القريب، كما على المستوى البعيد، للدفاع عن مركزه ومصالحه.
صدام الحضارات.. انتقادات عالمية
يؤكد هنتنغتون أن مصدر الصراعات كان أيديولوجيًّا أو اقتصاديًّا في السابق، والآن يميل على أن يصبح ثقافيًّا، وهناك من اعتبر أن تمايز الحضارات الديني واللغوي والتاريخي والثقافي لا يؤدي إلى الصدام والصراع، وإنما الذي يؤدي إلى الصدام والصراع هو المصالح السياسية والاقتصادية، والاستراتيجية العليا التي تقوم بتوظيف هذه التمايزات في اتجاهين أساسيين: اتجاه لتبرير الصدام والصراع الذي ستقوم به تلك النخب صاحبة المصلحة السياسية والاقتصادية تجاه المجتمعات والشعوب الأخرى، واتجاه لتغطية الأطماع التوسعية والاستعمارية.
أما الدكتور محمد عابد الجابري فيرى أن أطروحة صدام الحضارات تتحدث عن المستقبل وتنذر بخطر المواجهة والحرب، وتدعو صراحة إلى أخذ الحيطة والاستعداد للدفاع عن النموذج الحضاري الأمريكي، وعن المصالح التي يقوم عليها.
وقد تساءل الجابري: لماذا هذا الانشغال بأطروحة صدام الحضارات؟ لأنه كان من المفروض أن يكون سقوط الشيوعية ومعها نهاية الماركسية، هو الذي يستقطب الاهتمام ويشغل الناس في العقد الأخير من القرن العشرين، وذلك بحثًا عن الأسباب والعوامل التي أدت إلى ذلك الانهيار والذي جعل حدًّا لأحلام الطبقة الكادحة، وللمخاوف التي أثارتها لدى خصومها، فقد استغربت هذا الحدث التاريخي المهم.
كما يعتقد الجابري أنه من الناحية العلمية فصدام الحضارات هو مجرد وهم وفكرة غير معقولة، إذ يجب أن تكون الحضارات عبارة عن صحون أو سيارات أو ما أشبه هذا، وذلك حتى يمكن تصورها تتصادم، ويؤكد الجابري أن الغرب هو مصالح ولا شيء غير المصالح.
وهناك من أشار إلى ملاحظة متعلقة بالعقل الغربي، وهي التوجس الشديد من خطر التقهقر والأفول، وربما يكون المثال الواضح على ذلك كتاب إشبنجلر عن «أفول الغرب» في العشرينات من هذا القرن الماضي، ومبعثه التساؤل عمَّا إذا كانت حضارة الغرب محكوم عليها شأنها في ذلك ما سبقها من حضارات بالزوال والأفول.
وقد يرجع هذا الإحساس بالتوجس والخطر عند الغرب إلى التاريخ الأوروبي، حيث كانت أوروبا ممرًّا لغزوات مستمرة منذ أكثر من ألف عام، وهكذا غلب على الأوروبيين الإحساس بتعرضهم المستمر للخطر من الغير، ومن ثم الحاجة إلى تميزهم واختلافهم عن الآخرين.
في المقابل هناك من بحث في البنى الفكرية للحضارة الغربية، التي ساعدت على تزكية هذه النزعة الصدامية وأرجعها إلى:
1- الهيجلية: نسبة إلى هيجل في فلسفة التاريخ، وهي التي قامت على نسخ العصر الجديد للعصر القديم عبر الصراع مع مكوناته والحلول معها.
2- الداروينية: نسبة إلى داروين في فلسفة النشوء والارتقاء، وهي التي قامت على صراع الأحياء ونسخ الأقوى للأضعف والضعيف لأن الأقوى هو الأصلح.
3- الصراع الطبقي: سواء في ماركسية ماركس أو في الليبرالية الرأسمالية، والذي يعتمد النزعة الفلسفية الصراعية في علاقات الطبقات الاجتماعية، فالطبقة الوليدة والجديدة تصارع الطبقة القديمة لتقهقرها وتزحزحها وترثها، وتنفرد بكل الثمرات والامتيازات، وبكل السلطات البرجوازية في الليبرالية والبروليتارية عند الماركسيين.
فهذه النظريات هي التي صبغت هوية الحضارة الغربية بصبغة الفلسفة الصراعية، والتي عملت على إماتة الضمير الغربي إبان صراعه مع الحضارات غير الغربية، فبما أنه هو الأقوى فإذن هو الأصلح، ولذلك فإن صراعه ضد الحضارات الضعيفة والبنى الموروثة للأمم المستضعفة هو قانون علمي، ورسالة نبيلة يقوم بها هذا الرجل الأبيض لإزالة الماضي والمواريث والمؤسسات الضعيفة، وإحلال النموذج الغربي في العالم كله عبر التطبيقات المتنوعة لفلسفة الصراع.
والبعض انتقد تقسيم هنتنغتون لحضارات العالم إلى ثماني حضارات، اعتمادًا على الدين بشكل أساسي، واعتبر هؤلاء أن هذا التقسيم غير دقيق، ويتلاءم بدرجة رئيسية مع ديانته اليهودية، إذ دمج بين الديانتين اليهودية والمسيحية التي ستقف في مواجهة الحضارة الإسلامية والكنفوشيوسية.
وهناك من وجَّه نقده لفرضية هنتنغتون من خلال عدم التوافق في النظام، وفي التسمية الاصطلاحية، فليس الإسلام والمسيحية أو الغرب والشرق هما اللذين يتناقضان، فهناك عدم تناظر بين الإسلام والغرب، لأن الإسلام دين والغرب منطقة جغرافية.
والبعض الآخر قيم الدوافع الحقيقية لفرضية العدو الضروري، المتمثل في الإسلام بعد زوال الاتحاد السوفيتي أو الشيوعية، حتى يجد الجهاز العسكري تبريرًا لميزانية التسلح وللسياسات العسكرية الهجومية.
أما مجموعة العالم الثالث، فقد أرجعت السبب الحقيقي للصراع بين الغرب والإسلام، إلى ماضي الغرب الاستعماري والإمبريالي، ولا يعود إلى عدم التوافق الحضاري، أو أن العالم الإسلامي يهدد الغرب ديمغرافيًّا من خلال ثقله السكاني المستقبلي، والهجرة إلى الدول الغربية.
إلا أن هناك من الغرب من تعالت دعواتهم التي تناهض فكرة الصدام، وتؤمن بأن تعايش الحضارات ممكن جدًّا ومرغوب فيه، فكلنا نبحث عن طرق ووسائل اكتشاف الطريقة الصحيحة للعيش على هذا الكوكب المزدحم، وجميعنا يريد السلام، وذلك لتعزيز الفرص من أجل الاستمتاع بحياتنا، ومن أجل العيش بحرية، والاهتمام بوجودنا المحبب، ونحن جميعًا نتقاسم المصلحة في ازدهار اقتصادي عالمي، بحسب قوانين قابلة للتطبيق بحكم علاقاتنا وهذا هو الأساس الصلب للتعاون، وهو ليس سببًا للمواجهة[7].
2– حوار الحضارات.. رؤى واتجاهات
شاع تداول مصطلح حوار الحضارات في السجال الثقافي والسياسي والفكري في عالمنا العربي والإسلامي، كما شاع استعماله من قبل الغربيين والأسيويين، واكتشفنا من خلال هذا الشيوع والتداول تضاربًا في الأقوال وتعارضًا في الطرح.
يرتبط لفظ الحوار في هذا السياق بمصطلح الحضارات، ويطرح بعض الباحثين بهذا الصدد مسألة وجود حضارات متزامنة في وقت ما من الأوقات، ويتساءل البعض هل هناك حضارة واحدة أم أن هناك حضارات متعددة، فإذا سلمنا بالرأي الأول جاز القول: هل في العالم ثقافة واحدة أم ثقافات متعددة؟.
انطلاقًا من هذه الأسئلة، يتبين أن هناك آراء مختلفة حول مفهوم حوار الحضارات، بين من يرى أن ليس هناك حوار حضارات وليس هناك صراع، وبين من يرى أن الحوار قراءة متبادلة بين الذات والآخر، إلى جانب من يرى أن الحوار فكرة عامة لا رابطة له، بالإضافة إلى من يرى أن الحوار يأتي في سياق القضاء على الصور النمطية في الغرب.
ويفضل البعض حوار ثقافات لا حوار حضارات، ويتحفظ رواد هذا الاتجاه على مصطلح حوار الحضارات، ويتبنون مصطلح حوار الثقافات بديلًا عنه، ذلك أنهم يؤمنون بوجود عالم واحد أو حضارة إنسانية بعشرة آلاف ثقافة أو تزيد، وقد تبنى هذا الرأي مثقفون من العالمين العربي الإسلامي وحتى من العالم الغربي، أصحاب هذا الرأي فكروا في وضع نموذج جديد للعلاقات بين الثقافات، أنموذج قوامه الحوار لا الصراع، والانفتاح لا الانغلاق، ولتحقيق هذا المسعى، وضعوا له أسسًا لخصت فيما يأتي:
1- التركيز على المشترك الإنساني.
2- النظر إلى مستقبل الإنسانية.
3- التعامل الإنساني الهادف.
4- إشاعة المثاقفة كهدف إنساني مشترك.
ومن ناحية النقد والتقييم، فإن هذا الرأي من جهة اعتباره أن الحضارة الإنسانية واحدة، والواقع غير ذلك، فهناك حضارات وليس حضارة واحدة، وأكبر شاهد على ذلك أن تعدد الحضارات مبناه فكرة وجود التعدد الثقافي، إذ بتعدد الخلفية الفكرية لنظرة الإنسان للكون والحياة، تتنوع الحضارات المترتبة عليها.
كما أن الحوار الحضاري هو روح الحوار الثقافي، ونتيجته المنتظرة، فلا يمكن موضوعيًّا تصور الأول بغير تصور الثاني، كما أن قبول الثاني بمعزل عن الأول سيؤثر على الأول سلبًا، هذا إذا لم يكن سببًا في اجتثاثه من الأساس ولو بعد حين[8].
أ– نظرية حوار الحضارات عند روجيه غارودي
خلص غارودي إلى الدعوة لحوار الحضارات، والتحرر من عقدة (مارثون) التي فصلت الغرب عن الشرق، ووضعت العالمين وجهًا لوجه في علاقة حرب وصدام، من خلال تجربة حياته الحافلة بالغنى الإنساني التي حملته إلى ثقافات لا غربية، وإلى أناس من آسيا ومن الدول الإسلامية، ومن إفريقيا إلى أمريكا اللاتينية.
وتطلع غارودي إلى نماذج أخرى من علاقة الإنسان بالإنسان، وعلاقة الفرد بالجماعة، وذلك لمكافحة عزلة الأنا الأوروبية المتبجحة، وضرورة الإقلاع عن تصور المستقبل في شكل إيمان ساذج بالتقدم، أو في صورة فيض من إنجاز مشروعات تقنية، بل في طفولة جديدة لحياة حضارية إنسانية متعاونة تؤدي إلى المدنية في أخر المطاف.
لهذا قام غارودي في سنة 1976م بتأسيس المعهد الدولي لحوار الحضارات في جنيف بالتعاون مع منظمة اليونيسكو، بهدف إبراز دور البلاد غير الغربية وإسهامها في الثقافة العالمية، حتى يتوقف الحوار ذو البعد من جانب الغرب الذي يقوم على وهم وعقدة التفوق عند الإنسان الغربي[9].
لقد أراد غارودي من حوار الحضارات أن تكون خطابًا نقديًّا وعلاجيًّا لأزمة الغرب الحضارية، ولأنماط علاقاته بالعالم وبالحضارات غير الأوروبية، كما أراد منها أيضًا أن تكون خطابًا موجهًا إلى الغرب بصورة أساسية، لذلك فهي تنتمي وتصنف على النظريات الغربية التي تنطلق من نقد التجربة الغربية، ونقد الفكر الغربي، ومن ناحية نسقها المعرفي فهي تنتمي إلى المجال الثقافي الغربي، وتحدد به، لأنها تركز على الأبعاد الثقافية والفكرية والأخلاقية[10].
الأفكار المؤسسة لنظرية حوار الحضارات عند روجيه غارودي
تقوم نظرية غارودي على جملة من الأفكار التي صاغها في كتابه «في سبيل حوار بين الحضارات»، وتتلخص هذه الأفكار فيما يأتي:
1- الغرب طارئ والحضارة كونية تشاركية وليست غربية محضة، يسمي غارودي الغرب الذي وصفه بأنه عارض وطارئ بالشر الأبيض، وعلى الغرب -في نظره- الإقرار بأن أساس حضارته ولد في آسيا وإفريقيا، وحسب قول غارودي: وإذا تجردنا عن الحكم العرقي القائل بتميز الإنسان الأبيض، وجدنا أن منابع الغرب الإغريقية الرومانية والمسيحية، إنما ولدت في آسيا وإفريقيا.
يرفض غارودي الفكرة الوردية عن عصر النهضة، وأنه ليس حركة ثقافية وحسب، بل ولادة أنجبت الرأسمالية والاستعمار، وقد هدم حضارات أسمى من حضارات الغرب.
ويرى غارودي أن المشروع الذي يمكن أن يضع حدًّا للاعتداء الغربي، إنما هو مشروع حوار الحضارات، الذي يقدمه كبديل للمشروع الحضاري الغربي الأحادي الإقصائي، وعن هذا يقول: «وبهذا الحوار بين الحضارات وحده يمكن أن يولد مشروع كوني يتَّسق مع اختراع المستقبل، وذلك ابتغاء أن يخترع الجميع مستقبل الجميع».
والمشروع الحضاري الكوني الذي سماه روجيه غارودي «مشروع الأمل» لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تزامن معه مشروع اجتماعي جمعي متكامل بعيد عن النزعة الفردانية المستبدة، التي طبعت المجتمع الغربي في العهود الإقطاعية والاستعمارية.
وتكلم غارودي على ديمقراطية تشاركية تستند إلى القاعدة، لا على ديمقراطية تمثيلية حيث العقائديات التقنوقراطية وحيث يصدر كل شيء من الأعلى.
2- الاستفادة من القيم المتنوعة في الحضارات المختلفة، يرى غارودي أن من الغايات التي تسعى إليها فكرة الحوار بين الحضارات، هي محاولة إحداث التوازن والتكامل الحضاري، فهناك حضارة مادية محضة وهي الحضارة الغربية، ينبغي التخفيف من غلولها لكي تنسجم مع القيم الروحية والأخلاقية التي تنطوي عليها بعض الحضارات.
وهناك في الطرف المقابل حضارة روحية مفرطة في الجانب الروحي، وفي هذا السياق يقول غارودي: لقد عرف الناس الآن إنسانيتين، هما إنسان الهند القديمة، والآخر مادي وهو إنسان الحضارة التقنية الغربية.
إن مشروع التوازن الحضاري البعيد عن الروحية المحضة والمادية المحضة، هو المشروع الذي يراهن غارودي على تحقيقه من خلال الدعوة إلى الحوار بين الحضارات، وهذا المشروع المتوازن لا يلغي بأي حال خصوصيات الحضارات، وإنما هو السبيل الأمثل من حالة الصراع الحضاري أو الانغلاق الحضاري الذي زاد من اتساع هوة الخلاف بين الشرق والغرب، ويقول غارودي: «إن ثقافة الروح قادت الإنسان الهندي إلى تصور العالم على أنه وهم كبير يخفي عنه واقع الجوهر أو النفس أو روح الأشياء والكائنات، وأن الدرس الذي قدمته الهند درس عظيم جدًّا، ولكن هذا الدرس لم يحض بشمول عالمي ولم يستطيع مقاومة ضغط الحضارة الغربية التقنية، إذ إن هذا الغرب الصناعي يستسلم لطاقة التقنية العمياء التي تسود وسائل العمل هذه، تسود قدرته وقد أصبحت رهينة، ذلك إن هذه القدرة كشفت عن عجزها في تحقيق السعادة بالفعل، إن الثقافة الغربية القائمة على أساس وحيد من العلم والتقنية، قد عكفت على حاجة واحدة من حاجات الإنسان».
3- عدم التذرع باختلاف الأديان لرفض الحوار بين الحضارات، إن مشكلة كثير من النظريات الاستراتيجية الغربية، أنها بنيت على كامل الاختلاف الديني، واستغلاله ذريعة لتبرير الصدام الحضاري، ولهذا نجد أن صاموئيل هنتنغتون يضع دائمًا الحضارة الغربية ذات التوجهات المسيحية في مقابل الحضارات الأخرى ذات التوجهات البوذية أو الكونفوشيوسية أو الإسلامية، وهكذا أقحم الدين كعامل حاسم في عملية صراع الحضارات.
ولا يريد غارودي لهذا التوجه أن يسود ويبقى، فالأديان جاءت للتقريب بين الحضارات، وليس لزيادة حدة الصراعات بينها، ويذكر غارودي أن المسيحية قد استغلت لخدمة أهداف الاستعمار الغربي، مع أن ذلك ليس في تعاليمها في شيء، وأنه قد حان الآن لهذا التشويه لحقيقة المسيحية أن ينقضى[11].
شروط وأهداف حوار الحضارات عند غارودي
لعل من أبرز شروط حوار الحضارات عند غارودي، أن الحوار الحقيقي يوجد عندما يكون كل محاور مقتنعًا منذ البدء أن ثمة شيء يتعلمه من الطرف الآخر، كما أن فهم ثقافة أخرى يستلزم تحولًا كبيرًا في العقلية الغربية، وجهدًا كبيرًا في التواضع الفكري، وفي القبول لرفض التشويهات المتبادلة والتنازلات والمصالحات.
يهدف مطلب حوار الحضارات عند غارودي، إلى الإسهام على الصعيد الثقافي في بناء نظام عالمي جديد، إن الأمر ليس أمر اصطناع طوباوية لا أساس لها من الواقع، بل أمر وعي ما تصبوا إليه آلاف المجتمعات المتشاركة والطوائف على اختلاف أنماطها المتنوعة، وهي تسعى كل منهما لمصلحتها، إلا أن تغير الحياة يفرض علينا أن نعرف القاسم المشترك بين تطلعاتنا، وأن نفتح آفاق إمكانات جديدة. إن ما نراه الآن يولد وينمو ويمنحنا سلفًا الثقة والجرأة على تصور وعلى تحقيق عالم آخر هو بمثابة نمو إنساني.
ولا يقتصر وعي حوار الحضارات في عصرنا على فائدته التاريخية وحسب، بل إنه ينهض بدور أمامي لأجل اختراع المستقبل عن حوار الحضارات الحقيقي، الذي لم يزل في طور بدء المغامرة الإنسانية، إنه أكثر الأمور إلحاحًا من أجل إقامة علاقات جديدة مع سائر البشر، ومع مستقبلنا المشترك.
ب- حوار الحضارات عند محمد خاتمي
طرح محمد خاتمي دعوته إلى حوار الحضارات ردًّا على نظرية الصدام، لهذا اقترح باسم الجمهورية الإسلامية أن تبادر الأمم المتحدة بخطوة أولى إلى تسمية 2001م عام حوار الحضارات، على أمل أن يحقق الحوار هذه الخطوات الضرورية الأولى في سبيل العدل والحرية على المستوى العالمي، فإن من أهم مكاسب القرن العشرين الاقتناع بضرورة الحوار دون اللجوء إلى القوة، وتعزيز عملية التنسيق والتفاعل في المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية، إلى جانب تعزيز أسس الحرية والعدل وحقوق الإنسان.
مثّل حوار الحضارات عند خاتمي بديلًا مرجعيًّا لأساس تقليدي قامت عليه العلاقات الدولية خلال القرن الحادي والعشرين، وهو أساس القوة والهيمنة.
ويهدف الحوار والتواصل عند خاتمي إلى ما هو أبعد من العلاقات الاقتصادية والتجارية التي تتكون نتيجة لضرورات الحياة والاحتياجات المادية، كما لا يمكن للحوار أن يقف عند حدود العلاقات العلمية والثقافية التي تظل محدودة بالرغبة في معرفة الآخر.
فعالمنا المعاصر أصبح بمثابة قرية كونية، ومن هنا تواجهه مهمة صنع السلام عن طريق التضامن العالمي، ولعل الوصف الأكثر ملاءمة للإنسانية اليوم أنها تمثل جماعة استقرت على ظهر سفينة كونية تبحر عبر الفضاء الكوني، ويتحتم عليها أن تتجنب حدوث أي خلل بأي ثمن.
شروط الحوار عند خاتمي
حوار الحضارات عند خاتمي يتطلب الشروط الآتية:
1- أن ننصت للآخر كما نتحدث إليه، فالإنصات فضيلة علينا أن نتحلى بها، ولا بد من إحداث تحول جذري في الأخلاق السياسية، فالتواضع والالتزام بالعهود، والمساهمة الفاعلة هي من أهم المتطلبات الأخلاقية لتحقيق الحوار في مجال السياسة والعلاقات الدولية. ولا يتحقق الحوار إلا في ظروف تتدخل في تكوينها عناصر نفسية وفلسفية وأخلاقية خاصة.
2- شرط آخر يتعلق بالسلام الناتج عن الحوار، فالإنسانية ظلت تسعى على مر التاريخ إلى تحقيق السلام، فالإنسان يتجنب في حد ذاته مستويات الصراع والصدام، ويميل نحو السلام القائم على العدل، وتوفير الاحترام المتبادل الذي يُبديه كل طرف حيال الآخر، وهذا هو أساس الحوار الذي يبدأ حين يتم إلغاء ممارسة الهيمنة.
3- نحتاج إلى سلام آخر مع الطبيعة، فهي مهد الإنسان ومن المؤسف أن جشع الإنسان وأنانيته دفعاه إلى الصراع مع الطبيعة بدلًا من العيش في أحضانها والحياة معها، فراح يرى في الطبيعة كائنًا جامدًا بلا روح، فعبث بها، وقد أصبحت هذه الطبيعة ذاتها بلاء عليه نتيجة لعبثه وجشعه، إذ يعد تلوث البيئة وما تشهده من فوضى التهديد الكبير الذي تواجه حياة الإنسان.
ج- الأمم المتحدة وحوار الحضارات
إذا كان هذا الزمن يتصل بالزمن الثاني ويتأثر به، إلا أنه يختلف ويفترق عنه في مستويات الاهتمام، وديناميات التطور، وطرائق التعاطي، ويؤرخ لهذا الزمن بموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثالثة والخمسين على اقتراح سنة 2001م سنة الأمم المتحدة للحوار بين الحضارات، وهو القرار الذي تقدم به السيد محمد خاتمي رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آنذاك في خطابه الذي ألقاه بالجمعية العامة للأمم المتحدة في أغسطس 1998م.
والخلفيات التي أشار إليها قرار الأمم المتحدة بهذا الشأن، تنتمي وتتوافق مع أفكار وتصورات أولئك المفكرين والمؤرخين أصحاب النزعة الأخلاقية والإنسانية في البحث التاريخي والأنثروبولوجي، الذين يؤكدون مفاهيم تنوع الثقافات وتعدد الحضارات، والنظر لهذا التنوع والتعدد بوصفه مصدر إثراء واستلهام يبعث التقدم والتواصل بين الأمم والحضارات.
هذا التبني لمفهوم حوار الحضارات من طرف الأمم المتحدة، ساهم بصورة فاعلة وكبيرة في تحريك وتعميم مفهوم حوار الحضارات، وتحويله إلى مفهوم متحرك في مجال العلاقات الدولية، إذ بات يأتي على ذكره في المناسبات والاجتماعات الدولية، ويشار إليه في البيانات والتقارير الإقليمية والعالمية.
واختيار سنة 2001م تحديدًا، القصد منه استقبال العالم للألفية الثالثة، بنوع من التفاؤل والثقة والشعور بالأمن والسلام.
لكن مع أحداث 11 سبتمبر 2001م، الحدث الذي أصاب العالم بهزة عنيفة غيرت صورته وقلبت معادلاته وتوازناته، وأصبح الحدث الذي تؤرخ له الألفية الثالثة الجديدة، وتأثرت به التطورات والتغيرات اللاحقة، وأصبح المجتمع الإنساني لأول مرة وكأنه يعيش صدام حضارات، المفهوم الذي أخذ العالم يتداوله على أوسع نطاق، وكأن هنتنغتون صدق في نبوءته[12].
ﷺ ثانيًا: زكي الميلاد ونظرية تعارف الحضارات
قبل التطرق لنظرية زكي الميلاد التي يشرح من خلالها طبيعة العلاقة بين الحضارات وفق رؤية إسلامية، نحاول أن نذكر ولو لمحة عن مساهمة أخرى من مساهمات الكتّاب الإسلاميين حول تعريفهم لطبيعة العلاقة بين الحضارات.
هذه المساهمة تتمثل في مفهوم «تدافع الحضارات» بدلًا من الصراع، ويستند هؤلاء إلى قوله تعالى: {لَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} -سورة البقرة الآية: 251- فغاية التدافع هي عمارة الأرض، والإبقاء على الأكثر نفعًا للبشرية، فالبقاء للأصلح وليس للأقوى، كما يريد هنتنغتون وأمثاله.
فنحن في إطار التدافع لا نستهدف القضاء على الآخر، ولا مصارعته، بل إلى تبادل المنافع، وتحقيق المصالح المشتركة لبني الإنسان، ويميل آخرون إلى تعبير «مصالح الحضارات» لما يجسده من قيم إنسانية تسهم في بناء مجتمعات تقوم على مبدأ التبادل الخلّاق بين كل الثقافات، وهو ما لا يمكن تحقيقه عن طريق حضارة واحدة هي الحضارة الغربية، بل لا بد من مشاركة لكل الحضارات العالمية الموجودة على الساحة، والتبادل ليس للسلع الاستهلاكية وحدها، وإنما يشمل ما هو أسمى وأبقى، ألا وهو الاحترام المتبادل والحوار الفكري العالمي.
في هذا الجزء من العمل نحاول التركيز على فكرة تعارف الحضارات التي قدمها المفكر السعودي المسلم زكي الميلاد، والتي تعتبر بمثابة مساهمة فكرية جديدة تنتمي إلى الفضاء المعرفي الإسلامي، وتتحدد في مجال العلاقات بين الحضارات.
ينفي المفكر زكي الميلاد أن تكون الغاية من هذه الفكرة، توسيع دائرة النقاش والجدال حول مقولتي «صدام الحضارات» و«حوار الحضارات»، وإنما تكمن الغاية من هذه الفكرة في أنها محاولة لتطوير مستويات الفهم في النظر إلى عالم الحضارات، والسعي إلى اكتشاف آفاق جديدة أو غائبة تساهم في تجديد العلاقات بين الحضارات، وتوسع من دائرة التواصل فيما بينها، والتأكيد على ضرورة بناء هذه العلاقات على أساس المعرفة المتبادلة من خلال بناء جسور التعارف لإزالة كافة صور الجهل، والتخلص من رواسب وإشكاليات القطيعة.
ومعنى التعارف هو أن نتحاور حتى يعرف كل إنسان أخاه الإنسان، يعرف عقليته ونفسيته وسلوكه ومبادئه، والقيم التي صنعت مقاييسه، وموازينه الإنسانية.
ويعتبر التعارف عند زكي الميلاد أحد أرقى المفاهيم وأكثرها قيمة وفاعلية، ومن أشد وأهم ما تحتاج إليه الأمم فقد جاء موجهًا إلى الناس والحضارات كافة، بقصد أن تكتشف وتتعرف كل أمة وكل حضارة على الأمم والحضارات الأخرى، بعيدًا عن مفاهيم السيطرة أو الهيمنة أو الإقصاء أو التدمير.
كما أن التعارف هو الذي يحقق وجود الآخر ولا يلغيه، ويؤسس العلاقة والشراكة والتواصل معه، لا أن يقطعها أو يمنعها أو يقاومها، والخلاصة أن مفهوم التعارف يعني التواصل الكوني في الانفتاح العالمي على مستوى الأمم والحضارات.
أ- أسس تعارف الحضارات عند زكي الميلاد
استند زكي الميلاد في تأسيسه لمفهوم تعارف الحضارات إلى ثلاث نقاط رئيسية، هي فحص ونقد، أصل ومثال، قياس واختبار.
من جهة الفحص والنقد، الفحص بمعنى الرجوع إلى فكرة حوار الحضارات وفحصها، وفي هذا النطاق يمكن التوقف عند محطتين أساسيتين:
المحطة الأولى: حوار الحضارات عند غارودي، فقد مرت هذه الفكرة عنده بثلاث أطوار: الطور الأول الدعوة إلى الحوار بين المسيحية والماركسية، الطور الثاني الدعوة إلى الحوار بين الحضارات، الطور الثالث الدعوة إلى الحوار بين الغرب والإسلام.
المحطة الثانية: حوار الحضارات عند محمد خاتمي، ويمكن النظر إلى هذه الفكرة عند محمد خاتمي بعد الفحص من زاويتين:
الزاوية الأولى أنها جاءت ردًّا على مقولة صدام الحضارات المقولة التي تشاءم العالم منها، الزاوية الثانية أراد منها خاتمي تصحيح العلاقات الدولية مع إيران.
ومع التداول الواسع لمفهوم حوار الحضارات، دخل هذا المفهوم في دائرة الفحص والنقد المعرفي في المجال العربي، ونتيجة لهذا الفحص، بدأ النقد يتجه لهذا المفهوم ويتعدد في جهات مختلفة.
بعد الفحص والنقد تبيَّن للميلاد، أن مقولة حوار الحضارات تفتقد إلى الدقة والوضوح والإحكام والتماسك، وأول ما يعترض هذه المقولة هو هل أن الحضارات تتحاور فعلًا، وكيف نتصور هذا التحاور ونبرهن عليه.
وقد خلص الميلاد إلى أننا لا نملك على مستوى العالم العربي والإسلامي نظرية واضحة حول حوار الحضارات، لهذا بقي ناظرًا ومتأملًا حينًا، ومتسائلًا حينًا آخر: هل توجد فكرة أو نظرية إسلامية في هذا الشأن.
ومن جهة الأصل والمثال، قصد الميلاد أن فكرة تعارف الحضارات تستند إلى أصل في القرآن الكريم والذي هو الأصل الأول، وأصل الأصول كما يقول أهل الأصول.
وتحدد هذا الأصل في الآية 13 من سورة الحجرات، وهي الآية التي استشهد بها الدكتور حسين مؤنس في كتابه الحضارة، وذلك في سياق حديثه عن علاقة الحضارة بالأجناس، وما توصل إليه المؤرخون الغربيون بعدم حصر القدرة على بناء الحضارة بأجناس معينة، وأن الحضارات إنما قامت بمشاركة أجناس متعددة.
وهنا يلفت الميلاد النظر إلى ملاحظة منهجية ومعرفية ترتبط عمومًا بعلاقة الباحثين والمؤرخين بالقرآن الكريم وعلوم التفسير ومناهجه، وإمكانية التعامل معه كمرجع يرجع إليه في حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية.
ومن جهة القياس والاختيار، ويعني الميلاد به قياس وجهات النظر حول هذه الفكرة بعد الإعلان عنها في صيف 1997م، حين نشر مقالة في العدد 16 من مجلة الكلمة بعنوان: (تعارف الحضارات) شرح فيها قيمة هذا المفهوم وتميزه، واختلافه عن مفهومي صدام الحضارات وحوار الحضارات، واتصالاته بالمنبع القرآني.
وقد اكتسب هذا المفهوم في وقته قدرًا من التفاعل والاستحسان والاهتمام عند الذين اطلعوا عليه، وفي سنة 2009م أدرجت الفكرة في المقرر الدراسي لمادة التاريخ في دولة الإمارات العربية، الأمر الذي يعني أن هذا المفهوم قد تجاوز مرحلة الاختبار.
2- مرتكزات نظرية تعارف الحضارات
طرح زكي الميلاد مفهوم تعارف الحضارات في مقابل مفهومي حوار الحضارات وصدام الحضارات، واستوحي هذا المفهوم من القرآن الكريم في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
لقد حدد الميلاد مرتكزات هذه النظرية بالاستناد إلى هذه الآية الكريمة، واعتمد في دراسة مضامينها وعلاقتها بمفهوم التعارف، وأبعادها في المجال الحضاري، بطريقتين: تحليلية وتركيبية.
الطريقة التحليلية: وتتحدد بدراسة الآية في عناصرها ومكوناتها التجزيئية على النحو الآتي:
1– {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} جاءت هذه الآية بصيغة النداء، وهذا النداء موجه إلى الناس كافة، والناس هو مصطلح في غاية الدقة لكونه لا يقبل التجزئة والثنائية والتقابل، كما هو حال التسميات الأخرى القريبة منه، مثل الأمة، والشعب. وهذا الاستعمال يعد من صور البلاغة في القران الكريم الذي نزل لمخاطبة الناس كافة في كل زمان ومكان، لأنه الكتاب الذي جاء هدى ورحمة للعالمين.
2– {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} أي إنكم أيها الناس قد خلقتم من أم واحدة وأب واحد، هما آدم وحواء، وذلك نفيًا للتفاخر بالأنساب، بمعنى أنكم مخلوقون جميعًا من رجل وامرأة ولا تفترقون من هذه الجهة، فالاختلاف الحاصل بين الشعوب والقبائل هو اختلاف ليس راجع لكرامة وفضيلة، وإنما لتتعارفوا فيتم بذلك اجتماعكم.
3– {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ} الشعوب جمع شعب، أي الجماعة الكبيرة من الناس، الذين يصدق عليهم ما هو متعارف عليه اليوم أمم ومجتمعات، وقبائل جمع قبيلة وهي أصغر من الشعب.
4– {لِتَعَارَفُوا} فالشعوب والقبائل مهما تعددت وانتشرت على امتداد مساحة الأرض، إلا أنها مطالبة بالتعارف فيما بينها كمبدأ في العلاقات الداخلية والخارجية، كما أن مبدأ التعارف يفيد نفي النزاع والصراع وكل أشكال السيطرة والهيمنة بين الشعوب والقبائل.
5– {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} تذكّر هذه الآية الناس إلى أن التفاضل بالتقوى، وتنفي التفاضل على أساس قيم القوم والقبيلة والعشيرة والعرق.
6– {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} يفرق العلماء بين لفظي الخبير والعليم، فالخبير يفيد معنى العليم، ولكن العلم إذا كان للخفايا الباطنة سمي خبرة، وسمي صاحبه خبيرًا، فالله سبحانه تعالى عليم حينما خلق الناس من ذكر وأنثى، وخبير حينما جعلهم شعوبًا وقبائل وفي كل ما قدر لهم.
الطريقة التركيبية: أوردها الميلاد على شكل مستخلصات عامة لمعرفة عناصر الآية ومكونات مفهوم تعارف الحضارات، ومن هذه المستخلصات:
1- إن القرآن الكريم هو خطاب إلى الناس كافة، من دون تحيز لأمة بعينها بسبب العرق أو اللسان، وهو خطاب صالح لكل زمان ومكان.
2- التأكيد على وحدة الأصل الإنساني {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى}.
3- يدعو القرآن الكريم الناس لأن ينظروا لأنفسهم بوصفهم أسرة إنسانية واحدة على هذه الأرض. وأن يتعامل الناس فيما بينهم على أساس مفهوم الأسرة الإنسانية المشتركة.
4- إن التنوع والتعدد في الاجتماع الإنساني حقيقة موضوعية يؤكدها القرآن الكريم لينتشر الناس في الأرض، ويعمروها ويستفيدوا من خيراتها.
5- يؤسس القرآن مبدأ التعارف بين الأمم والشعوب والحضارات لحكمة: إن التنوع بين الناس إلى شعوب وقبائل لا يعني أن يتفرقوا، أو أن تعيش كل أمة في عزلة عن الأمم الأخرى، أو أن يتصادموا من أجل الثروة والقوة والسيادة، وإنما ليتعارفوا.
6- من دون أن يكون هناك تعارف بين الأمم والحضارات لن يكون هناك حوار ولا تعاون، كما أن التعارف له دور وقائي في منع النزاع والصدام بين الحضارات.
7- ما يؤكد حيوية وفاعلية مفهوم التعارف أنه يحمل معه جملة من المفاهيم المتصلة والمتفاعلة والمتكاملة معه، كمفاهيم الانفتاح والتواصل والسلام ومد الجسور ورفض الانغلاق والقطيعة والكراهية، والتي هي شروط للتعارف.
8- يتجاوز مفهوم التعارف الحدود السطحية، ويقصد به أن تتعرف كل أمة وكل حضارة على إمكانيات وقدرات وثروات الأمم الأخرى، بالإضافة إلى معرفة الظروف والمشاكل والتحديات التي تحيط بهذه الأمم والحضارات.
9- لا يلغي القرآن الكريم مبدأ التفاضل بين الناس وبين الشعوب والقبائل، والذي حاول القرآن تغييره هو نوعية قيم التفاضل لربط الأمم والحضارات بالقيم العليا والسامية، ومحور هذه القيم هو التقوى.
10- إذ التزمت الأمم والشعوب بمبدأ التقوى، ترفعت عن الأحقاد والعصبيات وتعالت على مصالح الدنيا، وفي المنظور الإسلامي العلاقات بين الأمم والشعوب والحضارات لا تنحصر في حدود المصالح السياسية والمنافع الاقتصادية، وإنما ترتكز على القيم والآداب والأخلاق.
11- إن العالم لا يستطيع أن يعالج أزماته ومشاكله عن طريق السياسة أو الاقتصاد أو العلم فقط، وإن أشد ما يفتقده العالم المعاصر ويتضرر كثيرًا بافتقاده هو انعدام العامل الروحي والوجداني والأخلاقي.
12- من الحكمة أن يرضى الناس، وأن ترضى الأمم والحضارات ما يختاره الله سبحانه وتعالى لهم من سنن وقوانين وآداب وقيم وأخلاق في سعيهم لعمارة الأرض وبناء الحضارة، لأن الله هو العليم الخبير.
هذه بعض المستخلصات العامة التي قدمها المفكر زكي الميلاد من تلك الآية الكريمة.
ج- أهداف تعارف الحضارات
ضبطًا لمسار التعارف، هناك جملة من الأهداف والغايات التي يسعى لتحقيقها وفقًا للمنظور الإسلامي:
أولًا: التقارب والتسامح، فالتعارف الإيجابي هو الذي يبذل فيه كل طرف أقصى جهوده للتعرف على ما يقربه من الأطراف الأخرى التي تشاركه التطلع نفسه، فيبحث القائمون بالتعارف والتحاور في ثقافاتهم وحضاراتهم كل ما هو إنساني معبر عن جوهر الإنسان وفطرته لتحقيق الوفاق بين الحضارات.
ثانيًا: التعايش السلمي، الذي يتطلب تعميقًا بالغًا بفلسفة السلام وأفكاره، وتفكيرًا جادًّا للخروج بالمسألة من حسابات ومصالح السياسيين والعسكريين وأصحاب المنفعة من صناعة التسلح، والانتقال إلى ساحات التوعية العامة واصطناع جماعات الضغط من دعاة السلام العالمي العادل في كل حضارة، وفي كل مجتمع، لتسود ثقافة حضارية تمنح فكرة السلام صورتها الحقيقية، وتضمن وضعها في ذمة المبادئ لا المصالح.
ثالثًا: فك عقدة الهيمنة وتجاوز عقيدة الصراع، فالحضارة الغربية الحديثة بنيت على الصراع والهيمنة فأهلكت الحياة، وما يزال الصراع هو المحرك الأساسي لسياسة الغرب، وأفضل نموذج له السياسة الأمريكية القائمة على ضرورة خلق العدو.
ولتجاوز هذا الأمر يتطلب لقاءات ومحاورات مستمرة بين النخب المفكرة في شتى الحضارات والمجتمعات المعاصرة، تراجع فيها الكثير من المفاهيم التي أصبحت من المسلمات في المنظومة الفكرية الغربية، والتخلي عن نزعة الاستئثار بتحديد المفاهيم كالديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية والتطور والتنمية وغيرها.....
رابعًا: معرفة الآخر وتصحيح الصورة المسبقة عنه، فكثيرًا ما رسمت الحضارات صورًا نمطية لغيرها من الحضارات الأخرى، فلا تنظر إليها إلَّا من خلال تلك الصورة، وتخضع حسابات التعامل معها لمقتضاها.
وكثيرًا ما تكون تلك الصورة مغلوطة لأسباب عدة، ولكن من شأن الدفع بمشروع تعارف الحضارات أن يؤدي خدمة جليلة للإنسانية فيتعرف كل إلى صورة الآخر كما هي، وهذا التوجه تعليم رباني كريم لنا نحن المسلمين إذ نحب أن يتعرف إلينا الناس ونتعرف إلى الناس، وهذا الأمر يحملنا على مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن، ومن النتائج المنتظرة لهذا السلوك الحضاري معالجة عقد الاستعلاء والتخلص من الأحقاد ومن التخلف ومن تلك النزعات اللاإنسانية.
خامسًا: تشجيع فكرة الانتفاع المتبادل من خيرات الأرض، تنطلق الرؤية الإسلامية من عقيدة أن الله لم يخلق الأرض لسفك الدماء، بل لينتفع كل فريق بخير ما عند الفريق الآخر، فإذا كانت الأرض مختلفة فيما تنتجه، فالإنتاج كله للإنسانية كلها، وهذا توجه يخالف سلوك الحضارة الغربية القائمة على أبشع صور الاستغلال، وتبريره بدعاوى التقدم.
سادسًا: احترام الخصوصيات الحضارية، الخصوصيات التي تميز كل حضارة عن الأخرى إذ تشكل الحضارات تنوعًا فسيفسائيًّا من الثقافات، وتبقى مسألة الأخذ والترك منها محل اختيارات إنسانية تقديرية، تكيفها كل حضارة مع ما تراه مناسبًا مع أوضاعها وقيمها ومرحلتها الحضارية، فتعمل على تطوير قواها الإبداعية في هذا الجو المتفاعل حضاريًّا لتطوير نفسها داخل نسقها الحضاري، وبعيدًا عن مضار العزلة والتقوقع، لتخرج الحضارة الإنسانية من الأحادية الحضارية[13].
ﷺ الخاتمة
لقد أخذ موضوع إشكالية العلاقة بين الحضارات اهتمامًا واسعًا من قبل العلماء والباحثين على المستويين العربي والغربي، إذ تمثلت في أهم الأطروحات الفكرية محاولين الإجابة عن سؤال جوهري: على أيِّ أساس تقوم العلاقة بين الأنا والآخر.
ولعل أبرز وأهم ما أنتجه الفكر البشري المعاصر في ظل مجموعة من المتغيرات الاجتماعية والأيديولوجية والسياسية والاقتصادية، هو أطروحة فرانسيس فوكوياما ونظريته في نهاية التاريخ، الأطروحة التي يرى الميلاد بأنها جاءت متسرعة في أحكامها وتحليلاتها مما أفقدها النضج والعمق والتماسك العلمي والمنهجي، فليس بهذه السهولة يختزل التاريخ، ويعلن عن نهايته، خاصة في المجال الفكري والفلسفي، وفي الوقت الذي كان يعرف التاريخ ديناميكية متسارعة.
أما صاموئيل هنتنغتون فقد عرف بنظرية صدام الحضارات التي تعرضت لنقد شديد من قبل المفكرين في المجال الفكري والحضاري، لكونها تنطلق من خلفية الحفاظ على مصالح الغرب، وضبط هيمنته على العالم، واستمرارية تفوقه، فقد اعتبر المفكرون هذه النظرية بأنها تحريضية، لأنها تبدو وكأنها تحذر الغرب من احتمال صدام مع بقية الحضارات غير الأوروبية.
في المقابل طرح المفكر الفرنسي روجيه غارودي نظرية عرفت بحوار الحضارات، الذي وجّه نقدًا قاسيًا لسلوك الغرب في علاقته بالأمم والحضارات غير الغربية، فقد انشغل غارودي بمعالجة أزمة الحضارة الغربية وتصحيح موقفها من الحضارات الأخرى.
وعليه فإن نظرية غارودي -حسب الميلاد- تنتمي إلى النظريات الغربية وتصنف عليها، لكن هذا لا يعني بالضرورة نقدًا لها أو رفضًا أو إسقاطًا، وإنما القصد هو تحديد طبيعة الفضاء المعرفي والمرجعي لها، وكيفية التعامل معها، ومن ثم لا يمكن الرجوع إلى هذه النظرية إلا في إطار التثاقف والتواصل الفكري والمعرفي، وليس الاعتماد عليها بوصفها نظرية عامة، علما أن هذه النظرية لقيت ترحيبًا واسعًا من النخب الغربية والعربية.
في المقابل ومن الضفة الأخرى، برز إلى السطح مفكر عربي مسلم قدم نظرية تعتبر رائدة في مجال البحث حول مفهوم الحضارة، وطبيعة العلاقة التي يجب أن تكون بين الحضارات مهما كانت اختلافاتها، عرفت بنظرية تعارف الحضارات، وهي طرح إسلامي أصيل مقابل مفهومي حوار الحضارات وصدام الحضارات، والذي يؤسس لأشكال أخرى من العلاقات تجنب الصدام بين الحضارات.
وتعتبر هذه النظرية من الأفكار الجادة والرائدة والجديرة بالدراسة والاهتمام، وقد لقيت فعلًا قبولًا من قبل الكتّاب والأكاديميين من دول عربية مختلفة فقد تحدث عنها وأشار إليها أمثال: الأستاذ إدريس هاني من المغرب، والدكتور أحمد البغدادي من جامعة الكويت، والأستاذ تركي علي الربيعو من سوريا، والأستاذ عبدالواحد علواني من سوريا، الدكتور رسول محمد رسول من العراق... والقائمة طويلة.
وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على القيمة المعرفية والعلمية لهذه النظرية التي تعرف العالم عن حقيقة الحضارة العربية الإسلامية، انطلاقًا من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف.
ورغم أهمية ما قدمه زكي الميلاد كبديل عن نظرية صدام وحوار الحضارات، وما حظيت به هذه النظرية من ترحيب وقبول إيجابيين في المجال التداولي لدى المهتمين بالفكر الإسلامي، إلا أنه في واقع الأمر يعترض تطبيقها جملة من الصعوبات تنطلق من السؤالين التاليين:
* هل بإمكان نظرية تعارف الحضارات أن تأخذ مكانتها على مستوى الفكر العالمي؟ وأن تنافس الأطروحات الغربية حول إشكالية العلاقة بين الأنا والآخر؟
* من الناحية الواقعية وفي ظل التنوع والتعدد الثقافي، وفي ظل تضخيم الذات الحضارية، هل يمكن أن يتحقق التعايش السلمي دون نزاع؟
[1] صموئيل هنتنغتون، صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي، ترجمة: مالك عبيد أبو شهيوة ومحمود محمد خلف، طرابلس: الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، ط1، 1999، ص115-127.
[2] صموئيل هنتنغتون، المرجع السابق، ص10.
[3] شبلي هجيرة، إشكالية مستقبل العلاقة بين الحضارات زكي الميلاد نموذجًا، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في فلسفة الحضارة، جامعة الحاج لخضر باتنة، 2013م، ص 108- 109.
[4] زكي الميلاد، انبعاث الحضارات بين خيار التصادم والتعايش، مجلة الكلمة، العدد 12، السنة الثالثة، صيف 1996، ص48.
[5] شبلي هجيرة، مرجع سبق ذكره، ص ص 60-63.
[6] محمد نبيل، العولمة وتطورات العالم المعاصر، الحوار المتمدن، العدد 1456، الصادر في: 09/02/2006م.
[7] شبلي هجيرة، مرجع سبق ذكره، ص 89.
[8] عمار جيدل، حوار الحضارات ومؤهلات الإسلام في التأسيس والتواصل الإنساني، الجزائر: دار حامد للنشر والتوزيع، ط1، 2003 م، ص ص 21-36.
[9] شبلي هجيرة، مرجع سبق ذكره، ص ص 88- 89.
[10] حمدي شفيق، الإسلام والآخر.. الحوار هو الحل، نقلًا عن موقع مشكاة: www.almeshket.net، ص34.
[11] محمد بوالروايح، نظريات حوار وصدام الحضارات، قسنطينة، الجزائر: دار بهاء الدين للنشر والتوزيع، ص ص 29- 32.
[12] زكي الميلاد، تعارف الحضارات الفكرة الخبرة والتأسيس، مجلة الحوار الثقافي، مخبر حوار الحضارات.. التنوع الثقافي وفلسفة السلم، جامعة عبدالحميد بن باديس، مستغانم، الجزائر، عدد خريف وشتاء 2013م، ص ص 12- 13.
[13] شبلي هجيرة، مرجع سبق ذكره، ص ص124- 148.